تتفاوت النظرة إلى إيران في العالم العربي بين اتجاهين:
- اتجاه يرى أن إيران مخلصة للعلاقات مع جيرانها العرب، جادة وصادقة في التعاون معهم ومؤثرة لمصلحة الإسلام العليا 'تبعًا لنظامها'.
- واتجاه آخر يرى أن إيران تكره جيرانها العرب انطلاقًا من استعلائها الفارسي، تؤثر مصلحتها القومية الذاتية وتقدمها على مصلحة الإسلام خلافًا لما تدعي مراوغة ومنافقة في تعاملها مع جيرانها،إلا أن هذه الضبابية في التقسيم وهذا اللغط القائم حولها يتقلص تدريجيًا عند الباحثين والعارفين بمكامن السياسة الإيرانية، ويميل بقوة نحو الاتجاه الثاني مستندًا إلى مجموعة من المؤشرات والدلائل التي تخفى على الكثير من الناس العاديين أو حتى بعض المثقفين، خاصة وأن إيران تعتمد سياسة الباب الخلفي الرائجة والناجحة تمامًا بالنسبة لها حتى الآن،
لقد بدأت دبلوماسية الباب الخلفي الإيرانية مع بداية الثورة ضد الشاه واستلام الخميني والحكومة الدينية للحكم في إيران، ولكي يتمكن القائمون على الثورة من إبراز أنفسهم للعلن ولتأكيد نجاح الثورة ليس على مستوى إيران فحسب بل على مستوى المنطقة بأسرها، كان لابد لهم أن يعادوا كل ما له علاقة بالشاه والنظام الشاهنشاهي، وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل .
ففي الحرب 'العراقية- الإيرانية' كان قادة إيران يرددون مقولة تحرير القدس بعد تحرير بغداد، كما أطلق اسم القدس على بعض العمليات العسكرية الناجحة ضد العراق، وكان الهدف من ذلك الابتزاز العاطفي للشعوب العربية والإسلامية، ولتحقيق التفاف شعبي حولها. وإذا بالعالم بأسره تصيبه الصدمة والذهول بعد أن انكشفت فضيحة 'إيران – جيت' وصفقة الأسلحة 'الإيرانية – الإسرائيلية'، وزيارة عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي ومستشار الرئيس الأمريكي ريجن وهو 'ماكفرلين' إلى إيران والتقائه بالمسؤولين الإيرانيين خلسة، إذ لم يتصور أحد أن تكون لإيران علاقات مع أمريكا وإسرائيل بسبب عوامل العداء الظاهرة للعيان من الشكل الخارجي مع هذه الأطراف. لكن العارف والمطلع على مبدأ 'التقية' الذي تتميز به الشيعة لا يتفاجأ بهذا الأسلوب، فقد تمكنت إيران بفضل مبدأ التقية السياسية من اللعب على الأوتار، ومكّنها ذلك من اعتماد مقولة: المصالح أبدى من المبادئ.
أما في فترة ما بعد 11 أيلول وما أصاب العالم من فرز قسري إما مع الإرهاب أو ضده وإما مع أمريكا أو ضدها جزم الكثيرون أن إيران صاحبة مبدأ وقضية ورافعة لشعار الإسلام، وبالتالي هي ثابتة على قدميها، ولكنّ الواقع يكذّب الشعارات، إذ سارع الرئيس الإيراني محمد خاتمي بإدانة هذه التفجيرات بعد ساعات فقط من وقوعها، ولأول مرّة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 لا يرفع شعار 'الموت لأمريكا' في خطبة الجمعة المركزية في طهران، وكأنّ القوم لم يكونوا يريدون الموت لأمريكا حقيقة، وعندما جاءها الموت لم يرضوا بذلك، بل توقفوا حتى عن الدعاء ضدها!!
