د. رمضان شلح: انابولس كرنفال عربي صهيوني تحتفل فيه إسرائيل بعيد ميلادها الستين
قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح في حديث لصحيفة القدس العربي إن الهدف من انابوليس هو التأسيس لتصفية القضية الفلسطينية بمباركة عربية وبالذات من قبل السعودية. وأضاف أن ما سيجري في انابولس هو كرنفال عربي صهيوني تحتفل فيه إسرائيل بعيد ميلادها الستين.
وزاد قائلا إن إسرائيل لديها معضلة اسمها عرب 48، وهي تؤمن أن مفتاح الحل لهذه المعضلة يكمن في فكرة يهودية دولة إسرائيل ونافذة الخطر التي ستهب علينا منها الكارثة أو النكبة الجديدة هي حل الدولتين. وفي معرض رده علي سؤال قال: وأنا هنا اسأل كل عربي وكل فلسطيني وكل مسلم وكل إنسان حر في هذا العالم، هل هدف تحرير فلسطين عادل أم لا؟! كل من لا يعتقد بعدالة هذا الهدف، فهو إذن يعترف بعدالة المشروع الصهيوني وأهدافه التي قامت علي أنقاض شعبنا ووطننا. وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
انتم وفصائل فلسطينية أخري رفضتم مؤتمر انابوليس قبل معرفة ما سيصدر عنه من نتائج، أليس من الأجدر انتظار ما سيتمخض عنه بدلاً من الرفض المسبق؟
النتائج معروفة سلفاً، وهي مكتوبة علي الجدران، كما يقولون، في الأهداف الأمريكية والإسرائيلية من الاجتماع، فالمعروف ان الاجتماع جاء بدعوة أمريكية لخدمة مصالح أمريكية وأخرى أمريكية إسرائيلية مشتركة، واهم هذه الأهداف هو جر دول عربية جديدة للتطبيع مع إسرائيل وعلي رأسها السعودية، والتأسيس لقيام تحالف عربي أمريكي إسرائيلي يوفر مظلة عربية لمواجهة أمريكية إسرائيلية إيرانية محتملة، وأيضا التغطية علي فشل بوش وسياساته في العراق وافغانستان ولبنان وباكستان وفلسطين وكل المنطقة، وإظهاره بمظهر المنتصر الذي مازال يملك زمام المبادرة ومقاليد الأمور في المنطقة والعالم، وتوظيف ذلك لصالح الجمهوريين في الانتخابات القادمة.. وأيضا وهو الأخطر التأسيس لتصفية القضية الفلسطينية بمباركة عربية وبالذات من قبل السعودية.. واصطياد السعودية التي سيلحق بها عرب كثيرون إلى حظيرة الاعتراف بإسرائيل هو حلم صهيوني كبير، انابوليس قد تكون بداية تحقيقه للأسف.
كابوس فلسطيني
الذاهبون إلى انابوليس يقولون انه طريق لتحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية وفقاً لرؤية بوش وحل الدولتين ما رأيكم؟
انابوليس ليست طريقاً لتحقيق أي حلم فلسطيني بأي حال من الأحوال.. أنها محطة جديدة لاستمرار الكابوس الفلسطيني الذي بدأ من مدريد وأوسلو.. أما ما يسمي برؤية بوش وحل الدولتين فهذه خدعة أمريكية كبيرة والعرب والفلسطينيون للأسف ابتلعوا الطعم.
أولا، رؤية بوش كانت فتوى أمريكية بوجوب التخلص من ياسر عرفات كشرط لولادة الدولة الفلسطينية، واقرءوا خطاب بوش أو خطاب الرؤية الذي ألقاه في 24 حزيران (يونيو) 2002.
ثانياً، رؤية بوش لم تتضمن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، بل تحدثت عن دولة ذات حدود مؤقتة وهذا ما نصت عليه خارطة الطريق أيضا الدولة المؤقتة ، وكلاهما، رؤية بوش وخارطة الطريق، رئاسة السلطة العتيدة تصر علي أنهما مرجعية المؤتمر والمفاوضات القادمة.
ثالثاً، وبرغم أن رؤية بوش ولدت فاقدة لأي مضمون ينصف الفلسطينيين في ادني الحد الادني من حقهم، فقد تم تفريغها نهائياً من أي محتوي وقطع الطريق علي أي تأويل أو تفسير لصالح الفلسطينيين في التعهدات والضمانات الأمريكية التي قدمها بوش لإسرائيل في رسالته لشارون بتاريخ 14 نيسان (ابريل) 2004 .
ورابعاً، وهو الأخطر ان رؤية بوش لم تصدر لصالح الفلسطينيين، بل كان هدفها من الأساس المحافظة علي يهودية دولة إسرائيل، وتأكيد الانفصال عن الفلسطينيين لقطع الطريق علي العالم حتي لا يفرض علي الإسرائيليين مستقبلاً خيار الدولة الواحدة ، في وقت يكون فيه الميزان الديمغرافي في فلسطين لصالح الشعب الفلسطيني.. لهذا السبب أصبحت الدولة الفلسطينية المزعومة مصلحة إسرائيلية.. شمعون بيريس منذ سنوات قال بالحرف الواحد لكي تبقي إسرائيل دولة يهودية، أخلاقيا وديمغرافياً فهي بحاجة إلى دولة فلسطينية . وشارون اقتنع بهذا الكلام واقنع به بوش.. وزيرة الخارجية الإسرائيلية قالت في مؤتمر الدول المانحة في أيلول (سبتمبر) الماضي في نيويورك مثلما أن الدولة الفلسطينية هي مصلحة إسرائيلية فان امن إسرائيل يجب أن يكون مصلحة فلسطينية أيضا .
وهذا يعني أن فكرة الدولة الفلسطينية مصلحة إسرائيلية أصبحت من المسلمات التي استقر عليها الرأي والتفكير الإسرائيلي والأمريكي أيضا، لذلك جاءت رؤية بوش تقول بدولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل، أي أن دولة الجوار الفلسطينية هي دولة المصلحة الإسرائيلية وهي في التصور الإسرائيلي والأمريكي يجب أن تكون مجزأة، ومنقوصة السيادة، ومنزوعة السلاح، مهمتها إنهاء الصراع، وحماية امن إسرائيل، وفتح بوابة العالم العربي أمامها علي أوسع نطاق، لبناء شبكة مصالح اقتصادية وسياسية وثقافية تصب في خدمة المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة والعالم.. لذلك، فالأمريكيون أيضا من بوش إلى اصغر مسؤول يقولون إن إقامة دولة فلسطينية هي مصلحة أمريكية .. فهل الحلم الفلسطيني والحلم العربي أصبح إقامة دولة المصالح الإسرائيلية والأمريكية التي تحمل اسم فلسطين زوراً وبهتاناً؟! هل هذا ما يريده العرب؟! وهل هذا هو الإجماع العربي المزعوم الذي تحدث عنه سعود الفيصل؟! الم يسمع هؤلاء بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم لا تجتمع أمتي علي ضلالة وليس هناك من ضلالة في تاريخنا اكبر من الاعتراف بشرعية الباطل الذي تمثله إسرائيل!
