معارك "مخيم نهر البارد" الورقة السياسية لنزع السلاح الفلسطيني
إسلامنا - محمد محمود البشتاوي *
السيناريو القائم في "مخيم نهر البارد" هو طبعة منقحة لنموذج "صبرا وشاتيلا" من حيث تنفيذ القرارات الدولية الرامية إلى نزع السلاح الفلسطيني – داخل وخارج المخيمات -، كما جاء في القرار 1559، والقرار1701، حيث أن انفجار أزمة تنظيم فتح الإسلام مع السلطات اللبنانية جاءت بـ التزامن مع حراك لبناني رسمي من فريق 14 آذار تجاه "نزع سلاح" ما أطلق على تسميتها بـ "المليشيات"، وذلك بالتوافق مع الفريق الرسمي الفلسطيني ممثلاً بـ منظمة التحرير الفلسطينية.
وبناءً على ما سبق؛ يمكن النظر إلى ملف "مخيم نهر البارد" - الساخن على صفيح الإعلام - من زاوية مختلفة؛ حيث أن المشكلة القائمة الآن في لبنان ليست مشكلة تنظيم طارئ، وإنما مشكلة عقلية سياسية لبنانية تؤمن بالمطلق أن "السلاح الفلسطيني" يشكلُ خطراً يهدد الاستقرار الأهلي، ويضرب التفاهمات الدولية عرض الحائط.
وفي هذه الإطار؛ نجد أن هنالك تفهماً فلسطينياً يسود الوسط الفصائلي يقول بضرورة قيام حوار فلسطيني لبناني يكفل مراعاة الحقوق المدنية لفلسطينيي لبنان، مع التأكيد المستمر على حق اللاجئين في العودة وتقرير المصير، إلا أن التجربة الفلسطينية السابقة في نزع السلاح شكلت عقبةً أمام طريق خطوات التسليم، حيث أن مجزرة صبرا وشاتيلا والتي أسفرت عن مقتل 5000 لاجئ – حسب بعض التقديرات الفلسطينية، كان السبب الرئيسي لوقوعها هو نزع السلاح من المخيم، على الرغم من التعهدات الدولية والعربية لـ "م ت ف" بضمان أمن هذا المخيم البائس، الأمر الذي يترك السؤال معلقاً حول الضمانة القادرة على جلب الأمن والاستقرار لأهالي المخيمات في هذا البلد العربي المتوتر، والقائم على التمترس خلف السلاح المزروع في "غابة المليشيات"، لاسيما وأن الرسائل السياسية اللبنانية تأتي لخدمة الأجندة الأمريكية.
ويعكس رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة هذه الأهداف السياسية (الأجندة الأمريكية)، من خلال ما تم عرضه على عباس زكي - ممثل المنظمة في لبنان-، حيث أكد السنيورة في هذه المحادثات - التي نشرتها صحيفة الأخبار اللبنانية - وبلغة حازمة «لا سلاح جنوبي الليطاني إلا سلاح الجيش اللبناني والقوة الدولية».
وحين استغرب زكي هذا الطلب الحازم، قال للسنيورة أن الأمر ليس بيدهِ، وعليه أن يراجع رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، فقاطعه السنيورة مجيباً «حادثت أبو مازن، وهو موافق، وتعهّد لي بأن يسهّل هذا الموضوع»، وهذا ما تأكد لاحقاً من توصية أبو مازن لزكي، حيث قال «تعاون مع طروحات السنيورة، ونفّذ ما يريده».
وفي المقابل؛ نجد أن "قوى الشد العكسي" الفلسطينية واللبنانية تدفع في تجاه عدم الرضوخ ونزع السلاح، ما دامت هذه الخطوات تأتي في سياق "الشرق الأوسط الجديد"، الذي تتشكل معالمه وفق الرغبة الصهيو-أمريكية، وعبر نافذة القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والهيئات الأممية.
كما وتطالب هذه القوى بوجود معادلة توافقية قائمة على إعطاء الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين مقابل نزع السلاح، ومن خلال الحوار الفلسطيني اللبناني.
