بسم الله الرحمن الرحيم
حماس والجهاد ... أزمة قواعد أم غياب إستراتيجية في التعامل
حماس والجهاد ... أزمة قواعد أم غياب إستراتيجية في التعامل
لم تكن أحداث رفح الليلة الماضية بالجديدة في تاريخ العلاقة بين حماس والجهاد ورغم تكرار الطرفين التأكيد علي اهمية الحفاظ علي الصف الوطني " وعدم الانجرار وراء أي اقتتال داخلي" , مع ذلك لم يفلح من تجنب الصدام مع حماس وأجنحتها العسكرية , بعد حالات من المد والجزر في العلاقة واستخدام مسكنات ميدانية لتجاوز حالات الاقتتال ....!
منذ انتهاء عملية التطهير التي قامت بها حماس و إثرها سيطرت علي قطاع غزة , لم تظهر أي استراتيجية توحي بتغير نمط وتفكير القيادة الحمساوية وانتقاله من مرحلة الشعور بالقدرة علي تحقيق الانتصارات ونشوتها و الاغترار بقوتها العسكرية في مواجهة خصومها ايٍ كان, الي مرحلة تشكيل استراتيجية عمل تسطيع الملائمة والجمع بين الاطر المقاومة واحتضانها عبر مشروع سياسي اسلامي أو مقاوم واضح المعالم, في المقابل لم تظهر استراتيجية وارادة حقيقية من طرف الجهاد الاسلامي في تقبل انتصار حماس وحسمها العسكري والتكيف مع واقعه, لدرجة أبرزت تأزم فعلي في العلاقات الداخلية ادي الي المزيد من الاخطاء المتكررة وسوء الممارسة في التعامل مع المتغيرات أو تقبل الوقائع بين كل التنظيمين , وكل ناتج عن حالة ملازمة من الاحساس بالقوة المفرطة والقدرة علي الحسم في ظل واقع سيئ للشعب الفلسطيني , في حماس حيث مازالت قيادتها بحاجة الي ادراك موقع المسؤلية واهمية العمل الجماعي والتبادلي في جسم الحركة الاسلامية بعيداً عن الغرور السياسي وافراط القوة العسكرية و حتي لا تقترب من الافلاس الاخلاقي , فيما تعيش الجهاد الاسلامي حالة الخوف والحذر من تكرار حالة "فتح " أو اقصاء الحركة من المسرح المقاوم والسياسي الداخلي في غزة .
لقد أصبح العنف الدموي سمة بارزة في تشكيل العلاقة الداخلية بين التيارين الاسلاميين (حماس و الجهاد ) ولقد دقت الاحداث في الفترات الماضية ناقوس خطير حقيقي سينقل الحالة الفلسطينية في غزة الي معترك الأزمة المتواصلة وانفضاض الحاضنة الشعبية التي تزداد معاناتها كل يوم بفعل الحصار والابتزاز الحزبي و الاستغلال السيئ للمعاناة والافراد من قبل التنظيمات , قد يكون من المناسب ان نحمد الله في هذا المقام عدم ظهور القاعدة في الوقت الحالي , وبذلك تسقط شماعة "التكفير والتفجير" وحلت محلها ثقافة " العقاب من خلال بتر الاعضاء والتعذيب والقتل " لتزداد اعداء المعوقين والمشلولين جسدياً تحت مبررات غائبة في الماضي حاضرة اليوم بفعل السلطة , والفارق بين الاثنين "القاعدة وحماس " غياب الجانب الاخلاقي في حالة حماس وتوفره في حالة القاعدة بما يجمع بين شجاعة الاعتراف وتناسب العقاب وتطابقة مع الحكم الشرعي فيما حالة حماس لا تخرج عن كونه عقاب بلا مبررات شرعية وفي ظل غياب الحكم الشرعي !
في الجهاد الاسلامي مازالت هذه الحركة غير قادرة علي امتصاص قوة حماس وانتصارها في معركة غزة , تنظر قيادة الجهاد علي الامر بمثابة اقتتال اكثر منه تطهير لسلطة عباس وزمرته العميلة , الجهاد التي عانت كثيراً في الماضي من سلطة عباس يبدو انها تحن الي تلك الايام , وربما في الواقع النفسي ان عذاب سلطة عباس ارحم من رؤية انتصار حماس ! قيادة الجهاد الداخلية لا تريد التكيف مع واقع حماس , فيما حماس لن تبدي مرونة في تجاوز سلطتها !
