حكاية اليوم الأصعب في تاريخ الجيش الإسرائيلي
غزة _ فلسطين مباشر
كان اللقاء منتظرا بعد انتهاء حرب يوليو العام الماضي بين الجيش الذي لا يقهر " الجيش الإسرائيلي " ,ومجاهدي المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني , لكن نتائج الحرب والظروف السياسية التي تلتها فرضت التأجيل، بالإضافة إلى أن حزب الله لم يكن قد اتخذ قرارا بتقديم الرواية الفعلية للحرب، لذلك فإن كل ما صدر من معلومات خاصة بتفاصيل المعارك في الصحف ووسائل الإعلام والكتب، لا يشكل سوى خلاصة، إما لتصريحات ولمعلومات سياسية، أو للقاءات خاصة بين صحافيين وإعلاميين مع مواطنين بقوا في بلداتهم وقراهم خلال الحرب، أو حتى لمقاومين قدموا معلومات غير رسمية.
بعدما أعطت قيادة حزب الله الإذن برواية مواجهات يوليو، حصل اللقاء مع ثلاثة من القادة الذين شاركوا في إدارتها، في كل من بنت جبيل وعيتا الشعب ووادي الحجير. لم يكن سهلا على صحافي الاستماع بسهولة إلى قياديين في المقاومة يروون معارك يحفظونها، وعن مصطلحات عسكرية يستخدمونها.
في شرح مقاومين حزب الله لسير خطوط الجبهة والمواقع التي حاول الجيش الإسرائيلي الوصول إليها، يسعون إلى التوضيح بأقصى قدر ممكن، يطلبون أقلاما وورقا ويرسمون المواقع المحيطة بجبهاتهم.
يبدؤون في الكلام ثم ينتبهون إلى أنه يجب كتابة ما يرونه... يتمهلون ثم يوضحون تركيبة الجيش الإسرائيلي لأن معرفة الجيش سوف تؤدي إلى معرفة من هي القوة التي واجهها المقاومون.
كان الجنود من نخبة الجيش الإسرائيلي، من ألوية غولاني، والمظليين، وجعفاتي، ونحال. وتعتبر إيغوز نخبة لواء غولاني، لذلك كان عناصرها يصيحون خلال المواجهات مع المقاومين، إيغوز، إيغوز،إيغوز، في محاولة لإرهابهم وجعلهم يتراجعون. يبلغ عدد أفراد الكتيبة 300 جندي، وعندما تكون معززة تضاف اليها سرية، تضم 100 جندي. بالمقابل تضم كل سرية، ثلاثة فصائل، وكل فصيل 30 جنديا.
يتحدث أحد القياديين عن معنى ما جرى في يوليو وتأثيراته في لبنان والمنطقة. يستمع ويناقش في الحرب والسياسة والتشويه الذي تعرض له المقاومون. يردد بسخرية ما قيل في تبرير الحرب الادعاء بأن أسر الجنديين الإسرائيليين كان سببا لشنها، وتدمير دبابة بعد الأسر ومقتل الجنود الذين كانوا بداخلها كان سببا آخر، والخلافات داخل القيادة الإسرائيلية تجاه الحرب كانت سببا ثالثا لأنه لم يكن هناك اتفاق على أهداف الحرب ومدتها.
أما التدمير الذي تعرضت له بلدات الجنوب فلا علاقة له بالأسباب التي تقدمت، ولا بالمبررات الإسرائيلية القائلة إنه يجري تدمير أماكن تواجد المقاومين، لأن "إسرائيل" تعرف أن المقاومين كانوا منتشرين على طول خطوط الجبهة، في الحقول أكثر من القرى. لكنها أرادت الانتقام من البلدات بعد فشلها في اقتحامها.
يسخر من مقولة أن مقاتلي حزب الله لا يخافون الموت لأنهم يسلكون الطريق إلى الجنة، ويقول إن الطريق إلى الجنة هي في كيفية ممارسة الحياة وليس في الاستشهاد فقط في معركة، موضحا أن من أهم مبادئ خوض الحرب لدى المقاومين هي محافظة كل مقاوم على حياته، "لذلك ارتدينا الخوذات والدروع... حتى اختلط الأمر على الجيش الإسرائيلي، وأعترف العديد من جنوده أنهم لم يكونوا يميزون إذا كان الجندي الموجود أمامهم إسرائيليا أو من حزب الله".
يؤكد أن المقاومين قاتلوا في الوقت نفسه بثبات وشجاعة، في مواجهة عدو واضح. ثم يردد مازحا: "لقد خيب الجيش الإسرائيلي أملنا، كنا نعتقد أنه أكثر مراسا في خوض الحرب".
الحرب في عيتا الشعب
تنهض منازل عيتا الشعب من جديد، ورشة إعمار تملأ الأحياء، عمال لبنانيون ومن جنسيات عربية أخرى، شاحنات تنقل مواد البناء، وغبار يعلو فوق الحقول والطرقات، يغطي خضار الصيف المزروعة وما تبقى من أشجار. لكن عيتا الناهضة لا تشبه سابقتها، إختفت المنازل المبنية بالحجر الصخري، وانتشرت بدلا منها العمارات المبنية بحجارة الباطون، في قلب البلدة كما عند أطرافها.
هدم الجيش الإسرائيلي غالبية منازل الحارة القديمة، بينما هدم الأهالي العدد الباقي الذي كان يصنف بالمتصدع، خوفا من عدم حصولهم على تعويضات بدل الهدم أو خوفا من أن تنهار لاحقا فوق رؤوسهم، حتى وإن رممت.
