إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بعد أن يعترف الرئيس بالفشل.. (هآرتس)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بعد أن يعترف الرئيس بالفشل.. (هآرتس)

    الانتظار الحافل بالآمال لتوصيات تقرير "مجموعة ابحاث العراق" تبدد بسرعة كبيرة وحلت محله خيبة الأمل. من توقع أن تشمل توصيات الخبراء برئاسة جيمس بيكر الجمهوري ولي هاملتون الديمقراطي قائمة تفصيلية دقيقة للانهاء الناجح للحرب في العراق واعادة الجنود الامريكيين الى البيت، اكتشف أنها قائمة توصيات طويلة جدا ولكنها جاءت بطريقة تتيح للرئيس امكانية الامتناع عن تبني اتجاه عمل واضح.

    وبالفعل، بعد يوم من تقديم التقرير سارع جورج بوش الى إبعاد نفسه عن جزء من التوصيات المركزية خصوصا تلك التي تدعو الى التفاوض مع سوريا وايران، والتي توصي بتقليص عدد الجنود الامريكيين في العراق تدريجيا. في الاسبوع الماضي صرح الرئيس بأنه أمر وزير الدفاع الجديد روبرت غيتس ببلورة خطة لزيادة عدد جنود القوات البرية والمارينز في العراق. اليوم يخدم هناك 140 ألف جندي.

    "ليست هناك صيغة عجيبة لحل المشاكل في العراق"، كتب بيكر وهاملتون في مُستهل تقريرهما المقدم للرئيس. "ومع ذلك هناك خطوات يمكن القيام بها لتحسين الوضع وحماية المصالح الامريكية". بعد ذلك بسطت مجموعة البحث 79 توصية بعضها غير ذي صلة وبعضها خيالي والآخر منطقي، ولكنها في احيان كثيرة ضبابية جدا. مُعدو التقرير امتنعوا مثلا عن تحديد جدول زمني ملزم لانهاء الاحتلال الامريكي للعراق.

    اليابان ليست مثالا

    يجب القول بحق بيكر وهاملتون ورفاقهما أنهم لا يحاولون تجميل الوضع ويقولون أن الوضع في العراق "متردٍ ومتدهور". قراءة التقرير تشير بوضوح أن بوش يواجه معضلة نادرا ما اضطر أسلافه لمواجهتها. رؤساء كثيرون قبل بوش قادوا الولايات المتحدة الى حروب قام الجيش في نهايتها باحتلال دول اخرى، ولكن يبدو أن قلة منهم فقط نجحت في التورط بمثل هذه الصورة الصعبة كما فعل هو. اذا أراد بوش الاستفادة من تجربة أسلافه، فسيكتشف أن الظروف في العراق مغايرة تماما لتلك التي سادت في الدول الاخرى التي خاضت الولايات المتحدة الحرب معها.

    بوش ومستشاريه أخطأوا عندما اعتقدوا أن من الممكن تحويل العراق الى جزيرة من الحرية خلال مدة قصيرة بالارتكاز على سابقة المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. الجيش الامريكي أقام حكما عسكريا في اليابان خلال سبع سنوات، أما غرب المانيا فلم يحصل على السيادة الكاملة إلا في 1955. الاحتلال في العراق هو ابن ثلاث سنوات فقط. اليابان والمانيا مُنعتا من التسلح لمدة زمنية طويلة، وكانت الولايات المتحدة هي التي تتولى حمايتهما من تهديدات الاتحاد السوفييتي، أما في العراق فالميليشيات تتسلح بلا إزعاج وكمية السلاح في تلك الدولة هائلة.

    هناك ايضا فرق في الظروف الناشئة بعد الحرب العالمية الثانية والتي أثرت على عملية بلورة الديمقراطيات في اليابان والمانيا. تلك الحرب أدت الى تصفية الفاشية، بينما بقيت الانظمة الدكتاتورية في الشرق الاوسط بعد الحرب في العراق على حالها، وهذه الانظمة في جزء منها تُحرض وتساعد الأطراف المعادية للولايات المتحدة. المانيا واليابان كانتا مجتمعات متجانسة، أما العراق فيتضمن مجموعات عِرقية متناحرة مع بعضها البعض.

    يبدو أن تقرير بيكر - هاملتون قد سرّع عند بوش عملية الاعتراف بالفشل في العراق. في الاسبوع الماضي اعترف لاول مرة أن الولايات المتحدة لا تنتصر في العراق. الآن هو يتبنى الصيغة التي أعدها كبار القادة العسكريين: "نحن لسنا منتصرين ولا خاسرين". هذا تغيير كبير جدا بالمقارنة مع الموقف الذي اتخذه عشية انتخابات منتصف المدة في تشرين الثاني، حيث قال: "نحن منتصرون بالتأكيد".