نزع السلاح ضمن الخارطة السياسية الفلسطينية
ونجد أن موقف الفصائل الفلسطينية إجمالاً يجمع على ضرورة أن يكون ملف السلاح الفلسطيني ضمن معادلة عادلة تضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية، حيث نوجزها في ثلاث مجموعات سياسية على النحو التالي:
أولاً: فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتتشكل من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية، ونجمل مواقفها على انفراد:
· حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح":
أما حركة فتح، فهي ترى عبر ممثلها وممثل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان السيد عباس زكي، وكما اتضح سابقاً؛ أن هنالك تفاهما بين رئاسة الحكومة اللبنانية ورئاسة السلطة الفلسطينية على هذا الموضوع، وأن الرئيس محمود عباس قد أعطى موافقته على دخول الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى المخيمات جنوب الليطاني، وعلى نزع أي سلاح ظاهر على أن تُبحث التفاصيل مع القيادة الفلسطينية في لبنان، وبذلك تكون قاعدة الحل لدى فتح في القرار 1701 الذي لا يسمح بوجود أي سلاح ظاهر جنوب الليطاني وليس على قاعدة مقررات الحوار الوطني، أو الحوار اللبناني –الفلسطيني، إلا أن القيادة الفلسطينية في لبنان – عباس زكي - تحاول في المقابل أن تبحث الشأن الاجتماعي والإنساني والقانوني للفلسطينيين، مع تصريحات تقول أحياناً بضرورة وجود "ضمانات أمنية" لنزع السلاح.
· الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
وحول سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات في لبنان، فإن الدكتور ماهر الطاهر مسئول العلاقات الخارجية للجبهة يرى أن هنالك "اتفقنا على مواصلة الحوار مع الحكومة اللبنانية وعبر وفد فلسطيني موحد لمعالجة كافة المسائل. وأكدنا أننا نرفض مؤامرات التوطين ونتمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وأن وظيفة السلاح الفلسطيني في المخيمات هي وظيفة سياسية".
كما أوضح الطاهر أن السلاح الفلسطيني في لبنان لا يخلق مشاكل للدولة اللبنانية، مؤكداً أن المسألة يجب أن ينظر إليها كحالة سياسية وليس أمنية، وطالب بحل ملف السلاح من خلال حوار جاد ومسئول بين فصائل المقاومة الفلسطينية والدولة اللبنانية.
· الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين:
وترى الجبهة الديمقراطية أن المخيمات الفلسطينية لا تملك سلاحاً حربياً بل سلاحاً فردياً لحماية نفسها من مجازر الاحتلال الاسرائيلي ما بقي محتلاً لجزء من أراضي لبنان، ويهدّد سلامة الشعبين اللبناني والفلسطيني، وخصوصاً أن دماء شهدائنا في صبرا وشاتيلا لا تزال ماثلة للعيان.
كما تعتقد أن موضوع السلاح الفلسطيني لا يحل وفقاً لمنطوق القرار 1559 لكونه يمس الجوهر السياسي في الصميم، ويضرب مرتكزات القرار 194 باعتباره الفلسطينيين ميليشيا أجنبية، بينما هم شعب شقيق يناضل في إطار حركة اللاجئين التي هي جزء من حركة التحرر الوطنية للشعب الفلسطيني المناضلة لانتزاع حق العودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وإسقاط مشاريع التوطين والتهجير، إذ لا حل لقضية اللاجئين إلا بتطبيق القرار 194، فيما لا يشكل القرار 1701 أي مقاربة له، إن لم يكن معاكساً له
(علي فيصل / عضو المكتب السياسي للجبهة).
ثانياً: فصائل التحالف الوطني الإسلامي، وهي تتشكل من حركة حماس والجهاد والجبهة الشعبية - القيادة العامة، حيث أن:
· حركة المقاومة الإسلامية "حماس":
وترى الحركة أن نزع السلاح الفلسطيني خلف نهر الليطاني فهو يأتي في سياق صدور القرار الدولي الجديد الذي يحرّم السلاح غير الشرعي وراء خط نهر الليطاني.
كما وترى أن الضرورة تقتضي وجود ضمانات لسلامة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تشمل: تعريف الصفة القانونية لهؤلاء اللاجئين، ضمان حماية اللاجئين الفلسطينيين من استهدافهم على الأراضي اللبنانية، ومسألة أمنية تتعلق بتراكمات تعود إلى أربعة عقود، وهذه المسألة لا تحل إلا من خلال الحوار الفلسطيني اللبناني (أسامة حمدان / ممثل الحركة في لبنان).
· الجهاد الإسلامي في فلسطين:
أما «الجهاد الإسلامي في فلسطين»، والتي اغتيل اثنين من مسئوليها السياسيين في لبنان على يد الموساد، فهي ترى على لسان الأمين العام الدكتور رمضان عبد الله شلح أن ما يسمى قرار 1559 صُمم خصيصاً لنزع سلاح المقاومة في لبنان، ونزع سلاح المخيمات، ولكن باعتقادنا أن هذا المشروع سيبدأ بالمخيمات على اعتقاد منهم أنها الحلقة الأضعف، وإذا تم الاستفراد بالمخيمات وتجريدها من السلاح وهو سلاح بسيط يحمله الفلسطيني في بيته للدفاع عن نفسه ولحماية أهله من مجازر على غرار صبرا وشاتيلا.
