أمة في خطر(4)
سآوي إلى جبل يعصمني!
م/ الاجزاء الثلاثة الاولى في منتدى الحوار الشرعي
صحف – 21/6/2008
قبل نحو ستة سنوات مضت قال لي رجل من العامة ليس له من السياسة أي نصيب: لقد ثبت أننا أمة عاجزة عن حكم نفسها بنفسها، وهي الآن تحتاج إلى وصاية. واليوم كل المؤشرات والملامح تدل على أننا قاب قوسين أو أدنى من الخضوع لما هو أسوأ من نظام الوصاية. إنه باختصار نظام الحماية المعدل كي يتناسب مع العصر الذي نعيش. والحقيقة أن الأمر لا يبدو مثيرا للنظام السياسي العربي ولا يبدو كذلك حتى للعامة من الناس الذين يفكر الكثير منهم بمنطق اللامبالاة التامة فيما يجري من حوله أو بمنطق: سآوي إلى جبل يعصمني!
ما يجري في المنطقة حقا وحقيقة هو إعادة ترتيب سايكس بيكوي لها مطابق بالتمام والكمال لما جرى لها في بدايات القرن العشرين. فالظروف هي هي لم تتغير، فساد ... فقر ... جوع ... غياب للطموح ... أمة بلا مشروع ... احتلالات مباشرة وغير مباشرة تسبق التقسيم الجديد للمنطقة ... تهديدات من كل حدب وصوب ... قوى عالمية جارفة تتصارع علينا كالفرائس أو الطرائد الهائمة في القفار ... وكما كنا في خضم الحرب العالمية الأولى نفاوض بريطانيا وفرنسا ونتآمر على الإمبراطورية العثمانية ونحيك الدسائس الكفيلة بهدها ترانا اليوم في نفس الزمن وكأن شيء لم يتغير. قبل سايكس بيكو (1916) كانت معظم البلدان العربية محتلة وخاضعة لنظام الحماية، ثم جاءت سايكس بيكو لتثبت ما فعلته طوال قرن مضى وتكمل التقسيم عبر صكوك الانتداب، ولتهدم في الأساس نظام الخلافة. أليس هذا هو حالنا الآن؟
لو ألقينا نظرة على قضايا المنطقة سنرى أنها تشهد نشاطا سياسيا محموما يستهدف من جهة ضبط الساحة اللبنانية وفكفكة قضية الجولان السوري المحتل عبر المفاوضات السرية الجارية بين إسرائيل وسوريا، ومحاولة ترتيب البيت الفلسطيني عبر التهدئة ووقف المقاومة تمهيدا لحل سياسي معين وفقا لمعطيات المرحلة الراهنة بحيث تقبل به الأطراف الفلسطينية كافة بقطع النظر إن كان مرحليا أو دائما، فالنشاط المصري والتنسيق مع إسرائيل والقوى الفلسطينية ليس من المستبعد أن ينتهي بتأميم قطاع غزة ووضعه تحت الوصاية المصرية، أما تصريحات مستشار جون ماكين المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية باعتبار الأردن وطنا بديلا فليست خارج هذا السياق من الترتيب.
إذا وسعنا الدائرة أكثر فالقوات الأمريكية نزلت في الجزائر وموريتانيا وركزت قواعد ضخمة لها في العديد من الدول العربية سرا أو علانية، وما زالت تحتل أو تهاجم في أفغانستان والصومال والعراق، أما سياسيا فالأمريكيون فرضوا الاتفاقيات الأمنية بعيدة المدى على السعودية ودول الخليج وهم في الطريق إلى فرضها على العراق وليس اليمن أو سوريا أو مصر أو ... عن الأهداف الأمريكية ببعيدة. وقبل أن نبدي أي قدر من الريبة في حقيقة هذا الانتشار العسكري الساحق وأهدافه، لنتساءل عن ماهية نظامي الحماية والوصاية؟
فيما يتعلق بنظام الحماية فليس المقصود أبدا ذاك الذي طبقته الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بعد الحرب الثانية، على بعض الدول الأوروبية (ألمانيا وإيطاليا) والآسيوية(كوريا الجنوبية واليابان) لأهداف سياسية وأيديولوجية. بل هو النظام الذي فرضته فرنسا وبريطانيا على بلدان عربية كمصر وتونس سنة 1882 أو غير عربية كالهند دون مبرر إلا من الرغبة في السيطرة والاستعمار، وبلا تحديد لأي سقف زمني أو شروط تتيح تعديل المعاهدة للدولة المحمية. وجلي أنه نظام لا يحظى أبدا بأية مشروعية سياسية أو قانونية تذكر ولا يتصل بأية أغراض دفاعية وليس له أية علاقة بمصالح مباشرة بدولة الحماية. وميزة النظام هذا أنه يجري إقامته بين دولتين قائمتين أو ما يشبه الأقاليم المستقلة، وقد يسمح حتى ببقاء الأحزاب والجمعيات والمؤسسات كما هي، لكن السياسة العليا والاستراتيجية والدفاع والأمن والاقتصاد ليست بيد الدولة المحمية، والأسوأ أن في ثنايا النظام بذرة فرنسية خبيثة ترى في الدولة المحمية جزء من التراب الوطني للدولة الحامية، وهو ما فعلته فرنسا وطبقته على نطاق واسع في الجزائر لما كانت تحتلها منذ سنة 1832 وتعتبرها فرنسا ما وراء البحار.
هذا النظام كان مقدمة تمهيدية لنظام استعماري وتسلطي مباشر هو نظام الانتداب الذي صاغته فرنسا وبريطانيا وأقرته عصبة الأمم المتحدة، بدعوى أن الشعوب المتخلفة أمانة في عنق الحضارة المدنية! التي تتحمل مسؤولية نقلها إلى طور التقدم والتنمية. وبناء عليه تقوم القوة المنتدبة على أي بلد بتأسيس حكومة انتداب لها مطلق الصلاحية أن تفعل في البلاد ما تشاء.
وفي التطبيقات التاريخية تبين أن النظام الإنجلو ساكسوني لم يمس ثقافة السكان كثيرا، لكنه، على الصعيد الاقتصادي، لم يبقي ولم يذر، فما من دولة خضعت لحماية أو استعمار بريطاني على وجه الخصوص إلا وتركتها صحراء قاحلة يتضور سكانها جوعا، وبطبيعة الحال لا يعني هذا أن الاستعمار الفرنسي أقل وطأة لكنه ترك في البلاد بنية تحتية قوية جدا ليس لأنه يحبها ويخشى عليها بل لأنه كان يطبق سياسة فرنسا العابرة للحدود ويعتبر كل إقليم خاضع لسيطرته جزء من التراب الوطني، لهذا نجد أن الاستعمار الفرنسي ركز على المسألة الثقافية، ويكفي ملاحظة أن الكثير من المصريين، إلى يومنا هذا، يتلفظون بعبارات ترحيب فرنسية رغم أن حملة نابوليون على مصر لم تزد كثيرا عن السنوات الثلاث.
المهم أن معاهدات الحماية أو الاستعمار المباشر أسلوبان طُبقا فيما مضى بشكل مباشر على الشعوب والدول الضعيفة، ولا تكاد دولة ضعيفة في العالم إلا وخضعت لأحدهما في مرحلة من الزمن، وفي حين خلف الأسلوبين دمارا ونهبا منقطعي النظير، وفقرا مدقعا لهذه الشعوب، نرى الدول الأوروبية على العكس أصيبت بتخمة الثراء الفاحش على حساب الدول الفقيرة والمستعبدة. وكنا قد أشرنا إلى أن العرب والمسلمين قد نالهم القسط الأعظم من الضرر جراء الحركة الاستعمارية المباشرة التي اجتاحتهم مخلفة وراءها تجزئة وانهيارا للإمبراطورية العثمانية أو مصادرة لنظام الحكم الإسلامي وإهمالا متعمدا للعقيدة والدين وضربا في الصميم للبنية الثقافية وجرها عنوة إلى الثقافة الغربية والتغريبية بوسائل محلية على الأرجح. لكن ثمة ميزتين بارزتين لم تتغيرا منذ مطالع القرن التاسع عشر هما:
· أن الدول الناشئة بفعل الحركة الاستعمارية لم تفلت من المطاردة والحصار والحروب إلى يومنا هذا. وحكاية الاستقلال والسيادة قد يشعر بها الأفريقي واللاتيني والآسيوي أما العربي فالمسألة بالنسبة له تبدو أسطورية في أحط محتوياتها.
