الأفكار الرئيسية للمقال:
- منظومة الأفكار التي طرحها د. فتحي شقاقي.
- ماذا أنجز ألشقاقي في الواقع الفلسطيني؟
- هل وصلت أطروحة ألشقاقي إلى طريق مسدود؟
- هل سقط مشروع المقاومة؟
- هل يتحمل الجهاد مسئولية تجاه هموم الناس؟
- هل تقوم الحركة الإسلامية في العالم بواجبها تجاه فلسطين؟
- إلى أين وصل موقف حركة الجهاد من النظام العربي الرسمي؟
- هل يمكن أن تتوحد حركة الجهاد مع الحركات الإسلامية الأخرى؟
- هل استطاعت حركة الجهاد تجاوز أزمة البناء التنظيمي؟
***
في مطلع الثمينات عاد إلى قطاع غزة من جمهورية مصر العربية الدكتور فتحي ألشقاقي وذلك بعد أن أنهى دراسة الطب من جامعة الزقازيق ليبدأ في تأسيس تيار ثقافي وسياسي تبلور من داخله فيما بعد حركة الجهاد الإسلامي. في ذلك الوقت كانت الحركة الإسلامية في فلسطين غائبة عن المشهد السياسي وكان خطابها باهتا وشبه ميت ولا حضور له في الحالة السياسية ناهيك عن مجالات أخرى كالاقتصاد والاجتماع والفن .......الخ.
ومن جهة أخرى فقد كان الإسلام غائبا وغير حاضر في بنيان وثقافة الحركة الوطنية الفلسطينية. باختصار شديد كان الرجل بقراءته الخاصة للدين والواقع والتاريخ يبلور منظومة من الأفكار اعتبرت فيما بعد عناوين رئيسية فكرية وثقافية لخط ثقافي وسياسي عرف بحركة الجهاد الإسلامي.
هذه المنظومة والتي قامت حركة الجهاد على أساسها يمكن تلخيصها فيما يلي:
1_ على الحركة الإسلامية الفلسطينية الشروع الفوري في مجابهة مسلحة مع الاحتلال الصهيوني وتبني الكفاح المسلح من اجل إبقاء حالة الاشتباك مع المشروع الصهيوني حتى تنضج حالة شاملة من نهضة الأمة
2- الحركة الإسلامية حركة جماهيرية تتبنى هموم الناس وتدافع عن قضاياهم وتتحمل مسئولية تلبية احتياجاتهم المادية والمعنوية ورفع مستواهم الأخلاقي والحضاري.
3_ فلسطين يجب أن تكون محور نشاط سياسي للحركة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي وهي تواجه إفرازات الهجمة الغربية في ديارها من أنظمة مستبدة وعناصر الغزو الغربي الثقافي والسياسي والأمني.
4_اعتبر الدكتور فتحي الشقاقي أن الأنظمة العربية أنظمة كافرة وهي إفراز آخر للهجمة الغربية على امة الإسلام، واعتبر أن النظام العربي الرسمي هو الوجه الآخر للكيان الصهيوني ، وأن رموز هذا النظام هم امتداد لأبي جهل وأبي لهب الذين واجهوا النبي-ص-في صدر الإسلام .
5- اعتبر أن توحيد تيارات الحركة الإسلامية واجب إسلامي، وضرورة حركية ووطنية لا بد من انجازها، إن لم يرقى ذلك إلى الوحدة التنظيمية، فعلى الأقل من خلال تعدد التنظيمات في تيار سياسي واحد.
6- أن الصراع الفكري هو اخطر أنواع الصراع وأعمقها وأبعدها أثرا ويجب أن يسبق أي نشاط سياسي وعسكري وعند تأسيس أي تنظيم يجب آن يكون محكوما بمرجعية فكرية تقف على رأس التنظيم، تكون دونها مرجعية سياسية محكومة بالمرجعية الفكرية.
