إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التواجد الأمريكي في الجزيرة العربية حقيقته واهدافة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التواجد الأمريكي في الجزيرة العربية حقيقته واهدافة

    تأليف الشيخ المجاهد الحافظ/
    يوسف بن صالح العييري ( البتـــــار )

    محتويات الكتاب
    * تمهيد
    * الإعلان الذي لا أثر له
    * الأهداف التي من أجلها تواجدت أمريكا في المنطقة
    * أهمية المنطقة بالنسبة للأمريكان قديماً
    * أهمية المنطقة بالنسبة للأوروبيين قديماً
    * استعداد أمريكا ضرب الدول المصدرة للنفط إذا خرجت عن تعاليمها النفطية
    * الدافع السياسي الأكبر للتواجد العسكري الأمريكي في المنطقة
    * أول تاريخ لطرح فكرة قوات التدخل السريع وتطوراتها
    * تعداد القواعد الأمريكية في العالم
    * القواعد الأمريكية في المنطقة وأساليب عملها، وأساليب قوات التدخل السريع
    * لازال خداعهم لشعوب المنطقة مستمراً بسرعة إزالة التواجد الأمريكي من المنطقة
    * تكتلات عسكرية جديدة لوقف الغزو الأمريكي لمصالح العالم
    * الخيار العسكري هو الوحيد لنا، وكلمة أخيرة براءة للذمة

    تمهيد
    الحمد لله الذي وعد عباده المؤمنين بالتمكين، وتوعد أعداءه بالذلة والعذاب المهين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، القائل عليه الصلاة والسلام: ”أخرجوا المشركين من جزيرة العرب“ أما بعد:
    مازال أعداء الملة والدين يحاولون بشتى الطرق والوسائل أن يبعدوا المسلمين عن دينهم بالصد تارة وبالتلبيس والخداع تارة أخرى، ولا شك أننا نعيش اليوم خداعًا وتلبيسًا لا مثيل له مصداق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : ”سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ“ رواه أحمد وابن ماجة.
    وإن من المسائل المتقررة لدى أي عاقل نبيه أن القوات الأمريكية قد غزت العالم الإسلامي وبالأخص جزيرة العرب واحتلتها بقوات ضخمة العدد كثيرة العتاد، ولا يغالط في ذلك من له أدنى متابعة لتصريحات الأمريكان أنفسهم، والتواجد الأمريكي في الخليج ليس غلطة تأريخية، أو قرار سياسي متعجل، أو نزوة طاغية طمع في بلد مجاور كما يحب البعض أن يسطح المسألة بهذا الشكل أو غيره...
    بل التواجد الأمريكي تواجد يحدد مصير الولايات المتحدة الأمريكية وبقاء هيمنتها على العالم وسيطرتها على إقتصاد العالم أجمع، ولأن أمريكا أعلنت من قبل الإستغناء عن جنودها في السعودية لإنتهاء مهمتهم وذلك قبيل غزوة شرق الرياض، ثم هاهي اليوم تعلن قبل أيام رحيل آخر الجنود الأمريكان من قاعدة سلطان بالخرج وأنه لم يبق إلا بعض عمال الصيانة من الجنسيات الأخرى غير الأمريكية..!!
    فبيان للحقيقة يعاد نشر هذا الجزء المهم مما كتبه الشيخ يوسف العييري رحمه الله ضمن سلسلة الحرب الصليبية على العراق حتى لا يغتر أحد بدعاواهم الكاذبة الزائفة...
    وليحيا من حيّ عن بينّة ويهلك من هلك عن بيّنة..

    مركز الدراسات والبحوث الإسلامية

    الإعلان الذي لا أثر له
    إن التطور الصوري، الذي دفعنا لشرح أصل التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، هو ما أعلنته الحكومة الأمريكية يوم الثلاثاء 27/2/1424هـ (أنها ستقوم بتصفية وجودها وعملياتها العسكرية في المملكة العربية السعودية)، وقال وزير الدفاع الأمريكي أثناء زيارته للمنطقة في نفس اليوم تعليلاً لهذا القرار (عندما لا تكون هناك مراقبة جنوبية فمن البديهي ألا نحتاج لأفراد هنا، وأكد أنه لم يبق إلا بعض العسكريين الأمريكيين للمشاركة في مهام التدريب في المملكة العربية السعودية) ويقصد بالمراقبة الجنوبية، مراقبة حظر الطيران الذي فرضته أمريكا بعد حرب الخليج الثانية 1411هـ، على جنوب العراق، وهي منطقة جنوب خط 33درجة.
    ومما يظهر كذب الوزير في تصريحه السابق ما أعلنه البنتاغون أنه سوف يبقي من جنوده في السعودية 10 آلاف جندي أمريكي لأغراض التدريب، وهو العدد الذي وصفه وزير الدفاع ببعض الجنود، ولكن إذا كانت أمريكا والسعودية تزعمان سابقاً أن القوات الأمريكية في السعودية تقدر بخمسة آلاف ضابط وجندي، كيف يمكنها سحب كافة قواتها والإبقاء على عشرة آلاف؟! فما هذا التناقض؟، فإذا كانوا لم يصدقوا من قبل في إعلان تعداد القوات الحقيقية، فهل سيصدقون في إعلان القوات التي سترحل أو التي ستبقى، وعلى كل حال فإن هذا ستظهره الأيام.
    ونقلت شبكة الـ (سي إن إن) عن مصدر عسكري في البنتاغون في نفس اليوم (أن التواجد الأمريكي العسكري في قاعدة الأمير سلطان الجوية بالسعودية يتوقع أن ينتهي هذا الصيف، اعتماداً على الوضع الأمني في العراق) وأضافت الشبكة أن مصادر عسكرية أمريكية (أكدت لها يوم الاثنين أن الإدارة المركزية للقوات الأمريكية قررت نقل مركز عمليات القوات الجوية من المملكة العربية السعودية إلى دولة قطر)، فإذا كان سحب القوات الأمريكية من السعودية بسبب سقوط صدام، فلماذا لا تسحب القوات من الكويت؟ وما الحاجة لنقلها إلى قطر؟.
    ونحن لن نعلق على مغزى هذا القرار وأسبابه ونتائجه وأهدافه ومصداقيته، وإن كان من المفترض أن يفرد بالحديث، إلا أننا نرى أن الأهم من هذا هو أن نصحح المفهوم الخاطئ لدى الكثير من أبناء الأمة، والذي حاولت الإدارة الأمريكية ترسيخه بهذا الإعلان، وهو أن الوجود الأمريكي كان لأجل حماية دول المنطقة من خطر العراق، وعندما زال خطر العراق فلا داعي للبقاء كما قال وزير الدفاع الأمريكي، وفي الحقيقة أن الذي يظن أن التواجد العسكري الأمريكي هو لحماية الدول وشعوب الدول أو أمنهم في المنطقة، أنه جاهل لا يعي ما يحصل حوله، والذي يظن أن التواجد الأمريكي العسكري في المنطقة يحترم الحكومات القائمة الحالية ويضعها كشريك فهو جاهل أيضاً، إن الحكومات في المنطقة تتخذها أمريكا كمنفذة لسياساتها، ولو تمردت وقالت لا، فإنها ستضطر إلى تغييرها، وسنأتي بما يثبت ذلك من كلام الأمريكيين أنفسهم.

