انابوليس: القادم اعظم
عبد الباري عطوان
28/11/2007
نستغرب تركيز الكثيرين علي فشل مفاوضات اللحظة الاخيرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في التوصل الي وثيقة مشتركة تحدد اطار المفاوضات الثنائية التي ستنبثق عن مؤتمر انابوليس، فالخطاب الذي القاه الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش اصبح هو المرجعية والوثيقة، وما ورد فيه من افكار ومواقف حسمت نتيجة هذه المفاوضات قبل ان تبدأ.
اخطر ما جاء في هذا الخطاب هو اعلان الرئيس بوش، وامام سبعة عشر وزير خارجية ومسؤول عربي، ان الولايات المتحدة الامريكية ملتزمة التزاما مطلقا بان اسرائيل دولة يهودية، ووطن قومي لليهود جميعا، وهذا يؤسس لمستقبل مظلم ليس بالنسبة الي ستة ملايين لاجئ فلسطيني فقط، وانما لمليون ونصف المليون آخرين يعيشون داخل ما يسمي بالخط الاخضر.
فالرئيس بوش المتعصب دينيا يريد العودة بنا الي زمن الحروب الصليبية والدول الدينية التي ازدهرت في العصور الوسطي، وارتكبت مجازر دموية مرعبة في حق كل من خالفها في الدين او المذهب، وما الديمقراطية الاوروبية الحالية الا رد فعل علي هذا التاريخ المظلم.
ولا بد ان اليهود الذين يصرون علي اقامة دولة عنصرية خاصة بهم يتذكرون جيدا ان العنصرية الالمانية والتعصب للجنس الآري أديا الي الهولوكوست، وان اعلان ملكة الاندلس الأولي ايزابيلا وزوجها فرناندو الثاني، اسبانيا دولة مسيحية كاثوليكية قاد الي مجازر في حق المسلمين واليهود الذين رفضوا التخلي عن دينهم، والانخراط تحت المظلة الكاثوليكية، ولم يجد اليهود ملاذا آمنا لهم الا في كنف العرب في دول المغرب العربي علي وجه الخصوص.
نستهجن هذا الطرح العنصري من رئيس دولة تتكون من انصهار مختلف الاديان والاعراق والالوان والثقافات في بوتقة المساواة والتعايش والفرص المتكافئة والحكم الديمقراطي. ونستغرب ان لا يعترض الاوروبيون الذين يتفاخرون بعلمانية انظمة حكمهم ومجتمعاتهم علي هذا الطرح العنصري الذي يعيدنا الي العصور الوسطي وحزام العفة وغزو اراضي الغير بهمجية غير مسبوقة.
كنا نتمني لو ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد تصدي لهذا الطرح العنصري بقوة في كلمته، وذكّر زميله ايهود اولمرت بأن رواد الصهيونية الأوائل ظلوا ولأكثر من مئة عام يتحدثون عن علمانيتهم والنموذج الاشتراكي لدولتهم وتسامحها مع الغير.
اولمرت خصص الجزء الاكبر من خطابه للحديث عن الارهاب الفلسطيني، ومعاناة الاسرائيليين من جرائه طوال الاعوام الماضية، ولكن السيد عباس لم يستغل هذه الفرصة الاعلامية الهامة للحديث عن معاناة الفلسطينيين اليومية من الارهاب الاسرائيلي، وعن وجود مليون ونصف مليون فلسطيني من ابناء شعبه يتضورون جوعا تحت حصار وحشي في قطاع غزة.
كنا نتمني لو ان السيد عباس وقف وقفة شجاعة، ووضع خطابه الانشائي المكتوب بطريقة باهتة وغير مؤثرة، وتحدث عن لقاءاته الثمانية مع اولمرت وكيف انها لم تحقق مليمترا واحدا من التقدم علي وثيقة او بيان مشترك بسبب تعنت الزميل الاسرائيلي. فقد كان السيد عباس مجاملا ويتعامل مع الاسرائيليين وكأنهم اصدقاء، بينه وبينهم سوء فهم بسيط يمكن تطويقه بسهولة.
