وسط خيبة أمل ومناخ فلسطيني مفجوع بدأت حركة أمل حربها الأولى الواسعة ضد الفلسطينيين, وخيبة الأمل والفجيعة الفلسطينية كانتا بسبب نكران الجميل ونسيان المعروف فكل الدعم المادي والتسليحي السابق لحركة أمل , تناسته قيادتها بشكل واع ومتعمد وكل التضحيات الفلسطينية التي قدمت من أجل تحرير بيروت الغربية والضاحية الجنوبية وصيدا وشرقها شطبت من الذاكرة ومن التاريخ عند قيادة أمل .
بدأت المعركة بحادث فردي يوم 16/5/1985 واستمرت حتى 17/6/1985 وعرفت تلك الحرب بحرب رمضان وكانت فاصلة بتكريس الصراع بين الطرفين.
اندلعت الإشتباكات في أطراف شاتيلا وصبرا والداعوق وشنت حملة مطاردة واسعة للمهجرين الفلسطينيين في أحياء بيروت الغربية واستبسل أبناء المخيمات في الدفاع عن النفس ودحروا المهاجمين وأجبروهم على قبول وقف اطلاق النار عقب يوم قتال عنيف واتفق على تموضع قوات نظامية من اللواء السادس عند أطراف المخيم كقوة فصل, وما كادت قوات اللواء السادس تنهي تمركزها حتى بدأت بدون سبب أو ذريعة قصفا عشوائيا ومركزا على مخيمات الداعوق وصبرا وشاتيلا قصفا استهدف الأبنية والسكان, وترافق القصف مع قيام حواجز قوات حركة أمل بحملة اعتقالات واسعة للشبان الفلسطينيين في أحياء بيروت الغربية وعلى طرقات الجنوب والبقاع, وتواصلت الاشتباكات واستخدم اللواء السادس كافة أنواع أسلحته الخفيفة والثقيلة وتركزت عملياته بالتعاون مع ميليشيا أمل على مخيم الداعوق الواقع بين حي صبرا ومخيم شاتيلا والذي لا تتجاوز مساحته مساحة ملعب كرة قدم واستمرت المعارك حوله 13 يوما كانت قاسية على الفلسطينيين في لبنان.
وبعد قتال دام وسقوط العديد من الشهداء من الشيوخ والنساء والأطفال والمقاتلين, شرد أهالي المخيم البالغ عددهم 3000 آلاف نسمة وبعد تدمير المخيم تدميرا كاملا, سقط المخيم بيد حركة أمل وقوات اللواء السادس ونكل المهاجمون أبشع تنكيل بمن خرج حيا من بين الأنقاض واعتقلوا من نجا من الموت وقتلوا بعض الجرحى وسويت أرض المخيم بالجرافات لمسحه من الوجود ومسح آثار الجريمة التي ارتكبت بحق أهله دون ذنب اقترفوه سوى أنهم فلسطينيون فقراء شردوا من ديارهم وفرضت الأقدار عليهم الإقامة بهذا المخيم بانتظار مصيرهم المجهول ,
أما مخيم شاتيلا المجاور للداعوق فلم ينج هو الآخر من قتال تسبب بخسائر ودمار كبيرين , صحيح أن قوات أمل واللواء السادس لم تحاول اقتحام لكن القصف المدفعي من مختلف العيارات طال 40% من مبانيه ودمر ما يزيد على 425 منزلا تدميرا شبه كامل وبلغت الخسائر البشرية في مخيم شاتيلا وشوارع بيروت الغربية حيث طورد الفلسطينيون 210 شهداء و 620 جريحا و 400 مفقود ومعتقل لم يعرف مصير معظمهم.
جولة ثانية من الحروب ضد المخيمات
رغم اتفاقات وقف إطلاق النار ورغم الدعوات المتكررة إلى عودة الأمور إلى طبيعتها إلا أن حالة التوتر الشديد بين الطرفين بقيت قائمة لا سيما وأن حركة أمل لم تستطع تجريد المخيمات من أسلحتها بل استمرت تحاصرها ومنعت دخول مواد الأعمار إليها, ولم تطلق سراح المعتقلين والمفقودين وفي صباح يوم 4/9/1985 فوجيء أهالي مخيم برج البراجنة بنيران غزيرة تطلق اتجاه مخيمهم وبمحاولات اقتحام بعض المواقع الدفاعية دون مقدمات أو مبررات ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قامت قوات أمل صبيحة اليوم ذاته بتطويق المباني التي يقطنها الفلسطينيون بحارة حريك منذ سنوات طويلة , وتم إنزال الرجال منها إلى الشارع وتم قتل 30 رجلا بدم بارد أمام أعين السكان وواصلت أمل قصفها لمخيم برج البراجنة وجرت عدة محاولات لاقتحامه.
ودامت الاشتباكات في محيطه عشرة أيام كاملة سقط خلالها 20 شهيدا و 85 جريحا من أبنائه إضافة إلى الثلاثين الذين أعدموا في حارة الحريك.
ولم يصدق أهالي المخيم البالغ عددهم 25 ألف نسمة ما فعلته حركة أمل ضدهم وضد إخوانهم المقيمون في حارة حريك مستندين في استهجانهم الى العشرة الطويلة التي جمعتهم بأبناء الطائفة لشيعية فالمخيم جزء لا يتجزأ من الضاحية الجنوبية وبعض بيوته متداخلة مع بيوت الأحياء المجاورة له.
