وبعد أن تكشف للعالم عوار هذه الحركة الخبيثة, وظهر للعيان مدى بشاعة ما ارتكبوه من جرائم ومجازر في حق أهل السنة من الفلسطينيين؛ فقد مجها الناس, واحترق الكرت الذي تلعب به إيران, لذا كان لزاماً عليها أن تستحدث طريقة أخرى, وحركة أخرى تختلف عن ظاهر توجهها عن "حركة أمل".
هذه المرة لابد من اللعب على وتر التقارب الشيعي السني, والدعوة إلى الوحدة وإعلان الحرب على إسرائيل, والمطالبة بتحرير فلسطين من إسرائيل؛ فتمت إجتماعات سرية في إيران تم من خلالها التحضير لولادة حركة جديدة قررتها إيران الأم، يترأسها أعضاء جدد لامعين ومفوهين.
فعلاقة "حزب الله" بإيران علاقة الفرع بالأصل.
ففي البيان التأسيسي للحزب, والذي جاء بعنوان: "من نحن وما هي هويتنا"، عرف الحزب بنفسه فقال: (نحن أبناء أمة "حزب الله" التي نصر الله طليعتها في إيران وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائع، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله, مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة).
وقد عبر "إبراهيم الأمين" - وهو قيادي في الحزب - عن هذا التوجه فقال: (نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان, ولبنان في إيران)!
نقول: إذا كانت الثورة الإيرانية بقيادة "الخميني" قد وقفت مواقف العداء من أهل السنة، وقامت بإحداث بلابل وفوضى وتفجيرات داخل عدد من البلدان - كما حصل في البحرين والكويت واليمن وأفغانستان والعراق, وفي مكة المكرمة في الشهر الحرام وفي البلد الحرام - فإن هذه السياسة تعتبر ديناً يدين به رافضة إيران والذي يتفرع منه "حزب الله"، الذي اعترف من خلال قيادته بإنتمائه وموافقته لإيران, فكل عدو لإيران هو عدو لـ "حزب الله".
فـ "حزب الله" عدو لأهل السنة, وإن تستر بمائة تقية, لا ينخدع به إلا غافل صاحب هوى, أو ساذج أخو جهل.
فعلى هامش المؤتمر الأول للمستضعفين اجتمع "الخميني" بعدد من علماء ودعاة الشيعة الذين شاركوا في هذا المؤتمر, وكان من بينهم محمد حسين فضل الله, وصبحي الطفيلي, وممثل "حركة أمل" في طهران إبراهيم أمين, وتدارس معهم الخطوات الأولى اللازمة من أجل إنشاء هذا الحزب الجديد, ثم عاد الوفد إلى لبنان وكثف من إتصالاته مع وجهاء وعلماء الطائفة الذين لم يشاركوا في لقاء طهران, ثم تكرر لقاؤهم بـ "الخميني"، ووضعوا وإياه الخطوط العريضة لـ "حزب الله".
يقول أحمد الموسوي في مقال له بمجلة "الشراع": "من أنتم؟ حزب الله": (ثم استكملت الخطوط التنظيمية الأولى باختيار هيئة قيادية للحزب، ضمت 12 عضواً، هم؛ عباس الموسوي, وصبحي الطفيلي, و "حسين الموسوي", وحسن نصر الله, وحسين خليل, وإبراهيم أمين, وراغب حرب, ومحمد يزبك, ونعيم قاسم, وعلي كوراني, ومحمد رعد, ومحمد فنيش).
ولم يكن هؤلاء وحدهم نواة التأسيس لـ "حزب الله", إنما كان معهم عشرات من الكوادر والشخصيات الإسلامية الأخرى من "حركة أمل", و "حزب الدعوة", وقوىً ومجموعات تبلورت شخصيتها الإسلامية السياسية مع الثورة الإسلامية وقائدها الإمام "الخميني", وكوادر أمنيةً أخرى ما زالت أسماؤها طي الكتمان.
وبالفعل قامت إيران بتأسيس "حزب الله" وقامت بتمويل هذا الحزب وتأمين كافة احتياجاته عسكرياً واجتماعياً, وأغدقت عليه الأموال الطائلة, وهي تعول على هذا الحزب الآمال الكبار, وبلغ دعم إيران للحزب أوجه في هذه المرحلة.