· أن الغرب لا يتعامل مع الكيانات العربية هذه كدول أو أوطان كما أنه لا يتعامل معها كشعوب أو أمم بعكس ما تعتقده هذه الدول التي صدقت ومعها قطاعات واسعة من السكان أنها سليلة أمم أو شعوب وصاحبة دول مستقلة وذات سيادة وتاريخ عريق!
الحقيقة الساطعة اليوم تقول أن الدول العربية تحديدا منذ نشأت هي دول تابعة ومرتبطة بالمركز شاءت أم أبت. بل أن الدول التي تحالفت مع المنظومة الشرقية بقيادة موسكو لم تخلف لشعوبها سوى الفقر والقمع بينما الدول التي تحالفت مع المنظومة الليبرالية مهددة اليوم بمعاهدات حماية فضلا عن المجاعة التي تنتظرها، وفي كلتا الحالتين ما من دولة عربية قادرة على حماية نفسها أو شعبها أو نظامها أو حدودها، وغير قادرة على التنمية وبناء اقتصاد محلي، وغير قادرة على مواجهة التحديات بقدر ما هي بارعة في تفعيل قطاع الأمن ليصل إلى الذروة، فعن أي استقلال أو سيادة يجري الحديث؟ وعن أي وحدة وطنية يجري البحث عنها وكل شريحة سكانية تتربص بالأخرى الدوائر؟ وهل يمكن لهذا الضعف والعجز أن يمر دون كوارث جديدة تصيب الأمة؟ لكن السؤال الجوهري: لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى توقيع معاهدات حماية في المنطقة العربية على وجه الخصوص؟
ربما تبدو إثارة مشكلة الاتفاقات الأمنية إعلاميا على هذا النحو نوعا من التخويف، فالاستنفار الإعلامي المشغول بكل صغيرة وكبيرة وعقد اللقاءات والندوات وإثارة الجدل حول مضمون وأهداف المشاريع الأمنية أشبه ما يكون زوبعة في فنجان لاسيما وأن مثل هذه الاتفاقات موجودة وقائمة منذ زمن بعيد، كما أن الكثير من الدول العربية حليفة للولايات المتحدة، وبالتالي فما الفائدة من عقد اتفاقات مع أنظمة سياسية هي أصلا تدور في فلك المنظومة الأمريكية منذ نشأتها؟ وعليه يعتقد البعض أن الهدف من الاستنفار الإعلامي وجعله يعمل بأقصى طاقاته ليس سوى عملية تخويف للقوى المعارضة للوجود الأمريكي في المنطقة بما فيها القوى الجهادية. لكن هذه القراءة محدودة الرؤية وضعيفة الحجة لأكثر من سبب سنتوقف عند أبرزها تاليا.
فحين انطلقت العربة الاستعمارية في القرن التاسع عشر لم يكن التحكم بمصادر الطاقة سببا كافيا لأن النفط لم يكن بتلك الأهمية التي هو عليها الآن. لكن اليوم فالسبب الرئيسي يكمن في: (1) تمايز القوى العالمية و (2) نهوض قوى أخرى خاصة الصين التي قد تزيح من الواجهة قوى عظمى كالولايات المتحدة التي بدأت تستسلم للنمو الصيني المندفع تكنولوجيا واقتصاديا، بلا هوادة، ليحتل المرتبة الأولى في العالم سنة 2042. فالصينيون يشغلون نصف قوتهم العاملة البالغة 800 مليون عامل، ويسجلون نموا مرتفعا جدا تجاوز نسبة 10%، كما أنهم قادرون على زيادة النمو لولا الصراخ الدولي والتوسل إلى الصين بضرورة إبطاء نموها حتى لا تقع الكارثة في العالم.
هذا هو التحدي الكبير الذي يواجه الولايات المتحدة مستقبلا، وهو تحدي شديد الخطورة لأنه ينذر بخروج الصين من حدودها عبر العالم إذا ما زادت من نسبة نموها وشغلت ما تبقى لها من أيدي عاملة، مما يعني أن مناطق الطاقة ستكون موضع صراع وتنافس محموم بين القوى الكبرى في وقت تكون الولايات المتحدة فيه مجرد قوة عظمى مرشحة لِأنْ تفقد القدرة على لعب دور الشرطي العالمي. وقد يكون هذا سببا كافيا كي يدق ناقوس الخطر ويدفع الولايات المتحدة إلى سرعة تأمين مناطق التحكم في الطاقة والممرات الإستراتيجية والأسواق قبل فوات الأوان، وعبر معاهدات أمنية طويلة الأمد كي تحتفظ بما تعتبره منجزات الإمبراطورية في حالة تعرضها لتهديدات القوى الصاعدة.
في مثل هذه الحالة تبدو الدول العربية وكذا حركات المقاومة أشبه ما يكونوا بشاة تتربص بها الوحوش المفترسة من كل صوب وحدب، وعليه لا يبدو لافتا للانتباه أن تنخفض سقف المطالب إلى حدود الصفر مقابل البقاء، بل وأكثر من ذلك أن تدافع القوى الرسمية والمعارضة عن الدور الوحيد المتاح أمامها بحيث لم يعد لديها من دور تلعبه ولا وظيفة تؤديها سوى الوظيفة الأمنية التي تضمن لها البقاء.
مشروع معاهدة حماية على العراق
ولا شك أن مشروع الحماية المقترح على العراق هو أفضل نموذج للمعاينة ليس لأنه أقل شأنا من الاتفاقيات الموقعة مع دول أخرى عربية بل لأن بعض مضامينه انكشفت على العامة لأسباب سنذكرها في حينه. لذا سننطلق من النموذج العراقي لمعاينة مثل هذه الاتفاقيات.
فما يجري الحديث عنه هو إعلان مبادئ وقعه الأمريكيون مع العراقيين يسمح بالتفاوض على اتفاق أمني مشترك بين البلدين، أما ما لم يجر الحديث عنه هو اتفاق آخر طويل الأمد يجري التفاوض بشأنه ويعرف بـ: اتفاق إطار عمل استراتيجي سيحدد بشكل عام العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين. على أن الأهم يكمن في رفض الولايات المتحدة ترقية الاتفاق المقترح إلى مستوى معاهدة، فضلا عن أنها لا تحتاج إلى موافقة الكونغرس الأمريكي! بل أن ديفيد ساترفيلد المستشار الأول لوزيرة الخارجية الأميركية والذي يقود التفاوض مع الحكومة العراقية كان حريصا على توصيف الاتفاقية بصريح العبارة مشيرا أنها ستكون: تنفيذية وقانونية دولية بين طرفين، ولن تحوي بنوداً تتطلب موافقة مجلس الشيوخ الأميركي عليها، مما يوحي بأن الاتفاقية أشبه ما تكون بين عصابتين تختلسان شيء ما على حين غرة بحيث لا يكون هناك ثمة مرجعية تذكر في احتمال إعادة النظر في الاتفاقية أو تعديلها سوى الأمزجة والضغوط. فما هو مضمون الاتفاقية؟ وما هي ردود الفعل عليها؟
تسعى الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقية أمنية مع الحكومة العراقية على المدى البعيد مهمتها: رسم الأساس القانوني لبقاء القوات الأمريكية في العراق، على أن يتم إنجازها بحلول نهاية شهر تموز/ يوليو القادم، فالوقت يداهمها تجاه الانتخابات القادمة في تشرين الثاني/ نوفمبر، أما لماذا تصر الولايات المتحدة على سرعة توقيع الاتفاق فلأن التفويض الذي تمنحه الأمم المتحدة للقوات الأمريكية المحتلة في العراق سينتهي مع نهاية العام الجاري، لذا يهدد وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس بـ: أن البنتاغون ليس مستعدا لِانْ يطلب من الأمم المتحدة تجديد التفويض على رغم الاختلافات مع الحكومة العراقية. وفي هذا السياق تناقلت وسائل الإعلام نبأ خلافات شديدة حول مشروع الاتفاق تتعلق بثلاثة نقاط مركزية هي:
1) الحصانة التي يتمتع بها موظفو شركات الحماية الأجنبية من المقاضاة بموجب القوانين العراقية، وهذا يشير إلى أن مصدر الخلاف لا يقع في مستوى الحصانة بل في مستوى من يتمتع بها.