وان كان هنالك نشاط عسكري للتنظيم فيجب أن يكون مضبوطا من قبل المرجعية السياسية، فالعقل السياسي الناضج لا يهمه أن تصيب الطلقة فقط بل يجيب على عدة أسئلة: متى تطلق؟ ومن أين تخرج؟ وعلى من تطلق.. ولماذا؟.
7- اعتبر أن الثورة الإسلامية في إيران قاعدة لدعم حركات التحرر في العالم.
***
في مطلع الثمانينات عاد المجاهد الشقاقي من مصر إلى فلسطين مسلحا بالوعي لأسئلة زمانه ومكانه، ومسلحا بالإرادة الصلبة، فجاب شوارع فلسطين من رفح وحتى رأس الناقورة مقتحما الجامعات والمعاهد والمساجد، باحثا عن قلب شجاع وعقل نصير، فأنجز الرجل في التاريخ الفلسطيني انجازين هامين، كان لهما أثرا قويا في مسار القضية الفلسطينية:
الانجاز الأول: تأسيس حركة الجهاد الإسلامي
الانجاز الثاني: إنتاج حركة حماس ( وحتى لا يحدث التباس في هذا الموضوع فإننا نعتبر أن حركة حماس هي نسخة مميزة ومختلفة عن حركة الإخوان المسلمين وان هذا التمييز والاختلاف الذي طرا على حركة الإخوان المسلمين في الساحة الفلسطينية جاء كردة فعل على منظومة الأفكار السياسية التي طرحتها حركة الجهاد ، ونحن لا نذكر هذه النقطة من باب مدح أو تقليل شان لأحد، وإنما نسجل شهادة تاريخية يمكن لطلاب التاريخ السياسي التحقق منها قبولا أو رفضا)
***
والآن ونحن في الذكرى الثالثة عشر لاستشهاد مؤسس حركة الجهاد نرى بان الواقع الذي يحيط بالقضية الفلسطينية قد اختلف اختلافا جوهريا عن ذلك الواقع الفلسطيني الذي تأسست فيه حركة الجهاد (أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات) والذي حاول الدكتور فتحي أن يقدم إجابات لأسئلته.
واخطر ما استجد عن ذلك الواقع الذي نشا فيه تيار الجهاد هو:
قيام انتفاضتين انتهت كل منهما بكارثة على القضية الفلسطينية:
-الانتفاضة الأولى انتهت بإقامة سلطة أوسلو والتي عملت كبديل عن الإدارة المدنية التابعة للجيش الصهيوني وأعفت الاحتلال من تحمل عبء مسؤوليات الحياة المدنية للسكان
الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. والأخطر من ذلك أن هذه السلطة محكومة باتفاقية تجعل في أجندتها منع أي عمل مقاوم ضد إسرائيل.
- الانتفاضة الثانية والتي انتهت بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وتطويق الضفة الغربية بكاملها بجدار "ذي القرنين" العازل مما أغلق منافذ المقاومة ضد إسرائيل.
تبع ذلك دخول حماس(التي شكلت العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية) الحكم وفرض سيطرتها الكاملة على السلطة في قطاع غزة، مما شل قدرتها على ممارسة أي عمل مقاوم، ناهيك عن الانقسام الذي يتفاقم ويتعمق بشكل يومي بين الضفة وغزة والذي كان بمثابة حلم إسرائيلي تحقق نتيجة "لانتصار" حماس في غزة.
والمحصلة الآن: انه يتربع على ظهر الشعب الفلسطيني حكومتان: حكومة حماس في غزة وحكومة فتح في الضفة الغربية ويتربع الاحتلال على ظهر الجميع، وكل حزب بما لديهم فرحون.
***
واليوم وفي الذكرى الثالثة عشر لاستشهاد الأمين العام لحركة الجهاد أرى أن الاحتفال المحترم بذكرى استشهاده، إنما يتمثل في مواجهة الأسئلة الموجعة، والتي أتمنى أن تهدا لغة الهتافات والشعارات التي لم تعد تسعفنا ونحن نتجه نحو الهاوية.
