وخلال تصفحي في جريدة القدس العربي قرأت موضوعا مهما للدكتور أنيس القاسم ، ويتحدث فيه عن المفاوضات التي تجري ما بين السلطة الفلسطينية واسرائيل ، ها أنا أضع الموضوع في هذا المنتدى للفائدة .
تتحدث الانباء عن مفاوضات تجري بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس الوزراء الاسرائيلي عن اتفاق جديد يكون جاهزا للعرض علي المؤتمر الذي دعت اليه الولايات المتحدة الامريكية بحيث يُوَاَجَهُ المؤتمرُ باتفاق فلسطيني اسرائيلي يغلق الباب علي المناقشات ويضع الاطراف العربية جميعا امام اتفاق اقره الفلسطينيون، وبهذا لا يكون للعرب الاخرين راي ما دام ان الفلسطينيين قد اتفقوا مع الاسرائيليين علي الحل. واسرائيل طبعا تسعي لهذا الوضع بمفاوضات مباشرة مع من جربتهم من الفلسطينيين حيث انها تتوقع ان يكونوا اسلس في المفاوضات للحصول علي اتفاق ترضي هي عنه، وتطمع من ورائه ان يؤدي الي التطبيع والاعتراف الكاملين اللذين تسعي اليهما من جانب جميع الدول العربية. وهناك سابقة اعلان مبادئ اوسلو التي ادت الي تطبيع مع عديد من الدول العربية والاسلامية ودول العالم الثالث، بالرغم مما فيه من عيوب جدية، وادت كذلك الي الغاء القرار الذي يدمغ الصهيونية بالعنصرية من جانب الجمعية العامة للامم المتحدة بموافقة الدول العربية.
والاتفاق الذي يتحدثون عنه ويصفونه بانه الحل النهائي هو، كما تدل الدلائل، اتفاق مبادئ كاتفاق اوسلو، اي انه سيقر مبادئ محددة، ويبقي الوضع في اساسه علي ما هو في انتظار تطبيق هذه المبادئ علي ارض الواقع. اي ان اسرائيل تظل تتصرف كما تشاء تماما كما حصل بعد اتفاق مبادئ اوسلو حيث ازدادت حركة الاستيطان شراسة واقيم الجدار الفاصل وتم الاستيلاء علي المزيد من الاراضي وتضاعفت الجهود لتهويد القدس. اي ان اتفاق المبادئ لم يؤثر علي استمرار اسرائيل في تنفيذ برنامجها، والمدة الزمنية التي حددها اتفاق اوسلو وهي خمس سنوات للوصول لحلول للمشاكل الاساسية التي تركها الاتفاق عالقة لم تكن لها قيمة حيث اعلنت اسرائيل ان هذه المواعيد ليست مقدسة. واتفاق المبادئ الجديد سيتيح الفرصة لاسرائيل لاستكمال تنفيذ برنامجها، ومن ثم تبدأ مفاوضات التنفيذ في ضوء الواقع الجديد الذي نشأ بعد استكمال هذه البرامج.
سياسة الخطوة خطوة والنفس الطويل والمراوغة التي تتبعها اسرائيل ستتكرر مع اي اتفاق مبادئ جديد.
ولا يقف الامر عند هذا الحد، بل ان الدلائل تشير الي ان اتفاق المبادئ الجديد لن يكون اتفاقا يرسي المبادئ لحل المشاكل العالقة وفقا للشرعية الدولية، وانما هو اتفاق تريد اسرائيل من ورائه ان تحقق اهدافا استراتيجية بعيدة المدي لا شان لها بالمشكلة القائمة، وهي انهاء الاحتلال. والمؤشرات علي هذا التوجه الاسرائيلي تعبر عنها وثيقتان: الاولي وثيقة جنيف التي تفاوض بشانها ياسر عبد ربه من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ويوسي بيلين الاسرائيلي الذي لم تكن له اية صفة رسمية في التوقيع علي تلك الوثيقة. والوثيقة الثانية هي الاتفاق الذي قالت الصحافة الاسرائيلية انه قد جري بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ونائب وزير الامن الاسرائيلي وتوقف تنفيذه بسبب فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي، علي حد قول الصحافة الاسرائيلية.