بعد مجزرة حارة حريك واشتباكات 4/9/1985 اقتنع شباب المخيم بأن ما جرى ضد مخيمهم ليس سوى مقدمة لعاصفة قوية هدفها اقتلاع كل وجود فلسطيني من بيروت وأتضح لهم متانة علاقة ما يجري ضدهم بالصراع الجاري بين قيادة المنظمة والقيادة السورية حول استقلالية القرار الفلسطيني واندفاع المنظمة في تطوير علاقتها مع مصر.
وبدأ شباب المخيم بتحضير أنفسهم على قاعدة أن الاشتباكات سوف تتجدد وبعد أيام قليلة جاءت الأحداث لتؤكد صحة هذه التقديرات القائلة بأن توقف المعارك ليس سوى هدنة مؤقتة هدفها تجميع القوى وامتصاص ردود الأفعال العربية على ما ترتكبه أمل في كل اشتباك.
وبالرغم من كل النداءات المتكررة التي وجهها أهالي المخيمات ومن الفصائل الفلسطينية للأحزاب والقوى والشخصيات ورجال الدين في لبنان, إلا أن جحيم نيرا المدافع والرشاشات الثقيلة انفتح من جديد يوم 7/10/1985 على بقايا مخيم شاتيلا ودام سبعة أيام سقط خلالها مزيد من القتلى والجرحى ودمرت بعض المباني الإضافية .
وقبل أن يتمكن أبناء المخيمات من لملمة أوضاعهم وترميم ما دمر من بيوتهم بادرت قوات أمل يوم 19/12/1985 ألى شن أوسع حملة من اعتقالات ضد الشباب الفلسطيني في مخيمات البص والبرج الشمالي والرشيدية والقاسمية وأبو الأسود الواقعة بجوار مدينة صور حيث أودوا في سجون متعددة وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب الذي تسبب في استشهاد بعضهم وفي 28/3/1986 فتحت حركة أمل نيرانها ضد بقايا مخيم شاتيلا وحاولت اقتحامه عدة مرات إلا أن بسالة المدافعين عن المخيم لم تمنكهم من تحقيق حلمهم واستمرت الاشتباكات حتى يوم 17/4/1986 وسقط في المخيم 24 شهيدا و 75 جريحا
الجولة الثالثة من الحروب على المخيمات
حركت حروب أمل الأولى والثانية ضد المخيمات الفلسطينية مشاعر الوطنيين اللبنانيين , واستفزت معظم الأحزاب وأثارت تخوفات العديد منها وخصوصا الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله والحزب الشيوعي اللبناني, أما منظمة العمل الشيوعي فكانت قيادتها وكوادرها شبه مستهدفه مثلها مثل الفصائل الفلسطينية بسبب موقفها التضامني الواضح والصريح مع أبناء المخيمات وشعرت هذه القوى أن انتصار أمل على الفلسطينيين يعني هيمنتها وسيطرتها سيطرة كاملة على المناطق الوطنية مما قد شجعها على الاندفاع باتحاه توجيه ضربات لها لا سيما وأن قيادة أمل نجحت في تهييج المشاعر الشيعية و العصبية التنظيمية ضد الطوائف والأحزاب الأخرى دون تمييز .
وراحت كوادرها وعناصرها تتصرف بعنجهية مع كل الوطنيين اللبنانيين بما في ذلك الاعتداء عليهم واعتقال بعضهم وصار وصول كوادر الأحزاب والتنظيمات اللبنانية من غير حركة أمل إلى مدينة صور في الجنوب اللبناني يحتاج إلى تصريح كما صار خاضعا لمزاج حواجز أمل على الطريق وعمد الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الإفصاح عن موقفه وأعلن معارضته بشدة لتصفية المخيمات الفلسطينية وضرب الوجود الفلسطيني في لبنان, ولم يتوقف الإعلان عند هذا الحد بل اندفع الحزب دون أي تحفظات إلى تقديم المساعدة اللوجستية للمدافعين عن المخيمات وأصدر رئيس الحزب وليد جنبلاط تعليماته لكوادر الحزب في كل المناطق بالتعاون مع فتح والجبهة الديمقراطية فقط.
وتقديم اللازم ضمن الإمكانيات وبما لا يعرض الحزب إلى مشاكل جدية مع السوريين
في 30/3/1986 قام شباب مخيمات الجنوب برفع الإعلام الفلسطينية بذكرى يوم الارض غير آبهين بمواقف حركة أمل ضد الوطنية الفلسطينية وردا على ذلك فرضت أمل حصارا شبه كامل على مخيمات الجنوب واعتقلت حواجزها 12 شابا من أبنائها وأهانت العديد من نسائها وشيوخها وداهمت مخيم البص والبرج الشمالي والمعشوق والشبريحا, إثر ذلك استنفر شباب مخيم الرشيدية واخرجوا أسلحتهم من مخابئها وأغلقوا مخيمهم في وجه دوريات حركة أمل ومنعوها من دخوله وتوترت العلاقة بين امل وسكان الرشيدية واعتبرت تصرف شباب المخيم بمثابه تحد لها وراحت تشدد الحصار على حركة الأفراد من و إلى المخيمات الجنوب جميعها , وطالبت أهالي المخيم تسليمها أسلحتهم وفتح أبواب المخيم أمام دورياتها العسكرية ومع رفض سباب المخيم هذه المطالب صعدت حركة أمل اجراءاتها ضد المخيم وشددت على حركة النساء ومنعت دخول التموين للمخيم وعرقلت دخول شاحنات وكالة الغوث " الأونروا " وسمحت بدخول كمية من التموين الطازج تكفي ليوم واحد فقط ومنعت العمال الزراعيين من العمل في المزارع المحيطة بالمخيم وأشاعت انها على وشك اقتحام المخيم ووسعت دائرة الاعتقالات مما ادى الى توقف الشباب عن التحرك من وإلى المخيم وبدأت بعض العائلات بالرحيل من مخيمات الجنوب عبر الطرق الزراعة إلى منطقة صيدا والشريط الساحلي بين صيدا وبيروت والى بعض قرى الشوف واقليم الخروب الخاضعين لسيطرة الحزب التقدمي الاشتراكي و أقدمت أمل على جرف مساكن الفلسطينيين في مخيم جل البحر الصغير الواقع على مدخل مدينة صور واعتقلت عشرات الشباب من مختلف المخيمات وخلال الفترة ذاتها واصلت حصارها لمخيمات بيروت.