هم يعتقدون أنهم إذا نجحوا في ذلك سيكون بإمكانهم الانتقال إلى سلاح المقاومة اللبنانية أو سلاح حزب الله. لكن نحن نقول إن الشعب الفلسطيني لن يسمح ولن يقبل بأن يتخلى عن هذا السلاح لأنه سلاح الدفاع عن النفس، والشعب الفلسطيني الموجود في لبنان هو شعب لاجئ يعيش في مخيمات أشبه بجزر أمنية مغلقة ومحاصرة، ليس فيها أدنى مقومات الحياة الإنسانية، الشعب الفلسطيني همه وهدفه في لبنان أن يعود إلى وطنه وهو لذلك يرفض التوطين والتهجير الذي يجري الحديث عنه أو الإعداد له، لأن هناك قوى محلية في لبنان ترفض التوطين ليس من باب الحرص على حق العودة، بل تخشى من اعتبارات داخلية وسكانية وديموغرافية، لذلك ستقبل أو يقبل البعض منها أن يتم توطين اللاجئين خارج لبنان، والفلسطينيون لن يقبلوا بذلك والمخيمات ستدافع عن أنفسها بإذن الله (تصريحات صحفية 26/4/2005).
· الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة:
وهي الجبهة التي اغتيل في لبنان مسئولها العسكري؛ حيث طالب القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة في لبنان رامز مصطفى بألا تشكل الأحداث الجارية في مخيم البارد مدخلاً لفتح ملف الوجود الفلسطيني وسلاحه، لأن هذا الموضوع خاضع للحوار الفلسطيني اللبناني الذي بدأ منذ أكثر من عام وتعطل نتيجة الخلاف السياسي بين الأطراف اللبنانية، ولا علاقة للأطراف الفلسطينية بهذا التأخير.
وحول مدى استعداد القيادة العامة لتسليم سلاحها علّق مصطفى الأمر على منح الدولة اللبنانية اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية والاجتماعية والسياسية، والسماح لهم بالتملك، و"حين يشعر الفلسطيني أنه آمن على حاضره ومستقبله من الناحية الإنسانية والأمنية عندها يمكن أن نناقش كل القضايا الأخرى"، كما وشدد على ضرورة إقلاع الدولة اللبنانية عن مقاربة الملف الفلسطيني في لبنان على أساس أمني، مشيراً إلى أن هذا الملف هو ملف سياسي بامتياز.
هذا ورفضت الجبهة التحركات الثنائية بين الرئاسة الفلسطينية والحكومة اللبنانية فيما يتعلق بالملف الفلسطيني في لبنان، حيث اتهمت السنيورة بمحاولة الاستقواء بموقف الرئيس عباس لسحب السلاح الفلسطيني، وذلك مقابل وعود بفتح "ممثلية دبلوماسية" لفلسطين في بيروت.
ثالثاً: الجماعات السلفية الجهادية في المخيمات الفلسطينية، يمكن إجمال مواقفها في المختصر التالي:
تنظر الجماعات السلفية الجهادية، ومنها عصبة الأنصار، عصبة النور، جماعة الضنّية، جند الشام، الحركة الإسلامية المجاهدة، وأخيراً "فتح الإسلام" إلى السلاح باعتبارهِ ركيزة أساسية في الحرب العالمية المفتوحة ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، حيث أن مسألة نزع السلاح غير واردة بتاتاً في القاموس "السلفي الجهادي"، وهو الأمر الذي أثبتته المواجهات مع العديد من هذه المجموعات، كأحداث المواجهة مع "جماعة الضنية"، وصدامات حركة فتح في مخيم عين الحلوة مع "جند الشام"، وأخيراً المعركة الدامية مع تنظيم فتح الإسلام، التي استمرت لأكثر من ثلاث أشهر ولا تزال، على الرغم من بعض الوساطات الفلسطينية لحل الموضوع سلمياً، وعلى الرغم من جهود "رابطة علماء فلسطين" المتواصلة أثناء الاشتباكات الدامية للوصول إلى صيغة توافقية تصل إلى وقف المعارك، وتسليم سلاح "فتح الإسلام".