وقد جاء في تقرير وجهه أحد الدبلوماسيين الأوربيين إلى حكومته في مطلع صيف 1986م، وكشف فيه كذلك الدور السوري في رعايته لهذا الحزب, ما يلي: (تقوم طائرات الشحن الإيرانية من طراز "بوينج 747" بالإقلاع والهبوط ثلاث مرات في الأسبوع على طرف مدرج مطار دمشق، ناقلة حمولات غامضةً؛ فالبضائع التي تفرغ عبارة عن أسلحة خفيفة مرسلة إلى حراس الثورة الذين يشرفون على تدريب أتباع "حزب الله" في معسكر الزبداني بالقرب من دمشق, أوفي المعسكرات الكائنة في منطقة بعلبك، أما البضائع المحملة فهي مدافع هاون, وصواريخ مضادة للطيران من طراز "سات"، كذلك يحفل ميناء اللاذقية بنشاط من هذا النوع).
وقد بلغ مقدار التكاليف المادية التي تصبها إيران لصالح "حزب الله" عام 1990 للميلاد؛ بثلاثة ملايين دولار ونصف المليون, حسب بعض التقديرات، وخمسين مليون عام 1991م، وقدرت بمائة وعشرين مليونا في عام 1992م، ومائة وستين في عام 1993م، وتشير بعض المصادر إلى ارتفاع ميزانية "حزب الله" في عهد رفسنجاني إلى 280 مليون دولار.
هذه الميزانية الكبيرة؛ جعلت الحزب يهتم فقط بالأوامر التي تملى عليه دون التدخل في نزاعات داخلية ضيقة, وساعدته على توسيع قاعدته المقاتلة والشعبية؛ فاشترى ولاء الناس وحاجتهم, وضمن ولاءهم وإخلاصهم له، فهم منه وهو منهم, وقد ظهر أثر ضخامة تلك التكاليف على واقعهم المعيشي حتى باتوا يشكلون دولةً مستقلةً داخل لبنان؛ فظهرت المؤسسات الصحية والاجتماعية والتربوية.
وقد تزامن تأسيس هذه الحركة, وهذا الحزب عام 1982م مع الاجتياح الصهيوني للبنان؛ ما يعطي دلالةً خطيرةً على العلاقة بين الحزب وبين إسرائيل, وذلك حتى تكون الغطاء الواقي الذي يستر الجيش الصهيوني من ضربات المجاهدين في لبنان, ولكن بطريقة تختلف تماماً عن "حركة أمل" المحروقة... فهذه المرة زعم "حزب الله" بأنه القادر على التصدي لضربات الكيان الصهيوني, وإخراجه من جنوب لبنان, وراحوا يرفعون شعارات كاذبةً ينادون فيها بتحرير فلسطين... كل فلسطين, وتوعد الكيان الصهيوني بالويل والثبور.
بينما هم في الواقع؛ يقفون كحاجز أمني، لا يسمحون لأهل السنة بتخطي الحدود, ولا مواجهة الإسرائيليين.
وقد قام الحزب بافتعال بعض الأكاذيب والفقاعات الدعائية الكاذبة لتلميع الحزب إعلاميًا, وشد الجماهير إليه، ومن ذلك:
أولاً: أكذوبة تحرير جنوب لبنان ودحر المحتل الصهيوني, علماً بأن كبار ضباط الجيش الصهيوني اعترفوا على الملأ وفي وسائل الإعلام المختلفة بأن انسحابهم من الجنوب لم يكن بسبب قوة "حزب الله", وإنما جاءت أوامر القيادة والألوية بالانسحاب والخروج, عند ذلك دخل "حزب الله"... إذن؛ بعد الانسحاب الصهيوني, وليس قبله ولا أثناءه دخل "حزب الله" للجنوب اللبناني يصطحب معه هالةً إعلاميةً مأجورةً من أجل التصوير الدعائي للحزب على أنه من المحاربين الفاتحين.