وأدان محسن أرمين نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني التفجيرات واصفًا إياها بالعمل الإجرامي غير المقبول، وقام 165 عضوًا من أعضاء مجلس الشورى البالغ 290 عضوًا بالتوقيع على وثيقة أعربوا فيها عن تعاطفهم مع الشعب الأمريكي، وطالبوا بحملة دولية لمكافحة 'الإرهاب'، وقد بعث كل من محمد عطريا نفر، رئيس مجلس مدينة طهران، ومرتضى الويري، رئيس بلدية طهران برسالة إلى عمدة نيويورك، رادولف جولياني جاء فيها: «لقد استقبلنا الأعمال 'الإرهابية' الأخيرة التي راح ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء ببالغ الأسى والحزن، ومما لا شك فيه أن هذه الأعمال لا تستهدف مواطني مدينتكم فقط، بل إنها تستهدف كل مواطني العالم، ونحن نيابة عن مواطني مدينة طهران ندين وبشدة هذه الأعمال اللا إنسانية ومرتكبيها، ونقدم خالص مواساتنا لسيادتكم ولمجلس المدينة ولكل مواطني نيويورك الأعزاء، آملين أن يتم استئصال جذور 'الإرهاب'». ومن الأعاجيب الإيرانية إدانة عضو مجلس الشورى الإيراني «عباس عبدي» - وهو قائد المجموعة التي قامت باحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران؛ فقد اعتبر اختطاف طائرات ركاب بالمسافرين واصطدامها بمبنى البنتاجون ومركز التجارة هي إشارة للابتذال في المعايير الأخلاقية! وقال: «إنه لم يتم أي هجوم 'إرهابي' بتلك الفظاعة». ثمّ برزت تصريحات وزير الدفاع الإيراني المارشال علي شامخاني - خلال تحضيرات أمريكا للهجوم على طالبان - التي هدد فيها بإسقاط أية طائرة أمريكية تعبر الأجواء الإيرانية لكي يذكّر الناس بأن 'الشعاراتية' موجودة، وبعد عدة أيام ظهرت للعلن اتفاقية أفرزتها دبلوماسية الأبواب الخلفية يقوم الإيرانيون بموجبها بإعادة أي أمريكي يفقد أو يسقط في إيران إلى أمريكا سالمًا معافى!!
هذا ويعزز الإيرانيون دبلوماسية الأبواب الخلفية باتصالات دائمة مباشرة وخفية وسرية، سواء مع أمريكا أو غيرها من الشياطين بطريقة لا تثير حفيظة المراقبين، إلاّ أولئك الذين يتابعون الشأن الإيراني بدقة، وقد نقلت الوطن السعودية في 15 مارس 2002 عن صحيفة 'نوروز' ما أكده نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي محسن أرمين عن وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وهذه الاتصالات لطالما كانت قائمة في السنوات الماضية'
وبعد سقوط نظام طالبان تبين للجميع مدى حجم الدور الإيراني الذي ساهم في ذلك، لدرجة أن بعض الأمريكيين اعتبر أنه لولا المساعدة الإيرانية التي تمت لوجستيًا وتكتيكيًا لفشلت الحرب، ويعزز هذا القول ما نقلته جريدة الشرق الأوسط في 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق؛ علي أكبر هاشمي رفسنجاني قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران: إنّ 'القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وإنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني'. وتابع قائلاً: 'يجب على أمريكا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أمريكا أنْ تُسْقط طالبان'. وقال د. محسن رضائي الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران خلال حديثه لبرنامج 'بلا حدود' في فضائية الجزيرة أثناء العدوان أيضًا: 'إن الخلاص منه [المستنقع الأفغاني] يجب أن يمر عبر إيران، أي إزالة طالبان والتيار السياسي الموجود في أفغانستان، وإذا وصلت أمريكا إلى طريق مسدود في أفغانستان لابد وأن تحصل على طريق للخلاص من هذا الطريق المسدود، فإيران طريق جيد، وإيران يمكن بشتى الطرق أن تحل هذا الطريق، وتخلص المنطقة من الأزمة الحالية، وتنتهي هذه الأزمة'. [بلا حدود 25/7/2001].
، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي المصلحة الإيرانية من انتشال أمريكا من المستنقع الأفغاني طالما أنّ أمريكا هي الشيطان الأكبر، وعدوّها الأول كما تقول، ولكن التصرف الذي تم يدل على أنّ أمريكا ليست العدو الأول، فتمعنوا يا أولي الألباب.(الحلقـــة الأولـــــى).
