مِن "الدية" الى "لا غالب ولا مغلوب"
بقلم: علي جرادات
الفكر، وبضمنه الفكر السياسي، ظاهرة اجتماعية تنمو وتتطور بالممارسة، وتشكل اللغة التعبير الاجتماعي الخارجي عن عملياته الداخلية، ما يسهِّلُ عملية تلمس المكنون الفكري لحزب أو قائد سياسي، مِن خلال ما يستخدمه مِن لغة.
ولكي نلج في الموضوع مباشرة، ودون مقدمات في غير أوانها ومكانها، فإن متابعاً متبصراً للغةِ بعض القادة السياسيين الفلسطينيين، يلمس بسهولة أن هنالك تنامياً للتفكير القَبَلي داخل التنظيم السياسي التحرري الفلسطيني، ما يعكس حالة نكوص مرعبة عما حققه هذا التنظيم مِن معاني الحداثة، في فكره، واستتباعاً في ممارسته ولغته.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن هنالك مِن القادة الفلسطينيين مَن استبدل ضرورة مساءلة كل المتورطين في جريمة الاقتتال الداخلي، وفقا لسيادة القانون وحكم القضاء، بإبداء الإستعداد لدفع "الدِّية" لذوي ضحايا هذا الاقتتال، الذي يظهر والحالة تلك، وكأنه مجرد شجار بين عائلتين أو قبيلتين، وليس اقتتالاً بين طرفين سياسيين يتنازعان قيادة "السلطة" والشعب، الذي لحق به جراء هذا الاقتتال، ما هو مرئي، وما هو غير مرئي، مِن الأضرار، التي لا يستوفيها، وإن كان أهمها، سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، بعد ما خلفه هذا الاقتتال مِن أضرار مادية لا تحصى، فضلاً عما جلبه مِن أضرار معنوية وديموقراطية مرعبة، قادت الى نتائج سياسية كارثية، لم تمسس حاضر الفلسطينيين ومشروعهم الوطني فقط، بل وضعت، وما زالت تضع، مستقبلهم على كف عفريت أيضاً، علاوة على ما الحقته مِن أضرار بمنجزاتهم السابقة، التي تكبدوا لقاءها تضحيات ومعاناة جسيمة، وسكبوا في سبيلها شلالات دمٍ هادرة، على مدار ما يقرب مِن قرنٍ مِن الزمان.
رغم إدراكي لما إنطوت عليه، ووشت به، مقولة "الدية"، مِن استدارة فكرية عما أحرزته مسيرة التنظيم السياسي الفلسطيني مِن حداثة، بالمعنيين النظري والتطبيقي، إلا أنني عزفت عن الكتابة حولها في حينه، بينما لم أستطع ذلك اليوم، وذلك بعد أن جرى تجديد المضمون القَبَلي لمقولة "الدية"، عبر اطلاق صيغة "لا غالب ولا مغلوب"، كقاعدة لحل الانقسام الفلسطيني.
إن مقولتي "الدية" و"لا غالب ولا مغلوب"، وبقدر ما يشيران الى توجه قَبَلي في معالجة الإنقسام الداخلي، فإنهما يشيران الى ذات التوجه القَبَلي في فهم مسبباته: (الاقتتال الداخلي، وذروته الحسم السياسي بوسائل عسكرية)، وتصويره كشجارٍ بين عائلتين.
والحال؛ فإنه، وإن كان لكل حزب أو قيادي فلسطيني كامل الحق في طرح ما يشاء مِن فهم للمعضلة الداخلية ، وطرح ما يشاء مِن توجهات لمعالجتها، غير أن التوجه القَبَلي، وعلاوة على ما يكتنفه مِن قصور عن المعالجة، فإنه يثير مِن الأسئلة أكثر مما يغلق، بل إنه يشير الى أحد الأسباب الأساسية التي قادت الساحة الفلسطينية الى ما هي عليه مِن معضلات داخلية.