    الأهداف التي من أجلها تواجدت أمريكا في المنطقة:
    إن التواجد الأمريكي في المنطقة لم يكن ردة فعل لقضية محددة كضربات سبتمبر أو لتسلط رئيس غاشم، إن التواجد الأمريكي في المنطقة هو استراتيجية لا يمكن لأمريكا أبداً أن تتنازل عنها، وهي على استعداد أن تقاتل دول المنطقة بأكملها من أجل البقاء في المنطقة، كما أنها على استعداد أيضاً لقتال حلفائها من دول أوروبا لتحقيق أهدافها في المنطقة، إن المنطقة هي شريان العالم للحياة، ومن يسيطر على هذا الشريان فسوف ينتعش ويسود، ومن ثم فإنه سيسيطر على العالم ويخنقه بلا رحمة حسب قناعتهم، هذا هو ملخص أهمية المنطقة بالنسبة لأمريكا، فمن السذاجة والسخف أن يظن أن القوات نزلت بسبب صدام، وسترحل بزوال صدام، كما أنه من السذاجة أيضاً أن يظن ولو بقدر بسيط جداً أن لهذا الإعلان نعني به – إعلان إخلاء السعودية من القوات الأمريكية - حقيقة على أرض الواقع، التحرك والانتقال من دولة إلى أخرى في المنطقة لا يعدو أن يكون مجرد تحرك عسكري تكتيكي، ولكن الاستراتيجية ثابتة، وهي ضمان السيطرة على منابع النفط، والسيطرة على الممرات وضمان سلامة وصول النفط، وضمان أمن إسرائيل، وضمان عدم وصول الإسلاميين إلى أية سلطة في المنطقة، أو تحركهم بما يهدد سيادة أية دولة في المنطقة، هذه هي الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الثابتة في المنطقة، وهذا هو المظهر الواضح للصورة، وكل ما يحصل في خلفيات الصورة فهو لا يمثل أكثر من تغيير في الديكور لإعطاء الصورة مسحة جمالية خداعة، تروج على شعوب المنطقة، والمغفلين.
    وحتى نوضح الاستراتيجية التي أشرنا إليها قبل قليل لابد من الإطالة في تجلية الصورة، ولكن سنحاول الاكتفاء بإشارات يسيرة دون التفصيل، رغبة في الاختصار فنقول:
    إن أهمية منطقة قلب العالم الإسلامي، ولا نقول الشرق الأوسط فهو مسمى مستحدث لإدخال الورم السرطاني اليهودي ضمن منظومة دول المنطقة، فتعبير الخليج لا يدخل إسرائيل، وتعبير الدول العربية لا يدخل إسرائيل، فتم إنشاء مصطلح الشرق الأوسط ليشمل إسرائيل وتكون طبيعية ضمن دول المنطقة.
    نقول إن أهمية المنطقة بالنسبة للعالم عامة وللأمريكيين خاصة، لم تقتصر على أنها منطقة التهديدات المحتملة من قبل المعسكر الشرقي فحسب، بل جاءت الأهمية لأن المنطقة تشكل مسرحاً أساسياً لجميع دول العالم على الصعيد الاستراتيجي، فمن حضي بها فقد حضي بنصيب الأسد على هذا المسرح.
    ودول الصليب لم تعرف أهمية المنطقة بعد اكتشاف النفط، بل عرفت أهميتها قبل ذلك، فهي تعتبر قلب الممرات الحيوية في العالم، ورابطة القارات، ومنذ أربعة قرون فقد حاول الصليبيون السيطرة على المنطقة، لما لها من أهمية دينية وجغرافية، وحاول البرتغال وحاولت فرنسا وجاءت بعدهما بريطانيا، وتفردت بالنفوذ بعد السيطرة الكاملة لها على سائر المستعمرات فأصبحت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وكانت المنطقة بالنسبة لها هدفاً استراتيجياً لا يمكن التنازل عنه قبل اكتشاف النفط.
    وبعد الحرب العالمية الثانية 1366هـ 1947م، بدأت القوة البريطانية تنحسر وتضعف، مما تسبب باستقلال أكثر مستعمراتها، ومع تخلي بريطانيا عن أغلب مستعمراتها، إلا أنها عضت بنواجذها وأنيابها على منطقة الخليج الغنية، ومع ضعف القوة البريطانية برزت مكانها حليفتها الجديدة الولايات المتحدة، وحاولت منازعتها على نفوذها وخاصة في المنطقة التي زادت أهميتها بعد ظهور النفط، ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق نكسون في مذكراته (أن أول تواجد عسكري أمريكي مكثف في المنطقة كان في منتصف عام 1367هـ 1948م عبر (مبدأ ترومان) الذي أمر في ذلك الوقت بتشكيل القوة الخاصة السادسة التي كانت سابقاً تدير الأسطول السادس الأمريكي، وبدأت الطائرات الأمريكية على الفور باستخدام القواعد الليبية والتركية والسعودية ضمن قانون الإعارة والتأجير الذي سعى الرئيس روزفلت إلى إدخال المملكة العربية السعودية فيه كدليل على حسن النوايا تجاهها).
    أهمية المنطقة بالنسبة للأمريكان قديماً:
    ويكفي أن تعرف أهمية المنطقة بالنسبة للأمريكان من بعض تصريحات قادتهم قديماً حيث يقول (جيمس رورستال) وزير الدفاع الأمريكي عام 1364هـ 1945م كما نقلت عنه مجلة الفكر الاستراتيجي العربي قوله (خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة ستواجه الولايات المتحدة احتياطيات نفطية منخفضة انخفاضاً حاداً، ونظراً لأن النفط ومشتقاته هي أسس القدرة على خوض حرب حديثة، فإنني أعتبر هذه المشكلة واحدة من أهم المشاكل الحكومية، والتي لا يعنيني أية شركة أو شركات أمريكية سوف تستثمر الاحتياطيات العربية، لكنني أشعر بأقصى قدر من اليقين أنها يجب أن تكون أمريكية).
    ومما زاد من أهمية المنطقة بالنسبة لأمريكا، دخولها الحرب العالمية إلى جانب الحلفاء عام 1360هـ 1941م وقد زادت بالأخص بالنسبة لها أهمية الأراضي السعودية، قال وزير الخارجية الأمريكي السابق (هل) (لقد زادت حاجة وزارتي البحرية والحربية الأمريكية للنفط السعودي، إضافة إلى حاجة الجو الأمريكي للأراضي السعودية).
    ولذلك رأت هيئة الأركان الأمريكية عام 1362هـ 1943م أن إمدادات النفط الخام من النفط الأمريكي غير كافية لإمداد القوات المسلحة الأمريكية، وهذا يعني ضرورة وجود مصادر أخرى، شريطة أن تكون قريبة من موقع الأسطول الأمريكي، ولهذا الهدف تم إنشاء مصفاة رأس تنورة عام 1364هـ 1945م، وهذا هو الدافع لبناء أول قاعدة عسكرية في الظهران وذلك عام 1362هـ 1943م التي انتهى تشييدها عام 1365هـ 1946هـ، ثم جددت السعودية الاتفاقية لهذه القاعدة لمدة خمس سنوات أخرى عام 1370هـ 1951م، ولهذا وصف تحليل لوزارة الخارجية الأمريكية عام 1364هـ 1945م (المملكة العربية السعودية بأنها مصدر وافر للقوة الاستراتيجية وإحدى أكبر الجوائز المادية في التاريخ العالمي).
    هذا الوصف الذي أطلق على السعودية، ليس لتقدمها الحضاري أو لقوتها العسكرية، بل جاءت هذه الأهمية لموقعها على مياه الخليج والبحر الأحمر، ولأنها - وهو الأهم - تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، ويقدر مخزونها بـ (165 مليار برميل)، وهذه الأهمية هي التي دفعت الرئيس الأمريكي (روزفلت) عام 1362هـ 1943م إلى أن يطبق قانون الإعارة مباشرة مع السعودية بدلاً من وساطة بريطانيا الراعي الأول، وأعلن حينها (أن حماية النظام السعودي هي مسئولية أمريكية) ولم يأت هذا الإعلان إلا بعد معرفة الحاجة الماسة إليها وإلى دول المنطقة لما تنعم به من ثروة نفطية، علماً أنهم اعترفوا بالسعودية في شهر محرم لعام 1350هـ 1931م.
    والمنطقة كلها ليست السعودية وحدها، بل إن السعودية هي أكبر دول المنطقة مخزوناً بل أكبر دول العالم مخزوناً، فدول الخليج تنتج 62% من مجمل الإنتاج العالمي، ويوجد في منطقة الخليج 370 مليار برميل على الأقل من الاحتياطي النفطي، وهو يعادل ثلثي احتياطي العالم، وهذا هو الذي دفع الرئيس الأمريكي السابق نيكسون ليقول في مذكراته (أصبحت الآن مسألة من يسيطر على ما في الخيلج العربي والشرق الأوسط، تشكل مفتاحاً بيد من يسيطر على ما في العالم) وقال (إن منطقة الخليج كانت ذات يوم تنعم إلى حد كبير بخيال رومانتيكي أصبحت الآن تمسك مصير العالم بذراعيها أو برمالها بتعبير أدق).
    ويقول الرئيس كارتر (لو أن الله أبعد النفط العربي قليلاً نحو الغرب لكانت مشكلتنا أسهل)، فهم يعانون حقاً مشكلة كبيرة، فمصيرهم معلق بتلك المنطقة، وضمان أمن مصيرهم يكتنفه مخاطر جمة هم يرون أن تغلبهم عليها في هذا العقد، لا يضمن تغلبهم عليها في العقد الذي بعده؟ لذا فإنهم فكروا بحلول جذرية أو طويلة الأجل لا تنتهي بزوال صدام.
    مما سبق يتضح لنا أن التصريح بإنهاء التواجد العسكري الأمريكي بسبب زوال صدام، ما هو إلا إعلان ساذج لاستغفال الأمة، لا يصدقه إلا السذج، التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، يعد بالنسبة لهم تأميناً لأعظم مصالحهم الاستراتيجية والتي بزوالها سيزولون حتماً، وليست أهمية المنطقة محط أنظار الأمريكيين قديماً فقط، بل هي محط أنظار قوى العالم كلها، قبل أمريكا، بما فيهم حلفاء أمريكا الأوروبيون وحلفهم (الناتو).
    أهمية المنطقة بالنسبة للأوروبيين قديماً:
    ففي آواخر السبعينات الهجرية مطلع الستينات الميلادية، قدم الرئيس الفرنسي الجنرال الشهير (شارل ديغول) دعوته لتأسيس (مجلس إداري) يقوم بمعالجة الأوضاع خارج المنطقة الأوروبية، إلا أن الرئيس الأمريكي (إزنهاور) رفض هذا الاقتراح في حينه، ويقول الداعون إلى تأسيس هذا المجلس أن الوضع الجديد في المنطقة (البترولية) يدعو إلى إقامة الاحتياطات اللازمة لاتخاذ القرارات السريعة دون اللجوء إلى المشاورات السياسية المطولة، وتزايد بين أروقة حلف الناتو الإلحاح على تشكيل هذا المجلس، بعد بروز النفط كسلعة حيوية بالنسبة للغرب لا يمكن أن يستغنوا عنها، ووصل الإلحاح قمته بعد حرب رمضان مع اليهود عام 1393هـ 1973م، واتخذ حلف الناتو قراراً مبدأياً في مطلع عام 1394هـ 1974م، أثناء اجتماع وزراء خارجية الحلف في كندا، وكان القرار الموافقة على توسيع رقعة اهتمامات الحلف خارج منطقة معاهدة شمال الأطلسي، وبعد غزو السوفييت لأفغانستان عام 1399هـ 1979م، صرح الحلف بأن الخطر الأساسي على الغرب لا يقع في أوروبا، بل يقع في المناطق النفطية الحيوية وخطوط المواصلات إليها.
    بدأ بعد هذا القرار النقاش داخل حلف الناتو حول إنشاء قوات (التدخل السريع)، ولم يكن أمام الحلف إلا (قيادة القوات الحليفة المتحركة في أوروبا) والتي تساهم في قيادتها سبع دول من أعضاء الحلف هي (بلجيكا وكندا وألمانيا الغربية وإيطاليا ولوكسمبورغ وبريطانيا والولايات المتحدة) وحجم هذه القوات هو لواء مشترك معزز، وقد تم إنشاء هذه القوة عام 1380هـ 1961م لدعم قوات الناتو في الجناحين الجنوبي والشمالي داخل منطقة الحلف، وكان من أول الداعين لتفعيل دور هذه القوة الجنرال البلجيكي (روبرت كلوز) الذي دعا إلى إعادة تنظيم هذه القوات وتقويتها وإعطائها مهام على الصعيد العالمي بما في ذلك حماية مصادر النفط.
    وكانت خيارات الحلف انحصرت بعد حرب رمضان مع اليهود عام 1393هـ وبعد أزمة النفط التي تلتها، في خيارات واضحة ومحددة، أهمها خياران:
    الأول: الدعوة إلى توسيع رقعة حلف الناتو جغرافياً بحيث تشمل كل المنطقة العربية، وقد تم رفض هذا الخيار لأسباب عديدة، أهمها أن معاهدة الحلف تعتبر معاهدة (دفاعية)، ولا تتيح العمل الهجومي خارج حدود الحلف، وهي جميع مناطق دول الحلف في أوروبا وشمال أمريكا، بما في ذلك شمال المحيط الأطلسي والمنطقة الواقعة شمال مدار السرطان.
    ولكن في ظننا أن هذا الاعتراض قد زال الآن، لأن الحلف قد غير معاهدته في القمة التي تلت انتصار الحلف على صربيا في أول عام 1420هـ 1999م، فوسعوا المعاهدة لتشمل التدخل في أي مكان في العالم، دون الحاجة إلى الرجوع لمجلس الأمن، إلا أن الدعوة إلى توسيع اهتمامات الحلف لتشمل حماية النفط، لن يقف أمامها في هذه الأيام معاهدة الحلف بل سيقف أمامها أمريكا التي تسيطر على الحلف، ولن تسمح لغيرها منازعتها على مناطق نفوذها.
    الثاني: إنشاء (قوات تدخل) غربية مشتركة، لتتسلم الدور العالمي، تنفصل هذه القوات عن قيادة حلف الناتو للتغلب على المصاعب السياسية، ويمكن إدخال دول أخرى كاستراليا واليابان وغيرها ضمن هذه القوة، وهذا الخيار هو الذي لاقى قبولاً بين الأعضاء، وبدأت الطروحات تتوالى للبدء في تنفيذه من أجل حماية المصالح الغربية في المنطقة أو بالمعنى الأصح (احتلال المنطقة من جديد)، وبدأ الحلف بما فيهم أمريكا وضع الخطط لمثل هذا الاحتلال.
    أمريكا تقطع الطريق على أوروبا وتعلن استعمار الخليج بإعلان مبادئها الأساسية فيه:
    إلا أن أمريكا لم تكن لتدع غيرها ولو كانوا حلفائها بأن ينالوا شيئاً على حساب حصتها، فأثناء طرح تشكيل قوة تدخل لحماية المنطقة بين أروقة (الناتو)، أعلن (جوزيف سيسكو) مساعد وزير الخارجية الأمريكي عام 1393هـ 1974م، ليقطع الطريق على الحلف بقوله (بأن منطقة الخليج هي منطقة للولايات المتحدة فيها مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الهامة جداً جداً).
    وفي الوقت نفسه صرح (جيمس نويس) نائب وزير الدفاع الأمريكي، وحدد مصالح أمريكا وأهدافها في المنطقة فقال إن أمريكا بحاجة إلى:
     احتواء القوة العسكرية السوفيتية ضمن حدودها الحالية.
     استمرار الوصول إلى نفط الخليج.
     استمرار حرية السفن والطائرات الأمريكية في التحرك من المنطقة وإليها.
    ويشرح (جوزيف سيسكو) مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق، مبدأ تأمين النفط لدى الأمريكيين بأنه يتكون من ثلاثة عناصر أساسية.
     أولها: استمرار القدرة على تحصيل الواردات النفطية.
     ثانيها: وبأسعار معقولة.
     ثالثها: وبكميات كافية، للوفاء بالاحتياجات الأمريكية المتنامية، واحتياجات أصدقاؤهم الأوروبيين والآسيويين.
    ومبدأ تأمين النفط هو أكبر المهام العسكرية التي وضعت الولايات المتحدة جهودها العسكرية في المنطقة لخدمته، وهي عازمة على التحرك في أي اتجاه أو صنع أي شيء مقابل هذا المطلب، فعندما يسخر بعقولنا وزير الدفاع الأمريكي أو أحد من عملائه ويعلنوا بأن الحاجة انتهت من تواجد القوات الأمريكية بسبب زوال صدام، فإننا لن نقبل بما أن الحفاظ على هذا المبدأ قائم وهو الركيزة الرئيسة للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة رغماً عن الجميع.

