بعد تصاعد الأحداث المؤسفة الأخيرة بين فتح أجهزة السلطة من جهة وحماس من جهة أخرى في الأيام القليلة التي سبقت يوم 15/حزيران/2007 أعلنت حماس عبر متحدثيها في اليومين الأخيرين في إذاعة الأقصى ووسائل إعلامها ولا سيما يوم الأربعاء أن كتائب القسام ستصلى في مقر الأمن الوقائي وسيؤدون صلاة الجمعة في مكتب الرئيس .
أي أن اقتحام أجهزة الأمن ومكتب الرئيس لم يكن سراً أو خطة سرية تفاجأت بها أجهزة الأمن الفلسطينية بل كانت توجهاً معلناً على لسان أبرز قادة حماس في قطاع غزة .
وهذا يعنى أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا تستطيع تبرير فشلها بأن ما حصل كان هجوماً مباغتاً أو أن حماس أعدت خططاً سرية بل كانت توجهات علنية ربما لم تؤخذ على محمل الجد وتم التعامل معها على أنها بإطار الحرب النفسية والإعلامية .
وطوال يوم الأربعاء كانت كتائب القسام والتنفيذية تشن هجمات متقطعة على أربعة محاور رئيسية.. الأمن الوقائي والمخابرات ومجمع السرايا ومكتب الرئيس. بدرجات متفاوتة حيث كانت أشد الهجمات على مقر الوقائي ومجمع السرايا, واشتدت الاشتباكات ليلاً وتضاربت التصريحات والتهديدات من كلا الطرفين.. كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى غير انه في ساعات الليل بدا واضحاً أن الغموض يحيط بالموقف الميداني وتزايدت وتيرة التهديدات المتبادلة بين كتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام في ظل صمت مطبق على مستوى أجهزة الأمن التي لم تعلن حتى حالة استنفار ونشطت قوات الأمن الوطني بإصدار بيانات إما لتفنيد بيانات حماس حول الوضع الميداني,أو لشرح أسباب سقوط عدد من القتلى هنا أو هناك .
وتواصل العقيد على القيسي الناطق الاعلامى لقوات حرس الرئاسة مع وسائل الإعلام حتى اللحظات الأخيرة يؤكد في كل تصريحاته على أن قوات حرس الرئاسة ملتزمة بمواقعها ولا تقوم بشن أي هجمات خارج مربع سيطرتها في محيط مكتب الرئيس ومجمع أنصار.
وصدر تصريح صحفي يتيم عن جهاز المخابرات العامة ينفى سقوط مقر السودانية ويؤكد أن رجال المخابرات العامة يقاتلون ويصدون الهجمات ولا يوجد اى اختراق ميداني. وبعد هذا التصريح اليتيم التزم جهاز المخابرات العامة الصمت حتى سقوط مقر السودانية دون أن يسمع أي تصريح أو توجيه لآلاف رجال المخابرات العامة الذين التزموا بيوتهم كما هو الحال بالأمن الوقائي والأمن الوطني.
حالة من الغموض سادت حول الوضع الميداني في ليل الأربعاء حتى أعلنت إذاعة الشباب بغزة بخبر عاجل وقصير بدون أي توضيح يقول: أن محمد دحلان موجود الآن في مكتب الرئيس "المنتدى". ولم يوضح الخبر كيفية وصوله إلى المنتدى كما لم يصدر لاحقاً كيفية مغادرته إلى رام الله.
في صباح يوم الخميس أعلنت كتائب القسام أنها سيطرت على مقر جهاز الأمن الوقائي وفى البداية نفت إذاعة الشباب هذا الخبر جملة وتفصيلاً بالوقت الذي كانت فيه فضائية الاقصى التابعة لحماس تبث صور اقتحام مقر الوقائي واعتقال عدد من الرجال الذين تواجدوا فيه.
بعد أن تيقن الناس من صحة خير اقتحام الوقائي سادت حالة من الوجوم على مستوى أجهزة الأمن الأخرى وبدأت المعنويات بالانهيار .
والغريب أن جهاز الأمن الوقائي كان محصناً تحصيناً جيداً من خلال عدد من نقاط الحراسة المرتفعة التي تكشف الشوارع المحيطة كما كان بعض عناصر الوقائي المسلحين يعتلون بنايات عالية محيطة بمقر الجهاز .
