إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيفية نشأة حركتنا الربانية (حركة الجهادالإسلامي في فلسطين) وارجو التثبيت ***

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيفية نشأة حركتنا الربانية (حركة الجهادالإسلامي في فلسطين) وارجو التثبيت ***

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين

    حركة الجهاد الإسلامي فـي فلسطين
    نشأة الحركة: ‏

    لقد كانت نشأة حركة الجهاد الإسلامي ثمرة حوار فكري وتدافع سياسي شهدته الحركة الإسلامية ‏الفلسطينية أواخر السبعينات وقادته مجموعه من الشباب الفلسطيني فـي أثناء وجودهم للدارسه ‏الجامعية فـي مصر وكان على رأسهم مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي ‏‏(رحمه الله). ‏
    نتيـجة للحالة التي كانت تعيشها الحركة الإسلامية فـي ذلك الوقت من إهمال للقضية الفلسطينية ‏كقضية مركزيه للعالم الإسلامي والحالة التي عاشتها الحركة الوطنية من إهمال الجانب الإسلامي ‏لقضية فلسطين وعزلها عنه ، تقدمت حركة الجهاد الإسلامي ، كفكره وكمشروع فـي ذهن مؤسسها ‏الدكتور فتحي الشقاقي ، حلا لهذا الأشكال. ‏
    فـي اوائل الثمانينات وبعد عودة الدكتور فتحي الشقاقي وعدد من اخوانه الى فلسطيـن تم بناء ‏القاعدة التنظيمية لحركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين وبدأ التنظيم لخوض غمار التبعئة الشعبية ‏والسياسية فـي الشارع الفلسطيني بجانب الجهاد المسلح ضد العدو الصهيونى ، كحل وحيد لتحرير ‏فلسطيـن. ‏
    المبادئ العامة للحركة:‏
    ‏ ‏
    تلتزم حركةالجهاد الاسلامي فـي فلسطيـن بالاسلام عقيدةوشريعة ونظام حياة ، ‏ وكأداة ‏لتحليل وفهم طبيعة الصراع الذي تخوضه الامة الاسلامية ضد اعدائها ، ‏ وكمرجع ‏اساسي فـي صياغةبرنامج العمل الاسلامي للتعبئة والمواجهة. ‏
    فلسطيـن ـ من النهر الى البحر ـ ارض اسلامية عربية يحرم شرعا التفريط فـي اي شبر ‏منها ، ‏ والكيان الصهيوني وجود باطل ،‏ ‏ يحرم شرعا الاعتراف به على اي جزء ‏منها. ‏
    يمثل الكيان الصهيوني رأس الحربة للمشروع الاستعماري الغربي المعاصر فـي معركته ‏الحضارية الشاملة ضد الامة الاسلامية، ‏ واستمرار وجود هذا الكيان على ارض ‏فلسطيـن وفي القلب من الوطن الاسلامي ، ‏ يعنى استمرار وهيمنة واقع التجزئة والتبعية ‏والتخلف الذي فرضته قوى التحدي الغربي الحديث على الامة الاسلامية. ‏
    لفلسطين من الخصوصية المؤيدة بالبراهين القرآنية والتاريخية والواقعية ما يجعلها القضية ‏المركزية للامة الاسلامية التي باجماعها على تحرير فلسطيـن ، ‏ ومواجهتها للكيان ‏الصهيوني ، ‏ تؤكد وحدتها وانطلاقها نحو النهضة. ‏
    الجماهير الاسلامية والعربية هي العمق الحقيقي لشعبنا فـي جهاده ضد الكيان الصهيوني ، ‏ ‏ومعركة تحرير فلسطيـن وتطهير كامل ترابها ومقدساتها هي معركة الامة الاسلامية ‏باسرها ، ‏ ويجب ان تسهم فيها بكامل امكاناتها وطاقاتها المادية والمعنوية ،‏ ‏ ‏والشعب الفلسطيني والمجاهدون على طريق فلسطيـن هم طليعة الامة فـي معركة التحرير ، ‏ ‏وعليهم يقع العبىء الاكبر فـي الابقاء على الصراع مستمرا حتى تنهض الامة كلها للقيام ‏بدورها التاريخي فـي خوض المعركة الشاملة والفاصلة على ارض فلسطين. ‏
    وحدة القوى الاسلامية والوطنية على الساحة الفلسطينية ، ‏ واللقاء فـي ساحة المعركة ،‏ ‏ ‏شرط اساسي لاستمرار وصلابة مشروع الامة الجهادي ضد العدو الصهيوني. ‏
    كافة مشاريع التسويه التي تقر الاعتراف بالوجود الصهيوني فـي فلسطين او التنازل عن اي ‏حق من حقوق الامة فيها ، ‏ باطلة ومرفوضة. ‏

    أهداف الحركة: ‏

    تسعى حركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين الى تحقيق الاهداف التالية: ‏
    تحرير كامل فلسطين ، ‏ وتصفية الكيان الصهيوني ،‏ ‏ واقامة حكم الاسلام على ‏ارض فلسطين ، ‏ والذي يكفل تحقيق العدل والحرية والمساواة والشورى. ‏
    تعبئة الجماهير الفلسطينية واعدادها اعدادا جهاديا، ‏ عسكريا وسياسيا ،‏ ‏ بكل الوسائل ‏التربوية والتثقيفية والتنظيمية الممكنة ، ‏ لتأهيلها للقيام بواجبها الجهادي تجاه فلسطين. ‏
    استنهاض وحشد جماهير الامة الاسلامية فـي كل مكان ، ‏ وحثها على القيام بدورها ‏التاريخي لخوض المعركة الفاصلة مع الكيان الصهيوني. ‏
    العمل على توحيد الجهود الاسلامية الملتزمة باتجاه فلسطيـن، ‏ وتوطيد العلاقة مع ‏الحركات الاسلامية والتحررية الصديقة فـي كافة انحاء العالم. ‏
    الدعوة الى الاسلام بعقيدته وشريعته وآدابه ، ‏ وابلاغ تعاليمه نقية شاملة لقطاعات الشعب ‏المختلفة ، ‏ واحياء رسالته الحضارية للامة والانسانية. ‏
    وسائل الحركة لتحقيق اهدافها:‏
    ‏ ‏
    تعتمد حركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين لتحقيق اهدافها الوسائل التالية: ‏
    ممارسة الجهاد المسلح ضد اهداف ومصالح العدو الصهيوني. ‏
    اعداد وتنظيم الجماهير ، ‏ واستقطابها لصفوف الحركة ،‏ ‏ وتأهيلها تأهيلا شاملا ‏وفق منهج مستمد من القرآن والسنة ، ‏ وتراث الامة الصالح. ‏
    مد اسباب الاتصال والتعاون مع الحركات والمنظمات الاسلامية والشعبية ، ‏ والقوى ‏التحررية فـي العالم لدعم الجهاد ضد الكيان الصهيوني، ‏ ومناهضة النفوذ الصهيوني ‏العالمي. ‏
    السعى للقاء قوى شعبنا الاسلامية والوطنية العاملة على ارض المعركة ضد الكيان ‏الصهيوني ، ‏ على ارضية عدم الاعتراف بهذا الكيان ،‏ ‏ وبناء التشكيلات والمنظمات ‏والمؤسسات الشعبية اللازمة لنهوض العمل الاسلامي والثوري. ‏
    اتـخاذ كافة الوسائل التعليمية والتنظيمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية ‏والسياسية والعسكرية ، ‏ مما يبيحه الشرع ،‏ ‏ وتنضجه التجربة من اجل تحقيق ‏اهداف الحركة. ‏
    استخدام كل طرائق التأثيـر والتبليغ المتاحة والمناسبة من وسائل الاتصال المعروفة ‏والمستجدة. ‏
    انتهاج مؤسسات الحركة وتنظيماتها من اساليب الدراسة والتخطيط والبرمجة والتقويم ‏والمراقبة بما يكفل استقرار الحركة وتقدمها .‏



    حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
    الأصول - الأيديولوجيا - التحولات‏
    المقدمة /‏
    تمهيد …‏
    مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، استطاعت القوى الاستعمارية الأوروبية ‏احتلال معظم اجزاء العالم الإسلامي، وفرضت بالتالي تحدياً اجنبياً على المنطقة العربية ‏والإسلامية على كافة الاصعدة. مما أدى الى بروز قوى الحركة الإسلامية الحديثة في استجابة ‏واضحة على التحدي، مستندة هذه القوى في معظم الحالات على برنامج من نقطتين: دحر الاحتلال ‏الاجنبي، وإعادة الارتباط بالاجتماع الإسلامي.‏
    بعد انهيار الدولة العثمانية، وتراجع فكرة الجامعة الإسلامية، وفرض التجزئة وبروز النخب ‏المتغبربة، وولادة الدولة القومية بنموذجها الأوروبي، تبدلت المهام القديمة للحركات الإسلامية ‏فأصبحت اكثر تحديدا. تبدى ذلك في أهدافها وبرامجها التي طرحتها، ومنها مقاومة طغيان دول ‏التجزئة - دول ما بعد الاستقلال -، ومناهضة النمط الحداثي الغربي الذي أخذت به تلك الدول، ‏وعملت على تكريسه، بعيداً عن المثال التاريخي الإسلامي الذي تنادي به حركات الاحياء الإسلامي ‏المعاصرة.‏

    مثلت اطروحات ومشاريع التيار الإسلامي القائمة على الفرض القاطع لنموذج مشروع الحداثة ‏الغربي الذي ساد منذ نهاية القرن التاسع عشر والذي حملته انظمة وحركات وأحزاب، الفعل الاكثر ‏تعبيراً عن عمق الأزمة في المجتمعات الغربية وأصبح هذا التيار محور استقطاب وجذب العديد من ‏عناصر الاحتجاج في المجتمعات العربية الراهنة. انه يعكس باختصار أزمة الشرعية العميقة التي ‏أصابت النموذج الفكري للتقدم والتحديث، ولا تقتصر هذه الازمة على أزمة السياسة او السلطة ‏وحدها. بل تحتاج الاجتماع العربي الإسلامي في كافة مبانيه ومستوياته، الثقافية والاجتماعية ‏والسياسية والاقتصادية.‏

    كما أن صدمة الالتقاء بالغرب وحداثته وما أفرزته من قطع تاريخي من نموذج الحكم الإسلامي، ‏وتشكل دول ما بعد الاستقلال التي قامت باقصاء الدين عن السلطة، وأعادت ضبطه وما أسسته في ‏المجتمع، أدخلتا الذات العربية في أزمة هوية تمظهرت كحالة من "الاغتراب" داخل المجتمعات ‏نفسها، فكان اللجوء الى الدين ونشوء حركات الاحياء الإسلامي مظهراً مركزياً من مظاهر مقاومة ‏هذا "الاغتراب" على المستوى الانطلوجي والنفسي والسياسي والاجتماعي.‏
    ونحن اذ نتناول في بحثنا هذا إحدى حركات هذا التيار الإسلامي ودراسة اجتماعها السياسي ‏وتمظهراته - وهي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين - فاننا نقارب بدراستنا حركة ذات ‏خصوصية معينة تختلف بقدر ما تتقاطع مع باقي الحركات والاتجاهات الإسلامية الاخرى كما ‏سيتبين لاحقاً.‏
    موضوع البحث ومجاله:‏

    ان مجال البحث وموضوعه، هو احدى حركات الاحياء الإسلامي، بما تحمله من خصائص ‏الحركات الاجتماعية التغييرية التي تسعى الى الانتاج الذاتي لمجتمعاتها على مثال جديد وقوى ‏وسلطات جديدة، إلا أن هذا الموضوع محل الدرس يتباين عن واقع حركات أخرى لان مجال ‏حركة الجهاد الاجتماعي والسياسي يقع ضمن واقع مخصوص لايواجه نموذجاً لأحد أنظمة ‏التجزئة، بل كياناً محتلاً لأرض، وبذلك يتداخل البعد الديني مع البعدين الوطني والسياسي ضمن ‏واقع اجتماعي غير مستقر يخوض في مرحلة تحرر، لتنتج لدينا إشكالية البحث الاساسية في دراسة ‏تلك الابعاد وتداخلها، مع ما شكلته "الجهاد" من خطاب وبرامج وممارسات، ورصدها في لحظتها ‏التأسيسية وأصولها التاريخية، وأيديولوجيتها المعلنة وتتبع ذلك ضمن كافة التحولات التي واكبت ‏الوضع الفلسطيني والإقليمي.‏

    وإذا نظرنا الى موضوع الدارسة من خلال عنوان البحث الذي اخترناه مجالاً للبحث، الا وهو ‏‏«حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: الأصول - الايديولوجيا - التحولات» نجد أنفسنا أمام احدى ‏حركات الاحتجاج بل المقاومة الإسلامية التي تشكل الحركة الإسلامية المعاصرة بمعناها الأرحب ‏الاطار الأيديولوجي المتضمن لها، وعليه فالحديث يدور هنا ضمن نطاق اول ذو بعدين: عام تشكل ‏الحركة الإسلامية المعاصرة بكافة تلاوينها مادة دراسته. وخاص تشكل حركة الجهاد مادة دراسته ‏ضمن العام المتقدم. ويدور الحديث في النطاق الأول للموضوع عن نشأة حركة الجهاد، ومبررات ‏هذه النشأة في ضوء أصولها الفكرية والسياسية والاجتماعية. وتتبع ذلك بدراسة اصول الافراد قيادة ‏وقواعد، من حيث فئاتهم الاجتماعية أو أنتماءاتهم التنظيمية والسياسية السابقة. ودراسة الخطاب ‏الايديولوجي "للجهاد" فكرياً وسياسياً واجتماعياً عبر منهج سوسيولوجي تارخي يرصده منذ نشأته ‏وتطور حراكه. وبيان عوامل ولادة هذا الحركة إن كانت تعود لعوامل بنيوية داخلية خاصة ‏بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة. أو إجابة عن لحظة مأزومة في المسار العملي للحركة الإسلامية ‏وتعاملها مع القضية الفلسطينية، أو أدائها المتعثر داخل مجتمعاتها. أو إن كانت شأن وطني خاص ‏فرضته تطورات القضية الفلسطينية بعد غياب للتيار الديني الفلسطيني عن الفعل الوطني.‏

