بسم الله الرحمن الرحيم
جمعية أهل السنة والجماعة / المغرب
بيان حول حرب أمريكا وحلفائها على الإسلام
كتبها الشيخ؛ محمد بن محمد الفزازي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
أما بعد:
من محمد بن محمد الفزازي إلى من يصله من المسلمين عامة، وإلى أهل السنة والجماعة خاصة هذا البلاغ والبيان حول الحرب التي تشنها أمريكا وابريطانيا وآخرون على الإسلام والمسلمين في أفغانستان وفي كل مكان.
أمام العدوان الأمريكي الغاشم على شعب أفغانستان المسلم، وأمام تكالب الأمم الكافرة برمتها وأعوانهم من المنافقين والمرتدين على المستضعفين من إخواننا في الدين، وتداعي الأمم عليهم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وأمام فتاوى كثير من علماء السوء المستكينين الذين خانوا دينهم وأمتهم رغبة أو رهبة، فجاروا في إبداء النصح وحادوا عن منهج الحق وهم يعلمون، وأمام صمت آخرين وحيادهم حيث الصمت في مثل هذه الظروف الصعبة خذلان والحياد هوان، وقياماً بواجب النصح للأمة وإبراءً للذمة لا سيما والقضية قضية إسلام وكفر، وولاء وبراء، وقد عز قول الحق واشتد البلاء. هذا بيان للناس وبلاغ إنذاراً وإعذاراً.
* * *
تحرير البيان:
أمريكا دولة لا تؤمن بالله وحده وإنما هي نصرانية صليبية. وهذه حقيقة أساسية في فهم هذه القضية وتترتب عليها حقائق شرعية، من أهمها:
1) إعلان البراءة منها وإبداء العداوة والبغضاء:
قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] هكذا.
فهل يتبرأ إبراهيم عليه السلام من أبيه الكافر ولا نتبرأ نحن من أمريكا الكافرة مع قوله تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}؟ [الممتحنة: 4]
2) أمريكا دولة محاربة للإسلام والمسلمين:
إن هذه المسألة لا يجهلها أحد من الناس، وإن تفصيل ذلك ضمن هذا البيان مما يجعل الكلام لا ينتهي، ذلك لأن جرائم أمريكا في حق الإنسانية كلها وعلى الأخص في حق أمة الإسلام لا تنتهي، وصدق الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]
فهل نتحدث عن زرع الكيان اليهودي في قلب الأمة الإسلامية في فلسطين منذ ثلاثة وخمسين عاماً وما تبعه من مجازر ومذابح لا تزال مستمرة حتى الآن؟ أم نتحدث عما أمدت به أمريكا هذه الكيان المدلل (إسرائيل) من أسلحة وخبرات وأموال ورجال وفيتو (حق النقد على رغم أنف العالم كله)؟ وهل نتحدث عن مجازر اليهود في صبرا وشاتيلا ودير ياسين وفي كل مكان من أرض الأقصى المباركة بحماية أمريكا وتأييدها التام من غير شرط أو ضغط؟ أم نتحدث عن قتل أمريكا لأزيد من مليون ونصف مليون طفل عراقي بسبب الحصار الجائر، فضلاً عن الكبار من المدنيين والعساكر؟
أليست أمريكا هي من يدك بلاد الإسلام في أفغانستان اليوم دكاً بحجة مقاومة الإرهاب؟ أليس القتلى بالآلاف فضلاً عن الجرحى هم من المسلمين الذين سقطوا ظلماً وعدواناً بقنابل أمريكا وصواريخها وقذائفها المدمرة لأحياء سكنية وبيوت طينية ومتاجر وملاجئ مدنية صرفة في مدن أفغانستان؟ أين مقاومة الإرهاب حسب ما يزعمون؟
3) أمريكا ليست ديموقراطية ولا محترمة لما يسمى بحقوق الإنسان:
إنني هنا لا أدافع عن الديموقراطية الكافرة، كما لا أدافع عن حقوق الإنسان حسب الإعلان العالمي لها، فالمسلم دينه هو الذي يحدد له معاني حقوق الإنسان وحدودها وطبيعتها لا ما يقوله اليهود والنصارى وغيرهم.