اما وثيقة جنيف فقد اعتبرتها الادارة الامريكية ملزمة للفلسطينيين لانها شبه رسمية بالنسبة الي الجانب الفلسطيني، ما دام ان من تفاوض بشانها عن الفلسطينيين كانت له صفة رسمية. وهذا الموقف من الوثيقة قد كشف عنه الاخ هاني الحسن في كلمته امام المجلس المركزي حين اشار الي الرد الامريكي علي اعتراضات عربية علي الضمانات التي اعطاها الرئيس الامريكي لشارون فيما يتعلق ببقاء كتل استيطانية وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين. قالت الادارة الامريكية ردا علي اعتراضات احدي الدول العربية، حسبما ذكره الاخ الحسن: انني اعجب لامر الفلسطينيين الذين يحتجون علي وثيقة الضمانات الامريكية، مع العلم ان ياسر عبد ربه ويوسي بيلين اقرا امام مجلس العلاقات الخارجية في الكونغرس بان وثيقة جنيف شبه رسمية وفي حال اقرارها كقانون في الكونغرس فسوف تتم الدعوة لعقد اجتماع للمجلس الوطني حيث ستقر رسميا. الم توافقوا في وثيقة جنيف علي التنازل عن حق العودة، الم توافقوا علي تكريس الكتل الاستيطانية الخمس في حين انني وافقت علي ثلاث فقط، الم يتحدثوا عن مفهوم new Jerusalem في حين انني رفضت هذه المقولة متمسكا بالقدس كعاصمة للدولتين، الم تتم الاشارة الي تبادل للاراضي بما يعني ذلك من عدم العودة الي حدود 67 .
امريكا اذن رسمت سياستها آخذة في الاعتبار ما رات ان الفلسطينيين قد وافقوا عليه، بل وحسنت الشروط لصالحهم. وقال الاخ هاني الحسن تعقيبا علي هذا ان الولايات المتحدة تسعي الي تشكيل قيادات فلسطينية جديدة قوامها ممن وقعوا علي وثيقة جنيف، هذه الوثيقة التي الغت 133 قرارا للامم المتحدة تصب جميعها في صالح تصويب بعض الظلم التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين من جراء اقامة دولة اسرائيل . ومع احترامنا لراي الاخ هاني الحسن، الا ان وجه الخطورة في هذه الوثيقة ليس ان امريكا تسعي الي تشكيل قيادات فلسطينية جديدة، وانما هو ان هذه الوثيقة التي فاوض بشانها ووقعها رسميون فلسطينيون، لم تشجبها او ترفضها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا المجلس المركزي، ولا ندري ما اذا كانت قد عرضت علي اي منهما. ولكنها كانت معروفة للجميع وكان من الواجب التعامل معها رسميا رفضا او قبولا من جانب منظمة التحرير. وحيث ان ذلك لم يحدث فقد بقيت عالقة في اعناق الشعب الفلسطيني مكتسبة علي الاقل صفة شبه رسمية اولاً لان من تفاوضوا عليها ووقعوها من الجانب الفلسطيني كانوا رسميين وثانيا لان ياسر عبد ربه، وهو عضو في اللجنة التنفيذية، ادلي بما ادلي به امام الكونغرس الامريكي وطالبه باعتمادها علي اساس ان المجلس الوطني سيدعي ويقرها. كل هذا جري علانية وبعلم القائمين علي منظمة التحرير الفلسطينية، ومع ذلك لم يتم تحريك اية مؤسسة من مؤسسات منظمة التحرير للنظر في هذا الامر الخطير. فهل لنا ان نستنتج ان المماطلة في تفعيل منظمة التحرير ومؤسساتها، وخاصة المجلس الوطني، لها اهداف سياسية محددة وهي ابعاد امثال هذه التصرفات عن المساءلة والمحاسبة من قبل المجلس، واحتسابها في الوقت ذاته علي الشعب الفلسطيني، والابقاء علي مواقع صنع القرار في ايدي فئة معينة لا يحاسبها احد ولا يغيرها احد؟
هذه هي الخطورة الاولي لهذه الوثيقة. وتتمثل خطورتها الثانية في مضمونها، وهو ما اشار اليه الاخ هاني الحسن. وهذا المضمون لم يدخل في تفاصيل وانما جاء علي شكل قريب من اشكال اعلان المبادئ، الذي يسمح لاسرائيل بان تفسرها علي هواها. وها هي الادارة الامريكية تفسر الاشارة الي تبادل للاراضي بان الفلسطينيين لا يتمسكون بالعودة الي حدود 67 وبان الكتل الاستيطانية ستبقي. ومن المؤكد ان اسرائيل ستبذل كل جهد لالزام الفلسطينيين بما الزمهم به عضو اللجنة التنفيذية، تماما كما فعل الرئيس الامريكي.