إن ما نحن فيه من مأساة وكارثة وإحباط يكاد يسقط القداسة عن كل شيء من أحزاب وتنظيمات وأفكار وقادة، ويجعل المراجعة الجادة والعلمية والأخلاقية المسئولة واجبا أخلاقيا لا مناص منه.
هناك أسئلة لا بد من الإجابة عليها من قبل حركة الجهاد، وتنظيمات المقاومة ومن كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ويمكن إجمالها في نقطة أساسية: هل وصلت أطروحة الدكتور فتحي إلى طريق مسدود
وبتفصيل أكثر يمكن طرح أسئلة حول أفكار الدكتور شقاقي التي ذكرت في صدر هذا المقال ويجب الوقوف أمامها بكل شجاعة وهذا لا ينقص من قدر الشهيد الكبير الذي كانت أطروحته استجابة لواقع يختلف عما نحن فيه الآن.
وهذه الأسئلة:
1- هل وصلت المقاومة المسلحة إلى طريق مسدود؟ أي هل سقط مشروع المقاومة في فلسطين؟ وذلك بعد تطويق الضفة الغربية بجدار العزل واعتقال قطاع غزة برمته؟،
إن كانت الإجابة بنعم.. فهل الذي سقط نموذج المقاومة "التنظيمات التي أدارت المعركة على مدار السنوات الماضية".... أم أن الذي سقط هو مشروع المقاومة برمته؟.
وان كانت الإجابة ب"لا" وبان المقاومة مستمرة..فما هي الأهداف القابلة للتحقيق و التي يمكن تحميلها للمقاومة.. وبدقه؟.
2- هل تتبنى حركة الجهاد، التي كان يطمح مؤسسها أن تكون حركة جماهيرية، هموم الناس وتدافع هن قضاياهم وتتحمل المسئولية تجاه حاجاتهم المدنية والمعنوية من صحة وتعليم واقتصاد، ورفع مستواهم الإنساني والأخلاقي؟ وكيف؟.
أم أن "المقاومين" لا شان لهم في تامين حياة الناس المادية والمعنوية (وان المقاوم عليه أن يطلق صاروخ من بيت لاهيا، مثلا، ولا دخل له بتداعيات هذا العمل، عندما تأتي الجرافات الإسرائيلية لتزيل المنزل والمزرعة التي أطلق من جوارها هذا الصاروخ)
ولا دخل لهم في مصير 150 ألف عامل فلسطيني من فقراء قطاع غزة كانوا يعملون داخل الخط الأخضر في حين كانت تنظيمات المقاومة تتباهي بجمع تصاريح هؤلاء العمال وحرمانهم من التوجه إلى أماكن عملهم.
المشكلة أن هؤلاء العمال غير موجودين على أجندة أي من التنظيمات، ونضيف إليهم اليوم 200الف عائلة كانت تعتاش من قطاع البناء من الذين توقف دخلهم تماما بعد انتصار حماس المشئوم في حزيران 2007.
3- هل تحقق شيء من رؤية الدكتور فتحي حول محورية فلسطين في نشاط الحركة الإسلامية عبر العالم؟ أم أن فريضة الجهاد واجبة "فقط" علي الفلسطينيين "المحاصرين" في سجن غزة الكبير، فيما يعفى منها العرب والمسلمون في العواصم العربية حيث الباطل المتمثل في أنظمة تمارس الاستبداد والقمع وتبديد الثروات، الذي يصب في المحصلة النهائية لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية؟
4- هل لا زالت حركة الجهاد تتبنى موقف الدكتور فتحي من الأنظمة العربية في مطلع الثمانينات حين اعتبرها امتداد لأبي لهب وأبي جهل الذين واجهوا النبي الأعظم –ص- وانه يتوجب مواجهتها بشكل موازي مع مواجهة إسرائيل؟، أم أن الشهيد الشقاقي كان مخطئا، وان حركة الجهاد قد اكتشفت أن "حسابات البيدر ليست كحسابات الحقل"، وان دخول حركة الجهاد في علاقات مع هذه الأنظمة وأجهزتها البوليسية أمر لا يتنافى مع مبادئ الإسلام والجهاد!، وان كان الأمر كذلك فما هي الرؤية الجديدة لكيفية التعامل مع هذه الأنظمة؟ وكيف؟.