المقربون من الرئيس عباس يؤكدون في تصريحاتهم الاعلامية، وما اكثرها هذه الايام، بأن اي اتفاق يتم التوصل اليه سيعرض علي الشعب الفلسطيني في استفتاء شعبي حر. هذا كلام جميل، ولكنه يكشف نوايا وممارسات تنقضه كليا، وتثبت عكسه، فاذا كان ابناء الشعب الفلسطيني لا يستطيعون تنظيم مظاهرة سلمية في رام الله او الخليل او نابلس يعبرون فيها عن معارضتهم لمؤتمر انابوليس، ويواجهون بالرصاص الحي ناهيك عن هراوات قوات القمع المسلحة من قبل الاحتلال، والممولة امريكيا، فكيف سيستطيع هذا الشعب ان يعبر عن رأيه في اي استفتاء علي اتفاق يقدم للاسرائيليين كل ما يتطلعون اليه من تنازلات.
اسرائيل خرجت فائزة من هذا المؤتمر الذي يتمثل نجاحه في انعقاده، فقد ظهرت امام العالم كدولة وديعة محبة للسلام لا تملك اكثر من ثلاثمئة رأس نووي، وتحتل ارض الغير بالقوة، وتحتجز اكثر من احد عشر الف اسير علي الاقل نسبة كبيرة منهم دون اي محاكمات قانونية.
التطبيع الذي يتطلع اليه ايهود اولمرت وكل القادة الاسرائيليين الآخرين تحقق كليا او جزئيا، وهذه هي المرة الاولي في تاريخ المؤتمرات التي يتم التحكم فيها بالتغطية الاعلامية، ولا يسمح للمصورين بنقل الوقائع حية علي الهواء دون رقابة. فلم نعرف من يجلس الي جانب من، وكيف كانت طاولة الاجتماع، ولكن ما لاحظناه من اللقطات القليلة ان وزراء الخارجية العرب كانوا يقفون كتفا بكتف مع ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي، وتسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية، ومن غير المنطقي وفي قاعة صغيرة ضيقة كالتي شاهدناها انه لم تحدث مصافحات او ابتسامات او حتي لقاءات جانبية.
المشاركة العربية في هذا المؤتمر كانت فضيحة بكل المقاييس. وزراء الخارجية العرب والسيد عمرو موسي امين عام الجامعة العربية كانوا مجرد كومبارس، او شهود زور علي مؤتمر انعقد من اجل تفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها والتنازل عن اهم ما فيهــــا وهو حــق العودة للاجئين الفلسطينيين.
الرئيس جورج بوش الأب حقق سابقة تكوين جبهة عسكرية امريكية ـ عربية مشتركة لتدمير بلد عربي اسمه العراق وقتل مئات الآلاف من ابنائه تحت شعار تحرير الكويت ، والرئيس بوش الابن يمهد لتحقيق سابقة اخطر، وهي تكوين تحالف عربي ـ اسرائيلي تحت مظلة امريكية لتدمير بلد اسلامي آخر اسمه ايران.
لا نستغرب مشاركة دول عربية معتدلة في مؤتمر يؤسس لمثل هذا التحالف الجديد، ولكننا نستغرب مشاركة سورية احدي الدول المستهدفة من انشائه، وهي التي كانت من اكثر الاصوات المعارضة لانابوليس والعرب المشاركين فيه.
لا نعتقد ان المشاركة السورية في انابوليس ستعيد الجولان، وان كنا نتمني ذلك، ولكنها قطـــعا ستفقد سورية الكثير من مصداقيتــــها امام الكثـــــيرين من العرب وربما السوريين انفسهم، في وقت هي بحاجة اليها اذا قررت اللجوء الي خيار التعبئة لمواجهة استهدافها اسرائيليا وامريكيا بل وعربيا ايضا.
يبدو ان نموذج افواج الصحوة العشائرية الذي نجحت الولايات المتحدة في اقامته في العراق، واستخدمته في شق صفوف المقاومة، واغراقها في حرب استنزاف داخلية دموية يبعدها عن هدفها الاساسي وهو مقاومة الاحتلال وقواته، بات علي وشك ان يتكرر في فلسطين المحتلة. فالاموال الامريكية بدأت تعطي ثمارها، فالرئيس محمود عباس تعهد في كلمته بمحاربة الارهاب الفلسطيني دون هوادة في الايام المقبلة
عبد الباري عطوان
28/11/2007
نستغرب تركيز الكثيرين علي فشل مفاوضات اللحظة الاخيرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في التوصل الي وثيقة مشتركة تحدد اطار المفاوضات الثنائية التي ستنبثق عن مؤتمر انابوليس، فالخطاب الذي القاه الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش اصبح هو المرجعية والوثيقة، وما ورد فيه من افكار ومواقف حسمت نتيجة هذه المفاوضات قبل ان تبدأ.