    تقرير بيكر - هاملتون يُفصل الآثار السلبية التي ستترتب على تواصل السياسة الحالية في العراق: فوضى متزايدة ومعاناة أكبر للشعب العراقي وكارثة انسانية وتطهير عرقي متزايد وامكانية حرب اقليمية وتصادم بين السنّة والشيعة في أرجاء العالم الاسلامي وارتفاع حاد في أسعار النفط واستمرار وجود قاعدة قوية لأنشطة الارهابيين وضرر فادح في نفوذ الولايات المتحدة العالمي وارتفاع في احتمالية الفشل الامريكي في افغانستان ايضا واستقطاب متزايد داخل الولايات المتحدة.

    تكلفة البقاء في العراق توفر دفعة للحاجة الى حل العقدة: كل يوم يمضي على الجيش الامريكي هناك يُكلف 246 مليون دولار. وحتى نهاية السنة ستصل تكاليف الحرب الى 265 مليون دولار. والبيت الابيض يطلب المصادقة على ميزانية تبلغ 170 مليار دولار لعام 2007 (التي تشمل تكلفة الحرب في افغانستان). الخبيران الاقتصاديان جوزيف شتيغلتس وليندا بيلمز أجريا حساباتهما ووجدا أن بقاء الولايات المتحدة في العراق لاربع سنوات اخرى سيكلف الخزينة الامريكية تريليون (ألف مليار) دولار اخرى على الأقل.

    اذا ما العمل مع العراق؟ يسأل بوش ومستشاروه انفسهم. من الواضح لبوش أنه دخل في شرك: اذا انسحب من العراق قبل أن ينجح الحكم المركزي في بغداد في ادارة الدولة بنجاعة، ومن دون أن تتوقف العمليات الارهابية، فقد تندلع هناك حرب دموية أهلية تُلقى اللائمة عن نتائجها الفظيعة على الولايات المتحدة. في المقابل اذا قرر البقاء في العراق فستضطر الولايات المتحدة الى دفع ثمن مرتفع بالدم والدموع. حتى اليوم قُتل ثلاثة آلاف جندي امريكي، وأكثر من مائة ألف عراقي، وهذا الثمن آخذ في التزايد بدرجة تتجاوز التحمل.

    "مجموعة الابحاث" تقترح تقليص عدد الجنود في العراق تدريجيا وتعزيز الحكم المركزي في بغداد وتدريب الجيش العراقي حتى يتحمل المسؤولية تدريجيا. بالاضافة الى ذلك توصي بإشراك دول المنطقة اقليميا في حل المشكلة العراقية، ولهذا السبب يتوجب إشراك ايران وسوريا في العملية ودفع التسوية بين اسرائيل والفلسطينيين. ولكن هناك شك في أن يتبنى بوش هذه التوصيات. ويبدو أن البحث عن طريق العمل الصحيح سيستغرق فترة طويلة.

    توترات وتصادمات

    في محاولة لايجاد سابقة مشابهة للوضع في العراق للاستفادة منها بصدد الحلول الممكنة، سيكون من الملائم أكثر مقارنة الحالة العراقية بيوغسلافيا التسعينيات وليس بألمانيا واليابان في نهاية الاربعينيات. كلتا الدولتان، يوغسلافيا والعراق، بقيتا في مطلع القرن العشرين كبقية باقية لامبراطوريات (الامبراطورية النمساوية والامبراطورية العثمانية) وأُقيمتا في حدود شملت في داخلها مجموعات عرقية ودينية مختلفة كانت لتختار العيش لوحدها وليس في تلك الدول، لو سألوها. يوغسلافيا انفرطت في نهاية المطاف وتقسمت لعدة دول ذات أساس عرقي وغرقت في حرب أهلية دموية ترافقت مع تطهير عرقي وحشي. العراق كذلك قد ينحل الى ثلاثة أجزاء على شاكلة المقاطعات الثلاث التي كانت قائمة في عهد الامبراطورية العثمانية: الموصل، بغداد والبصرة. منطقة كردية في الشمال، سنّية في الوسط وشيعية في الجنوب.

    هذا السيناريو يثير مخاوف كثيرة في الولايات المتحدة. خبراء غير قلائل يحذرون من أن الأمر قد يقود الى حرب اقليمية والى تعزيز مكانة ايران في المنطقة، ويدعون أن الطوائف الثلاث قد عاشت معا بسلام ولم تكن هناك مذابح حتى عهد صدام. الحرب الأهلية الوحيدة في العراق حدثت بين الفصيلين الكرديين المتناحرين في التسعينيات.