5- ماذا أنجزت حركة الجهاد على صعيد الوحدة الإسلامية خصوصا بعد التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية، إذا استطعنا أن نسجل أسماء شبان طيبون أطهار سقطوا برصاص حركات الإسلام المقاوم في المساجد والشوارع؟ وهل هناك من صيغة يمكن أن تضمن تأليف القلوب وجمع الشتات بعيدا عن المجاملة والنفاق على حساب دماء الناس؟
6- هل استطاعت حركة الجهاد الإسلامي تجاوز أزمة البناء التنظيمي التي أصابها في مراحل كثيرة، حالة من الضعف أفقدتها كثيرا من الفرص وفتحت الباب أمام خطر عسكرة الحركة التي أرادها الدكتور فتحي أن تكون حركة فكر وثقافة وأخلاق قبل أن تكون طلقة.
وان البناء التنظيمي لهذه الحركة يجعل الصعود والهبوط والدخول والخروج يتم وفقا لأسس ومعايير وضوابط مهنية وأخلاقية، وفيه من الشفافية والوضوح والضوابط، ما يجعله محط لأنظار كل الذين يتطلعون لخدمة الإنسان وفلسطين.
إن خير طريقة لإحياء ذكرى الدكتور فتحي ألشقاقي تكمن في تحمل المسئولية تجاه هموم الناس، والعمل قدر المستطاع على اختصار دورة آلامهم ومعاناتهم.
*************
- منظومة الأفكار التي طرحها د. فتحي شقاقي.
- ماذا أنجز ألشقاقي في الواقع الفلسطيني؟
- هل وصلت أطروحة ألشقاقي إلى طريق مسدود؟
- هل سقط مشروع المقاومة؟
- هل يتحمل الجهاد مسئولية تجاه هموم الناس؟
- هل تقوم الحركة الإسلامية في العالم بواجبها تجاه فلسطين؟
- إلى أين وصل موقف حركة الجهاد من النظام العربي الرسمي؟
- هل يمكن أن تتوحد حركة الجهاد مع الحركات الإسلامية الأخرى؟
- هل استطاعت حركة الجهاد تجاوز أزمة البناء التنظيمي؟
***
في مطلع الثمينات عاد إلى قطاع غزة من جمهورية مصر العربية الدكتور فتحي ألشقاقي وذلك بعد أن أنهى دراسة الطب من جامعة الزقازيق ليبدأ في تأسيس تيار ثقافي وسياسي تبلور من داخله فيما بعد حركة الجهاد الإسلامي. في ذلك الوقت كانت الحركة الإسلامية في فلسطين غائبة عن المشهد السياسي وكان خطابها باهتا وشبه ميت ولا حضور له في الحالة السياسية ناهيك عن مجالات أخرى كالاقتصاد والاجتماع والفن .......الخ.
ومن جهة أخرى فقد كان الإسلام غائبا وغير حاضر في بنيان وثقافة الحركة الوطنية الفلسطينية. باختصار شديد كان الرجل بقراءته الخاصة للدين والواقع والتاريخ يبلور منظومة من الأفكار اعتبرت فيما بعد عناوين رئيسية فكرية وثقافية لخط ثقافي وسياسي عرف بحركة الجهاد الإسلامي.