اخطر ما جاء في هذا الخطاب هو اعلان الرئيس بوش، وامام سبعة عشر وزير خارجية ومسؤول عربي، ان الولايات المتحدة الامريكية ملتزمة التزاما مطلقا بان اسرائيل دولة يهودية، ووطن قومي لليهود جميعا، وهذا يؤسس لمستقبل مظلم ليس بالنسبة الي ستة ملايين لاجئ فلسطيني فقط، وانما لمليون ونصف المليون آخرين يعيشون داخل ما يسمي بالخط الاخضر.
فالرئيس بوش المتعصب دينيا يريد العودة بنا الي زمن الحروب الصليبية والدول الدينية التي ازدهرت في العصور الوسطي، وارتكبت مجازر دموية مرعبة في حق كل من خالفها في الدين او المذهب، وما الديمقراطية الاوروبية الحالية الا رد فعل علي هذا التاريخ المظلم.
ولا بد ان اليهود الذين يصرون علي اقامة دولة عنصرية خاصة بهم يتذكرون جيدا ان العنصرية الالمانية والتعصب للجنس الآري أديا الي الهولوكوست، وان اعلان ملكة الاندلس الأولي ايزابيلا وزوجها فرناندو الثاني، اسبانيا دولة مسيحية كاثوليكية قاد الي مجازر في حق المسلمين واليهود الذين رفضوا التخلي عن دينهم، والانخراط تحت المظلة الكاثوليكية، ولم يجد اليهود ملاذا آمنا لهم الا في كنف العرب في دول المغرب العربي علي وجه الخصوص.
نستهجن هذا الطرح العنصري من رئيس دولة تتكون من انصهار مختلف الاديان والاعراق والالوان والثقافات في بوتقة المساواة والتعايش والفرص المتكافئة والحكم الديمقراطي. ونستغرب ان لا يعترض الاوروبيون الذين يتفاخرون بعلمانية انظمة حكمهم ومجتمعاتهم علي هذا الطرح العنصري الذي يعيدنا الي العصور الوسطي وحزام العفة وغزو اراضي الغير بهمجية غير مسبوقة.
كنا نتمني لو ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد تصدي لهذا الطرح العنصري بقوة في كلمته، وذكّر زميله ايهود اولمرت بأن رواد الصهيونية الأوائل ظلوا ولأكثر من مئة عام يتحدثون عن علمانيتهم والنموذج الاشتراكي لدولتهم وتسامحها مع الغير.
اولمرت خصص الجزء الاكبر من خطابه للحديث عن الارهاب الفلسطيني، ومعاناة الاسرائيليين من جرائه طوال الاعوام الماضية، ولكن السيد عباس لم يستغل هذه الفرصة الاعلامية الهامة للحديث عن معاناة الفلسطينيين اليومية من الارهاب الاسرائيلي، وعن وجود مليون ونصف مليون فلسطيني من ابناء شعبه يتضورون جوعا تحت حصار وحشي في قطاع غزة.
كنا نتمني لو ان السيد عباس وقف وقفة شجاعة، ووضع خطابه الانشائي المكتوب بطريقة باهتة وغير مؤثرة، وتحدث عن لقاءاته الثمانية مع اولمرت وكيف انها لم تحقق مليمترا واحدا من التقدم علي وثيقة او بيان مشترك بسبب تعنت الزميل الاسرائيلي. فقد كان السيد عباس مجاملا ويتعامل مع الاسرائيليين وكأنهم اصدقاء، بينه وبينهم سوء فهم بسيط يمكن تطويقه بسهولة.
