بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على رسول الله محمد , و على آله و صحبه أجمعين , و من سار على هديهم إلى يوم الدين :
أنا رجل قاعد ...منذ زمن , حتى اعتدت على القعود ...
بالرغم من كل كتاباتي الجهادية ,
إلا أني قاعد ...من الخوالف -أجلكم الله -
لست من أولي الضرر ....إلا ما كان في قلبي من وهن ....حيث تكمن المشكلة ...
إن سلّمنا أن خير من يكتب عن فضل الصحة هم المرضى ,
و خير من يكتب عن نعمة البصر هم العميان , و خير من يكتب عن نعمة السمع هم الطرشان , وذلك بسبب فقدانهم تلك النعم و شعورهم بفضلها و تألمهم لغيابها ,
و كما قالوا " الصحة تاج على رؤوس الأصحاء , لا يراه إلا المرضى "
وكذلك الأمر إن تعلق بعاهة القعود , فتجد خير من يكتب عن الجهاد هم ...القاعدون , الذين فشلوا باللحاق بأرض الثغور..
فانا لا أكتب عن الجهاد , لأني من أهله - حاشاهم أن يكون مثلي منهم -
بل لأني أعمى أو أطرش ,
عفوا , أقصد لأني صاحب عاهة ,
وعاهتي هي القعود...وأحب أكتب عن الأصحاء , الخالين من عاهة القعود ..
يا لها من مفارقة ..
كل هذه الملاحم الأدبية الجهادية ,
النثرية منها و الشعرية ...
ليست إلا نتاجا لخيال فكري يجعلك تحمل السلاح , و تقتحم صفوف الأعداء, بل وتسمع صوت قدح الرصاص , و أزيز الطائرات وعلو الصرخات , ... حتى يكاد يكون الأمر فلما سينمائيا يعرض على شاشة دماغك , وما عليك إلا تدوين ما رأيت , لتكون بطلا لفلم خيالي أو مسرحية درامية لم تحدث إلا على خشبات مسرح الأفكار الشاردة..
معركة دموية دون بارود او رصاص ,
بل دون دماء ...
لحظات خيالية وهمية , مليئة بالأحداث الجسام , و النوازل العظام , يعيشها القاعد و هو يطلق قلمه في أدب الجهاد ,
فترى دمعه يسيل , وكأنه دمه ,
و يشعر أن قلبه يرتعش , ولكنها يده ...
في لحظات جامحة تشبه النوبة العصبية , تنعكس على جوارحه الثائرة , على شكل رعشات متتالية , تزداد تألقا كلما اقتربت النهاية ,
حتى يصبح العقل كليلا ....
و يسقط الجسم هزيلا ,
يا الله ,
وكأنها معركة حقيقية ,
حدثت هناك بين جدران الرمادي أو تلعفر ,
و ليست بين جدران الدماغ الواهم ,
كلما نسيت فكرة النفير إلى الجهاد ,
واكتفيت بقدري كصاحب عاهة قعود يكتب عن الأصحاء في أرض النزال ...
كلما اردت الإحتفاظ بقلمي عوضا عن بارودتي ,
كلما استمرأت الضغط على لوحة المفاتيح بدلا من الضغطة على الزناد ,
جاءني صوت أو صورة من رجال تنظيم القاعدة ليصفعني على خدي ,ويقول لي :
الحق بنا ...
لا أدري لماذا يلاحقونني ؟
أنا بالذات ,
كلما ركنت إلى الأرض , جاؤوا إلي يركلونني ...
و يوبخونني ,
...يقولون لي :
الحق بنا ...
أحيانا ...
أحيانا لا يقولون شيئا ,
ينظروا إليّ بنظرة متجهمة ,
ويرحلوا ...
لكن صمتهم , و من بعده رحيلهم , أشد ألما علي من صفعاتهم و ركلاتهم ,
أنا بالذات , يطاردونني , و كأن نصر الله أصبح معقودا على "جهادي "
يا الله ,
حتى أسامة ...
لا أدري ..