    النطاق الثاني، وهو السمة التي اتسمت بها هذه الحركة ونعتت بها نفسها وهي صفة «الجهاد»، ‏وبيان ما تحمله من معاني ودلالات في المستويين العام؛ أي ما يطلق عليه في الساحة الفلسطينية ‏بالكفاح المسلح، وتسمية الدراسات الاجتماعية ب "العنف التحرري" أو "العنف الثوري" وفق ‏المدرسة الماركسية. وهناك مستوى خاص وهو دلالة «الجهاد» كفعل وممارسة في ضوء التفسير ‏الأيديولوجي الذي تضفيه حركة الجهاد عليه، وآلية حراك الجهاد كفعل مقاوم مناهض لسلطة ‏الاحتلال الاسرائيلي.‏

    ويتضح ضمن السياق السابق أن بحث حركة الجهاد الفلسطيني لجهة فعالياتها الاجتماعية والسياسية ‏يندرج ضمن علم الاجتماع السياسي، فالبحث يتناول إحدى الحركات الاجتماعية التي تقتسم ‏الاجتماع الفلسطيني مع حركات وجماعات أخرى، تشكل في مجموعها - في غياب سلطة الدولة ‏العليا -، المرجعية السلطوية للجماعة الوطنية الفلسطينية التي تخوض في مجملها صراع تحرري ‏ضد الاحتلال. وحركة الجهاد التي تخوض علمية التحرير والتغيير تخوض في الوقت نفسه تدافع ‏وصراع مع القوى السياسية الفلسطينية الاخرى على مسألة الشرعية والتمثيل، مستندة في ذلك على ‏مشروعية دينية، وسياسية، إضافة الى سندها الاجتماعي داخل الاجتماع الفلسطيني. والبحث بذلك ‏يطال قوة اجتماعية تقتسم سلطة ما، وتقيم علاقات تحالف وصراع مع قوى مختلفة.‏
    وإضافة لما تقدم فإن بحث حركة الجهاد يتناول دراسة خصائص إحدى الحركات الثورية إان لجهة ‏قادتها وقواعدها وفئاتهم الاجتماعية والتعليمية. أو أيديولوجيتها ضمن مستوى التكوين والوظيفة ‏والشرعية. أو التنظيم وطبيعته وهيكليته، والعلاقات التفاعلية الداخلية. أو الوسائل المتبعة من ‏ثورية وإصلاحية: أو الاهداف البعيدة منها والقريبة. كما تعرض الدراسة إلى جماعات التدافع ‏والضغط الداخلية، ومساراتها ومآلاتها وقضاياها، وما تستند إليه من قوى، وما أفرزته من ‏صراعات سياسية وأيديولوجية ومصلحية. كما لم تغفل دراسة الحقل السياسي والاجتماعي محلياً ‏وإقليمياً ودولياً والتي تشتغل فيه "الجهاد" ونشأت من خلاله: وبيان مدى تأثير هذين الحقلين - ‏إضافة لتأثير الايديولوجيا - على مسارات التشكل ومآلاته.‏
    كما أن البحث يعيد يدرس الى علاقة المجال الديني بالمجال السياسي وحدود كل منهما، ومدى ‏مساهمة المجال الوطني في خلق الشراكة بين المجالين. ومدى الدينامية التفاعلية بين السياسة ‏والدين، وطرق أساليب استثمار نص ومجال كل منهما للآخر في سياق مشروعية وتحقيق أهدافه.‏
    وإذا كان الفعل والأداء السياسي لحركة الجهاد في الساحة الفلسطينية يتحدد من خلال مقاومة ‏الاحتلال، بخلاف ما يتحدد به أداء حركات الاحتجاج الديني الأخرى في ظل أنظمة التجزئة ‏المستقلة والمستقرة، فإن من المهم دراسة إثر هذا الاختلاف في حدود المجال السياسي في المعطى ‏الديني وأثر الدين في علاقات الجماعات الإسلامية السياسية بالجماعة الوطنية وقواها ‏‏«اللاإسلامية»، أو العلاقة والموقف من هذه الأنظمة بين حركة الجهاد والحركات الإسلامية ‏الاخرى، من هذه الأنظمة.‏
    ولا ننهي الحديث في مجال البحث قبل أن نشير الى ما يحتويه منهجياً وموضوعياً من دراسة ‏موضوعة الاجتماع المعرفي وأثر المعرفة في تسيير الحركات الاجتماعية من ناحية. وأثر الاجتماع ‏وأحداثه المختلفة في ثبات أو تغيير وتبدل القناعات المعرفية لهذه الحركات ومثالها في الدراسة ‏حركة الجهاد.‏

    فرضيات البحث الأساسية :‏
    وفي ضوء موضوع البحث المتقدم ومجاله، سيتم التحقق من عدة فروض ‏رئيسية هي:‏

    ‏- إن لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين دور رئيسي في اعادة التيار الديني الفلسطيني الى الفعل ‏داخل الصراع العربي والاسرائيلي.‏
    ‏- إن راديكالية الممارسة وجذريتها ترتبط بمباني الخطاب الأيديولوجي نفسه.‏
    ‏- إن رؤيتها للقضية الفلسطينية متجاوزة في جوانب عدة منها موقف باقي الحركات الإسلامية، ‏بمزجها بين البعدين الوطني والإسلامي في معادلة جديدة.‏
    ‏- إن الاصول الاجتماعية لقيادات وعناصر "الجهاد"، ساهمت في صياغة الراديكالية في الممارسة ‏والثورية في ‏
    الخطاب.‏
    ‏- إن حركة الجهاد ومع مساهمتها في إبراز مفهوم الجماعة الوطنية داخل الحركة الإسلامية، الا ان ‏إزمة تمثيلها للجماعة بقيت ماثلة بالرغم مما يتوفر لها من علاقات سياسية جيدة بأطراف الاجتماع ‏الوطني.‏
    ‏- إن للمسألة الوطنية دور كبير في بيان حدود الشراكة بين المجال الديني والمجال السياسي.‏
    ‏- إذا كانت راديكالية الممارسة وجذريتها ترتبط بمباني الخطاب الايديولوجي، فان ما اكتسبته لاحقاً ‏من براغماتية في بعض مواقفها السياسية يرتبط بالواقع الموضوعي وتحولاته السياسية ‏والاجتماعية.‏
    ‏- إن واقع حركات المقاومة الإسلامية سواء التنظيمي الداخلي، او علاقاتهم البينية، يعكس إزمة ‏التعددية والديمقراطية داخل الحركة الإسلامية، لجهة عدم قبولها بالمختلف وبنعدد الشرعية ‏السياسية، كما يعكس هذا الواقع نمطاً من توحد القيادة كما هو شأن الساحة الفلسطينية على صعيد ‏الحركات الوطنية.‏
    ‏* وللبحث في الفرضيات المتقدمة وبعد دراسة مستفيضة للبحوث والدراسات والمقالات التي الفت ‏وكتبت - وهي نادرة - حول الحركة الإسلامية الفلسطينية، وحركة الجهاد على وجه الخصوص ‏وجدنا جملة أمور شكل هم تجاوزها احد دوافع البحث ومبرراته ومنها:-‏