وقد تبنت قطر عملية إعادة أعمار عيتا. وورد في المسوحات الخاصة بالمشروع القطري أن عدد المنازل التي هدمت من جراء القصف في عيتا بلغ 742 منزلا، يضاف إليها 56 منزلاً من الحجر صنفت للهدم على أمل ترميمها وذلك قبل هدمها. أما المنازل العادية المتصدعة والمتضررة التي صنفت للترميم فقد بلغ عددها 1644 منزلا.
كل هذا الدمار، وقوات العدو تطبق على القرية من جهاتها الأربع، والقتال يستمر عنيفا منذ اليوم الأول للعدوان وحتى الثامنة من صباح الرابع عشر من أغسطس 2006.
عيتا التي ذاع صيتها بسبب ما أصابها من دمار وبفضل بسالة مقاوميها. عيتا التي فرضت على العدو اليوم الأصعب في تاريخ قواته المسلحة. عيتا هذه تمكن مقاوموها في اليوم الأخير من المعارك أن يطلقوا الصواريخ بمحاذاة السياج الحدودي على مواقع العدو داخل فلسطين المحتلة. عيتا عنوان الفشل الذريع للعدوان.
استشهد تسعة مقاومين في عيتا بين زواريب منازل الحي القديم. كانت دماء حسان قعيق لاتزال ظاهرة للعيان فوق تراب الدوارة التي تملكها كاملة جميل، قبل أن تذوب في التراب مع موسم الشتاء. وقد استشهد حسان عندما كان يحاول القفز من الدوارة إلى المنزل فشاهدته طائرة «الام كا» (طائرة خاصة بالتصوير) وقصفته.
في منزل عبدالحسين سرور المجاور استشهد ثلاثة مقاومين هم: هشام مرتضى وآخران من خارج عيتا، وقد لجأ الثلاثة إلى الملجأ بعد اشتداد قصف الطيران الإسرائيلي على الحارة، لكن الغارات لقوتها، دمرت المنزل والملجأ معا وبقي المقاومون الثلاثة تحت الأنقاض لمدة عشرة أيام.
عند آخر الحارة تنكشف خلة وردة المزروعة بأشجار الزيتون. تحاذي الخلة بلدة طربيخا إحدى القرى السبع، وقد جرت عملية أسر الجنديين الإسرائيليين في آخرها، عند حقول تدعى «كعب الأرض.
تقول كاملة التي يقع منزلها على الخلة إنها كانت تشك التبغ يوم 12 يوليو 2006 عندما سمعت أصوات القذائف والرصاص. خرجت إلى شرفة المنزل لاستطلاع ما يجري، شاهدت أربعة من المقاومين يستقلون سيارة ويخرجون من المنطقة. لم تعرف يومها أن عملية الخطف تمت.
تقع الخلة عند حافة تلال تسمى الحدب والراهب وظهر الجمل وأبو طويل. تتميز تلك التلال بلونها الأخضر لكثافة انتشار الأشجار البرية فيها، مشكلة المدى الطبيعي لعيتا. لكنها تحولت مع رسم الخط الأزرق إلى حدود أمنية وعسكرية تنتشر عليها مراكز المراقبة الإسرائيلية. شكلت خلال حرب يوليو خطوط الجبهة، بعدما حاول الجنود الإسرائيليون الدخول منها إلى عيتا، وقتل العديد منهم قبل أن يفلحوا في الوصول إلى مداخلها.
ويروي قيادي في المقاومة ممن اشرفوا على معارك عيتا، أنه عند التاسعة من صباح الثاني عشر من يوليو تمكنت مجموعة من رجال المقاومة من أسر الجنديين. عند الحادية عشرة من اليوم نفسه تحركت دبابة إسرائيلية من موقع تلة الراهب، باتجاه موقع للمقاومة فإنفجرت فيها عبوة ناسفة زرعها المقاومون، الأمر الذي أدى إلى تدميرها وقتل طاقمها المؤلف من أربعة جنود.
إثر مقتل الجنود تأزم الوضع الميداني، بحسب وصف القيادي. حاولت قوة إسرائيلية التقدم سيرا برفقة سيارة إسعاف لسحب الجنود القتلى، لكن تصدي المقاومين لها حال دون وصولها إلى الدبابة. استمرت المحاولات لمدة ثلاثة أيام من دون جدوى، فبقي الجنود القتلى في الأرض لمدة أسبوع، إلى حين قررت القوات الإسرائيلية التقدم باتجاه أحياء عيتا.
جرى خلال الأسبوع الأول من الحرب قصف متبادل بين الجنود الإسرائيليين وبين رجال المقاومة، استخدمت فيه إسرائيل طائرات «إف 16» والمروحيات من نوعي كوبرا وأباتشي، ومدفعية الميدان من عيار 155 ملليمتراً و175 ملليمتراً، ومدفعية الهاون. أضيفت اليها طائرة «ام كا» لكن جرى استخدامها في القصف خلال حرب يوليو، بعد تجربة استخدامها في فلسطين لاغتيال الشخصيات الفلسطينية. وقد استخدمت للمرة الأولى في لبنان في مهمتها الجديدة خلال حرب يوليو.
في المقابل، كان رجال المقاومة يستخدمون في القصف المدفعية والصواريخ المضادة للدروع والرشاشات الثقيلة.وقعت خلال الأسبوع الأول إصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين، بينما لم تقع إصابات في صفوف المقاومين لأن الإسرائيليين كانوا يقصفون الأحياء التي أصيب عدد من منازلها بينما استهدف المقاومون الجنود تحديدا.
