بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
لم أصدق ما أذاعته وكالات الأنباء، ونشرات التلفزة والصحف اليومية، عن قيام المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة بتقديم مشروع قرارٍ دولي يضع منظمة حماس في خانة الميليشيات الإرهابية الخارجة على القانون؛ وذلك لمطاردتها وحصارها والقضاء عليها.
وللأسف الشديد فإن المندوب الفلسطيني لم يتراجع عن مشروعه إلا بعد أن تدخلت مصر وسوريا وقطر وبعض الدول الأخرى.
ولا أدري ماذا أصاب العرب عامة، والفلسطينيين خاصة؛ حيث ترك الجميع الحبل على الغارب لرئيس السلطة الفلسطينية كي يُقبِّل أقدام الغزاة النازيين اليهود، ويرجوهم أن يتفاوضوا معه نظير تنازلات تقضي على ما تبقى من أمل فلسطيني في العودة وتحرير القدس وعتق البشر من قبضة عدوّ لا يعرف الرحمة، ولا يؤمن بتشريع دولي أو قانون عالمي أو خلق إنساني.
لقد ترك العرب هذا الرئيس- الذي بلا رئاسة ولا يوجد ما يرأسه- يتصرف بحماقةٍ غير مسبوقة، ويرفض التفاوض مع أهله وشعبه وناسه، ويضع شروطًا تعجيزية للحوار معهم، في الوقت الذي ينبطح فيه أمام الغزاة راجيًا منهم أن يحفظوا ماء وجهه أمام الشعوب العربية والشعب الفلسطيني ويمنحوه أي شيء، ولو كان إزالة حاجز من الحواجز أو إطلاق بضع عشرات من الأسرى ممن أوشكت مدة سجنهم على الانتهاء، والغزاة الأعداء يتمنعون ويتدلّلون ويفرضون مع مطلع كل صباح المزيد من الشروط التعجيزية والمُذلة والمُهينة!
والغريب أن فخامة الرئيس محمود عباس ميرزا، يستحث العرب جميعًا على التطبيع مع العدوّ، ونسيان الحقوق الفلسطينية والعربية واللحاق بمؤتمر الخريف الذي سقطت أوراقه مبكرًا، ولن يُسفر إلا عن حفلة إعلامية تُصوّرها الميديا، وتنقلها إلى العالم، وتقول للناس في كل مكان: إن الغزاة القتلة النازيين اليهود، جادون فيما يُسمى عملية السلام، وأنهم يمدّون أيديهم للعرب الذين يرفضون السلام، ويُهددون أمنهم ووجودهم، ويُؤمِّن الأمين العام للأمم المتحدة على كلامهم، ويعود المتفاوضون إلى عواصمهم، وهم منتشون بالأحضان والقبلات مع السيد أولمرت ووزيرة خارجيته الإرهابية بنت الإرهابي السفاح "ناتان ليفني"، والمدعو إيهود باراك، الذي يقضي نزهته في الحديقة الخلفية لأرض فلسطين المحتلة- أعني سوريا الشقيقة- آمنًا مطمئنًا يصاحبه جنوده ليُطلعوه على الموقع السوري العسكري الذي تمَّ تدميره بالطائرات النازية اليهودية!
العرب لاهون عن الشقاق الفلسطيني سبب الوكسة الحالية، وكل وكسة منذ ثورة 1936م حتى اليوم، لا يُريد الفلسطينيون أن يستفيدوا من دروس الماضي الدامية الكئيبة التي ضيعت وأفقدت وأذلت وأهانت.
ووجهاء فلسطين ومثقفوها، أسرى للخطاب الإنشائي الفارغ الذي يُهيمن عليه المحترفون من العلمانيين والماركسيين وخدَّام العدوّ، وهم في كل الأحوال لا يُحرّكون ساكنًا، ولا يُقرِّبون بين الفرقاء، بل إن بعضهم لا يجد غضاضةً في صبِّ المزيد من الزيت على النار حتى لا يتوقف الحريق الذي يحرق الفقراء والبسطاء والأبرياء قبل غيرهم.