    ‏- انها افتقدت الى منهجية واضحة، فبعض الدراسات اعتمدت التوثيق والجمع اكثر من ضبط مادة ‏البحث منهجياً.‏
    ‏- ان الدراسات التوثيقية عانت من ندرة المراجع والمصادر الخاصة بموضوع البحث الأمر الذي ‏اوقعها في أخطاء في الاستنتاج والتحليل والتفسير.‏
    ‏- السرية والغموض الذي أحاطت بها الحركة الإسلامية وحركة الجهاد فكرها وانشطتها فترة من ‏الزمن، اثر على نتائج الدراسات والبحوث.‏
    ‏- غلبة الطابع الصحفي التقريري على بعض تلك المقالات والدراسات، مما أفقدها الأهمية العلمية.‏
    ‏- أن بعضها كتب بنزعة أيديولوجية غير محايدة، وذلك من قبل بعض الحركات والكتاب ذوي ‏الميول الأيديولوجية المخالفة، مما شك في مصداقية نتائجها وتحليلاتها.‏
    ‏- إن مصادر بعض الدراسات هي مصادر اسرائيلية، تم اعتمادها دون التدقيق فيها ومقارنتها ‏بمصادر أخرى، وذلك لفقر المعلومات عن تلك الحركات وخاصة في المراحل الاولى للكتابات.‏
    منهجية البحث :‏

    قبل أن نشرع في بيان منهجية البحث في دراسة الموضوع المتقدم، والذي يقع ضمن مجال علم ‏الاجتماع السياسي، نشير الى جملة مسائل منها:‏
    ‏* إذا كانت العلوم الانسانية ليس لديها منهج محدد ونهائي في دراسة الظواهر الاجتماعية، فان علم ‏الاجتماع السياسي ايضا لا يمتلك مناهج وتقنيات خاصة به دون باقي العلوم، فهو يستعمل مناهج ‏العلوم الاجتماعية وتقنياتها تبعا للموضوع قيد الدراسة، أي بمقدار ما تفي المناهج بمقومات ‏الموضوع المبحوث، كقابليته لأن يعرف ويدرس ويفسر، او تفي أيضا بمقومات أدوات البحث ‏وتقنياته وقابليتها لأن توصل الى نتائج ملموسة في الإجابة على إشكالية البحث وحل فرضياته، ‏وأن توفر المنهجية قدراً من الايجابية والانفتاحية والموضوعية والنظرة الشمولية لدى البحث.‏
    ‏* انطلاقا من التكامل المنهجي في دراسة الظواهر السوسيوسياسية، فان على الباحث ان يسعس ‏لاستخدام عدة مناهج تحقق التكامل المنهجي، لتتوفر النظرة الشمولية التي لا تختزل الظاهرة ‏ومجال البحث في أحد أبعاده، وتأخذ بعين الاعتبار كافة العوامل المكونة للظاهرة عند مقاربتها، ‏للحفاظ على الطابع المترابط والكلي للموضوع مثار البحث.‏
    ‏* إن الظاهرة السوسيولوجية هي ظاهرة معقدة، وهي في بعدها السياسي اكثر تعقيداً، ولذلك فلا ‏يكفي اعتماد منهج واحد في مقاربتها او تعليلها وبيان اسبابها وآليات حراكها. بل لابد من التوسل ‏بكافة المناهج التي تفي بدارسة موضوع البحث بكل ما فيه من تعقيد وتداخل لعوامله، والقوى التي ‏تشكله، وتفاعل هذه العوامل والقوى، وهذا يقتضي تعددية المناهج وبالتالي تعددية الشروحات.‏
    ‏* إن الدراسات السياسية لاتنأى عن الخلافات المنهجية الدائرة بين علماء الاجتماع، فكيف بنا إذا ‏درسنا الظاهرة السياسية كظاهرة سوسيولوجية؟ فان أثر هذا التعدد والخلاف المنهجي في هذه ‏الحالة ستبرز بشكل أكثر عمقاً. الأمر الذي يفرض تعدد المناهج لتتسع لدراسة الظاهرة ‏السوسيولوجية وتفسيرها.‏
    ‏* أمام موضوع البحث، وهو حركة الجهاد الإسلامي في أصولها وأيديولوجيتها وتحولاتها، ورصد ‏كل ذلك في نشأتها وعلاقاتها ومواقفها وأفعاله، فاننا سنجد أننا امام إحدى الحركات التي تأخذ اكثر ‏مع بعد، فهي بالنظر الى خطابها الثقافي حركة دينية تتوسل الدين في أهدافها وغاياتها وبرامجها ‏التعبوية، وهي بالنظر الى مبررات نشأتها وصراعها التحرري ضد الاحتلال حركة وطنية، وهي ‏لجهة تعاطيها السياسة في المواقف والعلاقات حركة سياسية، إضافة لكل ذلك فهي حركة اجتماعية ‏تعيش ضمن وسط اجتماعي له سماته ومكوناته وجذوره والذي ساهم في تشكيلها ورسم ملامحها ‏المجتمعية فلسطينياً. وهذه من الأبعاد والمقومات لا يضبطها منهج واحد او تقنية ووسيلة بحث ‏واحدة، بل لابد من مقاربة كافة الأبعاد المتقدمة للظاهرة بعدة مناهج تساعد في تفسيرها والاحاطة ‏بها بشكل علمي موضوعي قدر الامكان، للوصول الى غاية البحث وهدفه في الاجابة على ‏فرضياته.‏
    اننا إذا بحثنا في المنهجية المستخدمة فاننا نعني بذلك المنهجية المرتبطة بمحاولة تفسير، أي جملة ‏المناهج بما تهدف وقبل كل شيء الى تقديم مخطط تفسيري يمكن ان يكون متسعاً بدرجات متباينة. ‏وأن يأخذ موقعه على مستوى مختلف، وكما يقول موريس دوفرجية: ان علم الاجتماع باعتباره علما ‏يقوم على ملاحظة الظاهرات التي يسعى الى وصفها وتفسيرها لكي يتمكن من توقعها والتأثير ‏عليها.‏
    وليست المنهجية التفسيرية هنا في الواقع الا جوابا على سؤال «الكيف» القابل للاستعمال وفق ‏تقنيات محددة تبعاً لهدف محدد، أي مرتبطا بمحتوى الميدان الذي تجب دراسته والمشكلات التي ‏تطرح عليه، وسنعمد وفقد ذلك الى كافة المناهج والتقنيات شأن كل علم يسعى لبلوغ التفسير، ولكن ‏بلوغ التفسير لايمكن ان نصل اليه دونما توصيف لأبعاد الظاهرة المدروسة؛ أي دونما الاجابة على ‏سؤال «لماذا»؟ لأن الكيف لا يتحصل الا بالإجابة على لماذا، وهو هنا توصيف ينطبق على الواقع ‏قدر المستطاع، مع محاولة ان يكون الوصف لواقعات ذات دلالة مرتبطة بإشكالية البحث وفرضياته ‏بغية الإجابة عليها.‏
    فدراستنا لحركة الجهاد لابد وان تمر بتسجيل الوقائع وجمعها، وبيان ووصف ابعاد الظاهرة ‏وملامحها منذ النشأة الى الوقت الراهن، سواء في خطابها او ممارساتها. ولا يمكن فهم ديناميات ‏حركة الجهاد الإسلامي او بلوغ التفسير الا بتلك الإحاطة الأولية بمجالات حركة الجهاد الدينية ‏والسياسية والاجتماعية والوطنية وتداخلاتها، سواء في الشأن التنظيمي الخاص، او المجتمعي العام.‏
    ولانريد بالتفسير هنا الادراك بالمعنى الذي يعيشه الباحث الاجتماعي، أو ما قد يقابله من الحدس ‏الذي يتزامن مع لحظة الفرضية، فالإدراك لا يكون بديلاً للتفسير، لأن التفسير بحث علمي مترجم ‏الى مصطلحات موضوعية، يأتي ليثبت او ينفي الإدراك الأولي الملازم للفرضية.‏
    ولا نزعم أننا بالتفسير سنجيب اجابات قاطعة على كل إشكالية تطرأ، أو فرضية تطرح، لأن ‏التفسير قد يرشدنا في بعض جوانبه إلى كشف عما هو خفي من الظاهرة، أو قد يساعدنا على طرح ‏أسئلة تساهم في بلورة مشكلة أدق، بل قد يدفعنا إلي إبراز فرضيات جديدة، ورغم ذلك فان المنهجية ‏التفسيرية غرضها الأساس الإجابة على الإشكالية والفرضيات والسماح بتفسيرها وأحيانا التنبؤ بها.‏
    وأما المناهج التي سنتوسل بها لبلوغ التفسير فهي:‏