وفي يوم 22/5/1986 شنت حركة أمل وقوات اللواء السادس هجمات عنيفة على مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة فتصدى لها المدافعون ببسالة ومنعوها من اقتحام المخيم وتواصلت الاشتباكات شهرين كاملين وكلفت مخيم شاتيلا 57 شهيدا و 300 جريح اما مخيم برج البراجنة فكانت خسائره 29 شهيدا و 350 جريحا وصباح يوم 30 ايلول 1986 في الساعة 15:30 أرسلت قوات أمل سيارة مسلحة بالرشاشات الثقيلة وراحت تطلق نيرانها الغزيرة باتجاه مخيم مما أدى الى استشهاد امرأة وجرح أربعة مواطنين, أثرها بادر شباب المخيم بالرد على مصادر النيران في محيط المخيم واستمرت الاشتباكات أحد عشر يوما, تخللها اتصالات سياسة نشطة أسفرت عن اتفاق وقف اطلاق النار لكن امل لم تلتزم به وتواصلت الإشتباكات الخفيفة والمتقطعة بصورة يومية حتى يوم 5/10/1986 حين تم الإعلان في دمشق عن اتفاق وقف اطلاق النار وقعته حركة أمل وجبهة الإنقاذ الفلسطيني وسمي باسم اتفاق دمشق.
موضوعيا كانت اعتداءات أمل على مخيمات صور واجراءاتها ضد القوى الوطنية اللبنانية بمثابة رسالة سياسية لإسرائيل هدفها القول بأنها مستعدة لتطبيق عملي لمضمون الاجراءات الأمنية التي نص عليها اتفاق 17 أيار 1983 بين لبنان وإسرائيل وأنها مستعدة للقيام بدور أمني تسيطر فيه على المخيمات الفلسطينية وتمنع قوى الثورة الفلسطينية وقوى المقاومة الوطنية اللبنانية من العمل العسكري ضد إسرائيل وأنها مستعدة للحد من نمو حزب الله ومن تطور نفوذه في الجنوب اللبناني على أمل تسهيل سيطرتها على كل الجنوب.
في الأيام التالية على توقيع اتفاق دمشق تطورت عمليات أمل الحربية ضد مخيم الرشيدية بسرعة وقامت قواتها بعدة محاولات لإقتحام المخيم وحددت لنفسها ثلاثة أيام لإنجاز هذه المهمة لكنها كفت عن المحاولة بعدما فشلت ومنيت بخسائر كبيرة واتضح لها أن لدى المخيم قدرات كبيرة للدفاع واستبدلت خطة الاقتحام الفوري بخطة الاستنزاف والتدمير التدريجي ورفعت من وتيرة قصف المخيم بالأسلحة الثقيلة ودمرت مئتي منزل على أطرافه وتسببت في إصابة 590 مواطنا كانت إصابتهم متفاوتة وكان بينهم مئة بحالة خطر شديد, والحقت عملياتها أضرارا بمئتي منزل وسط المخيم كان ضمنها مستوصف المخيم وهم عبارة عن عيادة بسيطة يعمل بها طبيبان احدهما حديث التخرج والثاني طبيب عام, حاول الطبيبان أداء اكبر دور ممكن في ظروف بالغة الصعوبة واعتمدا سياسة تقنين شديدة في صرف الأدوية وخصصا غرفتين لوضع المرضى والجرحى تحت المراقبة ريثما يتم نقلهن إلى بيوت مدنية أكثر أمنا, وبمعدات بسيطة جدا اضطر الطبيبان إلى إجراء العديد من العمليات الجراحية بالرغم من عدم خبرتهما ونقص التجهيزات اللازمة لإجراء العمليات وبرز لدى السكان حالات فقر دم تسببت في وفاة عدد من الأطفال وظهرت تأزمات نفسية ناجمة من الرعب خصوصا لدى الأطفال وفقدت بعض صنوف الأدوية التي يحتاجها ذوو الأمراض المزمنة وظهرت عند العديد من النساء حالات عسر في الولادة واحتاج العديد منهن إلى عمليات قيصرية ومن آذار 1986 إلى أيلول 1986 لم تكن حالة المخيمات الأخرى أفضل حالا من مخيم الرشيدية فقد تواصلت الاعتداءات والاعتقالات وعمليات الحصار وبلغ الجوع مرحلة خطرة وارتفعت نداءات الأهالي طالبة المساعدة وفك الحصار ولم يكن أمام أهالي المخيمات سوى الصمود والمقاومة فالخروج من المخيم يني الانضمام إلى قوافل المفقودين أو المقابر.