ومن خلال دراسة الوضع الميداني لكل من الأمن الوقائي والمخابرات ومجمع السرايا و مكتب الرئيس فانه من المستحيل اقتحام هذه المقرات عسكرياً حيث أن الأمن الوقائي كان محصناً تحصيناً جيداً ومقر المخابرات موجود وسط مساحة شاسعة وخالية من الأرض أي أنه لا يستطيع اى مهاجم الاقتراب لمسافة كيلو متر على الأقل لأن اقتراب المهاجم سيكون مكشوفاً من قبل حراس المبنى وحتى قذائف الأر بي جي التي كانت بحوزة رجال حماس كانت محيدة بلا فاعلية لأن مداها لا يصل إلى المبنى إلا إذا غامر أحدهم بحياته للاقتراب من المبنى لإطلاق قذيفة ار بي جي .
وكذلك مجمع السرايا بغزة والذي كان اللواء نصر يوسف خلال توليه لوزارة الداخلية قد أحاط المجمع كاملاً بسور عال يصل ارتفاعه إلى ما يزيد عن سبعة أمتار لصد هجوم من حماس كان يتوقعه في تلك الفترة, إضافة لنقاط حراسة على طول السور ومرتفعة أمتاراً ومحصنة ومجهزة من أسلحة رشاشة وقذائف الار بي جي وبالتالي فان اقتحام مقر السرايا كان مستحيلاً أيضاً بالنظر إلى التحصينات والى عتاد المهاجمين.
أما مربع مكتب الرئيس فقد كان اقتحامه من سابع المستحيلات حيث كان حرس الرئيس بإمرة الحاج مصباح البحيصى يسيطر على مساحة تمتد لكيلومترات بعيداً عن مكتب الرئيس تبدأ من مركز العباس والتا تصل لغاية مركز رشاد الشوا وصولاً إلى الشاليهات على البحر في الجهة المقابلة مروراً بتقاطع إشارات الجامعة الإسلامية إلى مجمع أنصار إلى البحر الذي كان تحت سيطرة كاملة .
وقد انتشرت في كل المداخل ونقاط التماس رشاشات ثقيلة من نوع" الدوشكا" والتي يصل مداها 2 كيلو متر ومداها الفعال لأكثر من كيلومتر. فإذا كانت هذه الأسلحة الشاشة الثقيلة قد تموضعت في نقاط ثابتة على كافة المداخل والشوارع المؤدية لمكتب الرئيس إضافة إلى مدرعات تموضعت هي الأخرى عند بوابة أنصار وفى أماكن أخرى إستراتيجية بعد إحاطتها بأكياس من الرمل تمنع تدميرها بواسطة القذائف المضادة للدروع وتطلق العنان لرشاشاتها الثقيلة التي توازى الدوشكا كما أن العربات التي كانت تحمل الدوشكا كانت مصفحة ، سيارات جيب تم تصفيحها وتصفيح ساتر للرامي على الدوشكا أي أن إصابة الرامي عن بعد كانت صعبة جداً إضافة إلى أن أسلحة المهاجمين والتي تتمثل بالأسلحة الرشاشة الخفيفة وقذائف مضادة للدروع يصل مداها لمئات الأمتار فقط وبالتالي كيف يمكن للمهاجمين أن يقتحموا أو يسيطروا على سيارة دوشكا واحدة وليس المربع الأمني بأكمله بما فيه مكتب الرئيس .
في ساعات ما بعد الظهر سقط مقر المخابرات العامة في السودانية على نحو غامض وتعددت الروايات كما تعددت الروايات في سقوط مقر الوقائي صباح يوم الخميس رغم أن المقاتلين في مقر الوقائي والمخابرات أكدوا استحالة سقوط هذه المقرات وبرر البعض أسباب السقوط بأن الذخيرة أوشكت على النفاذ .
حتى أن بعد بناء مقر المخابرات في السودانية رفض بعض مسؤولى الجهاز تحصين السور الخارجي بنقاط حراسة وسخروا من طرح فكرة تحصين السور حتى تم تحصينه قبل أشهر من الأحداث الأخيرة .