    ‏- منهج دراسة الحالة كوحدة كاملة: ويتم ذلك بالاحاطة الدقيقة الشاملة بالظاهرة المدروسة عبر ‏الملاحظة، والتوصيف، وجمع المعلومات، خصوصا ما يتعلق بأسبابها ونتائجها وعلاقتها بالظواهر ‏والمشكلات الاخرى، الأمر الذي يوفر دراسة مستفيضة بفهم أعمق للقضية مثار البحث، ولكن مع ‏الاحتفاظ بالطابع المترابط والكلي للموضوع، وكما قلنا دراسة الحالة كوحدة كاملة، وهي بذلك لا ‏تفسر بعناصرها فحسب، لأن الكل او المجتمع كما يقول دوركهايم يضيف خصائص جديدة ‏للعناصر التي يركبها. وحركة الجهاد تدرس كوحدة كاملة من وقائع ومتغيرات متعددة ضمن وحدة ‏أكبر ومجال حراك أرحب.‏
    كما ان دراسة حركة الجهاد كوحدة كاملة، وبلوغ التفسير لا يتم بجمع خصائص عناصر ووقائع ‏التكوين، لأن المطلوب في التفسير هو إيجاد العوامل والوقائع مترابطة اكثر من جمع الوسط ‏الحسابي لمجموع العناصر كالدين والسياسة والاجتماع، أو إيجاد عامل او واقعة مولدة كأن نركز ‏على الدين او السياسة او الاجتماع منفردا. إن اجتماع العوامل او المجالات او الوقائع المختلفة قد ‏تشكل مجالاً موحدا، وهو هنا حركة الجهاد الإسلامي، ويتجاوز هذا المجال الموحد في آليات حركاه ‏وديناميته وتفاعله آليات وديناميات العناصر المكونة له أساساً، وهذا ما أردناه من قولنا دراسة ‏الحالة كوحدة كاملة.‏
    ‏- المنهج التاريخي: إذا كان علم الاجتماع يقدم للتاريخ أطرا مفهومية (أنماطاً، بنى، ظروفاً)، فإن ‏التاريخ يقدم لعلم الاجتماع بدوره المواد المادية الضرورية جداً، لأنها آتية من الواقع. ونحن هنا لا ‏نسعى للارتباط بالتاريخ بل بزمن التاريخ، أي استخدام المنهج التاريخي دون ان يحصرنا الجانب ‏الوقائعي منه، رغم ما للتاريخ الوقائعي من أهمية، لكننا نتجاوزه الى التاريخ المقارن، والى ما اطلق ‏عليه زمن التاريخ التعاقبي. ونلمس أهمية المنهج التاريخي لناحية الزمن التعاقبي في الدراسات ‏الاجتماعية من قول جورج غورفيتش: يمكننا بصعوبة ان نتصور تفسير ليس تعاقبياً، أي أنه دفعة ‏واحدة تكويني. فدراسة الظاهرة الاجتماعية السياسية لا تتم الا عبر الزمن الاجتماعي في التاريخ ‏الذي يكشف عن المتغيرات والتحولات والابتكارات.‏
    فالمنهج التاريخي في موضوع بحثنا يقدم لنا المواد الأولية للبحث، كما يضعنا في صورة جملة ‏المتحولات والمتغيرات داخل حركة الجهاد، والتي لم تتشكل دفعة واحدة تكوينياً بمصطلح ‏غورفيتش، لكنها تدرجت ضمن تعاقب زمني من اتجاه، فتيار، فتنظيم حركي، فمؤسسات وكان كل ‏تدرج من هذا التحولات نتيجة جملة تحولات سابقة، ورغم ان التاريخ يتطابق للوهلة الأولى مع ‏الواقع الاجتماعي الا أن المعرفة التاريخية لا تشكل الا تفسيرا جزئيا لهذا الواقع بين تفسيرات ‏كثيرة اخرى في ميدان علم الاجتماع السياسي، ولذلك فلابد من أن يتكامل كل من المنهج التاريخي ‏والاجتماعي.‏
    ‏- المنهج المقارن: إن غياب امكانية التجريب يجعل من المقارنة الوسيلة الوحيدة التي تتيح لعالم ‏الاجتماع تحليل المعطى المادي، واستخلاص العناصر الثابتة والمجردة، والخاصة العامة فيه، ‏عندما سيتصدى للتفسير الاجتماعي.‏
    واستخدام المنهج المقارن في موضوع البحث يفسر بلحاظ ان حركة الجهاد الإسلامي نشأت في ‏وجود حركات وأحزاب ثورية أخرى تنازعها نفس وظائف ومبررات قيامها، ولايمكن تفسير ‏المعطى التكويني الأول للحركة، أو فهم جملة السياسات والمواقف لاحقاً الا عبر المقارنة بتلك ‏الحركات خاصة الإسلامية منها، وكذلك الوطنية.‏
    واستخدام المنهج المقارن يشكل جزءاً من الملاحظة، كما انه يوحي بفرضيات وأحياناً بالتحقق من ‏الفرضيات، ولكننا لانزعم ان هذا المفهوم سيلازم مراحل البحث في كل قضية، بل نعمد اليه بما ‏يساهم في تفسير القضية مثار البحث، وبالقدر الذي يساهم في الإجابة على الفرضية.‏