بعد مرور أسبوع، بدأت القوات الإسرائيلية عمليات التسلل البري من الجهات الأربع المحيطة بعيتا: الجهة الغربية للحارة القديمة، والجهات التي تقع عند حارات أبو لبن وشميس والرجم وأبو طويل. سلكت القوة التي اتجهت نحو الحارة القديمة بالآليات منطقة الشومرة المحتلة الواقعة جنوب مستوطنة زرعيت، وصولا إلى خلة وردة، ومن هناك تفرقت إلى قوتين، واحدة تسللت ليلا سيرا على الأقدام باتجاه أبو طويل، والثانية باتجاه الأطراف الغربية الجنوبية للحارة القديمة.
أما القوة الثانية التي اتجهت نحو الحارات الأخرى، فقد تقدمت من جهة وادي سوادي جنوبي موقع الراهب، ومن هناك باتجاه مرتفع شويط وحارات الخرزة وشميس وأبو لبن. عندها أصبحت القوات الإسرائيلية تحيط بعيتا، وقدر مجموعها بكتيبة معززة من المشاة والاستخبارات.
تقدمت مجموعة من تلك القوات في البداية إلى أطراف الحارة القديمة عند السادسة والنصف صباحا، ودخلت إلى كراج تابع لأحد المنازل فكشفها رجال المقاومة، طوقوا المنزل وفتحوا النيران على الجنود، فجرت اشتباكات استمرت حتى الثامنة والنصف، وانتهت بانسحاب المجموعة بعد وقوع عدد من القتلى والجرحى في صفوفها، وتحدثت وسائل الإعلام في حينها عن وقوع سبعة قتلى إسرائيليين داخل الكراج، بينما قدرت المجموعة المهاجمة بفصيل أي ما يقارب الـ 30 جنديا، وقد ترك القتلى والجرحى في أرض المعركة.
بعد تراجع القوة جرى تعزيزها من جديد، من أجل سحب القتلى والجرحى استمرت محاولات سحب الإصابات طوال النهار فكان أن شهد ذلك اليوم أعنف الاشتباكات خلال معركة عيتا، استخدمت خلاله القوات الإسرائيلية كافة أنواع الأسلحة الجوية والمدفعية واستقدمت جرافة ومدرعتين تحت غطاء كثيف من النيران، لكن المقاومين دمروا الجرافة وإحدى المدرعتين، وتمكنت المدرعة الأخرى من سحب الإصابات.
استشهد في تلك المعركة هشام السيد وكان يقاتل مع والده ضمن المجموعة المقاومة. طارد هشام القوة الإسرائيلية المنسحبة إلى خراج البلدة، فأصبح مكشوفا أمامها وقتلته، وتمكن المقاومون من سحبه في اليوم التالي بمشاركة والده.
بالتزامن مع معركة الحارة، تم اكتشاف قوة أخرى في أحد المنازل في حي أبو لبن. كانت القوة تقدر أيضاً بفصيل، هاجم المقاومون المنزل ودارت اشتباكات عنيفة استمرت ساعات عدة، استطاع خلالها المقاومون تشتيت القوة إلى خراج البلدة.
يقول القيادي إن يونس سرور استشهد خلال معركة أبولبن، قبل هشام السيد، فكان الشهيد الأول في عيتا.
بعد نهار الاشتباكات العنيفة، بدأت المواجهات على جميع أطراف عيتا. أخذت المدرعات تتقدم على مرتفعات أبو طويل وشويط والخرزة وأطراف حارة شميس، فدمر المقاومون في اليوم الأول من المواجهات الواسعة دبابة وجرافة في أبو طويل. في اليوم الثاني دمروا دبابة في المكان نفسه. في اليوم الثالث دمروا دبابة عند مفرق القوزح، ثم دبابة في حارة شميس وأخرى في حارة الخرزة.
يشرح القيادي إن القوات الإسرائيلية المدرعة بدأت عمليات التقدم خلال تلك المواجهات من خلة وردة باتجاه مفرق القوزح ثم دبل وهما خارج عيتا، عندها أصبح يمكن الحديث عن جبهة تمتد من الشومرة زرعيت، مرورا بخلة وردة وصولا إلى القوزح ودبل.
وعندما تقدمت قوة إسرائيلية من القوزح باتجاه دبل كانت المعارك مشتعلة على أطراف عيتا، لكن مجموعة متقدمة من المقاومين كشفت القوة بالقرب من بركة دبل وكانت كبيرة تضم مشاة في الجيش الإسرائيلي. أبلغت المجموعة قيادة المقاومة بكشفها القوة الإسرائيلية وحددت مكان تواجدها، فقررت قيادة المقاومة قصفها مستخدمة المدفعية والرشاشات الثقيلة.
وعندما يقال المدفعية يعني أن القصف كان من مكان خارج البلدة. ساندتها في ذلك المجموعة التي كشف القوة الإسرائيلية، مستخدمة الأسلحة الرشاشة الخفيفة. يوضح القيادي أن المعركة عند البركة أوقعت إصابات كبيرة في صفوف القوة الإسرائيلية، ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي من سحب الإصابات إلا عند حلول الليل.