في عصر يوم الخميس شوهد سميح المدهون يتجول برفقة بعض عناصر كتائب شهداء الأقصى ومعه منصور شلايل حيث كانوا يتفقدون سيراً على الأقدام نقاط الحراسة في مناطق التماس ولم يتعرض مربع الرئاسة لأي هجمات جدية من حماس على الإطلاق وإنما كانت بعض المناوشات وإطلاق قذائف هاون عن بعد حيث كانت تسقط عشوائياً في أنصار ومحيط مكتب الرئيس والشوارع المحيطة ولم تلحق أذى يذكر كما أن تعرض مقر الوقائي والمخابرات لقذائف الهاون بشكل متواصل ليلة الأربعاء للم يحدث أضراراً تذكر وإنما كانت تحدث ذوياً صوتياً وأضرار طفيفة .
عند الساعة السابعة مساء يوم الخميس بدأ انسحاب قوات حرس الرئاسة وعلى نحو مفاجئ وبدون أي مواجهات مع قوات حماس وأصبحت الشوارع التي كان يسيطر عليها حرس الرئاسة خالية تماماً بدون أي مسلحين وساد المنطقة هدوء تام في الوقت الذي كانت فيه قوات حماس داخل مبنى الأمن الوقائي والمخابرات واستمرت المعارك الضارية في محيط مجمع السرايا حتى استسلم المقاومون واكتشف أن كل جهاز أمنى سواء الوقائي أو المخابرات أو مجمع السرايا للأمن الوطني كان به بضعة عشرات من المقاتلين لا أكثر لا يتجاوز عددهم في كل جهاز ثلاثين مقاتلاً .
وأصبح الطريق مفتوحاً أمام حماس لدخول المنتدى " مكتب الرئيس" منذ الساعة السابعة مساءً حيث هرب عدد من القادة والمقاتلين في لنش بحري باتجاه العريش وبقى عدد آخر في المنتدى حتى دخول حماس عند الساعة العاشرة والنصف ليلاً.
فدخلت سيارات كتائب القسام بدون أدنى مقاومة بل خلال الساعات الثلاث التي سبقت دخولهم مكتب الرئيس كان يسمع بين الفينة والأخرى إطلاق نار في الهواء من قبل عناصر من حماس لبضعة طلقات واضح أن الهدف منها اختبار سلامة الطريق خشية أن يكون الانسحاب مكيدة ولكن لم يرد أحد على إطلاق النار واختفى الحرس الرئاسي فجأة ولم يعد له أثر وتركوا أسلحتهم شأن الأجهزة الأخرى.
وبدون الخوض في الأسماء ومن أعطى أوامر الانسحاب هنا أو هناك من المسئولين الأمنيين والعسكريين في مختلف الأجهزة أو من انسحب بدون إعطاء أوامر وترك جنوده لمصيرهم فهذه مسألة تحددها لجنة التحقيق التي أمر الرئيس أبو مازن بتشكيلها برئاسة الأخ الطيب عبد الرحيم وقد حددت اللجنة فعلاً في تقريرها الذي تسلمه الرئيس المسؤولية بدقة ورفعت توصيتها للقيادة.
من الواضح أن أجهزة الأمن لم يكن لديها لا خطة دفاعية ولا خطة هجومية ولم تستخدم أي مناورات وتكتيكات قتالية بأن ترفع ضغط الحصار على أي مقر أمنى تعرض لهجوم واكتفت بصد الهجمات والتعامل باستهتار تام مع ما يجرى وقد أثبتت في مرحلة سابقة وعشية اتفاق مكة المكرمة أنها قادرة على الوصول لأبعد الأهداف عندما بادرت قوات حرس الرئاسة بالتوجه إلى جباليا بعشرين سيارة جيب مصفحة وأنقذت منصور شلايل ثم اقتحام الجامعة الإسلامية.
أما هذه المرة فكان هنالك انهيار غامض ولم تحرك الأجهزة الأمنية أي ساكن باستثناء عمليات هروب غامضة أيضاً متزامنة لكل المسئولين عن الأجهزة ولكل قصته في الهروب ولكن اتفقوا جميعاً بأنهم تركوا جنودهم وظهرهم للجدار.
قصة الانهيار تعطى الدليل القاطع بأن هذه الكارثة تتطلب إعادة بناء أجهزة الأمن الفلسطينية على أسس مهنية كما حددها الأخ الطيب عبد الرحيم في توصياته التي رفعها للرئيس أبو مازن ولكن نرى بأن إعادة بناء الأجهزة يجب أن لا يقتصر على محاكمة 60 مسئولاً وضابطاً من الأجهزة الأمنية وإقصائهم من الخدمة العسكرية بل نأمل بأن تشهد أجهزة الأمن الفلسطينية حملة تطهير شاملة لخلع الفساد من جذوره وإعطاء الفرصة للمهنيين والمخلصين لهذا الوطن وإقصاء المنتفعين الذين اعتبروا أن الجهاز الأمني دكان لمصالحهم الخاصة وسمسراتهم فكانوا أول الهاربين .