وبغض النظر عن التصريحات العلنية القليلة التي صدرت عن السوفييت بشأن الحروب على المخيمات فالموقف السياسي والعملي كان يؤكد على أن الاتحاد السوفياتي لم يكن مستعدا للدفاع عن الوجود العسكري الفلسطيني المستعاد على الساحة اللبنانية وأنه ضد عودة الأوضاع على الساحة اللبنانية إلى ما كانت عليه قبل 1982 وضد تحول لبنان من جديد إلى قاعدة ارتكاز للمنظمة وقواتها, لقد توجهت القيادة الفلسطينية على المستويين المركزي والمحلي للأصدقاء السوفييت عدة مرات وطالبتهم بممارسة دورهم مع القيادة السورية ومع القوى الفلسطينية واللبنانية المتورطة في الحروب ضد المخيمات الفلسطينية وسكانها الأبرياء والضغط عليهم باتجاه وقفها إلا أنها لم تجد أذنا سوفياتية صاغية.
شهر رمضان المبارك من عام 1405هـ أعلنت منظمة أمل الشيعية حرباً على سكان المخيمات الفلسطينية في بيروت .. واستخدموا في عدوانهم كافة الأسلحة .. واستمر عدوانهم شهراً كاملاً ، ولم يتوقف إلا بعد استجابة الفلسطينيين ورضوخهم لكل ما يريده الحاكم بأمره في دمشق – حافظ الأسد – ووكيل أعماله في بيروت نبيه بري .
كانت البداية أول ليلة في رمضان ليلة الاثنين 20/5/1985م اقتحمت ميلشيات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا ، وقامت باعتقال جميع العاملين في مستشفى غزة ، وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكتب أمل في أرض جلول ، ومنعت القوات الشيعية الهلال والصليب الأحمر وسيارات الأجهزة الطبية من دخول المخيمات ، وقطعوا إمدادات المياه والكهرباء عن المستشفيات الفلسطينية .
وفي الساعة الخامسة من فجر الاثنين 20/5/1985م بدأ مخيم صبرا يتعرض للقصف المركز بمدافع الهاون والأسلحة المباشرة من عيار 106ملم ، وفي الساعة السابعة من اليوم نفسه تعرض مخيم برج البراجنة لقصف عنيف بقذائف الهاون ، وانطلقت حرب أمل المسعورة تحصد الرجال والنساء والأطفال ، وأصدر المجرم نبيه بري أوامره لقادة اللواء السادس في الجيش اللبناني لخوض المعركة وليشارك قوات أمل في ذبح المسلمين السنة في لبنان ، ولم تمض شاعات إلا واللواء السادس يشارك بكامل طاقاته في المعركة وقام بقصف مخيم برج البراجنة من عدة جهات .
ومن الجدير بالذكر أن أفراد اللواء السادس كلهم من الشيعة ، وشاركت القوات الكتائبية المخيمات الفلسطينية بالقذائف المدفعية والصاروخية ، وبادرت قيادة الجيش اللبناني ممثلة في ميشيل عون ولأول مرة منذ شهر شباط 1984م إلى إمداد اللواء السادس بالأسلحة والذخائر .
وفي 18/6/1985م خرج الفلسطينيون من حرب المخيمات التي شنتها أمل ، خرجوا من المخابئ بعد شهر كامل من الخوف والرعب والجوع ، والذي دفعهم لأكل القطط والكلاب ، خرجوا ليشهدوا أطلال بيوتهم التي تهدم 90% منها و 3100 بين قتيل وجريح و 15 ألف من المهجرين أي 40% من سكان المخيمات .
إن الفضائع التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين الآمنين في مخيماتهم يندى لها الجبين عاراً ، ويعجز القلم عن وصفها ، أما وقد آن أوان كشف الاسرار .. فإليك بعضها .. منها :-
1- قتل المعاقين الفلسطينيين كما ذكر مراسل صحيفة ريبوبليكا الإيطالية وقال : إنها الفضاعة بعينها .
2- قتل عدد من الفلسطينيين في مستشفيات بيروت ، وقال مراسل صحيفة صندي تلغراف في 27/5/1985م إن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق .
3- نسفوا أحد الملاجئ يوم 26/5/1985م وكان يوجد به مئات الشيوخ والأطفال والنساء في عملية بربرية دنيئة .
4- ذبحوا ممرضة فلسطينية في مستشفى غزة ؛ لأنها احتجت على قتل جريح أمامها .
5- وذكرت وكالة ( إسوشيتدبرس ) عن اثنين من الشهود أن ميلشيات أمل جمعت العشرات من الجرحى والمدنيين خلال ثمانية أيام من القتال في المخيمات الثلاثة وقتلتهم .
6- وقال الشاهدان أنهما رأيا أفراد أمل واللواء السادس يقتلون أكثر من 45 فلسطينياً بينهم جرحى في مستشفى غزة وحوله .
7- وتصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل ( اليهود أفضل منهم ) ، وأخرى تغطي بعضاً من وجهها وتبحث في قافلة القتلى عن شقيقها .. تستدير فجأة وتصرخ : إنه هو ولكن الديدان تنخر في جسده .. وجثث وجثث يرتع فيها الذباب .
8- وذكرت وكالات الأنباء الكويتية في 4/6/1985م والوطن في 3/6/1985م أن قوات أمل اقترفت جريمة بشعة ، حيث قامت باغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا و على مرأى من أهالي المخيم .