    استعداد أمريكا ضرب الدول المصدرة للنفط إذا خرجت عن تعاليمها النفطية:
    وحتى لو ضمنت الدول المنتجة للنفط تدفق النفط لأمريكا، فهل سيرضي ذلك أمريكا؟، كلا لن يرضيها فإنها تريد أسعاراً تناسبها وكميات كافية هي تحددها ولا أحد سواها، فلا يمكن فصل أمن المنابع، عن تدفق النفط بالسعر المناسب والكمية الكافية، فتخفيض الإنتاج من قبل المنتج يؤدي إلى زيادة السعر، مما يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الأمريكي، وهو مشابه تماماً لعملية احتلال عدو خارجي لمنابع النفط وإيقاف التصدير عن أمريكا، فأمن النفط وسعره وكميته هم أمريكي لا يمكن المساومة عليه بحال حتى مع المصدرين أنفسهم، يقول (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأمريكي في مطلع 1395هـ 1975م (بالرغم من أن أية خطوة عسكرية أمريكية في الخليج ستكون شديدة الخطورة، فإنني لا أستطيع القول بأنه لن تطرأ ظروف على المنطقة، تؤدي إلى استعمالنا لقواتنا العسكرية، إن استعمال القوة العسكرية في حال الخلاف حول سعر النفط هو شيء، لكن قيام محاولة حقيقية لخنق العالم الصناعي هو شيء آخر) وهذا يعني أن أمريكا على استعداد لضرب منتجي النفط أنفسهم في حال اتباعهم لسياسات حيال السعر أو الكمية التي قد تؤدي إلى اختناق الدول الصناعية، فالمحافظة على هذا المبدأ يقتضي شن حروب متواصلة لضمان هذه الركائز الثلاث، فمن السخف تعليق الوجود الأمريكي بصدام، رغم وضوح الأهداف الأمريكية والدوافع لهذا التواجد العسكري.
    ولا يستغرب تصريح (كيسنجر) السابق الذي أقر فيه استخدام القوة ضد المنتجين أنفسهم، فقد جاء الأمر بأصرح من ذلك بعد أزمة النفط التي خنقت أمريكا عام 1393هـ حيث وضعت وزارة الدفاع البنتاغون ومجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة خطة أطلق عليها اسم (الظهران الخيار الرابع)، وهذه الخطة ترمي إلى احتلال حقول النفط السعودية في حال نشوب حرب ينجم عنها حظر عربي للنفط مرة أخرى، وقد تركزت هذه الخطة على غزو حقل الغوار النفطي وهو يعد أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتم وضع الخطة التي تتولى الهجوم فيها تسع كتائب مشاه محمولة جواً، تنطلق من ولاية (نورث كارولينا) الأمريكية، وبحماية جوية إلى الخليج عن طريق القاعدة الإسرائلية (حتسريم) – واليوم لا تحتاج هذه الكتائب أن تنطلق من أمريكا، بل إنها ستنطلق من العراق أو الكويت أو قطر -، وتستولي هذه الكتائب على حقول النفط في الظهران بعد إجلاء الرعايا الأمريكيين، ثم تزحف باتجاه حقل الغوار والسفانية في الصحراء، بعد الاستيلاء على أرصفة الموانئ ومستودعات التخزين في رأس تنورة، وتبدأ بالتمركز في المنطقة وزيادة القوات بإرسال كتيبة مشاه مدعمة للسيطرة على المنطقة، وقد ذكرت الخطة بأن تنفيذ هذه المهمة أسهل بكثير من أي خطة أصغر منها حجماً في فيتنام أو كوبا، وذلك لقلة الكثافة السكانية في المنطقة، ولوجود الحقول النفطية في صحراء قاحلة ليس فيها أشجار أو جبال تعيق من التقدم فيها أو حمايتها.
    وجاء في مقدمة هذه الخطة كمبرر لها مقولة (ليس أمامنا إلا الانهيار الاقتصادي، أو الاستيلاء على السعودية في حال ظهور أية بوادر للخنق الاقتصادي)، وربما يعد هذا الدافع هو الذي دفعهم للعدوان على العراق دون مبرر يذكر، وإذا لم يف العراق باحتياجاتهم ولم يتمكنوا من ضمان السعر المطلوب والكمية الكافية، فربما يلتفتون إلى دولة أخرى قد تكون قطر أو السعودية أو الكويت التي ظهرت أصوات أمريكية رسمية بضرورة ضم الأخيرة إلى العراق، والتحرك العسكري الأمريكي الأخير دون تنسيق ظاهر مع حكومات المنطقة يثير الشكوك تجاه ذلك.
    وليست خطة غزو حقول النفط السعودية واحتلالها والسيطرة عليها، خطة قديمة تم التخلي عنها، بل إنها لا زالت خياراً يطور ويخطط له بكل السبل، وفي جلسة للكونجرس بعد الذكرى الأولى لضربات سبتمبر، أعيد طرح مشورع احتلال السعودية وتقسيمها إلى ثلاث كانتونات، تكون المنطقة الشرقية فيها دولة نفطية ديمقراطية مستقلة تحت السيادة والحماية الأمريكية، وطرحت مشاريع كثيرة تنادي بمثل هذه الحلول الجذرية، كما عبروا عنها، ونظن أن العدوان على العراق هو أحد مراحل هذه الخطة الجذرية.
    هذا هو الدافع للتواجد العسكري الأمريكي من الناحية الاقتصادية، وليس الدافع الوحيد فالدوافع الاقتصادية كثيرة لا نطيل بسردها.
    الدافع السياسي الأكبر للتواجد العسكري الأمريكي في المنطقة:
    إلا أنه الدوافع من الناحية السياسية يبقى على رأس الهرم فيها تحقيق حلم (إسرائيل الكبرى)، وهو أهم الركائز العقدية والسياسية للتواجد الأمريكي في المنطقة، وقد ذكرنا شواهد على ذلك في الحلقة الماضية، وفي الحلقة الثانية أيضاً، ونورد هنا لتأكيد ذلك مقولة واحدة للرئيس الأمريكي السابق (نيكسون) في كتابه نصر بلا حرب حيث قال (نرى أن صراع العرب ضد اليهود يتطور إلى نزاع بين الأصوليين الإسلاميين من جانب، وإسرائيل والدول العربية المعتدلة من جانب آخر، ومالم تتغلب هذه الأمم على خلافاتها وتعترف بأنها تواجه خطراً شديداً يهددها فربما سيظل الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر احتمالاً للانفجار في العالم).
    ويتفرع عن تحقيق حلم (إسرائيل الكبرى) وأمنها، ضمان عدم وصول الإسلاميين إلى أية سلطة في المنطقة، أو تحركهم بما يؤثر على سياساتهم، فهذا مطلب أمريكي استراتيجي ملح، فبرغم التطاحن بين الصليبيين وفي طفرة الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا عام 1405هـ 1985م، إلا أن هذا لم يكن كافياً لنسيان حربهم للإسلام، فقد صرح الرئيس الأمريكي السابق (نيكسون)، بعد تولي (جورباتشوف) لرئاسة الاتحاد السوفيتي، كما نشرت مجلة الشئون الخارجية قال (يجب على روسيا وأمريكا أن تعقدا تحالفاً حاسماً لضرب الأصولية الإسلامية)، وفي كتابه نصر بلا حرب يؤكد (نيكسون) (بأن واجب الولايات المتحدة ورسالتها في الحياة هي زعامة العالم الحر، الذي يجب بدوره أن يتزعم العالم، وأن الوسيلة الوحيدة لهذه الزعامة هي القوة، وأن العدو الأكبر في العالم الثالث هو الأصولية الإسلامية).