رغم حالة التمسك بالثوابث والمقاومة التي تبذيها الحركتين , لكن في محاولة اعمق يمكن قراءة المشهد بصورة مغايرة الجهاد ينظر الي صراع "حماس وفتح " انه صراع سلطوي تبلور بدخول الانتخابات التشريعية المرفوضة , حماس خلطت الاوراق جراء حسمها العسكري وتبدي رغبة متواصلة في ضرورة حل الأزمة القائمة ! فيما ينظر الكثيرين من ابناء حماس الي الجهاد كونه بوابة مفتوحة دون بحث معمق للكثيرين من الفتحاويين بعد التطهير المباشرة هرباً من انتقام حماس واملاً في ايجاد مكان أمن !
ليس غريباً ان تتكرر حالات الاشتباك والاحتقان بين الطرفين "حماس والجهاد " واذا كانت تظهر الصور الاعلامية ابتسامات ولقاءات متبادلة بين الطرفين , تعيش القواعد الشعبية لكلاهما حالة من الرفض والحقد تجاه الاخر .
أين يتبلور الخلاف بين التنظيمين , الخلاف يتبلوا في ثلاث أوجه :
-الجانب المقاوم : حول تبني حالات اسفرت عن مقتل واصابة جنود اسرائيليين , التوقيت ,أماكن العمل العسكري , ويمكن ضرب امثلة علي حوادث تدل علي خلافات في هذه الجانب منها مقتل 6 جنود في تفجير الدبابة حي الزيتون 11/5/2004 ,تلاه حادثة الفراحين 17/10/2007 , وغيره من الحوادث .
- الجانب الدعوي والسياسي: صراع حول السيطرة علي المساجد وإدارتها وقد اظهرت حوادث كثيرة دلالة علي هذا الجانب منها الحادثة الاخيرة في مسجد الرحاب في بني سهيلا .
- الجانب الاجتماعي : رفض الانصياع أو الخضوع أو التكيف مع واقع وقرارت ونهج حماس الجديد بعد السيطرة والحسم , كأوامر منع اطلاق النار في الاماكن العامة , الحفلات والأعراس مثلاَ ويمكن رؤية هذه الحوادث بوضوح وكانت ابرز الحوادث حادث الاشتباك المسلح في احدي افراح ابناء الجهاد الاسلامي في حي الزيتون فجر الخميس 2/8/2007 .
في مايو الماضي تحدث كلا القيادتين الحمساوية والجهادية , عن وجود تقارب كبير ربما يؤدي الي اندماج او رؤية موحدة في العمل المقاوم والسياسي , وقد كشف الدكتور محمود الزهار القيادي في حماس عن "تولد"رؤية مشتركة ونية صادقة لدى الحركتيننحو التقارب، مشيرا إلى عدة لقاءات تم عقدها في الداخل والخارج، حول هذه الرؤية المشتركة وتوحيد المواقف.وأضاف يقول:" لقد تم اتخاذ إجراءات إداريةوتنظيمية للتعبير عن هذه الرؤية، وآلياتتنفيذها، واتخاذ خطوات من أجل الوصول إلى أعلى درجة من التنسيق وأكثر من ذلك". ويعترف الطرفان –حماس والجهاد – بأن الخلافات بين الحركتين لا يعدو اجتهاداً سياسياً حول بعض القضايا السياسية، مع عدم وجود أي خلاف فكري أو عقدي أو قهي،مضيفا " الاختلاف بين الحركتين يكمن في الاجتهادات السياسية والمواقف السياسية" كما يصف نافذ عزام فيما قال البطش القيادي في الجهاد " إن الذي يجمع حركة الجهاد بحركة حماس هي العلاقة الاستراتيجية - علاقة المقاومة والإسلام"، وتابع:" نريد أن نتجاوز كافة الإشكاليات على الأرض".
بعد الحسم العسكري وسيطرة حماس , أصبحت الامور بحاجة الي اكبر من تصريحات اعلامية لاعادة جذور الثقة بين الطرفين في ظل احتدام الموقف السياسي , حالة الاحتقان الشديدة بين القواعد الشعبية لكل من الحركتين تجاه الاخري تزداد كل يوم مع عدم ظهور حلول جذرية تتجاوز الانقسام الحاصل وحالة الصراع الخفي التي تنذر بالمزيد من الاضطرابات بين الجانبين .