بلى، فإنه، ورغم التسامح الظاهري لصيغة "لا غالب ولا مغلوب" القَبَلية، الا أنها تبقى عاجزة عن التصدي لموضوعة الوحدة السياسية الداخلية، التي لصيانتها في الواقع الفلسطيني، شروطاً فكرية وسياسية وديموقراطية حداثية، لا يمكن توفرها دون الإدراك العميق لحقيقة أن المُستعَْمِر، والإسرائيلي مِن أسوأ أشكاله، يستثمر "تقليدية" المجتمع المُسْتَعْمَرْ، اي ما به من تذرير جهوي وعشائري وطائفي واثني.....، ويسعى لتكريسها، بما يكرس نهب خيراته الاقتصادية، والسيطرة عليه سياسيا وأمنياً، ما يفرض تجاوز هذه "التقليدية" في ثقافة التنظيم السياسي التحرري، لا لكونها "عقب أخيل"، الذي ينفذ منه المُسْتَعْمِر فقط، بل أيضاً لأن ثقافة التحرر، تشكل زمناً إقتصادياً إجتماعياً سياسياً حداثياً غير زمن "التقليدية".
فثقافة التحرر زمن تالٍ ونافٍ للتقليدية، وتتشوه خاصيتها التغييرية، إن هي (الثقافة التحررية) إتكأَت على "التقليدية" كثقافة سياسية. وتغدو مولودا تحرريا حداثيا قاصرا ومبتورا، إن هي إبتلعت "التقليدية" ممارسة. إنه المولود الذي شَخَّصَهُ المفكر الفلسطيني، المرحوم هشام شرابي، بتوصيف البطرياركيه الجديده (newpatriarchism) في التنظيم السياسي للمجتمعات العربيه، ما يفرض ضرورة السجال بين "التقليدي" والتحرري الحداثي مِن الثقافة، لأن التداخل بينهما لا يكون الا في الإنتقالي من زمن الثقافة السياسية.
لكن يبدو ان الثقافة السياسية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني لم تنجُ من الثقافة السياسية لغلافها السلطوي العربي، كما أنها لم تَقطع مع مكنون "تقليدية" مجتمعها، بل نهلت من كليهما، ومزجت ثقافتها السياسية التحرريه بثقافة "ختم المخترة". فَ"تَرَيًفَتْ" حداثة هذه الثقافة التحررية، و"تَبَطْرَكَ "patriarchate" تنظيمها السياسي التحرري، و"تَمَخْتَرَتْ" قيادته، وسَرَتْ عصبوية القبيله عميقا في شرايين عضويته. وعلا بذلك جداراً اخر من جدران السلوك السياسي الإستخدامي، وبالتالي التسييس والتنظيم البائس لثقاقة التحرر الفلسطينية وقيمها، جدار تناثرت لبناته وتوالدت بشكل صيرورات بائسة متتابعة.
فمن إستخدام العشائرية والجهوية لتعزيز النفوذ والكسب الانتخابي، الى الإرتشاء والتغذي منها، إلى رشوتها وتغذيتها وشراء الذمم، ومنافسة الخصم السياسي، والتكتل والتشلل التنظيمي على اساسها، ما أحال الى ثقافة التحزيب السياسي العشائري، وصياغة عضو التنظيم السياسي بعقلية ان تنظيمه هو الافضل دوما.
وبالتالي ضرورة الدفاع عنه مخطئا او مصيباً. وهنا يكمن سر هروب حزب أو قائد سياسي مِن المساءلة الشعبية والقانونية، ومحاولة الإلتفاف عليها بصيغ متعددة، تقع في عدادها مقولات مِن طراز صيغة "دفع الدية"، وصيغة الحل على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".
بهذا ينقلب التنظيم التحرري مِن أداة إلى هدف، ويتحَوّلَ إلى صنم يُعبد، مع أنه يجب ان يكون في وعي المناضلين نتاج ارادتهم الطوعية، ما يجعل مِن الصعب على هؤلاء المناضلين الفكاك من سلطة هذا التنظيم، والخضوع لاملاءات نخبه القيادية، وإلا ما الذي يجعل مناضلا فلسطينيا يعشق سلاحه كرمز لحريته مِن إضطهاد الاحتلال، يستسهل قتل مناضل آخر يحمل السلاح لذات الهدف؟!!! ألا يعكس ذلك مقدار ما تمور به الثقافة السياسية للتنظيم التحرري الفلسطيني مِن مفاهيم قبَلية وعشائرية؟!!!