    مبدأ نيكسون:
    كما أن تأمين بقاء حكومات المنطقة لابد أن يكون على رأس الأولويات من الوجود العسكري الأمريكي، وكان هذا هو مفهوم (مبدأ نيكسون) الذي جاء بعد هزيمتهم في فيتنام، وفشل تدخلهم المباشر لنصرة حلفائهم هناك، فأفرز هذا الوضع (مبدأ نيكسون) الذي أكد على (أن الدول المهددة من قبل الخطر الخارجي عليها أن تقدم القوة البشرية والقدرة العسكرية للحفاظ على أمنها، في حين أن أمريكا تقوم بتقديم الدعم العسكري لها بما ينسجم مع التزاماتها ومتطلباتها الأمنية)، وهذا هو المبدأ الذي برر لإدارتي (نيكسون، وفورد) تزويد دول الخليج بكميات من الأسلحة والمعدات الخاصة، كما حصل مع نظام شاه إيران الذي كان يعد ليكون شرطي المنطقة.
    ويشرح (نيكسون) الرئيس الأمريكي السابق مبدأه في مذكراته فيقول (وبدلاً من تبدل الوجود البريطاني بوجود أمريكي مباشر، عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتماد على قوى محلية وهي إيران والعربية السعودية بالدرجة الأولى، لتوفير أمناً للخليج، وذلك عندما قمنا بتقديم المساعدات والعون العسكري، وقد سارت سياسة العمودين بشكل معقول إلى أن انهار أحدهما وهو إيران عام 1399هـ 1979م).
    ثم لخص (نيكسون) نظرته بأن يحل العراق محل إيران لدعم التوازن في المنطقة، والتأكيد على الحاجة إلى وجود عسكري مباشر، وقال (وبما أن النفط ضرورة وليست حاجة كمالية للغرب، فإن على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا واليابان أن يجعلوا تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لحكومات المنطقة أفضلية، ويولوا هذا الأمر أولوية في اهتماماتهم، وذلك لصد أي عدوان عليها داخلياً كان أو خارجياً، وينبغي علينا أن نكون على استعداد وراغبين في اتخاذ أي إجراءات بما في ذلك الوجود العسكري القوي وحتى العمل العسكري، ومن شأنها أن تحمي مصالحنا وينبغي علينا أن نكون على استعداد بتأييد أقوالنا بالأفعال، وقال إن إعلان مبدأ العظمة بأن الولايات المتحدة ستقاوم أي تهديد للمنطقة بالرد العسكري لن يعدو أكثر من كونه مدفعاً فارغاً مالم يكن لدينا قوات في موقعها لكي تجعل تعهدنا محطاً للثقة به، وإنه لمن الضرورة بمكان أن يكون للولايات المتحدة وسائل أساسية بحيث تساعدنا على عرض قواتنا بشكل مقنع في المنطقة وأن ترد بشكل سريع على أية تهديدات مفاجئة، وقال: يجب أن نؤكد وبشكل واضح لا غموض فيه لزعماء العربية السعودية وعمان والكويت والدول الرئيسة الأخرى في المنطقة بأنه في حال تهديدها من قبل القوات الثورية سواءً كانت تهديداً من الداخل أو الخارج، فإن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبهم بكل حزم وهكذا لن يعانوا المصير الذي لقيه الشاه) وهذا هو ملخص ما عرف بمبدأ نيكسون.

    مبدأ كارتر:
    وبعد سقوط نظام الشاه والغزو السوفيتي لأفغانستان، برز طرح جديد للرئيس الأمريكي (كارتر) آنذاك وهو ما عرف فيما بعد (بمبدأ كارتر) والذي قال فيه (تعتبر الولايات المتحدة أية محاولة سوفيتية تستهدف السيطرة على منطقة الخليج، اعتداء على مصالحها الحيوية، وستقوم بالرد على مثل هذا العدوان، بشـتى الوسائل لديها بما في ذلك القوة المسلحة).
    وهذا المبدأ هو الذي أبرز لدى أمريكا ضرورة إيجاد قوة تتمتع (بالتدخل السريع) في المنطقة، وركز الطرح الأمريكي الذي تبنى تطوير (مبدأ كارتر) على أن الأهداف الأساسية من تواجد أو استعمال القوة العسكرية هو (الردع) فقط لأي تدخل خارجي، دون إعلان لأي أهداف أخرى، علماً أن المعضلة التي رفض الأمريكيون طرحها كمشكلة للتداول هي كيفية (تأمين النفط) من الأخطار الداخلية، أي من المنتجين أو شعوب الدول المنتجة، فهي الخطر الحقيقي والأقرب التي أصيبت به أمريكا من جراء إيقاف تصدير النفط لها بعد حرب رمضان، لأن قوة الردع النووية لا تناسب ردع خطر شعوب الدول المصدرة، وتقوية الأنظمة لضمان مصالحها قد ينقلب ضدها، وإحلال الديمقراطية وتداول السلطة لا يضمن لها الاستقرار لأن الإسلاميين سيصلون من خلالها، وابتعاد أمريكا عن الحكومات المصدرة لا يساهم في تأمين النفط، سواء من حيث السعر المناسب أو الكمية الكافية، هذه المعضلة هي التي طرحت مبدأ قوات (التدخل السريع) في المنطقة.
    حتى أن (نيكسون) نفسه تخلى عن ما عرف (بمبدأ نيكسون) فيما بعد، ليتحول إلى مناصر (لمبدأ كارتر)، عندما اتضح صعوبة اعتمادهم على أحد في المنطقة، فيقول مؤكداً لذلك في كتابه نصر بلا حرب (إن الولايات المتحدة هي الآن الدولة الوحيدة التي يمكنها حماية المصالح الغربية في الخليج الفارسي، وليس هناك أية دولة من دول الخليج الموالية للغرب قوية بالقدر الكافي للقيام بذلك، كما لا تتوافر لأي من حلفائنا الأوروبيين القوة أو الرغبة في أن يقوم بذلك، وينبغي لنا أن نعمل على الجبهة العسكرية لتسحين قدرتنا على إبراز القوة الأمريكية في الخليج، وقد حققنا تقدماً هاماً في هذا المجال، فقد أنشأ الرئيس كارتر قوة الانتشار السريع، وعزز الرئيس ريغان وضعها بتحويلها إلى قيادة مركزية، واعتمد الكونجرس مليارات الدولارات لقواتها، وقال يستحيل على الولايات المتحدة أن تتدخل في الخليج الفارسي بدون أن تتوفر لها إمكانية الحصول على قواعد جوية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى الأصغر، إننا في حاجة إلى وضع قوات جوية في قواعد هناك حتى يمكن أن نحمي قواتنا البرية عند قيامها بإنشاء رأس جسر وبدون تفوق جوي ستصبح أي عملية إنزال أمريكية في الخليج الفارسي تكراراً لعملية الإنزال البريطانية في غاليبولي أثناء الحرب العالمية الأولى).


    أول تاريخ لطرح فكرة قوات التدخل السريع وتطوراتها:
    وليس (مبدأ كارتر) هو صاحب فكرة قوة (التدخل السريع)، ولكنه هو المبدأ الذي دفع إلى إحياء فكرة قوة (التدخل السريع) القديمة، ويعود تاريخ طرحها، إلى أواخر السبعينات الهجرية أوائل الستينات الميلادية، عندما طرح (روبرت ما كنمارا) وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، مبدأ (الرد المرن) بدلاً من مبدأ (الرد الشامل) النووي، الذي ساد في عهد (إيزنهاور ودالس)، فقال (بأن نظرية الرد الشامل لم تعد تفي بالغرض المطلوب، في حال نشوب أزمة أقل حدية من الأزمات النووية والمواجهات الشاملة مع الاتحاد السوفيتي، ويرتكز مبدأ (الرد المرن) على توسيع القدرات القتالية التقليدية – أي غير النووية – لمجابهة الحركات التمردية، أو الحروب الشعبية أو الأزمات المحلية المحدودة، وطرح إنشاء قوات ضاربة تقليدية متحركة تستطيع التدخل في المناطق النائية وبسرعة وفعالية)، إلا أن اقتراحه هذا رفض من قبل الكونجرس الأمريكي في وقته.
    وبعد أزمة الطاقة عام 1393هـ 1973م أثارت هذه الأزمة النقاش حول هذا الطرح، الذي كان بمثابة العلاج لخطر فقدان السيطرة الأمريكية على مصادر النفط.
    وحاول (كيسنجر) عندما كان وزيراً للخارجية الأمريكية عام 1394هـ 1974م بحث إمكانية قيام قوة أوروبية أمريكية لحماية مصادر النفط، إلا أن حلف (الناتو) رفض ذلك لأسباب سبق ذكرها، وبعد استلام الرئيس (كارتر) السلطة عام 1396هـ 1976م بعث فكرة (قوات التدخل) من جديد، عن طريق مبدئه.
    ويرجع أول نقاش مخصص لمهام وتشكيل وتنظيم قوات (التدخل السريع) في الكونجرس إلى شهر ربيع الثاني لعام 1401هـ 1981م، ويأتي هذا النقاش المخصص بعد أن مرت قوات (التدخل السريع) بمراحل عديدة منذ أن قررت إدارة الرئيس السابق (كارتر) إنشاء هذه القوة عام 1397هـ ثم قامت بالخطوة الأولى عام 1399هـ، حتى تبلورت الفكرة بشكل كامل من جميع جوانبها، ودفعت أحداث المنطقة كسقوط الشاه والغزو السوفيتي إلى المسارعة باتخاذ الخطوات العملية لتفعيل هذه القوة، وقد دفعت هذه التطورات وزير الدفاع الأمريكي (كاسبر واينبرغر) آنذاك أن يقول أمام لجنة الدفاع والشئون الخارجية التابعة للكونجرس في شهر ربيع الثاني لعام 1401هـ (بأن الحاجة باتت ملحة لاحتفاظ الولايات المتحدة لوجود دائم لقواتها في مناطق النفط وحول طرق مواصلاته).
    وقد وضعت أمريكا حلولاً أخرى تكون بديلة أو مساندة لهذه القوة، وكان من أفضلها إيجاد قوات حليفة في المنطقة تقوم بدور الحارس على المصالح الأمريكية، إلا أن أمريكا لا يمكنها أولاً أن تتكل على وكيلها، ثم إن تكاليف إنشاء هذه القوات يحتاج إلى مبالغ ضخمة ليتم إنشاؤها من الصفر، لا سيما أن الخشية من قيام نظام جديد يعقب أو يطيح بالوكيل، يهدر جميع التجهيزات العسكرية الأمريكية في ليلة واحدة وربما تستخدم ضدها فيما بعد.
    وكان من ضمن الحلول طرح صيغة للتعاون الأمني المحلي على مبدأ (نيكسون)، تقدم (هارولد براون) باقتراح إمكانية قيام حلف عسكري محلي سماه (ميتو) على طراز (ناتو)، عرضه على دول المنطقة التي لم تتجاوب مع هذا العرض.
    فلم يكن من أمريكا إلا أن تمضي قدماً وبكل قوة نحو إنشاء قوات (التدخل السريع)، وهو الرد الأمريكي العملي والعملياتي الأفضل بالنسبة لهم للمعطيات الاستراتيجية التي تواجهها المنطقة.
    علماً أن اعتمادهم على قوات (التدخل السريع) لا تعني أن خيارات البدائل قد سقطت أو أهملت، فهم قد استخدموا البدائل، بحسب الحاجة لها، وعلى قدر محدود، فالتعاون الأمني والدفاعي المشترك لم يتم باسم (ميتو) ولكنه تم إلى حد ما باسم (مجلس التعاون الخليجي)، والقوات الحليفة حصلت مع شاه إيران والسادات وأخيراً مع صدام قبل أن يتمرد عليهم، فالحلول الأخرى سوف تستخدم ولكن بقدر محدود، مع التأكيد على أن قوة (التدخل السريع) هي المرتكز لتنفيذ جميع المتطلبات الأمريكية في المنطقة.
    تعداد القواعد الأمريكية في العالم:
    ولم يكن طرح إنشاء قوات (التدخل السريع) بالنسبة لأمريكا، طرحاً عاماً للتدخل في جميع العالم، ولكن الطرح لهذه القوات هي أن تخصص فقط للمنطقة، وتكون على أهبة الاستعداد للنزول في المنطقة أو التمركز فيها، فقد بلغت القواعد الأمريكية قبل طرح مشروع (التدخل السريع)، وتحديداً في عام 1396هـ 1976م، حوالي 300 قاعدة ومنشأة عسكرية في العالم، تتوزع هذه القواعد على 30 دولة لتأمين مصالحها، ويقدر عدد العسكريين في تلك القواعد والمنشآت في العالم بحوالي 463 ألف جندي، قبل أن تنحسر حيث كانت تبلغ 504 آلاف جندي في عام 1395هـ، وصرح وزير الدفاع الأمريكي (باول) في أول شهر ربيع الأول لعام 1411هـ أن الولايات المتحدة أغلقت 150 قاعدة في أوروبا نهائياً ونقلتها إلى الخليج بعد أن ظلت هناك 45 سنة، وإذا كانت أمريكا أغلقت 150 قاعدة في أوروبا بعد حرب الخليج الثانية، لتنقلها إلى قواعدها الجديدة السرية في الخليج على الأراضي الكويتية والقطرية والسعودية والعمانية والبحرينية والإماراتية، فكم ستغلق من القواعد حتى تنقلها إلى العراق؟ التي ترى أنها حررتها بدماء أبنائها، وهي التي لن تراعي أحداً بالتواجد العلني لها في العراق.