هذه المنظومة والتي قامت حركة الجهاد على أساسها يمكن تلخيصها فيما يلي:
1_ على الحركة الإسلامية الفلسطينية الشروع الفوري في مجابهة مسلحة مع الاحتلال الصهيوني وتبني الكفاح المسلح من اجل إبقاء حالة الاشتباك مع المشروع الصهيوني حتى تنضج حالة شاملة من نهضة الأمة
2- الحركة الإسلامية حركة جماهيرية تتبنى هموم الناس وتدافع عن قضاياهم وتتحمل مسئولية تلبية احتياجاتهم المادية والمعنوية ورفع مستواهم الأخلاقي والحضاري.
3_ فلسطين يجب أن تكون محور نشاط سياسي للحركة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي وهي تواجه إفرازات الهجمة الغربية في ديارها من أنظمة مستبدة وعناصر الغزو الغربي الثقافي والسياسي والأمني.
4_اعتبر الدكتور فتحي الشقاقي أن الأنظمة العربية أنظمة كافرة وهي إفراز آخر للهجمة الغربية على امة الإسلام، واعتبر أن النظام العربي الرسمي هو الوجه الآخر للكيان الصهيوني ، وأن رموز هذا النظام هم امتداد لأبي جهل وأبي لهب الذين واجهوا النبي-ص-في صدر الإسلام .
5- اعتبر أن توحيد تيارات الحركة الإسلامية واجب إسلامي، وضرورة حركية ووطنية لا بد من انجازها، إن لم يرقى ذلك إلى الوحدة التنظيمية، فعلى الأقل من خلال تعدد التنظيمات في تيار سياسي واحد.
6- أن الصراع الفكري هو اخطر أنواع الصراع وأعمقها وأبعدها أثرا ويجب أن يسبق أي نشاط سياسي وعسكري وعند تأسيس أي تنظيم يجب آن يكون محكوما بمرجعية فكرية تقف على رأس التنظيم، تكون دونها مرجعية سياسية محكومة بالمرجعية الفكرية.
وان كان هنالك نشاط عسكري للتنظيم فيجب أن يكون مضبوطا من قبل المرجعية السياسية، فالعقل السياسي الناضج لا يهمه أن تصيب الطلقة فقط بل يجيب على عدة أسئلة: متى تطلق؟ ومن أين تخرج؟ وعلى من تطلق.. ولماذا؟.
7- اعتبر أن الثورة الإسلامية في إيران قاعدة لدعم حركات التحرر في العالم.
***
في مطلع الثمانينات عاد المجاهد الشقاقي من مصر إلى فلسطين مسلحا بالوعي لأسئلة زمانه ومكانه، ومسلحا بالإرادة الصلبة، فجاب شوارع فلسطين من رفح وحتى رأس الناقورة مقتحما الجامعات والمعاهد والمساجد، باحثا عن قلب شجاع وعقل نصير، فأنجز الرجل في التاريخ الفلسطيني انجازين هامين، كان لهما أثرا قويا في مسار القضية الفلسطينية:
الانجاز الأول: تأسيس حركة الجهاد الإسلامي
الانجاز الثاني: إنتاج حركة حماس ( وحتى لا يحدث التباس في هذا الموضوع فإننا نعتبر أن حركة حماس هي نسخة مميزة ومختلفة عن حركة الإخوان المسلمين وان هذا التمييز والاختلاف الذي طرا على حركة الإخوان المسلمين في الساحة الفلسطينية جاء كردة فعل على منظومة الأفكار السياسية التي طرحتها حركة الجهاد ، ونحن لا نذكر هذه النقطة من باب مدح أو تقليل شان لأحد، وإنما نسجل شهادة تاريخية يمكن لطلاب التاريخ السياسي التحقق منها قبولا أو رفضا)
***
والآن ونحن في الذكرى الثالثة عشر لاستشهاد مؤسس حركة الجهاد نرى بان الواقع الذي يحيط بالقضية الفلسطينية قد اختلف اختلافا جوهريا عن ذلك الواقع الفلسطيني الذي تأسست فيه حركة الجهاد (أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات) والذي حاول الدكتور فتحي أن يقدم إجابات لأسئلته.