لماذا يطاردني الشيخ أسامة بن لادن ؟
عندما اسمع صوته من على قناة الجزيرة , أدخل في زنزانة مظلمة , أسير إليها كما يسير النائم وقد مد يديه أمامه , ليس فيها إلا نافذة صغيرة في أعلى الجدار , يصدر منها نورا وهاجا , يختبئ خلفه وجه أسامة بن لادن ,
لا يتكلم أسامة إلى أمريكا حين يتكلم , و لا إلى قادة الجهاد ,
لا يخاطب كوفي عنان و لا جورج بوش ,
بل يخاطبني من خلال نافذته ,
ينظر إلي في زنزانتي
عيناه لا تفارق عينيّ ,
يحدثني بصوت مشفق ... يقول لي :
الحق بنا ,
لا أدري , هل أصبح أسامة بن لادن لا يفكر إلا بي ؟
لماذا يفعل هذا بي ؟
كلما أردت ان أنسى النفير , و أقنع بالقلم و الدفتر , طل أسامة علي ليقول :
كفاك , إلحق بنا ...
ولا يكاد يختفي صوته و صورته , حتى أجد نفسي قد استيقظت من لحظة السرحان التي اختطفتني تعسفيا من بين من حولي , دون أي سابق إنذار ,
وعندما استشهد أبو مصعب الزرقاوي - رحمه الله -,
لم يكن مقتله إلا رسالة مشفرة وصلتني عبر نظراته ,
كلما نظرت إلى صورته شهيدا ,
وجدته ينظر ألي ...
ستقولون عيناه مغمضتين ,
أعلم ,
لكنه يفتحمها كلما نظرت إليهما ,
لعل النظرات لا تتكلم ,
لكنها ...
تقول لي ,
بشكل أو بآخر :
إلحق بنا ,
لا أدري , هكذا أفهمها دون أي كلمات ...
ألم أقل لكم أنها مشفرة ,
حتى بعد مماته ,
يناديني ,
وكأن ليس في الدنيا إلا أنا ,
ليناديني ...
كلما أظن أنني هدأت ,
كلما أيقنت أنني نسيت ,
جاؤوا إلي ,
هم هم ,
المجاهدون ,
ينادونني :
الحق بنا ,
أكاد أجن ؟
لم يجدوا بين الناس غيري ...
صوتهم يحاصرني ,
يخرج من بعيد , ليستقر في تجويفة صدري , و يبقى صداه يتردد بين الضلوع ,
يهزني ,
يزلزلني ...
يقول لي :
إلحق بنا ,
يا إلهي , ألا يتركوني ؟
أهو جهاد بالغصب ؟
فأنا لست منهم , أنا قاعد , وهم مجاهدون ,
أنا معوق ,
صاحب عاهة ..
وهم أصحاء ...
لكنهم لا ييأسون مني بالرغم من يأسي من نفسي , يبحثون عني , وما أن يجدوني حتى يصرخوا في :
إلحق بنا ...
كلما نبشت في منتدى البيانات , و رأيت إصدارا مرئيا , تنتابني لحظة خوف و وجل , أحاول الهروب منهم قبل ان يجدوني ,
لكن الوقت يكون متأخرا ...
فأجد يديّ تتسلل إليه و تبدأ بتحميل الفلم ,
لا أريد مشاهدته , لكنها حالة إدمان ملازمة لي , تعقد من حالتي ,
وما هي إلا لحظات ... حتى يبدا صوتهم بقصفي كالرعد الغاضب ,
مع كل لقطة ,
مع بداية كل انشودة و نهايتها ,
مع كل طلقة ...
إلحق بنا ..
هم لا يصدرون إصداراتهم لأي شخص غيري ,
صدقوني ...
هي معدة لي شخصيا ,
مشاهد متنوعة , و ألحان مختلفة , وهتافات ...كلها تقول لي :
إلحق بنا ..