حماس والجهاد من اكبر الاطراف التي تتنافس في مشروعي المقاومة والمشاريع الخيرية لكسب الشارع الفلسطيني لصفوفهما، وتشكل دليلاً حسياً على أن الجهود الرامية إلى توحيدهما، قبل أحداث غزة، لم تتكلّل بالنجاح رغم الحديث المفرط في صفوف قادة التنظيمين عن التقارب والتوحّد لمواجهة الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية , مازلت الاستراتيجية السياسية بعيدة و لا تبشر بتقارب واقعي , فالانقسام السياسي الذي احدثه الانتخابات التشريعية –تحت سقف اوسلو – كما تقول حركة الجهاد الاسلامي تزيد حالة الانقسام السياسي وتباعد الاهداف والمواقف السياسية , والسبب ببساطة ان حماس الذي دخلت المازق الاوسلوي وشراكة التفريط مع سلطة عباس أصبحت بلا مقاومة حقيقية ولا اصلاح فعلي !
في الفترات الاخيرة ازدادت حالة الاشمئزاز من طرف حماس تجاه مواقف الجهاد الاسلامية ورغم اتفاق الطرفين علي نبذ مؤتمر الخريف ودعوتهما عباس لرفض حضور المؤتمر , لكن مواقفهما في الحالة الداخلية مختلفة كثيراً , فيما تتهم الجهاد حماس بإزدياد ممارسات البطش واستخدام القوة المفرطة من قبل قوتها التنفيذية التي ارتكبت العديد من «التجاوزات» بحق مؤسسات اجتماعية تابعة لـ«حركة الجهاد»، وبينها رياض أطفال، وبعض المساجد التي تشرف عليها «الجهاد» ، ترد حماس في المقابل بإتهامات علي مستوي الاعضاء والقيادات بضرورة قيام الجهاد الاسلامي بغربلة صفوفه وتنقيتها من "المشبوهين " المحسوبين علي حركة فتح ممن التحقوا بحركة الجهاد الاسلامي بعد الحسم مباشرة , كذلك حماس ترفض موقف الجهاد الاسلامي الذي يحمل الطرفين (حماس وفتح ) المسؤولية الوطنية والأخلاقية لما وصلت اليه الامور من حالة انقسام واقتتال بغض النظر عن التفاصيل .
فيما مضي كان ابناء حماس تنتقد موقف الجهاد الاسلامي بسبب عدم دخوله التشريعي وتصفه يعود للبنية الداخلية لا الرؤيا السياسية , وقد تفاخر الكثير من أبناء حماس بإتساع قواعد الحركة شعبياً علي عكس الجهاد الاسلامي اتصف بضعف قواه, وقلة قبوله في الشارع الفلسطيني حسب الادعاء, والاستهزاء بقرار الجهاد الاسلامي عدم دخول الانتخابات وتحذيراته من تبعاتها السياسية الكبيرة , اليوم حماس تصرخ من التجربة وهذا ما أقر به مروان ابو الروس احد قادة حماس وعلمائها في تصريح له لاذاعة صوت الاقصي 20/10/2007 ووصف بصراحة الدخول في المجلس التشريعي كان " مصيبة الهانا عن العمل الحقيقي ".
في الجهاد الاسلامي تفخر قيادته بالانتصار السياسي في هذا الميدان وذكائها في الاجتهاد السياسي , في تصريحات لأمينها العام رمضان شلح بتاريخ 21/10/2007 لموقع "اسلام اليوم " (الآن تستطيع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أن تفتخر بقرارها الواضح في رفض المشاركة في الانتخابات الفلسطينية؛ لأنها "لا تؤمن بإجراء انتخابات ديمقراطية مزعومة تحت حراب الاحتلال وتحت سقف أوسلو"، فهذا القرار أهّلها إلى أن تنأى بنفسها عن الانقسام والاقتتال الداخلي الفلسطيني، ودفعها بقوة إلى أن تتبوّأ منصة "إصلاح ذات البين"؛ لأنها رفضت منذ البداية "الدخول في هذا النفق". ) , كذلك تتفاخر الجهاد بقدرة ذراعها المقاوم وتطوره وقد أظهر الابداع في عملية عملية (زكيم) الأخير التي اصيب فيها اكثر من 60 مجنداً اسرائيلياً في قصف وصف بالدقيق والمركز بإستخدام الصواريخ المحلية الصنع .