واخطر ما استجد عن ذلك الواقع الذي نشا فيه تيار الجهاد هو:
قيام انتفاضتين انتهت كل منهما بكارثة على القضية الفلسطينية:
-الانتفاضة الأولى انتهت بإقامة سلطة أوسلو والتي عملت كبديل عن الإدارة المدنية التابعة للجيش الصهيوني وأعفت الاحتلال من تحمل عبء مسؤوليات الحياة المدنية للسكان
الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. والأخطر من ذلك أن هذه السلطة محكومة باتفاقية تجعل في أجندتها منع أي عمل مقاوم ضد إسرائيل.
- الانتفاضة الثانية والتي انتهت بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وتطويق الضفة الغربية بكاملها بجدار "ذي القرنين" العازل مما أغلق منافذ المقاومة ضد إسرائيل.
تبع ذلك دخول حماس(التي شكلت العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية) الحكم وفرض سيطرتها الكاملة على السلطة في قطاع غزة، مما شل قدرتها على ممارسة أي عمل مقاوم، ناهيك عن الانقسام الذي يتفاقم ويتعمق بشكل يومي بين الضفة وغزة والذي كان بمثابة حلم إسرائيلي تحقق نتيجة "لانتصار" حماس في غزة.
والمحصلة الآن: انه يتربع على ظهر الشعب الفلسطيني حكومتان: حكومة حماس في غزة وحكومة فتح في الضفة الغربية ويتربع الاحتلال على ظهر الجميع، وكل حزب بما لديهم فرحون.
***
واليوم وفي الذكرى الثالثة عشر لاستشهاد الأمين العام لحركة الجهاد أرى أن الاحتفال المحترم بذكرى استشهاده، إنما يتمثل في مواجهة الأسئلة الموجعة، والتي أتمنى أن تهدا لغة الهتافات والشعارات التي لم تعد تسعفنا ونحن نتجه نحو الهاوية.
إن ما نحن فيه من مأساة وكارثة وإحباط يكاد يسقط القداسة عن كل شيء من أحزاب وتنظيمات وأفكار وقادة، ويجعل المراجعة الجادة والعلمية والأخلاقية المسئولة واجبا أخلاقيا لا مناص منه.
هناك أسئلة لا بد من الإجابة عليها من قبل حركة الجهاد، وتنظيمات المقاومة ومن كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ويمكن إجمالها في نقطة أساسية: هل وصلت أطروحة الدكتور فتحي إلى طريق مسدود
وبتفصيل أكثر يمكن طرح أسئلة حول أفكار الدكتور شقاقي التي ذكرت في صدر هذا المقال ويجب الوقوف أمامها بكل شجاعة وهذا لا ينقص من قدر الشهيد الكبير الذي كانت أطروحته استجابة لواقع يختلف عما نحن فيه الآن.
وهذه الأسئلة:
1- هل وصلت المقاومة المسلحة إلى طريق مسدود؟ أي هل سقط مشروع المقاومة في فلسطين؟ وذلك بعد تطويق الضفة الغربية بجدار العزل واعتقال قطاع غزة برمته؟،
إن كانت الإجابة بنعم.. فهل الذي سقط نموذج المقاومة "التنظيمات التي أدارت المعركة على مدار السنوات الماضية".... أم أن الذي سقط هو مشروع المقاومة برمته؟.
وان كانت الإجابة ب"لا" وبان المقاومة مستمرة..فما هي الأهداف القابلة للتحقيق و التي يمكن تحميلها للمقاومة.. وبدقه؟.
2- هل تتبنى حركة الجهاد، التي كان يطمح مؤسسها أن تكون حركة جماهيرية، هموم الناس وتدافع هن قضاياهم وتتحمل المسئولية تجاه حاجاتهم المدنية والمعنوية من صحة وتعليم واقتصاد، ورفع مستواهم الإنساني والأخلاقي؟ وكيف؟.