- اتجاه يرى أن إيران مخلصة للعلاقات مع جيرانها العرب، جادة وصادقة في التعاون معهم ومؤثرة لمصلحة الإسلام العليا 'تبعًا لنظامها'.
- واتجاه آخر يرى أن إيران تكره جيرانها العرب انطلاقًا من استعلائها الفارسي، تؤثر مصلحتها القومية الذاتية وتقدمها على مصلحة الإسلام خلافًا لما تدعي مراوغة ومنافقة في تعاملها مع جيرانها،إلا أن هذه الضبابية في التقسيم وهذا اللغط القائم حولها يتقلص تدريجيًا عند الباحثين والعارفين بمكامن السياسة الإيرانية، ويميل بقوة نحو الاتجاه الثاني مستندًا إلى مجموعة من المؤشرات والدلائل التي تخفى على الكثير من الناس العاديين أو حتى بعض المثقفين، خاصة وأن إيران تعتمد سياسة الباب الخلفي الرائجة والناجحة تمامًا بالنسبة لها حتى الآن،
لقد بدأت دبلوماسية الباب الخلفي الإيرانية مع بداية الثورة ضد الشاه واستلام الخميني والحكومة الدينية للحكم في إيران، ولكي يتمكن القائمون على الثورة من إبراز أنفسهم للعلن ولتأكيد نجاح الثورة ليس على مستوى إيران فحسب بل على مستوى المنطقة بأسرها، كان لابد لهم أن يعادوا كل ما له علاقة بالشاه والنظام الشاهنشاهي، وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل .
ففي الحرب 'العراقية- الإيرانية' كان قادة إيران يرددون مقولة تحرير القدس بعد تحرير بغداد، كما أطلق اسم القدس على بعض العمليات العسكرية الناجحة ضد العراق، وكان الهدف من ذلك الابتزاز العاطفي للشعوب العربية والإسلامية، ولتحقيق التفاف شعبي حولها. وإذا بالعالم بأسره تصيبه الصدمة والذهول بعد أن انكشفت فضيحة 'إيران – جيت' وصفقة الأسلحة 'الإيرانية – الإسرائيلية'، وزيارة عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي ومستشار الرئيس الأمريكي ريجن وهو 'ماكفرلين' إلى إيران والتقائه بالمسؤولين الإيرانيين خلسة، إذ لم يتصور أحد أن تكون لإيران علاقات مع أمريكا وإسرائيل بسبب عوامل العداء الظاهرة للعيان من الشكل الخارجي مع هذه الأطراف. لكن العارف والمطلع على مبدأ 'التقية' الذي تتميز به الشيعة لا يتفاجأ بهذا الأسلوب، فقد تمكنت إيران بفضل مبدأ التقية السياسية من اللعب على الأوتار، ومكّنها ذلك من اعتماد مقولة: المصالح أبدى من المبادئ.
أما في فترة ما بعد 11 أيلول وما أصاب العالم من فرز قسري إما مع الإرهاب أو ضده وإما مع أمريكا أو ضدها جزم الكثيرون أن إيران صاحبة مبدأ وقضية ورافعة لشعار الإسلام، وبالتالي هي ثابتة على قدميها، ولكنّ الواقع يكذّب الشعارات، إذ سارع الرئيس الإيراني محمد خاتمي بإدانة هذه التفجيرات بعد ساعات فقط من وقوعها، ولأول مرّة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 لا يرفع شعار 'الموت لأمريكا' في خطبة الجمعة المركزية في طهران، وكأنّ القوم لم يكونوا يريدون الموت لأمريكا حقيقة، وعندما جاءها الموت لم يرضوا بذلك، بل توقفوا حتى عن الدعاء ضدها!!