في غزة دارت الدوائر وبعدما كانت الاتهامات تساق بصورة واضحة ضد الجهاد الاسلامي وارتباطه بإيران وموالتها للشيعة , وقد قاد أفراد وجماعة الاخوان المسلمين هذه الحملة , نري اليوم أن هذه الاتهامات تطال حماس وبصورة اكبر الي حد اعتبارها تنفذ مخططات و أجندة إيرانية في فلسطين! يضيف رمضان شلح تعقيباً علي هذه المسألة ( لكن العجيب والغريب أن هذه التهمة تصدر عن حركة علمانية مثل حركة فتح! لماذا لجأت فتح إلى اتهام حماس بعلاقتها بالشيعة، وهتفت بذلك في المهرجانات والمسيرات التي نقلتها الفضائيات وسمعها الملايين، على الرغم من أنه اتهام قد يصفه البعض بالسخيف والمضحك؟! السبب بكل بساطة أن فتح تدرك كم كان فتاكاً هذا الاتهام عندما استُخدم ضد حركة الجهاد الإسلامي، خاصة في إطار ظروف التعبئة المذهبية والطائفية التي واجهت الثورة الإيرانية وواكبت الحرب العراقية ـ الإيرانية، كما في هذه الفترة الراهنة؛ إذ مأساة العراق وجرحه النازف اليوم. وكم كان مؤثراً في استنزاف الحركة وتشويه صورتها وسمعتها على الرغم من كل ما قدمته من دماء وشهداء وتضحيات في ميادين الجهاد؟!! )
ما يلفت النظر في العلاقة بين الجهاد وحماس علي صعيد القيادات هي قوة العلاقة ومتانتها في الخارج , فإذا كان الواقع المرير يفرق الأخوة في الداخل فإن المنفي يجمعهما في الخارج , هذه مفارقة عجيبة في نظر البعض لكنها واقعية الي حد كبير, لم تفلح المكاتب ولجان تنسيق مشترك في وقف أو تدارك الحوادث المتكررة بين الطرفين الا علي نطاق ضيق , لكن ما تزال درجات الاحتقان ترتفع في موازاة غياب القدرة عند قيادات وقواعد الحركتين بعيداً عن المستوي السياسي , الطرفين غير قادرين علي تحقيق مستوي فعلي من الفهم المشترك , معالجة الأزمات , وايجاد واقع عملي لدى قيادة وقواعد الداخل من الطرفين، وهناك تقدم على هذا الصعيد لكن ببطء وصعوبة , مشاكل ميدانية مشاكل مثل هذه يمكن توقع المزيد منها في المستقبل اذ لم تسارع الحركتين الي تعزيز متطلبات ازالة الاحتقان والحساسية بين ابناء الحركتين , ولعل ابرز وسائل ازالة الاحتقان واعادة اللحمة بينهما يكمن في تعزيز النشاط الدعوي والاعلامي والسياسي والعسكري بينهما وهذا يتطلب مكاتب تنسيق في مختلف المناطق وافراد اصحاب مبادرة وليونة في التعامل مع المشكلات حتي لا يتم استغلالها سيئاً من الاطراف المشبوهة بما يؤدي الي شق الصف الاسلامي وانحراف البوصلة الجهادية لأكبر فصيلين مقاومين علي الساحة الفلسطينية .
نجمل ابرز وسائل ازالة الاحتقان وزيادة الفاعلية المشتركة بين الطرفين :
· تعزيز الجانب العسكري : من خلال تدريبات مشتركة بين الحركتين , التحام واحد في الاجتياحات , بيانات موحدة توضح نتائج التصدي للهجمات الصهيونية خاصة الاجتياحات .
· علي الصعيد الاعلامي : برامج مشتركة , حوارية , تقارير , لقاءات اعلامية في الوسائل الاعلام التي تتبع كلا منهما .
· علي الصعيد الدعوي : افساح المجال لمشاركات دعوية اعمق واوسع , مهرجانات مشتركة , لقاءات دعوية مشتركة , مجالس اسرية للتقارب والالفة , برامج تثقيف تدعو الي الالفة والمحبة بين ابناء الحركة الاسلامية الواحدة .
في غزة الحركتين اللتان تخرجان من نفس الخط الاسلامي مهددتان بإتساع دائرة الخلاف و الكراهية بين القواعد وهذا اثرهما خطير علي المدي البعيد , فحماس بحاجة الي ان تدرك قيمة الاخرين وتغيير السلوك المفرط وديكتاتورية القرارات والافعال , فيما الجهاد الاسلامي بحاجة الي ان تتأقلم مع انتصارات حماس وحسمها العسكري وأهيمتها كمقوم استراتيجي مقاوم وسياسي علي الساحة الفلسطينية بما يتطلب تنسيق عالي ومتواصل ميدانياً مع حماس تتفاعل بموجبه مع المتغيرات الطارئة علي حالة غزة حتي يتم تجنيب اذراعها المقاومة أي إشكالات او تجاذبات حادة مقبلة بما ينعكس علي القضية الفلسطينية ومشروعها المقاوم .