أين المفر من هؤلاء ؟
ساعدوني ...أما فيكم قاعد غيري ؟
أحبهم , أهواهم , أعشق الغبار تحت أقدامهم , لكنني لا استطيع اللحاق بهم , فلماذا لا يقنعوا بدوري ؟
ألا يريدون من يكتب عن الجهاد ؟
الا يريدون من يمجدهم و يمدحهم ؟
ألا يريدون كتابا في المنتديات الإسلامية ؟
ألا يحتاجون من يرفع لهم الأفلام الجهادية ؟
ألا يحتاجون من يدعو لهم ؟
أنا أفعل هذا فلماذا لا يتركونني ؟
لماذا انا بالذات ؟ ينادونني و يقولون لي :
إلحق بنا ...
لا أريد , دعوني يا احبتي , فأنا أطمع بأن أحشر معكم وإن لم أعمل بعملكم , ألم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :
المرء مع من أحب ؟
كلما رضيت بقدري ,
وجدتكم حولي , تقولون لي :
فِرْ من قدر الله ...
إلى قدر الله...
وعندما أسألكم كيف! , تردون على تساؤلي بنفس العبارة المرعبة :
إلحق بنا ...
لم أعد والله أجد طعما للحياة و انتم ورائي ,
صوتكم يعكر صفو حياتي ,
يحرك فيّ اشياء أريدها أن تكون ساكنة ,
يستفز فيّ مشاعرا و أشجانا و خواطرا ,
لا استطيع التركيز في عملي ,
لا استطيع التحكم في علاقتي مع الناس ,
أصبحت مضطربا , متوترا ,
لا أنا مجاهد , ولا قاعد ,
بل قاعد ...
لكن لست كبقية القاعدين ,
عندما سمعت بمقتل الشهداء الستة في حي النخيل , وكان بينهم فارس الرافدين محمد بن رشيد الجليدان , وحبيب أبي مصعب الزرقاوي و رفيق سلاحه الشهيد بإذن الله سامي بن سعود المطيري , و الشهيد مشعل الرشود و محمود العتيبي و سعد المعيذر و غازي العتيبي ,
عندما عرجت أرواحهم الطاهرة إلى السماء ,
فرحين مسرورين , وكأنهم أزواج تزف إلى حورها ..
وقد كانوا قبيل أيام قليلة ينتحبون حزنا على أبي مصعب الزرقاوي , تماما كما انتحبنا ..
ظننتهم غادرونا ,
لكنهم لم يفعلوا ...
لم يتركونني ,
ففي الأعلى ..
هناك على دفتر السماء ...
وجدت ستة نجمات مضيئة , قد سكنت بين سطور المجرات ,
كتبت كلمتين ,
استعجمتها في بادئ الأمر ...
فلست معتادا على الإهتداء بالنجوم في رحلاتي ..
لكنها لحيْظات ...
حتى فككتُ لغز تلك الكلمات ,
قرأتها ,
وعندما قرأتها... بكيت ,
فلقد كانت نفس الكلمات ....
إلحق بنا ,
كتبت بست نجمات مضيئة ,
كلما نظرت إلى السماء , تذكرت ساكنيها ,
تذكرت آخر كلمتين تركوها لي ...
عندما أنظر إلى بار الأخبار في أسفل شاشة التلفاز , باحثا عن اسعار البورصة , أو اخبار انفلونزا الطيور , أو أنباء عن زلزال ضرب أندونيسيا ,
اتفاجأ بخبر عن تنظيم القاعدة ,
فجروا همرا ,
أو قصفوا معسكرا ,
أو تبنوا خطف علج أو ذبحه ,
أفرح كثيرا..ولكن للحظات فقط ...
حيث تفقد الجمل في بار الأخبار ملامحها الأصلية , و تتحول بقدرة قادر إلى كلمتين خفيفتين على لساني , ثقيلتين على فؤادي ...
نفس الكلمتين ...
إلحق بنا ...
كلمتا "إلحق بنا " يا احبتي تطاردني و تلحقني في كل يوم , في كل ساعة و كل لحظة , مع كل نشرة اخبار , مع كل جلسة إنترنت , في كل مكان ... في السماء , في الأرض , على شاشات التلفاز ,في بار الأخبار , على أثير الإذاعات ...
