غزة- كتب-موسى أبو كرش- لو قدر لك أن تزور غزة ـ هابطا "بالبراشوت" "أومتسللا عبر نفق"، فستجد نفسك أمام بلدة من القرون الوسطى ، ولتذكرت على الفور رواية مئة عام من العزلة لغابريل ماركيز ، والطاعون لألبيرو كامو، وربما توقفت طويلا أمام مشاهد من نجران تحت الصفر ليحيى يخلف.
وجوه فاقدة البهجة لعمال عاطلين عن العمل، وموظفون انضموا إلى سوق البطالة بعد إن اغلقت مؤسساتهم، يرتادون الأسواق، في رحلة يومية "ماراثونية" ودون هدف معلوم ،زائغة عيونهم ، وئيدة خطواتهم ،لا هم لهم سوى قتل الوقت على الارصفة والطرقات والمقاهي القليلة..طلاب حديثو التخرج فقدوا كل أمل في العمل أو السفر إلى جامعتهم لإكمال دراستهم بعد أن سدت المعابر في وجوههم فاستسلموا لليأس والقنوط ..
شكوى في كل مكان في سيارات السرفيس والأوتوبيسات ،أحاديث الجيران والجارات .. شكوى من كل شيء..غلاء الأسعار، إرتفاع تكاليف الحياة ..الأدوية المفقودة في الصيدليات، حليب الأطفال، مواد التصنيع ومواد البناء ،برادات البقالات ومحلات السوبر ماركت الخاوية, فقدان فرص العمل، إنضمام عشرات العمال يوميا إلى سوق البطالة .. إمّا السؤال المدى الذي ينهش رؤوس الجميع فهو إلى أين نحن ذاهبون؟
في ميدان فلسطين ،قلب غزة النابض تسطيع بنظرة قصيرة أن تقرأ المشهد الغزي الكئيب ،فعند مدخل سوق الزاوية وهو مدخل شارع فهمي بك أيضا شرق الميدان تمتدّ مساحة من الوحل فوق رصيف الشارع، لم تجد حتي الأن من يزيلها ـ رغم أنها تجبر الجميع على دخولها والولوج فيها ،ولن تعدم في هذا الشارع أن تسمع إمرأة تقول لأبنها إذا ما جذبه شيء من معروضات البسطات وهى تزغره بعينين حادتين : "متفضحناش ياابن الكلب معناش مصارى".
بمحاذاة سوق الزاوية ,على الطرف الجنوبى للميدان، تمتد سوق جديدة لباعة السجائر المصرية التي تم جلبها عبر الأنفاق،والأخرى التى يتم تهريبها من داخل الخط الأخضر أو عبر الزائرين من أبناء غزة للضفة ،وعلى الرغم من توفر الكثير من أنواع السجائر في هذه السوق السوداء وغيرها من أسواق القطاع، إلا أن أسعار السجائر سجلت معدلات مدهشة ،حيث بات يتراوح ثمن علبة السجائر الواحدة ما بين عشرين إلي ثلاثين شيقلا ،فيما وصل ثمن علبة المعسل المصري " التمباك"الى أكثر من خمسة وخمسين شيقلا وذلك للضرائب الباهضة التي تفرضها حركة حماس علي السجائر بعد إستيلائها على السلطة، لتغطية النفقات الهائلة التي تحتاجها الحركة لتشكيلاتها العسكرية، وتسير شؤونها وليس كما يدعي بعض قادة الحركة في مقابلاتهم الصحفية "لتأديب أبناء حركة فتح "..ولو كان الأمر كذلك حقا فما ذنب المدخنين من غير أبناء الحركة الذين ضجوا من غلاء اسعار السجائر وعلت أصواتهم باللعنات على الجميع بعد أن وجدوا أنفسهم يفقدون الجزء الأكبر من رواتبهم ثمنا للسجائر التي لايستطيعون الأقلاع عنهاـ كما يقول محمد الموظف الأربعيني: "أنهم يغيظونني فلماذا علىّ ان أدفع أكثر من نصف راتبي لمهربي السجائر وفارضي الضرائب وأحرم أبنائي من قوت يومهم ؟ هذا ظلم ولايرضي الله ورسولة!