ألا تعتقد أن هذا كله يصب في خانة المواقف المسبقة أو استباق الأحداث وان طبيعة الدولة وشكلها وحجمها وعاصمتها كلها ستحدد بالتفاوض علي القضايا الجوهرية او ما عرف بقضايا الحل النهائي؟
مرة أخرى أقول هذا ليس استباقاً للأحداث.. أنا أتحدث عن مرجعية المفاوضات التي ستنطلق من انابوليس، إذا كانت المرجعية هي رؤية بوش وخارطة الطريق ، فالأمور ذاهبة حتماً لتصفية قضية فلسطين وانابوليس بداية مراسم الجنازة، ولان فلسطين كبيرة ومهيبة حرصوا أن يشارك في هذه المراسم حشد كبير من أربعين دولة يتقدمهم بنو العمومة علي رأسهم حملة مفاتيح الكعبة.. فهل يعقل أن لا يحضر سدنة البيت الحرام وقبلة المسلمين الثانية مراسم تشييع أو تقديم قبلة المسلمين الأولى علي طبق من فضة للصهاينة لتصبح دولة يهودية خالصة لهم من دون الناس ومن دون عرب أو فلسطينيين؟! ما سيجري في انابوليس هو كرنفال عربي صهيوني تحتفل فيه إسرائيل بعيد ميلادها الستين!
المبادرة
ولكن هناك حديثا أن المبادرة العربية ستكون من ضمن مرجعيات التفاوض؟
المبادرة العربية بنظري أسوأ من رؤية بوش ورسالته لشارون ومن خارطة الطريق ، وحتى من أوسلو، وأيضا من وعد بلفور!! وهذا ليس مبالغة أو تجن علي العرب. بالنسبة لوعد بلفور، فقد رفضه العرب وقالوا عنه أن من لا يملك أعطى من لا يستحق .. وإذا كنا نؤمن بان فلسطين ارض عربية إسلامية، فالمبادرة العربية تعني أن من يملك أعطي من يستحق لان العرب يعرضون هذه المبادرة عن رضي وطيب خاطر، أي أن إسرائيل بنظرهم تستحق ما وهبوه لها من فلسطين إذا استجابت لشروطهم التي لا قيمة لها أمام ما ضاع من فلسطين.
لتوضيح هذا الأمر الهام والخطير أقول: إن العرب بعد هزيمة 67 كان في أجندتهم مطلبان: الأول، ما سمي إزالة آثار العدوان أو انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 67، والمطلب الثاني، حل المسألة الفلسطينية التي بدأت بنكبة عام 1948، ما حدث منذ مدريد، وبعد ذلك تجسد في أوسلو إن العرب دمجوا المطلبين في اقل من مطلب واحد، ما حدث كان فظيعاً ومروعاً وينطوي علي خداع نادراً ما يحدث مثله في تاريخ الشعوب.. فبمجرد اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل طبقاً لأوسلو، وسبقها إلى ذلك مصر في كامب ديفيد ومعاهدة الصلح، فهذا يعني تنازلا عربيا فلسطينيا عن كل حق لنا بفلسطين مرتبط بنكبة عام 1948، وخاصة حق عودة اللاجئين.
الاعتراف بإسرائيل في حدود 48 يعني أن حل المسألة الفلسطينية رُحّل إلى أراضي 67 التي عرفتها أوسلو بأنها أراض متنازع عليها أيضا! الذين صاغوا المبادرة العربية، وأولهم توماس فريدمان كما هو معروف، يعرفون هذا الكلام لذلك تحدثوا عن حل يتفق عليه لقضية اللاجئين، وهذا معناه أن حق العودة لم يعد حقاً ثابتاً لا مساس به، بل أصبح خاضعاً للتفاوض والمساومة، التي تنتهي في ظل ميزان القوة الراهن إلى ما تريده إسرائيل، وهو أن مشكلة اللاجئين تحل خارج ما يسمي ارض إسرائيل .
فالذين صاغوا المبادرة العربية يعرفون أنها لن تؤدي إلى عودة اللاجئين إلى أرضهم وممتلكاتهم، وعليهم أن يستعدوا، أي العرب، وبالذات السعودية ودول الخليج لتمويل ترحيلهم وتوطينهم في بقاع الأرض.. والجديد والخطير جداً أيضا، ما قالته وزيرة الخارجية الإسرائيلية، ليفني مؤخراً أن الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها ستكون حلاً للعرب في إسرائيل وأنا هنا انقل كلامها حرفياً، أي لشعبنا العربي الفلسطيني في مناطق 48.