2) التنصل من التعهدات بالمساهمة في إعمار البلاد.
3) إقامة 400 قاعدة ومعسكر دائم وليس 58 كما تداولته بعض وسائل الإعلام. والحقيقة أن المشكلة ليست في عدد القواعد والمعسكرات بقدر ما هي في الاتفاقية التي تجعل من العراق جزء من الولايات المتحدة الأمريكية بحيث يمكن تصعيد الوجود العسكري في البلاد ليصل إلى الذروة في أي حين أو تقليله بحسب الحاجة دون أية قيود تذكر.
بطبيعة الحال تشتمل البنود السرية لمشروع الاتفاقية على ما هو أشد وطأة من البنود الثلاثة أعلاه. وأحسب أن المزيد من التحليل سيكون من باب العبث لأن ما ورد فيها لا يحتاج إلى تعليق ولا تحليل من أي نوع كان.
والحقيقة أن الأمريكيين كانوا واضحين في مطالبهم، ولا أظن أنهم سيتخلون عنها، بدليل أن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري رد على تصريحات المالكي بأن المفاوضات لم تصل إلى طريق مسدود مع الأمريكيين مشيرا إلى أنّ المفاوضين الأمريكيين أظهروا مرونة في المسائل الحيوية مثل حجم السلطة التي يتعين على الجنود الأمريكيون أن يتمتعوا بها خارج قواعدهم، وكذا مسألة استخدام تلك المنشآت لشنّ عمليات ضدّ أي دولة مجاورة في المنطقة. ولعل الأميركيون كانوا أكثر وضوحا وهم يعبرون عن حاجتهم لهذا الكم الهائل من القواعد العسكرية ولهذه الحصانة التي ستجعل منهم فوق أي قانون فيما يحق لهم اعتقال حتى رئيس الجمهورية إذا ما رأوا فيه تهديدا للسلم والأمن. لكن لماذا يحتاج الأمريكيون إلى كل هذه القوة والصلاحيات والحصانة التي لا يتمتعون بها حتى في بلدهم؟ ولماذا يحشدون في سفارتهم ببغداد من الدبلوماسيين والمستشارين ورجال الأمن والخبراء والعلماء قرابة الخمسة آلاف شخص وهو عدد يزيد عن ضعفي عدد دبلوماسييهم في موسكو خلال الحرب الباردة؟ فضلا عن أنه إجراء يتنافى والعرف الدبلوماسي الذي يفرض تمثيلا متوازنا بين أي بلدين في حجم البعثة الدبلومسية؟
الأكيد أن الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين كان محقا لما صرح بأن الأمريكيين جاؤوا إلى العراق لينفذوا احتلالا بعيد المدى، مما يعني أن المشروع الأمريكي يستدعي وجود قوات مباشرة في المنطقة لأمد طويل، وقادرة على التدخل. لكن واقع الأمر يقول أن المنطقة لم تعد بحاجة إلى وجود قوات بهذا الحجم والصلاحيات، ولم تعد بيئة لأعداء استراتيجيين خاصة وأنها واقعة اليوم تحت الهيمنة الأمريكية المباشرة، وليس هناك ما يشير إلى تهديد للمصالح الأمريكية كالنفط. لكن الأمريكيين يتخوفون من المستقبل ويجهدون في تأمين المنطقة، وبلسان البنود السرية للاتفاقية، فالأمريكيون بصدد التدخل في المنطقة وإخضاعها بالقوة العسكرية المباشرة إن لزم الأمر، أما تصريحات ساترفيلد بأن: بلاده تؤمن بوجوب عدم استخدام الأراضي العراقية منصة لضرب الدول المجاورة فليست من باب التصريحات المضللة أو المطمئنة بل من باب الإيحاء بأن الاتفاقية الأمنية مع العراقيين ليست سوى مقدمة لنماذج اتفاقيات مماثلة إما أنها عقدت فعلا أو أنها في الطريق للإنجاز.
ومع ذلك يبقى الجانب الأكثر إثارة يتعلق بقيامة المالكي التي قامت على الاتفاقية والرفض الشيعي لها كونها تمس السيادة وتلحق أضرارا بالغة في الأجيال القادمة! وما الذي يفسر الرفض الشيعي لمشروع الاتفاقية والتحريض الإيراني السافر عليها؟
لا شك أن السبب الرئيس يكمن، على الأرجح، في جوهر الحكم القائم في العراق وأهدافه. فهو حكم طائفي مرتبط بمشروع صفوي بالدرجة الأساس، وليس الرفض الشديد للاتفاقية إلا خشية من أن تؤدي إلى فرملة اندفاع المشروع الصفوي في المنطقة برمتها، وإلا فمن يصدق أن المالكي والطرف الشيعي تحول فجأة إلى طرف يتمتع بعراقة وطنية ونضالية وهو الذي قدم على ظهور الدبابات الأمريكية؟ واحتمى بالمشروع الأمريكي لتمرير مشروعه؟ فهل سيكون أمام الشيعة إلا القبول المحسّن بالأطروحات الأمريكية؟ وإذا ما أصر الأمريكيون على مطالبهم فهل سيعلن الشيعة في العراق عن تمرد ضد القوات الأمريكية؟
المهم في كل ما يجري هو الموقف اللامبالي للعرب تجاه الاتفاقية المقترحة، وقد يكون مفهوما هذا الموقف في سياق الضغوط أو في سياق التفاقات الموقعة أصلا مع الأمريكيين، لكن ما ليس مفهوما أبدا هو إصرار السنة على تدمير ذاتهم في حين يصر الشيعة على حماية مشروعهم ولو بالرفض. يحدث كل هذا والبعض ما زال يجادل بأن المنطقة لا تتحمل كل هذه القواعد الأمريكية. فهل ستكون النهاية كمن قال :سآوي إلى جبل يعصمني؟ لكن من سيقود السفينة؟
**********************************************
ملحق نص إعلان المبادئ والبنود السرية
إعلان مبادئ علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد\
بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية
أكد القادة العراقيون في بيانهم الصادر في 26 أغسطس / آب عام 2007 الذي أيده الرئيس بوش، أن الحكومتين العراقية والأميركية ملتزمتان بتطوير علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد بين بلدين كاملي السيادة والاستقلال ولهما مصالح مشتركة، وأكد البيان أن العلاقة بين البلدين سوف تكون لصالح الأجيال المقبلة وقد بنيت على التضحيات البطولية التي قدمها الشعبان العراقي والأميركي من أجل عراق حر ديمقراطي تعددي فيدرالي موحد.
إن العلاقة التي تتطلع إليها جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية تشمل آفاقا متعددة يأتي في مقدمتها التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية انطلاقا من المبادئ التالية:-
أولا. المجال السياسي والدبلوماسي والثقافي.