حيث أبحث عنها و حين أفر منها ...
لا مفر منها ,
لا مفر من صوتهم ,
لقد أتعبني تنظيم القاعدة , وكدني صوت رجاله ,
فلقد ملئوا الدنيا ضجيجا ,
"إلحق بنا ... إلحق بنا ...إلحق بنا "
أليس على وجه المعمورة غيرهم ؟
أليس على ظهرها غيري ؟
وكأن الدنيا قد اخليت , من غيري و غيرهم ,
فلا يجدوا غيري , و لا أجد غيرهم ...
يا له من قدر , أحب ان أفر منه , إلى قدر آخر ...
حيث أرتاح من همي , و أريحهم ...
يارب ,
أريد أن أفر منهم ,
لكن ليس عنهم ,
بل إليهم ,
فلقد مللت الهروب منهم , وجاء الوقت اليوم للهروب إليهم ...
نعم ....
لن أقول أين المفر ,
فلا مفر إلا إلى الثغور....
حيث تسكت الكلمات , و يتكلم الرصاص ...
هناك , لن يقول لي أحد " إلحق بنا " ,
و سأكون مع من كانوا ....
أما إن بقيت هنا , فلن أهنأ في عيش ولن تقر لي عين , ماداموا ورائي , ينادونني ...
"إلحق بنا"
يا رب تعبت ...
والله تعبت ...فاجعلهم يسكتوا للحظة ,
لحظة فقط ,
لأقول فيها :
يا رب ألحقني بهم ...
يا رب ألحقني بهم ..
يا رب الحقني بهم ...
سأبقى أرددها حتى لا أسمعم ...
ستسكن هذه الكلمات شفتاي ...حتى ألحق بهم ...
حتى ألحق بهم ...
سأردد ...يا رب ألحقني بهم ...
يارب ألحقني بهم ...
يارب ألحقني بهم ...
كتبه :
"الدكتور الإسلامي"
الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على رسول الله محمد , و على آله و صحبه أجمعين , و من سار على هديهم إلى يوم الدين :
أنا رجل قاعد ...منذ زمن , حتى اعتدت على القعود ...
بالرغم من كل كتاباتي الجهادية ,
إلا أني قاعد ...من الخوالف -أجلكم الله -
لست من أولي الضرر ....إلا ما كان في قلبي من وهن ....حيث تكمن المشكلة ...
إن سلّمنا أن خير من يكتب عن فضل الصحة هم المرضى ,
و خير من يكتب عن نعمة البصر هم العميان , و خير من يكتب عن نعمة السمع هم الطرشان , وذلك بسبب فقدانهم تلك النعم و شعورهم بفضلها و تألمهم لغيابها ,
و كما قالوا " الصحة تاج على رؤوس الأصحاء , لا يراه إلا المرضى "
وكذلك الأمر إن تعلق بعاهة القعود , فتجد خير من يكتب عن الجهاد هم ...القاعدون , الذين فشلوا باللحاق بأرض الثغور..
فانا لا أكتب عن الجهاد , لأني من أهله - حاشاهم أن يكون مثلي منهم -
بل لأني أعمى أو أطرش ,
عفوا , أقصد لأني صاحب عاهة ,
وعاهتي هي القعود...وأحب أكتب عن الأصحاء , الخالين من عاهة القعود ..
يا لها من مفارقة ..
كل هذه الملاحم الأدبية الجهادية ,
النثرية منها و الشعرية ...
ليست إلا نتاجا لخيال فكري يجعلك تحمل السلاح , و تقتحم صفوف الأعداء, بل وتسمع صوت قدح الرصاص , و أزيز الطائرات وعلو الصرخات , ... حتى يكاد يكون الأمر فلما سينمائيا يعرض على شاشة دماغك , وما عليك إلا تدوين ما رأيت , لتكون بطلا لفلم خيالي أو مسرحية درامية لم تحدث إلا على خشبات مسرح الأفكار الشاردة..