كيف يمكن أن تكون الدولة الفلسطينية حلاً لفلسطينيي 48، هل المقصود بذلك ترحيلهم، والي أين؟ وهل هذا ممكن؟
إسرائيل لديها معضلة اسمها عرب 48 ، وهي تؤمن أن مفتاح الحل لهذه المعضلة يكمن في فكرة يهودية دولة إسرائيل ونافذة الخطر التي ستهب علينا منها الكارثة أو النكبة الجديدة هي حل الدولتين . ففي حال قامت دولة فلسطينية، أو دولة المصلحة الإسرائيلية كما أسميناها استناداً لكلام الإسرائيليين، سيقول الإسرائيليون لأهلنا في مناطق 48 انتم فلسطينيون وعرب في الأصل والانتماء والهوية، وإسرائيل دولة لليهود لا مكان لكم فيها، اذهبوا إلى دولة الجوار المسخ فهي دولة الفلسطينيين!. وقد لا يحدث هذا الآن، لكن الطريق إلى مثل هذا اليوم تبدأ من انابوليس، وقد بدأ التمهيد لذلك، والسلطة تورطت في أمور خطيرة جداً لا اعرف أن كانت تدري أبعادها أو لا تدري.. أبو مازن في حديث له مع تلفزيون فلسطين يوم 10/10 الماضي تحدث عن أن مساحة الدولة الفلسطينية المنشودة هي مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة البالغة 6205 كم مربع، ولم يربط ذلك بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 أي انه يتحدث عن المساحة ولا يتحدث عن حدود 4 حزيران.. وهو يعني القبول بمبدأ تبادل الأراضي وهذا أمر سيفرض عليهم من باب القبول ببقاء المستوطنات.. هناك حوالي نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية بما في ذلك القدس في حوالي 150 مستوطنة غير البؤر الاستيطانية التي يزيد عددها عن 200 بؤرة. المستوطنات والطرق المؤدية لها ستبقي في كتل استيطانية، واحتفاظ إسرائيل بالمستوطنات يعني ضياع المياه لان إسرائيل تسرق أكثر من 85 % من مياه الضفة الغربية، والمياه المسروقة 70 % منها موجود في الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات، ومن اجل بقاء المستوطنات والتركيز علي المساحة السلطة قبلت بمبدأ تبادل الأراضي.. وحديث أبو مازن الذي أشرت إليه كان واضحاً، وكل همه كان التأكيد علي مبدأ المبادلة بالمثل أي بنسبة 1:1، وهو مبدأ طرحته وثيقة جنيف وعرابها ياسر عبد ربه العضو الرئيس في الفريق المفاوض لدي أبو مازن.. ولكن في أي اتجاه سيتم التبادل؟
هناك حديث عن اتجاهين: الأول، أعطاء الفلسطينيين جزءا من أراضي النقب الصحراوية بمحاذاة جنوب القطاع وقريباً من مصر، والاتجاه الثاني، مبادلة وضم أراض ذات كثافة سكانية في منطقة المثلث من مناطق 48 إلي مناطق السلطة أو الدولة أو الامبراطورية الفلسطينية، سمها ما شئت! المهم أن يتم التخلص من فلسطينيي 48 ولو علي مراحل. ما أريد أن اخلص إليه هنا، أن القبول بمبدأ تبادل الأراضي سيقود بشكل أو بآخر إلى مبدأ تبادل السكان وبنظري فان الذي يقبل بالتنازل عن الأرض ابتداءً أو تبادلاً والتي هي عقدة الصراع، فان تبادل أو حركة السكان لن تعني له الكثير، وطالما انه فتح باب المقايضة والتبادل، فهذا سيفتح شهية إسرائيل لتنفيذ مشروع ترانسفير عرب 48 عاجلاً أو آجلاً.
هناك من يتحدث عن ترانسفير آخر إلى الأردن، وأنت ذكرت في الجزيرة أن الأردن سيكون له دور في أي حل نهائي أو مرحلي، هل لديكم معلومات عن ذلك أو ما هي المعطيات التي استندتم إليها في حديثكم؟
المعطيات موجودة في المرجعيات التي يستندون إليها في انابوليس والمفاوضات التي ستنجم عنه، وفي سلوك الأطراف المختلفة.. في رؤية بوش هناك حديث واضح عن دور للأردن ومصر في أية ترتيبات تتعلق بالاستقلال كما سماه، أي بالحل النهائي.. وهذا نفسه بالمناسبة، موجود في اتفاقية كامب ديفيد عندما تحدثت عن حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة والقطاع.. وطالما أن العرب ومنظمة التحرير قبلوا بأن حل المسألة الفلسطينية يتم في الضفة والقطاع، أي خارج حدود إسرائيل التي اعترفوا بها، فالضفة قبل 67 كانت تحت السيادة الأردنية، وقطاع غزة تحت الحكم المصري. فطبيعي من وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية أن يكون للطرفين دور في أي حل يتعلق بمصير الضفة وغزة.. بالنسبة لإسرائيل غزة ليست هدفاً، بل عبء تخلصت منه ليتحول إلى محرقة للفلسطينيين ينهكون أنفسهم بأنفسهم ومصر غير معنية بالتورط في إدارة غزة.. المهم والمعضلة الكبيرة لإسرائيل هي الضفة.. انابوليس الآن ستعزز وضع أبو مازن في الضفة بدعم اقتصادي وبدور امني جديد سيصبح فيه سلام فياض وحكومته انطوان لحد جديدا في فلسطين في ملاحقة وقمع المقاومة بالشراكة مع أو بالنيابة عن إسرائيل.
وخشية أن لا تفلح سلطة أبو مازن في القيام بهذا الدور، فان الإسرائيليين يطمحون بمساعدة أردنية لدعم سلطة رام الله.. بعد استيلاء حماس علي غزة، اولمرت بحث في شهر تموز (يوليو) الماضي مع الملك عبدالله إرسال جنود أردنيين نظاميين من البدو لديهم خبرة في مكافحة الإرهاب.. ولمساعدة سلطة عباس في الضفة هذا الكلام حرفياً نشرته صحيفة جيروزاليم بوست يوم 30 تموز (يوليو) الماضي. فالحديث عن دور للأردن في أي حل نهائي بات في حكم المؤكد من وجهة النظر الإسرائيلية والأمريكية لكن هل يقبل الأردن بذلك؟! هذه مسألة أخرى.
وأنا اعتقد أن هناك فخاً ينصب للأردن، لان القبول بأي دور في حلول إسرائيلية للقضية الفلسطينية سينتهي بأن يهيل كل الغبار والتراب علي رأس الأردن وتطبيق فكرة الوطن البديل ، وهنا يمكن أن نصل إلى لحظة الترانسفير التي يتحدثون عنها.. متى تحدث، وفي أي ظرف إقليمي ودولي؟ الله اعلم! المهم أنها حاضرة في الذهن الإسرائيلي.. الم يعلن قائد المنطقة الوسطي الصهيوني الجنرال يائير نافيه في ربيع 2006 في محاضرة له في القدس ان ملك الأردن عبدالله سيكون آخر ملوك السلالة الهاشمية ويومها حدثت أزمة في العلاقات بين الأردن وإسرائيل تم تجاوزها، لكن ليس هناك ما يؤكد أن هذه القناعة مسحت من رأس الإسرائيليين، فالعقل الإسرائيلي في الأساس نشأ علي أن فلسطين الانتدابية كانت تضم الأردن وفلسطين، وعليه هم كانوا يعتبرون أن الأردن مشمولة بوعد بلفور أي أنها جزء من الوطن القومي اليهودي الموعود، وأنهم عندما رضخوا للتفسير البريطاني بوعد بلفور والذي أصر عليه تشرتشل، باستثناء الأردن من الوطن القومي، اعتبر اليهود أنفسهم أنهم قدموا تنازلاً إقليميا وان الأردن اقتطعت من جسد وطنهم المزعوم، لأهداف حددها تشرتشل كما قال في مذكراته من اجل امتصاص آثار قيام دولة إسرائيل في المنطقة .. فإسرائيل تعتبر أن الأردن لها للنهر ضفتان أحداهما لنا الأخرى لنا أيضا وأنها الوديعة المدخرة لساعة الخطر الوجودي والحقيقي علي إسرائيل، بان يفرض علي العالم يومها أن كان ولابد من إزالة أي كيان في المنطقة من اجل حل تاريخي ونهائي لقضية فلسطين فهو ليس إسرائيل، بل الأردن الذي تنازلت عنه إسرائيل من وطنها القومي المزعوم وأبقته لهذه الساعة! هكذا يفكر الإسرائيليون منذ بداية الصراع إلي اليوم.