1- دعم الحكومة العراقية في حماية النظام الديمقراطي في العراق من الأخطار التي تواجهه داخليا وخارجيا.
2- احترام الدستور وصيانته باعتباره تعبيرا عن إرادة الشعب العراقي، والوقوف بحزم أمام أية محاولة لتعطيله أو تعليقه أو تجاوزه.
3- دعم جهود الحكومة العراقية في سعيها لتحقيق المصالحة الوطنية، ومن ضمنها ما جاء في بيان 26 آب 2007.
4- دعم جمهورية العراق لتعزيز مكانتها في المنظمات والمؤسسات والمحافل الدولية والإقليمية، لتلعب دورها الايجابي والبناء في محيطها الإقليمي والدولي.
5- العمل والتعاون المشترك بين دول المنطقة والذي يقوم على أساس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونبذ استخدام القوة في حل النزاعات، واعتماد لغة الحوار البناء في حل المشكلات العالقة بين مختلف دول المنطقة.
6- تشجيع الجهود السياسية الرامية إلى إيجاد علاقات ايجابية بين دول المنطقة والعالم، لخدمة الأهداف المشتركة لكل الأطراف المعنية وبما يعزز أمن المنطقة واستقرارها وازدهار شعوبها.
7 - تشجيع التبادل الثقافي والتعليمي والعلمي بين الدولتين.
ثانيا. المجال الاقتصادي:
1- دعم جمهورية العراق للنهوض في مختلف المجالات الاقتصادية وتطوير قدراتها الإنتاجية ومساعدتها في الانتقال إلى اقتصاد السوق.
2- المساعدة في دعم الأطراف المختلفة على الالتزام بتعهداتها تجاه العراق، كما وردت في العهد الدولي مع العراق.
3- الالتزام بدعم جمهورية العراق من خلال توفير المساعدات المالية والفنية لمساعدتها في بناء مؤسساتها الاقتصادية وبناها التحتية وتدريب وتطوير الكفاءات والقدرات لمختلف مؤسساتها الحيوية.
4. مساعدة جمهورية العراق على الاندماج في المؤسسات المالية والاقتصادية والإقليمية والدولية.
5- تسهيل وتشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية وخاصة الأميركية إلى العراق للمساهمة في عمليات البناء وإعادة الإعمار.
6- مساعدة جمهورية العراق على استرداد أموالها وممتلكاتها المهربة وخاصة تلك التي هربت من قبل عائلة صدام حسين وأركان نظامه، وكذلك فيما يتعلق بآثارها المهربة وتراثها الثقافي قبل وبعد 9/4/2003.
7- مساعدة جمهورية العراق على إطفاء ديونها وإلغاء تعويضات الحروب التي قام بها النظام السابق.
8- مساعدة العراق ودعمه للحصول على ظروف تجارية تشجيعية وتفضيلية تجعله من الدول الأولى بالرعاية في السوق العالمية واعتبار العراق دولة أولى بالرعاية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى مساعدته في الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية.
ثالثا. المجال الأمني:
1- تقديم تأكيدات والتزامات أمنية للحكومة العراقية بردع أي عدوان خارجي يستهدف العراق وينتهك سيادته وحرمة أراضيه أو مياهه أو أجوائه.
2- مساعدة الحكومة العراقية في مساعيها بمكافحة جميع المجموعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والصداميون وكل المجاميع الخارجة عن القانون بغض النظر عن انتماءاتها والقضاء على شبكاتها اللوجستية ومصادر تمويلها وإلحاق الهزيمة بها واجتثاثها من العراق على أن تحدد أساليب وآليات المساعدة ضمن اتفاقية التعاون المشار إليها أعلاه.
3- دعم الحكومة العراقية في تدريب وتجهيز وتسليح القوات المسلحة العراقية لتمكينها من حماية العراق وكافة أبناء شعبه واستكمال بناء منظوماتها الإدارية حسب طلب الحكومة العراقية.
تتولى الحكومة العراقية تأكيدا لحقها الثابت بقرارات مجلس الأمن الدولي طلب تمديد ولاية القوات المتعددة الجنسيات للمرة الأخيرة واعتبار موافقة مجلس الأمن على اعتبار الحالة في العراق لم تعد بعد انتهاء فترة التمديد المذكورة تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين وما ينتج عن ذلك من إنهاء تصرف مجلس الأمن بشأن الحالة في العراق وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بما يعيده إلى وضعه الدولي والقانوني السابق لصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 في آب 1990 ليعزز الاعتراف والتأكيد على السيادة الكاملة للعراق على أراضيه ومياهه وأجوائه وسيطرة العراق على قواته وإدارة شؤونه واعتبار هذه الموافقة شرطا لتمديد القوات.
اعتمادا على ما تقدم تبدأ وبأسرع وقت ممكن مفاوضات ثنائية بين الحكومتين العراقية والأميركية للتوصل قبل 31/7/2008 إلى اتفاقية بين الحكومتين تتناول نوايا التعاون والصداقة بين الدولتين المستقلتين وذاتي السيادة الكاملة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية.
أما البنود السرية في الاتفاق:-
1- يحق للقوات الأميركية بناء المعسكرات والقواعد العسكرية، وهذه المعسكرات سوف تكون مساندة للجيش العراقي، وعددها خاضع للظروف الأمنية، التي تراها الحكومة العراقية، وبمشاورة السفارة الأميركية في بغداد، والقادة الأمريكان، والميدانيين وبمشاورة وزارة الدفاع العراقية والجهات المختصة.
2- ضرورة أن تكون اتفاقية و ليس معاهدة.
3- لا يحق للحكومة العراقية ولا لدوائر القضاء العراقي محاسبة القوات الأميركية وأفرادها، ويتم توسيع الحصانة حتى للشركات الأمنية والمدنية والعسكرية والإسنادية المتعاقدة مع الجيش الأميركي.
4- صلاحيات القوات الأميركية لا تحدَّد من قبل الحكومة العراقية، ولا يحق للحكومة العراقية تحديد الحركة لهذه القوات، ولا المساحة المشغولة للمعسكرات ولا الطرق المستعملة.
5- يحق للقوات الأميركية بناء المراكز الأمنية بما فيها السجون الخاصة والتابعة للقوات الأميركية حفظا للأمن .
6- يحق للقوات الأميركية ممارسة حقها في اعتقال من يهدد الأمن والسلم دون الحاجة إلى مجوز من الحكومة العراقية و مؤسساتها .
7- للقوات الأميركية الحرية في ضرب أي دولة تهدد الأمن والسلم العالمي والإقليمي العام والعراق حكومته ودستوره، أو تستفز الإرهاب والميليشيات، ولا يمنع الانطلاق من الأراضي العراقية والاستفادة من برها ومياهها وجوها.
8- العلاقات الدولية والإقليمية والمعاهدات يجب أن تكون للحكومة الأميركية العلم والمشورة بذلك حفاظا على الأمن والدستور.
9- سيطرة القوات الأميركية على وزارة الدفاع والداخلية والاستخبارات العراقي ولمدة 10 سنوات، يتم خلال هذه المدة تأهيلها وتدريبها وإعدادها حسب ما ورد في المصادر المذكورة، وحتى السلاح ونوعيته خاضع للموافقة والمشاورة مع القوات الأميركية.
10- السقف الزمني لبقاء القوات هو طويل الأمد وغير محدد وقراره لظروف العراق ويتم إعادة النظر بين الحكومة العراقية والأميركية في الأمر، إلا أن الأمر مرهون بتحسن أداء المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية وتحسن الوضع الأمني وتحقق المصالحة والقضاء على الإرهاب وأخطار الدول المجاورة وسيطرة الدولة وإنهاء حرية وتواجد الميليشيات ووجود إجماع سياسي على خروج القوات الأميركية.
