: لا يكاد المواطن الفلسطيني يستفيق من غلاء الوقود حتى يصعقه غلاء الخبز، ثم يلطمه غلاء المواد التموينية ثم الصحية والتعليمية والأحذية والملابس والأجهزة الكهربائية بأصنافها المتعددة، وكأنه قدر على هذه المواطن البسيط مواجهة ثورة في الأسعار طوال حياته. ويبدو أن السخونة التي تعيشها فلسطين لم تقتصر فقط على الأسعار فهي بحكم الطبيعة ساخنة سياسيًا، وبحكم الاعتداء على الطبيعة أصبح طقسها يميل للسخونة، كمثيلاتها من الدول التي تضررت من الاحتباس الحراري.
ولا يتوانى الموظف الفلسطيني الذي استفاق على نفسه بعد عام ونصف من حصار خانق، منعه من تلقي راتبه بشكل اعتيادي على وصف غلاء الأسعار بالمصيبة الجديدة. وتؤكد الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والذي أفاد أن أسعار المستهلك في الأراضي الفلسطينية سجلت فقط خلال شهر تموز الماضي ارتفاعاً مقداره 0.51% مقارنة بشهر حزيران(يونيو) 2007، وهو ما يدلل على أن هذه الأسعار ترتفع غير آبهة بالوضع الاقتصادي المتدهور في الأراضي الفلسطينية.
كما أوضح الجهاز في تقريره عن جدول غلاء المعيشة في الأراضي الفلسطينية لشهر تموز(يوليو) الماضي، مبيناً أن أسعار المستهلك ارتفعت، إذ ارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (سنة الأساس 1996=100) إلى 154.14 مقارنة بِـ 153.36 خلال الشهر السابق.
الأسباب والدوافع
ولارتفاع الأسعار في فلسطين أسباب عدة، منها ارتباط هذا الاقتصاد بالاقتصاد الإسرائيلي، كما أنه اقتصاد يعتمد على المساعدات الخارجية، وهو اقتصاد خدماتي استهلاكي أكثر منه إنتاجي، وهذه العوامل هي التي تقود إلى ارتفاع الأسعار، حسبما أكد لـ 'إيلاف' المحاضر في قسم الاقتصاد في جامعة النجاح د.قاسم جودة.
ويوضح الخبراء الاقتصاديون أن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عن غلاء الأسعار، وذلك في ظل غياب الرقابة، وعدم وجود حماية للمستهلك، ويبين الخبراء أن السلطة تسمح للكثير من التجار استيراد بضاعة من الخارج وبخاصة من الصين، ما يقود إلى تدمير المنتجات الفلسطينية التي لا تستطيع منافسة الأسعار الرخيصة القادمة من الخارج.
ويجمع الخبراء على أن هذه القضية لكي تحل، تحتاج إلى تضافر كافة الجهود معاً، مثل المجلس التشريعي الذي مطلوب منه سن قوانين وتشريعات، كما أن مؤسسات المجتمع المدني والفصائل والوزارات المختصة يجب أن تنسق في ما بينها من أجل وضع حد لهذه الظاهرة.
المواطنون ماذا يقولون؟
إيلاف بدورها، التقت العديد من المواطنين الفلسطينيين، لمعرفة رأيهم في غلاء الأسعار، حيث يقول المواطن بلال فريد: 'غلاء الأسعار أصبح لافتاً للنظر في الفترة الأخيرة، كما أن الأسعار لا تتوقف عن الصعود، فمثلاً كيلو الخبز بعد أن كان بشيقلين ونصف أصبح بثلاثة والآن سيتحول لثلاثة شواقل ونصف (الدولار= 4.5 شيقلات)، وبين فريد أن المخابز في مدينة نابلس التي يعيش فيها تقول إن رفع الأسعار جاء بسبب غلاء الدقيق والمستلزمات الأخرى، كما يشير إلى أن أنبوبة الغاز يبلغ ثمن تعبئتها 35 شاقلا ( ما يقارب 9 دولارات)، في وقت لا يبلغ متوسط أجر العامل في اليوم 15 دولارا.
أما سليمان جميل والذي كان يتجول في سوق البلدة القديمة من مدينة نابلس، فيقول: 'كل شيء بات مرتفعا، الأسعار تتصاعد، وليس هناك أموال، ومطلوب من المواطن تدبير شؤونه'، وتابع: 'يجب على المؤسسات والسلطة الفلسطينية التدخل لوقف ارتفاع الأسعار التي باتت تنهك كاهلنا'.
ارتفاع الأسعار بلغة الأرقام
ويشار إلى أن آخر تقرير صدر عن مركز الإحصاء الفلسطيني بتاريخ 14/8/2007، جاء فيه أن الأسعار في القدس الشريف سجلت ارتفاعاً ملموساً مقداره 1.42في المئة خلال الشهر الماضي، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 2.05في المئة، وأسعار خدمات المسكن بنسبة 3.52في المئة، وأسعار النقل بنسبة 1.73في المئة، الأسعار في باقي الضفة الغربية سجلت أيضاً ارتفاعاً مقداره 0.36في المئة، نتج بصورة رئيسة من ارتفاع أسعار خدمات المسكن بنسبة 2.91في المئة، وأسعار النقل بنسبة 0.92في المئة.
وقال المركز: 'يلاحظ أن أسعار مجموعتي النقل والمسكن هي وراء الارتفاع الحاصل في الأسعار نتيجة للارتفاع المتواصل منذ بداية العام الجاري في أسعار البنزين والمحروقات بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمي'.
كما أشار الجهاز إلى أن أسعار المواد الغذائية سجلت ارتفاعاً خلال شهر تموز(يوليو) مقداره 0.25في المئة عن الشهر السابق، كما سجلت أسعار الأقمشة والملابس والأحذية ارتفاعاً مقداره 0.06في المئة مقارنة بالشهر السابق، أما نفقات المسكن فسجلت أسعارها ارتفاعاً ملموساً مقداره 2.74في المئة، وبين جدول غلاء المعيشة لشهر تموز أن أسعار الأثاث والسلع والخدمات المنزلية سجلت انخفاضاً مقداره 0.08في المئة.
وتابع الجهاز أن أسعار خدمات التعليم سجلت ارتفاعاً مقداره 0.02في المئة عن الشهر السابق، أمّا الرعاية الصحية فسجلت أسعارها ارتفاعاً نسبته 0.34في المئة مقارنة بالشهر السابق، وجاء أن أسعار السلع والخدمات الترفيهية سجلت انخفاضاً مقداره 0.07في المئة، كما سجلت أسعار السلع والخدمات المتنوعة انخفاضاً مقداره 0.04في المئة.
تعليق