    القواعد الأمريكية في المنطقة وأساليب عملها، وأساليب قوات التدخل السريع:
    وبعد إنشاء قوات (التدخل السريع) يعتبر التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة حالياً أضخم تواجد عسكري مباشر منذ عام 1400هـ 1980م، وهو يشكل طوقاً حصارياً للمنطقة من جميع جوانبها البرية والبحرية، فهي تتمركز بأكبر من عشرين قاعدة في تركيا وحدها، ولها قواعد في ليونان والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مروراً بمصر والقرن الأفريقي وأهمها كينيا، وحتى بحر العرب والبحر الأحمر ومياه الخليج، ولها قواعد وتسهيلات في عمان والكويت وقطر والسعودية والبحرين والإمارات والعراق والأردن، وأهمها فلسطين برعاية الصهاينة، وتنتشر القوات البحرية الأمريكية بشكل عام في كافة المياه المحيطة بالمنطقة، امتداداً من مضيق جبل طارق غرباً وحتى شبه القارة الهندية شرقاً، ويشكل الأسطولان السادس والسابع أساس القوات الأمريكية المعدة للعمل في هذا الجزء من العالم، والأسطول السادس هو بصورة تقليدية وتاريخية القوة العسكرية الأمريكية المخصصة للتماس المباشر مع مسرح عمليات المنطقة، والأسطول الخامس هو القوة المخصصة للعمل في البحر الأبيض المتوسط، وهي تمتد في الواقع من اليابان وجنوب شرقي آسيا وحتى شرق المحيط الهندي، فله علاقة بشرقي المنطقة أي منابع النفط الواقعة في الخليج، وقاعدة تمركز هذا الأسطول في ميناء (يوكوسوكا) في اليابان.
    وتعد القواعد الأمريكية في سلطنة عمان من أخطر القواعد على المنطقة من الناحية الاقتصادية، فهي التي تسيطر على مضيق هرمز، وهو المضيق الذي يمر عبره 95% من نفط الخليج خارجاً إلى العالم، وتحكّم أمريكا في هذا المضيق ولو لم تشن حرباً، فبإمكانها خنق دول الخليج اقتصادياً، وهي الدول التي تعتمد على النفط بنسبة تفوق 98%، ولسوء تدبير هذه الدول، فإنها لم تحاول زيادة نسبة اعتمادها الاقتصادي على غير النفط , كما أنها لم تحاول إيجاد حلول أخرى تغنيها عن الاعتماد على مضيق هرمز، وقد نلتمس لها العذر بأنها أصلاً لا تملك من أمرها شيئاً، والذي يوجه استراتيجياتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والدفاعية والأمنية هي أمريكا ولا غير أمريكا.
    ومهام العمل العسكري الأمريكي في قواعدها في المنطقة هي:
    أولاً: تعزيز القوات الأمريكية المتمركزة مسبقاً في مسرح العمليات، وتحويلها من قوات إثبات وجود، إلى قوات قتالية.
    ثانياً: تأمين قواعد وتسهيلات جديدة للقوات الأمريكية العاملة في المنطقة، أو التي يمكن أن تحرك إلى المنطقة في الحالات الطارئة.
    ثالثاً: تحقيق مبدأ الوجود العسكري الدائم في جميع دول المنطقة لتضع كل دولة على حدة أمام الأمر الواقع، وسياسة الأمر الواقع حولت سياسة دول المنطقة من الرفض الجماعي للتواجد العسكري الدائم على أراضيها، إلى المطالبة بتواجدها لتحقق سبقاً على بقية دول المنطقة، وبدأ يبرز تساؤل لدى قيادات الدول، وهو إذا لم أقبل أنا بالتواجد، فسوف تقبل دول المنطقة الأخرى وتنال الامتيازات، فبدأت دول المنطقة بالتنافس على تقديم التسهيلات للقوات الأمريكية، وهذا ما سبب الأزمة الأخيرة بين السعودية وقطر.
    رابعاً: إنشاء مخازن للمعدات والأسلحة الأمريكية لتسهل من عملية الانتشار السريع في المنطقة، ففي حال تخزين الآليات والمعدات الثقيلة والعرابات العسكرية وجميع الاحتياجات للقوات في دول المنطقة، فإن هذا مما سيقلل الكلفة والوقت والمجهود في حال الانتشار لحدوث أي طارئ، حتى ولو كان ضد الدول المصدرة نفسها، لذا فإن إنشاء هذه المخازن تم عبر وضع استراتيجيته من الأمريكيين بحذر في جميع دول المنطقة، بحيث لا تقع هذه المخازن في أيدي دول أو جماعات معادية في حال الانقلاب على الأمريكان، فعملت على تخزين المعدات والعربات التي تحتاج إلى العنصر الأمريكي لتشغيلها وصيانتها، وتم إنشاء هذه المخازن في مناطق بعيدة يمكن للقوات الأمريكية عزلها والسيطرة عليها حتى ولو رفضت الدولة المضيفة ذلك، أو كانت هي المستهدفة.
    خامساً: تطوير القدرات الاحتياطية المركزية الموجودة في الأراضي الأمريكية نفسها، والمخصصة للعمل بصورة سريعة وطارئة.
    سادساً: إبقاء السيطرة الدائمة على كل دولة عن طريق القواعد التي فيها، فالقواعد العسكرية في كل دولة مناط بها ضمان السيطرة على الدولة المضيفة، وجمع المعلومات الكافية عنها، وعدم إعطائها الفرصة للاستغناء عن أمريكا أو تشكيل قوة حقيقية تهدد الوجود الأمريكي أو إسرائيل.
    ما سبق ذكره هي بعض أهم المهام المناطة بالقواعد العسكرية في المنطقة، ولكن ما هي الأساليب التي يمكن من خلالها تفعيل هذه القواعد التابعة لقوات (التدخل السريع)، لتكون كرأس جسر لأي عمل عسكري لهذه القوة ؟ نقول إن هناك أسليب متعددة من الناحية العملياتية التكتيكية لتحقيق هذا الغرض، ولكن نقتصر على الأساليب الاستراتيجية فنذكر:
     أولها: التدخل بواسطة القوات الأمامية الموجودة في المنطقة أو على مقربة منها.
     ثانيها: التدخل بواسطة القوات المتحركة من أمريكا إلى المنطقة.
     ثالثها: التدخل بواسطة وحدات (مركزية عملياتية) موجودة في مناطق داخل وخارج الولايات المتحدة خاضعة للقيادة الأمريكية المركزية.
     رابعها: التدخل بواسطة القوات الاستراتيجية المركزية مثل الطائرات الاستراتيجية أو الصواريخ بعيدة المدى.
    ونلاحظ أن هذه الأساليب كلها استخدمت في العدوان الأخير على العراق، وهذا يعني أن أمريكا كانت قد رمت ما في جعبتها على مستوى الحرب التقليدية، فلو أنها فشلت فإنها لن تتوانى في الدخول في حرب غير تقليدية.
    وتعد قوات (التدخل السريع) للمنطقة هي رأس الحربة للقوة العسكرية الأمريكية، وصلب تكوين قوات (التدخل السريع)، هو الفيلق 18 المحمول جواً، والذي يتكون من الفرقة 82 المحمولة جواً والتي يبلغ قوامها 15.200جندي، والفرقة 101 المحمولة جواً ويبلغ قوامها 18.900جندي، وتتألف هاتان الفرقتان من وحدات للمشاة ذات التسليح الخفيف، دون المدرعات أو المدفعية الثقيلة أو دبابات القتال الرئيسة، ويمكن نقل الفرقة 82 من أمريكا إلى المنطقة في مدة لا تتجاوز أسبوعين على الأكثر، عبر طائرات الشحن الضخمة (سي 5 غلاكسي) التي تبلغ حمولتها 100 ألف كلغ من العتاد على الأقل، وطائرات (سي 141 ستار ليغتر) الثقيلة التي تبلغ حمولتها 32 ألف كلغ على الأقل، وطائرات (كي سي 135) وهي طائرات صهريج تستطيع تموين طائرات النقل بالوقود خلال الطيران مما يقلل من ضرورة الاعتماد على قواعد ثابتة، علماً أن هناك مشروعاً أمريكياً لقوات الانتشار السريع لاستخدام الطائرات المدنية لنقل القوات في حال الاضطرار.
    كان ما سبق ذكره هو تعداد لفرقتين من قوات (التدخل السريع) فقط، ولكن ليس هذا هو تعداد قوات (التدخل السريع) في المنطقة، فتعدادها عند بداية إنشاء المشروع في عهد (كارتر) كان يتراوح من 100 ألف إلى 110 آلاف جندي، وهو ما يمثل ما أسماه رئيس أركان الجيش الأمريكي آنذاك (برنارد روجرز) (الفيلق المستقل)، ثم صرح الجنرال (كيلي) قائد قوات التدخل للمرة الأولى في أول القرن الهجري الحالي أن حجم القوات سيصل إلى 200 ألف جندي من مختلف فروع القوات، حتى استقر في نهاية الأمر على 200 ألف جندي، بالإضافة إلى 100 ألف جندي احتياطي من مختلف التشكيلات العسكرية عام 1410هـ، خصصت لدعمه أكثر من 200 طائرة من مختلف الأنواع، وربما يكون تعداد وتسليح قوات (التدخل السريع) قد زاد بعد بداية الحملة الصليبية الجديدة قبل سنتين من الآن.
    كل هذه المشاريع، والتجهيزات، والخطوات القديمة، والخطط الماكرة، والأعداد الكبيرة، والتسليح والعتاد، الذي دفع إلى المنطقة، لم يكن كافياً لإقناع البعض أن المنطقة مستعمرة أمريكية، ويظن بعض السذج أن الضربات الجهادية لأمريكا هي التي تسببت بهذا الحشد، وهي خطط بدأت شرارتها الأولى قبل أن يولد الشيخ ابن لادن بأكثر من عشرين سنة تقريباً، ثم يأتي بعض السذج ويقول التسلط الأمريكي على المنطقة لم يحصل إلا بسبب ضربات سبتمبر !!، وكأنه يخاطب أطفالاً لا يعرفون التاريخ، والأكثر منه سذاجة ذاك المنطق الذي يظن أن هذه الحشود جاءت من أجل صدام وأنها سترحل برحيل صدام، ونحن نقول إن قدومهم إلى المنطقة قديم قدم قوتهم، وقد جاء هذا الاحتلال منذ خمسة عقود ليكون قدوماً دائماً، ولن يخرجهم من المنطقة إلا الجهاد، ومنع سرقتهم لنفطنا وتهديد مصالحهم، لقد جاءوا كقوات احتلال لا يمكن أن تخرج إلا جثثاً هامدة، فهم عازمون على البقاء أبداً، يقول وزير الدفاع الأمريكي (باول) في أول شهر ربيع الأول لعام 1411هـ عندما سئل عن مدة بقاء القوات في السعودية قال (لسنا على استعداد أن نأتي كل 10 سنوات لحل مشكلات المنطقة؟ وأضاف أن ذلك مرهون باستقرار المنطقة) وحتى الآن لم تستقر المنطقة ولن تستقر بما أنهم فيها.