    ‏- المنهج الوظيفي: يقول موريس دوفرجية: تقوم كل منظمة بوظيفة أو أكثر تشكل سبب وجودها، ‏علماً بأن الوظائف الحقيقية لا علاقة لها دوماً بالوظائف المعلنة، وكل وظيفة تحتاح لمنظمة أو أكثر ‏لتأمينها.‏
    وحركة الجهاد الإسلامي كحركة اجتماعية سياسية فهي حركة وظائفية لا يمكن مقاربتها ودرسها الا ‏بتعيين جملة الوظائف المعلنة وغير المعلنة وذلك بدراسة غاياتها وأهدافها ومبررات ولادتها، اذ ‏يعتبر غالباً «ان الوظائف هي أهداف المنظمات» كما يقول دوفرجية، والذي يضيف «ان مفهومي ‏الوظيفة والتنظيم لاينفصلان في الواقع»، هذا ان لم يكونا وجهين لحقيقة واحدة بالضبط، بما ان ‏المنظمة نفسها يمكن ان تمارس عدة وظائف والوظيفة الواحدة يمكن ان تقوم بها عدة منظمات.‏
    وفكرة الوظيفة تقتضي الدراسة والتحقق من عمل حركة الجهاد ضمن المجتمع الفلسطيني الذي ‏تنتمي اليه ومدى تمثلها لدورها في المجتمع وقضاياه الاجتماعية الداخلية من ناحية، والصراعية ‏ضد الاحتلال من ناحية اخرى، ان الوظيفة هي أحد زوايا النظر والتحليل والتفسير لدور حركة ‏الجهاد وفاعليتها، ورغم ذلك فانها لا تمثل منهجاً منفرداً في المقاربة بل تشترك مع المناهج الأخرى ‏في التحليل الاجتماعي ذاته، وهو شأن كافة المناهج المستخدمة، وذلك في سياق العمل بالتكامل ‏المنهجي الذي يحيط بالبحث بغية ضبط ومقاربة كافة أبعاده قدر الامكان.‏
    تحقيقاً لدراسة شاملة من حيق المضمون، ووافية من حيث المنهجية، بذلت الجهد في دراسة ‏موضوع البحث بشكل شامل ودقيق يتجاوز قدر الامكان ما وجدته من قصور في الدراسات السابقة ‏التي تناولت الحركة الإسلامية الفلسطينية عموماً، وحركة الجهاد الإسلامي على وجه الخصوص، ‏آملاً ان تكون طريقة تصنيف وفهرسة البحث قد ساعدت على تحقيق ذلك وعلى كشف اشكالية ‏البحث وسبر واختبار فرضياته.‏

    حركة الجهاد والنظام العربي: إشكالية الموقف والعلاقة:‏
    يشكل الموقف الخاص من النظام العربي الرسمي في أيديولوجيا «الجهاد الإسلامي» أحدَ مبررات ‏نشأة الحركة التي فارقت كلاً من التجربة الوطنية والإسلامية التقليدية، والحركة تؤكد أن «إخراج ‏الأمة من الحلقة المفرغة التي أوقعتها فيها أنظمة الردة العلمانية»[58] هو في صلب التحديات التي ‏فرضت على الحركة زمن ميلادها. لأن رؤية كُلّ من الطرح الوطني والإسلامي التقليدي لم يبصر ‏العلاقة الجدلية القائمة بين الأنظمة (الدولة القومية) وبين إسرائيل، وموقع هذه العلاقة على خارطة ‏المشروع الاستعماري فكانت رؤية الطرحين «رؤية ميكانيكية بسيطة».‏

    فالحركة الإسلامية التقليدية (الأخوان المسلمين) التي ركزت على مفهوم الخلافة وإقامة النظام ‏السياسي الإسلامي أولاً، لم تدرك في نظر "الجهاد" «معنى الظاهرة الإسرائيلية و أبعادها الشاملة ‏وعلاقتها الجدلية بغياب الخلافة»، وبعد انطلاقة حماس فإنها «لم تركز في أدبياتها على ارتباط ‏الحكام العرب المصلحي بالغرب عند الحديث عن علاقاتهم بالقضية الفلسطينية ومواقفهم منها» ‏واعتبروا إسرائيل عبر ألاعيبها وهيمنتها السياسية في المنطقة هي من صرف حكام العرب بعيداً ‏عن أرض الإسراء والمعراج نحو اشتغالهم بالحرب العراقية الإيرانية.‏

    خلاف موقف حماس هذا ذهب أفراد «الجهاد» إلى أحقية بل وجوب توجيه النقد العنيف للأنظمة ‏العربية، فذهبوا إلى التأكيد على أن أنظمة التجزئة وإسرائيل وجهان لعملة واحدة.‏ý
    أما الطرح الوطني الفلسطيني لفصائل «م.ت.ف» التي رفعت شعار «عدم التدخل في الشؤون ‏الداخلية للدول العربية»، فإن حركة الجهاد الإسلامية، ترى أيضاً هذا الموقف الذي تبنته كافة ‏الحركات الوطنية الفلسطينية لم يحل دون الضربات التي تلقتها الحركة الوطنية من قبل هذه ‏الأنظمة، بل وتعتبر هذه الضربات هي الأشد والأكثر تأثيراً على مسيرتها «وخرجت الحركة ‏الوطنية أكثر قوة في معركتها مع إسرائيل وكانت تخسر في كل معاركها مع الأنظمة»[65]، أي ‏في الساحة التي أغفلتها.‏

    حركة الجهاد وفي سياق نقدها التجاوزي للطرفين حاولت الإفادة من النصين الإسلامي الراديكالي ‏والوطني الفلسطيني لبناء موقفاً مختلفاً من أنظمة التجزئة، ولم تكتف بالشائع لدى القطاع الأوسع ‏من حركات الاحياء الإسلامي في التركيز على الموقف الشرعي الديني وإثارة مسائل الحاكمية ‏وتطبيق الشريعة وإقامة الحدود أثناء نقدها لأنظمة التجزئة.‏