ثانيًا: أكذوبة القتلى الـذين يسقطون من الطرفين - "حزب الله" والكيان الصهيوني - وذلك حقيقة لا خيال, ولكن هؤلاء القتلى الذين يسقطون هم من الجنود الذين لا يعرفون بمخططات أسيادهم وقادتهم, وهم وعددهم محدود جدا بالنسبة لقتلى الأطراف المتحاربة الحقيقية, وما هم إلا كبش فداء يضحون بهم من أجل استدامة مصالحهم غير المعلنة باطنًا, ومن أجل إظهارهم كطرفي حرب ظاهراً.
وهاهو القناع بادياً في الانكشاف والسقوط لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد... فبعد أن كان حسن نصر الله يدندن في خطبه على وتر القضية الفلسطينية, وينادي بتحرير فلسطين كلها بدأ الخطاب بالتراجع والانكماش, وهاهو الحزب يعلن عدة مرات أنه لا دخل له في الشؤون الخارجية, وأن مهمته هي تحرير أرضه وليس تحرير فلسطين, وبعد أن كان الخطاب متوجهاً إلى تحرير فلسطين كلها حصر الأمر على الاكتفاء ببيت المقدس, واتخذوا من ذلك مجرد شعار رمزي دعائي ليستمر كذبهم على الجماهير الساذجة واكتفوا بالاكتفاء بما يسمى يوم القدس العالمي, ويجعلون من هذا اليوم يوم استعراض عسكري.
لماذا يستثنى "حزب الله" فلا تطبق عليه بنود اتفاقية الطائف, والتي تقضي بنزع سلاح جميع المليشيات، ومن وراء الأمر بإبقاء... بل بجلب السلاح له؟
يقول المثل: إذا اختلف السراق ظهر المسروق, ويقال: الاعتراف سيد الأدلة... ولا أحسن من شهادة من يشهد بالحق على أهله, فاستمعوا إلى الكلام الخطير الذي قاله الأمين العام الأول لـ "حزب الله" "صبحي الطفيلي" بعد أن عارض الحزب في كثير من توجهاته, في لقاء له مع "قناة الجزيرة الفضائية": (لو كان أناس غير "حزب الله" على الحدود - يقصد الفلسطينيين وأهل السنة - لما توقفوا عن قتال إسرائيل مطلقاً, والآن إذا أرادوا الذهاب يعتقلهم الحزب, ويسلمهم إلى الأمن اللبناني, وتقولون لي؛ إنه لا يدافع عن إسرائيل؟!) اهـ.
وتزامن هذا الكلام الخطير مع مقال للعميد "سلطان أبي العينين", أمين سر حركة فتح في لبنان نشرته جريدة "القدس العربي" في 5/4/2004م بعنوان: "حزب الله يحبط عمليات المقاومة الفلسطينية من الجنوب" قال فيه: ("حزب الله" قال: سنكون إلى جانبكم عند المحن، ولكننا منذ ثلاثة أعوام نعيش الشدائد، ولم نعد نقبل شعارات مزيفةً من أحد, ففي الأسبوع الأخير؛ أحبط "حزب الله" أربع محاولات فلسطينيةً على الحدود, وقامت عناصر "حزب الله" باعتقال المقاومين الفلسطينيين, وتقديمهم للمحاكمة).
وأكد أبو العينيين؛ أن الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في أيار تم بترتيبات أمنية واتفاق أمني بأن لا تطلق طلقة واحدة على شمال فلسطين من جنوب لبنان, وهذا الاتفاق يطبق منذ الانسحاب الإسرائيلي, فلم يتمكن أي مقاوم من اختراق الحدود الشمالية, وجرت أكثر من محاولة من جميع الفصائل الفلسطينية, وجميعها أحبطت من "حزب الله" وقدمت إلى المحكمة.
وأضاف: (إن "حزب الله" يريد المقاومة كوكالة حصرية له, وحصرًا في مزارع شبعا, ولا ينتظر أحد من "حزب الله" أن يقوم بقصف شمال فلسطين بالصواريخ, وأنا شاهد على ما يجري, وأشار إلى أن سيطرة "حزب الله" على المقاومة من الجنوب اللبناني نابعة من اتفاقيات وترتيبات أمنيةً, أي اتفاقات مع إسرائيل بواسطة طرف ثالث).