9- وردد مقاتلوا أمل في شوارع بيروت الغربية في مسيرات 2/6/1985م احتفالاً بيوم النصر ، بعد سقوط مخيم صبرا : لا إله إلا الله العرب أعداء الله . وقال مسلح من أمل : إنه على استعداد للاستمرار في القتال مهما طال الزمن حتى يتم سحق الفلسطينين في لبنان .
بدأت المعركة بحادث فردي يوم 16/5/1985 واستمرت حتى 17/6/1985 وعرفت تلك الحرب بحرب رمضان وكانت فاصلة بتكريس الصراع بين الطرفين.
اندلعت الإشتباكات في أطراف شاتيلا وصبرا والداعوق وشنت حملة مطاردة واسعة للمهجرين الفلسطينيين في أحياء بيروت الغربية واستبسل أبناء المخيمات في الدفاع عن النفس ودحروا المهاجمين وأجبروهم على قبول وقف اطلاق النار عقب يوم قتال عنيف واتفق على تموضع قوات نظامية من اللواء السادس عند أطراف المخيم كقوة فصل, وما كادت قوات اللواء السادس تنهي تمركزها حتى بدأت بدون سبب أو ذريعة قصفا عشوائيا ومركزا على مخيمات الداعوق وصبرا وشاتيلا قصفا استهدف الأبنية والسكان, وترافق القصف مع قيام حواجز قوات حركة أمل بحملة اعتقالات واسعة للشبان الفلسطينيين في أحياء بيروت الغربية وعلى طرقات الجنوب والبقاع, وتواصلت الاشتباكات واستخدم اللواء السادس كافة أنواع أسلحته الخفيفة والثقيلة وتركزت عملياته بالتعاون مع ميليشيا أمل على مخيم الداعوق الواقع بين حي صبرا ومخيم شاتيلا والذي لا تتجاوز مساحته مساحة ملعب كرة قدم واستمرت المعارك حوله 13 يوما كانت قاسية على الفلسطينيين في لبنان.
وبعد قتال دام وسقوط العديد من الشهداء من الشيوخ والنساء والأطفال والمقاتلين, شرد أهالي المخيم البالغ عددهم 3000 آلاف نسمة وبعد تدمير المخيم تدميرا كاملا, سقط المخيم بيد حركة أمل وقوات اللواء السادس ونكل المهاجمون أبشع تنكيل بمن خرج حيا من بين الأنقاض واعتقلوا من نجا من الموت وقتلوا بعض الجرحى وسويت أرض المخيم بالجرافات لمسحه من الوجود ومسح آثار الجريمة التي ارتكبت بحق أهله دون ذنب اقترفوه سوى أنهم فلسطينيون فقراء شردوا من ديارهم وفرضت الأقدار عليهم الإقامة بهذا المخيم بانتظار مصيرهم المجهول ,
أما مخيم شاتيلا المجاور للداعوق فلم ينج هو الآخر من قتال تسبب بخسائر ودمار كبيرين , صحيح أن قوات أمل واللواء السادس لم تحاول اقتحام لكن القصف المدفعي من مختلف العيارات طال 40% من مبانيه ودمر ما يزيد على 425 منزلا تدميرا شبه كامل وبلغت الخسائر البشرية في مخيم شاتيلا وشوارع بيروت الغربية حيث طورد الفلسطينيون 210 شهداء و 620 جريحا و 400 مفقود ومعتقل لم يعرف مصير معظمهم.
جولة ثانية من الحروب ضد المخيمات
رغم اتفاقات وقف إطلاق النار ورغم الدعوات المتكررة إلى عودة الأمور إلى طبيعتها إلا أن حالة التوتر الشديد بين الطرفين بقيت قائمة لا سيما وأن حركة أمل لم تستطع تجريد المخيمات من أسلحتها بل استمرت تحاصرها ومنعت دخول مواد الأعمار إليها, ولم تطلق سراح المعتقلين والمفقودين وفي صباح يوم 4/9/1985 فوجيء أهالي مخيم برج البراجنة بنيران غزيرة تطلق اتجاه مخيمهم وبمحاولات اقتحام بعض المواقع الدفاعية دون مقدمات أو مبررات ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قامت قوات أمل صبيحة اليوم ذاته بتطويق المباني التي يقطنها الفلسطينيون بحارة حريك منذ سنوات طويلة , وتم إنزال الرجال منها إلى الشارع وتم قتل 30 رجلا بدم بارد أمام أعين السكان وواصلت أمل قصفها لمخيم برج البراجنة وجرت عدة محاولات لاقتحامه.
ودامت الاشتباكات في محيطه عشرة أيام كاملة سقط خلالها 20 شهيدا و 85 جريحا من أبنائه إضافة إلى الثلاثين الذين أعدموا في حارة الحريك.
ولم يصدق أهالي المخيم البالغ عددهم 25 ألف نسمة ما فعلته حركة أمل ضدهم وضد إخوانهم المقيمون في حارة حريك مستندين في استهجانهم الى العشرة الطويلة التي جمعتهم بأبناء الطائفة لشيعية فالمخيم جزء لا يتجزأ من الضاحية الجنوبية وبعض بيوته متداخلة مع بيوت الأحياء المجاورة له.
بعد مجزرة حارة حريك واشتباكات 4/9/1985 اقتنع شباب المخيم بأن ما جرى ضد مخيمهم ليس سوى مقدمة لعاصفة قوية هدفها اقتلاع كل وجود فلسطيني من بيروت وأتضح لهم متانة علاقة ما يجري ضدهم بالصراع الجاري بين قيادة المنظمة والقيادة السورية حول استقلالية القرار الفلسطيني واندفاع المنظمة في تطوير علاقتها مع مصر.