على مدخل سوق فراس أسفل مبنى البلدية ثمة بركة من الوحل " اللبص" تمتد بجانبها مختلف مخلفات السوق الرئيسة بالمدينة ما يجعلك تصاب بالإحباط وأنت تنظر إليها وإلى باعة السمك وهم ينادون على بضاعتهم الكاسدة فلا يجدون من يلتفت إليها يؤكد سالم "صاحب بسطة سمك "برك" :"الناس ما عادت تلتفت إلى الأسماك رغم أن اسعارها معقولة" ..يصمت ويضيف مؤكدا "الناس أفلست والعدس بيمشي اليوم". البسطات في غزة أضحت ظاهرة مألوفة فيها تباع البضائع المصرية المهربة من الأنفاق ومواد التموين من أرزوحليب وزيت والطلب عليها في ارتفاع دائم.
في سوق الملابس المستعملة "البالة "أزدحم السوق على غير عادته بالمشترين ـ ربما لبرودة الجو دخلا في ذلك ـ وبدت أيدي المشترين تمتليء باكياس من مختلف الأحجام .. بدد شكوكنا أبو العبد في الأمر بقوله: "الأسعار هنا أقل كثيرا من أسعار الملابس الجديدة، ورغم من غلائها النسبي لعدم دخول "بالات" جديدة إلا أن الناس يتسابقون لشرائها".
في الطريق إلى حيّ الرمال بغزة جرى حوار ساخن بين امرأة بدينة وسائق السيارة التي تقلنا للحي. فالمرأة التي كانت في زيارة لزوجها المريض في مستشفى الشفاء تؤكد أنها تدفع عادة شيكلا ونصف الشيكل من ميدان فلسطين إلى المستشفى فيما يؤكد السائق أن الأجرة ارتفعت وعليها أن تدفع شيقلين أسوة بسائر الركاب، الامر الذي جعلها تستفز وتطلب النزول من السيارة وما أن نزلت حتى عبرت عن غضبها بإغلاق الباب بقوة.. ومن الشارع علت عقيرتها: "يقطعكو في هالبلد لا بترحموا ولا بتخلوا رحمة الله تنزل علينا".
بجانبي في المقعد الخلفي للسيارة ارتفع نشيج شيخ كبير وأخذت الدموع تغطي وجهه فيما لهج لسانه بالدعاء "حسبي الله ونعم الوكيل" سألته: ما بك يا والدي وكررت السؤال، وأخيرا جفف الشيخ دموعه وقال: إن القوة التنفيذية هددت أبناءه بالسجن إذا لم يسلموا أخاهم المطلوب خلال أربع وعشرين ساعة: قلت وماذا ستفعل؟ فلم يجب فاكتفيت بالصمت.
جارنا الذي شاطرنا نفس المقعد في السيارة. بدد الصمت فجأة بقوله: إمبارح جنني الولد..مخلص جامعة يا أخي، وطول انهاره يقيس الشوارع ويطالبني بالمصروف قلت له: "يا ابني ريحني وانصبلك بسطة سجائر".
أمام المقهى الواقع بجوار "مطعم للشاورما " في حي الرمال. كان صديقي بانتظاري وبمجرد وصولي بادرني بقوله: سأريك عجبا..قلت: ليس قبل أن احتسي فنجانا من القهوة واجلسني بجواره على مقعد خيزراني مقابل المطعم، وقبل أن احتسى قهوتي أدركت مراد صاحبي، كان عدد كبير من السيارات تصطف أمام المقهى والمطعم ويترجل منها ركاب مدنيون وعسكرين بعضهم يلج المطعم، والبعض الآخر يكتفي بأكل "حشية" الشاورما مباشرة في بضعة قضمات ثم ينطلقون فقال صديقي معلقاهم "يأكلون الشاورما وزوجاتنا تتفنن في طبخ العدس!!.
قلت: لكل دولة رجال. قال ونحن؟ قلت: لنا الله.
طالب جامعي فيما يبدو كان يجلس بجوارنا شده المشهد معلق ساخرا: "الوظائف معدومة في هالبلد وإن وجدت فهي محسومة لأبناء حماس، أما نحن فمحرومون من أبسط حقوقنا هم الآن من يتزوجون ويأكلون ويشربون" يصمت فجأة ويقول: "صدقوني أنا خاطب منذ سنة ولم أستطع الزواج حتى الآن، ولذا قررت السفر لإكمال دراستي العليا ولكن كما تعلمون الله وحده يعلم متى تفتح المعابر.. ليلة أمس تمنيت أن أكون زهرة قرنفل أو حبة توت أرضي حتى يتسنى لي السفر!