إسقاط خيار الدولتين
حتي لا نصل إلي هذه الساعة، ما هو البديل بنظركم، وما العمل؟ هل البديل هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر كما تقولون انتم وبعض الفصائل، هل هذا الطرح واقعي، ويمكن أن ينبني عليه برنامج يمكن أن يسترد حقوق الشعب الفلسطيني؟
أولا، بالنسبة لتحرير فلسطين كهدف أصبح من المحرمات أو كأنه جريمة في نظر الواقعيين نحن نميز بين أمرين هامين: الأول، عدالة الهدف، والثاني، إمكانية تحقيقه.. وأنا هنا اسأل كل عربي وكل فلسطيني وكل مسلم وكل إنسان حر في هذا العالم، هل هدف تحرير فلسطين، هل هو هدف عادل أم لا؟! كل من لا يعتقد بعدالة هذا الهدف، فهو إذن يعترف بعدالة المشروع الصهيوني وأهدافه التي قامت علي أنقاض شعبنا ووطننا.. أما الأمر الثاني، فنحن نسلم أن هدف التحرير الكامل غير ممكن اليوم في ظل الانهيار العربي المرّوع، ولكن عدم إمكانية تحقيق الهدف لا تلغي عدالته وبالتالي لا تلغيه ولا تسحبه من التداول. ثانياً، فلسطين قضية وليست برنامجاً.. عندما تحولت فلسطين من قضية إلى برنامج، كما هو في البرنامج المرحلي عام 1974 تم التأسيس لكل الخراب والضياع الجاري والقادم مما تحدثنا عنه من مخاطر قادمة. البرنامج المرحلي هو الذي وضع حجر الأساس لدولة المصلحة الإسرائيلية والبرنامج المرحلي الذي تم تفصيله للضفة وغزة هو الذي اسقط عرب 48 من أجندة النضال الوطني الفلسطيني وأغفلهم كما لو كانوا فعلاً مواطنين إسرائيليين، واليوم ذيول البرنامج المرحلي تؤسس في انابوليس لترحيلهم واقتلاعهم من أرضهم.. البرنامج المرحلي هو الذي اسقط اللاجئين وفلسطينيي والشتات لأنه خاص بالضفة والقطاع.. البرنامج المرحلي هو الذي أسس لأوسلو ورؤية بوش وكل البلاء الواقع بالشعب الفلسطيني. إذا أردنا أن نقول بكلمات محدودة ما العمل اولاً وقبل كل شيء يجب أن نكف عن تسويق الوهم ونسقط خيار الدولتين ، فهو خطير جداً وسينتهي بدولة وظيفية مهمتها تصفية قضية فلسطين.. وهذا لا يعني أننا نقبل بخيار الدولة الواحدة أو ما يسمي بالدولة ثنائية القومية أو الدولة الديمقراطية.. كل هذه الخيارات التي تعترف بالحق اليهودي في فلسطين مرفوضة.. البديل بنظرنا، أن يبقي باب الصراع مفتوحاً.. نحن لا نطالب العرب أن يخوضوا حروباً شاملة وهم علي هذه الحال، ولا حتي حروباً محدودة.. لكن نطالبهم أن يتركوا الشعوب تقاوم ولا تقطعوا عليها الطريق بالأكاذيب والأوهام وسراب التسوية الذي افتضح زيفه ألف مرة.. وهذه ليست شعارات أو خيالات من نوع آخر، حزب الله خاض حرباً محدودة ضد الدولة العبرية وانتصر.. الانتفاضة فعلت العجائب في الكيان الصهيوني ومزقت أحشاءه وصنعت ميزاناً للرعب معه، كل هذا اليوم يباع في انابوليس التي يريدونها محطة جديدة لإعلان هزيمة خيار المقاومة والانتفاضة وإحياء عملية التسوية أو مسلسل الكابوس الفلسطيني الذي بدأته أوسلو.. لكن نحو نؤكد أن هذا لن يحدث، ولن يمر وقت طويل حتي يذوب الثلج ويبان المرج كما يقولون، ليكتشف الذاهبون إلي أوسلو أنهم عادوا بأقل من خُفي حنين.
وماذا عن القدس في مؤتمر انابوليس وما يتبعه خاصة في ظل المخططات الإسرائيلية التي تهدد المسجد الأقصى؟
ليس هناك قدس في المفاوضات القادمة.. وإذا أردنا أن نعرف موقف الإسرائيليين من هذه المسألة اذكر بما حدث في كامب ديفيد.. ربما لا يعرف الناس حجم ما أعطاهم إياه ياسر عرفات لكنهم رفضوا التنازل عن قناعتهم بان القدس يجب أن تظل موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل.. حتي حائط البراق الذي يسميه الإسرائيليون حائط المبكي تنازل عنه لهم، ويلحق به منطقة سلوان وباب المغاربة ومحيط المسجد الأقصى وحي المغاربة والحي اليهودي وجبل الزيتون، ولم يبق إلا الحرم القدسي، فطرح باراك يومها تقسيمه علي أساس أن المسجد الأقصى مبني علي ما يزعم الإسرائيليون انه الهيكل ، فاقترح أن يسيطر الفلسطينيون علي مبني المسجد الأقصى والصخرة المشرفة، فيما تكون الملكية والسيادة علي الأرض من تحته لليهود ويقومون ببناء كنيس يضم أجزاء من الهيكل المزعوم.. ووافق كلينتون يومها علي ذلك ودعم باراك، وطلب من عرفات الرضوخ لذلك، لكن عرفات رفض وقال له عندها ادعوك إلى المشاركة في جنازتي إذا وقعت علي هذا .
ماذا كانت النتيجة؟ سار الفلسطينيون في جنازة عرفات ولم يسر كلينتون! لان إسرائيل أخذت بفتوى بوش في رؤيته وتخلصت من عرفات بالسم.. وسواء سار الأمريكيون أو الفلسطينيون في جنازة عرفات أو أي مفاوض آخر، فان ما يهم الإسرائيليين ان يسير العالم كله في جنازة القدس وجنازة فلسطين التي بدأت مراسمها من انابوليس.. لكن هذا بإذن الله لن يحدث.. ولن يمر وقت طويل حتي يسير الشعب الفلسطيني في جنازة انابوليس، الذي سيسقط كما سقط غيره من المؤتمرات والمشاريع التي ترفع دقات جرس الإنذار كي يصحو الشعب والأمة من الكابوس الإسرائيلي الأمريكي المهيمن علي المنطقة والعالم.