بلى، وفي طرح مقولتي "الدية" و"لا غالب ولا مغلوب"، كحلٍ لما بات مستعصيا مِن إنقسام داخلي، إشارة واضحة، ودليل بارز على ذلك، وعلى تحوُّل التنظيم السياسي الفلسطيني إلى صنم يُعبد، خارج المساءلة التنظيمية والشعبية والقانونية، المساءلة التي من شأنها تصحيح المسار وفقا للمصلحة العليا للشعب والوطن، بما يمنع الإحتراب القبَلي، بين المُخْتَلِف من التنظيم السياسي، ويكرس التنافس الديموقراطي البرامجي. ويمنع الحلول العشائرية، مِن طراز "الدية" و"لا غالب ولا مغلوب"، ويكرس تحمل مَن أخطأ لمسؤولياته، تبعاً لما ينص عليه القانون، ويقضي به القضاء، وصولاً لمنع التنظيمات مِن التستر على اخطاء أعضائها، وعدم تحويل قادتها الى قيادات عشائرية.
دون فرض القانون واحترام سيادته، ودون تراجع كل مخطيء عن خطئه، حتى لا نقول عن خطيئته، لا يمكن للصف الوطني أن يستعيد وحدته، وسيبقى الجهد النضالي التحرري الفلسطيني يحصد كوارث ممارسات حداثية الشكل تقليدية المضمون، تفضي الى انفصال الجهد النضالي التحرري الفلسطيني عن هدفه الوطني، وتقود الى انفصال المناضلين الفلسطينيين، وخاصة أؤلئك الذين حركهم التوق للحرية والتحرر، لبذل جهودهم النضالية، التي تصبح والحالة تلك، بمثابة صنمٍ تقليدي، يواجهونه، ويسيطر عليهم مرتين: مرة في "تقليدية" المجتمع، يناضلون لتحريره وتغييره، في صورة ختم مختار العشيرة، واخرى في التنظيم السياسي التحرري الحامل للواء التغيير، في صورة ختم قائد التنظيم السياسي، لنكون أمام لوحة سريالية، تنفصل فيها السياسة التحرريه عنوة عن مكنون برنامجها الحداثي التغييري. وفي ذلك أشكال وأشكال مِن التعذيب النفسي للمناضلين الفلسطينيين، علاوة ما فيه مِن تبديد لجهودهم عن هدفها الوطني.
بقلم: علي جرادات
الفكر، وبضمنه الفكر السياسي، ظاهرة اجتماعية تنمو وتتطور بالممارسة، وتشكل اللغة التعبير الاجتماعي الخارجي عن عملياته الداخلية، ما يسهِّلُ عملية تلمس المكنون الفكري لحزب أو قائد سياسي، مِن خلال ما يستخدمه مِن لغة.
ولكي نلج في الموضوع مباشرة، ودون مقدمات في غير أوانها ومكانها، فإن متابعاً متبصراً للغةِ بعض القادة السياسيين الفلسطينيين، يلمس بسهولة أن هنالك تنامياً للتفكير القَبَلي داخل التنظيم السياسي التحرري الفلسطيني، ما يعكس حالة نكوص مرعبة عما حققه هذا التنظيم مِن معاني الحداثة، في فكره، واستتباعاً في ممارسته ولغته.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن هنالك مِن القادة الفلسطينيين مَن استبدل ضرورة مساءلة كل المتورطين في جريمة الاقتتال الداخلي، وفقا لسيادة القانون وحكم القضاء، بإبداء الإستعداد لدفع "الدِّية" لذوي ضحايا هذا الاقتتال، الذي يظهر والحالة تلك، وكأنه مجرد شجار بين عائلتين أو قبيلتين، وليس اقتتالاً بين طرفين سياسيين يتنازعان قيادة "السلطة" والشعب، الذي لحق به جراء هذا الاقتتال، ما هو مرئي، وما هو غير مرئي، مِن الأضرار، التي لا يستوفيها، وإن كان أهمها، سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، بعد ما خلفه هذا الاقتتال مِن أضرار مادية لا تحصى، فضلاً عما جلبه مِن أضرار معنوية وديموقراطية مرعبة، قادت الى نتائج سياسية كارثية، لم تمسس حاضر الفلسطينيين ومشروعهم الوطني فقط، بل وضعت، وما زالت تضع، مستقبلهم على كف عفريت أيضاً، علاوة على ما الحقته مِن أضرار بمنجزاتهم السابقة، التي تكبدوا لقاءها تضحيات ومعاناة جسيمة، وسكبوا في سبيلها شلالات دمٍ هادرة، على مدار ما يقرب مِن قرنٍ مِن الزمان.