    إلا أن هذا النهج يتجاهل التوترات الأساسية التي سمح الاحتلال الامريكي لها بالخروج من تحت سطح الارض: العداء بين السنة والشيعة في المنطقة يمتد الى مئات السنين، وقد ازداد حدة مع تأسيس العراق الحديث في عام 1922. الأكراد يخوضون منذ عشرات السنين صراعا مسلحا لتحقيق استقلالهم إلا أن السلطات العراقية كانت تقمعهم بيد من حديد. أحد اسباب عدم حدوث مصادمات واسعة النطاق بين الطوائف كان حكم الأقلية السنية التي قمعت الاغلبية الشيعية بواسطة شرطة سرية قاسية. حكم صدام الرهيب لم يُتح المجال لأي مظهر من مظاهر المعارضة الشيعية أو الكردية.

    المعارضون لتقسيم العراق يتجاهلون ايضا أن الأكراد في الشمال يتمتعون بحكم ذاتي كامل، وهم في الواقع يديرون دولة مستقلة تقريبا بكل معنى الكلمة خلال الـ 15 سنة الأخيرة منذ حرب الخليج الاولى.

    يبدو أن الحل صاحب الاحتمالات الأكبر في النجاح يجب أن يرتكز على نموذج الدولة الفيدرالية التي يكون فيها هامش واسع جدا من الاستقلال لكل واحدة من المناطق الثلاث. حجر العثرة الأكبر أمام هذا الحل هو النفط. في المنطقة السنية لا توجد آبار نفط، ولذلك يحتمل أن لا يوافق السنة على حل التقسيم من دون إشراكهم في أرباح الانتاج النفطي الذي توجد 80 في المئة منه في المناطق الشيعية و20 في المئة في المناطق الكردية.

    في مقالة نشرها السناتور جوزيف بيدن ولاسلي غلوب في "نيويورك تايمز" في أيار من هذه السنة اقترحا حلا من خمس مراحل بهذه الروحية:

    1- الابقاء على وحدة العراق بواسطة تفريقه واعطاء مناطق استقلال ذاتي للأكراد والشيعة والسنة. الحكومة المركزية تكون مسؤولة عن كل المصالح المشتركة لكل الطوائف مثل الأمن والحدود وتقسيم أرباح النفط.

    2- السنة يحصلون على نصيبهم المتناسب من أرباح النفط. في نهاية المطاف النفط هو الذي سيتحول الى المادة اللاصقة التي تربط الطوائف الثلاث ببعضها البعض.

    3- بلورة خطة واسعة النطاق لاقامة مناطق عمل مع زيادة الموارد لاعمار الدولة التي ستأتي في الأساس من دول الخليج.

    4- عقد مؤتمر دولي لبلورة معاهدة اقليمية لعدم الاعتداء واعادة بناء منظومة العلاقات بين العراق وجيرانه.

    5- تجسيد خطة لاخراج القوات الامريكية من العراق تدريجيا. اغلبيتهم سيغادرون الدولة حتى نهاية 2007، وتبقى فقط قوة صغيرة تكون مهمتها ردع جيران العراق والعمل ضد التجمعات الارهابية.

    بغداد ستحصل على مكانة مدينة فيدرالية لا تخص أي منطقة من المناطق الثلاث.

    مع كل الاهتمام الذي تثيره خطة بيدن - غلوب، إلا أن الرئيس بوش لم يهتم بها حتى اليوم. بوش ما زال متمسكا بشعار "فلنواصل الاتجاه الحالي". صحيح أننا لا ننتصر، هو يقول، ولكننا سنحرز النصر في العراق في نهاية المطاف. هذا محتمل. ولكن حتى ذلك الحين سيسقط الجنود الامريكيون على يد القناصة والسيارات المفخخة والعبوات الجانبية. مرة اخرى يجدر بالرئيس الامريكي أن يستفيد من دروس أسلافه: الولايات المتحدة نشرت في جنوب فيتنام 500 ألف جندي، وهذه كما يتوجب أن يذكر، كانت في دولة كان عدد سكانها في عام 1970 نصف عدد سكان العراق. حلف الناتو أرسل الى البوسنة وكوسوفو 100 ألف جندي حيث أن تعداد سكانها يبلغ خُمس سكان العراق.

    في فيتنام فشلت الولايات المتحدة واضطرت الى الانسحاب منها وتركتها فريسة لاحتلال الشمال الشيوعي. 54.246 جندي امريكي قُتلوا في فيتنام. 103.284 جندي جُرحوا. ملايين الفيتناميين فقدوا أرواحهم. تكلفة تلك الحرب وصلت الى 584 مليار دولار. في العراق يقترب الامريكيون من هذه التكلفة بخطوات عملاقة. السؤال هو اذا كان الرئيس بوش سيجد حلا للمشكلة العراقية قبل أن يصل عدد الجنود الامريكيين والمواطنين العراقيين المقتولين الى تلك الأرقام التي سجلتها حرب فيتنام.
يعمل...
X