سآوي إلى جبل يعصمني!
م/ الاجزاء الثلاثة الاولى في منتدى الحوار الشرعي
صحف – 21/6/2008
قبل نحو ستة سنوات مضت قال لي رجل من العامة ليس له من السياسة أي نصيب: لقد ثبت أننا أمة عاجزة عن حكم نفسها بنفسها، وهي الآن تحتاج إلى وصاية. واليوم كل المؤشرات والملامح تدل على أننا قاب قوسين أو أدنى من الخضوع لما هو أسوأ من نظام الوصاية. إنه باختصار نظام الحماية المعدل كي يتناسب مع العصر الذي نعيش. والحقيقة أن الأمر لا يبدو مثيرا للنظام السياسي العربي ولا يبدو كذلك حتى للعامة من الناس الذين يفكر الكثير منهم بمنطق اللامبالاة التامة فيما يجري من حوله أو بمنطق: سآوي إلى جبل يعصمني!
ما يجري في المنطقة حقا وحقيقة هو إعادة ترتيب سايكس بيكوي لها مطابق بالتمام والكمال لما جرى لها في بدايات القرن العشرين. فالظروف هي هي لم تتغير، فساد ... فقر ... جوع ... غياب للطموح ... أمة بلا مشروع ... احتلالات مباشرة وغير مباشرة تسبق التقسيم الجديد للمنطقة ... تهديدات من كل حدب وصوب ... قوى عالمية جارفة تتصارع علينا كالفرائس أو الطرائد الهائمة في القفار ... وكما كنا في خضم الحرب العالمية الأولى نفاوض بريطانيا وفرنسا ونتآمر على الإمبراطورية العثمانية ونحيك الدسائس الكفيلة بهدها ترانا اليوم في نفس الزمن وكأن شيء لم يتغير. قبل سايكس بيكو (1916) كانت معظم البلدان العربية محتلة وخاضعة لنظام الحماية، ثم جاءت سايكس بيكو لتثبت ما فعلته طوال قرن مضى وتكمل التقسيم عبر صكوك الانتداب، ولتهدم في الأساس نظام الخلافة. أليس هذا هو حالنا الآن؟
لو ألقينا نظرة على قضايا المنطقة سنرى أنها تشهد نشاطا سياسيا محموما يستهدف من جهة ضبط الساحة اللبنانية وفكفكة قضية الجولان السوري المحتل عبر المفاوضات السرية الجارية بين إسرائيل وسوريا، ومحاولة ترتيب البيت الفلسطيني عبر التهدئة ووقف المقاومة تمهيدا لحل سياسي معين وفقا لمعطيات المرحلة الراهنة بحيث تقبل به الأطراف الفلسطينية كافة بقطع النظر إن كان مرحليا أو دائما، فالنشاط المصري والتنسيق مع إسرائيل والقوى الفلسطينية ليس من المستبعد أن ينتهي بتأميم قطاع غزة ووضعه تحت الوصاية المصرية، أما تصريحات مستشار جون ماكين المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية باعتبار الأردن وطنا بديلا فليست خارج هذا السياق من الترتيب.
إذا وسعنا الدائرة أكثر فالقوات الأمريكية نزلت في الجزائر وموريتانيا وركزت قواعد ضخمة لها في العديد من الدول العربية سرا أو علانية، وما زالت تحتل أو تهاجم في أفغانستان والصومال والعراق، أما سياسيا فالأمريكيون فرضوا الاتفاقيات الأمنية بعيدة المدى على السعودية ودول الخليج وهم في الطريق إلى فرضها على العراق وليس اليمن أو سوريا أو مصر أو ... عن الأهداف الأمريكية ببعيدة. وقبل أن نبدي أي قدر من الريبة في حقيقة هذا الانتشار العسكري الساحق وأهدافه، لنتساءل عن ماهية نظامي الحماية والوصاية؟
فيما يتعلق بنظام الحماية فليس المقصود أبدا ذاك الذي طبقته الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بعد الحرب الثانية، على بعض الدول الأوروبية (ألمانيا وإيطاليا) والآسيوية(كوريا الجنوبية واليابان) لأهداف سياسية وأيديولوجية. بل هو النظام الذي فرضته فرنسا وبريطانيا على بلدان عربية كمصر وتونس سنة 1882 أو غير عربية كالهند دون مبرر إلا من الرغبة في السيطرة والاستعمار، وبلا تحديد لأي سقف زمني أو شروط تتيح تعديل المعاهدة للدولة المحمية. وجلي أنه نظام لا يحظى أبدا بأية مشروعية سياسية أو قانونية تذكر ولا يتصل بأية أغراض دفاعية وليس له أية علاقة بمصالح مباشرة بدولة الحماية. وميزة النظام هذا أنه يجري إقامته بين دولتين قائمتين أو ما يشبه الأقاليم المستقلة، وقد يسمح حتى ببقاء الأحزاب والجمعيات والمؤسسات كما هي، لكن السياسة العليا والاستراتيجية والدفاع والأمن والاقتصاد ليست بيد الدولة المحمية، والأسوأ أن في ثنايا النظام بذرة فرنسية خبيثة ترى في الدولة المحمية جزء من التراب الوطني للدولة الحامية، وهو ما فعلته فرنسا وطبقته على نطاق واسع في الجزائر لما كانت تحتلها منذ سنة 1832 وتعتبرها فرنسا ما وراء البحار.
هذا النظام كان مقدمة تمهيدية لنظام استعماري وتسلطي مباشر هو نظام الانتداب الذي صاغته فرنسا وبريطانيا وأقرته عصبة الأمم المتحدة، بدعوى أن الشعوب المتخلفة أمانة في عنق الحضارة المدنية! التي تتحمل مسؤولية نقلها إلى طور التقدم والتنمية. وبناء عليه تقوم القوة المنتدبة على أي بلد بتأسيس حكومة انتداب لها مطلق الصلاحية أن تفعل في البلاد ما تشاء.
وفي التطبيقات التاريخية تبين أن النظام الإنجلو ساكسوني لم يمس ثقافة السكان كثيرا، لكنه، على الصعيد الاقتصادي، لم يبقي ولم يذر، فما من دولة خضعت لحماية أو استعمار بريطاني على وجه الخصوص إلا وتركتها صحراء قاحلة يتضور سكانها جوعا، وبطبيعة الحال لا يعني هذا أن الاستعمار الفرنسي أقل وطأة لكنه ترك في البلاد بنية تحتية قوية جدا ليس لأنه يحبها ويخشى عليها بل لأنه كان يطبق سياسة فرنسا العابرة للحدود ويعتبر كل إقليم خاضع لسيطرته جزء من التراب الوطني، لهذا نجد أن الاستعمار الفرنسي ركز على المسألة الثقافية، ويكفي ملاحظة أن الكثير من المصريين، إلى يومنا هذا، يتلفظون بعبارات ترحيب فرنسية رغم أن حملة نابوليون على مصر لم تزد كثيرا عن السنوات الثلاث.
المهم أن معاهدات الحماية أو الاستعمار المباشر أسلوبان طُبقا فيما مضى بشكل مباشر على الشعوب والدول الضعيفة، ولا تكاد دولة ضعيفة في العالم إلا وخضعت لأحدهما في مرحلة من الزمن، وفي حين خلف الأسلوبين دمارا ونهبا منقطعي النظير، وفقرا مدقعا لهذه الشعوب، نرى الدول الأوروبية على العكس أصيبت بتخمة الثراء الفاحش على حساب الدول الفقيرة والمستعبدة. وكنا قد أشرنا إلى أن العرب والمسلمين قد نالهم القسط الأعظم من الضرر جراء الحركة الاستعمارية المباشرة التي اجتاحتهم مخلفة وراءها تجزئة وانهيارا للإمبراطورية العثمانية أو مصادرة لنظام الحكم الإسلامي وإهمالا متعمدا للعقيدة والدين وضربا في الصميم للبنية الثقافية وجرها عنوة إلى الثقافة الغربية والتغريبية بوسائل محلية على الأرجح. لكن ثمة ميزتين بارزتين لم تتغيرا منذ مطالع القرن التاسع عشر هما:
· أن الدول الناشئة بفعل الحركة الاستعمارية لم تفلت من المطاردة والحصار والحروب إلى يومنا هذا. وحكاية الاستقلال والسيادة قد يشعر بها الأفريقي واللاتيني والآسيوي أما العربي فالمسألة بالنسبة له تبدو أسطورية في أحط محتوياتها.