    إضافة إلى عدم إهمالها التام لهذه الأبعاد ــ التي كانت أمينة لها في البدايات الأولى للانطلاق ـ قامت ‏حركة الجهاد برصد الموقف من النظام العربي منذ نشأته التاريخية وتطوره اللاحق. وتحديداً منذ ‏حملة نابليون بونابرت على مصر والتي وضعت الغرب في مواجهة العالم الإسلامي في مقابلة ‏مأساوية. تلك المقابلة التي كان من أخطر نتائجها حسب الجهاد ولادة تيار «التغريب»، هذا التيار ‏الذي تأسس عليه لاحقاً النظام العربي، وهو (تيار) أقام الغرب بتوسيع قاعدته عبر السفارات ‏والقنصليات وحركة الترجمة والبعثات الدراسية ليساهم في إسقاط الدولة العثمانية «جدار الإسلام ‏العظيم» متحالفاً مع اليهود ليُنشأ بعد ذلك أنظمة التجزئة من كمال أتاتورك في تركيا ورضا شاه في ‏إيران وابناء الحسين في المشرق العربي ومدرسة حزب الوفد في مصر.‏

    أما الدولة القومية: (‏The Nation State‏) الحديثة والمعاصرة، والتي قامت قيادة تيار التغريب ‏على رعايتها وقيادتها فقد نظرت إليها حركة الجهاد على النحو التالي: ــ

    ‏* أَنها دولٌ لم تكن في تشكلها نتاجاً لتطور السياق التاريخي الخاص للأمة العربية أو نتيجة عوامل ‏داخلية بل نشأت وتطورت داخل السياق الأوروبي فيما بعد عصر النهضة فهي جزء من التطور ‏الحضاري الغربي، وطارئة على السياق التاريخي للأمة.‏ý
    ‏* وبناء على ما تقدم استحالت هذه الدول القومية «جزءاً من مشروع استعماري غربي عالمي» ‏ولذلك تقف في قلب الكفر وإلى صف الاستكبار الدولي وامتداداً للهجمة الغربية على الأمة ‏الإسلامية.‏
    ‏* هي أنظمة تسعى جاهدة لتصفية وجود الأمة وتشويه هويتها وتذويب شخصيتها وخدمة مصالح ‏‏«أعداء الأمة».‏
    ‏* هي أنظمة قامت على العنف عبر أجهزتها وأدواتها القمعية وفرضت سلطتها على الجماهير في ‏معظم الوقت بالعنف.‏
    ‏* إن الأمة وفي سياق سعيها لتحقيق نهضتها الشاملة لا بد لها من الإطاحة بالأنظمة ومواجهتها ‏كجزء هام من عملية التحرير الشاملة.‏
    ‏* أنظمة التجزئة وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، فكلاهما إفراز للهجمة الغربية الشاملة على الأمة ‏وكلاهما يكرس وجود الآخر. ولا يمثل نقيضاً له، ولذلك فشلت أنظمة التجزئة الليبرالية منها ‏والثورية في مواجهة إسرائيل. فبات لزاماً مقاتلة الاستعمار و«الحكام الطغاة» معاً.‏

    غير أن الموقف السابق لحركة الجهاد لم يستمر في جذريته التنظيرية على كافة الأصعدة بل اعتراه ‏بعض التغيرات فرضها الواقع السياسي وبعض الضرورات اللوجستية على قيادات الحركة بخاصة ‏بعد انتشار الحركة خارج فلسطين على إثر إبعاد بعض قيادات وكوادر «الجهاد»، إلا أن هذا ‏التغيير لم يتحول حتى هذه اللحظة إلى الاعتراف بشرعية الأنظمة العربية القائمة، ولم يمس أصول ‏النظرة التاريخية والسياسية تجاه هذه الأنظمة، بل بات الموقف اقرب إلى صيغة «التعايش الحذر ‏والقلق» في آنً معاً على صعيد الموقف من النشأة التاريخية والوظيفية السياسية لهذه الأنظمة، فقد ‏حافظت الحركة على موقفها الذي يضعها بالتجزئة والقطرية وضرورة الدعوة إلى تغييرها لنظم ‏إسلامية موحدة.‏

    على مستوى الموقف الشرعي من الأنظمة وبعد أن كان يشار إلى «وجوب جهاد من لم يحكم بما ‏أنزل الله ويعادي الإسلام من أنظمة الردة وإسقاطها»، فقد غابت ومنذ العام 1990 مصطلحات ‏الكفر والردة في معرض الحديث عن هذه الأنظمة وغلبت اللغة السياسية من وصف بالتبعية ‏والتخلف وخدمة الغرب، وبرز الحديث عن التنمية المستقلة والواقع الاقتصادي والاجتماعي لهذه ‏الأنظمة.‏

    أما الحديث عن وجوب تغيير الأنظمة فإن الحركة تركت الأمر منوطاً بالحركات الإسلامية في ‏بلدانها. وتفرغت حركة الجهاد لقضيتها الوطنية والصراع ضد الاحتلال الصهيوني باعتباره ‏الصراع الرئيسي والأساسي وآثرت عدم الدخول في صراعات أخرى ثانوية أو هامشية، وتركت ‏الشأن الداخلي في هذه الدولة أو تلك للحركات الإسلامية المحلية.‏

    وحول العلاقة مع النظام العربي فقد عبرت الحركة أنه لا توجد لديها علاقة رسمية تربطها بأي ‏طرف من أطرافه، أما بخصوص وجود بعض قيادات «الجهاد» في سوريا، فقد عبَّر الشقاقي أن ‏وجودهم في سوريا عابر وغير رسمي، وأن سوريا تؤمن بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة ولا ‏اعتراض لها على هذا الوجود، ودور «الجهاد» في سوريا أو غيرها دور لا يتجاوز كونه دوراً ‏سياسياً وإعلامياً. وأن وجودهم في سوريا لا يحتاج إلى مواثيق طالما أن توجه الحركة الأساسي هو ‏العمل ضد العدو الصهيوني وفي داخل فلسطين.‏

    الـخـاتـمــة:‏

    ما فتئت حركة الجهاد الإسلامي في أدبياتها وعلى لسان قادتها تفسر سبب نشوئها وانطلاقتها في ‏اتجاهين اثنين: ـ

    الأول: السعي لتقديم الإجابة الإسلامية على السؤال الوطني الفلسطيني، وضمن هذا الاتجاه يتم ‏تعريفها عادة بحركة إسلامية مقاتلة.‏
    الثاني: تمثلها كقوة تجديدية وتثويرية وتنويرية داخل العمل الفلسطيني والحركة الإسلامية ‏المعاصرة، إن في الفكر أو الممارسة.‏
    وهذا التوجه في تفسير ظاهرة الجهاد الإسلامي الحركية وبعد مرور عقدين من الزمن عليها ‏‏(1975 ـ 1997) تواجه تحديات وتحولات مختلفة ترهن الحركة ومستقبلها سواء بتجذرها ‏وانتشارها أو تراجعها وانحصارها.‏
    من هذه التحديات والتحولات الانقلاب في واقع القضية الفلسطينية من حيث وجود سلطتين داخل ‏الحدود التاريخية لفلسطين، وهما سلطة الاحتلال الإسرائيلي وسلطة الحكم الإداري الذاتي، وهو ‏أمر يتطلب من الحركة أن توسع دائرة الإجابة على السؤال الفلسطيني إسلامياً تجاه هذه المستجدات ‏الخاصة بسلطة فلسطينية تدير شؤون قسم كبير من الفلسطينيين وتشرف على اجتماعه المدني ‏‏«المنقوص»، وتخوض في الوقت نفسه مفاوضات مع سلطة الاحتلال.‏