والوثيقة الخطيرة الثانية التي تتضمن ما يمكن اعتباره اتفاق اعلان مبادئ هو اتفاق تحدثت الصحافة الاسرائيلية انه قد تم بين رئيس السلطة هذه المرة، محمود عباس، ونائب وزير الامن الاسرائيلي عام 2005 وتأجل المضي فيه في اعقاب فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي وخسارة فتح لها، كما ذكرت الصحافة الاسرائيلية. وقد بحثنا هذا الاتفاق بشيء من التفصيل في مقال نشرناه في القدس العربي بتاريخ 30/1 يونيو/يوليو 2007 الصفحة 17. هذا الاتفاق بني علي وثيقة جنيف ولكنه ناور بحيث اصبح اتفاق مبادئ ينطوي علي العظيم من المخاطر. وحيث انه هو الذي تم التفاوض بشانه مع ابو مازن او مع مندوبه القيادي الكبير في فتح ثم وافق هو عليه، فاننا لا نستبعد ان يكون هو اساس اتفاق المبادئ الجديد الذي يتحدثون عنه. فما هي المبادئ الواردة في هذا الاتفاق الجديد؟
اولا: اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وفي هذا اعتراف بحق عودة جميع يهود العالم الي اسرائيل ونفي حق الفلسطينيين في العودة، فضلا عما ينطوي عليه هذا المبدأ من عنصرية سافرة وطعن في الانتماء الوطني لليهود للبلدان التي هم مواطنون فيها، وما يترتب علي ذلك من مشاكل. فالظلم الذي وقع علي الفلسطينيين كان نتيجة مباشرة للتمييز في حقوق المواطنة بين اليهودي وغيره في اوروبا. وليس للفلسطينيين مصلحة علي الاطلاق في ان يضطهد اليهود في اقطار اخري بسبب ولاء مزدوج، حيث ان ذلك سيؤدي حتما الي المزيد من الهجرة الي اسرائيل ومضاعفة معاناة الشعب الفلسطيني.
ثانيا: فلسطين من البحر الي النهر هي الوطن القومي التاريخي للشعبين الفلسطيني واليهودي. وفي هذا مساواة بين الشعبين في حقهم التاريخي في فلسطين كلها، وتثبيتٌ للمزاعم الصهيونية بحقهم التاريخي في فلسطين، ويتأسس عليه ان الاحتلال لم يكن احتلالا وما ترتب عليه لم يكن مخالفات وانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني ولحقوق الشعب الفلسطيني.
ثالثا: اسرائيل دولة يهودية وفي هذا ما فيه من نفيٍ لحق العودة وتعريضٍ لحقوق الفلسطينيين داخل اسرائيل للخطر وعنصريةٍ بغيضة.
رابعا: العودة الي حدود 1967 مع الالتزام بتبادل الاراضي بان تضم اسرائيل اراضي من الضفة الغربية في مقابل دفع تعويضات مالية للفلسطينيين. وهذا يعني ضم المستوطنات وما استولي عليه الجدار لاسرائيل في حين لا تضم في المقابل اراض من اسرائيل لفلسطين. اي شراء اسرائيل لما تريده من اراضي الضفة الغربية.
خامسا: القدس مدينة سلام وهي عاصمة للدولتين علي ان تكون السيادة وفقا للكثافة السكانية. وحيث ان اسرائيل جاهدة في تغيير البنية السكانية للقدس وتدمير بيوت الفلسطينيين فيها فان ذلك يعني انه لن تكون هناك سيادة حقيقية للفلسطينيين علي اي شيء يذكر في القدس. انها سيادة خالية من اي مضمون.