وقال: (على الشعب الفلسطيني أن لا يعول على "حزب الله" ولا على حزب الشيطان, بل عليه الاتكال على نفسه فقط، لأن لـ "حزب الله" أولوياته ومواقفه السياسية, وهو يريد أن يقاتل بآخر فلسطيني منا على آخر فلسطين, ونحن نريد من "حزب الله" موقفاً صريحاً وواضحاً) اهـ.
وأخيرًا نقول؛ هل يعقل أن يكون الحزب عدوا لدوداً للكيان الصهيوني كما يزعمون، ثم يقوم هذا الحزب باستعراض عسكري حاشد في ميدان واسع في بيروت تنقله القنوات الفضائية نقلاً مباشراً؛ يجلس فيه حسن نصر الله على منصته وحوله حاشيته وضيوفه، وتمر من أمامه الفرق والكتائب والسرايا العسكرية، تهتف وتتوعد بالموت لإسرائيل, ثم تقف إسرائيل طيلة هذه السنوات موقف المتفرج ومكتوفة الأيدي عاجزةً عن صنع أي شيء حيال هذا العدو القادم؟! وهي التي لم تحتمل رجلًا مقعداً على كرسيه الصغير المتحرك؛ فاغتالته عن بعد في ظلمة الفجر!
ثم لماذا كل هذا الاهتمام من جانب الدولة الرافضية بلبنان؟
يجيب عن هذا التساؤل حجة إسلامهم "روحاني" - سفير إيران في لبنان - في مقابلة أجرتها معه صحيفة "إطلاعات" الإيرانية في نهاية الشهر الأول من عام 1984 م.
يقول روحاني عن لبنان: (لبنان يشبه الآن إيران عام 1977م, ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا, وبسبب موقع لبنان، وهو قلب المنطقة, وأحد هم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية فسوف يتبعه الباقون).
ويقول: (لقد تمكنا عن طريق سفارتنا في بيروت من توحيد آراء السنة والشيعة حول الجمهورية الإسلاميةو الإمام الخميني", والآن غالبية خطباء السنة يمتدحون "الإمام الخميني" في خطبهم) اهـ.
هذه المرة لابد من اللعب على وتر التقارب الشيعي السني, والدعوة إلى الوحدة وإعلان الحرب على إسرائيل, والمطالبة بتحرير فلسطين من إسرائيل؛ فتمت إجتماعات سرية في إيران تم من خلالها التحضير لولادة حركة جديدة قررتها إيران الأم، يترأسها أعضاء جدد لامعين ومفوهين.
فعلاقة "حزب الله" بإيران علاقة الفرع بالأصل.
ففي البيان التأسيسي للحزب, والذي جاء بعنوان: "من نحن وما هي هويتنا"، عرف الحزب بنفسه فقال: (نحن أبناء أمة "حزب الله" التي نصر الله طليعتها في إيران وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائع، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله, مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة).
وقد عبر "إبراهيم الأمين" - وهو قيادي في الحزب - عن هذا التوجه فقال: (نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان, ولبنان في إيران)!
نقول: إذا كانت الثورة الإيرانية بقيادة "الخميني" قد وقفت مواقف العداء من أهل السنة، وقامت بإحداث بلابل وفوضى وتفجيرات داخل عدد من البلدان - كما حصل في البحرين والكويت واليمن وأفغانستان والعراق, وفي مكة المكرمة في الشهر الحرام وفي البلد الحرام - فإن هذه السياسة تعتبر ديناً يدين به رافضة إيران والذي يتفرع منه "حزب الله"، الذي اعترف من خلال قيادته بإنتمائه وموافقته لإيران, فكل عدو لإيران هو عدو لـ "حزب الله".
فـ "حزب الله" عدو لأهل السنة, وإن تستر بمائة تقية, لا ينخدع به إلا غافل صاحب هوى, أو ساذج أخو جهل.
