بسم الله الرحمن الرحيم
عندما ينزل البلاء بالمجاهدين لا ينبغي أن يقتصر الحديث على الانتقادات أو الرثاء كما هو شائع وملموس , وإنما يجب أن يمتد ليشمل عملية التقييم والمحاسبة والمساءلة الجادة والجريئة للنفس والمواقف والأفعال .. والنظر في جميع الأسباب التي أدت لنزول هذا البلاء لتفاديها ولكي لا تتكرر الأخطاء فيتكرر البلاء ويتكرر المصاب!
عندما تفشل جماعة من الجماعات الجهادية عن تحقيق أهدافها أو بعض أهدافها لا يجوز أن نرد ذلك الفشل إلى مبدأ الجهاد الذي شرعه الله تعالى وأمر به وإلى انتهاج طريق الجهاد كما يفعل ذلك بعض المتخاذلون الذين لا يفقهون , وإنما يجب على الجماعة حينئذٍ أن تتهم نفسها وتراجع مواقفها وسياستها وسلوكها بكل تجرد وإخلاص لتقف على الأخطاء فتتوب منها وتتفاداها وعلى الحسنات فتحمد الله عليها وتعمل على تنميتها وزيادتها
لا بد من أن نملك الجرأة الكافية لمحاسبة النفس على كل تقصير وإجراء عملية التقييم الواعية بعد كل عمل .. هذا إذا كنا جادين في المسير من أجل نصرة هذا الدين
لا بد من أن نملك الجرأة على أن نقول للمخطئ أياً كان أخطأت وللمحسن المصيب, أحسنت وأصبت وهذا من تمام النصح والعدل والإنصاف.
والقرآن الكريم قد دلنا على هذا المعنى؛ ففي موقعة أحد لم يتناول وحسب ما للشهداء من أجر وثواب .. بل تعدى ذلك ليبين أسباب الهزيمة .. والأسباب التي أدت لنزول البلاء بالمسلمين المجاهدين، ليتم اجتنابها وعدم تكرارها، فقال تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}آل عمران:165.
قال ابن كثير: قال محمد بن إسحاق، وابن جريج، والربيع بن أنس، والسدي:{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أي بسبب عصيانكم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم؛ يعني بذلك الرماة ا- هـ. فقُتل من خيرة الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ بسبب هذه المخالفة لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعون رجلاً!
وفي موقعة حنين كذلك لما أعجبتهم كثرتهم .. وغفلوا للحظات أن النصر من عند الله تعالى وحده .. لا بكثرة الجند .. فكانت النتيجة أن هُزموا في أول المعركة وولوا مدبرين إلا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وقليلاً ممن ثبت معه من خيار الصحابة، فقال تعالى:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}التوبة:25.
وقال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}الشورى:30
وفي الحديث، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب قال:" كان إذا صلى همس، فقال -صلى الله عليه وسلم- : أفطنتم لذلك؟ إني ذكرت نبياً من الأنبياء أعطي جنوداً من قومه، فقال: من يكافئ هؤلاء، أو من يقاتل هؤلاء؟ أو كلمة شبهها، فأوحى الله إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث: أن أسلط عليهم عدوهم، أو الجوع، أو الموت، فاستشار قومه في ذلك ؟ فقالوا: نكل ذلك إليك، أنت نبي الله، فقال فصلى، و كانوا إذا فزعوا، فزعوا إلى الصلاة، فقال: يا رب أما الجوع أو العدو، فلا، ولكن الموت، فسلط عليهم الموت ثلاثة أيام، فمات منهم سبعون ألفاً، فهمسي الذي ترون أني أقول : اللهم بك أقاتل، و بك أصاول، و لا حول و لا قوة إلا بالله " فتأملوا .. هذا نبي من أنبياء الله قال كلمة على وجه الإعجاب بجنده ومقاتليه قد نقول نحن في أنفسنا وإخواننا أضعافها ولا نبالي .. كانت كفارتها أن " سلط عليهم الموت ثلاثة أيام، فمات منهم سبعون ألفاً "