رغم إدراكي لما إنطوت عليه، ووشت به، مقولة "الدية"، مِن استدارة فكرية عما أحرزته مسيرة التنظيم السياسي الفلسطيني مِن حداثة، بالمعنيين النظري والتطبيقي، إلا أنني عزفت عن الكتابة حولها في حينه، بينما لم أستطع ذلك اليوم، وذلك بعد أن جرى تجديد المضمون القَبَلي لمقولة "الدية"، عبر اطلاق صيغة "لا غالب ولا مغلوب"، كقاعدة لحل الانقسام الفلسطيني.
إن مقولتي "الدية" و"لا غالب ولا مغلوب"، وبقدر ما يشيران الى توجه قَبَلي في معالجة الإنقسام الداخلي، فإنهما يشيران الى ذات التوجه القَبَلي في فهم مسبباته: (الاقتتال الداخلي، وذروته الحسم السياسي بوسائل عسكرية)، وتصويره كشجارٍ بين عائلتين.
والحال؛ فإنه، وإن كان لكل حزب أو قيادي فلسطيني كامل الحق في طرح ما يشاء مِن فهم للمعضلة الداخلية ، وطرح ما يشاء مِن توجهات لمعالجتها، غير أن التوجه القَبَلي، وعلاوة على ما يكتنفه مِن قصور عن المعالجة، فإنه يثير مِن الأسئلة أكثر مما يغلق، بل إنه يشير الى أحد الأسباب الأساسية التي قادت الساحة الفلسطينية الى ما هي عليه مِن معضلات داخلية.
بلى، فإنه، ورغم التسامح الظاهري لصيغة "لا غالب ولا مغلوب" القَبَلية، الا أنها تبقى عاجزة عن التصدي لموضوعة الوحدة السياسية الداخلية، التي لصيانتها في الواقع الفلسطيني، شروطاً فكرية وسياسية وديموقراطية حداثية، لا يمكن توفرها دون الإدراك العميق لحقيقة أن المُستعَْمِر، والإسرائيلي مِن أسوأ أشكاله، يستثمر "تقليدية" المجتمع المُسْتَعْمَرْ، اي ما به من تذرير جهوي وعشائري وطائفي واثني.....، ويسعى لتكريسها، بما يكرس نهب خيراته الاقتصادية، والسيطرة عليه سياسيا وأمنياً، ما يفرض تجاوز هذه "التقليدية" في ثقافة التنظيم السياسي التحرري، لا لكونها "عقب أخيل"، الذي ينفذ منه المُسْتَعْمِر فقط، بل أيضاً لأن ثقافة التحرر، تشكل زمناً إقتصادياً إجتماعياً سياسياً حداثياً غير زمن "التقليدية".
فثقافة التحرر زمن تالٍ ونافٍ للتقليدية، وتتشوه خاصيتها التغييرية، إن هي (الثقافة التحررية) إتكأَت على "التقليدية" كثقافة سياسية. وتغدو مولودا تحرريا حداثيا قاصرا ومبتورا، إن هي إبتلعت "التقليدية" ممارسة. إنه المولود الذي شَخَّصَهُ المفكر الفلسطيني، المرحوم هشام شرابي، بتوصيف البطرياركيه الجديده (newpatriarchism) في التنظيم السياسي للمجتمعات العربيه، ما يفرض ضرورة السجال بين "التقليدي" والتحرري الحداثي مِن الثقافة، لأن التداخل بينهما لا يكون الا في الإنتقالي من زمن الثقافة السياسية.
لكن يبدو ان الثقافة السياسية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني لم تنجُ من الثقافة السياسية لغلافها السلطوي العربي، كما أنها لم تَقطع مع مكنون "تقليدية" مجتمعها، بل نهلت من كليهما، ومزجت ثقافتها السياسية التحرريه بثقافة "ختم المخترة". فَ"تَرَيًفَتْ" حداثة هذه الثقافة التحررية، و"تَبَطْرَكَ "patriarchate" تنظيمها السياسي التحرري، و"تَمَخْتَرَتْ" قيادته، وسَرَتْ عصبوية القبيله عميقا في شرايين عضويته. وعلا بذلك جداراً اخر من جدران السلوك السياسي الإستخدامي، وبالتالي التسييس والتنظيم البائس لثقاقة التحرر الفلسطينية وقيمها، جدار تناثرت لبناته وتوالدت بشكل صيرورات بائسة متتابعة.