والتقصير لا يشمل العشرات الذين ذكرناهم والذين كانوا في الميدان بل كل من كان مقصراًَ في أداء واجبه من مدراء إدارات وضعوا بمناصب ما أنزل الله بها من سلطان لحسابات شخصية مع رئيس الجهاز ومنحوا الامتيازات بكافة أنواعها على حساب زملائهم الذين شعروا بالظلم طوال السنوات الماضية .
إن ضرورة الحساب والعقاب والثواب في أجهزة الأمن لا يرتبط بالأحداث المؤسفة التي جرت في غزة مع حركة حماس على الإطلاق ولكن تلك الأحداث كشفت عورة الفاسدين في أجهزة الأمن والإصلاح غايته بناء أجهزة أمنية فلسطينية على أسس مهنية غير فصائلية كما حددها تقرير لجنة التحقيق برئاسة الأخ الطيب عبد الرحيم لأن الأجهزة الأمنية موظفة لخدمة الوطن وحماية أمن المواطن وهذه الغاية بعيدة عن أحداث غزة المؤسفة والتي يفترض أن تكون نقطة لتحول كما نراها الآن لبناء الأجهزة الأمنية.
ونذكر بقصة فيها بعض الشبه كذلك بعد هزيمة حزيران عام 67 عندما قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فتح ملف الفساد في الأجهزة الأمنية المصرية وتمت عملية تطهير الأجهزة الأمنية المصرية وأعيد بناؤها ولعبت دوراً وطنياً عظيماً في حرب أكتوبر المجيدة .
وفى الحالة الفلسطينية إننا على ثقة بأن إعادة بناء الأجهزة الأمنية بهذه الجهود التي يقوم بها الأخ الطيب عبد الرحيم بتوجيهات من الرئيس أبو مازن ستجعل الأجهزة الأمنية تنهض من كبوتها بعد أن تتخلص من جوقة الفاسدين وبعد أن يتم تطهيرها ستعود إلى سيرتها الأولى كما أسسها الشهداء القادة أبو إياد وأبو الهول وعاطف بسيسو
أي أن اقتحام أجهزة الأمن ومكتب الرئيس لم يكن سراً أو خطة سرية تفاجأت بها أجهزة الأمن الفلسطينية بل كانت توجهاً معلناً على لسان أبرز قادة حماس في قطاع غزة .
وهذا يعنى أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا تستطيع تبرير فشلها بأن ما حصل كان هجوماً مباغتاً أو أن حماس أعدت خططاً سرية بل كانت توجهات علنية ربما لم تؤخذ على محمل الجد وتم التعامل معها على أنها بإطار الحرب النفسية والإعلامية .
وطوال يوم الأربعاء كانت كتائب القسام والتنفيذية تشن هجمات متقطعة على أربعة محاور رئيسية.. الأمن الوقائي والمخابرات ومجمع السرايا ومكتب الرئيس. بدرجات متفاوتة حيث كانت أشد الهجمات على مقر الوقائي ومجمع السرايا, واشتدت الاشتباكات ليلاً وتضاربت التصريحات والتهديدات من كلا الطرفين.. كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى غير انه في ساعات الليل بدا واضحاً أن الغموض يحيط بالموقف الميداني وتزايدت وتيرة التهديدات المتبادلة بين كتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام في ظل صمت مطبق على مستوى أجهزة الأمن التي لم تعلن حتى حالة استنفار ونشطت قوات الأمن الوطني بإصدار بيانات إما لتفنيد بيانات حماس حول الوضع الميداني,أو لشرح أسباب سقوط عدد من القتلى هنا أو هناك .
وتواصل العقيد على القيسي الناطق الاعلامى لقوات حرس الرئاسة مع وسائل الإعلام حتى اللحظات الأخيرة يؤكد في كل تصريحاته على أن قوات حرس الرئاسة ملتزمة بمواقعها ولا تقوم بشن أي هجمات خارج مربع سيطرتها في محيط مكتب الرئيس ومجمع أنصار.