    ويأتي هذا التصريح من وزير الدفاع الأمريكي بعد أسبوعين من تصريح وزير الخارجية الأمريكي (بيكر) الذي أفاد بأن بقاء القوات الأمريكية في المنطقة والتي فاقت وقت تصريحه 350 ألف جندي، أنه مرهون باستقرار المنطقة، علماً أن مصطلح (استقرار المنطقة) اصطلاح مطاطي يمكن أن يسبغ أو ينزع من أية منطقة حسب الخطة الأمريكية.
    لا زال خداعهم لشعوب المنطقة مستمراً بسرعة إزالة التواجد الأمريكي من المنطقة:
    وبنفس تلك التصريحات التي خدع بها المغفلون قبل ثلاثين عاماً عن تمركز القوات الأمريكية ورحيلها السريع من المنطقة، تردد نفس التصريحات من نفس الأشخاص أيضاً وتصدق، فخروج آلاف من الجنود من قاعدة في وسط السعودية إلى قاعدة أخرى في شمالها أو شرقها بشكل سري، يعده المغفلون تغيراً في الاستراتيجية الأمريكية، أو انحساراً لنفوذها أو هيمنتها على المنطقة، أو دليلاً لحسن نواياها وحبها للسلام، ويمكن أن يحصل خروج كامل للقوات الأمريكية من السعودية أو من أية دولة في المنطقة، في حالين في حال قيام جهاد يرهبهم، أو في حال حاجتهم لإجلاء رعاياهم لشن هجوم عسكري من دول مجاورة كالعراق ضد السعودية، كما حصل للعراق عندما شن الهجوم عليها من السعودية، والأيام دول.
    نعود ونقول إن خداعنا استمر لقرون مضت، والأغرب من ذلك أنه خداع يمارس من نفس الأشخاص القدامى وبنفس العبارات، مثل (كيسنجر) وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الذي حث يوم الجمعة الماضية 16/2/1424هـ في مقابلة له مع صحيفة (ماروك إيبدو) المغربية، (حث الدول العربية إلى التحرك بسرعة للمشاركة في عملية إعادة إعمار العراق)، نعم إعمار العراق بعد أن دمرها الغزو الصليبي، فهم يدمرون ويقتلون وعلى الحكومات العربية التي سمحت للتدمير والقتل أن ينطلق من أراضيها، عليها أن تجبي الأموال من شعوبها لتعمير ما دمره الصليبيون وعلاج من جرحوه، وكفالة من يتموها ورملوه، يأتي كيسنجر وبكل صفاقة ويقول (على الدول العربية أن تتحرك بسرعة لإعادة إعمار العراق !!، مؤكداً أنه ليس من مصلحتها البقاء على هامش التجربة)، نعم الدخول في صلب التجربة هو بتعمير ما دمره الصليبيون !!، وقال (إن بناء العراق ليس شأناً أمريكيا فقط !!)، وأضاف قوله وهو الشاهد من نقلنا لكلامه (إن الولايات المتحدة لا تستطيع البقاء لأكثر من سنتين في العراق)، ونحن نقول ولكن ما هو السبب لاستعجال خروجها؟، فقال (خشية ازدياد العداء الشعبي العربي لها)، ونقول عذر أقبح من ذنب، فعندما شنت الحرب وقتلت الآلاف لم تخش ازدياد العداء، وعلى كل حال فإن تصريحه ببقائهم لسنتين سيتمدد إلى عشرين سنة ومن سيحاسبهم لو مددوا، إذا لم يحاسبهم المجاهدون؟.
    وعلى نفس السياق يصرح وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) أثناء زيارته لإيرلندا يوم السبت الماضي 24/2/1424هـ (أن الولايات المتحدة تخطط للبقاء في العراق وأفغانستان حتى تشكيل حكومة ديمقراطية واسعة التمثيل)، ولكن المشكلة من يحدد أن هذه الحكومة أو تلك بلغت المستوى الديمقراطي، والتمثيل الموسع الذي ينشده الأمريكيون؟ الإحالة على شرط مجهول يفيد باستحالة حصول المشروط.
    وقال الوزير في لقاء له مع قناة (الجزيرة) الفضائية (أن الولايات المتحدة لا تنوي الاحتفاظ بقواعد عسكرية على المدى الطويل في العراق)، ولكن لو قرروا البقاء على المدى الطويل فهل ستمانع دول المنطقة التي تتسابق على تثبيت القواعد الأمريكية عندها لمدة أطول؟.
    ويفيد مخططون بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن هناك على الأرجح حاجة لبقاء قوة قوامها 125 ألف جندي تساعد في إرساء الاستقرار في العراق لمدة سنة على الأقل، حتى يتم تشكيل حكومة عراقية جديدة تبدأ مهامها وتوفر الأمن، ونلاحظ أن هذا العدد يعادل 63% تقريباً من قوات (التدخل السريع) المحددة للمنطقة، فتمركزها في العراق يغني عن انتشارها في كل دول المنطقة، وربما هذا هو أحد أسباب الاستغناء عن قاعدة سلطان، ولكن إذا انتهت السنة ولم تشكل الحكومة المنشودة التي تبدأ مهامها وتوفر الأمن ماذا سيكون القرار؟.
    يجيب الأميرال المتقاعد (أرثر تشبروفسكي) مدير مكتب تحويل القوة في وزارة الدفاع الأمريكية، على هذا التساؤل فيقول، (إن الولايات المتحدة ترى في نهاية الحرب على العراق فرصة لإعادة انتشارها العسكري في أنحاء العالم، تقود إلى تغيير كبير في القواعد الأمريكية في أوروبا وآسيا، - وكأنه يرمي إلى نقل تلك القواعد إلى العراق -، وهي القواعد – أي في آسيا وأوروبا - التي تشكل السمة الرئيسة للقوات العسكرية الأمريكية خارج الولايات المتحدة، وقال عند الخروج من حرب مثل تلك التي خضناها في العراق فمن السذاجة افتراض أن تعود الأمور كلها إلى الوضع السابق).
    وقال عضو جمهوري بارز بمجلس الشيوخ يوم الأحد 25/2 (أن الأمر قد يستغرق خمس سنوات على الأقل قبل أن تقوم حكومة جديدة وتباشر عملها في العراق).
    وقال السناتور (ريتشارد لوجار) رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وهو جمهوري في مقابلة مع شبكة (سي إن إن) (أعتقد أن علينا أن نفكر في فترة من الوقت لا تقل عن خمس سنوات).
    وقال السناتور الجمهوري (بات روبرتس) رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ (إن الولايات المتحدة سيكون مطلوباً منها الإبقاء على وجود لها في المنطقة)، وقال: لمحطة فوكس نيوز التلفزيونية (جئنا لنبقى) وأضاف: (أتذكر عندما أشار الرئيس (بيل كلينتون) إلى أننا سنكون في البلقان لنحو عام، والآن مرت عشر سنوات ونحن هناك وما زلنا في حاجة للبقاء هناك).
    ويجيب على تساؤلنا السابق (بول وولفيتز) مساعد وزير الدفاع الأمريكي والرجل الثاني في البنتاغون أنه يرى إمكانية إنشاء قواعد عسكرية في العراق الذي سيصبح بلداً خليجياً صديقاً جديداً لأمريكا، وأوضح قائلاً (الحقيقة الأساسية هي أن إزاحة هذا النظام ستمنح الولايات المتحدة حرية أكثر للحركة في الخليج، وأن بصمات أرجلنا ستكون أكثر خفة بدون التهديد العراقي).
    ويؤكد هذا التوجه ما نشرته صحيفة (نيو يورك تايمز) الأمريكية عن مسئولين بوزارة الدفاع (أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم الاحتفاظ بتواجد دائم لقواتها في أربع قواعد عسكرية في العراق لخدمة مصالحها، في الوقت الذي ستخفض فيه من تواجد قواتها في السعودية وهذه القواعد الأربع هي:
     الأولى: في مطار صدام الدولي.
     والثانية: في تليل قرب الناصرية.
     والثالثة: في مكان معزول في صحراء غرب العراق تسمى (إتش 1)، بمحاذاة خط أنابيب النفط بين بغداد والأردن.
     والرابعة: في باشور شمال العراق.
    وتتمركز القوات الأمريكية حالياً في هذه القواعد، وفي غيرها من مئات القوات في كل المدن العراقية وما حولها، وفيما بعد ربما ينحسر التواجد الأمريكي في العراق ليبلغ 125 ألفاً ليتركز في هذه القواعد الأربع.
    وبعد هذا نقول هل سقوط نظام صدام يعني استقرار المنطقة؟ أو عدم حاجة أمريكا لقواعد عسكرية في المنطقة؟ أو انتهائها من استخدام الخيارات العسكرية في المنطقة؟.
    العارف بتاريخ التدخل الأمريكي في المنطقة، والمتابع للتصريحات الأمريكية لا يتردد بالنفي جواباً على هذه الأسئلة، فالتهديد لسوريا ولإيران وللسودان وليبيا ولغيرها من دول المنطقة يتزايد يوماً بعد يوم، ناهيك عن الخطر الذي عده (نيكسون) الأكبر في المنطقة وهو الأصولية الإسلامية كما نقلنا تصريحه سابقاً، ويؤكد استمرارية التواجد الأمريكي في الأيام القادمة ربما بشكل أكبر من السابق التصريحات الأمريكية المتتالية على أعلى وأدنى المستويات السياسية والعسكرية، ومنها تصريح نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) في الأسبوع الماضي، أمام جمعية رؤساء تحرير الصحف، (أن مبادرات عسكرية أخرى ستعقب الحرب على العراق، مذكراً بأن الرئيس جورج بوش كان قد تحدث عن حرب طويلة الأمد ضد الإرهاب – يقصد تصريحه المشهور بأنها حرب صليبية طويلة الأمد – ومشدداً على عقيدة الإدارة بتوجيه ضربات استباقية تستهدف الإرهابيين قبل أن يتمكنوا من تنفيذ هجماتهم)، وقال (إن للولايات المتحدة واجباً أخلاقياً لمواجهة الإرهابيين)، وبالطبع فإن بؤرة الإرهاب التي ينادي الأمريكيون الآن باستئصالها من المنطقة، هي الوهابية في بلاد الحرمين، والدور على الإرهاب الوهابي قادم لا محالة، وهو هدف استراتيجي أمريكي، ربما أول إرهاصاته إبعاد القوات الأمريكية عن المناطق السكانية المعروفة لهم مسبقاً في بلاد الحرمين خشية الانتقام منهم.