نقلا عن القدس العربي
قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح في حديث لصحيفة القدس العربي إن الهدف من انابوليس هو التأسيس لتصفية القضية الفلسطينية بمباركة عربية وبالذات من قبل السعودية. وأضاف أن ما سيجري في انابولس هو كرنفال عربي صهيوني تحتفل فيه إسرائيل بعيد ميلادها الستين.
وزاد قائلا إن إسرائيل لديها معضلة اسمها عرب 48، وهي تؤمن أن مفتاح الحل لهذه المعضلة يكمن في فكرة يهودية دولة إسرائيل ونافذة الخطر التي ستهب علينا منها الكارثة أو النكبة الجديدة هي حل الدولتين. وفي معرض رده علي سؤال قال: وأنا هنا اسأل كل عربي وكل فلسطيني وكل مسلم وكل إنسان حر في هذا العالم، هل هدف تحرير فلسطين عادل أم لا؟! كل من لا يعتقد بعدالة هذا الهدف، فهو إذن يعترف بعدالة المشروع الصهيوني وأهدافه التي قامت علي أنقاض شعبنا ووطننا. وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
انتم وفصائل فلسطينية أخري رفضتم مؤتمر انابوليس قبل معرفة ما سيصدر عنه من نتائج، أليس من الأجدر انتظار ما سيتمخض عنه بدلاً من الرفض المسبق؟
النتائج معروفة سلفاً، وهي مكتوبة علي الجدران، كما يقولون، في الأهداف الأمريكية والإسرائيلية من الاجتماع، فالمعروف ان الاجتماع جاء بدعوة أمريكية لخدمة مصالح أمريكية وأخرى أمريكية إسرائيلية مشتركة، واهم هذه الأهداف هو جر دول عربية جديدة للتطبيع مع إسرائيل وعلي رأسها السعودية، والتأسيس لقيام تحالف عربي أمريكي إسرائيلي يوفر مظلة عربية لمواجهة أمريكية إسرائيلية إيرانية محتملة، وأيضا التغطية علي فشل بوش وسياساته في العراق وافغانستان ولبنان وباكستان وفلسطين وكل المنطقة، وإظهاره بمظهر المنتصر الذي مازال يملك زمام المبادرة ومقاليد الأمور في المنطقة والعالم، وتوظيف ذلك لصالح الجمهوريين في الانتخابات القادمة.. وأيضا وهو الأخطر التأسيس لتصفية القضية الفلسطينية بمباركة عربية وبالذات من قبل السعودية.. واصطياد السعودية التي سيلحق بها عرب كثيرون إلى حظيرة الاعتراف بإسرائيل هو حلم صهيوني كبير، انابوليس قد تكون بداية تحقيقه للأسف.
كابوس فلسطيني
الذاهبون إلى انابوليس يقولون انه طريق لتحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية وفقاً لرؤية بوش وحل الدولتين ما رأيكم؟
انابوليس ليست طريقاً لتحقيق أي حلم فلسطيني بأي حال من الأحوال.. أنها محطة جديدة لاستمرار الكابوس الفلسطيني الذي بدأ من مدريد وأوسلو.. أما ما يسمي برؤية بوش وحل الدولتين فهذه خدعة أمريكية كبيرة والعرب والفلسطينيون للأسف ابتلعوا الطعم.
أولا، رؤية بوش كانت فتوى أمريكية بوجوب التخلص من ياسر عرفات كشرط لولادة الدولة الفلسطينية، واقرءوا خطاب بوش أو خطاب الرؤية الذي ألقاه في 24 حزيران (يونيو) 2002.
ثانياً، رؤية بوش لم تتضمن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، بل تحدثت عن دولة ذات حدود مؤقتة وهذا ما نصت عليه خارطة الطريق أيضا الدولة المؤقتة ، وكلاهما، رؤية بوش وخارطة الطريق، رئاسة السلطة العتيدة تصر علي أنهما مرجعية المؤتمر والمفاوضات القادمة.
ثالثاً، وبرغم أن رؤية بوش ولدت فاقدة لأي مضمون ينصف الفلسطينيين في ادني الحد الادني من حقهم، فقد تم تفريغها نهائياً من أي محتوي وقطع الطريق علي أي تأويل أو تفسير لصالح الفلسطينيين في التعهدات والضمانات الأمريكية التي قدمها بوش لإسرائيل في رسالته لشارون بتاريخ 14 نيسان (ابريل) 2004 .
ورابعاً، وهو الأخطر ان رؤية بوش لم تصدر لصالح الفلسطينيين، بل كان هدفها من الأساس المحافظة علي يهودية دولة إسرائيل، وتأكيد الانفصال عن الفلسطينيين لقطع الطريق علي العالم حتي لا يفرض علي الإسرائيليين مستقبلاً خيار الدولة الواحدة ، في وقت يكون فيه الميزان الديمغرافي في فلسطين لصالح الشعب الفلسطيني.. لهذا السبب أصبحت الدولة الفلسطينية المزعومة مصلحة إسرائيلية.. شمعون بيريس منذ سنوات قال بالحرف الواحد لكي تبقي إسرائيل دولة يهودية، أخلاقيا وديمغرافياً فهي بحاجة إلى دولة فلسطينية . وشارون اقتنع بهذا الكلام واقنع به بوش.. وزيرة الخارجية الإسرائيلية قالت في مؤتمر الدول المانحة في أيلول (سبتمبر) الماضي في نيويورك مثلما أن الدولة الفلسطينية هي مصلحة إسرائيلية فان امن إسرائيل يجب أن يكون مصلحة فلسطينية أيضا .
وهذا يعني أن فكرة الدولة الفلسطينية مصلحة إسرائيلية أصبحت من المسلمات التي استقر عليها الرأي والتفكير الإسرائيلي والأمريكي أيضا، لذلك جاءت رؤية بوش تقول بدولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل، أي أن دولة الجوار الفلسطينية هي دولة المصلحة الإسرائيلية وهي في التصور الإسرائيلي والأمريكي يجب أن تكون مجزأة، ومنقوصة السيادة، ومنزوعة السلاح، مهمتها إنهاء الصراع، وحماية امن إسرائيل، وفتح بوابة العالم العربي أمامها علي أوسع نطاق، لبناء شبكة مصالح اقتصادية وسياسية وثقافية تصب في خدمة المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة والعالم.. لذلك، فالأمريكيون أيضا من بوش إلى اصغر مسؤول يقولون إن إقامة دولة فلسطينية هي مصلحة أمريكية .. فهل الحلم الفلسطيني والحلم العربي أصبح إقامة دولة المصالح الإسرائيلية والأمريكية التي تحمل اسم فلسطين زوراً وبهتاناً؟! هل هذا ما يريده العرب؟! وهل هذا هو الإجماع العربي المزعوم الذي تحدث عنه سعود الفيصل؟! الم يسمع هؤلاء بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم لا تجتمع أمتي علي ضلالة وليس هناك من ضلالة في تاريخنا اكبر من الاعتراف بشرعية الباطل الذي تمثله إسرائيل!