· أن الغرب لا يتعامل مع الكيانات العربية هذه كدول أو أوطان كما أنه لا يتعامل معها كشعوب أو أمم بعكس ما تعتقده هذه الدول التي صدقت ومعها قطاعات واسعة من السكان أنها سليلة أمم أو شعوب وصاحبة دول مستقلة وذات سيادة وتاريخ عريق!
الحقيقة الساطعة اليوم تقول أن الدول العربية تحديدا منذ نشأت هي دول تابعة ومرتبطة بالمركز شاءت أم أبت. بل أن الدول التي تحالفت مع المنظومة الشرقية بقيادة موسكو لم تخلف لشعوبها سوى الفقر والقمع بينما الدول التي تحالفت مع المنظومة الليبرالية مهددة اليوم بمعاهدات حماية فضلا عن المجاعة التي تنتظرها، وفي كلتا الحالتين ما من دولة عربية قادرة على حماية نفسها أو شعبها أو نظامها أو حدودها، وغير قادرة على التنمية وبناء اقتصاد محلي، وغير قادرة على مواجهة التحديات بقدر ما هي بارعة في تفعيل قطاع الأمن ليصل إلى الذروة، فعن أي استقلال أو سيادة يجري الحديث؟ وعن أي وحدة وطنية يجري البحث عنها وكل شريحة سكانية تتربص بالأخرى الدوائر؟ وهل يمكن لهذا الضعف والعجز أن يمر دون كوارث جديدة تصيب الأمة؟ لكن السؤال الجوهري: لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى توقيع معاهدات حماية في المنطقة العربية على وجه الخصوص؟
ربما تبدو إثارة مشكلة الاتفاقات الأمنية إعلاميا على هذا النحو نوعا من التخويف، فالاستنفار الإعلامي المشغول بكل صغيرة وكبيرة وعقد اللقاءات والندوات وإثارة الجدل حول مضمون وأهداف المشاريع الأمنية أشبه ما يكون زوبعة في فنجان لاسيما وأن مثل هذه الاتفاقات موجودة وقائمة منذ زمن بعيد، كما أن الكثير من الدول العربية حليفة للولايات المتحدة، وبالتالي فما الفائدة من عقد اتفاقات مع أنظمة سياسية هي أصلا تدور في فلك المنظومة الأمريكية منذ نشأتها؟ وعليه يعتقد البعض أن الهدف من الاستنفار الإعلامي وجعله يعمل بأقصى طاقاته ليس سوى عملية تخويف للقوى المعارضة للوجود الأمريكي في المنطقة بما فيها القوى الجهادية. لكن هذه القراءة محدودة الرؤية وضعيفة الحجة لأكثر من سبب سنتوقف عند أبرزها تاليا.
فحين انطلقت العربة الاستعمارية في القرن التاسع عشر لم يكن التحكم بمصادر الطاقة سببا كافيا لأن النفط لم يكن بتلك الأهمية التي هو عليها الآن. لكن اليوم فالسبب الرئيسي يكمن في: (1) تمايز القوى العالمية و (2) نهوض قوى أخرى خاصة الصين التي قد تزيح من الواجهة قوى عظمى كالولايات المتحدة التي بدأت تستسلم للنمو الصيني المندفع تكنولوجيا واقتصاديا، بلا هوادة، ليحتل المرتبة الأولى في العالم سنة 2042. فالصينيون يشغلون نصف قوتهم العاملة البالغة 800 مليون عامل، ويسجلون نموا مرتفعا جدا تجاوز نسبة 10%، كما أنهم قادرون على زيادة النمو لولا الصراخ الدولي والتوسل إلى الصين بضرورة إبطاء نموها حتى لا تقع الكارثة في العالم.
هذا هو التحدي الكبير الذي يواجه الولايات المتحدة مستقبلا، وهو تحدي شديد الخطورة لأنه ينذر بخروج الصين من حدودها عبر العالم إذا ما زادت من نسبة نموها وشغلت ما تبقى لها من أيدي عاملة، مما يعني أن مناطق الطاقة ستكون موضع صراع وتنافس محموم بين القوى الكبرى في وقت تكون الولايات المتحدة فيه مجرد قوة عظمى مرشحة لِأنْ تفقد القدرة على لعب دور الشرطي العالمي. وقد يكون هذا سببا كافيا كي يدق ناقوس الخطر ويدفع الولايات المتحدة إلى سرعة تأمين مناطق التحكم في الطاقة والممرات الإستراتيجية والأسواق قبل فوات الأوان، وعبر معاهدات أمنية طويلة الأمد كي تحتفظ بما تعتبره منجزات الإمبراطورية في حالة تعرضها لتهديدات القوى الصاعدة.
في مثل هذه الحالة تبدو الدول العربية وكذا حركات المقاومة أشبه ما يكونوا بشاة تتربص بها الوحوش المفترسة من كل صوب وحدب، وعليه لا يبدو لافتا للانتباه أن تنخفض سقف المطالب إلى حدود الصفر مقابل البقاء، بل وأكثر من ذلك أن تدافع القوى الرسمية والمعارضة عن الدور الوحيد المتاح أمامها بحيث لم يعد لديها من دور تلعبه ولا وظيفة تؤديها سوى الوظيفة الأمنية التي تضمن لها البقاء.
مشروع معاهدة حماية على العراق
ولا شك أن مشروع الحماية المقترح على العراق هو أفضل نموذج للمعاينة ليس لأنه أقل شأنا من الاتفاقيات الموقعة مع دول أخرى عربية بل لأن بعض مضامينه انكشفت على العامة لأسباب سنذكرها في حينه. لذا سننطلق من النموذج العراقي لمعاينة مثل هذه الاتفاقيات.
فما يجري الحديث عنه هو إعلان مبادئ وقعه الأمريكيون مع العراقيين يسمح بالتفاوض على اتفاق أمني مشترك بين البلدين، أما ما لم يجر الحديث عنه هو اتفاق آخر طويل الأمد يجري التفاوض بشأنه ويعرف بـ: اتفاق إطار عمل استراتيجي سيحدد بشكل عام العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين. على أن الأهم يكمن في رفض الولايات المتحدة ترقية الاتفاق المقترح إلى مستوى معاهدة، فضلا عن أنها لا تحتاج إلى موافقة الكونغرس الأمريكي! بل أن ديفيد ساترفيلد المستشار الأول لوزيرة الخارجية الأميركية والذي يقود التفاوض مع الحكومة العراقية كان حريصا على توصيف الاتفاقية بصريح العبارة مشيرا أنها ستكون: تنفيذية وقانونية دولية بين طرفين، ولن تحوي بنوداً تتطلب موافقة مجلس الشيوخ الأميركي عليها، مما يوحي بأن الاتفاقية أشبه ما تكون بين عصابتين تختلسان شيء ما على حين غرة بحيث لا يكون هناك ثمة مرجعية تذكر في احتمال إعادة النظر في الاتفاقية أو تعديلها سوى الأمزجة والضغوط. فما هو مضمون الاتفاقية؟ وما هي ردود الفعل عليها؟
تسعى الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقية أمنية مع الحكومة العراقية على المدى البعيد مهمتها: رسم الأساس القانوني لبقاء القوات الأمريكية في العراق، على أن يتم إنجازها بحلول نهاية شهر تموز/ يوليو القادم، فالوقت يداهمها تجاه الانتخابات القادمة في تشرين الثاني/ نوفمبر، أما لماذا تصر الولايات المتحدة على سرعة توقيع الاتفاق فلأن التفويض الذي تمنحه الأمم المتحدة للقوات الأمريكية المحتلة في العراق سينتهي مع نهاية العام الجاري، لذا يهدد وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس بـ: أن البنتاغون ليس مستعدا لِانْ يطلب من الأمم المتحدة تجديد التفويض على رغم الاختلافات مع الحكومة العراقية. وفي هذا السياق تناقلت وسائل الإعلام نبأ خلافات شديدة حول مشروع الاتفاق تتعلق بثلاثة نقاط مركزية هي:
1) الحصانة التي يتمتع بها موظفو شركات الحماية الأجنبية من المقاضاة بموجب القوانين العراقية، وهذا يشير إلى أن مصدر الخلاف لا يقع في مستوى الحصانة بل في مستوى من يتمتع بها.