معركة دموية دون بارود او رصاص ,
بل دون دماء ...
لحظات خيالية وهمية , مليئة بالأحداث الجسام , و النوازل العظام , يعيشها القاعد و هو يطلق قلمه في أدب الجهاد ,
فترى دمعه يسيل , وكأنه دمه ,
و يشعر أن قلبه يرتعش , ولكنها يده ...
في لحظات جامحة تشبه النوبة العصبية , تنعكس على جوارحه الثائرة , على شكل رعشات متتالية , تزداد تألقا كلما اقتربت النهاية ,
حتى يصبح العقل كليلا ....
و يسقط الجسم هزيلا ,
يا الله ,
وكأنها معركة حقيقية ,
حدثت هناك بين جدران الرمادي أو تلعفر ,
و ليست بين جدران الدماغ الواهم ,
كلما نسيت فكرة النفير إلى الجهاد ,
واكتفيت بقدري كصاحب عاهة قعود يكتب عن الأصحاء في أرض النزال ...
كلما اردت الإحتفاظ بقلمي عوضا عن بارودتي ,
كلما استمرأت الضغط على لوحة المفاتيح بدلا من الضغطة على الزناد ,
جاءني صوت أو صورة من رجال تنظيم القاعدة ليصفعني على خدي ,ويقول لي :
الحق بنا ...
لا أدري لماذا يلاحقونني ؟
أنا بالذات ,
كلما ركنت إلى الأرض , جاؤوا إلي يركلونني ...
و يوبخونني ,
...يقولون لي :
الحق بنا ...
أحيانا ...
أحيانا لا يقولون شيئا ,
ينظروا إليّ بنظرة متجهمة ,
ويرحلوا ...
لكن صمتهم , و من بعده رحيلهم , أشد ألما علي من صفعاتهم و ركلاتهم ,
أنا بالذات , يطاردونني , و كأن نصر الله أصبح معقودا على "جهادي "
يا الله ,
حتى أسامة ...
لا أدري ..
لماذا يطاردني الشيخ أسامة بن لادن ؟
عندما اسمع صوته من على قناة الجزيرة , أدخل في زنزانة مظلمة , أسير إليها كما يسير النائم وقد مد يديه أمامه , ليس فيها إلا نافذة صغيرة في أعلى الجدار , يصدر منها نورا وهاجا , يختبئ خلفه وجه أسامة بن لادن ,
لا يتكلم أسامة إلى أمريكا حين يتكلم , و لا إلى قادة الجهاد ,
لا يخاطب كوفي عنان و لا جورج بوش ,
بل يخاطبني من خلال نافذته ,
ينظر إلي في زنزانتي
عيناه لا تفارق عينيّ ,
يحدثني بصوت مشفق ... يقول لي :
الحق بنا ,
لا أدري , هل أصبح أسامة بن لادن لا يفكر إلا بي ؟
لماذا يفعل هذا بي ؟
كلما أردت ان أنسى النفير , و أقنع بالقلم و الدفتر , طل أسامة علي ليقول :
كفاك , إلحق بنا ...
ولا يكاد يختفي صوته و صورته , حتى أجد نفسي قد استيقظت من لحظة السرحان التي اختطفتني تعسفيا من بين من حولي , دون أي سابق إنذار ,
وعندما استشهد أبو مصعب الزرقاوي - رحمه الله -,
لم يكن مقتله إلا رسالة مشفرة وصلتني عبر نظراته ,
كلما نظرت إلى صورته شهيدا ,
وجدته ينظر ألي ...
ستقولون عيناه مغمضتين ,
أعلم ,
لكنه يفتحمها كلما نظرت إليهما ,
لعل النظرات لا تتكلم ,
لكنها ...
تقول لي ,
بشكل أو بآخر :
إلحق بنا ,
لا أدري , هكذا أفهمها دون أي كلمات ...
ألم أقل لكم أنها مشفرة ,
حتى بعد مماته ,
يناديني ,
وكأن ليس في الدنيا إلا أنا ,
ليناديني ...