لذا نقول: أيما مصاب أو بلاء ينزل بساحة المجاهدين .. ينبغي أن ينفروا ـ على وجه السرعة ـ إلى أنفسهم ليحاسبوها ويتهموها .. قبل أن يتهموا أحداً غيرهم .. ولينظروا ماذا بدر منهم من تقصير وهم يدرون أو لا يدرون: هل تخلفوا عن سبب من أسباب النصر وهم يقدرون عليه ثم لم يفعلوا .. هل عصوا الله ورسوله في شيء وهم يدرون أو لا يدرون .. هل فرطوا ببعض الفرائض والواجبات .. هل تركوا سنة السواك التي كانت سبباً في تأخر نصر المسلمين في إحدى المعارك في عهد الفاروق عمر -رضي الله عنه- .. هل وقعوا بنوع إسراف في القتل بغير وجه حق .. هل وقعوا بنوع غدر وهم يدرون أو لا يدرون .. هل آذوا المسلمين في جهادهم وكانوا يستطيعون أن يتفادوا هذا النوع من الأذى ثم لم يفعلوا .. هل وسعوا دائرة المعركة والمواجهة أكثر من طاقتهم وإمكانياتهم .. هل ما أصابهم كان بسبب أنهم بدءوا بقتال الأفعى من جهة ذيلها ووسطها بدلاً من أن يُقاتلوها من جهة الرأس .. فانشغلوا بالدنيا والمصالح الحزبية والشخصية عن العدو المركزي للامه .. هل هو بسبب استخفافهم بقوة العدو وقدراته وعدم تشخيصهم الدقيق لحجم قواته ,هل بينهم عصاة أو من فيه بعض خصال وأخلاق الخوارج الغلاة وهم يدرون أو لا يدرون , هل بينهم ممن هم في شك وتردد من أحقية وشرعية مواجهة الطاغوت ونظامه وعصابته .. هل هو الاستعجال في قطف الثمار قبل نضجها وحلول أوان قطافها هل لوقوعهم بشيء من الرياء والإعجاب والغرور الذي يُنسي العبد فضل الله عليه, وبخاصة أننا نلحظ في الفترة الأخيرة انتشار الفلاشات والصور عبر مواقع الإنترنت والتي تصور المجاهدين بصور شتى قد تؤثر على الإخلاص؛ فتُبطل العمل وترفع عنهم نصر الله تعالى ومدده ,فالله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك؛ فمن عمل لله عملاً أشرك فيه غير الله فالله منه بريء، وعمله للذي أشرك فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه -سبحانه وتعالى- ومن سمَّع الناس بعمله سمَّع الله به وصغره وحقَّره كما ورد ذلك في الحديث .. وغيرها كثير من الأسئلة ينبغي أن يوجهوها لأنفسهم .. ويُحسنوا الإجابة عنها بكل جرأة وصراحة وتجرد وإخلاص عسى أن ينكشف لهم مكمن الداء وسبب نزول البلاء أو المصاب .. فيعملوا على إزالته والتخلص منه.
لا ينبغي أن نُعطل العمل بواجب النصيحة الهادفة الراشدة ـ التي يجب أن تُعطى لجميع المسلمين خاصتهم وعامتهم ـ بحجة أن المجاهدين هم أعلم من على الأرض وأنهم يَنصحون ولا يُنصحون ولا يُخطئون وأنهم لا يحتاجون إلى نصيحة الآخرين!
فالدين كله النصيحة .. فمن لا ينصح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم .. فلا دين له .. كما أن الناس كلهم في خسران {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}العصر:3.
لا يمكن أن نتعامل مع النصيحة الراشدة المخلصة أياً كان صاحبها ـ وإن خالفت أهواءنا ـ باستعلاء واستخفاف واحتقار , فالكبر الذي يمقته الله ويمقت أهله هو رد الحق واحتقار الخلق وهذا خُلق شنيع بغيض يمحق كل بركة أعيذ نفسي وإخواني من أن نتخلق به!
عندما تدنو الخطوب وينزل البلاء لا بد للعقل من أن يُعطى فرصة للكلام والنظر وأن لا يُمارَس عليه الإرهاب والتحجير كما لا بد للحكمة من أن تدلي بدلوها بكل حرية ومن دون أدنى خوف .. فإذا حُظِرَ على العقل ومُنع من الكلام ورُمي عند كل أول حديث له بالخذلان والحكمة كلما تنفست وأدلت بدلوها رُميت بالجبن والتخاذل .. فعلى المجاهدين حينئذٍ السلام!
في كثير من الأحيان يكون الرأي السديد الموفق والقرار الحكيم الجريء أنفع للمجاهد وجهاده مما يحمله من عتاد وسلاح!
الحماس مطلوب لكن الزائد منه يضر كذلك الأناة والروية ودراسة مضاعفات كل حدث مطلوبة .. لكن الزائد منها يضر ويُشل العمل ويوقفه!
كثير من الحركات الجهادية المعاصرة أوتيت من جهة الحماسة الزائدة وممارسة الإرهاب الفكري على العقل وعلى كل صوت يُعاكس تلك الحماسة فهذا لا يجوز
لأنه في كثير من الأحيان تؤدي الحماسه الزائدة عن الحد والتسرع إلى الخسران والندامة لكن بعد فوات الأوان , وحين لا ينفع الندم وها نحن نمر بأوقات صعبة تحتاج حقا إلى أن يراجع كلا منا نفسه و يسألها هذا السؤال :هل حقاً لا تبتغي سوى مرضات الله ؟
فإن أجابت بنعم فأخلص النية لله وجدد العهد مع الله وتب إليه وتوكل عليه
الهم أصلح نياتنا وقائدنا وسدد خطانا واجمع رأينا على كلمة الحق يا الله
تعليق