هذا هو نوع اتفاق المبادئ الذي ربما يتحدثون عنه، وهي مبادئ تبدو في ظاهرها بريئة، ولكن السم في الدسم، كما قال المتنبي. والاعتراض عليها لا يستند فقط علي موقف فلسطيني او تاريخي او منطقي، او فقط لانها لا علاقة لها بحل المشكلة القائمة حاليا بين الفلسطينيين والعرب من جهة واسرائيل من حهة اخري او انها لا تلتزم بمبادئ الشرعية الدولية، وانما تسعي لاقامة شرعية من نوع جديد تقر ما ليس بشرعي. هذه كلها اعتراضات قائمة وسليمة. وانما نعترض عليها كذلك لانها موغلة في العنصرية، ونحن نعارض العنصرية بجميع اشكالها وانواعها. فقد اعترضنا بنفس التمسك بالمبدأ علي عبارات وردت في مشروع الدستور الفلسطيني ونشرنا اعتراضنا هذا في القدس العربي في شهر كانون الثاني (يناير) عام 2003. لقد اعترضنا علي نص كالاتي في مشروع الدستور: الجنسية الفلسطينية ثابتة لكل عربي كان يقيم في فلسطين قبل ايار (مايو) 1948 وقلنا ان هذا النص عنصري لانه لا يعترف بالجنسية الفلسطينية الا لكل عربي . فماذا عن الفلسطينيين الذين هم ليسوا من اصل عربي؟ واعترضنا ايضا علي عبارة الشعب العربي الفلسطيني اينما وردت في مشروع الدستور، وقلنا انها يجب ان تكون الشعب الفلسطيني فقط، وبناء عليه اعترضنا مثلا علي مادة كانت تنص علي الآتي: يقوم هذا الدستور علي ارادة الشعب العربي الفلسطيني وكانما لا ارادة فيه او دخل لغير العرب من ابناء فلسطين. في فلسطين اقليات غير عربية، كالارمن واليهود والسمرة واليونان، ولكنها جميعا شريكة في هذا الوطن ولا يجوز التمييز ضدها علي اساس عنصري. وقد قُبِلَتْ جميع هذه التعديلات واُدْخِلَتْ علي مشروع الدستور. وقد تعمدنا في حينها نشرها علي الملأ تثبيتا لموقف مبدئي وهو مناهضة التمييز العنصري والعنصرية بين المواطنين في فلسطين. وبناء علي ذلك المقال جري تعديل مشروع الدستور آخذاً في الاعتبار تلك الملاحظات. وانطلاقا من نفس المبدأ لا يجوز اطلاقا الموافقة علي مبادئ تفيض بالعنصرية الصهيونية، هذا فضلا عن رفضها للاسباب الاخري التي اشرنا الي بعضها.
واذا كان لا بد من اعلان مبادئ جديد، فان عناصر هذا الاعلان واردة في فتوي محكمة العدل الدولية بشان الجدار وفي قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، وهي مبادئ لا تحتاج الي تكرار في وثيقة جديدة وانما تحتاج الي تنفيذ علي ارض الواقع: انهاء الاحتلال بكل مظاهره وآثاره والعودة الي حدود هدنة عام 1949، ازالة المستوطنات لانها جميعها غير شرعية، ازالة الجدار لانه غير شرعي، الغاء جميع الاجراءات التي اتخذت بشان القدس واعادتها الي ما كانت عليه، وخاصة من حيث البنية السكانية، لان جميع ما اتخذته اسرائيل بشانها غير شرعي، وتنفيذ حق العودة وفقا لما جاء في القرارات الدولية، وليس وفقا لما تراه اسرائيل. فحق العودة حق طبيعي نفذه المجتمع الدولي في مناسبات سابقة ولا يعتمد تنفيذه علي رضا هذا الطرف او ذاك او موافقته، كما بدا للبعض الذين يتبرعون بابداء آرائهم عن جهل بما يتحدثون عنه، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره بعد زوال الاحتلال عنه وتحرر ارادته.
كفي اضاعة الوقت في اختلاق مبادئ جديدة، ثم اضاعة المزيد من الوقت في التفاوض علي تنفيذها، وفي هذه الاثناء يواصل الاحتلال قضمه للحقوق الفلسطينية . لقد قال جابوتنسكي الزعيم الصهيوني واستاذ شارون ونتنياهو محذرا من المناورات في صياغة المواقف والمطالب الصهيونية استنادا علي ان الفلسطينيين اغبياء لا يفهمون هذه المناورات - قال محذرا ان الفلسطينيين ليسوا اغبياء. انهم يفهمون تماما اهداف الحركة الصهيونية . قال هذا عام 1923، اننا نرجو الا يكون من بيننا من يُخَطِئُ جابوتنسكي في تقييمه للشعب الفلسطيني.
? رئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني الفلسطيني سابقا
تتحدث الانباء عن مفاوضات تجري بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس الوزراء الاسرائيلي عن اتفاق جديد يكون جاهزا للعرض علي المؤتمر الذي دعت اليه الولايات المتحدة الامريكية بحيث يُوَاَجَهُ المؤتمرُ باتفاق فلسطيني اسرائيلي يغلق الباب علي المناقشات ويضع الاطراف العربية جميعا امام اتفاق اقره الفلسطينيون، وبهذا لا يكون للعرب الاخرين راي ما دام ان الفلسطينيين قد اتفقوا مع الاسرائيليين علي الحل. واسرائيل طبعا تسعي لهذا الوضع بمفاوضات مباشرة مع من جربتهم من الفلسطينيين حيث انها تتوقع ان يكونوا اسلس في المفاوضات للحصول علي اتفاق ترضي هي عنه، وتطمع من ورائه ان يؤدي الي التطبيع والاعتراف الكاملين اللذين تسعي اليهما من جانب جميع الدول العربية. وهناك سابقة اعلان مبادئ اوسلو التي ادت الي تطبيع مع عديد من الدول العربية والاسلامية ودول العالم الثالث، بالرغم مما فيه من عيوب جدية، وادت كذلك الي الغاء القرار الذي يدمغ الصهيونية بالعنصرية من جانب الجمعية العامة للامم المتحدة بموافقة الدول العربية.
والاتفاق الذي يتحدثون عنه ويصفونه بانه الحل النهائي هو، كما تدل الدلائل، اتفاق مبادئ كاتفاق اوسلو، اي انه سيقر مبادئ محددة، ويبقي الوضع في اساسه علي ما هو في انتظار تطبيق هذه المبادئ علي ارض الواقع. اي ان اسرائيل تظل تتصرف كما تشاء تماما كما حصل بعد اتفاق مبادئ اوسلو حيث ازدادت حركة الاستيطان شراسة واقيم الجدار الفاصل وتم الاستيلاء علي المزيد من الاراضي وتضاعفت الجهود لتهويد القدس. اي ان اتفاق المبادئ لم يؤثر علي استمرار اسرائيل في تنفيذ برنامجها، والمدة الزمنية التي حددها اتفاق اوسلو وهي خمس سنوات للوصول لحلول للمشاكل الاساسية التي تركها الاتفاق عالقة لم تكن لها قيمة حيث اعلنت اسرائيل ان هذه المواعيد ليست مقدسة. واتفاق المبادئ الجديد سيتيح الفرصة لاسرائيل لاستكمال تنفيذ برنامجها، ومن ثم تبدأ مفاوضات التنفيذ في ضوء الواقع الجديد الذي نشأ بعد استكمال هذه البرامج.
سياسة الخطوة خطوة والنفس الطويل والمراوغة التي تتبعها اسرائيل ستتكرر مع اي اتفاق مبادئ جديد.
ولا يقف الامر عند هذا الحد، بل ان الدلائل تشير الي ان اتفاق المبادئ الجديد لن يكون اتفاقا يرسي المبادئ لحل المشاكل العالقة وفقا للشرعية الدولية، وانما هو اتفاق تريد اسرائيل من ورائه ان تحقق اهدافا استراتيجية بعيدة المدي لا شان لها بالمشكلة القائمة، وهي انهاء الاحتلال. والمؤشرات علي هذا التوجه الاسرائيلي تعبر عنها وثيقتان: الاولي وثيقة جنيف التي تفاوض بشانها ياسر عبد ربه من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ويوسي بيلين الاسرائيلي الذي لم تكن له اية صفة رسمية في التوقيع علي تلك الوثيقة. والوثيقة الثانية هي الاتفاق الذي قالت الصحافة الاسرائيلية انه قد جري بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ونائب وزير الامن الاسرائيلي وتوقف تنفيذه بسبب فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي، علي حد قول الصحافة الاسرائيلية.