وصدر تصريح صحفي يتيم عن جهاز المخابرات العامة ينفى سقوط مقر السودانية ويؤكد أن رجال المخابرات العامة يقاتلون ويصدون الهجمات ولا يوجد اى اختراق ميداني. وبعد هذا التصريح اليتيم التزم جهاز المخابرات العامة الصمت حتى سقوط مقر السودانية دون أن يسمع أي تصريح أو توجيه لآلاف رجال المخابرات العامة الذين التزموا بيوتهم كما هو الحال بالأمن الوقائي والأمن الوطني.
حالة من الغموض سادت حول الوضع الميداني في ليل الأربعاء حتى أعلنت إذاعة الشباب بغزة بخبر عاجل وقصير بدون أي توضيح يقول: أن محمد دحلان موجود الآن في مكتب الرئيس "المنتدى". ولم يوضح الخبر كيفية وصوله إلى المنتدى كما لم يصدر لاحقاً كيفية مغادرته إلى رام الله.
في صباح يوم الخميس أعلنت كتائب القسام أنها سيطرت على مقر جهاز الأمن الوقائي وفى البداية نفت إذاعة الشباب هذا الخبر جملة وتفصيلاً بالوقت الذي كانت فيه فضائية الاقصى التابعة لحماس تبث صور اقتحام مقر الوقائي واعتقال عدد من الرجال الذين تواجدوا فيه.
بعد أن تيقن الناس من صحة خير اقتحام الوقائي سادت حالة من الوجوم على مستوى أجهزة الأمن الأخرى وبدأت المعنويات بالانهيار .
والغريب أن جهاز الأمن الوقائي كان محصناً تحصيناً جيداً من خلال عدد من نقاط الحراسة المرتفعة التي تكشف الشوارع المحيطة كما كان بعض عناصر الوقائي المسلحين يعتلون بنايات عالية محيطة بمقر الجهاز .
ومن خلال دراسة الوضع الميداني لكل من الأمن الوقائي والمخابرات ومجمع السرايا و مكتب الرئيس فانه من المستحيل اقتحام هذه المقرات عسكرياً حيث أن الأمن الوقائي كان محصناً تحصيناً جيداً ومقر المخابرات موجود وسط مساحة شاسعة وخالية من الأرض أي أنه لا يستطيع اى مهاجم الاقتراب لمسافة كيلو متر على الأقل لأن اقتراب المهاجم سيكون مكشوفاً من قبل حراس المبنى وحتى قذائف الأر بي جي التي كانت بحوزة رجال حماس كانت محيدة بلا فاعلية لأن مداها لا يصل إلى المبنى إلا إذا غامر أحدهم بحياته للاقتراب من المبنى لإطلاق قذيفة ار بي جي .
وكذلك مجمع السرايا بغزة والذي كان اللواء نصر يوسف خلال توليه لوزارة الداخلية قد أحاط المجمع كاملاً بسور عال يصل ارتفاعه إلى ما يزيد عن سبعة أمتار لصد هجوم من حماس كان يتوقعه في تلك الفترة, إضافة لنقاط حراسة على طول السور ومرتفعة أمتاراً ومحصنة ومجهزة من أسلحة رشاشة وقذائف الار بي جي وبالتالي فان اقتحام مقر السرايا كان مستحيلاً أيضاً بالنظر إلى التحصينات والى عتاد المهاجمين.
أما مربع مكتب الرئيس فقد كان اقتحامه من سابع المستحيلات حيث كان حرس الرئيس بإمرة الحاج مصباح البحيصى يسيطر على مساحة تمتد لكيلومترات بعيداً عن مكتب الرئيس تبدأ من مركز العباس والتا تصل لغاية مركز رشاد الشوا وصولاً إلى الشاليهات على البحر في الجهة المقابلة مروراً بتقاطع إشارات الجامعة الإسلامية إلى مجمع أنصار إلى البحر الذي كان تحت سيطرة كاملة .