فعلى هامش المؤتمر الأول للمستضعفين اجتمع "الخميني" بعدد من علماء ودعاة الشيعة الذين شاركوا في هذا المؤتمر, وكان من بينهم محمد حسين فضل الله, وصبحي الطفيلي, وممثل "حركة أمل" في طهران إبراهيم أمين, وتدارس معهم الخطوات الأولى اللازمة من أجل إنشاء هذا الحزب الجديد, ثم عاد الوفد إلى لبنان وكثف من إتصالاته مع وجهاء وعلماء الطائفة الذين لم يشاركوا في لقاء طهران, ثم تكرر لقاؤهم بـ "الخميني"، ووضعوا وإياه الخطوط العريضة لـ "حزب الله".
يقول أحمد الموسوي في مقال له بمجلة "الشراع": "من أنتم؟ حزب الله": (ثم استكملت الخطوط التنظيمية الأولى باختيار هيئة قيادية للحزب، ضمت 12 عضواً، هم؛ عباس الموسوي, وصبحي الطفيلي, و "حسين الموسوي", وحسن نصر الله, وحسين خليل, وإبراهيم أمين, وراغب حرب, ومحمد يزبك, ونعيم قاسم, وعلي كوراني, ومحمد رعد, ومحمد فنيش).
ولم يكن هؤلاء وحدهم نواة التأسيس لـ "حزب الله", إنما كان معهم عشرات من الكوادر والشخصيات الإسلامية الأخرى من "حركة أمل", و "حزب الدعوة", وقوىً ومجموعات تبلورت شخصيتها الإسلامية السياسية مع الثورة الإسلامية وقائدها الإمام "الخميني", وكوادر أمنيةً أخرى ما زالت أسماؤها طي الكتمان.
وبالفعل قامت إيران بتأسيس "حزب الله" وقامت بتمويل هذا الحزب وتأمين كافة احتياجاته عسكرياً واجتماعياً, وأغدقت عليه الأموال الطائلة, وهي تعول على هذا الحزب الآمال الكبار, وبلغ دعم إيران للحزب أوجه في هذه المرحلة.
وقد جاء في تقرير وجهه أحد الدبلوماسيين الأوربيين إلى حكومته في مطلع صيف 1986م، وكشف فيه كذلك الدور السوري في رعايته لهذا الحزب, ما يلي: (تقوم طائرات الشحن الإيرانية من طراز "بوينج 747" بالإقلاع والهبوط ثلاث مرات في الأسبوع على طرف مدرج مطار دمشق، ناقلة حمولات غامضةً؛ فالبضائع التي تفرغ عبارة عن أسلحة خفيفة مرسلة إلى حراس الثورة الذين يشرفون على تدريب أتباع "حزب الله" في معسكر الزبداني بالقرب من دمشق, أوفي المعسكرات الكائنة في منطقة بعلبك، أما البضائع المحملة فهي مدافع هاون, وصواريخ مضادة للطيران من طراز "سات"، كذلك يحفل ميناء اللاذقية بنشاط من هذا النوع).
وقد بلغ مقدار التكاليف المادية التي تصبها إيران لصالح "حزب الله" عام 1990 للميلاد؛ بثلاثة ملايين دولار ونصف المليون, حسب بعض التقديرات، وخمسين مليون عام 1991م، وقدرت بمائة وعشرين مليونا في عام 1992م، ومائة وستين في عام 1993م، وتشير بعض المصادر إلى ارتفاع ميزانية "حزب الله" في عهد رفسنجاني إلى 280 مليون دولار.
هذه الميزانية الكبيرة؛ جعلت الحزب يهتم فقط بالأوامر التي تملى عليه دون التدخل في نزاعات داخلية ضيقة, وساعدته على توسيع قاعدته المقاتلة والشعبية؛ فاشترى ولاء الناس وحاجتهم, وضمن ولاءهم وإخلاصهم له، فهم منه وهو منهم, وقد ظهر أثر ضخامة تلك التكاليف على واقعهم المعيشي حتى باتوا يشكلون دولةً مستقلةً داخل لبنان؛ فظهرت المؤسسات الصحية والاجتماعية والتربوية.