اما وثيقة جنيف فقد اعتبرتها الادارة الامريكية ملزمة للفلسطينيين لانها شبه رسمية بالنسبة الي الجانب الفلسطيني، ما دام ان من تفاوض بشانها عن الفلسطينيين كانت له صفة رسمية. وهذا الموقف من الوثيقة قد كشف عنه الاخ هاني الحسن في كلمته امام المجلس المركزي حين اشار الي الرد الامريكي علي اعتراضات عربية علي الضمانات التي اعطاها الرئيس الامريكي لشارون فيما يتعلق ببقاء كتل استيطانية وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين. قالت الادارة الامريكية ردا علي اعتراضات احدي الدول العربية، حسبما ذكره الاخ الحسن: انني اعجب لامر الفلسطينيين الذين يحتجون علي وثيقة الضمانات الامريكية، مع العلم ان ياسر عبد ربه ويوسي بيلين اقرا امام مجلس العلاقات الخارجية في الكونغرس بان وثيقة جنيف شبه رسمية وفي حال اقرارها كقانون في الكونغرس فسوف تتم الدعوة لعقد اجتماع للمجلس الوطني حيث ستقر رسميا. الم توافقوا في وثيقة جنيف علي التنازل عن حق العودة، الم توافقوا علي تكريس الكتل الاستيطانية الخمس في حين انني وافقت علي ثلاث فقط، الم يتحدثوا عن مفهوم new Jerusalem في حين انني رفضت هذه المقولة متمسكا بالقدس كعاصمة للدولتين، الم تتم الاشارة الي تبادل للاراضي بما يعني ذلك من عدم العودة الي حدود 67 .
امريكا اذن رسمت سياستها آخذة في الاعتبار ما رات ان الفلسطينيين قد وافقوا عليه، بل وحسنت الشروط لصالحهم. وقال الاخ هاني الحسن تعقيبا علي هذا ان الولايات المتحدة تسعي الي تشكيل قيادات فلسطينية جديدة قوامها ممن وقعوا علي وثيقة جنيف، هذه الوثيقة التي الغت 133 قرارا للامم المتحدة تصب جميعها في صالح تصويب بعض الظلم التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين من جراء اقامة دولة اسرائيل . ومع احترامنا لراي الاخ هاني الحسن، الا ان وجه الخطورة في هذه الوثيقة ليس ان امريكا تسعي الي تشكيل قيادات فلسطينية جديدة، وانما هو ان هذه الوثيقة التي فاوض بشانها ووقعها رسميون فلسطينيون، لم تشجبها او ترفضها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا المجلس المركزي، ولا ندري ما اذا كانت قد عرضت علي اي منهما. ولكنها كانت معروفة للجميع وكان من الواجب التعامل معها رسميا رفضا او قبولا من جانب منظمة التحرير. وحيث ان ذلك لم يحدث فقد بقيت عالقة في اعناق الشعب الفلسطيني مكتسبة علي الاقل صفة شبه رسمية اولاً لان من تفاوضوا عليها ووقعوها من الجانب الفلسطيني كانوا رسميين وثانيا لان ياسر عبد ربه، وهو عضو في اللجنة التنفيذية، ادلي بما ادلي به امام الكونغرس الامريكي وطالبه باعتمادها علي اساس ان المجلس الوطني سيدعي ويقرها. كل هذا جري علانية وبعلم القائمين علي منظمة التحرير الفلسطينية، ومع ذلك لم يتم تحريك اية مؤسسة من مؤسسات منظمة التحرير للنظر في هذا الامر الخطير. فهل لنا ان نستنتج ان المماطلة في تفعيل منظمة التحرير ومؤسساتها، وخاصة المجلس الوطني، لها اهداف سياسية محددة وهي ابعاد امثال هذه التصرفات عن المساءلة والمحاسبة من قبل المجلس، واحتسابها في الوقت ذاته علي الشعب الفلسطيني، والابقاء علي مواقع صنع القرار في ايدي فئة معينة لا يحاسبها احد ولا يغيرها احد؟
هذه هي الخطورة الاولي لهذه الوثيقة. وتتمثل خطورتها الثانية في مضمونها، وهو ما اشار اليه الاخ هاني الحسن. وهذا المضمون لم يدخل في تفاصيل وانما جاء علي شكل قريب من اشكال اعلان المبادئ، الذي يسمح لاسرائيل بان تفسرها علي هواها. وها هي الادارة الامريكية تفسر الاشارة الي تبادل للاراضي بان الفلسطينيين لا يتمسكون بالعودة الي حدود 67 وبان الكتل الاستيطانية ستبقي. ومن المؤكد ان اسرائيل ستبذل كل جهد لالزام الفلسطينيين بما الزمهم به عضو اللجنة التنفيذية، تماما كما فعل الرئيس الامريكي.