كلما أظن أنني هدأت ,
كلما أيقنت أنني نسيت ,
جاؤوا إلي ,
هم هم ,
المجاهدون ,
ينادونني :
الحق بنا ,
أكاد أجن ؟
لم يجدوا بين الناس غيري ...
صوتهم يحاصرني ,
يخرج من بعيد , ليستقر في تجويفة صدري , و يبقى صداه يتردد بين الضلوع ,
يهزني ,
يزلزلني ...
يقول لي :
إلحق بنا ,
يا إلهي , ألا يتركوني ؟
أهو جهاد بالغصب ؟
فأنا لست منهم , أنا قاعد , وهم مجاهدون ,
أنا معوق ,
صاحب عاهة ..
وهم أصحاء ...
لكنهم لا ييأسون مني بالرغم من يأسي من نفسي , يبحثون عني , وما أن يجدوني حتى يصرخوا في :
إلحق بنا ...
كلما نبشت في منتدى البيانات , و رأيت إصدارا مرئيا , تنتابني لحظة خوف و وجل , أحاول الهروب منهم قبل ان يجدوني ,
لكن الوقت يكون متأخرا ...
فأجد يديّ تتسلل إليه و تبدأ بتحميل الفلم ,
لا أريد مشاهدته , لكنها حالة إدمان ملازمة لي , تعقد من حالتي ,
وما هي إلا لحظات ... حتى يبدا صوتهم بقصفي كالرعد الغاضب ,
مع كل لقطة ,
مع بداية كل انشودة و نهايتها ,
مع كل طلقة ...
إلحق بنا ..
هم لا يصدرون إصداراتهم لأي شخص غيري ,
صدقوني ...
هي معدة لي شخصيا ,
مشاهد متنوعة , و ألحان مختلفة , وهتافات ...كلها تقول لي :
إلحق بنا ..
أين المفر من هؤلاء ؟
ساعدوني ...أما فيكم قاعد غيري ؟
أحبهم , أهواهم , أعشق الغبار تحت أقدامهم , لكنني لا استطيع اللحاق بهم , فلماذا لا يقنعوا بدوري ؟
ألا يريدون من يكتب عن الجهاد ؟
الا يريدون من يمجدهم و يمدحهم ؟
ألا يريدون كتابا في المنتديات الإسلامية ؟
ألا يحتاجون من يرفع لهم الأفلام الجهادية ؟
ألا يحتاجون من يدعو لهم ؟
أنا أفعل هذا فلماذا لا يتركونني ؟
لماذا انا بالذات ؟ ينادونني و يقولون لي :
إلحق بنا ...
لا أريد , دعوني يا احبتي , فأنا أطمع بأن أحشر معكم وإن لم أعمل بعملكم , ألم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :
المرء مع من أحب ؟
كلما رضيت بقدري ,
وجدتكم حولي , تقولون لي :
فِرْ من قدر الله ...
إلى قدر الله...
وعندما أسألكم كيف! , تردون على تساؤلي بنفس العبارة المرعبة :
إلحق بنا ...
لم أعد والله أجد طعما للحياة و انتم ورائي ,
صوتكم يعكر صفو حياتي ,
يحرك فيّ اشياء أريدها أن تكون ساكنة ,
يستفز فيّ مشاعرا و أشجانا و خواطرا ,
لا استطيع التركيز في عملي ,
لا استطيع التحكم في علاقتي مع الناس ,
أصبحت مضطربا , متوترا ,
لا أنا مجاهد , ولا قاعد ,
بل قاعد ...
لكن لست كبقية القاعدين ,
عندما سمعت بمقتل الشهداء الستة في حي النخيل , وكان بينهم فارس الرافدين محمد بن رشيد الجليدان , وحبيب أبي مصعب الزرقاوي و رفيق سلاحه الشهيد بإذن الله سامي بن سعود المطيري , و الشهيد مشعل الرشود و محمود العتيبي و سعد المعيذر و غازي العتيبي ,
عندما عرجت أرواحهم الطاهرة إلى السماء ,
فرحين مسرورين , وكأنهم أزواج تزف إلى حورها ..