بعد المعركة فر باقي أفراد القوة باتجاه منازل في بلدة دبل ودخل عدد كبير منهم إلى أحد الكاراجات، تحت مرأى أفراد المجموعة المقاومة. انتظرت المجموعة دخول كامل العدد إلى الكراج وجرت رمايته بصاروخ موجه، الأمر الذي أدى إلى مقتل وإصابة 12 جندياً باعتراف إسرائيل، استمرت عملية إخلائهم على مدى يومين بواسطة المدرعات. وعندما سئل القيادي إذا كان صحيحا أنه جرى نقل 35 خوذة عسكرية للجيش الإسرائيلي من داخل الكراج، أوضح أنه ربما كان يتواجد ذلك العدد من الجنود، لكن ذلك لا يعني أنهم قتلوا جميعا.
وقعت معركة دبل في اليوم الذي اعتبره نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية شمعون بيريز «اليوم الأصعب في تاريخ الجيش الإسرائيلي».
يوضح القيادي أن الجيش عندما يكون عادة في حالة هجوم لا يتقبل الخسائر، لذلك كان صعبا على الجيش الإسرائيلي ما حصل له في دبل، وزاد في تلك الصعوبة اعتقاده أنه لا يوجد مقاومون في البلدة، فكيف وقد اكتشفوا أن المقاومين موجودون على مقربة منه؟
يقول القيادي إنه في ذلك اليوم كان الجيش الإسرائيلي يحشد قواته في دبل من أجل التقدم نحو بلدة رشاف في محاولة لتوسيع العمليات البرية، لكن ما جرى آخر توسيع العملية أربعة ايام، بقي يعمل خلالها على إخلاء الإصابات وتبديل القوة المهاجمة إثر انهيار معنويات من تبقى منها، فيما خرج رجال المقاومة من تلك المعركة سالمين.
ثبات المقاومة في مواقعها
انتقاما لمعركة دبل بدأ القصف التدميري المركز لبلدة عيتا الشعب، ترافقه محاولات التقدم باتجاه الأحياء: الحارة القديمة، أبولبن الرجم، شميس. وأخذت الاشتبكات العنيفة تدور عند أطراف تلك الأحياء، من منزل إلى منزل، فحصلت عمليات كر وفر، يتقدم الجنود إلى منزل، ثم يقوم المقاومون بالهجوم على المنزل ويخرجونهم منه.
استمرت الاشتباكات على تلك الوتيرة 10 أيام سقط خلالها عدد من شهداء المقاومة في الأحياء. كان حينها كل شارع أو طريق أو منزل عرضة للقصف وللقاء أي جندي إسرائيلي.
خلال الأيام الخمسة عشر الأخيرة من الحرب كانت القذائف تتساقط على عيتا أحيانا كل ثانية. تستمر تلك النوبات المجنونة من القصف لمدة ساعتين، ثم تهدأ لتستمر مدافع الهاون القريبة. كان هدوء القصف على أحد الأحياء يعني أن القوات الإسرائيلية تحاول التقدم لأنها لا تقصف نفسها. دمر العدو الحارة القديمة خلال تلك الأيام الخمسة عشر، وحاولت قوة من المشاة مرارا التقدم من أجل السيطرة على الحارة القديمة، لكنها كانت تصطدم بالمقاومين لدى كل محاولة.
عندها شعر الجنود الإسرائيليون بالعجز، على الرغم من الغطاء الناري الكثيف، لجأوا إلى الجرافات، وبدأوا بجرف الحارة التحتا في الحارة القديمة، ظنا منهم أنهم بتلك الطريقة يستطيعون احتلال البلدة. لكن المقاومين دمروا جرافتين عبر استخدام القواذف المضادة للدروع من داخل الحارة، واستهدفوا القوات المتقدمة من خلفها، أي بالقرب من نقاط تواجد المقاومين عند الحدود.
يقول القيادي إن المقاومين استمروا حتى آخر يومين من الحرب يطلقون الصواريخ من النقاط الحدودية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وفي اليوم الأخير من الحرب أطلقوا الصواريخ بمحاذاة السياج الحدودي الأمر الذي يعني أن الحرب الإسرائيلية بكل جبروتها فشلت في حملهم على إخلاء مواقعهم عند الحدود.
المعركة طريق الجنة
يروي أحمد (اسم مستعار) وهو أحد المقاومين، أنه في العديد من الحالات كان يفصل بين المقاومين وبين الجنود الإسرائيليين طريق أو حقل أو منزل مدمر. ويقول: «كنا نرى بعضنا بوضوح والمرة الأولى التي شاهدت فيها الجنود الإسرائيليين لم أصدق أنهم إسرائيليون، كانوا قريبين إلى درجة تداخلت فيها أحيانا مجموعاتنا مع مجموعاتهم».
يتابع أن القوة الإسرائيلية التي تمركزت في أبوطويل كانت تخفي قبضة صواريخ موجهة، كشفت في اليوم الثالث على تمركزها عن القبضة لإطلاقها، لكن المقاومين شاهدوها ورموا الجنود الإسرائيليين قبل أن يرموهم ورأوا 10 جنود يوضعون على الحمالات ويجري نقلهم إلى داخل فلسطين المحتلة.
يقول أحمد إنه لم يعد ينتظر من المعترضين على المقاومة تقديرها، لأنه لم يجر تقديرها سابقا، المهم بالنسبة إليه رضى النفس، يضيف: أنا أحب الحياة لي ولعائلتي مثل جميع الناس، وأتمنى أن يتعلم أولادي في أفضل المدارس، لكن ماذا أفعل إذا كانت إسرائيل تريد احتلال بلدتي هل اتركها وأتفرج عليها؟ لن يحصل ذلك أبدا.