من نصب أمريكا نفسها شرطياً على العالم؟ بأية فلسفة ديموقراطية أصبحت أمريكا وصية على رقاب العباد تأمر وتنهى، وتنصّب هذا وتعزل ذاك، وتعز من تشاء وتذل من تشاء؟ ولماذا تقف الآن مع الجنيرال "برويز مشرف" في باكستان وهو الذي جاء إلى الحكم عبر انقلاب عسكري؟ وفي ما يسمى بإسرائيل أين الديموقراطية؟ وأين حقوق الإنسان التي تحميها أمريكا؟ وأين حق الشعب الفلسطيني؟ وأين الديموقراطية وحقوق الإنسان في الشيشان؟ وأين أمريكا من شعب كشمير ورغبته في تقرير مصيره؟ وفي العراق؟ ياللفاجعة في أطفال العراق ونساء العراق وشيوخ العراق، إنهم أكثر الناس فقهاً وإدراكاً لديموقراطية أمريكا واحترامها الكبير لحقوق الإنسان. ومن من الناس يشك أدنى شك في أن مدينتي سبتة ومليلية أراضي إسلامية مغربية؟ فأين حق الشعوب في استرجاع أراضيها؟ وأين حماية أمريكا المزعومة لهذه الحقوق؟ وهل ينسى المسلمون مجازر الصليبيين في البوسنة والهرسك وكوسوفا أمام سمع أمريكا وبصرها سنين عددا؟
هذا قليل من كثير، وغيض من فيض يثبت بما لا شك فيه أن أمريكا أبعد الناس عما ترفعه من مبادئ، وعما تتبجح به من احترام لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار أنماط حياتها والناس الذين يحكمونها، وما تدخّل أمريكا اليوم في أفغانستان ومناصرة الأقلية المنافقين في الشمال غصباً على اختيار الشعب الأفغاني لطالبان إلا دليلا حياً آخر على عراقة أمريكا في الديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان.
4) أمريكا ضد حرية التعبير:
العالم كله يعلم أن أمريكا تزعم أنها تقدس الرأي والرأي الآخر، وأنها حامية لحق التعبير وحريته وفقاً لمبادئ الديموقراطية المسطورة، فهي صاحبة قناة "سي إن إن" (cnn) الإخبارية العملاقة، ومع ذلك ضاقت ذرعاً من قناة الجزيرية العربية التي فضحت السياسة العدوانية العسكرية الأمريكية وآلياتها الحربية المتطورة تلك التي يقولون عنا بأنها جد ذكية وأنها تستطيع ضرب نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء، لكن صور الجزيرة كشفت أن النملة السوداء ليست سوى كوخ فقير هنا وحي سكني هناك ومسجد هنالك وقتلى وجرحى من المدنيين والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله. من هنا كان لا بد لأمريكا أن تضغط على قناة الجزيرة وعلى من خلفها حتى لا تسمع صوت من تسميهم بالإرهابيين لعلمها أن ما يقوله هؤلاء يجد آذاناً صاغية في العالم الإسلامي كله بل في أقطار الدنيا قاطبة، وحتى لا ينفضح أمرها أيضاً في أنها تقصف المدنيين في المدارس والمستشفيات والمساجد والأسواق والأحياء السكنية بل وتقصف الرعاة في البوادي، بل وحتى اللاجئين الهاربين في هذه الحافلة البالية أو تلك الشاحنة الهاربة.. لا بل وحتى الأموات في المقابر.
أجل، نفذ صبرها من تأثير قناة الجزيرة على الرأي العام الإسلامي وغيره مع حياد هذه القناة، بل مع ما تبثه من تقارير من أمريكا نفسها ومن ندوات واستطلاعات وتصريحات ومقابلات من أمريكا ومع أمريكيين فوق ما تبثه عن المسلمين و (المتطرفين) بما لا مجال للمقارنة بينهما، ومع ذلك ضاقت ذرعاً لأنها لا ترضى بأقل من التفرد بالرأي، وأن الرأي الآخر ينبغي أن يكون رأيها هي أيضاً لا غير.
إننا نعتقد جازمين أن الله تعالى وحده هو المتحكم في حياة الناس وأرزاقهم وأعناقهم وحالهم ومآلهم ودنياهم وأخراهم لا أمريكا ولا أحداً من أعوانها.