استطلاع للرأي العام الفلسطيني
وحسب استطلاع للرأي العام الفلسطيني في مخيمات لبنان، أجرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية؛ فإن 72.2% يعتقدون أن السلاح الفلسطيني مصدر حماية لهم، في حين عبر 90.7% عن رأيهم بوجوب حصول تعديل في شكل التعامل مع السلاح وضبطه.
في حين عبر 54.3% عن موافقة مشروطة لتولي السلطات اللبنانية المسؤولية الأمنية عن المخيمات، و6.8% مع توليها للمسؤولية الأمنية بشكل فوري، مقابل رفض 34.9% لكل تلك الإجراءات على كافة الأحوال.
موقف الأطراف اللبنانية
وهنا في هذه الوقفة؛ لن أتناول موقف فريق (8 آذار – معارضة) المكون من تنظيم "حزب الله" و"حركة أمل"، وتيار الجنرال مشيل عون، ومجموعات تنظيمية أخرى ضمن هذا التحالف كالمردة والناصريين والقوميين الاجتماعيين.. الخ، لأنهم يتفقون على ضرورة الحوار لحل ملف السلاح الفلسطيني في لبنان بعيداً عن التصريحات النارية الصادرة عن "الموالاة"، التي تأخذ على عاتقها تصوير هذا السلاح باعتبارهِ "ترسانةً حربيةً" تسبب كل الويلات التي تصيب البلاد.
وفريق الموالاة (14 آذار) يجمع في مكوناتهِ السياسية على ضرورة نزع السلاح، أكان بالسلم (الحوار) أو بالقوة (عبر تدخل الجيش والأمن)، بل ويعتبر هذا التيار أن "سحب السلاح" أولية ضمن الأجندة السياسية له، مؤكداً على وجوب تطبيق القرارات الأممية التي تنص صراحةً على نزعهِ – أي السلاح.
وفي هذا الصدد؛ يقول النائب اللبناني نعمة الله أبي نصر – موالاة - "كل مشاكل لبنان الأمنية وانهيار السلطة وسقوط الدولة فيه سببه الوجود الفلسطيني المسلّح، الذي عبث بالأمن والسيادة اللبنانية، حيث تحوّلت المخيمات الفلسطينية إلى دويلات مسلّحة مستقلة بعد أن عملت على إفقاد لبنان سيادته"، مضيفاً في تصريح لـ "الجزيرة" إنه إذا توفر حلا للسلاح الفلسطيني بالوفاق فهذا جيد، وإلا فسيكون الحل بـ "القوة".
هذا ويتصدر قائمة (14 آذار) في الانفلات اللا واعي في توزيع التهم جزافاً ضد السلاح الفلسطيني وليد جمبلاط زعيم "الحزب التقدمي الاشتراكي"، حيث وصف هذا السلاح بـ "الغدر والخيانة"، وأن الضرورة تقتضي بسحبه من يد الفصائل الفلسطينية، وعادةً ما تأتي هذه التصريحات الموتورة عقب عملية اغتيال أو تفجير في لبنان.
الخلاصة:
يتضح من خلال القراءة السابقة أن التوترات حول المخيمات الفلسطينية في لبنان هي أقدم من "تنظيم فتح الإسلام" في نهر البارد، حيث نجد وفي أكثر من فترة زمنية، أن المواجهات مع السلطات اللبنانية تنفجر دون سابق إنذار، بسبب سياسة التضييق التي تتبعها السلطات ضد المخيمات، أو الكنتونات الفلسطينية اللاجئة والمحاصرة منذ عام 1982م، بالإضافة إلى النظرة النمطية السائدة حول السلاح الفلسطيني باعتبارهِ مصدراً للتوتر، دون البحث عن حل توافقي، قادر على ضمان سلامة وأمن الجانبين.
وعليه كانت المواجهات مع "تنظيم فتح الإسلام" الورقة اللبنانية لفتح موضوع السلاح الفلسطيني، لاسيما وأن الذرائع بتورط فلسطيني مسلح في عمليات الاغتيال التي طالت الحريري وقصير وتويني والحاوي والجميل لم تنطلي على الرأي العام العربي، فكانت ورقة "نهر البارد" هي البديل الأنجح لوضع السلاح الفلسطيني تحت دائرة الاتهام، ولكن هذه المرة بحجة "مكافحة الإرهاب"، الأمر الذي يلقى قبولاً وترحيباً عربياً ودولياً، بدعم ومؤازرة صهيو-أمريكية.