غزة _ فلسطين مباشر
كان اللقاء منتظرا بعد انتهاء حرب يوليو العام الماضي بين الجيش الذي لا يقهر " الجيش الإسرائيلي " ,ومجاهدي المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني , لكن نتائج الحرب والظروف السياسية التي تلتها فرضت التأجيل، بالإضافة إلى أن حزب الله لم يكن قد اتخذ قرارا بتقديم الرواية الفعلية للحرب، لذلك فإن كل ما صدر من معلومات خاصة بتفاصيل المعارك في الصحف ووسائل الإعلام والكتب، لا يشكل سوى خلاصة، إما لتصريحات ولمعلومات سياسية، أو للقاءات خاصة بين صحافيين وإعلاميين مع مواطنين بقوا في بلداتهم وقراهم خلال الحرب، أو حتى لمقاومين قدموا معلومات غير رسمية.
بعدما أعطت قيادة حزب الله الإذن برواية مواجهات يوليو، حصل اللقاء مع ثلاثة من القادة الذين شاركوا في إدارتها، في كل من بنت جبيل وعيتا الشعب ووادي الحجير. لم يكن سهلا على صحافي الاستماع بسهولة إلى قياديين في المقاومة يروون معارك يحفظونها، وعن مصطلحات عسكرية يستخدمونها.
في شرح مقاومين حزب الله لسير خطوط الجبهة والمواقع التي حاول الجيش الإسرائيلي الوصول إليها، يسعون إلى التوضيح بأقصى قدر ممكن، يطلبون أقلاما وورقا ويرسمون المواقع المحيطة بجبهاتهم.
يبدؤون في الكلام ثم ينتبهون إلى أنه يجب كتابة ما يرونه... يتمهلون ثم يوضحون تركيبة الجيش الإسرائيلي لأن معرفة الجيش سوف تؤدي إلى معرفة من هي القوة التي واجهها المقاومون.
كان الجنود من نخبة الجيش الإسرائيلي، من ألوية غولاني، والمظليين، وجعفاتي، ونحال. وتعتبر إيغوز نخبة لواء غولاني، لذلك كان عناصرها يصيحون خلال المواجهات مع المقاومين، إيغوز، إيغوز،إيغوز، في محاولة لإرهابهم وجعلهم يتراجعون. يبلغ عدد أفراد الكتيبة 300 جندي، وعندما تكون معززة تضاف اليها سرية، تضم 100 جندي. بالمقابل تضم كل سرية، ثلاثة فصائل، وكل فصيل 30 جنديا.
يتحدث أحد القياديين عن معنى ما جرى في يوليو وتأثيراته في لبنان والمنطقة. يستمع ويناقش في الحرب والسياسة والتشويه الذي تعرض له المقاومون. يردد بسخرية ما قيل في تبرير الحرب الادعاء بأن أسر الجنديين الإسرائيليين كان سببا لشنها، وتدمير دبابة بعد الأسر ومقتل الجنود الذين كانوا بداخلها كان سببا آخر، والخلافات داخل القيادة الإسرائيلية تجاه الحرب كانت سببا ثالثا لأنه لم يكن هناك اتفاق على أهداف الحرب ومدتها.
أما التدمير الذي تعرضت له بلدات الجنوب فلا علاقة له بالأسباب التي تقدمت، ولا بالمبررات الإسرائيلية القائلة إنه يجري تدمير أماكن تواجد المقاومين، لأن "إسرائيل" تعرف أن المقاومين كانوا منتشرين على طول خطوط الجبهة، في الحقول أكثر من القرى. لكنها أرادت الانتقام من البلدات بعد فشلها في اقتحامها.
يسخر من مقولة أن مقاتلي حزب الله لا يخافون الموت لأنهم يسلكون الطريق إلى الجنة، ويقول إن الطريق إلى الجنة هي في كيفية ممارسة الحياة وليس في الاستشهاد فقط في معركة، موضحا أن من أهم مبادئ خوض الحرب لدى المقاومين هي محافظة كل مقاوم على حياته، "لذلك ارتدينا الخوذات والدروع... حتى اختلط الأمر على الجيش الإسرائيلي، وأعترف العديد من جنوده أنهم لم يكونوا يميزون إذا كان الجندي الموجود أمامهم إسرائيليا أو من حزب الله".
يؤكد أن المقاومين قاتلوا في الوقت نفسه بثبات وشجاعة، في مواجهة عدو واضح. ثم يردد مازحا: "لقد خيب الجيش الإسرائيلي أملنا، كنا نعتقد أنه أكثر مراسا في خوض الحرب".
الحرب في عيتا الشعب
تنهض منازل عيتا الشعب من جديد، ورشة إعمار تملأ الأحياء، عمال لبنانيون ومن جنسيات عربية أخرى، شاحنات تنقل مواد البناء، وغبار يعلو فوق الحقول والطرقات، يغطي خضار الصيف المزروعة وما تبقى من أشجار. لكن عيتا الناهضة لا تشبه سابقتها، إختفت المنازل المبنية بالحجر الصخري، وانتشرت بدلا منها العمارات المبنية بحجارة الباطون، في قلب البلدة كما عند أطرافها.
هدم الجيش الإسرائيلي غالبية منازل الحارة القديمة، بينما هدم الأهالي العدد الباقي الذي كان يصنف بالمتصدع، خوفا من عدم حصولهم على تعويضات بدل الهدم أو خوفا من أن تنهار لاحقا فوق رؤوسهم، حتى وإن رممت.