وإننا نعتقد جازمين أن الله تعالى مع المؤمنين، ومعاذ الله تعالى أن يكون سبحانه مع الكافرين، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَن الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38].
كما نعتقد جازمين أن لله تعالى جنوداً لا نراها تتدخل لنصرة المسلمين كلما اقتضت حكمة الله تعالى ذلك، قد تكون من الملائكة، وقد تكون من الجن، وقد تكون من الأوبئة الفتاكة مثل ما يسمونه بالجمرة الخبيثة وقد تكون ريحاً أو رعباً وما إلى ذلك.. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب:9] كان هذا في وقعة الأحزاب. وما يجري الآن في أفغانستان لا يختلف في شيء عن غزوة الأحزاب. اللهم إلا في الأدوات (والسيناريوهات). قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12]، هذا هو القرآن الذي يقول عنه (بوش) وأضرابه تدليساً على الأمة؛ "إن الإسلام دين السلام"، ونحن نقول: نعم، إنه دين السلام، لكن مع أهل السلام.. والسلام.
وها نحن نسمع عن ذلك الرعب الرهيب في قلب أمريكا بسبب ما يسمونه بالجمرة الخبيثة، {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ } [آل عمران:151] والرعب سلاح رباني، به ينصر المؤمنون اليوم كما نصر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأمس: (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ) (متفق عليه) وإن الذي يدير الحروب والمعارك على الحقيقة هو الله تعالى. وإن السنة الإلهية اقتضت أن تكون الغلبة لجند الله المؤمنين {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].
ما تفعله أمريكا اليوم في أفغانسان لا يزيد عن كونها أحاطت بالمسلمين هناك وأطبقت عليهم الخناق وجاءتهم من فوقهم ومن أسفل منهم؛ هي وحلفاؤها، وأرهبت عباد الله بمقدوراتها المادية والتكنولوجية حتى زاغت أبصار المستضعفين وبلغت قلوبهم الحناجر من الفزع.. {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 / 11].
إن أمريكا تريد القضاء على الإسلام باسم الإرهاب، ونحن واثقون من أن شيئاً من ذلك لن يقع. كيف؟ وقد قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
5) أمريكا ليست وحدها في حربها على الإسلام:
أمريكا ليست وحيدة في هذه الهمجية التي تتزعمها، بل أوروبا بأكملها طرف في هذه الحرب القذرة على الإسلام، وخصوصاً ابريطانيا.
* * *
بيان التحرير:
أمام هذا كله نعلن للعالم أجمع أننا نستنكر بشدة قتل المسلمين الأبرياء في أفغانستان وفي كل مكان. وندين بقوة الإرهاب الأمريكي على بلاد الإسلام هناك وفي فلسطين وفي غيرهما. ونؤكد وقوفنا ولو بقلوبنا - وهو أضعف الإيمان - مع كل مسلم مظلوم على وجه الأرض.
كما نهيب بكل مسلم غيور على دينه وأعراض إخوانه ودمائهم وأموالهم أن يهبوا بالنصرة الكاملة بالنفس والنفيس والدعوة والدعاية والدعاء وبكل وسيلة شرعها الله تعالى {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72].
ولا يفوتني أن أنصح المسلمين وخاصة أهل السنة والجماعة أن يعبروا عن رفضهم للبغي الصليبي واليهودي بكل ما يملكون من وسائل شرعية وتصرفات واعية، كما أنبه إلى أن الفوضى والاضطرابات والرشق بالحجارة وإحراق الإطارات وكسر المحلات وواجهات المتاجر وغيرها ليس من التعبير المتحضر في شيء، وليس مما يقره ديننا ألبتة.
هذا ونسأل الله تعالى بكل اسم هو له سمى به نفسه أو أنزله في كتابه أو علمه أحداً من خلقه أو استأثر به في علم الغيب عنده أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخذل الكفر والكافرين، وأن يرد كيد الظالمين، وأن يجنب بلادنا وبلاد الإسلام كلها الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والله أكبر ولله الحمد
وكتبه محمد بن محمد الفزازي
رئيس جمعية أهل السنة والجماعة بالمغرب
طنجة / الإثنين، 19 شعبان، 1422 هـ
جمعية أهل السنة والجماعة / المغرب
بيان حول حرب أمريكا وحلفائها على الإسلام
كتبها الشيخ؛ محمد بن محمد الفزازي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
أما بعد:
من محمد بن محمد الفزازي إلى من يصله من المسلمين عامة، وإلى أهل السنة والجماعة خاصة هذا البلاغ والبيان حول الحرب التي تشنها أمريكا وابريطانيا وآخرون على الإسلام والمسلمين في أفغانستان وفي كل مكان.