هذا والله اعلم
كتب / أبو حمزة (منتديات الحسبة )
منذ انتهاء عملية التطهير التي قامت بها حماس و إثرها سيطرت علي قطاع غزة , لم تظهر أي استراتيجية توحي بتغير نمط وتفكير القيادة الحمساوية وانتقاله من مرحلة الشعور بالقدرة علي تحقيق الانتصارات ونشوتها و الاغترار بقوتها العسكرية في مواجهة خصومها ايٍ كان, الي مرحلة تشكيل استراتيجية عمل تسطيع الملائمة والجمع بين الاطر المقاومة واحتضانها عبر مشروع سياسي اسلامي أو مقاوم واضح المعالم, في المقابل لم تظهر استراتيجية وارادة حقيقية من طرف الجهاد الاسلامي في تقبل انتصار حماس وحسمها العسكري والتكيف مع واقعه, لدرجة أبرزت تأزم فعلي في العلاقات الداخلية ادي الي المزيد من الاخطاء المتكررة وسوء الممارسة في التعامل مع المتغيرات أو تقبل الوقائع بين كل التنظيمين , وكل ناتج عن حالة ملازمة من الاحساس بالقوة المفرطة والقدرة علي الحسم في ظل واقع سيئ للشعب الفلسطيني , في حماس حيث مازالت قيادتها بحاجة الي ادراك موقع المسؤلية واهمية العمل الجماعي والتبادلي في جسم الحركة الاسلامية بعيداً عن الغرور السياسي وافراط القوة العسكرية و حتي لا تقترب من الافلاس الاخلاقي , فيما تعيش الجهاد الاسلامي حالة الخوف والحذر من تكرار حالة "فتح " أو اقصاء الحركة من المسرح المقاوم والسياسي الداخلي في غزة .
لقد أصبح العنف الدموي سمة بارزة في تشكيل العلاقة الداخلية بين التيارين الاسلاميين (حماس و الجهاد ) ولقد دقت الاحداث في الفترات الماضية ناقوس خطير حقيقي سينقل الحالة الفلسطينية في غزة الي معترك الأزمة المتواصلة وانفضاض الحاضنة الشعبية التي تزداد معاناتها كل يوم بفعل الحصار والابتزاز الحزبي و الاستغلال السيئ للمعاناة والافراد من قبل التنظيمات , قد يكون من المناسب ان نحمد الله في هذا المقام عدم ظهور القاعدة في الوقت الحالي , وبذلك تسقط شماعة "التكفير والتفجير" وحلت محلها ثقافة " العقاب من خلال بتر الاعضاء والتعذيب والقتل " لتزداد اعداء المعوقين والمشلولين جسدياً تحت مبررات غائبة في الماضي حاضرة اليوم بفعل السلطة , والفارق بين الاثنين "القاعدة وحماس " غياب الجانب الاخلاقي في حالة حماس وتوفره في حالة القاعدة بما يجمع بين شجاعة الاعتراف وتناسب العقاب وتطابقة مع الحكم الشرعي فيما حالة حماس لا تخرج عن كونه عقاب بلا مبررات شرعية وفي ظل غياب الحكم الشرعي !
في الجهاد الاسلامي مازالت هذه الحركة غير قادرة علي امتصاص قوة حماس وانتصارها في معركة غزة , تنظر قيادة الجهاد علي الامر بمثابة اقتتال اكثر منه تطهير لسلطة عباس وزمرته العميلة , الجهاد التي عانت كثيراً في الماضي من سلطة عباس يبدو انها تحن الي تلك الايام , وربما في الواقع النفسي ان عذاب سلطة عباس ارحم من رؤية انتصار حماس ! قيادة الجهاد الداخلية لا تريد التكيف مع واقع حماس , فيما حماس لن تبدي مرونة في تجاوز سلطتها !
رغم حالة التمسك بالثوابث والمقاومة التي تبذيها الحركتين , لكن في محاولة اعمق يمكن قراءة المشهد بصورة مغايرة الجهاد ينظر الي صراع "حماس وفتح " انه صراع سلطوي تبلور بدخول الانتخابات التشريعية المرفوضة , حماس خلطت الاوراق جراء حسمها العسكري وتبدي رغبة متواصلة في ضرورة حل الأزمة القائمة ! فيما ينظر الكثيرين من ابناء حماس الي الجهاد كونه بوابة مفتوحة دون بحث معمق للكثيرين من الفتحاويين بعد التطهير المباشرة هرباً من انتقام حماس واملاً في ايجاد مكان أمن !