وبدأ شباب المخيم بتحضير أنفسهم على قاعدة أن الاشتباكات سوف تتجدد وبعد أيام قليلة جاءت الأحداث لتؤكد صحة هذه التقديرات القائلة بأن توقف المعارك ليس سوى هدنة مؤقتة هدفها تجميع القوى وامتصاص ردود الأفعال العربية على ما ترتكبه أمل في كل اشتباك.
وبالرغم من كل النداءات المتكررة التي وجهها أهالي المخيمات ومن الفصائل الفلسطينية للأحزاب والقوى والشخصيات ورجال الدين في لبنان, إلا أن جحيم نيرا المدافع والرشاشات الثقيلة انفتح من جديد يوم 7/10/1985 على بقايا مخيم شاتيلا ودام سبعة أيام سقط خلالها مزيد من القتلى والجرحى ودمرت بعض المباني الإضافية .
وقبل أن يتمكن أبناء المخيمات من لملمة أوضاعهم وترميم ما دمر من بيوتهم بادرت قوات أمل يوم 19/12/1985 ألى شن أوسع حملة من اعتقالات ضد الشباب الفلسطيني في مخيمات البص والبرج الشمالي والرشيدية والقاسمية وأبو الأسود الواقعة بجوار مدينة صور حيث أودوا في سجون متعددة وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب الذي تسبب في استشهاد بعضهم وفي 28/3/1986 فتحت حركة أمل نيرانها ضد بقايا مخيم شاتيلا وحاولت اقتحامه عدة مرات إلا أن بسالة المدافعين عن المخيم لم تمنكهم من تحقيق حلمهم واستمرت الاشتباكات حتى يوم 17/4/1986 وسقط في المخيم 24 شهيدا و 75 جريحا
الجولة الثالثة من الحروب على المخيمات
حركت حروب أمل الأولى والثانية ضد المخيمات الفلسطينية مشاعر الوطنيين اللبنانيين , واستفزت معظم الأحزاب وأثارت تخوفات العديد منها وخصوصا الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله والحزب الشيوعي اللبناني, أما منظمة العمل الشيوعي فكانت قيادتها وكوادرها شبه مستهدفه مثلها مثل الفصائل الفلسطينية بسبب موقفها التضامني الواضح والصريح مع أبناء المخيمات وشعرت هذه القوى أن انتصار أمل على الفلسطينيين يعني هيمنتها وسيطرتها سيطرة كاملة على المناطق الوطنية مما قد شجعها على الاندفاع باتحاه توجيه ضربات لها لا سيما وأن قيادة أمل نجحت في تهييج المشاعر الشيعية و العصبية التنظيمية ضد الطوائف والأحزاب الأخرى دون تمييز .
وراحت كوادرها وعناصرها تتصرف بعنجهية مع كل الوطنيين اللبنانيين بما في ذلك الاعتداء عليهم واعتقال بعضهم وصار وصول كوادر الأحزاب والتنظيمات اللبنانية من غير حركة أمل إلى مدينة صور في الجنوب اللبناني يحتاج إلى تصريح كما صار خاضعا لمزاج حواجز أمل على الطريق وعمد الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الإفصاح عن موقفه وأعلن معارضته بشدة لتصفية المخيمات الفلسطينية وضرب الوجود الفلسطيني في لبنان, ولم يتوقف الإعلان عند هذا الحد بل اندفع الحزب دون أي تحفظات إلى تقديم المساعدة اللوجستية للمدافعين عن المخيمات وأصدر رئيس الحزب وليد جنبلاط تعليماته لكوادر الحزب في كل المناطق بالتعاون مع فتح والجبهة الديمقراطية فقط.
وتقديم اللازم ضمن الإمكانيات وبما لا يعرض الحزب إلى مشاكل جدية مع السوريين
في 30/3/1986 قام شباب مخيمات الجنوب برفع الإعلام الفلسطينية بذكرى يوم الارض غير آبهين بمواقف حركة أمل ضد الوطنية الفلسطينية وردا على ذلك فرضت أمل حصارا شبه كامل على مخيمات الجنوب واعتقلت حواجزها 12 شابا من أبنائها وأهانت العديد من نسائها وشيوخها وداهمت مخيم البص والبرج الشمالي والمعشوق والشبريحا, إثر ذلك استنفر شباب مخيم الرشيدية واخرجوا أسلحتهم من مخابئها وأغلقوا مخيمهم في وجه دوريات حركة أمل ومنعوها من دخوله وتوترت العلاقة بين امل وسكان الرشيدية واعتبرت تصرف شباب المخيم بمثابه تحد لها وراحت تشدد الحصار على حركة الأفراد من و إلى المخيمات الجنوب جميعها , وطالبت أهالي المخيم تسليمها أسلحتهم وفتح أبواب المخيم أمام دورياتها العسكرية ومع رفض سباب المخيم هذه المطالب صعدت حركة أمل اجراءاتها ضد المخيم وشددت على حركة النساء ومنعت دخول التموين للمخيم وعرقلت دخول شاحنات وكالة الغوث " الأونروا " وسمحت بدخول كمية من التموين الطازج تكفي ليوم واحد فقط ومنعت العمال الزراعيين من العمل في المزارع المحيطة بالمخيم وأشاعت انها على وشك اقتحام المخيم ووسعت دائرة الاعتقالات مما ادى الى توقف الشباب عن التحرك من وإلى المخيم وبدأت بعض العائلات بالرحيل من مخيمات الجنوب عبر الطرق الزراعة إلى منطقة صيدا والشريط الساحلي بين صيدا وبيروت والى بعض قرى الشوف واقليم الخروب الخاضعين لسيطرة الحزب التقدمي الاشتراكي و أقدمت أمل على جرف مساكن الفلسطينيين في مخيم جل البحر الصغير الواقع على مدخل مدينة صور واعتقلت عشرات الشباب من مختلف المخيمات وخلال الفترة ذاتها واصلت حصارها لمخيمات بيروت.