أمام العدوان الأمريكي الغاشم على شعب أفغانستان المسلم، وأمام تكالب الأمم الكافرة برمتها وأعوانهم من المنافقين والمرتدين على المستضعفين من إخواننا في الدين، وتداعي الأمم عليهم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وأمام فتاوى كثير من علماء السوء المستكينين الذين خانوا دينهم وأمتهم رغبة أو رهبة، فجاروا في إبداء النصح وحادوا عن منهج الحق وهم يعلمون، وأمام صمت آخرين وحيادهم حيث الصمت في مثل هذه الظروف الصعبة خذلان والحياد هوان، وقياماً بواجب النصح للأمة وإبراءً للذمة لا سيما والقضية قضية إسلام وكفر، وولاء وبراء، وقد عز قول الحق واشتد البلاء. هذا بيان للناس وبلاغ إنذاراً وإعذاراً.
* * *
تحرير البيان:
أمريكا دولة لا تؤمن بالله وحده وإنما هي نصرانية صليبية. وهذه حقيقة أساسية في فهم هذه القضية وتترتب عليها حقائق شرعية، من أهمها:
1) إعلان البراءة منها وإبداء العداوة والبغضاء:
قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] هكذا.
فهل يتبرأ إبراهيم عليه السلام من أبيه الكافر ولا نتبرأ نحن من أمريكا الكافرة مع قوله تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}؟ [الممتحنة: 4]
2) أمريكا دولة محاربة للإسلام والمسلمين:
إن هذه المسألة لا يجهلها أحد من الناس، وإن تفصيل ذلك ضمن هذا البيان مما يجعل الكلام لا ينتهي، ذلك لأن جرائم أمريكا في حق الإنسانية كلها وعلى الأخص في حق أمة الإسلام لا تنتهي، وصدق الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]
فهل نتحدث عن زرع الكيان اليهودي في قلب الأمة الإسلامية في فلسطين منذ ثلاثة وخمسين عاماً وما تبعه من مجازر ومذابح لا تزال مستمرة حتى الآن؟ أم نتحدث عما أمدت به أمريكا هذه الكيان المدلل (إسرائيل) من أسلحة وخبرات وأموال ورجال وفيتو (حق النقد على رغم أنف العالم كله)؟ وهل نتحدث عن مجازر اليهود في صبرا وشاتيلا ودير ياسين وفي كل مكان من أرض الأقصى المباركة بحماية أمريكا وتأييدها التام من غير شرط أو ضغط؟ أم نتحدث عن قتل أمريكا لأزيد من مليون ونصف مليون طفل عراقي بسبب الحصار الجائر، فضلاً عن الكبار من المدنيين والعساكر؟
أليست أمريكا هي من يدك بلاد الإسلام في أفغانستان اليوم دكاً بحجة مقاومة الإرهاب؟ أليس القتلى بالآلاف فضلاً عن الجرحى هم من المسلمين الذين سقطوا ظلماً وعدواناً بقنابل أمريكا وصواريخها وقذائفها المدمرة لأحياء سكنية وبيوت طينية ومتاجر وملاجئ مدنية صرفة في مدن أفغانستان؟ أين مقاومة الإرهاب حسب ما يزعمون؟
3) أمريكا ليست ديموقراطية ولا محترمة لما يسمى بحقوق الإنسان:
إنني هنا لا أدافع عن الديموقراطية الكافرة، كما لا أدافع عن حقوق الإنسان حسب الإعلان العالمي لها، فالمسلم دينه هو الذي يحدد له معاني حقوق الإنسان وحدودها وطبيعتها لا ما يقوله اليهود والنصارى وغيرهم.