والوثيقة الخطيرة الثانية التي تتضمن ما يمكن اعتباره اتفاق اعلان مبادئ هو اتفاق تحدثت الصحافة الاسرائيلية انه قد تم بين رئيس السلطة هذه المرة، محمود عباس، ونائب وزير الامن الاسرائيلي عام 2005 وتأجل المضي فيه في اعقاب فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي وخسارة فتح لها، كما ذكرت الصحافة الاسرائيلية. وقد بحثنا هذا الاتفاق بشيء من التفصيل في مقال نشرناه في القدس العربي بتاريخ 30/1 يونيو/يوليو 2007 الصفحة 17. هذا الاتفاق بني علي وثيقة جنيف ولكنه ناور بحيث اصبح اتفاق مبادئ ينطوي علي العظيم من المخاطر. وحيث انه هو الذي تم التفاوض بشانه مع ابو مازن او مع مندوبه القيادي الكبير في فتح ثم وافق هو عليه، فاننا لا نستبعد ان يكون هو اساس اتفاق المبادئ الجديد الذي يتحدثون عنه. فما هي المبادئ الواردة في هذا الاتفاق الجديد؟
اولا: اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وفي هذا اعتراف بحق عودة جميع يهود العالم الي اسرائيل ونفي حق الفلسطينيين في العودة، فضلا عما ينطوي عليه هذا المبدأ من عنصرية سافرة وطعن في الانتماء الوطني لليهود للبلدان التي هم مواطنون فيها، وما يترتب علي ذلك من مشاكل. فالظلم الذي وقع علي الفلسطينيين كان نتيجة مباشرة للتمييز في حقوق المواطنة بين اليهودي وغيره في اوروبا. وليس للفلسطينيين مصلحة علي الاطلاق في ان يضطهد اليهود في اقطار اخري بسبب ولاء مزدوج، حيث ان ذلك سيؤدي حتما الي المزيد من الهجرة الي اسرائيل ومضاعفة معاناة الشعب الفلسطيني.
ثانيا: فلسطين من البحر الي النهر هي الوطن القومي التاريخي للشعبين الفلسطيني واليهودي. وفي هذا مساواة بين الشعبين في حقهم التاريخي في فلسطين كلها، وتثبيتٌ للمزاعم الصهيونية بحقهم التاريخي في فلسطين، ويتأسس عليه ان الاحتلال لم يكن احتلالا وما ترتب عليه لم يكن مخالفات وانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني ولحقوق الشعب الفلسطيني.
ثالثا: اسرائيل دولة يهودية وفي هذا ما فيه من نفيٍ لحق العودة وتعريضٍ لحقوق الفلسطينيين داخل اسرائيل للخطر وعنصريةٍ بغيضة.
رابعا: العودة الي حدود 1967 مع الالتزام بتبادل الاراضي بان تضم اسرائيل اراضي من الضفة الغربية في مقابل دفع تعويضات مالية للفلسطينيين. وهذا يعني ضم المستوطنات وما استولي عليه الجدار لاسرائيل في حين لا تضم في المقابل اراض من اسرائيل لفلسطين. اي شراء اسرائيل لما تريده من اراضي الضفة الغربية.
خامسا: القدس مدينة سلام وهي عاصمة للدولتين علي ان تكون السيادة وفقا للكثافة السكانية. وحيث ان اسرائيل جاهدة في تغيير البنية السكانية للقدس وتدمير بيوت الفلسطينيين فيها فان ذلك يعني انه لن تكون هناك سيادة حقيقية للفلسطينيين علي اي شيء يذكر في القدس. انها سيادة خالية من اي مضمون.