* كاتب وصحفي
albeshtawi@hotmail.com
إسلامنا - محمد محمود البشتاوي *
السيناريو القائم في "مخيم نهر البارد" هو طبعة منقحة لنموذج "صبرا وشاتيلا" من حيث تنفيذ القرارات الدولية الرامية إلى نزع السلاح الفلسطيني – داخل وخارج المخيمات -، كما جاء في القرار 1559، والقرار1701، حيث أن انفجار أزمة تنظيم فتح الإسلام مع السلطات اللبنانية جاءت بـ التزامن مع حراك لبناني رسمي من فريق 14 آذار تجاه "نزع سلاح" ما أطلق على تسميتها بـ "المليشيات"، وذلك بالتوافق مع الفريق الرسمي الفلسطيني ممثلاً بـ منظمة التحرير الفلسطينية.
وبناءً على ما سبق؛ يمكن النظر إلى ملف "مخيم نهر البارد" - الساخن على صفيح الإعلام - من زاوية مختلفة؛ حيث أن المشكلة القائمة الآن في لبنان ليست مشكلة تنظيم طارئ، وإنما مشكلة عقلية سياسية لبنانية تؤمن بالمطلق أن "السلاح الفلسطيني" يشكلُ خطراً يهدد الاستقرار الأهلي، ويضرب التفاهمات الدولية عرض الحائط.
وفي هذه الإطار؛ نجد أن هنالك تفهماً فلسطينياً يسود الوسط الفصائلي يقول بضرورة قيام حوار فلسطيني لبناني يكفل مراعاة الحقوق المدنية لفلسطينيي لبنان، مع التأكيد المستمر على حق اللاجئين في العودة وتقرير المصير، إلا أن التجربة الفلسطينية السابقة في نزع السلاح شكلت عقبةً أمام طريق خطوات التسليم، حيث أن مجزرة صبرا وشاتيلا والتي أسفرت عن مقتل 5000 لاجئ – حسب بعض التقديرات الفلسطينية، كان السبب الرئيسي لوقوعها هو نزع السلاح من المخيم، على الرغم من التعهدات الدولية والعربية لـ "م ت ف" بضمان أمن هذا المخيم البائس، الأمر الذي يترك السؤال معلقاً حول الضمانة القادرة على جلب الأمن والاستقرار لأهالي المخيمات في هذا البلد العربي المتوتر، والقائم على التمترس خلف السلاح المزروع في "غابة المليشيات"، لاسيما وأن الرسائل السياسية اللبنانية تأتي لخدمة الأجندة الأمريكية.
ويعكس رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة هذه الأهداف السياسية (الأجندة الأمريكية)، من خلال ما تم عرضه على عباس زكي - ممثل المنظمة في لبنان-، حيث أكد السنيورة في هذه المحادثات - التي نشرتها صحيفة الأخبار اللبنانية - وبلغة حازمة «لا سلاح جنوبي الليطاني إلا سلاح الجيش اللبناني والقوة الدولية».
وحين استغرب زكي هذا الطلب الحازم، قال للسنيورة أن الأمر ليس بيدهِ، وعليه أن يراجع رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، فقاطعه السنيورة مجيباً «حادثت أبو مازن، وهو موافق، وتعهّد لي بأن يسهّل هذا الموضوع»، وهذا ما تأكد لاحقاً من توصية أبو مازن لزكي، حيث قال «تعاون مع طروحات السنيورة، ونفّذ ما يريده».
وفي المقابل؛ نجد أن "قوى الشد العكسي" الفلسطينية واللبنانية تدفع في تجاه عدم الرضوخ ونزع السلاح، ما دامت هذه الخطوات تأتي في سياق "الشرق الأوسط الجديد"، الذي تتشكل معالمه وفق الرغبة الصهيو-أمريكية، وعبر نافذة القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والهيئات الأممية.
كما وتطالب هذه القوى بوجود معادلة توافقية قائمة على إعطاء الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين مقابل نزع السلاح، ومن خلال الحوار الفلسطيني اللبناني.