المقربون من الرئيس عباس يؤكدون في تصريحاتهم الاعلامية، وما اكثرها هذه الايام، بأن اي اتفاق يتم التوصل اليه سيعرض علي الشعب الفلسطيني في استفتاء شعبي حر. هذا كلام جميل، ولكنه يكشف نوايا وممارسات تنقضه كليا، وتثبت عكسه، فاذا كان ابناء الشعب الفلسطيني لا يستطيعون تنظيم مظاهرة سلمية في رام الله او الخليل او نابلس يعبرون فيها عن معارضتهم لمؤتمر انابوليس، ويواجهون بالرصاص الحي ناهيك عن هراوات قوات القمع المسلحة من قبل الاحتلال، والممولة امريكيا، فكيف سيستطيع هذا الشعب ان يعبر عن رأيه في اي استفتاء علي اتفاق يقدم للاسرائيليين كل ما يتطلعون اليه من تنازلات.
اسرائيل خرجت فائزة من هذا المؤتمر الذي يتمثل نجاحه في انعقاده، فقد ظهرت امام العالم كدولة وديعة محبة للسلام لا تملك اكثر من ثلاثمئة رأس نووي، وتحتل ارض الغير بالقوة، وتحتجز اكثر من احد عشر الف اسير علي الاقل نسبة كبيرة منهم دون اي محاكمات قانونية.
التطبيع الذي يتطلع اليه ايهود اولمرت وكل القادة الاسرائيليين الآخرين تحقق كليا او جزئيا، وهذه هي المرة الاولي في تاريخ المؤتمرات التي يتم التحكم فيها بالتغطية الاعلامية، ولا يسمح للمصورين بنقل الوقائع حية علي الهواء دون رقابة. فلم نعرف من يجلس الي جانب من، وكيف كانت طاولة الاجتماع، ولكن ما لاحظناه من اللقطات القليلة ان وزراء الخارجية العرب كانوا يقفون كتفا بكتف مع ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي، وتسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية، ومن غير المنطقي وفي قاعة صغيرة ضيقة كالتي شاهدناها انه لم تحدث مصافحات او ابتسامات او حتي لقاءات جانبية.
المشاركة العربية في هذا المؤتمر كانت فضيحة بكل المقاييس. وزراء الخارجية العرب والسيد عمرو موسي امين عام الجامعة العربية كانوا مجرد كومبارس، او شهود زور علي مؤتمر انعقد من اجل تفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها والتنازل عن اهم ما فيهــــا وهو حــق العودة للاجئين الفلسطينيين.
الرئيس جورج بوش الأب حقق سابقة تكوين جبهة عسكرية امريكية ـ عربية مشتركة لتدمير بلد عربي اسمه العراق وقتل مئات الآلاف من ابنائه تحت شعار تحرير الكويت ، والرئيس بوش الابن يمهد لتحقيق سابقة اخطر، وهي تكوين تحالف عربي ـ اسرائيلي تحت مظلة امريكية لتدمير بلد اسلامي آخر اسمه ايران.
لا نستغرب مشاركة دول عربية معتدلة في مؤتمر يؤسس لمثل هذا التحالف الجديد، ولكننا نستغرب مشاركة سورية احدي الدول المستهدفة من انشائه، وهي التي كانت من اكثر الاصوات المعارضة لانابوليس والعرب المشاركين فيه.
لا نعتقد ان المشاركة السورية في انابوليس ستعيد الجولان، وان كنا نتمني ذلك، ولكنها قطـــعا ستفقد سورية الكثير من مصداقيتــــها امام الكثـــــيرين من العرب وربما السوريين انفسهم، في وقت هي بحاجة اليها اذا قررت اللجوء الي خيار التعبئة لمواجهة استهدافها اسرائيليا وامريكيا بل وعربيا ايضا.
يبدو ان نموذج افواج الصحوة العشائرية الذي نجحت الولايات المتحدة في اقامته في العراق، واستخدمته في شق صفوف المقاومة، واغراقها في حرب استنزاف داخلية دموية يبعدها عن هدفها الاساسي وهو مقاومة الاحتلال وقواته، بات علي وشك ان يتكرر في فلسطين المحتلة. فالاموال الامريكية بدأت تعطي ثمارها، فالرئيس محمود عباس تعهد في كلمته بمحاربة الارهاب الفلسطيني دون هوادة في الايام المقبلة
تعليق