2) التنصل من التعهدات بالمساهمة في إعمار البلاد.
3) إقامة 400 قاعدة ومعسكر دائم وليس 58 كما تداولته بعض وسائل الإعلام. والحقيقة أن المشكلة ليست في عدد القواعد والمعسكرات بقدر ما هي في الاتفاقية التي تجعل من العراق جزء من الولايات المتحدة الأمريكية بحيث يمكن تصعيد الوجود العسكري في البلاد ليصل إلى الذروة في أي حين أو تقليله بحسب الحاجة دون أية قيود تذكر.
بطبيعة الحال تشتمل البنود السرية لمشروع الاتفاقية على ما هو أشد وطأة من البنود الثلاثة أعلاه. وأحسب أن المزيد من التحليل سيكون من باب العبث لأن ما ورد فيها لا يحتاج إلى تعليق ولا تحليل من أي نوع كان.
والحقيقة أن الأمريكيين كانوا واضحين في مطالبهم، ولا أظن أنهم سيتخلون عنها، بدليل أن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري رد على تصريحات المالكي بأن المفاوضات لم تصل إلى طريق مسدود مع الأمريكيين مشيرا إلى أنّ المفاوضين الأمريكيين أظهروا مرونة في المسائل الحيوية مثل حجم السلطة التي يتعين على الجنود الأمريكيون أن يتمتعوا بها خارج قواعدهم، وكذا مسألة استخدام تلك المنشآت لشنّ عمليات ضدّ أي دولة مجاورة في المنطقة. ولعل الأميركيون كانوا أكثر وضوحا وهم يعبرون عن حاجتهم لهذا الكم الهائل من القواعد العسكرية ولهذه الحصانة التي ستجعل منهم فوق أي قانون فيما يحق لهم اعتقال حتى رئيس الجمهورية إذا ما رأوا فيه تهديدا للسلم والأمن. لكن لماذا يحتاج الأمريكيون إلى كل هذه القوة والصلاحيات والحصانة التي لا يتمتعون بها حتى في بلدهم؟ ولماذا يحشدون في سفارتهم ببغداد من الدبلوماسيين والمستشارين ورجال الأمن والخبراء والعلماء قرابة الخمسة آلاف شخص وهو عدد يزيد عن ضعفي عدد دبلوماسييهم في موسكو خلال الحرب الباردة؟ فضلا عن أنه إجراء يتنافى والعرف الدبلوماسي الذي يفرض تمثيلا متوازنا بين أي بلدين في حجم البعثة الدبلومسية؟
الأكيد أن الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين كان محقا لما صرح بأن الأمريكيين جاؤوا إلى العراق لينفذوا احتلالا بعيد المدى، مما يعني أن المشروع الأمريكي يستدعي وجود قوات مباشرة في المنطقة لأمد طويل، وقادرة على التدخل. لكن واقع الأمر يقول أن المنطقة لم تعد بحاجة إلى وجود قوات بهذا الحجم والصلاحيات، ولم تعد بيئة لأعداء استراتيجيين خاصة وأنها واقعة اليوم تحت الهيمنة الأمريكية المباشرة، وليس هناك ما يشير إلى تهديد للمصالح الأمريكية كالنفط. لكن الأمريكيين يتخوفون من المستقبل ويجهدون في تأمين المنطقة، وبلسان البنود السرية للاتفاقية، فالأمريكيون بصدد التدخل في المنطقة وإخضاعها بالقوة العسكرية المباشرة إن لزم الأمر، أما تصريحات ساترفيلد بأن: بلاده تؤمن بوجوب عدم استخدام الأراضي العراقية منصة لضرب الدول المجاورة فليست من باب التصريحات المضللة أو المطمئنة بل من باب الإيحاء بأن الاتفاقية الأمنية مع العراقيين ليست سوى مقدمة لنماذج اتفاقيات مماثلة إما أنها عقدت فعلا أو أنها في الطريق للإنجاز.
ومع ذلك يبقى الجانب الأكثر إثارة يتعلق بقيامة المالكي التي قامت على الاتفاقية والرفض الشيعي لها كونها تمس السيادة وتلحق أضرارا بالغة في الأجيال القادمة! وما الذي يفسر الرفض الشيعي لمشروع الاتفاقية والتحريض الإيراني السافر عليها؟
لا شك أن السبب الرئيس يكمن، على الأرجح، في جوهر الحكم القائم في العراق وأهدافه. فهو حكم طائفي مرتبط بمشروع صفوي بالدرجة الأساس، وليس الرفض الشديد للاتفاقية إلا خشية من أن تؤدي إلى فرملة اندفاع المشروع الصفوي في المنطقة برمتها، وإلا فمن يصدق أن المالكي والطرف الشيعي تحول فجأة إلى طرف يتمتع بعراقة وطنية ونضالية وهو الذي قدم على ظهور الدبابات الأمريكية؟ واحتمى بالمشروع الأمريكي لتمرير مشروعه؟ فهل سيكون أمام الشيعة إلا القبول المحسّن بالأطروحات الأمريكية؟ وإذا ما أصر الأمريكيون على مطالبهم فهل سيعلن الشيعة في العراق عن تمرد ضد القوات الأمريكية؟
المهم في كل ما يجري هو الموقف اللامبالي للعرب تجاه الاتفاقية المقترحة، وقد يكون مفهوما هذا الموقف في سياق الضغوط أو في سياق التفاقات الموقعة أصلا مع الأمريكيين، لكن ما ليس مفهوما أبدا هو إصرار السنة على تدمير ذاتهم في حين يصر الشيعة على حماية مشروعهم ولو بالرفض. يحدث كل هذا والبعض ما زال يجادل بأن المنطقة لا تتحمل كل هذه القواعد الأمريكية. فهل ستكون النهاية كمن قال :سآوي إلى جبل يعصمني؟ لكن من سيقود السفينة؟
**********************************************
ملحق نص إعلان المبادئ والبنود السرية
إعلان مبادئ علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد\
بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية
أكد القادة العراقيون في بيانهم الصادر في 26 أغسطس / آب عام 2007 الذي أيده الرئيس بوش، أن الحكومتين العراقية والأميركية ملتزمتان بتطوير علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد بين بلدين كاملي السيادة والاستقلال ولهما مصالح مشتركة، وأكد البيان أن العلاقة بين البلدين سوف تكون لصالح الأجيال المقبلة وقد بنيت على التضحيات البطولية التي قدمها الشعبان العراقي والأميركي من أجل عراق حر ديمقراطي تعددي فيدرالي موحد.
إن العلاقة التي تتطلع إليها جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية تشمل آفاقا متعددة يأتي في مقدمتها التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية انطلاقا من المبادئ التالية:-
أولا. المجال السياسي والدبلوماسي والثقافي.