ألا تعتقد أن هذا كله يصب في خانة المواقف المسبقة أو استباق الأحداث وان طبيعة الدولة وشكلها وحجمها وعاصمتها كلها ستحدد بالتفاوض علي القضايا الجوهرية او ما عرف بقضايا الحل النهائي؟
مرة أخرى أقول هذا ليس استباقاً للأحداث.. أنا أتحدث عن مرجعية المفاوضات التي ستنطلق من انابوليس، إذا كانت المرجعية هي رؤية بوش وخارطة الطريق ، فالأمور ذاهبة حتماً لتصفية قضية فلسطين وانابوليس بداية مراسم الجنازة، ولان فلسطين كبيرة ومهيبة حرصوا أن يشارك في هذه المراسم حشد كبير من أربعين دولة يتقدمهم بنو العمومة علي رأسهم حملة مفاتيح الكعبة.. فهل يعقل أن لا يحضر سدنة البيت الحرام وقبلة المسلمين الثانية مراسم تشييع أو تقديم قبلة المسلمين الأولى علي طبق من فضة للصهاينة لتصبح دولة يهودية خالصة لهم من دون الناس ومن دون عرب أو فلسطينيين؟! ما سيجري في انابوليس هو كرنفال عربي صهيوني تحتفل فيه إسرائيل بعيد ميلادها الستين!
المبادرة
ولكن هناك حديثا أن المبادرة العربية ستكون من ضمن مرجعيات التفاوض؟
المبادرة العربية بنظري أسوأ من رؤية بوش ورسالته لشارون ومن خارطة الطريق ، وحتى من أوسلو، وأيضا من وعد بلفور!! وهذا ليس مبالغة أو تجن علي العرب. بالنسبة لوعد بلفور، فقد رفضه العرب وقالوا عنه أن من لا يملك أعطى من لا يستحق .. وإذا كنا نؤمن بان فلسطين ارض عربية إسلامية، فالمبادرة العربية تعني أن من يملك أعطي من يستحق لان العرب يعرضون هذه المبادرة عن رضي وطيب خاطر، أي أن إسرائيل بنظرهم تستحق ما وهبوه لها من فلسطين إذا استجابت لشروطهم التي لا قيمة لها أمام ما ضاع من فلسطين.
لتوضيح هذا الأمر الهام والخطير أقول: إن العرب بعد هزيمة 67 كان في أجندتهم مطلبان: الأول، ما سمي إزالة آثار العدوان أو انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 67، والمطلب الثاني، حل المسألة الفلسطينية التي بدأت بنكبة عام 1948، ما حدث منذ مدريد، وبعد ذلك تجسد في أوسلو إن العرب دمجوا المطلبين في اقل من مطلب واحد، ما حدث كان فظيعاً ومروعاً وينطوي علي خداع نادراً ما يحدث مثله في تاريخ الشعوب.. فبمجرد اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل طبقاً لأوسلو، وسبقها إلى ذلك مصر في كامب ديفيد ومعاهدة الصلح، فهذا يعني تنازلا عربيا فلسطينيا عن كل حق لنا بفلسطين مرتبط بنكبة عام 1948، وخاصة حق عودة اللاجئين.
الاعتراف بإسرائيل في حدود 48 يعني أن حل المسألة الفلسطينية رُحّل إلى أراضي 67 التي عرفتها أوسلو بأنها أراض متنازع عليها أيضا! الذين صاغوا المبادرة العربية، وأولهم توماس فريدمان كما هو معروف، يعرفون هذا الكلام لذلك تحدثوا عن حل يتفق عليه لقضية اللاجئين، وهذا معناه أن حق العودة لم يعد حقاً ثابتاً لا مساس به، بل أصبح خاضعاً للتفاوض والمساومة، التي تنتهي في ظل ميزان القوة الراهن إلى ما تريده إسرائيل، وهو أن مشكلة اللاجئين تحل خارج ما يسمي ارض إسرائيل .
فالذين صاغوا المبادرة العربية يعرفون أنها لن تؤدي إلى عودة اللاجئين إلى أرضهم وممتلكاتهم، وعليهم أن يستعدوا، أي العرب، وبالذات السعودية ودول الخليج لتمويل ترحيلهم وتوطينهم في بقاع الأرض.. والجديد والخطير جداً أيضا، ما قالته وزيرة الخارجية الإسرائيلية، ليفني مؤخراً أن الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها ستكون حلاً للعرب في إسرائيل وأنا هنا انقل كلامها حرفياً، أي لشعبنا العربي الفلسطيني في مناطق 48.