وفي يوم 22/5/1986 شنت حركة أمل وقوات اللواء السادس هجمات عنيفة على مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة فتصدى لها المدافعون ببسالة ومنعوها من اقتحام المخيم وتواصلت الاشتباكات شهرين كاملين وكلفت مخيم شاتيلا 57 شهيدا و 300 جريح اما مخيم برج البراجنة فكانت خسائره 29 شهيدا و 350 جريحا وصباح يوم 30 ايلول 1986 في الساعة 15:30 أرسلت قوات أمل سيارة مسلحة بالرشاشات الثقيلة وراحت تطلق نيرانها الغزيرة باتجاه مخيم مما أدى الى استشهاد امرأة وجرح أربعة مواطنين, أثرها بادر شباب المخيم بالرد على مصادر النيران في محيط المخيم واستمرت الاشتباكات أحد عشر يوما, تخللها اتصالات سياسة نشطة أسفرت عن اتفاق وقف اطلاق النار لكن امل لم تلتزم به وتواصلت الإشتباكات الخفيفة والمتقطعة بصورة يومية حتى يوم 5/10/1986 حين تم الإعلان في دمشق عن اتفاق وقف اطلاق النار وقعته حركة أمل وجبهة الإنقاذ الفلسطيني وسمي باسم اتفاق دمشق.
موضوعيا كانت اعتداءات أمل على مخيمات صور واجراءاتها ضد القوى الوطنية اللبنانية بمثابة رسالة سياسية لإسرائيل هدفها القول بأنها مستعدة لتطبيق عملي لمضمون الاجراءات الأمنية التي نص عليها اتفاق 17 أيار 1983 بين لبنان وإسرائيل وأنها مستعدة للقيام بدور أمني تسيطر فيه على المخيمات الفلسطينية وتمنع قوى الثورة الفلسطينية وقوى المقاومة الوطنية اللبنانية من العمل العسكري ضد إسرائيل وأنها مستعدة للحد من نمو حزب الله ومن تطور نفوذه في الجنوب اللبناني على أمل تسهيل سيطرتها على كل الجنوب.
في الأيام التالية على توقيع اتفاق دمشق تطورت عمليات أمل الحربية ضد مخيم الرشيدية بسرعة وقامت قواتها بعدة محاولات لإقتحام المخيم وحددت لنفسها ثلاثة أيام لإنجاز هذه المهمة لكنها كفت عن المحاولة بعدما فشلت ومنيت بخسائر كبيرة واتضح لها أن لدى المخيم قدرات كبيرة للدفاع واستبدلت خطة الاقتحام الفوري بخطة الاستنزاف والتدمير التدريجي ورفعت من وتيرة قصف المخيم بالأسلحة الثقيلة ودمرت مئتي منزل على أطرافه وتسببت في إصابة 590 مواطنا كانت إصابتهم متفاوتة وكان بينهم مئة بحالة خطر شديد, والحقت عملياتها أضرارا بمئتي منزل وسط المخيم كان ضمنها مستوصف المخيم وهم عبارة عن عيادة بسيطة يعمل بها طبيبان احدهما حديث التخرج والثاني طبيب عام, حاول الطبيبان أداء اكبر دور ممكن في ظروف بالغة الصعوبة واعتمدا سياسة تقنين شديدة في صرف الأدوية وخصصا غرفتين لوضع المرضى والجرحى تحت المراقبة ريثما يتم نقلهن إلى بيوت مدنية أكثر أمنا, وبمعدات بسيطة جدا اضطر الطبيبان إلى إجراء العديد من العمليات الجراحية بالرغم من عدم خبرتهما ونقص التجهيزات اللازمة لإجراء العمليات وبرز لدى السكان حالات فقر دم تسببت في وفاة عدد من الأطفال وظهرت تأزمات نفسية ناجمة من الرعب خصوصا لدى الأطفال وفقدت بعض صنوف الأدوية التي يحتاجها ذوو الأمراض المزمنة وظهرت عند العديد من النساء حالات عسر في الولادة واحتاج العديد منهن إلى عمليات قيصرية ومن آذار 1986 إلى أيلول 1986 لم تكن حالة المخيمات الأخرى أفضل حالا من مخيم الرشيدية فقد تواصلت الاعتداءات والاعتقالات وعمليات الحصار وبلغ الجوع مرحلة خطرة وارتفعت نداءات الأهالي طالبة المساعدة وفك الحصار ولم يكن أمام أهالي المخيمات سوى الصمود والمقاومة فالخروج من المخيم يني الانضمام إلى قوافل المفقودين أو المقابر.