وجوه فاقدة البهجة لعمال عاطلين عن العمل، وموظفون انضموا إلى سوق البطالة بعد إن اغلقت مؤسساتهم، يرتادون الأسواق، في رحلة يومية "ماراثونية" ودون هدف معلوم ،زائغة عيونهم ، وئيدة خطواتهم ،لا هم لهم سوى قتل الوقت على الارصفة والطرقات والمقاهي القليلة..طلاب حديثو التخرج فقدوا كل أمل في العمل أو السفر إلى جامعتهم لإكمال دراستهم بعد أن سدت المعابر في وجوههم فاستسلموا لليأس والقنوط ..
شكوى في كل مكان في سيارات السرفيس والأوتوبيسات ،أحاديث الجيران والجارات .. شكوى من كل شيء..غلاء الأسعار، إرتفاع تكاليف الحياة ..الأدوية المفقودة في الصيدليات، حليب الأطفال، مواد التصنيع ومواد البناء ،برادات البقالات ومحلات السوبر ماركت الخاوية, فقدان فرص العمل، إنضمام عشرات العمال يوميا إلى سوق البطالة .. إمّا السؤال المدى الذي ينهش رؤوس الجميع فهو إلى أين نحن ذاهبون؟
في ميدان فلسطين ،قلب غزة النابض تسطيع بنظرة قصيرة أن تقرأ المشهد الغزي الكئيب ،فعند مدخل سوق الزاوية وهو مدخل شارع فهمي بك أيضا شرق الميدان تمتدّ مساحة من الوحل فوق رصيف الشارع، لم تجد حتي الأن من يزيلها ـ رغم أنها تجبر الجميع على دخولها والولوج فيها ،ولن تعدم في هذا الشارع أن تسمع إمرأة تقول لأبنها إذا ما جذبه شيء من معروضات البسطات وهى تزغره بعينين حادتين : "متفضحناش ياابن الكلب معناش مصارى".
بمحاذاة سوق الزاوية ,على الطرف الجنوبى للميدان، تمتد سوق جديدة لباعة السجائر المصرية التي تم جلبها عبر الأنفاق،والأخرى التى يتم تهريبها من داخل الخط الأخضر أو عبر الزائرين من أبناء غزة للضفة ،وعلى الرغم من توفر الكثير من أنواع السجائر في هذه السوق السوداء وغيرها من أسواق القطاع، إلا أن أسعار السجائر سجلت معدلات مدهشة ،حيث بات يتراوح ثمن علبة السجائر الواحدة ما بين عشرين إلي ثلاثين شيقلا ،فيما وصل ثمن علبة المعسل المصري " التمباك"الى أكثر من خمسة وخمسين شيقلا وذلك للضرائب الباهضة التي تفرضها حركة حماس علي السجائر بعد إستيلائها على السلطة، لتغطية النفقات الهائلة التي تحتاجها الحركة لتشكيلاتها العسكرية، وتسير شؤونها وليس كما يدعي بعض قادة الحركة في مقابلاتهم الصحفية "لتأديب أبناء حركة فتح "..ولو كان الأمر كذلك حقا فما ذنب المدخنين من غير أبناء الحركة الذين ضجوا من غلاء اسعار السجائر وعلت أصواتهم باللعنات على الجميع بعد أن وجدوا أنفسهم يفقدون الجزء الأكبر من رواتبهم ثمنا للسجائر التي لايستطيعون الأقلاع عنهاـ كما يقول محمد الموظف الأربعيني: "أنهم يغيظونني فلماذا علىّ ان أدفع أكثر من نصف راتبي لمهربي السجائر وفارضي الضرائب وأحرم أبنائي من قوت يومهم ؟ هذا ظلم ولايرضي الله ورسولة!