وقد تبنت قطر عملية إعادة أعمار عيتا. وورد في المسوحات الخاصة بالمشروع القطري أن عدد المنازل التي هدمت من جراء القصف في عيتا بلغ 742 منزلا، يضاف إليها 56 منزلاً من الحجر صنفت للهدم على أمل ترميمها وذلك قبل هدمها. أما المنازل العادية المتصدعة والمتضررة التي صنفت للترميم فقد بلغ عددها 1644 منزلا.
كل هذا الدمار، وقوات العدو تطبق على القرية من جهاتها الأربع، والقتال يستمر عنيفا منذ اليوم الأول للعدوان وحتى الثامنة من صباح الرابع عشر من أغسطس 2006.
عيتا التي ذاع صيتها بسبب ما أصابها من دمار وبفضل بسالة مقاوميها. عيتا التي فرضت على العدو اليوم الأصعب في تاريخ قواته المسلحة. عيتا هذه تمكن مقاوموها في اليوم الأخير من المعارك أن يطلقوا الصواريخ بمحاذاة السياج الحدودي على مواقع العدو داخل فلسطين المحتلة. عيتا عنوان الفشل الذريع للعدوان.
استشهد تسعة مقاومين في عيتا بين زواريب منازل الحي القديم. كانت دماء حسان قعيق لاتزال ظاهرة للعيان فوق تراب الدوارة التي تملكها كاملة جميل، قبل أن تذوب في التراب مع موسم الشتاء. وقد استشهد حسان عندما كان يحاول القفز من الدوارة إلى المنزل فشاهدته طائرة «الام كا» (طائرة خاصة بالتصوير) وقصفته.
في منزل عبدالحسين سرور المجاور استشهد ثلاثة مقاومين هم: هشام مرتضى وآخران من خارج عيتا، وقد لجأ الثلاثة إلى الملجأ بعد اشتداد قصف الطيران الإسرائيلي على الحارة، لكن الغارات لقوتها، دمرت المنزل والملجأ معا وبقي المقاومون الثلاثة تحت الأنقاض لمدة عشرة أيام.
عند آخر الحارة تنكشف خلة وردة المزروعة بأشجار الزيتون. تحاذي الخلة بلدة طربيخا إحدى القرى السبع، وقد جرت عملية أسر الجنديين الإسرائيليين في آخرها، عند حقول تدعى «كعب الأرض.
تقول كاملة التي يقع منزلها على الخلة إنها كانت تشك التبغ يوم 12 يوليو 2006 عندما سمعت أصوات القذائف والرصاص. خرجت إلى شرفة المنزل لاستطلاع ما يجري، شاهدت أربعة من المقاومين يستقلون سيارة ويخرجون من المنطقة. لم تعرف يومها أن عملية الخطف تمت.
تقع الخلة عند حافة تلال تسمى الحدب والراهب وظهر الجمل وأبو طويل. تتميز تلك التلال بلونها الأخضر لكثافة انتشار الأشجار البرية فيها، مشكلة المدى الطبيعي لعيتا. لكنها تحولت مع رسم الخط الأزرق إلى حدود أمنية وعسكرية تنتشر عليها مراكز المراقبة الإسرائيلية. شكلت خلال حرب يوليو خطوط الجبهة، بعدما حاول الجنود الإسرائيليون الدخول منها إلى عيتا، وقتل العديد منهم قبل أن يفلحوا في الوصول إلى مداخلها.
ويروي قيادي في المقاومة ممن اشرفوا على معارك عيتا، أنه عند التاسعة من صباح الثاني عشر من يوليو تمكنت مجموعة من رجال المقاومة من أسر الجنديين. عند الحادية عشرة من اليوم نفسه تحركت دبابة إسرائيلية من موقع تلة الراهب، باتجاه موقع للمقاومة فإنفجرت فيها عبوة ناسفة زرعها المقاومون، الأمر الذي أدى إلى تدميرها وقتل طاقمها المؤلف من أربعة جنود.
إثر مقتل الجنود تأزم الوضع الميداني، بحسب وصف القيادي. حاولت قوة إسرائيلية التقدم سيرا برفقة سيارة إسعاف لسحب الجنود القتلى، لكن تصدي المقاومين لها حال دون وصولها إلى الدبابة. استمرت المحاولات لمدة ثلاثة أيام من دون جدوى، فبقي الجنود القتلى في الأرض لمدة أسبوع، إلى حين قررت القوات الإسرائيلية التقدم باتجاه أحياء عيتا.
جرى خلال الأسبوع الأول من الحرب قصف متبادل بين الجنود الإسرائيليين وبين رجال المقاومة، استخدمت فيه إسرائيل طائرات «إف 16» والمروحيات من نوعي كوبرا وأباتشي، ومدفعية الميدان من عيار 155 ملليمتراً و175 ملليمتراً، ومدفعية الهاون. أضيفت اليها طائرة «ام كا» لكن جرى استخدامها في القصف خلال حرب يوليو، بعد تجربة استخدامها في فلسطين لاغتيال الشخصيات الفلسطينية. وقد استخدمت للمرة الأولى في لبنان في مهمتها الجديدة خلال حرب يوليو.
في المقابل، كان رجال المقاومة يستخدمون في القصف المدفعية والصواريخ المضادة للدروع والرشاشات الثقيلة.وقعت خلال الأسبوع الأول إصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين، بينما لم تقع إصابات في صفوف المقاومين لأن الإسرائيليين كانوا يقصفون الأحياء التي أصيب عدد من منازلها بينما استهدف المقاومون الجنود تحديدا.