نزع السلاح ضمن الخارطة السياسية الفلسطينية
ونجد أن موقف الفصائل الفلسطينية إجمالاً يجمع على ضرورة أن يكون ملف السلاح الفلسطيني ضمن معادلة عادلة تضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية، حيث نوجزها في ثلاث مجموعات سياسية على النحو التالي:
أولاً: فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتتشكل من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية، ونجمل مواقفها على انفراد:
· حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح":
أما حركة فتح، فهي ترى عبر ممثلها وممثل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان السيد عباس زكي، وكما اتضح سابقاً؛ أن هنالك تفاهما بين رئاسة الحكومة اللبنانية ورئاسة السلطة الفلسطينية على هذا الموضوع، وأن الرئيس محمود عباس قد أعطى موافقته على دخول الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى المخيمات جنوب الليطاني، وعلى نزع أي سلاح ظاهر على أن تُبحث التفاصيل مع القيادة الفلسطينية في لبنان، وبذلك تكون قاعدة الحل لدى فتح في القرار 1701 الذي لا يسمح بوجود أي سلاح ظاهر جنوب الليطاني وليس على قاعدة مقررات الحوار الوطني، أو الحوار اللبناني –الفلسطيني، إلا أن القيادة الفلسطينية في لبنان – عباس زكي - تحاول في المقابل أن تبحث الشأن الاجتماعي والإنساني والقانوني للفلسطينيين، مع تصريحات تقول أحياناً بضرورة وجود "ضمانات أمنية" لنزع السلاح.
· الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
وحول سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات في لبنان، فإن الدكتور ماهر الطاهر مسئول العلاقات الخارجية للجبهة يرى أن هنالك "اتفقنا على مواصلة الحوار مع الحكومة اللبنانية وعبر وفد فلسطيني موحد لمعالجة كافة المسائل. وأكدنا أننا نرفض مؤامرات التوطين ونتمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وأن وظيفة السلاح الفلسطيني في المخيمات هي وظيفة سياسية".
كما أوضح الطاهر أن السلاح الفلسطيني في لبنان لا يخلق مشاكل للدولة اللبنانية، مؤكداً أن المسألة يجب أن ينظر إليها كحالة سياسية وليس أمنية، وطالب بحل ملف السلاح من خلال حوار جاد ومسئول بين فصائل المقاومة الفلسطينية والدولة اللبنانية.
· الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين:
وترى الجبهة الديمقراطية أن المخيمات الفلسطينية لا تملك سلاحاً حربياً بل سلاحاً فردياً لحماية نفسها من مجازر الاحتلال الاسرائيلي ما بقي محتلاً لجزء من أراضي لبنان، ويهدّد سلامة الشعبين اللبناني والفلسطيني، وخصوصاً أن دماء شهدائنا في صبرا وشاتيلا لا تزال ماثلة للعيان.
كما تعتقد أن موضوع السلاح الفلسطيني لا يحل وفقاً لمنطوق القرار 1559 لكونه يمس الجوهر السياسي في الصميم، ويضرب مرتكزات القرار 194 باعتباره الفلسطينيين ميليشيا أجنبية، بينما هم شعب شقيق يناضل في إطار حركة اللاجئين التي هي جزء من حركة التحرر الوطنية للشعب الفلسطيني المناضلة لانتزاع حق العودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وإسقاط مشاريع التوطين والتهجير، إذ لا حل لقضية اللاجئين إلا بتطبيق القرار 194، فيما لا يشكل القرار 1701 أي مقاربة له، إن لم يكن معاكساً له
(علي فيصل / عضو المكتب السياسي للجبهة).
ثانياً: فصائل التحالف الوطني الإسلامي، وهي تتشكل من حركة حماس والجهاد والجبهة الشعبية - القيادة العامة، حيث أن:
· حركة المقاومة الإسلامية "حماس":
وترى الحركة أن نزع السلاح الفلسطيني خلف نهر الليطاني فهو يأتي في سياق صدور القرار الدولي الجديد الذي يحرّم السلاح غير الشرعي وراء خط نهر الليطاني.
كما وترى أن الضرورة تقتضي وجود ضمانات لسلامة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تشمل: تعريف الصفة القانونية لهؤلاء اللاجئين، ضمان حماية اللاجئين الفلسطينيين من استهدافهم على الأراضي اللبنانية، ومسألة أمنية تتعلق بتراكمات تعود إلى أربعة عقود، وهذه المسألة لا تحل إلا من خلال الحوار الفلسطيني اللبناني (أسامة حمدان / ممثل الحركة في لبنان).
· الجهاد الإسلامي في فلسطين:
أما «الجهاد الإسلامي في فلسطين»، والتي اغتيل اثنين من مسئوليها السياسيين في لبنان على يد الموساد، فهي ترى على لسان الأمين العام الدكتور رمضان عبد الله شلح أن ما يسمى قرار 1559 صُمم خصيصاً لنزع سلاح المقاومة في لبنان، ونزع سلاح المخيمات، ولكن باعتقادنا أن هذا المشروع سيبدأ بالمخيمات على اعتقاد منهم أنها الحلقة الأضعف، وإذا تم الاستفراد بالمخيمات وتجريدها من السلاح وهو سلاح بسيط يحمله الفلسطيني في بيته للدفاع عن نفسه ولحماية أهله من مجازر على غرار صبرا وشاتيلا.