كيف يمكن أن تكون الدولة الفلسطينية حلاً لفلسطينيي 48، هل المقصود بذلك ترحيلهم، والي أين؟ وهل هذا ممكن؟
إسرائيل لديها معضلة اسمها عرب 48 ، وهي تؤمن أن مفتاح الحل لهذه المعضلة يكمن في فكرة يهودية دولة إسرائيل ونافذة الخطر التي ستهب علينا منها الكارثة أو النكبة الجديدة هي حل الدولتين . ففي حال قامت دولة فلسطينية، أو دولة المصلحة الإسرائيلية كما أسميناها استناداً لكلام الإسرائيليين، سيقول الإسرائيليون لأهلنا في مناطق 48 انتم فلسطينيون وعرب في الأصل والانتماء والهوية، وإسرائيل دولة لليهود لا مكان لكم فيها، اذهبوا إلى دولة الجوار المسخ فهي دولة الفلسطينيين!. وقد لا يحدث هذا الآن، لكن الطريق إلى مثل هذا اليوم تبدأ من انابوليس، وقد بدأ التمهيد لذلك، والسلطة تورطت في أمور خطيرة جداً لا اعرف أن كانت تدري أبعادها أو لا تدري.. أبو مازن في حديث له مع تلفزيون فلسطين يوم 10/10 الماضي تحدث عن أن مساحة الدولة الفلسطينية المنشودة هي مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة البالغة 6205 كم مربع، ولم يربط ذلك بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 أي انه يتحدث عن المساحة ولا يتحدث عن حدود 4 حزيران.. وهو يعني القبول بمبدأ تبادل الأراضي وهذا أمر سيفرض عليهم من باب القبول ببقاء المستوطنات.. هناك حوالي نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية بما في ذلك القدس في حوالي 150 مستوطنة غير البؤر الاستيطانية التي يزيد عددها عن 200 بؤرة. المستوطنات والطرق المؤدية لها ستبقي في كتل استيطانية، واحتفاظ إسرائيل بالمستوطنات يعني ضياع المياه لان إسرائيل تسرق أكثر من 85 % من مياه الضفة الغربية، والمياه المسروقة 70 % منها موجود في الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات، ومن اجل بقاء المستوطنات والتركيز علي المساحة السلطة قبلت بمبدأ تبادل الأراضي.. وحديث أبو مازن الذي أشرت إليه كان واضحاً، وكل همه كان التأكيد علي مبدأ المبادلة بالمثل أي بنسبة 1:1، وهو مبدأ طرحته وثيقة جنيف وعرابها ياسر عبد ربه العضو الرئيس في الفريق المفاوض لدي أبو مازن.. ولكن في أي اتجاه سيتم التبادل؟
هناك حديث عن اتجاهين: الأول، أعطاء الفلسطينيين جزءا من أراضي النقب الصحراوية بمحاذاة جنوب القطاع وقريباً من مصر، والاتجاه الثاني، مبادلة وضم أراض ذات كثافة سكانية في منطقة المثلث من مناطق 48 إلي مناطق السلطة أو الدولة أو الامبراطورية الفلسطينية، سمها ما شئت! المهم أن يتم التخلص من فلسطينيي 48 ولو علي مراحل. ما أريد أن اخلص إليه هنا، أن القبول بمبدأ تبادل الأراضي سيقود بشكل أو بآخر إلى مبدأ تبادل السكان وبنظري فان الذي يقبل بالتنازل عن الأرض ابتداءً أو تبادلاً والتي هي عقدة الصراع، فان تبادل أو حركة السكان لن تعني له الكثير، وطالما انه فتح باب المقايضة والتبادل، فهذا سيفتح شهية إسرائيل لتنفيذ مشروع ترانسفير عرب 48 عاجلاً أو آجلاً.
هناك من يتحدث عن ترانسفير آخر إلى الأردن، وأنت ذكرت في الجزيرة أن الأردن سيكون له دور في أي حل نهائي أو مرحلي، هل لديكم معلومات عن ذلك أو ما هي المعطيات التي استندتم إليها في حديثكم؟
المعطيات موجودة في المرجعيات التي يستندون إليها في انابوليس والمفاوضات التي ستنجم عنه، وفي سلوك الأطراف المختلفة.. في رؤية بوش هناك حديث واضح عن دور للأردن ومصر في أية ترتيبات تتعلق بالاستقلال كما سماه، أي بالحل النهائي.. وهذا نفسه بالمناسبة، موجود في اتفاقية كامب ديفيد عندما تحدثت عن حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة والقطاع.. وطالما أن العرب ومنظمة التحرير قبلوا بأن حل المسألة الفلسطينية يتم في الضفة والقطاع، أي خارج حدود إسرائيل التي اعترفوا بها، فالضفة قبل 67 كانت تحت السيادة الأردنية، وقطاع غزة تحت الحكم المصري. فطبيعي من وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية أن يكون للطرفين دور في أي حل يتعلق بمصير الضفة وغزة.. بالنسبة لإسرائيل غزة ليست هدفاً، بل عبء تخلصت منه ليتحول إلى محرقة للفلسطينيين ينهكون أنفسهم بأنفسهم ومصر غير معنية بالتورط في إدارة غزة.. المهم والمعضلة الكبيرة لإسرائيل هي الضفة.. انابوليس الآن ستعزز وضع أبو مازن في الضفة بدعم اقتصادي وبدور امني جديد سيصبح فيه سلام فياض وحكومته انطوان لحد جديدا في فلسطين في ملاحقة وقمع المقاومة بالشراكة مع أو بالنيابة عن إسرائيل.
وخشية أن لا تفلح سلطة أبو مازن في القيام بهذا الدور، فان الإسرائيليين يطمحون بمساعدة أردنية لدعم سلطة رام الله.. بعد استيلاء حماس علي غزة، اولمرت بحث في شهر تموز (يوليو) الماضي مع الملك عبدالله إرسال جنود أردنيين نظاميين من البدو لديهم خبرة في مكافحة الإرهاب.. ولمساعدة سلطة عباس في الضفة هذا الكلام حرفياً نشرته صحيفة جيروزاليم بوست يوم 30 تموز (يوليو) الماضي. فالحديث عن دور للأردن في أي حل نهائي بات في حكم المؤكد من وجهة النظر الإسرائيلية والأمريكية لكن هل يقبل الأردن بذلك؟! هذه مسألة أخرى.
وأنا اعتقد أن هناك فخاً ينصب للأردن، لان القبول بأي دور في حلول إسرائيلية للقضية الفلسطينية سينتهي بأن يهيل كل الغبار والتراب علي رأس الأردن وتطبيق فكرة الوطن البديل ، وهنا يمكن أن نصل إلى لحظة الترانسفير التي يتحدثون عنها.. متى تحدث، وفي أي ظرف إقليمي ودولي؟ الله اعلم! المهم أنها حاضرة في الذهن الإسرائيلي.. الم يعلن قائد المنطقة الوسطي الصهيوني الجنرال يائير نافيه في ربيع 2006 في محاضرة له في القدس ان ملك الأردن عبدالله سيكون آخر ملوك السلالة الهاشمية ويومها حدثت أزمة في العلاقات بين الأردن وإسرائيل تم تجاوزها، لكن ليس هناك ما يؤكد أن هذه القناعة مسحت من رأس الإسرائيليين، فالعقل الإسرائيلي في الأساس نشأ علي أن فلسطين الانتدابية كانت تضم الأردن وفلسطين، وعليه هم كانوا يعتبرون أن الأردن مشمولة بوعد بلفور أي أنها جزء من الوطن القومي اليهودي الموعود، وأنهم عندما رضخوا للتفسير البريطاني بوعد بلفور والذي أصر عليه تشرتشل، باستثناء الأردن من الوطن القومي، اعتبر اليهود أنفسهم أنهم قدموا تنازلاً إقليميا وان الأردن اقتطعت من جسد وطنهم المزعوم، لأهداف حددها تشرتشل كما قال في مذكراته من اجل امتصاص آثار قيام دولة إسرائيل في المنطقة .. فإسرائيل تعتبر أن الأردن لها للنهر ضفتان أحداهما لنا الأخرى لنا أيضا وأنها الوديعة المدخرة لساعة الخطر الوجودي والحقيقي علي إسرائيل، بان يفرض علي العالم يومها أن كان ولابد من إزالة أي كيان في المنطقة من اجل حل تاريخي ونهائي لقضية فلسطين فهو ليس إسرائيل، بل الأردن الذي تنازلت عنه إسرائيل من وطنها القومي المزعوم وأبقته لهذه الساعة! هكذا يفكر الإسرائيليون منذ بداية الصراع إلي اليوم.