وقد تزامن تأسيس هذه الحركة, وهذا الحزب عام 1982م مع الاجتياح الصهيوني للبنان؛ ما يعطي دلالةً خطيرةً على العلاقة بين الحزب وبين إسرائيل, وذلك حتى تكون الغطاء الواقي الذي يستر الجيش الصهيوني من ضربات المجاهدين في لبنان, ولكن بطريقة تختلف تماماً عن "حركة أمل" المحروقة... فهذه المرة زعم "حزب الله" بأنه القادر على التصدي لضربات الكيان الصهيوني, وإخراجه من جنوب لبنان, وراحوا يرفعون شعارات كاذبةً ينادون فيها بتحرير فلسطين... كل فلسطين, وتوعد الكيان الصهيوني بالويل والثبور.
بينما هم في الواقع؛ يقفون كحاجز أمني، لا يسمحون لأهل السنة بتخطي الحدود, ولا مواجهة الإسرائيليين.
وقد قام الحزب بافتعال بعض الأكاذيب والفقاعات الدعائية الكاذبة لتلميع الحزب إعلاميًا, وشد الجماهير إليه، ومن ذلك:
أولاً: أكذوبة تحرير جنوب لبنان ودحر المحتل الصهيوني, علماً بأن كبار ضباط الجيش الصهيوني اعترفوا على الملأ وفي وسائل الإعلام المختلفة بأن انسحابهم من الجنوب لم يكن بسبب قوة "حزب الله", وإنما جاءت أوامر القيادة والألوية بالانسحاب والخروج, عند ذلك دخل "حزب الله"... إذن؛ بعد الانسحاب الصهيوني, وليس قبله ولا أثناءه دخل "حزب الله" للجنوب اللبناني يصطحب معه هالةً إعلاميةً مأجورةً من أجل التصوير الدعائي للحزب على أنه من المحاربين الفاتحين.
ثانيًا: أكذوبة القتلى الـذين يسقطون من الطرفين - "حزب الله" والكيان الصهيوني - وذلك حقيقة لا خيال, ولكن هؤلاء القتلى الذين يسقطون هم من الجنود الذين لا يعرفون بمخططات أسيادهم وقادتهم, وهم وعددهم محدود جدا بالنسبة لقتلى الأطراف المتحاربة الحقيقية, وما هم إلا كبش فداء يضحون بهم من أجل استدامة مصالحهم غير المعلنة باطنًا, ومن أجل إظهارهم كطرفي حرب ظاهراً.
وهاهو القناع بادياً في الانكشاف والسقوط لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد... فبعد أن كان حسن نصر الله يدندن في خطبه على وتر القضية الفلسطينية, وينادي بتحرير فلسطين كلها بدأ الخطاب بالتراجع والانكماش, وهاهو الحزب يعلن عدة مرات أنه لا دخل له في الشؤون الخارجية, وأن مهمته هي تحرير أرضه وليس تحرير فلسطين, وبعد أن كان الخطاب متوجهاً إلى تحرير فلسطين كلها حصر الأمر على الاكتفاء ببيت المقدس, واتخذوا من ذلك مجرد شعار رمزي دعائي ليستمر كذبهم على الجماهير الساذجة واكتفوا بالاكتفاء بما يسمى يوم القدس العالمي, ويجعلون من هذا اليوم يوم استعراض عسكري.
لماذا يستثنى "حزب الله" فلا تطبق عليه بنود اتفاقية الطائف, والتي تقضي بنزع سلاح جميع المليشيات، ومن وراء الأمر بإبقاء... بل بجلب السلاح له؟
يقول المثل: إذا اختلف السراق ظهر المسروق, ويقال: الاعتراف سيد الأدلة... ولا أحسن من شهادة من يشهد بالحق على أهله, فاستمعوا إلى الكلام الخطير الذي قاله الأمين العام الأول لـ "حزب الله" "صبحي الطفيلي" بعد أن عارض الحزب في كثير من توجهاته, في لقاء له مع "قناة الجزيرة الفضائية": (لو كان أناس غير "حزب الله" على الحدود - يقصد الفلسطينيين وأهل السنة - لما توقفوا عن قتال إسرائيل مطلقاً, والآن إذا أرادوا الذهاب يعتقلهم الحزب, ويسلمهم إلى الأمن اللبناني, وتقولون لي؛ إنه لا يدافع عن إسرائيل؟!) اهـ.
