تماسك المقاومة أكثر من ضروري لمواجهة الحل الأمريكي .. الشيخ نافذ عزام
تتوالى زيارات المندوبين الأمريكيين لمنطقتنا في الأسابيع الأخيرة ، و يتردد بقوة أن هناك رغبة أمريكية للخروج بحل ما تحمله الإدارة الحالية بيدها كإنجاز قبل مغادرة البيت الأبيض تعويضاً عن سلسلة من الإخفاقات في العراق و أفغانستان و لبنان و القرن الإفريقي ، لكن السؤال الأهم الذي يبرز : هل سيكون باستطاعة الأمريكان فرض هكذا حل و الذي سيكون وفق المعطيات القائمة أقرب للرؤى و التصورات الأمريكية – الإسرائيلية ؟!.
على مدى قرن من الصراع لعبت الحكومات الغربية و أمريكا بعد الحرب الكونية الثانية دوراً رئيسياً في تعميق مأساة الشعب الفلسطيني سواء بتقديم المساعدة و التسهيلات للعصابات اليهودية المتسللة إلى فلسطين و تقديم كل أشكال الدعم لدولة اليهود بعد إقامتها عام 1948 و طوال العقود الماضية لم يتوقف طرح المشاريع الهادفة على تكريس " إسرائيل " كأمر واقع ، وإجبار الفلسطينيين و جوارهم العربي و الإسلامي على الرضوخ لذلك الأمر الواقع و الاعتراف به و التعامل معه بشكل طبيعي ، و قد كانت تلك المشاريع صدى واضحاً لموازين القوى إقليمياً و دولياً ، و طالما أن هذه الموازين في صالح أعداء شعبنا وأمتنا ، فلم يكن مأمولاً أن تكون تلك الخطط منصفة أو عادلة أو مستندة إلى أسس أخلاقية و موضوعية ، و لذلك استمر هذا الصراع لا بسبب استمرار " إسرائيل " في حملتها ضد الفلسطينيين و عدم وجود أي مشروع يقوم على أسس أخلاقية عادلة ، و عن مشروع التقسيم عام 1947 حتى أوسلو 1993 لم تملك كل الحلول أية فرص للنجاح ، و الدليل الواضح على ذلك هو استمرار الصراع حتى هذه اللحظة ، وزيادة الحملة الإسرائيلية شراسة ووحشية ، وتعاظم مأساة الشعب الفلسطيني مع عدم وجود آفاق قريبة لإنهاء تلك المأساة ، و يرافق ذلك تنامي حالة المقاومة في صفوف الشعب الفلسطيني و تحول تلك الحالة إلى ظاهرة تستعصي على الكسر و التطويع ، ومن المؤكد أن هذا الوضع لا يروق لصناع السياسة الأمريكية ، وتعليق الجنرالات الصهاينة بل و تعليق أطرف عديدة أخرى ، و لذلك تتسارع الجهود الآن للوصول إلى صيغة للحل تجمد الأوضاع و تحاصر حالة المقاومة ، وتطفئ النموذج الفلسطيني الذي تحول في السنوات الماضية إلى ملهم للمقاومين و المعارضين للسياسة الأمريكية و التطبيع مع " إسرائيل " و هذا ما يفسر الجولات المكوكية لوزيرة الخارجية الأمريكية و المسئولين الآخرين في تلك الإدارة ، و من المؤكد أنهم يريدون استثمار الانقسام الحادث في الساحة الفلسطينية لتمرير ذلك الحل الذي لن يكون مرضياً ولو للحد الأدنى من مطالب و طموحات الشعب الفلسطيني ... وإلا لماذا تسارعت الجهود الأمريكية الآن و لماذا تتكرر التصريحات الإسرائيلية حول التسهيلات و مبادرات حسن النوايا بل وهناك حديث " إسرائيلي " عن دولة للفلسطينيين !! و الإجابة لا تحتاج لجهد كبير أو استقصاء طويل ... فالواضح أن استمرار مقاومة الفلسطينيين يربك المشروع الأمريكي في المنطقة كلها ، و كذلك يربك السياسة الإسرائيلية و يؤثر بقوة حتى في الأوضاع الداخلية لدولة الكيان و يترافق ذلك مع رغبة أمريكا في تحقيق أي انجاز بعد تعثر المشروع الأمريكي في مناطق كثيرة من العالم ، ولا أفضل من أجواء الانقسام في الساحة الفلسطينية لدفع السلطة الفلسطينية للقبول بالحل .
إننا و بعيداً عن المشاعر و المواقف العاطفية ، نرى أن السلطة الفلسطينية ستخطئ خطأ كبيراً إن تجاوبت مع المطالب و الرغبات الأمريكية – الإسرائيلية ، وحتى لو تأخر الحل الداخلي ، فالواجب القومي و الوطني يفرض على السلطة عدم الوقوع في ذلك الخطأ ، لأن الموضوع الداخلي سيحل اليوم أو غداً ، أما الحل الذي تضغط أمريكا باتجاهه فسيؤثر على شعبنا ومقاومتنا و امتنا و المنطقة برمتها .
و الجانب المكمل هو ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية التي يجب أن تتماسك و يجب أن تسعى لمزيد من التفاهم و التلاحم ... إن أي توتر بين أجنحة المقاومة سيكون ضرره كبيراً على الجميع و المقاومة أكبر المتضررين ، لذلك فإن الواجب المقدس يحتم على أجنحة المقاومة تحاشي أي خصام أو توتر أو صدام ، بل يجب بذل أقصى الجهد لتمتين جبهة المقاومة و تحشيد الناس معها أو حولها ... و هذا الجهد ضروري و ضروري جداً لإفشال الرهان الأمريكي الإسرائيلي على حل يصفي القضية الفلسطينية و يعمق الانقسام في صفوفهم ...
المسألة تتعلق بالنسبة للمقاومة بالعقيدة و التاريخ و الثقافة و هي تتعلق بالماضي و الحاضر و المستقبل ، تتعلق بأجيال الأمة السابقة واللاحقة و من أجل ذلك يجب السعي بقوة لمنع توتر داخلي و منع أية إعاقة يمكن ان تشوش على مشروع المقاومة في هذه المرحلة الصعبة .
تعليق