هم يعتقدون أنهم إذا نجحوا في ذلك سيكون بإمكانهم الانتقال إلى سلاح المقاومة اللبنانية أو سلاح حزب الله. لكن نحن نقول إن الشعب الفلسطيني لن يسمح ولن يقبل بأن يتخلى عن هذا السلاح لأنه سلاح الدفاع عن النفس، والشعب الفلسطيني الموجود في لبنان هو شعب لاجئ يعيش في مخيمات أشبه بجزر أمنية مغلقة ومحاصرة، ليس فيها أدنى مقومات الحياة الإنسانية، الشعب الفلسطيني همه وهدفه في لبنان أن يعود إلى وطنه وهو لذلك يرفض التوطين والتهجير الذي يجري الحديث عنه أو الإعداد له، لأن هناك قوى محلية في لبنان ترفض التوطين ليس من باب الحرص على حق العودة، بل تخشى من اعتبارات داخلية وسكانية وديموغرافية، لذلك ستقبل أو يقبل البعض منها أن يتم توطين اللاجئين خارج لبنان، والفلسطينيون لن يقبلوا بذلك والمخيمات ستدافع عن أنفسها بإذن الله (تصريحات صحفية 26/4/2005).
· الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة:
وهي الجبهة التي اغتيل في لبنان مسئولها العسكري؛ حيث طالب القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة في لبنان رامز مصطفى بألا تشكل الأحداث الجارية في مخيم البارد مدخلاً لفتح ملف الوجود الفلسطيني وسلاحه، لأن هذا الموضوع خاضع للحوار الفلسطيني اللبناني الذي بدأ منذ أكثر من عام وتعطل نتيجة الخلاف السياسي بين الأطراف اللبنانية، ولا علاقة للأطراف الفلسطينية بهذا التأخير.
وحول مدى استعداد القيادة العامة لتسليم سلاحها علّق مصطفى الأمر على منح الدولة اللبنانية اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية والاجتماعية والسياسية، والسماح لهم بالتملك، و"حين يشعر الفلسطيني أنه آمن على حاضره ومستقبله من الناحية الإنسانية والأمنية عندها يمكن أن نناقش كل القضايا الأخرى"، كما وشدد على ضرورة إقلاع الدولة اللبنانية عن مقاربة الملف الفلسطيني في لبنان على أساس أمني، مشيراً إلى أن هذا الملف هو ملف سياسي بامتياز.
هذا ورفضت الجبهة التحركات الثنائية بين الرئاسة الفلسطينية والحكومة اللبنانية فيما يتعلق بالملف الفلسطيني في لبنان، حيث اتهمت السنيورة بمحاولة الاستقواء بموقف الرئيس عباس لسحب السلاح الفلسطيني، وذلك مقابل وعود بفتح "ممثلية دبلوماسية" لفلسطين في بيروت.
ثالثاً: الجماعات السلفية الجهادية في المخيمات الفلسطينية، يمكن إجمال مواقفها في المختصر التالي:
تنظر الجماعات السلفية الجهادية، ومنها عصبة الأنصار، عصبة النور، جماعة الضنّية، جند الشام، الحركة الإسلامية المجاهدة، وأخيراً "فتح الإسلام" إلى السلاح باعتبارهِ ركيزة أساسية في الحرب العالمية المفتوحة ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، حيث أن مسألة نزع السلاح غير واردة بتاتاً في القاموس "السلفي الجهادي"، وهو الأمر الذي أثبتته المواجهات مع العديد من هذه المجموعات، كأحداث المواجهة مع "جماعة الضنية"، وصدامات حركة فتح في مخيم عين الحلوة مع "جند الشام"، وأخيراً المعركة الدامية مع تنظيم فتح الإسلام، التي استمرت لأكثر من ثلاث أشهر ولا تزال، على الرغم من بعض الوساطات الفلسطينية لحل الموضوع سلمياً، وعلى الرغم من جهود "رابطة علماء فلسطين" المتواصلة أثناء الاشتباكات الدامية للوصول إلى صيغة توافقية تصل إلى وقف المعارك، وتسليم سلاح "فتح الإسلام".