من نصب أمريكا نفسها شرطياً على العالم؟ بأية فلسفة ديموقراطية أصبحت أمريكا وصية على رقاب العباد تأمر وتنهى، وتنصّب هذا وتعزل ذاك، وتعز من تشاء وتذل من تشاء؟ ولماذا تقف الآن مع الجنيرال "برويز مشرف" في باكستان وهو الذي جاء إلى الحكم عبر انقلاب عسكري؟ وفي ما يسمى بإسرائيل أين الديموقراطية؟ وأين حقوق الإنسان التي تحميها أمريكا؟ وأين حق الشعب الفلسطيني؟ وأين الديموقراطية وحقوق الإنسان في الشيشان؟ وأين أمريكا من شعب كشمير ورغبته في تقرير مصيره؟ وفي العراق؟ ياللفاجعة في أطفال العراق ونساء العراق وشيوخ العراق، إنهم أكثر الناس فقهاً وإدراكاً لديموقراطية أمريكا واحترامها الكبير لحقوق الإنسان. ومن من الناس يشك أدنى شك في أن مدينتي سبتة ومليلية أراضي إسلامية مغربية؟ فأين حق الشعوب في استرجاع أراضيها؟ وأين حماية أمريكا المزعومة لهذه الحقوق؟ وهل ينسى المسلمون مجازر الصليبيين في البوسنة والهرسك وكوسوفا أمام سمع أمريكا وبصرها سنين عددا؟
هذا قليل من كثير، وغيض من فيض يثبت بما لا شك فيه أن أمريكا أبعد الناس عما ترفعه من مبادئ، وعما تتبجح به من احترام لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار أنماط حياتها والناس الذين يحكمونها، وما تدخّل أمريكا اليوم في أفغانستان ومناصرة الأقلية المنافقين في الشمال غصباً على اختيار الشعب الأفغاني لطالبان إلا دليلا حياً آخر على عراقة أمريكا في الديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان.
4) أمريكا ضد حرية التعبير:
العالم كله يعلم أن أمريكا تزعم أنها تقدس الرأي والرأي الآخر، وأنها حامية لحق التعبير وحريته وفقاً لمبادئ الديموقراطية المسطورة، فهي صاحبة قناة "سي إن إن" (cnn) الإخبارية العملاقة، ومع ذلك ضاقت ذرعاً من قناة الجزيرية العربية التي فضحت السياسة العدوانية العسكرية الأمريكية وآلياتها الحربية المتطورة تلك التي يقولون عنا بأنها جد ذكية وأنها تستطيع ضرب نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء، لكن صور الجزيرة كشفت أن النملة السوداء ليست سوى كوخ فقير هنا وحي سكني هناك ومسجد هنالك وقتلى وجرحى من المدنيين والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله. من هنا كان لا بد لأمريكا أن تضغط على قناة الجزيرة وعلى من خلفها حتى لا تسمع صوت من تسميهم بالإرهابيين لعلمها أن ما يقوله هؤلاء يجد آذاناً صاغية في العالم الإسلامي كله بل في أقطار الدنيا قاطبة، وحتى لا ينفضح أمرها أيضاً في أنها تقصف المدنيين في المدارس والمستشفيات والمساجد والأسواق والأحياء السكنية بل وتقصف الرعاة في البوادي، بل وحتى اللاجئين الهاربين في هذه الحافلة البالية أو تلك الشاحنة الهاربة.. لا بل وحتى الأموات في المقابر.
أجل، نفذ صبرها من تأثير قناة الجزيرة على الرأي العام الإسلامي وغيره مع حياد هذه القناة، بل مع ما تبثه من تقارير من أمريكا نفسها ومن ندوات واستطلاعات وتصريحات ومقابلات من أمريكا ومع أمريكيين فوق ما تبثه عن المسلمين و (المتطرفين) بما لا مجال للمقارنة بينهما، ومع ذلك ضاقت ذرعاً لأنها لا ترضى بأقل من التفرد بالرأي، وأن الرأي الآخر ينبغي أن يكون رأيها هي أيضاً لا غير.
إننا نعتقد جازمين أن الله تعالى وحده هو المتحكم في حياة الناس وأرزاقهم وأعناقهم وحالهم ومآلهم ودنياهم وأخراهم لا أمريكا ولا أحداً من أعوانها.
