رد: " ملف خاص " .. سيد شهداء حركة الجهاد الإسلامي..الشهيد القائد فتحي الشقاقي ( أبو إ
شهيد الإسلام
(السيد محمد حسين فضل الله : مرجع وعالم إسلامي كبير ـ لبنان)
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
عرفته ـ منذ عرفته ـ الإنسان المسلم الذي يعيش قلق المعرفة التي تبحث في كل أفق متحرك عن عمق الفكرة ، وامتداد الخطة ، وحركية الموقف ، وصلابة الموقع وانفتاح الروح في كل شيء يتصل بالإسلام ، كقاعدة للفكر والعاطفة والحركة والحياة.
كان القلق يغريه باكتشاف الجديد الذي يمنح الفكر الإسلامي فهماً جديداً ويعطي الحركة الإسلامية بعداً جديداً، ويفتح للإسلام طريقا جديداً فقد كان لا يفكر في تجديد الإسلام ـ كما يتحدث الآخرون ـ لأن الإسلام يبقى جديداً ليعطي الزمن شبابه ، فلا يشيخ الزمن معه ، وليمنح الإنسان من حيويته روحاً منفتحة على حيوية الواقع المتجددة التي تجدد كل ما حوله في عملية تطوير لا تبتعد عن الجذور ولا تنفصل عن الخط المستقيم ، بل كان يفكر في تجديد الفهم للكتاب والسنة وللمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية ، على أساس أن فهم الذين عاشوا في ثقافة الماضي لا يمثل الحقيقة المطلقة، بل يمثل وجهة نظر ذاتية ترتبط بفهم الباحث في عناصره الثقافية ، مما يفسح المجال لأكثر من فهم وأكثر من اجتهاد لأكثر من باحث فكم ترك الأول للآخر؟ وهكذا كان يقرا ويقرأ، ولم تكن قراءته في كتاب الكلمات ، بل كان يتابع قراءته في كتاب الإنسان ليجد في كل إنسان يلتقيه معرفة جديدة تتمثل في خصائص الفكر والأسلوب والموقع والموقف والتطلعات كما ينفتح على كتاب الكون والحياة ليقرأ فيه إبداع الله في خلقه وحركة الحياة في قضاياها ، وساحة الصراع في تحدياتها.
وكانت الحركة نتاج ذلك كله ، فقد كان يعيش إلى جانب قلق المعرفة للإسلام والواقع قلق الحركة من أجل التغيير في خط الثورة ، ليعود الإسلام إلى الإنسان دينا يحتوي كل قضاياه وتطلعاته وأساليبه وأهدافه وكل خطوطه العملية.
كان الإسلام كل همه ولم يكن إسلامه فلسطينياً ، بل كانت فلسطين تمثل هم الإسلام الكبير ، لما تمثله من عمق الروح في عمقها الروحي في التاريخ وتحديات الحاضر وتطلعات المستقبل وحركية الواقع السياسي المتنوع الممتد في كل قضايا المنطقة ، الذي يختصر حركة المرحلة في مدى نصف قرن ، بحيث كانت المحور لكل القضايا الدامية الصعبة الغارقة في عمق الثورة وقلب المأساة، وبدأت الحركة تأخذ لنفسها خطاً متميزاً لا يستغرق في مفردات الحركة الإسلامية التقليدية ليقلدها بل ليختار منها العناصر الحية التي تطلق التحدي في ساحة الصراع ولينتج من تجربته ومن التجارب الرائدة الجديدة بعض ما يمنح الحركة حيويتها وامتدادها في مدى الواقع والزمن ، وكان الجهاد عنوانها ، هذه الكلمة الإسلامية المتحملة بكثير من حركية التاريخ الإسلامي ومن انتصاراتها وهزائمها وتعقيداتها ودمائها في النهر الكبير للدم الإسلامي المتفجر في ينابيع الشهادة ، وقد عاش وعي الوقوف مع الكلمات الإسلامية ، لأنها تمثل وعي الكفرة والحركة و الإنسان والتاريخ من خلال الانفعال بوعي الله ، خلافاً للذين التزموا تبديل كلمة الجهاد بكلمة الكفاح والنضال ، وانطلقت الحركة في جمهورها الخاص والعام في عنفوان القائد ـ الذي كان هو ـ وحكمته وانفتاحه على كل الحركات الإسلامية ، في ايران بقيادة الإمام الخميني رحمه الله الذي رأى فيه الإنسان الذي عاش كل الإسلام في كل عقله وروحه وحركته فانطلق منه وتفاعل مع خطه الثوري الذي كانت فلسطين عنوانا له ، واستطاعت حركة الجهاد بقيادته ومساعدة إخوانه والتفاف جماهيرها حوله أن تقطع شوطاً كبيراً في ساحة الجهاد في فلسطين، وساحة الصراع خارجها حتى تحولت إلى رقم صعب يخشى اليهود حركيته ، ويخاف الاستكبار العالمي صلابته وقوته ، وقلق كل حلفائها في المنطقة من نداء الحرية في خطابه السياسي والجهادي.
كان يسافر دائما ويتحرك دائما في كل موقع للإسلام فيه قضية ، وللمسلمين فيه معركة ، كان يريد أن يعطي تجربته للآخرين ويأخذ من تجربة الآخرين لحركته وكنا نخاف عليه من الرصد الصهيوني لحركته ، ومن الرصد الاستكباري لتنقلاته وكان مستغرقاً في القضية حتى كان يغفل عن الحذر من الخطر الذي ينتظره.
كان كل فكره الإسلام وكان كل همه فلسطين .. وهكذا سقط شهيد الإسلام في معنى فلسطين وشربت فلسطين من دمه لتبقى في حيوية الجهاد من أجل التحرير واحتضن الإسلام الشهيد في المسيرة الكبرى المنطلقة نحو النصر والفتح القريب.
لقد ارتفع شهيداً ولم يسقط .. أعطى القضية كله وصنع للإسلام تاريخاً جديداً وأعطى الأمة في شهادته بطلاً جديداً.
ومازالت ذاكرة تعيش قلق البحث من مرحلة جديدة لحركته ، وخطة جديدة لثورته ، وتدفع كل إخوانه في داخل الحركة وخارجها إلى متابعة المسيرة فكراً وروحاً وحركة ونصراً أو شهادة من أجل الإسلام في فلسطين ، ومن أجل فلسطين في خط الإسلام ومن أجل الإسلام كله والإنسان كله والأرض كلها ويبقى (فتحي) يفتح من فكره درباً جديداً ويمنح المسيرة في ذكراه روحاً جديدة.
ويبقى معنا ويحيى معنا ونحيا جميعا في امتداد القضية في حركة الإسلام في الواقع كله الذي تختصره كلمه فلسطين و ستعود فلسطين ولو امتد الزمن.
ولك المحبة منا فلقد قضيت ما عليك في الشهادة ـ القمة وبقى ما علينا لننفتح على النصر أو الشهادة.. وليرحمك الله.
تعليق