وبغض النظر عن التصريحات العلنية القليلة التي صدرت عن السوفييت بشأن الحروب على المخيمات فالموقف السياسي والعملي كان يؤكد على أن الاتحاد السوفياتي لم يكن مستعدا للدفاع عن الوجود العسكري الفلسطيني المستعاد على الساحة اللبنانية وأنه ضد عودة الأوضاع على الساحة اللبنانية إلى ما كانت عليه قبل 1982 وضد تحول لبنان من جديد إلى قاعدة ارتكاز للمنظمة وقواتها, لقد توجهت القيادة الفلسطينية على المستويين المركزي والمحلي للأصدقاء السوفييت عدة مرات وطالبتهم بممارسة دورهم مع القيادة السورية ومع القوى الفلسطينية واللبنانية المتورطة في الحروب ضد المخيمات الفلسطينية وسكانها الأبرياء والضغط عليهم باتجاه وقفها إلا أنها لم تجد أذنا سوفياتية صاغية.
شهر رمضان المبارك من عام 1405هـ أعلنت منظمة أمل الشيعية حرباً على سكان المخيمات الفلسطينية في بيروت .. واستخدموا في عدوانهم كافة الأسلحة .. واستمر عدوانهم شهراً كاملاً ، ولم يتوقف إلا بعد استجابة الفلسطينيين ورضوخهم لكل ما يريده الحاكم بأمره في دمشق – حافظ الأسد – ووكيل أعماله في بيروت نبيه بري .
كانت البداية أول ليلة في رمضان ليلة الاثنين 20/5/1985م اقتحمت ميلشيات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا ، وقامت باعتقال جميع العاملين في مستشفى غزة ، وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكتب أمل في أرض جلول ، ومنعت القوات الشيعية الهلال والصليب الأحمر وسيارات الأجهزة الطبية من دخول المخيمات ، وقطعوا إمدادات المياه والكهرباء عن المستشفيات الفلسطينية .
وفي الساعة الخامسة من فجر الاثنين 20/5/1985م بدأ مخيم صبرا يتعرض للقصف المركز بمدافع الهاون والأسلحة المباشرة من عيار 106ملم ، وفي الساعة السابعة من اليوم نفسه تعرض مخيم برج البراجنة لقصف عنيف بقذائف الهاون ، وانطلقت حرب أمل المسعورة تحصد الرجال والنساء والأطفال ، وأصدر المجرم نبيه بري أوامره لقادة اللواء السادس في الجيش اللبناني لخوض المعركة وليشارك قوات أمل في ذبح المسلمين السنة في لبنان ، ولم تمض شاعات إلا واللواء السادس يشارك بكامل طاقاته في المعركة وقام بقصف مخيم برج البراجنة من عدة جهات .
ومن الجدير بالذكر أن أفراد اللواء السادس كلهم من الشيعة ، وشاركت القوات الكتائبية المخيمات الفلسطينية بالقذائف المدفعية والصاروخية ، وبادرت قيادة الجيش اللبناني ممثلة في ميشيل عون ولأول مرة منذ شهر شباط 1984م إلى إمداد اللواء السادس بالأسلحة والذخائر .
وفي 18/6/1985م خرج الفلسطينيون من حرب المخيمات التي شنتها أمل ، خرجوا من المخابئ بعد شهر كامل من الخوف والرعب والجوع ، والذي دفعهم لأكل القطط والكلاب ، خرجوا ليشهدوا أطلال بيوتهم التي تهدم 90% منها و 3100 بين قتيل وجريح و 15 ألف من المهجرين أي 40% من سكان المخيمات .
إن الفضائع التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين الآمنين في مخيماتهم يندى لها الجبين عاراً ، ويعجز القلم عن وصفها ، أما وقد آن أوان كشف الاسرار .. فإليك بعضها .. منها :-
1- قتل المعاقين الفلسطينيين كما ذكر مراسل صحيفة ريبوبليكا الإيطالية وقال : إنها الفضاعة بعينها .
2- قتل عدد من الفلسطينيين في مستشفيات بيروت ، وقال مراسل صحيفة صندي تلغراف في 27/5/1985م إن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق .
3- نسفوا أحد الملاجئ يوم 26/5/1985م وكان يوجد به مئات الشيوخ والأطفال والنساء في عملية بربرية دنيئة .
4- ذبحوا ممرضة فلسطينية في مستشفى غزة ؛ لأنها احتجت على قتل جريح أمامها .
5- وذكرت وكالة ( إسوشيتدبرس ) عن اثنين من الشهود أن ميلشيات أمل جمعت العشرات من الجرحى والمدنيين خلال ثمانية أيام من القتال في المخيمات الثلاثة وقتلتهم .
6- وقال الشاهدان أنهما رأيا أفراد أمل واللواء السادس يقتلون أكثر من 45 فلسطينياً بينهم جرحى في مستشفى غزة وحوله .
7- وتصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل ( اليهود أفضل منهم ) ، وأخرى تغطي بعضاً من وجهها وتبحث في قافلة القتلى عن شقيقها .. تستدير فجأة وتصرخ : إنه هو ولكن الديدان تنخر في جسده .. وجثث وجثث يرتع فيها الذباب .
8- وذكرت وكالات الأنباء الكويتية في 4/6/1985م والوطن في 3/6/1985م أن قوات أمل اقترفت جريمة بشعة ، حيث قامت باغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا و على مرأى من أهالي المخيم .
9- وردد مقاتلوا أمل في شوارع بيروت الغربية في مسيرات 2/6/1985م احتفالاً بيوم النصر ، بعد سقوط مخيم صبرا : لا إله إلا الله العرب أعداء الله . وقال مسلح من أمل : إنه على استعداد للاستمرار في القتال مهما طال الزمن حتى يتم سحق الفلسطينين في لبنان .
تعليق