وقد انتشرت في كل المداخل ونقاط التماس رشاشات ثقيلة من نوع" الدوشكا" والتي يصل مداها 2 كيلو متر ومداها الفعال لأكثر من كيلومتر. فإذا كانت هذه الأسلحة الشاشة الثقيلة قد تموضعت في نقاط ثابتة على كافة المداخل والشوارع المؤدية لمكتب الرئيس إضافة إلى مدرعات تموضعت هي الأخرى عند بوابة أنصار وفى أماكن أخرى إستراتيجية بعد إحاطتها بأكياس من الرمل تمنع تدميرها بواسطة القذائف المضادة للدروع وتطلق العنان لرشاشاتها الثقيلة التي توازى الدوشكا كما أن العربات التي كانت تحمل الدوشكا كانت مصفحة ، سيارات جيب تم تصفيحها وتصفيح ساتر للرامي على الدوشكا أي أن إصابة الرامي عن بعد كانت صعبة جداً إضافة إلى أن أسلحة المهاجمين والتي تتمثل بالأسلحة الرشاشة الخفيفة وقذائف مضادة للدروع يصل مداها لمئات الأمتار فقط وبالتالي كيف يمكن للمهاجمين أن يقتحموا أو يسيطروا على سيارة دوشكا واحدة وليس المربع الأمني بأكمله بما فيه مكتب الرئيس .
في ساعات ما بعد الظهر سقط مقر المخابرات العامة في السودانية على نحو غامض وتعددت الروايات كما تعددت الروايات في سقوط مقر الوقائي صباح يوم الخميس رغم أن المقاتلين في مقر الوقائي والمخابرات أكدوا استحالة سقوط هذه المقرات وبرر البعض أسباب السقوط بأن الذخيرة أوشكت على النفاذ .
حتى أن بعد بناء مقر المخابرات في السودانية رفض بعض مسؤولى الجهاز تحصين السور الخارجي بنقاط حراسة وسخروا من طرح فكرة تحصين السور حتى تم تحصينه قبل أشهر من الأحداث الأخيرة .
في عصر يوم الخميس شوهد سميح المدهون يتجول برفقة بعض عناصر كتائب شهداء الأقصى ومعه منصور شلايل حيث كانوا يتفقدون سيراً على الأقدام نقاط الحراسة في مناطق التماس ولم يتعرض مربع الرئاسة لأي هجمات جدية من حماس على الإطلاق وإنما كانت بعض المناوشات وإطلاق قذائف هاون عن بعد حيث كانت تسقط عشوائياً في أنصار ومحيط مكتب الرئيس والشوارع المحيطة ولم تلحق أذى يذكر كما أن تعرض مقر الوقائي والمخابرات لقذائف الهاون بشكل متواصل ليلة الأربعاء للم يحدث أضراراً تذكر وإنما كانت تحدث ذوياً صوتياً وأضرار طفيفة .
عند الساعة السابعة مساء يوم الخميس بدأ انسحاب قوات حرس الرئاسة وعلى نحو مفاجئ وبدون أي مواجهات مع قوات حماس وأصبحت الشوارع التي كان يسيطر عليها حرس الرئاسة خالية تماماً بدون أي مسلحين وساد المنطقة هدوء تام في الوقت الذي كانت فيه قوات حماس داخل مبنى الأمن الوقائي والمخابرات واستمرت المعارك الضارية في محيط مجمع السرايا حتى استسلم المقاومون واكتشف أن كل جهاز أمنى سواء الوقائي أو المخابرات أو مجمع السرايا للأمن الوطني كان به بضعة عشرات من المقاتلين لا أكثر لا يتجاوز عددهم في كل جهاز ثلاثين مقاتلاً .
وأصبح الطريق مفتوحاً أمام حماس لدخول المنتدى " مكتب الرئيس" منذ الساعة السابعة مساءً حيث هرب عدد من القادة والمقاتلين في لنش بحري باتجاه العريش وبقى عدد آخر في المنتدى حتى دخول حماس عند الساعة العاشرة والنصف ليلاً.
فدخلت سيارات كتائب القسام بدون أدنى مقاومة بل خلال الساعات الثلاث التي سبقت دخولهم مكتب الرئيس كان يسمع بين الفينة والأخرى إطلاق نار في الهواء من قبل عناصر من حماس لبضعة طلقات واضح أن الهدف منها اختبار سلامة الطريق خشية أن يكون الانسحاب مكيدة ولكن لم يرد أحد على إطلاق النار واختفى الحرس الرئاسي فجأة ولم يعد له أثر وتركوا أسلحتهم شأن الأجهزة الأخرى.