فمن إستخدام العشائرية والجهوية لتعزيز النفوذ والكسب الانتخابي، الى الإرتشاء والتغذي منها، إلى رشوتها وتغذيتها وشراء الذمم، ومنافسة الخصم السياسي، والتكتل والتشلل التنظيمي على اساسها، ما أحال الى ثقافة التحزيب السياسي العشائري، وصياغة عضو التنظيم السياسي بعقلية ان تنظيمه هو الافضل دوما.
وبالتالي ضرورة الدفاع عنه مخطئا او مصيباً. وهنا يكمن سر هروب حزب أو قائد سياسي مِن المساءلة الشعبية والقانونية، ومحاولة الإلتفاف عليها بصيغ متعددة، تقع في عدادها مقولات مِن طراز صيغة "دفع الدية"، وصيغة الحل على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".
بهذا ينقلب التنظيم التحرري مِن أداة إلى هدف، ويتحَوّلَ إلى صنم يُعبد، مع أنه يجب ان يكون في وعي المناضلين نتاج ارادتهم الطوعية، ما يجعل مِن الصعب على هؤلاء المناضلين الفكاك من سلطة هذا التنظيم، والخضوع لاملاءات نخبه القيادية، وإلا ما الذي يجعل مناضلا فلسطينيا يعشق سلاحه كرمز لحريته مِن إضطهاد الاحتلال، يستسهل قتل مناضل آخر يحمل السلاح لذات الهدف؟!!! ألا يعكس ذلك مقدار ما تمور به الثقافة السياسية للتنظيم التحرري الفلسطيني مِن مفاهيم قبَلية وعشائرية؟!!!
بلى، وفي طرح مقولتي "الدية" و"لا غالب ولا مغلوب"، كحلٍ لما بات مستعصيا مِن إنقسام داخلي، إشارة واضحة، ودليل بارز على ذلك، وعلى تحوُّل التنظيم السياسي الفلسطيني إلى صنم يُعبد، خارج المساءلة التنظيمية والشعبية والقانونية، المساءلة التي من شأنها تصحيح المسار وفقا للمصلحة العليا للشعب والوطن، بما يمنع الإحتراب القبَلي، بين المُخْتَلِف من التنظيم السياسي، ويكرس التنافس الديموقراطي البرامجي. ويمنع الحلول العشائرية، مِن طراز "الدية" و"لا غالب ولا مغلوب"، ويكرس تحمل مَن أخطأ لمسؤولياته، تبعاً لما ينص عليه القانون، ويقضي به القضاء، وصولاً لمنع التنظيمات مِن التستر على اخطاء أعضائها، وعدم تحويل قادتها الى قيادات عشائرية.
دون فرض القانون واحترام سيادته، ودون تراجع كل مخطيء عن خطئه، حتى لا نقول عن خطيئته، لا يمكن للصف الوطني أن يستعيد وحدته، وسيبقى الجهد النضالي التحرري الفلسطيني يحصد كوارث ممارسات حداثية الشكل تقليدية المضمون، تفضي الى انفصال الجهد النضالي التحرري الفلسطيني عن هدفه الوطني، وتقود الى انفصال المناضلين الفلسطينيين، وخاصة أؤلئك الذين حركهم التوق للحرية والتحرر، لبذل جهودهم النضالية، التي تصبح والحالة تلك، بمثابة صنمٍ تقليدي، يواجهونه، ويسيطر عليهم مرتين: مرة في "تقليدية" المجتمع، يناضلون لتحريره وتغييره، في صورة ختم مختار العشيرة، واخرى في التنظيم السياسي التحرري الحامل للواء التغيير، في صورة ختم قائد التنظيم السياسي، لنكون أمام لوحة سريالية، تنفصل فيها السياسة التحرريه عنوة عن مكنون برنامجها الحداثي التغييري. وفي ذلك أشكال وأشكال مِن التعذيب النفسي للمناضلين الفلسطينيين، علاوة ما فيه مِن تبديد لجهودهم عن هدفها الوطني.
تعليق