وإننا نعتقد جازمين أن الله تعالى مع المؤمنين، ومعاذ الله تعالى أن يكون سبحانه مع الكافرين، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَن الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38].
كما نعتقد جازمين أن لله تعالى جنوداً لا نراها تتدخل لنصرة المسلمين كلما اقتضت حكمة الله تعالى ذلك، قد تكون من الملائكة، وقد تكون من الجن، وقد تكون من الأوبئة الفتاكة مثل ما يسمونه بالجمرة الخبيثة وقد تكون ريحاً أو رعباً وما إلى ذلك.. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب:9] كان هذا في وقعة الأحزاب. وما يجري الآن في أفغانستان لا يختلف في شيء عن غزوة الأحزاب. اللهم إلا في الأدوات (والسيناريوهات). قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12]، هذا هو القرآن الذي يقول عنه (بوش) وأضرابه تدليساً على الأمة؛ "إن الإسلام دين السلام"، ونحن نقول: نعم، إنه دين السلام، لكن مع أهل السلام.. والسلام.
وها نحن نسمع عن ذلك الرعب الرهيب في قلب أمريكا بسبب ما يسمونه بالجمرة الخبيثة، {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ } [آل عمران:151] والرعب سلاح رباني، به ينصر المؤمنون اليوم كما نصر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأمس: (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ) (متفق عليه) وإن الذي يدير الحروب والمعارك على الحقيقة هو الله تعالى. وإن السنة الإلهية اقتضت أن تكون الغلبة لجند الله المؤمنين {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].
ما تفعله أمريكا اليوم في أفغانسان لا يزيد عن كونها أحاطت بالمسلمين هناك وأطبقت عليهم الخناق وجاءتهم من فوقهم ومن أسفل منهم؛ هي وحلفاؤها، وأرهبت عباد الله بمقدوراتها المادية والتكنولوجية حتى زاغت أبصار المستضعفين وبلغت قلوبهم الحناجر من الفزع.. {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 / 11].
إن أمريكا تريد القضاء على الإسلام باسم الإرهاب، ونحن واثقون من أن شيئاً من ذلك لن يقع. كيف؟ وقد قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
5) أمريكا ليست وحدها في حربها على الإسلام:
أمريكا ليست وحيدة في هذه الهمجية التي تتزعمها، بل أوروبا بأكملها طرف في هذه الحرب القذرة على الإسلام، وخصوصاً ابريطانيا.
* * *
بيان التحرير:
أمام هذا كله نعلن للعالم أجمع أننا نستنكر بشدة قتل المسلمين الأبرياء في أفغانستان وفي كل مكان. وندين بقوة الإرهاب الأمريكي على بلاد الإسلام هناك وفي فلسطين وفي غيرهما. ونؤكد وقوفنا ولو بقلوبنا - وهو أضعف الإيمان - مع كل مسلم مظلوم على وجه الأرض.
كما نهيب بكل مسلم غيور على دينه وأعراض إخوانه ودمائهم وأموالهم أن يهبوا بالنصرة الكاملة بالنفس والنفيس والدعوة والدعاية والدعاء وبكل وسيلة شرعها الله تعالى {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72].
ولا يفوتني أن أنصح المسلمين وخاصة أهل السنة والجماعة أن يعبروا عن رفضهم للبغي الصليبي واليهودي بكل ما يملكون من وسائل شرعية وتصرفات واعية، كما أنبه إلى أن الفوضى والاضطرابات والرشق بالحجارة وإحراق الإطارات وكسر المحلات وواجهات المتاجر وغيرها ليس من التعبير المتحضر في شيء، وليس مما يقره ديننا ألبتة.
هذا ونسأل الله تعالى بكل اسم هو له سمى به نفسه أو أنزله في كتابه أو علمه أحداً من خلقه أو استأثر به في علم الغيب عنده أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخذل الكفر والكافرين، وأن يرد كيد الظالمين، وأن يجنب بلادنا وبلاد الإسلام كلها الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والله أكبر ولله الحمد
وكتبه محمد بن محمد الفزازي
رئيس جمعية أهل السنة والجماعة بالمغرب
طنجة / الإثنين، 19 شعبان، 1422 هـ
تعليق