أم أن "المقاومين" لا شان لهم في تامين حياة الناس المادية والمعنوية (وان المقاوم عليه أن يطلق صاروخ من بيت لاهيا، مثلا، ولا دخل له بتداعيات هذا العمل، عندما تأتي الجرافات الإسرائيلية لتزيل المنزل والمزرعة التي أطلق من جوارها هذا الصاروخ)
ولا دخل لهم في مصير 150 ألف عامل فلسطيني من فقراء قطاع غزة كانوا يعملون داخل الخط الأخضر في حين كانت تنظيمات المقاومة تتباهي بجمع تصاريح هؤلاء العمال وحرمانهم من التوجه إلى أماكن عملهم.
المشكلة أن هؤلاء العمال غير موجودين على أجندة أي من التنظيمات، ونضيف إليهم اليوم 200الف عائلة كانت تعتاش من قطاع البناء من الذين توقف دخلهم تماما بعد انتصار حماس المشئوم في حزيران 2007.
3- هل تحقق شيء من رؤية الدكتور فتحي حول محورية فلسطين في نشاط الحركة الإسلامية عبر العالم؟ أم أن فريضة الجهاد واجبة "فقط" علي الفلسطينيين "المحاصرين" في سجن غزة الكبير، فيما يعفى منها العرب والمسلمون في العواصم العربية حيث الباطل المتمثل في أنظمة تمارس الاستبداد والقمع وتبديد الثروات، الذي يصب في المحصلة النهائية لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية؟
4- هل لا زالت حركة الجهاد تتبنى موقف الدكتور فتحي من الأنظمة العربية في مطلع الثمانينات حين اعتبرها امتداد لأبي لهب وأبي جهل الذين واجهوا النبي الأعظم –ص- وانه يتوجب مواجهتها بشكل موازي مع مواجهة إسرائيل؟، أم أن الشهيد الشقاقي كان مخطئا، وان حركة الجهاد قد اكتشفت أن "حسابات البيدر ليست كحسابات الحقل"، وان دخول حركة الجهاد في علاقات مع هذه الأنظمة وأجهزتها البوليسية أمر لا يتنافى مع مبادئ الإسلام والجهاد!، وان كان الأمر كذلك فما هي الرؤية الجديدة لكيفية التعامل مع هذه الأنظمة؟ وكيف؟.
5- ماذا أنجزت حركة الجهاد على صعيد الوحدة الإسلامية خصوصا بعد التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية، إذا استطعنا أن نسجل أسماء شبان طيبون أطهار سقطوا برصاص حركات الإسلام المقاوم في المساجد والشوارع؟ وهل هناك من صيغة يمكن أن تضمن تأليف القلوب وجمع الشتات بعيدا عن المجاملة والنفاق على حساب دماء الناس؟
6- هل استطاعت حركة الجهاد الإسلامي تجاوز أزمة البناء التنظيمي التي أصابها في مراحل كثيرة، حالة من الضعف أفقدتها كثيرا من الفرص وفتحت الباب أمام خطر عسكرة الحركة التي أرادها الدكتور فتحي أن تكون حركة فكر وثقافة وأخلاق قبل أن تكون طلقة.
وان البناء التنظيمي لهذه الحركة يجعل الصعود والهبوط والدخول والخروج يتم وفقا لأسس ومعايير وضوابط مهنية وأخلاقية، وفيه من الشفافية والوضوح والضوابط، ما يجعله محط لأنظار كل الذين يتطلعون لخدمة الإنسان وفلسطين.
إن خير طريقة لإحياء ذكرى الدكتور فتحي ألشقاقي تكمن في تحمل المسئولية تجاه هموم الناس، والعمل قدر المستطاع على اختصار دورة آلامهم ومعاناتهم.
*************
تعليق