على مدخل سوق فراس أسفل مبنى البلدية ثمة بركة من الوحل " اللبص" تمتد بجانبها مختلف مخلفات السوق الرئيسة بالمدينة ما يجعلك تصاب بالإحباط وأنت تنظر إليها وإلى باعة السمك وهم ينادون على بضاعتهم الكاسدة فلا يجدون من يلتفت إليها يؤكد سالم "صاحب بسطة سمك "برك" :"الناس ما عادت تلتفت إلى الأسماك رغم أن اسعارها معقولة" ..يصمت ويضيف مؤكدا "الناس أفلست والعدس بيمشي اليوم". البسطات في غزة أضحت ظاهرة مألوفة فيها تباع البضائع المصرية المهربة من الأنفاق ومواد التموين من أرزوحليب وزيت والطلب عليها في ارتفاع دائم.
في سوق الملابس المستعملة "البالة "أزدحم السوق على غير عادته بالمشترين ـ ربما لبرودة الجو دخلا في ذلك ـ وبدت أيدي المشترين تمتليء باكياس من مختلف الأحجام .. بدد شكوكنا أبو العبد في الأمر بقوله: "الأسعار هنا أقل كثيرا من أسعار الملابس الجديدة، ورغم من غلائها النسبي لعدم دخول "بالات" جديدة إلا أن الناس يتسابقون لشرائها".
في الطريق إلى حيّ الرمال بغزة جرى حوار ساخن بين امرأة بدينة وسائق السيارة التي تقلنا للحي. فالمرأة التي كانت في زيارة لزوجها المريض في مستشفى الشفاء تؤكد أنها تدفع عادة شيكلا ونصف الشيكل من ميدان فلسطين إلى المستشفى فيما يؤكد السائق أن الأجرة ارتفعت وعليها أن تدفع شيقلين أسوة بسائر الركاب، الامر الذي جعلها تستفز وتطلب النزول من السيارة وما أن نزلت حتى عبرت عن غضبها بإغلاق الباب بقوة.. ومن الشارع علت عقيرتها: "يقطعكو في هالبلد لا بترحموا ولا بتخلوا رحمة الله تنزل علينا".
بجانبي في المقعد الخلفي للسيارة ارتفع نشيج شيخ كبير وأخذت الدموع تغطي وجهه فيما لهج لسانه بالدعاء "حسبي الله ونعم الوكيل" سألته: ما بك يا والدي وكررت السؤال، وأخيرا جفف الشيخ دموعه وقال: إن القوة التنفيذية هددت أبناءه بالسجن إذا لم يسلموا أخاهم المطلوب خلال أربع وعشرين ساعة: قلت وماذا ستفعل؟ فلم يجب فاكتفيت بالصمت.
جارنا الذي شاطرنا نفس المقعد في السيارة. بدد الصمت فجأة بقوله: إمبارح جنني الولد..مخلص جامعة يا أخي، وطول انهاره يقيس الشوارع ويطالبني بالمصروف قلت له: "يا ابني ريحني وانصبلك بسطة سجائر".
أمام المقهى الواقع بجوار "مطعم للشاورما " في حي الرمال. كان صديقي بانتظاري وبمجرد وصولي بادرني بقوله: سأريك عجبا..قلت: ليس قبل أن احتسي فنجانا من القهوة واجلسني بجواره على مقعد خيزراني مقابل المطعم، وقبل أن احتسى قهوتي أدركت مراد صاحبي، كان عدد كبير من السيارات تصطف أمام المقهى والمطعم ويترجل منها ركاب مدنيون وعسكرين بعضهم يلج المطعم، والبعض الآخر يكتفي بأكل "حشية" الشاورما مباشرة في بضعة قضمات ثم ينطلقون فقال صديقي معلقاهم "يأكلون الشاورما وزوجاتنا تتفنن في طبخ العدس!!.
قلت: لكل دولة رجال. قال ونحن؟ قلت: لنا الله.
طالب جامعي فيما يبدو كان يجلس بجوارنا شده المشهد معلق ساخرا: "الوظائف معدومة في هالبلد وإن وجدت فهي محسومة لأبناء حماس، أما نحن فمحرومون من أبسط حقوقنا هم الآن من يتزوجون ويأكلون ويشربون" يصمت فجأة ويقول: "صدقوني أنا خاطب منذ سنة ولم أستطع الزواج حتى الآن، ولذا قررت السفر لإكمال دراستي العليا ولكن كما تعلمون الله وحده يعلم متى تفتح المعابر.. ليلة أمس تمنيت أن أكون زهرة قرنفل أو حبة توت أرضي حتى يتسنى لي السفر!
تعليق