إسقاط خيار الدولتين
حتي لا نصل إلي هذه الساعة، ما هو البديل بنظركم، وما العمل؟ هل البديل هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر كما تقولون انتم وبعض الفصائل، هل هذا الطرح واقعي، ويمكن أن ينبني عليه برنامج يمكن أن يسترد حقوق الشعب الفلسطيني؟
أولا، بالنسبة لتحرير فلسطين كهدف أصبح من المحرمات أو كأنه جريمة في نظر الواقعيين نحن نميز بين أمرين هامين: الأول، عدالة الهدف، والثاني، إمكانية تحقيقه.. وأنا هنا اسأل كل عربي وكل فلسطيني وكل مسلم وكل إنسان حر في هذا العالم، هل هدف تحرير فلسطين، هل هو هدف عادل أم لا؟! كل من لا يعتقد بعدالة هذا الهدف، فهو إذن يعترف بعدالة المشروع الصهيوني وأهدافه التي قامت علي أنقاض شعبنا ووطننا.. أما الأمر الثاني، فنحن نسلم أن هدف التحرير الكامل غير ممكن اليوم في ظل الانهيار العربي المرّوع، ولكن عدم إمكانية تحقيق الهدف لا تلغي عدالته وبالتالي لا تلغيه ولا تسحبه من التداول. ثانياً، فلسطين قضية وليست برنامجاً.. عندما تحولت فلسطين من قضية إلى برنامج، كما هو في البرنامج المرحلي عام 1974 تم التأسيس لكل الخراب والضياع الجاري والقادم مما تحدثنا عنه من مخاطر قادمة. البرنامج المرحلي هو الذي وضع حجر الأساس لدولة المصلحة الإسرائيلية والبرنامج المرحلي الذي تم تفصيله للضفة وغزة هو الذي اسقط عرب 48 من أجندة النضال الوطني الفلسطيني وأغفلهم كما لو كانوا فعلاً مواطنين إسرائيليين، واليوم ذيول البرنامج المرحلي تؤسس في انابوليس لترحيلهم واقتلاعهم من أرضهم.. البرنامج المرحلي هو الذي اسقط اللاجئين وفلسطينيي والشتات لأنه خاص بالضفة والقطاع.. البرنامج المرحلي هو الذي أسس لأوسلو ورؤية بوش وكل البلاء الواقع بالشعب الفلسطيني. إذا أردنا أن نقول بكلمات محدودة ما العمل اولاً وقبل كل شيء يجب أن نكف عن تسويق الوهم ونسقط خيار الدولتين ، فهو خطير جداً وسينتهي بدولة وظيفية مهمتها تصفية قضية فلسطين.. وهذا لا يعني أننا نقبل بخيار الدولة الواحدة أو ما يسمي بالدولة ثنائية القومية أو الدولة الديمقراطية.. كل هذه الخيارات التي تعترف بالحق اليهودي في فلسطين مرفوضة.. البديل بنظرنا، أن يبقي باب الصراع مفتوحاً.. نحن لا نطالب العرب أن يخوضوا حروباً شاملة وهم علي هذه الحال، ولا حتي حروباً محدودة.. لكن نطالبهم أن يتركوا الشعوب تقاوم ولا تقطعوا عليها الطريق بالأكاذيب والأوهام وسراب التسوية الذي افتضح زيفه ألف مرة.. وهذه ليست شعارات أو خيالات من نوع آخر، حزب الله خاض حرباً محدودة ضد الدولة العبرية وانتصر.. الانتفاضة فعلت العجائب في الكيان الصهيوني ومزقت أحشاءه وصنعت ميزاناً للرعب معه، كل هذا اليوم يباع في انابوليس التي يريدونها محطة جديدة لإعلان هزيمة خيار المقاومة والانتفاضة وإحياء عملية التسوية أو مسلسل الكابوس الفلسطيني الذي بدأته أوسلو.. لكن نحو نؤكد أن هذا لن يحدث، ولن يمر وقت طويل حتي يذوب الثلج ويبان المرج كما يقولون، ليكتشف الذاهبون إلي أوسلو أنهم عادوا بأقل من خُفي حنين.
وماذا عن القدس في مؤتمر انابوليس وما يتبعه خاصة في ظل المخططات الإسرائيلية التي تهدد المسجد الأقصى؟
ليس هناك قدس في المفاوضات القادمة.. وإذا أردنا أن نعرف موقف الإسرائيليين من هذه المسألة اذكر بما حدث في كامب ديفيد.. ربما لا يعرف الناس حجم ما أعطاهم إياه ياسر عرفات لكنهم رفضوا التنازل عن قناعتهم بان القدس يجب أن تظل موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل.. حتي حائط البراق الذي يسميه الإسرائيليون حائط المبكي تنازل عنه لهم، ويلحق به منطقة سلوان وباب المغاربة ومحيط المسجد الأقصى وحي المغاربة والحي اليهودي وجبل الزيتون، ولم يبق إلا الحرم القدسي، فطرح باراك يومها تقسيمه علي أساس أن المسجد الأقصى مبني علي ما يزعم الإسرائيليون انه الهيكل ، فاقترح أن يسيطر الفلسطينيون علي مبني المسجد الأقصى والصخرة المشرفة، فيما تكون الملكية والسيادة علي الأرض من تحته لليهود ويقومون ببناء كنيس يضم أجزاء من الهيكل المزعوم.. ووافق كلينتون يومها علي ذلك ودعم باراك، وطلب من عرفات الرضوخ لذلك، لكن عرفات رفض وقال له عندها ادعوك إلى المشاركة في جنازتي إذا وقعت علي هذا .
ماذا كانت النتيجة؟ سار الفلسطينيون في جنازة عرفات ولم يسر كلينتون! لان إسرائيل أخذت بفتوى بوش في رؤيته وتخلصت من عرفات بالسم.. وسواء سار الأمريكيون أو الفلسطينيون في جنازة عرفات أو أي مفاوض آخر، فان ما يهم الإسرائيليين ان يسير العالم كله في جنازة القدس وجنازة فلسطين التي بدأت مراسمها من انابوليس.. لكن هذا بإذن الله لن يحدث.. ولن يمر وقت طويل حتي يسير الشعب الفلسطيني في جنازة انابوليس، الذي سيسقط كما سقط غيره من المؤتمرات والمشاريع التي ترفع دقات جرس الإنذار كي يصحو الشعب والأمة من الكابوس الإسرائيلي الأمريكي المهيمن علي المنطقة والعالم.
نقلا عن القدس العربي
تعليق