وصف أحد الصحفيين الصراع بين فتح وحماس بأنه مباراة قذرة يُشاهدها العرب والفلسطينيون ومع ما في هذا الوصف من تجاوز، فإنه أقرب إلى الحقيقة؛ لأن محمود رضا عباس ميرزا، كان يمكنه أن يكون حَكَمًا بين أغنياء فتح وفقراء حماس، ويُجنب شعبه مضاعفات الخلاف الذي يصنعه الموالون للعدو الصهيوني وولي أمره الأمريكي، ومع إيماني أن قواعد فتح، وقواعد حماس أيضًا أقرب إلى النقاء، وعلى استعدادٍ لمزيدٍ من التضحيات، فقد كان يمكن لفخامة الرئيس عباس أن يجمع القادة في التنظيمين، ويُوفق بينهما، ويُوزع الأدوار- كما يفعل الغزاة- لخدمة القضية وإنقاذ الشعب الفلسطيني، وخاصةً في غزة، من الحصار والجوع والبطالة وتوقف المصانع وركود التجارة.
للأسف، تأتي الأنباء أن أهل السلطة يُصرّون على استفزاز القوة التنفيذية، ويتراجع العقل وتختفي الحكمة، ويتساقط القتلى من الطرفين، ويُعلن صاحب الفخامة الحداد على القتلى ثلاثة أيام، ويزرع الضغائن والإحن في الداخل، بعد أن زرعها في الخارج بالمشروع الذي قدَّمه مندوبه في الأمم المتحدة للقضاء على حماس عالميًّا.
إن تصوّرات فخامة الرئيس محمود رضا عبّاس ميرزا، أو اعتقاده أن القضاء على التنظيم الفاعل في فلسطين- أعني حماس- سيأتي له بالسلام المستحيل، ويُبوِّئه كرسي الرئاسة في الدولة الفلسطينية المستقلة (منزوعة الدسم)، هو اعتقاد غير صحيح؛ لأن السيد أولمرت أعلن ويُعلن أنه يُريد من الفلسطينيين أن يعترفوا بكيانه النازي اليهودي الغاصب "دولة يهودية"، وما أدراك ما الدولة اليهودية؟ إنها الدولة العنصرية، دولة شعب الله المختار- فوق الجميع، وفوق العرب، وفوق المسلمين، بل فوق الغرب بما فيه أمريكا.. وهي بعد ذلك الدولة النقية التي لن تسمح لفلسطيني بالعودة لبلده وداره، بل ستطرد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وفقًا لما يعرف عند الغزاة النازيين اليهود بـ"الترانسفير"!
ثم إنه- أي أولمرت- أعلن بلسانٍ فصيحٍ أنه لن يُوافق على جدولٍ زمني تنتهي فيه المحادثات التي تتناول القضايا الأساسية: القدس، اللاجئين، الحدود، المياه.. أي بصراحةٍ تامة لن يسمح بكيانٍ فلسطيني حقيقي قابل للدفاع عن نفسه، ويُحقق جزءًا من مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة!
والغريب الذي ليس غريبًا، أن فخامة الرئيس يصر على التفاوض مع العدوِّ، دون أن يتوقف هذا العدو ولو للحظة عن قتل الفلسطينيين وأسرهم والتضييق عليهم، وتعليقهم على الحدود ليموت مَن يموت، ويمرض مَن يمرض ويكره نفسه مَن يكره.. لماذا يا فخامة الرئيس؟
فخامة الرئيس ما زال مواليًا لتلميذه النجيب رئيس الظل، محمد دحلان، الذي دعاه فخامة الرئيس جورج بوش الابن، ليحضر ملتقى "أنابوليس"، وياله من دحلان مهمٍّ وتاريخي بالنسبة لبوش وأمريكا، ورئيس السلطة الفلسطينية المحدودة!
متى يؤمن فخامة الرئيس محمود رضا عباس ميرزا أن المقاومة، ولا شيء غير المقاومة، هي الحل؟
تعليق