هذا هو نوع اتفاق المبادئ الذي ربما يتحدثون عنه، وهي مبادئ تبدو في ظاهرها بريئة، ولكن السم في الدسم، كما قال المتنبي. والاعتراض عليها لا يستند فقط علي موقف فلسطيني او تاريخي او منطقي، او فقط لانها لا علاقة لها بحل المشكلة القائمة حاليا بين الفلسطينيين والعرب من جهة واسرائيل من حهة اخري او انها لا تلتزم بمبادئ الشرعية الدولية، وانما تسعي لاقامة شرعية من نوع جديد تقر ما ليس بشرعي. هذه كلها اعتراضات قائمة وسليمة. وانما نعترض عليها كذلك لانها موغلة في العنصرية، ونحن نعارض العنصرية بجميع اشكالها وانواعها. فقد اعترضنا بنفس التمسك بالمبدأ علي عبارات وردت في مشروع الدستور الفلسطيني ونشرنا اعتراضنا هذا في القدس العربي في شهر كانون الثاني (يناير) عام 2003. لقد اعترضنا علي نص كالاتي في مشروع الدستور: الجنسية الفلسطينية ثابتة لكل عربي كان يقيم في فلسطين قبل ايار (مايو) 1948 وقلنا ان هذا النص عنصري لانه لا يعترف بالجنسية الفلسطينية الا لكل عربي . فماذا عن الفلسطينيين الذين هم ليسوا من اصل عربي؟ واعترضنا ايضا علي عبارة الشعب العربي الفلسطيني اينما وردت في مشروع الدستور، وقلنا انها يجب ان تكون الشعب الفلسطيني فقط، وبناء عليه اعترضنا مثلا علي مادة كانت تنص علي الآتي: يقوم هذا الدستور علي ارادة الشعب العربي الفلسطيني وكانما لا ارادة فيه او دخل لغير العرب من ابناء فلسطين. في فلسطين اقليات غير عربية، كالارمن واليهود والسمرة واليونان، ولكنها جميعا شريكة في هذا الوطن ولا يجوز التمييز ضدها علي اساس عنصري. وقد قُبِلَتْ جميع هذه التعديلات واُدْخِلَتْ علي مشروع الدستور. وقد تعمدنا في حينها نشرها علي الملأ تثبيتا لموقف مبدئي وهو مناهضة التمييز العنصري والعنصرية بين المواطنين في فلسطين. وبناء علي ذلك المقال جري تعديل مشروع الدستور آخذاً في الاعتبار تلك الملاحظات. وانطلاقا من نفس المبدأ لا يجوز اطلاقا الموافقة علي مبادئ تفيض بالعنصرية الصهيونية، هذا فضلا عن رفضها للاسباب الاخري التي اشرنا الي بعضها.
واذا كان لا بد من اعلان مبادئ جديد، فان عناصر هذا الاعلان واردة في فتوي محكمة العدل الدولية بشان الجدار وفي قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، وهي مبادئ لا تحتاج الي تكرار في وثيقة جديدة وانما تحتاج الي تنفيذ علي ارض الواقع: انهاء الاحتلال بكل مظاهره وآثاره والعودة الي حدود هدنة عام 1949، ازالة المستوطنات لانها جميعها غير شرعية، ازالة الجدار لانه غير شرعي، الغاء جميع الاجراءات التي اتخذت بشان القدس واعادتها الي ما كانت عليه، وخاصة من حيث البنية السكانية، لان جميع ما اتخذته اسرائيل بشانها غير شرعي، وتنفيذ حق العودة وفقا لما جاء في القرارات الدولية، وليس وفقا لما تراه اسرائيل. فحق العودة حق طبيعي نفذه المجتمع الدولي في مناسبات سابقة ولا يعتمد تنفيذه علي رضا هذا الطرف او ذاك او موافقته، كما بدا للبعض الذين يتبرعون بابداء آرائهم عن جهل بما يتحدثون عنه، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره بعد زوال الاحتلال عنه وتحرر ارادته.
كفي اضاعة الوقت في اختلاق مبادئ جديدة، ثم اضاعة المزيد من الوقت في التفاوض علي تنفيذها، وفي هذه الاثناء يواصل الاحتلال قضمه للحقوق الفلسطينية . لقد قال جابوتنسكي الزعيم الصهيوني واستاذ شارون ونتنياهو محذرا من المناورات في صياغة المواقف والمطالب الصهيونية استنادا علي ان الفلسطينيين اغبياء لا يفهمون هذه المناورات - قال محذرا ان الفلسطينيين ليسوا اغبياء. انهم يفهمون تماما اهداف الحركة الصهيونية . قال هذا عام 1923، اننا نرجو الا يكون من بيننا من يُخَطِئُ جابوتنسكي في تقييمه للشعب الفلسطيني.
? رئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني الفلسطيني سابقا
تعليق