بعد مرور أسبوع، بدأت القوات الإسرائيلية عمليات التسلل البري من الجهات الأربع المحيطة بعيتا: الجهة الغربية للحارة القديمة، والجهات التي تقع عند حارات أبو لبن وشميس والرجم وأبو طويل. سلكت القوة التي اتجهت نحو الحارة القديمة بالآليات منطقة الشومرة المحتلة الواقعة جنوب مستوطنة زرعيت، وصولا إلى خلة وردة، ومن هناك تفرقت إلى قوتين، واحدة تسللت ليلا سيرا على الأقدام باتجاه أبو طويل، والثانية باتجاه الأطراف الغربية الجنوبية للحارة القديمة.
أما القوة الثانية التي اتجهت نحو الحارات الأخرى، فقد تقدمت من جهة وادي سوادي جنوبي موقع الراهب، ومن هناك باتجاه مرتفع شويط وحارات الخرزة وشميس وأبو لبن. عندها أصبحت القوات الإسرائيلية تحيط بعيتا، وقدر مجموعها بكتيبة معززة من المشاة والاستخبارات.
تقدمت مجموعة من تلك القوات في البداية إلى أطراف الحارة القديمة عند السادسة والنصف صباحا، ودخلت إلى كراج تابع لأحد المنازل فكشفها رجال المقاومة، طوقوا المنزل وفتحوا النيران على الجنود، فجرت اشتباكات استمرت حتى الثامنة والنصف، وانتهت بانسحاب المجموعة بعد وقوع عدد من القتلى والجرحى في صفوفها، وتحدثت وسائل الإعلام في حينها عن وقوع سبعة قتلى إسرائيليين داخل الكراج، بينما قدرت المجموعة المهاجمة بفصيل أي ما يقارب الـ 30 جنديا، وقد ترك القتلى والجرحى في أرض المعركة.
بعد تراجع القوة جرى تعزيزها من جديد، من أجل سحب القتلى والجرحى استمرت محاولات سحب الإصابات طوال النهار فكان أن شهد ذلك اليوم أعنف الاشتباكات خلال معركة عيتا، استخدمت خلاله القوات الإسرائيلية كافة أنواع الأسلحة الجوية والمدفعية واستقدمت جرافة ومدرعتين تحت غطاء كثيف من النيران، لكن المقاومين دمروا الجرافة وإحدى المدرعتين، وتمكنت المدرعة الأخرى من سحب الإصابات.
استشهد في تلك المعركة هشام السيد وكان يقاتل مع والده ضمن المجموعة المقاومة. طارد هشام القوة الإسرائيلية المنسحبة إلى خراج البلدة، فأصبح مكشوفا أمامها وقتلته، وتمكن المقاومون من سحبه في اليوم التالي بمشاركة والده.
بالتزامن مع معركة الحارة، تم اكتشاف قوة أخرى في أحد المنازل في حي أبو لبن. كانت القوة تقدر أيضاً بفصيل، هاجم المقاومون المنزل ودارت اشتباكات عنيفة استمرت ساعات عدة، استطاع خلالها المقاومون تشتيت القوة إلى خراج البلدة.
يقول القيادي إن يونس سرور استشهد خلال معركة أبولبن، قبل هشام السيد، فكان الشهيد الأول في عيتا.
بعد نهار الاشتباكات العنيفة، بدأت المواجهات على جميع أطراف عيتا. أخذت المدرعات تتقدم على مرتفعات أبو طويل وشويط والخرزة وأطراف حارة شميس، فدمر المقاومون في اليوم الأول من المواجهات الواسعة دبابة وجرافة في أبو طويل. في اليوم الثاني دمروا دبابة في المكان نفسه. في اليوم الثالث دمروا دبابة عند مفرق القوزح، ثم دبابة في حارة شميس وأخرى في حارة الخرزة.
يشرح القيادي إن القوات الإسرائيلية المدرعة بدأت عمليات التقدم خلال تلك المواجهات من خلة وردة باتجاه مفرق القوزح ثم دبل وهما خارج عيتا، عندها أصبح يمكن الحديث عن جبهة تمتد من الشومرة زرعيت، مرورا بخلة وردة وصولا إلى القوزح ودبل.
وعندما تقدمت قوة إسرائيلية من القوزح باتجاه دبل كانت المعارك مشتعلة على أطراف عيتا، لكن مجموعة متقدمة من المقاومين كشفت القوة بالقرب من بركة دبل وكانت كبيرة تضم مشاة في الجيش الإسرائيلي. أبلغت المجموعة قيادة المقاومة بكشفها القوة الإسرائيلية وحددت مكان تواجدها، فقررت قيادة المقاومة قصفها مستخدمة المدفعية والرشاشات الثقيلة.
وعندما يقال المدفعية يعني أن القصف كان من مكان خارج البلدة. ساندتها في ذلك المجموعة التي كشف القوة الإسرائيلية، مستخدمة الأسلحة الرشاشة الخفيفة. يوضح القيادي أن المعركة عند البركة أوقعت إصابات كبيرة في صفوف القوة الإسرائيلية، ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي من سحب الإصابات إلا عند حلول الليل.