وبدون الخوض في الأسماء ومن أعطى أوامر الانسحاب هنا أو هناك من المسئولين الأمنيين والعسكريين في مختلف الأجهزة أو من انسحب بدون إعطاء أوامر وترك جنوده لمصيرهم فهذه مسألة تحددها لجنة التحقيق التي أمر الرئيس أبو مازن بتشكيلها برئاسة الأخ الطيب عبد الرحيم وقد حددت اللجنة فعلاً في تقريرها الذي تسلمه الرئيس المسؤولية بدقة ورفعت توصيتها للقيادة.
من الواضح أن أجهزة الأمن لم يكن لديها لا خطة دفاعية ولا خطة هجومية ولم تستخدم أي مناورات وتكتيكات قتالية بأن ترفع ضغط الحصار على أي مقر أمنى تعرض لهجوم واكتفت بصد الهجمات والتعامل باستهتار تام مع ما يجرى وقد أثبتت في مرحلة سابقة وعشية اتفاق مكة المكرمة أنها قادرة على الوصول لأبعد الأهداف عندما بادرت قوات حرس الرئاسة بالتوجه إلى جباليا بعشرين سيارة جيب مصفحة وأنقذت منصور شلايل ثم اقتحام الجامعة الإسلامية.
أما هذه المرة فكان هنالك انهيار غامض ولم تحرك الأجهزة الأمنية أي ساكن باستثناء عمليات هروب غامضة أيضاً متزامنة لكل المسئولين عن الأجهزة ولكل قصته في الهروب ولكن اتفقوا جميعاً بأنهم تركوا جنودهم وظهرهم للجدار.
قصة الانهيار تعطى الدليل القاطع بأن هذه الكارثة تتطلب إعادة بناء أجهزة الأمن الفلسطينية على أسس مهنية كما حددها الأخ الطيب عبد الرحيم في توصياته التي رفعها للرئيس أبو مازن ولكن نرى بأن إعادة بناء الأجهزة يجب أن لا يقتصر على محاكمة 60 مسئولاً وضابطاً من الأجهزة الأمنية وإقصائهم من الخدمة العسكرية بل نأمل بأن تشهد أجهزة الأمن الفلسطينية حملة تطهير شاملة لخلع الفساد من جذوره وإعطاء الفرصة للمهنيين والمخلصين لهذا الوطن وإقصاء المنتفعين الذين اعتبروا أن الجهاز الأمني دكان لمصالحهم الخاصة وسمسراتهم فكانوا أول الهاربين .
والتقصير لا يشمل العشرات الذين ذكرناهم والذين كانوا في الميدان بل كل من كان مقصراًَ في أداء واجبه من مدراء إدارات وضعوا بمناصب ما أنزل الله بها من سلطان لحسابات شخصية مع رئيس الجهاز ومنحوا الامتيازات بكافة أنواعها على حساب زملائهم الذين شعروا بالظلم طوال السنوات الماضية .
إن ضرورة الحساب والعقاب والثواب في أجهزة الأمن لا يرتبط بالأحداث المؤسفة التي جرت في غزة مع حركة حماس على الإطلاق ولكن تلك الأحداث كشفت عورة الفاسدين في أجهزة الأمن والإصلاح غايته بناء أجهزة أمنية فلسطينية على أسس مهنية غير فصائلية كما حددها تقرير لجنة التحقيق برئاسة الأخ الطيب عبد الرحيم لأن الأجهزة الأمنية موظفة لخدمة الوطن وحماية أمن المواطن وهذه الغاية بعيدة عن أحداث غزة المؤسفة والتي يفترض أن تكون نقطة لتحول كما نراها الآن لبناء الأجهزة الأمنية.
ونذكر بقصة فيها بعض الشبه كذلك بعد هزيمة حزيران عام 67 عندما قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فتح ملف الفساد في الأجهزة الأمنية المصرية وتمت عملية تطهير الأجهزة الأمنية المصرية وأعيد بناؤها ولعبت دوراً وطنياً عظيماً في حرب أكتوبر المجيدة .
وفى الحالة الفلسطينية إننا على ثقة بأن إعادة بناء الأجهزة الأمنية بهذه الجهود التي يقوم بها الأخ الطيب عبد الرحيم بتوجيهات من الرئيس أبو مازن ستجعل الأجهزة الأمنية تنهض من كبوتها بعد أن تتخلص من جوقة الفاسدين وبعد أن يتم تطهيرها ستعود إلى سيرتها الأولى كما أسسها الشهداء القادة أبو إياد وأبو الهول وعاطف بسيسو
تعليق