    ويؤكد مواصلة إدارة الشر لحربها الصليبية، إرسالها بعد سقوط بغداد بثلاثة أيام كما أعلن مسئولون في وزارة الدفاع الأمريكية لوكالة الأنباء الفرنسية، إرسال القوات الجوية لأعداد كبيرة من القنابل التي تزن كل منها 9.5 طن والمعروفة باسم (مؤاب)، وهي أكبر القنابل الأمريكية التقليدية على الإطلاق، ويعادل تدميرها تدمير قنبلة نووية صغيرة، ولم تعلن الوكالة سبب إرسالها إلى المنطقة رغم سقوط النظام العراقي.
    ويهدد جف هون وزير الدفاع البريطاني بعد سقوط النظام العراقي بيومين بضربات (استباقية) وشيكة، إلى من وصفها بالدول (المارقة) التي ترعى الإرهاب الدولي، أو تملتلك أو تسعى لا متلاك أسلحة الدمار الشامل.
    ورعاية الإرهاب وامتلاك أسلحة الدمار أو السعي لامتلاكها، هو وصف يمكن أن يدخل تحته كل دول المنطقة، كما دخلت العراق تحته وحتى الآن لم تستطع أمريكا وبريطانيا، إثبات وجود أية مواد كيماوية في العراق بعد دخولها لكافة الأراضي العراقية وتنقيبها لكل بيت.
    تكتلات عسكرية جديدة لوقف الغزو الأمريكي لمصالح العالم:
    فغزو أمريكا للعراق كما ظهر لحفاء أمريكا أنه تم من دون مبرر، ولكننا نؤكد أن غزوهم للعراق هو تحرك تكتيكي تمهيداً لتحرك استراتيجي أوسع في المنطقة، يميل إلى الحلول الجذرية الاستئصالية ضد شعوب وحكومات المنطقة، وإذا نجحت تجربتهم في العراق، فستكون دافعاً إلى خطوات أخرى أوسع وأكثر خطورة، ومن الواجب علينا شرعاً وعقلاً واستراتيجياً أن نفشل تجربتهم في العراق برفع راية الجهاد لكف خطورة تحركاتهم، علماً أن خطورة التحركات العسكرية الأمريكية لا تهدد المنطقة وحدها، ولا تهدد المسلمين بشكل أخص فحسب، فهي حملة صليبية بالدرجة الأولى، ولكنها أيضاً حملة استعمارية مستفردة بالعالم، وإذا لم يواجهها العالم بقوة فإنها ستلحق الدمار به , وربما تتسبب بنشوب حرب نووية، نشاهد بوادرها بين أمريكا وكوريا الشمالية، والتي ربما تدخل الصين وروسيا فيها كأطراف أخرى، وربما تدخل الهند كعدو للصين من طرف آخر لتساند أمريكا، وهذا الموقف العسكري الأمريكي الذي يدعو للقلق حرك جميع حلفاء أمريكا ضدها، إلا أنه وللأسف لم يحرك المسلمين بعد، بل إنهم خدعوا وأمنوا بنقل مئات من الجنود الأمريكيين لأسباب تكتيكية داخل المنطقة، من دولة إلى دولة.
    أما على مستوى تحرك أعداء وحلفاء أمريكا على حد سواء، فقد أنشئوا حلفين لمناهضة هذا التحرك العسكري الأمريكي، الحلف الأول من أعدائها التقليديين هو باسم (الدفاع المشترك) بين سبع دول سوفيتية سابقة، والحلف الثاني من حلفائها الأوروبيين هو باسم ( الاتحاد العسكري) بين أربع دول أوروبية، كلها لمواجهة التحرك العسكري الاستعمار الأمريكي الذي قرر أن يستأثر بكل المصالح في العالم، ويدفع لحلفائه الفتات، وقد اتضح أنه ينوي دفع الفتات للحلفاء من عزم أمريكا على مقاطعة ألمانيا اقتصادياً وعزل فرنسا وتهميش دورها العسكري والسياسي، بعد معارضتهما للعدوان على العراق بهدف تقاسم المصالح.
    هذان الحلفان مرشحان إلى أن يتوسعا ليصبحا مشكلة حقيقية للتوسع الأمريكي، لأنهما سيعملان بأسلوبين أسلوب علني واضح الأهداف والبرامج، وأسلوب سري يعيق المشاريع العسكرية الأمريكية ويعقدها في الخفاء، ونستطيع أن نشبهها بالحرب الباردة التي كانت بين المعسكرين الغربي والشرقي، والآن ستكون حرب باردة ولكن بين عدة تكتلات، سيستفيد منها المسلمون حتماً بإذن الله تعالى، إذا تحركوا بحزم وقوة تجاه الجهاد.
    الدفاع المشترك بين سبع دول سوفيتية أعلنت عنه روسيا وست دول من الجمهوريات السوفيتية السابقة قبل أسبوع من الآن، وهذه الجمهوريات الست هي أرمينيا وروسيا البيضاء (بلا روسيا) وطاجكستان وكازخستان وأوزبكستان وقرغيزستان، وقد شكلت هذه الدول قوات للانتشار السريع في منطقة آسيا الوسطى، وصرح الرئيس الروسي (بوتين) أن قمة زعماء الدول الأعضاء في معاهدة الدفاع المشترك التي تضم سبع دول ستشكل قيادة موحدة للأركان العامة.
    وأصدر قادة دول الدفاع المشترك في ختام قمتهم التي عقدت في دوشنبيه، بياناً سياسياً أكدوا فيه استعدادهم لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وطرحوا فيه تقييمهم للوضع في العالم، ثم وقعوا عدة وثائق بشأن استحداث هيئة أركان موحدة لقوات هذه الدول، وتحديد حصص كل واحدة منها في ميزانية منظمة لمعاهدة الدفاع الجماعي.
    وأكد بوتين على أن الرؤساء اتفقوا نهائياً على عدد من آليات التعاون العسكري والسياسي بين دولهم في إطار المنظمة المذكورة التي ستضمن أمن ووحدة وسلامة أرضي هذه الدول وسيادتها.
    ومن المحتمل أن يتوسع هذا الحلف المشترك ليضم بقية الجمهوريات السوفيتية السابقة ليشمل الصين أيضاً وربما يمتد إلى كوريا الشمالية وغيرها من الدول المستهدفة من قبل التحركات العسكرية الأمريكية.
    وبعد هذا الإعلان بيوم واحد فقط، أعلنت أربع دول أوروبية تشكيل منظومة دفاع تسمى (الاتحاد العسكري)، وهذه الدول هي فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ، وهذا الحلف أيضاً قابل للزيادة، بسبب ما تعانيه دول أوروبا من تسلط أمريكي واستئثار بجميع المصالح، وهذا ما كشفه العدوان الأخير على العراق، زيادة على هذا سعي أمريكا إلى معاقبة الدول المعارضة وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، مما دفع هاتين الدولتين إلى كسر العزلة وتشكيل هذا الحلف الذي ربما يتطور ليصبح منظومة دفاعية مشتركة خارج منطقة حلف الناتو وخارج إدارتها، ليتحقق طرح (ديغول) القديم لدول أوروبا لتشكيل حلف خارج قيادة الناتو يدافع عن مصالح أوروبا خارج منطقة الحلف، وإن كانت هذه الدول ضمن حلف الناتو إلا أنها لن تقبل إدخال أمريكا معها في هذا الحلف، ولن تعمل داخل منطقة الحلف، وسوف يتركز تحركها خارج منطقة الحلف وخاصة في المنطقة العربية لمزاحمة أمريكا على تقاسم المصالح.
    وفي محاولة للتغطية على أهداف هذا الحلف القائم على منافسة النفوذ الأمريكي، أشار رئيس الوزراء البلجيكي (غي فير هوفستاد) (أن القمة الأوروبية المصغرة التي تعقد اليوم في بروكسل وتضم فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ، ليست موجهة ضد الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)).
    وألمح الإعلان الفرنسي لهذا الحلف أن المبادرة جاءت لسد الفجوة التكنولوجية العسكرية التي بين هذه الدول وأمريكا، وهي مبادرة للاعتماد على الذات.
    ويرى المراقبون أن هذا الحلف جاء بعد أن ظهرت الانقسامات داخل أوروبا وحلف (الناتو)، والخلاف مع الولايات المتحدة خاصة على حرب العراق، فرأى المؤسسون لهذا الحلف ضرورة تعزيز الموقف السياسي بالقوة العسكرية في ظل المصير المجهول الذي ينتظر الأمم المتحدة، والذي يغلب عليه أنه الموت، وتأتي هذه المنظومة لمواجهة التفوق العسكري الأمريكي الهائل الذي ظهر في حرب العراق وأفغانستان ويوغسلافيا، وأن على أوروبا أن تنهض بالدفاع الأوروبي والروسي لمواجهة تفوق القوة الأمريكية الذي فرض سياستها على العالم عبر تلك القوة.
    وعلى نفس السياق أكد التقرير الفرنسي ما ذكرته المفوضية الأوروبية في تقرير سابق لها، ذكرت فيه أن دول الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة ستخصص في سنة 2003م نحو 160 مليار دولار فقط للنهوض بدفاعاتها، مقابل نحو 400 مليار دولار خصصتها أمريكا بالفعل لتحقيق نفس الغرض، وقدرت فرنسا والمفوضية الأوروبية القدرات العسكرية الحقيقية لدول أوروبا بأنها لا تزيد على 10% فقط من إجمالي القدرات العسكرية الأمريكية التقليدية.
    هذا هو التكتل الجديد القابل للزيادة والتطور الذي تم إنشاؤه، لمواجهة التحرك العسكري الأمريكي في المنطقة، فإذا كانت هذه الدول ترى أن التحرك العسكري الأمريكي خطر عليها، وهي دول صليبية وضمن حلفها أصلاً، فكيف تأمن الشعوب الإسلامية التي ما أنشئت هذه القوة الضاربة الأمريكية إلا لحربها وتركيعها وخلع أنيابها ومخالبها وفرض عملاء عليها ليحققوا سياستها بقوة الحديد والنار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    الخيار العسكري هو الوحيد لنا، وكلمة أخيرة براءة للذمة:
    هذه هي الخطوط الرئيسة للتواجد العسكري الأمريكي، التي أحببنا أن نوضحها في هذه الحلقة، ففهمها ومعرفة أبعادها، يمكّننا من معرفة، المستقبل على الساحة العسكرية في المنطقة، وقد عرضنا استراتيجيات التواجد والتحرك العسكري الأمريكي في المنطقة، لنستغني به عن عرض التواجد والتحرك التكتيكي العسكري الأمريكي في المنطقة، فقضية خروجهم من قاعدة واحدة في السعودية، وبقاؤهم في عشرات القواعد، لا يعد تغيراً استراتيجياً، بل هو تغير تكتيكي له أهداف قريبة أو بعيدة تحتاج إلى تتبع واستقراء لمعرفة نواياهم من وراء ذلك.
    إن عرضنا للاستراتيجية الأمريكية وقوات (التدخل السريع)، يؤكد لكل مسلم أن خيار العدو هو خيار عسكري بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن يواجه هذا الخيار العسكري إلا بخيار مثله، ومهما كانت ضخامة التحرك العسكري وقوته، فإن الله أقوى، وأيضاً فهناك أساليب عسكرية متاحة لتعطيل أو الحد من هذه الآلة العسكرية الهائلة.
    ونحن نخشى أن يكون عرضنا للمكر الصليبي القديم ضد هذه المنطقة، وعرضنا لحجم القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، نخشى أن يهز بعض النفوس الضعيفة، والقلوب التي فقدت اليقين بنصر الله والتوكل عليه، لذا نرى أن نختم هذه الحلقة ببعض النصوص التي نرى أنها تبرئ ذممنا أمام الله تعالى، خشية أن نكون ممن ثبط وبث الإحباط من حيث لا يريد، فتحق علينا عقوبة المخذلين نسأل الله العافية، فنكون ممن دخل تحت قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أو قوله (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، نعوذ بالله من الضلال والتخذيل من حيث نعلم أو لا نعلم.
    ولكن ليعلم كل مسلم أن هذه الجموع التي تجمعت لا تهز النفوس التي ملأها الإيمان والتوكل واليقين بنصر الله تعالى، ولا يمكن أن تهزمها بحال إذا أعدت ما استطاعتها من العدة ولو كانت لا تساوي عند عددهم وعدتهم شيئاً، يقول الله مادحاً لأهل اليقين بنصر الله تعالى (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) فهم كلما رأوا كيداً من عدوهم وقوة وحشداً، لم يزدهم ذلك إلا إيماناً وإصراراً على نزاله قال تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، هؤلاء هم أهل اليقين والإيمان، لا يهمهم القتل، ويحدوهم النصر قال تعالى (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)، نعم إنهم في عبادة وفوز إن انتصروا أو قتلوا، فرحماك ربنا رحماك.
    أما أهل النفاق والدغل فيقول الله ذاماً من هزت نفسه الجموع والكيد والأسلحة والقوات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) فهذا نوع من أعذار المنافقين هو في ظاهره الحمية والخوف على الأعراض، ومن أعذارهم قوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) وهذا نوع آخر من أعذارهم ربما يسمى بالنظرة الواقعية، ولهم أعذار أخرى كقوله تعالى (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) فهذا النوع من الأعذار ربما يسمى الثقافة العلمية للطبيعة !!، ومنهم من يسوق الأعذار التي يزعم بها أنه محافظ على دينه وعبادته كما قال الجد بن قيس عندما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم لقتال الروم فقال له (هل لك في جلاد بني الأصفر؟) فرد عليه الجد بقوله: لقد عرفت قومي ما رجل أشد عجباً بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن، فأعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله راداً عليه قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) هذه بعض أعذار المنافقين والتي تردد بأشكال مختلفة إلى يومنا هذا.
    ولهم أعذار لا حد لها أبداً، قديماً وحديثاً، ولكن أصولها واحدة وإن اختلفت مخارجها، وعلى كل من سمع أعذار من يصد عن الجهاد أو يتخلف عنه بعد الاستطاعة، فما عليه إلا أن يعرضها على آيات الله تعالى، ليجد التطابق في الأصول بين أعذار الأولين والمتأخرين، فالذين قالوا لو نعلم قتالاً في القديم، هم الذين يقولون اليوم بأن هذا ليس بجهاد، وأمريكا هي التي تحرك المجاهدين أو تفسح المجال لهم ليعطوها المبرر لتنفيذ خططها، وهكذا يمكن لكل عبد أن يقارن بين أقوال المثبطين المخذلين اليوم، وأقوال المنافقين قديماً، نسأل الله أن يعافينا من ذلك، ويجعلنا من أهل الإيمان الذين لا يزيدهم كيد العدو إلا يقيناً، ولا تجبّره إلا إصراراً على قتاله لينال النصر أو الشهادة، فهم مستيقنون بقول الله تعالى (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) وقوله (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) فمهما عظمت قوات (التدخل السريع) وتطورت، فلن تعدو وصف الله تعالى لها، إذا ما قابلت رجالاً آمنوا بالله تعالى واستيقنوا نصره . ونختم هذا الفصل بذكر نصوص مبشرة بأن النصر لهذا الدين مهما طال ليل الظالمين، فيوشك الليل أن ينجلي بفجر ترفع فيه راية لا إله إلا الله يعز بها أهل الدين ويذل بها أهل الكفر والشقاق والنفاق.
    يقول تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ويقول (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) ويقول (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) ويقول (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ويقول (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ويقول (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) والنصوص من القرآن كثيرة والتي تؤكد أن الله ناصر لمن نصره ورفع راية الجهاد لإعلاء كلمته، وهذا وعد من الله تعالى ولا يخلف الله وعده، فمن حقق الشروط تحقق له المشروط، ولا نعني بالشروط الفلسفة المادية التي يسوقها أهل النفاق والتخذيل، ولكن الشروط ما جاءت في الكتاب والسنة من مادية وروحية. أما النصوص من السنة فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم وغيره (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) ويقول كما عند أحمد (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر، ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يُعز الله به الإسلام، وذلاً يُذل الله به الكفر) ويقول كما عند أحمد وغيره عندما سئل عليه الصلاة والسلام أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مدينة هرقل تفتح أولاً يعني قسطنطينية) ففتح روما عاصمة الصليب حاصل لا محالة، كما أن قتل اليهود وإراقة دمائهم حاصل في فلسطين لا محالة قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر أو الشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود) والنصوص من السنة التي تؤكد نصر الله لأهل هذا الدين، على جيوش الكفر مهما بلغت في العدد والعدة، أكثر من أن نحصرها في هذه الحلقة، ولكننا أشرنا إليها هنا إشارة، حتى تبرأ ذممنا أمام الله تعالى، خشية أن نقع في تخذيل الأمة وتثبيطها من حيث لا نشعر بعد أن عرضنا كيد الكافرين وقواتهم وتسليحها وأعدادها وتخطيطهم للمنطقة، فنخشى أن يبعث هذا الأمر اليأس في بعض النفوس الضعيفة، فأردنا من إيراد بعض نصوص الكتاب والسنة، أن نين معالم أهل الإيمان والصدق إذا سمعوا بمثل هذا الكيد، وأساليب المنافقين الذين يتسللون لواذا إذا ما تلاقى الزحفان وتراءت الفئتان، إتباعا لهدي سيدهم إبليس الذي قال الله عنه (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ)، فأوضحنا سبيل أهل الهدى، ودهاليز أهل النفاق في مثل هذه المواطن، وذكرنا ما بشرنا الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم من أن أمر الكفار في سفال مهما استعلى شرهم وطال بغيهم، والعاقبة للمتقين فإن صدقنا الله حق لنا النصر بإذنه تعالى.


    الشيخ / يوسف بن صالح العييري

  • #2
    الله يجزيك الخير اخوي الكريم علي الموضوع الطيب

    تقبل الله منك صالح الاعمال وجعله في ميزان حسناتك

    في حفظ الله ورعايته

    اللهم إنصر المسلمين في كل مكان ... اللهم وحد شملهم ... واجمع كلمتهم .... واللهم ووفقهم لكل خير
    اللهم ... رد مسجدنا الاقصى إلينا ولكل المسلمين .... يا رب يا ناصر المستضعفين ....

    دعاء لقاء العدو وذي السلطان

    "اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم"

    "اللهم أنت عضدي وأنت نصيري، بك أجول، وبك أصول، وبك أُقاتل"

    "حسبنا الله ونعم الوكيل "
    #########
    يرجى المعذرة فالإعلان عن منتديات أخرى ممنوع
    وأي ملاحظة أو استفسار قسم الشكاوى والإقتراحات ،مفتوح!

    تعليق

    يعمل...
    X