وأدان محسن أرمين نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني التفجيرات واصفًا إياها بالعمل الإجرامي غير المقبول، وقام 165 عضوًا من أعضاء مجلس الشورى البالغ 290 عضوًا بالتوقيع على وثيقة أعربوا فيها عن تعاطفهم مع الشعب الأمريكي، وطالبوا بحملة دولية لمكافحة 'الإرهاب'، وقد بعث كل من محمد عطريا نفر، رئيس مجلس مدينة طهران، ومرتضى الويري، رئيس بلدية طهران برسالة إلى عمدة نيويورك، رادولف جولياني جاء فيها: «لقد استقبلنا الأعمال 'الإرهابية' الأخيرة التي راح ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء ببالغ الأسى والحزن، ومما لا شك فيه أن هذه الأعمال لا تستهدف مواطني مدينتكم فقط، بل إنها تستهدف كل مواطني العالم، ونحن نيابة عن مواطني مدينة طهران ندين وبشدة هذه الأعمال اللا إنسانية ومرتكبيها، ونقدم خالص مواساتنا لسيادتكم ولمجلس المدينة ولكل مواطني نيويورك الأعزاء، آملين أن يتم استئصال جذور 'الإرهاب'». ومن الأعاجيب الإيرانية إدانة عضو مجلس الشورى الإيراني «عباس عبدي» - وهو قائد المجموعة التي قامت باحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران؛ فقد اعتبر اختطاف طائرات ركاب بالمسافرين واصطدامها بمبنى البنتاجون ومركز التجارة هي إشارة للابتذال في المعايير الأخلاقية! وقال: «إنه لم يتم أي هجوم 'إرهابي' بتلك الفظاعة». ثمّ برزت تصريحات وزير الدفاع الإيراني المارشال علي شامخاني - خلال تحضيرات أمريكا للهجوم على طالبان - التي هدد فيها بإسقاط أية طائرة أمريكية تعبر الأجواء الإيرانية لكي يذكّر الناس بأن 'الشعاراتية' موجودة، وبعد عدة أيام ظهرت للعلن اتفاقية أفرزتها دبلوماسية الأبواب الخلفية يقوم الإيرانيون بموجبها بإعادة أي أمريكي يفقد أو يسقط في إيران إلى أمريكا سالمًا معافى!!
هذا ويعزز الإيرانيون دبلوماسية الأبواب الخلفية باتصالات دائمة مباشرة وخفية وسرية، سواء مع أمريكا أو غيرها من الشياطين بطريقة لا تثير حفيظة المراقبين، إلاّ أولئك الذين يتابعون الشأن الإيراني بدقة، وقد نقلت الوطن السعودية في 15 مارس 2002 عن صحيفة 'نوروز' ما أكده نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي محسن أرمين عن وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وهذه الاتصالات لطالما كانت قائمة في السنوات الماضية'
وبعد سقوط نظام طالبان تبين للجميع مدى حجم الدور الإيراني الذي ساهم في ذلك، لدرجة أن بعض الأمريكيين اعتبر أنه لولا المساعدة الإيرانية التي تمت لوجستيًا وتكتيكيًا لفشلت الحرب، ويعزز هذا القول ما نقلته جريدة الشرق الأوسط في 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق؛ علي أكبر هاشمي رفسنجاني قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران: إنّ 'القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وإنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني'. وتابع قائلاً: 'يجب على أمريكا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أمريكا أنْ تُسْقط طالبان'. وقال د. محسن رضائي الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران خلال حديثه لبرنامج 'بلا حدود' في فضائية الجزيرة أثناء العدوان أيضًا: 'إن الخلاص منه [المستنقع الأفغاني] يجب أن يمر عبر إيران، أي إزالة طالبان والتيار السياسي الموجود في أفغانستان، وإذا وصلت أمريكا إلى طريق مسدود في أفغانستان لابد وأن تحصل على طريق للخلاص من هذا الطريق المسدود، فإيران طريق جيد، وإيران يمكن بشتى الطرق أن تحل هذا الطريق، وتخلص المنطقة من الأزمة الحالية، وتنتهي هذه الأزمة'. [بلا حدود 25/7/2001].
، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي المصلحة الإيرانية من انتشال أمريكا من المستنقع الأفغاني طالما أنّ أمريكا هي الشيطان الأكبر، وعدوّها الأول كما تقول، ولكن التصرف الذي تم يدل على أنّ أمريكا ليست العدو الأول، فتمعنوا يا أولي الألباب.(الحلقـــة الأولـــــى).
تعليق