ليس غريباً ان تتكرر حالات الاشتباك والاحتقان بين الطرفين "حماس والجهاد " واذا كانت تظهر الصور الاعلامية ابتسامات ولقاءات متبادلة بين الطرفين , تعيش القواعد الشعبية لكلاهما حالة من الرفض والحقد تجاه الاخر .
أين يتبلور الخلاف بين التنظيمين , الخلاف يتبلوا في ثلاث أوجه :
-الجانب المقاوم : حول تبني حالات اسفرت عن مقتل واصابة جنود اسرائيليين , التوقيت ,أماكن العمل العسكري , ويمكن ضرب امثلة علي حوادث تدل علي خلافات في هذه الجانب منها مقتل 6 جنود في تفجير الدبابة حي الزيتون 11/5/2004 ,تلاه حادثة الفراحين 17/10/2007 , وغيره من الحوادث .
- الجانب الدعوي والسياسي: صراع حول السيطرة علي المساجد وإدارتها وقد اظهرت حوادث كثيرة دلالة علي هذا الجانب منها الحادثة الاخيرة في مسجد الرحاب في بني سهيلا .
- الجانب الاجتماعي : رفض الانصياع أو الخضوع أو التكيف مع واقع وقرارت ونهج حماس الجديد بعد السيطرة والحسم , كأوامر منع اطلاق النار في الاماكن العامة , الحفلات والأعراس مثلاَ ويمكن رؤية هذه الحوادث بوضوح وكانت ابرز الحوادث حادث الاشتباك المسلح في احدي افراح ابناء الجهاد الاسلامي في حي الزيتون فجر الخميس 2/8/2007 .
في مايو الماضي تحدث كلا القيادتين الحمساوية والجهادية , عن وجود تقارب كبير ربما يؤدي الي اندماج او رؤية موحدة في العمل المقاوم والسياسي , وقد كشف الدكتور محمود الزهار القيادي في حماس عن "تولد"رؤية مشتركة ونية صادقة لدى الحركتيننحو التقارب، مشيرا إلى عدة لقاءات تم عقدها في الداخل والخارج، حول هذه الرؤية المشتركة وتوحيد المواقف.وأضاف يقول:" لقد تم اتخاذ إجراءات إداريةوتنظيمية للتعبير عن هذه الرؤية، وآلياتتنفيذها، واتخاذ خطوات من أجل الوصول إلى أعلى درجة من التنسيق وأكثر من ذلك". ويعترف الطرفان –حماس والجهاد – بأن الخلافات بين الحركتين لا يعدو اجتهاداً سياسياً حول بعض القضايا السياسية، مع عدم وجود أي خلاف فكري أو عقدي أو قهي،مضيفا " الاختلاف بين الحركتين يكمن في الاجتهادات السياسية والمواقف السياسية" كما يصف نافذ عزام فيما قال البطش القيادي في الجهاد " إن الذي يجمع حركة الجهاد بحركة حماس هي العلاقة الاستراتيجية - علاقة المقاومة والإسلام"، وتابع:" نريد أن نتجاوز كافة الإشكاليات على الأرض".
بعد الحسم العسكري وسيطرة حماس , أصبحت الامور بحاجة الي اكبر من تصريحات اعلامية لاعادة جذور الثقة بين الطرفين في ظل احتدام الموقف السياسي , حالة الاحتقان الشديدة بين القواعد الشعبية لكل من الحركتين تجاه الاخري تزداد كل يوم مع عدم ظهور حلول جذرية تتجاوز الانقسام الحاصل وحالة الصراع الخفي التي تنذر بالمزيد من الاضطرابات بين الجانبين .
حماس والجهاد من اكبر الاطراف التي تتنافس في مشروعي المقاومة والمشاريع الخيرية لكسب الشارع الفلسطيني لصفوفهما، وتشكل دليلاً حسياً على أن الجهود الرامية إلى توحيدهما، قبل أحداث غزة، لم تتكلّل بالنجاح رغم الحديث المفرط في صفوف قادة التنظيمين عن التقارب والتوحّد لمواجهة الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية , مازلت الاستراتيجية السياسية بعيدة و لا تبشر بتقارب واقعي , فالانقسام السياسي الذي احدثه الانتخابات التشريعية –تحت سقف اوسلو – كما تقول حركة الجهاد الاسلامي تزيد حالة الانقسام السياسي وتباعد الاهداف والمواقف السياسية , والسبب ببساطة ان حماس الذي دخلت المازق الاوسلوي وشراكة التفريط مع سلطة عباس أصبحت بلا مقاومة حقيقية ولا اصلاح فعلي !