وقد كانوا قبيل أيام قليلة ينتحبون حزنا على أبي مصعب الزرقاوي , تماما كما انتحبنا ..
ظننتهم غادرونا ,
لكنهم لم يفعلوا ...
لم يتركونني ,
ففي الأعلى ..
هناك على دفتر السماء ...
وجدت ستة نجمات مضيئة , قد سكنت بين سطور المجرات ,
كتبت كلمتين ,
استعجمتها في بادئ الأمر ...
فلست معتادا على الإهتداء بالنجوم في رحلاتي ..
لكنها لحيْظات ...
حتى فككتُ لغز تلك الكلمات ,
قرأتها ,
وعندما قرأتها... بكيت ,
فلقد كانت نفس الكلمات ....
إلحق بنا ,
كتبت بست نجمات مضيئة ,
كلما نظرت إلى السماء , تذكرت ساكنيها ,
تذكرت آخر كلمتين تركوها لي ...
عندما أنظر إلى بار الأخبار في أسفل شاشة التلفاز , باحثا عن اسعار البورصة , أو اخبار انفلونزا الطيور , أو أنباء عن زلزال ضرب أندونيسيا ,
اتفاجأ بخبر عن تنظيم القاعدة ,
فجروا همرا ,
أو قصفوا معسكرا ,
أو تبنوا خطف علج أو ذبحه ,
أفرح كثيرا..ولكن للحظات فقط ...
حيث تفقد الجمل في بار الأخبار ملامحها الأصلية , و تتحول بقدرة قادر إلى كلمتين خفيفتين على لساني , ثقيلتين على فؤادي ...
نفس الكلمتين ...
إلحق بنا ...
كلمتا "إلحق بنا " يا احبتي تطاردني و تلحقني في كل يوم , في كل ساعة و كل لحظة , مع كل نشرة اخبار , مع كل جلسة إنترنت , في كل مكان ... في السماء , في الأرض , على شاشات التلفاز ,في بار الأخبار , على أثير الإذاعات ...
حيث أبحث عنها و حين أفر منها ...
لا مفر منها ,
لا مفر من صوتهم ,
لقد أتعبني تنظيم القاعدة , وكدني صوت رجاله ,
فلقد ملئوا الدنيا ضجيجا ,
"إلحق بنا ... إلحق بنا ...إلحق بنا "
أليس على وجه المعمورة غيرهم ؟
أليس على ظهرها غيري ؟
وكأن الدنيا قد اخليت , من غيري و غيرهم ,
فلا يجدوا غيري , و لا أجد غيرهم ...
يا له من قدر , أحب ان أفر منه , إلى قدر آخر ...
حيث أرتاح من همي , و أريحهم ...
يارب ,
أريد أن أفر منهم ,
لكن ليس عنهم ,
بل إليهم ,
فلقد مللت الهروب منهم , وجاء الوقت اليوم للهروب إليهم ...
نعم ....
لن أقول أين المفر ,
فلا مفر إلا إلى الثغور....
حيث تسكت الكلمات , و يتكلم الرصاص ...
هناك , لن يقول لي أحد " إلحق بنا " ,
و سأكون مع من كانوا ....
أما إن بقيت هنا , فلن أهنأ في عيش ولن تقر لي عين , ماداموا ورائي , ينادونني ...
"إلحق بنا"
يا رب تعبت ...
والله تعبت ...فاجعلهم يسكتوا للحظة ,
لحظة فقط ,
لأقول فيها :
يا رب ألحقني بهم ...
يا رب ألحقني بهم ..
يا رب الحقني بهم ...
سأبقى أرددها حتى لا أسمعم ...
ستسكن هذه الكلمات شفتاي ...حتى ألحق بهم ...
حتى ألحق بهم ...
سأردد ...يا رب ألحقني بهم ...
يارب ألحقني بهم ...
يارب ألحقني بهم ...
كتبه :
"الدكتور الإسلامي"
تعليق