    والإجابة التي تشرط مستقبل الحركة ليست ذات بعد سياسي فقط بل تشمل الأبعاد الاجتماعية ‏والاقتصادية ومتعلقات مجال الاجتماع السياسي الفلسطيني العام، فهي إجابة على شكل العلاقة مع ‏هذه السلطة إن كانت مشاركة أو مقاطعة أو مشاركة ومقاطعة معاً، وهل العلاقة بالسلطة ستحدد ‏تنافساً مدنياً أم صراعاً سياسياً شاملاً أو منقوصاً، صراعاً عسكرياً جزئياً أو كلياً.‏

    وهي إجابة لبرامج الحركة وخططها تجاه الاجتماع الأهلي ومؤسساته، ستظهر مدى قدرة الحركة ‏على القيام بتأسيس بنية تحتية تشكل رديفاً بشرياً ومادياً للحركة، يقوم على حمايتها وتعزيزاندماجها ‏العضوي بالمجتمع.‏
    الإجابة على ما تقدم سيحدد حجم وفاعلية حركة الجهاد داخل مناطق الحكم الذاتي، وهو بدوره ‏سيؤثر سلباً أو إيجاباً على قيام الحركة بالمبرر التأسيسي الأهم في انطلاقة الحركة والخاص ‏بمواصلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.‏
    ومواصلة الكفاح المسلح وفي ظل الصعوبات اللوجستية بالغة التعقيد التي أصبحت تحيط به، فإنه ‏أضحى عند القيام به ذو تأثير بالغ ليس على الصف الإسرائيلي فحسب بل على الصف الفلسطيني ‏بما يلحقه من إجراءات عقابية تفقد سلطة الحكم الذاتي ما تنشده في مناطق نفوذها من استقرار ‏اجتماعي واقتصادي فضلاً عن الاستقرار السياسي، كما أن محاصرة الحركة وملاحقتها داخل ‏وخارج فلسطين سيكون أشد وليس أدل على ذلك من اغتيال مؤسسها وأمينها العام الدكتور فتحي ‏الشقاقي الذي تذهب معظم الروايات إلى أن ما سرَّع من اغتياله هي العملية الاستشهادية المزدوجة ‏التي نفذها مجاهدين من الحركة في بيت ليد في تجمع للجنود الإسرائيليين إضافة لعمليتي الاغتيال ‏اللتان قام بهما الموساد في مناطق الحكم الذاتي مستهدفاً مسؤولين عسكريين بارزين في الجهاز ‏العسكري للحركة «قسم» هم هاني عابد ومحمود الخواجا.‏

    يبقى ملاك استمرار الحركة في نظر الآخرين قدرتها على القيام «بالجهاد المسلح» عنوان حركتها ‏وجوهر اسمها ورسمها، مع ضبط إيقاع هذا الجهاد المسلح بما لا يدفعها إلى تكرار تجارب ‏المجموعات الجهادية في مصر والجزائر تجاه السلطة الفلسطينية والحفاظ في الوقت ذاته على ‏خطها الراديكالي الرافض لسياسات هذه السلطة ومشاريعها، وهو أمر غاية في التعقيد.‏
    أما على صعيد الاتجاه الثاني فأمام الحركة تحدياً ذو أبعاد ثلاثة:‏

    الأول: تحدي العمل الوطني الفلسطيني المشترك لجهة قدرتها في أن تكون قاسماً مشتركاً يجمع بين ‏القوى الوطنية من ناحية والقوى الإسلامية من ناحية أخرى، وذلك لعدم وجود تاريخ صراعي لها ‏يذكر مع كلا الطرفين، ولثقة الطرف الوطني بجذريتها السياسية، وعزوفها عن الهيمنة والسيطرة. ‏والتحدي الذي سيعزز للحركة دورها وفعاليتها هو برامجي خاص بإيجاد صيغ كفيلة بتجميع قوى ‏المعارضة على القواسم المشتركة أو عملي بتطوير الصيغ القائمة.‏
    الثاني: تحدي العلاقة مع حركة حماس التي لم تعد أقل كفاحية ضد الاحتلال الإسرائيلي من حركة ‏الجهاد، فضلاً عما أثبته طوال السنوات الماضية من استقرار داخلي مؤسساتي وتنظيمي، إضافة ‏إلى تحولها لقوة إقليمية ذات علاقات واسعة وإمكانيات كبيرة. كل ذلك يدفع حركة الجهاد إلى تقييم ‏علاقتها ومواقفها التاريخية التقليدية من حماس، والبحث في صيغ الاندماج أو التحالف أو العمل ‏الجبهوي أو التنسيق ، ... الخ، في ضوء أزمة المشروع الوطني بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، ‏وبناءً على ما توفر من شراكة تكتيكية للحركتين إضافة لوحدة مرجعيتهما العقائدية.‏
    الثالث: المهمة التي تطرحها حركة الجهاد لنفسها كقوة تجديد وتثوير وتنوير داخل الحركة الإسلامية ‏المعاصرة وهو تحدٍ يحتاج من الجهاد ــ فيما يبدو ـ إلى إعادة صياغة أيديولوجيتها الفكرية ‏والسياسية إسلامياً في ضوء التطورات والمستجدات الراهنة لتحديد معالم التجديد والتنوير والتثوير ‏المرجو تحقيقها داخل تجمعات الإسلامية الحركية.‏

    على المستوى الداخلي، فإن التحدي الأهم الذي تواجهه كافة الحركات والأحزاب السياسية العربية ‏والإسلامية أياً كان لونها الأيديولوجي هو تحدي الديمقراطية، والمؤسساتية، وتوسيع دائرة ‏المشاركة في اتخاذ القرارات، و«التدافع» السلمي الداخلي، وضبط حركة المال، لأن كل ذلك شرط ‏الفاعلية والأداء المنتظم والقرار الصائب ومراكمة الفعل والتقدم في تحقيق البرامج والأهداف.‏

  • #2
    بارك الله فيك على هذا المجهود الرائع
    نعيب الزمان والعيب فينا

    وما للزمان عيب سوانا

    تعليق


    • #3
      نعم لحركة الجهاد و سرايا الأستشهاد
      ستظل عملية بيت ليد كابوسا يلاحق الصهانية

      تعليق

      يعمل...
      X