بعد المعركة فر باقي أفراد القوة باتجاه منازل في بلدة دبل ودخل عدد كبير منهم إلى أحد الكاراجات، تحت مرأى أفراد المجموعة المقاومة. انتظرت المجموعة دخول كامل العدد إلى الكراج وجرت رمايته بصاروخ موجه، الأمر الذي أدى إلى مقتل وإصابة 12 جندياً باعتراف إسرائيل، استمرت عملية إخلائهم على مدى يومين بواسطة المدرعات. وعندما سئل القيادي إذا كان صحيحا أنه جرى نقل 35 خوذة عسكرية للجيش الإسرائيلي من داخل الكراج، أوضح أنه ربما كان يتواجد ذلك العدد من الجنود، لكن ذلك لا يعني أنهم قتلوا جميعا.
وقعت معركة دبل في اليوم الذي اعتبره نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية شمعون بيريز «اليوم الأصعب في تاريخ الجيش الإسرائيلي».
يوضح القيادي أن الجيش عندما يكون عادة في حالة هجوم لا يتقبل الخسائر، لذلك كان صعبا على الجيش الإسرائيلي ما حصل له في دبل، وزاد في تلك الصعوبة اعتقاده أنه لا يوجد مقاومون في البلدة، فكيف وقد اكتشفوا أن المقاومين موجودون على مقربة منه؟
يقول القيادي إنه في ذلك اليوم كان الجيش الإسرائيلي يحشد قواته في دبل من أجل التقدم نحو بلدة رشاف في محاولة لتوسيع العمليات البرية، لكن ما جرى آخر توسيع العملية أربعة ايام، بقي يعمل خلالها على إخلاء الإصابات وتبديل القوة المهاجمة إثر انهيار معنويات من تبقى منها، فيما خرج رجال المقاومة من تلك المعركة سالمين.
ثبات المقاومة في مواقعها
انتقاما لمعركة دبل بدأ القصف التدميري المركز لبلدة عيتا الشعب، ترافقه محاولات التقدم باتجاه الأحياء: الحارة القديمة، أبولبن الرجم، شميس. وأخذت الاشتبكات العنيفة تدور عند أطراف تلك الأحياء، من منزل إلى منزل، فحصلت عمليات كر وفر، يتقدم الجنود إلى منزل، ثم يقوم المقاومون بالهجوم على المنزل ويخرجونهم منه.
استمرت الاشتباكات على تلك الوتيرة 10 أيام سقط خلالها عدد من شهداء المقاومة في الأحياء. كان حينها كل شارع أو طريق أو منزل عرضة للقصف وللقاء أي جندي إسرائيلي.
خلال الأيام الخمسة عشر الأخيرة من الحرب كانت القذائف تتساقط على عيتا أحيانا كل ثانية. تستمر تلك النوبات المجنونة من القصف لمدة ساعتين، ثم تهدأ لتستمر مدافع الهاون القريبة. كان هدوء القصف على أحد الأحياء يعني أن القوات الإسرائيلية تحاول التقدم لأنها لا تقصف نفسها. دمر العدو الحارة القديمة خلال تلك الأيام الخمسة عشر، وحاولت قوة من المشاة مرارا التقدم من أجل السيطرة على الحارة القديمة، لكنها كانت تصطدم بالمقاومين لدى كل محاولة.
عندها شعر الجنود الإسرائيليون بالعجز، على الرغم من الغطاء الناري الكثيف، لجأوا إلى الجرافات، وبدأوا بجرف الحارة التحتا في الحارة القديمة، ظنا منهم أنهم بتلك الطريقة يستطيعون احتلال البلدة. لكن المقاومين دمروا جرافتين عبر استخدام القواذف المضادة للدروع من داخل الحارة، واستهدفوا القوات المتقدمة من خلفها، أي بالقرب من نقاط تواجد المقاومين عند الحدود.
يقول القيادي إن المقاومين استمروا حتى آخر يومين من الحرب يطلقون الصواريخ من النقاط الحدودية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وفي اليوم الأخير من الحرب أطلقوا الصواريخ بمحاذاة السياج الحدودي الأمر الذي يعني أن الحرب الإسرائيلية بكل جبروتها فشلت في حملهم على إخلاء مواقعهم عند الحدود.
المعركة طريق الجنة
يروي أحمد (اسم مستعار) وهو أحد المقاومين، أنه في العديد من الحالات كان يفصل بين المقاومين وبين الجنود الإسرائيليين طريق أو حقل أو منزل مدمر. ويقول: «كنا نرى بعضنا بوضوح والمرة الأولى التي شاهدت فيها الجنود الإسرائيليين لم أصدق أنهم إسرائيليون، كانوا قريبين إلى درجة تداخلت فيها أحيانا مجموعاتنا مع مجموعاتهم».
يتابع أن القوة الإسرائيلية التي تمركزت في أبوطويل كانت تخفي قبضة صواريخ موجهة، كشفت في اليوم الثالث على تمركزها عن القبضة لإطلاقها، لكن المقاومين شاهدوها ورموا الجنود الإسرائيليين قبل أن يرموهم ورأوا 10 جنود يوضعون على الحمالات ويجري نقلهم إلى داخل فلسطين المحتلة.
يقول أحمد إنه لم يعد ينتظر من المعترضين على المقاومة تقديرها، لأنه لم يجر تقديرها سابقا، المهم بالنسبة إليه رضى النفس، يضيف: أنا أحب الحياة لي ولعائلتي مثل جميع الناس، وأتمنى أن يتعلم أولادي في أفضل المدارس، لكن ماذا أفعل إذا كانت إسرائيل تريد احتلال بلدتي هل اتركها وأتفرج عليها؟ لن يحصل ذلك أبدا.
تعليق