استطلاع للرأي العام الفلسطيني
وحسب استطلاع للرأي العام الفلسطيني في مخيمات لبنان، أجرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية؛ فإن 72.2% يعتقدون أن السلاح الفلسطيني مصدر حماية لهم، في حين عبر 90.7% عن رأيهم بوجوب حصول تعديل في شكل التعامل مع السلاح وضبطه.
في حين عبر 54.3% عن موافقة مشروطة لتولي السلطات اللبنانية المسؤولية الأمنية عن المخيمات، و6.8% مع توليها للمسؤولية الأمنية بشكل فوري، مقابل رفض 34.9% لكل تلك الإجراءات على كافة الأحوال.
موقف الأطراف اللبنانية
وهنا في هذه الوقفة؛ لن أتناول موقف فريق (8 آذار – معارضة) المكون من تنظيم "حزب الله" و"حركة أمل"، وتيار الجنرال مشيل عون، ومجموعات تنظيمية أخرى ضمن هذا التحالف كالمردة والناصريين والقوميين الاجتماعيين.. الخ، لأنهم يتفقون على ضرورة الحوار لحل ملف السلاح الفلسطيني في لبنان بعيداً عن التصريحات النارية الصادرة عن "الموالاة"، التي تأخذ على عاتقها تصوير هذا السلاح باعتبارهِ "ترسانةً حربيةً" تسبب كل الويلات التي تصيب البلاد.
وفريق الموالاة (14 آذار) يجمع في مكوناتهِ السياسية على ضرورة نزع السلاح، أكان بالسلم (الحوار) أو بالقوة (عبر تدخل الجيش والأمن)، بل ويعتبر هذا التيار أن "سحب السلاح" أولية ضمن الأجندة السياسية له، مؤكداً على وجوب تطبيق القرارات الأممية التي تنص صراحةً على نزعهِ – أي السلاح.
وفي هذا الصدد؛ يقول النائب اللبناني نعمة الله أبي نصر – موالاة - "كل مشاكل لبنان الأمنية وانهيار السلطة وسقوط الدولة فيه سببه الوجود الفلسطيني المسلّح، الذي عبث بالأمن والسيادة اللبنانية، حيث تحوّلت المخيمات الفلسطينية إلى دويلات مسلّحة مستقلة بعد أن عملت على إفقاد لبنان سيادته"، مضيفاً في تصريح لـ "الجزيرة" إنه إذا توفر حلا للسلاح الفلسطيني بالوفاق فهذا جيد، وإلا فسيكون الحل بـ "القوة".
هذا ويتصدر قائمة (14 آذار) في الانفلات اللا واعي في توزيع التهم جزافاً ضد السلاح الفلسطيني وليد جمبلاط زعيم "الحزب التقدمي الاشتراكي"، حيث وصف هذا السلاح بـ "الغدر والخيانة"، وأن الضرورة تقتضي بسحبه من يد الفصائل الفلسطينية، وعادةً ما تأتي هذه التصريحات الموتورة عقب عملية اغتيال أو تفجير في لبنان.
الخلاصة:
يتضح من خلال القراءة السابقة أن التوترات حول المخيمات الفلسطينية في لبنان هي أقدم من "تنظيم فتح الإسلام" في نهر البارد، حيث نجد وفي أكثر من فترة زمنية، أن المواجهات مع السلطات اللبنانية تنفجر دون سابق إنذار، بسبب سياسة التضييق التي تتبعها السلطات ضد المخيمات، أو الكنتونات الفلسطينية اللاجئة والمحاصرة منذ عام 1982م، بالإضافة إلى النظرة النمطية السائدة حول السلاح الفلسطيني باعتبارهِ مصدراً للتوتر، دون البحث عن حل توافقي، قادر على ضمان سلامة وأمن الجانبين.
وعليه كانت المواجهات مع "تنظيم فتح الإسلام" الورقة اللبنانية لفتح موضوع السلاح الفلسطيني، لاسيما وأن الذرائع بتورط فلسطيني مسلح في عمليات الاغتيال التي طالت الحريري وقصير وتويني والحاوي والجميل لم تنطلي على الرأي العام العربي، فكانت ورقة "نهر البارد" هي البديل الأنجح لوضع السلاح الفلسطيني تحت دائرة الاتهام، ولكن هذه المرة بحجة "مكافحة الإرهاب"، الأمر الذي يلقى قبولاً وترحيباً عربياً ودولياً، بدعم ومؤازرة صهيو-أمريكية.
* كاتب وصحفي
albeshtawi@hotmail.com
شبكة إسلامنا - قسم التحليلات
http://www.islamouna.info/dnn/Defaul...tabid=89&Id=27
تعليق