وتزامن هذا الكلام الخطير مع مقال للعميد "سلطان أبي العينين", أمين سر حركة فتح في لبنان نشرته جريدة "القدس العربي" في 5/4/2004م بعنوان: "حزب الله يحبط عمليات المقاومة الفلسطينية من الجنوب" قال فيه: ("حزب الله" قال: سنكون إلى جانبكم عند المحن، ولكننا منذ ثلاثة أعوام نعيش الشدائد، ولم نعد نقبل شعارات مزيفةً من أحد, ففي الأسبوع الأخير؛ أحبط "حزب الله" أربع محاولات فلسطينيةً على الحدود, وقامت عناصر "حزب الله" باعتقال المقاومين الفلسطينيين, وتقديمهم للمحاكمة).
وأكد أبو العينيين؛ أن الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في أيار تم بترتيبات أمنية واتفاق أمني بأن لا تطلق طلقة واحدة على شمال فلسطين من جنوب لبنان, وهذا الاتفاق يطبق منذ الانسحاب الإسرائيلي, فلم يتمكن أي مقاوم من اختراق الحدود الشمالية, وجرت أكثر من محاولة من جميع الفصائل الفلسطينية, وجميعها أحبطت من "حزب الله" وقدمت إلى المحكمة.
وأضاف: (إن "حزب الله" يريد المقاومة كوكالة حصرية له, وحصرًا في مزارع شبعا, ولا ينتظر أحد من "حزب الله" أن يقوم بقصف شمال فلسطين بالصواريخ, وأنا شاهد على ما يجري, وأشار إلى أن سيطرة "حزب الله" على المقاومة من الجنوب اللبناني نابعة من اتفاقيات وترتيبات أمنيةً, أي اتفاقات مع إسرائيل بواسطة طرف ثالث).
وقال: (على الشعب الفلسطيني أن لا يعول على "حزب الله" ولا على حزب الشيطان, بل عليه الاتكال على نفسه فقط، لأن لـ "حزب الله" أولوياته ومواقفه السياسية, وهو يريد أن يقاتل بآخر فلسطيني منا على آخر فلسطين, ونحن نريد من "حزب الله" موقفاً صريحاً وواضحاً) اهـ.
وأخيرًا نقول؛ هل يعقل أن يكون الحزب عدوا لدوداً للكيان الصهيوني كما يزعمون، ثم يقوم هذا الحزب باستعراض عسكري حاشد في ميدان واسع في بيروت تنقله القنوات الفضائية نقلاً مباشراً؛ يجلس فيه حسن نصر الله على منصته وحوله حاشيته وضيوفه، وتمر من أمامه الفرق والكتائب والسرايا العسكرية، تهتف وتتوعد بالموت لإسرائيل, ثم تقف إسرائيل طيلة هذه السنوات موقف المتفرج ومكتوفة الأيدي عاجزةً عن صنع أي شيء حيال هذا العدو القادم؟! وهي التي لم تحتمل رجلًا مقعداً على كرسيه الصغير المتحرك؛ فاغتالته عن بعد في ظلمة الفجر!
ثم لماذا كل هذا الاهتمام من جانب الدولة الرافضية بلبنان؟
يجيب عن هذا التساؤل حجة إسلامهم "روحاني" - سفير إيران في لبنان - في مقابلة أجرتها معه صحيفة "إطلاعات" الإيرانية في نهاية الشهر الأول من عام 1984 م.
يقول روحاني عن لبنان: (لبنان يشبه الآن إيران عام 1977م, ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا, وبسبب موقع لبنان، وهو قلب المنطقة, وأحد هم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية فسوف يتبعه الباقون).
ويقول: (لقد تمكنا عن طريق سفارتنا في بيروت من توحيد آراء السنة والشيعة حول الجمهورية الإسلاميةو الإمام الخميني", والآن غالبية خطباء السنة يمتدحون "الإمام الخميني" في خطبهم) اهـ.
تعليق