في الفترات الاخيرة ازدادت حالة الاشمئزاز من طرف حماس تجاه مواقف الجهاد الاسلامية ورغم اتفاق الطرفين علي نبذ مؤتمر الخريف ودعوتهما عباس لرفض حضور المؤتمر , لكن مواقفهما في الحالة الداخلية مختلفة كثيراً , فيما تتهم الجهاد حماس بإزدياد ممارسات البطش واستخدام القوة المفرطة من قبل قوتها التنفيذية التي ارتكبت العديد من «التجاوزات» بحق مؤسسات اجتماعية تابعة لـ«حركة الجهاد»، وبينها رياض أطفال، وبعض المساجد التي تشرف عليها «الجهاد» ، ترد حماس في المقابل بإتهامات علي مستوي الاعضاء والقيادات بضرورة قيام الجهاد الاسلامي بغربلة صفوفه وتنقيتها من "المشبوهين " المحسوبين علي حركة فتح ممن التحقوا بحركة الجهاد الاسلامي بعد الحسم مباشرة , كذلك حماس ترفض موقف الجهاد الاسلامي الذي يحمل الطرفين (حماس وفتح ) المسؤولية الوطنية والأخلاقية لما وصلت اليه الامور من حالة انقسام واقتتال بغض النظر عن التفاصيل .
فيما مضي كان ابناء حماس تنتقد موقف الجهاد الاسلامي بسبب عدم دخوله التشريعي وتصفه يعود للبنية الداخلية لا الرؤيا السياسية , وقد تفاخر الكثير من أبناء حماس بإتساع قواعد الحركة شعبياً علي عكس الجهاد الاسلامي اتصف بضعف قواه, وقلة قبوله في الشارع الفلسطيني حسب الادعاء, والاستهزاء بقرار الجهاد الاسلامي عدم دخول الانتخابات وتحذيراته من تبعاتها السياسية الكبيرة , اليوم حماس تصرخ من التجربة وهذا ما أقر به مروان ابو الروس احد قادة حماس وعلمائها في تصريح له لاذاعة صوت الاقصي 20/10/2007 ووصف بصراحة الدخول في المجلس التشريعي كان " مصيبة الهانا عن العمل الحقيقي ".
في الجهاد الاسلامي تفخر قيادته بالانتصار السياسي في هذا الميدان وذكائها في الاجتهاد السياسي , في تصريحات لأمينها العام رمضان شلح بتاريخ 21/10/2007 لموقع "اسلام اليوم " (الآن تستطيع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أن تفتخر بقرارها الواضح في رفض المشاركة في الانتخابات الفلسطينية؛ لأنها "لا تؤمن بإجراء انتخابات ديمقراطية مزعومة تحت حراب الاحتلال وتحت سقف أوسلو"، فهذا القرار أهّلها إلى أن تنأى بنفسها عن الانقسام والاقتتال الداخلي الفلسطيني، ودفعها بقوة إلى أن تتبوّأ منصة "إصلاح ذات البين"؛ لأنها رفضت منذ البداية "الدخول في هذا النفق". ) , كذلك تتفاخر الجهاد بقدرة ذراعها المقاوم وتطوره وقد أظهر الابداع في عملية عملية (زكيم) الأخير التي اصيب فيها اكثر من 60 مجنداً اسرائيلياً في قصف وصف بالدقيق والمركز بإستخدام الصواريخ المحلية الصنع .