1- دعم الحكومة العراقية في حماية النظام الديمقراطي في العراق من الأخطار التي تواجهه داخليا وخارجيا.
2- احترام الدستور وصيانته باعتباره تعبيرا عن إرادة الشعب العراقي، والوقوف بحزم أمام أية محاولة لتعطيله أو تعليقه أو تجاوزه.
3- دعم جهود الحكومة العراقية في سعيها لتحقيق المصالحة الوطنية، ومن ضمنها ما جاء في بيان 26 آب 2007.
4- دعم جمهورية العراق لتعزيز مكانتها في المنظمات والمؤسسات والمحافل الدولية والإقليمية، لتلعب دورها الايجابي والبناء في محيطها الإقليمي والدولي.
5- العمل والتعاون المشترك بين دول المنطقة والذي يقوم على أساس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونبذ استخدام القوة في حل النزاعات، واعتماد لغة الحوار البناء في حل المشكلات العالقة بين مختلف دول المنطقة.
6- تشجيع الجهود السياسية الرامية إلى إيجاد علاقات ايجابية بين دول المنطقة والعالم، لخدمة الأهداف المشتركة لكل الأطراف المعنية وبما يعزز أمن المنطقة واستقرارها وازدهار شعوبها.
7 - تشجيع التبادل الثقافي والتعليمي والعلمي بين الدولتين.
ثانيا. المجال الاقتصادي:
1- دعم جمهورية العراق للنهوض في مختلف المجالات الاقتصادية وتطوير قدراتها الإنتاجية ومساعدتها في الانتقال إلى اقتصاد السوق.
2- المساعدة في دعم الأطراف المختلفة على الالتزام بتعهداتها تجاه العراق، كما وردت في العهد الدولي مع العراق.
3- الالتزام بدعم جمهورية العراق من خلال توفير المساعدات المالية والفنية لمساعدتها في بناء مؤسساتها الاقتصادية وبناها التحتية وتدريب وتطوير الكفاءات والقدرات لمختلف مؤسساتها الحيوية.
4. مساعدة جمهورية العراق على الاندماج في المؤسسات المالية والاقتصادية والإقليمية والدولية.
5- تسهيل وتشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية وخاصة الأميركية إلى العراق للمساهمة في عمليات البناء وإعادة الإعمار.
6- مساعدة جمهورية العراق على استرداد أموالها وممتلكاتها المهربة وخاصة تلك التي هربت من قبل عائلة صدام حسين وأركان نظامه، وكذلك فيما يتعلق بآثارها المهربة وتراثها الثقافي قبل وبعد 9/4/2003.
7- مساعدة جمهورية العراق على إطفاء ديونها وإلغاء تعويضات الحروب التي قام بها النظام السابق.
8- مساعدة العراق ودعمه للحصول على ظروف تجارية تشجيعية وتفضيلية تجعله من الدول الأولى بالرعاية في السوق العالمية واعتبار العراق دولة أولى بالرعاية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى مساعدته في الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية.
ثالثا. المجال الأمني:
1- تقديم تأكيدات والتزامات أمنية للحكومة العراقية بردع أي عدوان خارجي يستهدف العراق وينتهك سيادته وحرمة أراضيه أو مياهه أو أجوائه.
2- مساعدة الحكومة العراقية في مساعيها بمكافحة جميع المجموعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والصداميون وكل المجاميع الخارجة عن القانون بغض النظر عن انتماءاتها والقضاء على شبكاتها اللوجستية ومصادر تمويلها وإلحاق الهزيمة بها واجتثاثها من العراق على أن تحدد أساليب وآليات المساعدة ضمن اتفاقية التعاون المشار إليها أعلاه.
3- دعم الحكومة العراقية في تدريب وتجهيز وتسليح القوات المسلحة العراقية لتمكينها من حماية العراق وكافة أبناء شعبه واستكمال بناء منظوماتها الإدارية حسب طلب الحكومة العراقية.
تتولى الحكومة العراقية تأكيدا لحقها الثابت بقرارات مجلس الأمن الدولي طلب تمديد ولاية القوات المتعددة الجنسيات للمرة الأخيرة واعتبار موافقة مجلس الأمن على اعتبار الحالة في العراق لم تعد بعد انتهاء فترة التمديد المذكورة تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين وما ينتج عن ذلك من إنهاء تصرف مجلس الأمن بشأن الحالة في العراق وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بما يعيده إلى وضعه الدولي والقانوني السابق لصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 في آب 1990 ليعزز الاعتراف والتأكيد على السيادة الكاملة للعراق على أراضيه ومياهه وأجوائه وسيطرة العراق على قواته وإدارة شؤونه واعتبار هذه الموافقة شرطا لتمديد القوات.
اعتمادا على ما تقدم تبدأ وبأسرع وقت ممكن مفاوضات ثنائية بين الحكومتين العراقية والأميركية للتوصل قبل 31/7/2008 إلى اتفاقية بين الحكومتين تتناول نوايا التعاون والصداقة بين الدولتين المستقلتين وذاتي السيادة الكاملة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية.
أما البنود السرية في الاتفاق:-
1- يحق للقوات الأميركية بناء المعسكرات والقواعد العسكرية، وهذه المعسكرات سوف تكون مساندة للجيش العراقي، وعددها خاضع للظروف الأمنية، التي تراها الحكومة العراقية، وبمشاورة السفارة الأميركية في بغداد، والقادة الأمريكان، والميدانيين وبمشاورة وزارة الدفاع العراقية والجهات المختصة.
2- ضرورة أن تكون اتفاقية و ليس معاهدة.
3- لا يحق للحكومة العراقية ولا لدوائر القضاء العراقي محاسبة القوات الأميركية وأفرادها، ويتم توسيع الحصانة حتى للشركات الأمنية والمدنية والعسكرية والإسنادية المتعاقدة مع الجيش الأميركي.
4- صلاحيات القوات الأميركية لا تحدَّد من قبل الحكومة العراقية، ولا يحق للحكومة العراقية تحديد الحركة لهذه القوات، ولا المساحة المشغولة للمعسكرات ولا الطرق المستعملة.
5- يحق للقوات الأميركية بناء المراكز الأمنية بما فيها السجون الخاصة والتابعة للقوات الأميركية حفظا للأمن .
6- يحق للقوات الأميركية ممارسة حقها في اعتقال من يهدد الأمن والسلم دون الحاجة إلى مجوز من الحكومة العراقية و مؤسساتها .
7- للقوات الأميركية الحرية في ضرب أي دولة تهدد الأمن والسلم العالمي والإقليمي العام والعراق حكومته ودستوره، أو تستفز الإرهاب والميليشيات، ولا يمنع الانطلاق من الأراضي العراقية والاستفادة من برها ومياهها وجوها.
8- العلاقات الدولية والإقليمية والمعاهدات يجب أن تكون للحكومة الأميركية العلم والمشورة بذلك حفاظا على الأمن والدستور.
9- سيطرة القوات الأميركية على وزارة الدفاع والداخلية والاستخبارات العراقي ولمدة 10 سنوات، يتم خلال هذه المدة تأهيلها وتدريبها وإعدادها حسب ما ورد في المصادر المذكورة، وحتى السلاح ونوعيته خاضع للموافقة والمشاورة مع القوات الأميركية.
10- السقف الزمني لبقاء القوات هو طويل الأمد وغير محدد وقراره لظروف العراق ويتم إعادة النظر بين الحكومة العراقية والأميركية في الأمر، إلا أن الأمر مرهون بتحسن أداء المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية وتحسن الوضع الأمني وتحقق المصالحة والقضاء على الإرهاب وأخطار الدول المجاورة وسيطرة الدولة وإنهاء حرية وتواجد الميليشيات ووجود إجماع سياسي على خروج القوات الأميركية.