في غزة دارت الدوائر وبعدما كانت الاتهامات تساق بصورة واضحة ضد الجهاد الاسلامي وارتباطه بإيران وموالتها للشيعة , وقد قاد أفراد وجماعة الاخوان المسلمين هذه الحملة , نري اليوم أن هذه الاتهامات تطال حماس وبصورة اكبر الي حد اعتبارها تنفذ مخططات و أجندة إيرانية في فلسطين! يضيف رمضان شلح تعقيباً علي هذه المسألة ( لكن العجيب والغريب أن هذه التهمة تصدر عن حركة علمانية مثل حركة فتح! لماذا لجأت فتح إلى اتهام حماس بعلاقتها بالشيعة، وهتفت بذلك في المهرجانات والمسيرات التي نقلتها الفضائيات وسمعها الملايين، على الرغم من أنه اتهام قد يصفه البعض بالسخيف والمضحك؟! السبب بكل بساطة أن فتح تدرك كم كان فتاكاً هذا الاتهام عندما استُخدم ضد حركة الجهاد الإسلامي، خاصة في إطار ظروف التعبئة المذهبية والطائفية التي واجهت الثورة الإيرانية وواكبت الحرب العراقية ـ الإيرانية، كما في هذه الفترة الراهنة؛ إذ مأساة العراق وجرحه النازف اليوم. وكم كان مؤثراً في استنزاف الحركة وتشويه صورتها وسمعتها على الرغم من كل ما قدمته من دماء وشهداء وتضحيات في ميادين الجهاد؟!! )
ما يلفت النظر في العلاقة بين الجهاد وحماس علي صعيد القيادات هي قوة العلاقة ومتانتها في الخارج , فإذا كان الواقع المرير يفرق الأخوة في الداخل فإن المنفي يجمعهما في الخارج , هذه مفارقة عجيبة في نظر البعض لكنها واقعية الي حد كبير, لم تفلح المكاتب ولجان تنسيق مشترك في وقف أو تدارك الحوادث المتكررة بين الطرفين الا علي نطاق ضيق , لكن ما تزال درجات الاحتقان ترتفع في موازاة غياب القدرة عند قيادات وقواعد الحركتين بعيداً عن المستوي السياسي , الطرفين غير قادرين علي تحقيق مستوي فعلي من الفهم المشترك , معالجة الأزمات , وايجاد واقع عملي لدى قيادة وقواعد الداخل من الطرفين، وهناك تقدم على هذا الصعيد لكن ببطء وصعوبة , مشاكل ميدانية مشاكل مثل هذه يمكن توقع المزيد منها في المستقبل اذ لم تسارع الحركتين الي تعزيز متطلبات ازالة الاحتقان والحساسية بين ابناء الحركتين , ولعل ابرز وسائل ازالة الاحتقان واعادة اللحمة بينهما يكمن في تعزيز النشاط الدعوي والاعلامي والسياسي والعسكري بينهما وهذا يتطلب مكاتب تنسيق في مختلف المناطق وافراد اصحاب مبادرة وليونة في التعامل مع المشكلات حتي لا يتم استغلالها سيئاً من الاطراف المشبوهة بما يؤدي الي شق الصف الاسلامي وانحراف البوصلة الجهادية لأكبر فصيلين مقاومين علي الساحة الفلسطينية .
نجمل ابرز وسائل ازالة الاحتقان وزيادة الفاعلية المشتركة بين الطرفين :
· تعزيز الجانب العسكري : من خلال تدريبات مشتركة بين الحركتين , التحام واحد في الاجتياحات , بيانات موحدة توضح نتائج التصدي للهجمات الصهيونية خاصة الاجتياحات .
· علي الصعيد الاعلامي : برامج مشتركة , حوارية , تقارير , لقاءات اعلامية في الوسائل الاعلام التي تتبع كلا منهما .
· علي الصعيد الدعوي : افساح المجال لمشاركات دعوية اعمق واوسع , مهرجانات مشتركة , لقاءات دعوية مشتركة , مجالس اسرية للتقارب والالفة , برامج تثقيف تدعو الي الالفة والمحبة بين ابناء الحركة الاسلامية الواحدة .
في غزة الحركتين اللتان تخرجان من نفس الخط الاسلامي مهددتان بإتساع دائرة الخلاف و الكراهية بين القواعد وهذا اثرهما خطير علي المدي البعيد , فحماس بحاجة الي ان تدرك قيمة الاخرين وتغيير السلوك المفرط وديكتاتورية القرارات والافعال , فيما الجهاد الاسلامي بحاجة الي ان تتأقلم مع انتصارات حماس وحسمها العسكري وأهيمتها كمقوم استراتيجي مقاوم وسياسي علي الساحة الفلسطينية بما يتطلب تنسيق عالي ومتواصل ميدانياً مع حماس تتفاعل بموجبه مع المتغيرات الطارئة علي حالة غزة حتي يتم تجنيب اذراعها المقاومة أي إشكالات او تجاذبات حادة مقبلة بما ينعكس علي القضية الفلسطينية ومشروعها المقاوم .
هذا والله اعلم
كتب / أبو حمزة (منتديات الحسبة )
تعليق