شهيد الإسلام/ سيد قطب في سطور
أ. خالد سيف الدين
قبل أن نقلّب صفحات كتاب "معالم في الطريق" ونطوف بين موضوعاته، وقبل أن نسترشد بأفكاره وأطروحاته الإسلامية "النيّرة"، كان لزاما علينا أن نعرض طرفا من حياة المؤلف. لذلك أضع بين أيديكم هذه اللمحات المهمة والسريعة في حياة سيد قطب ـ رحمه الله تعالى رضي عنه ـ.
بياناته الأولية:
الاسم/ سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي. وهو ذو أصول هندية، لأن جده السادس "الفقير عبد الله" كان هنديا.
مكان وتاريخ الميلاد/ ولد بقرية "موشة"، بمحافظة أسيوط، في تاريخ 9/10/1906م.
الحالة الاجتماعية/ عاش سيد قطب حياته (أعزبا)، ولم يتزوج قَط.
أخوته/ نفيسة، أمينة، محمد، حميدة.
سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخ 3/11/1948م، وعاد إلى منها بتاريخ 20/8/1950. وكان لهذه السفرة أثر كبير في تغيير مجرى حياة قطب (الدينية، السياسية، الفكرية، الاجتماعية).
حياته السياسية:
بدأ سيد قطب حياته السياسية مع حزب "الوفد"، والذي رغّبه في هذا الحزب؛ خاله "أحمد" الذي كان وفديا، ـ وقت إقامة قطب في القاهرة ـ. وقد استمر في حزب الوفد لمدة (17) عاما.
انتظم سيد قطب في جماعة الإخوان المسلمين سنة 1953م.
اعتقالاته:
الاعتقال الأول لسيد قطب كان في تاريخ 15/1/1954م، واستمر لمدة (3) شهور.
الاعتقال الثاني بعد حادثة "المنشية" في تاريخ 26/10/1954م، وقد وجهت له تهمة محاولة اغتيال رأس الفساد في مصر الطاغية "جمال عبد الناصر".
قُدِّم سيد قطب للمحاكمة سنة 1955م، وحكم عليه بالسجن (15) عاما، إلا أنه لم يتم مدة الحكم، وأفرج عنه بعفو صحي عام 1964م بسبب تردي حالته الصحية، حيث كان يعاني من (ذبحة صدرية).
أعيد اعتقال سيد قطب، في تاريخ 9/8/1965م.
بدأ التحقيق مع سيد قطب في السجن الحربي بتاريخ 19/12/1965م، واستمر التحقيق لمدة (3) أيام متواصلة.
بدأت محاكمة سيد قطب في تاريخ 12/4/1966م.
صدر حكم الإعدام بحق سيد قطب في تاريخ 21/8/1966م، ومعه الأخوان: (محمد يوسف الهواش، عبد الفتاح إسماعيل)، والذي أصدر حكم الإعدام بحقهم: (محمد فؤاد الدجوي).
أعدم سيد قطب بتاريخ 29/8/1966م، عن عمر يناهز (59) عاما، و(10) أشهر، (20) يوما. قضاها في خدمة الإسلام والمسلمين.
إنتاجه الأدبي والفكري:
تتلمذ سيد قطب أدبيا على يد "عباس محمود العقاد".
رحل سيد قطب عن دنيانا وقد ألّف (29) كتابا في الأدب والنقد والفكر الإسلامي. ومن أهم هذه مؤلفاته ـ رحمه الله تعالى ـ:
*مهمة الشاعر في الحياة/ ألفه عام (1933م)، وكان حينها سيد قطب طالبا في السنة الثالثة ـ كلية دار العلوم، وهو عبارة عن محاضرة في النقد الأدبي.
*التصوير الفني في القرآن (1945م).
*مشاهد القيامة في القرآن (1947م).
*العدالة الاجتماعية في الإسلام (1947م).
*معركة الإسلام والرأسمالية (1951م).
*السلام العالمي والإسلام (1951م).
*دراسات إسلامية (1952م)، وهو عبارة عن مجموعة مقالات كتبها سيد قطب في عدد من الجرائد والمجلات.
*في ظلال القرآن (1952م).
الجهر بكلمة "الحق" في نظر سيد قطب:
"إن أصحاب الأقلام يستطيعون أن يصنعوا شيئا كثيرا، ولكن بشرط واحد: أن يموتوا هم لتعيش أفكارهم. أن يطعموا أفكارهم من لحومهم ودمائهم، أن يقولوا ما يعتقدون أنه حق، ويقدموا دمائهم فداء لكلمة الحق.
إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثا هامدة؛ حتى إذا متنا في سبيلها وغذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء".
رأي سيد قطب في الثورة الجماهيرية:
"إن دور الإسلام في الكفاح الشعبي دور إيجابي دائما، والشعب يكافح اليوم من أجل غايتين جليلتين (التحرر المطلق) من كل استعمار أجنبي، و(العدالة الاجتماعية) من كل استغلال. ورأي الإسلام واضح!!".
رأي سيد قطب في الحركات الإسلامية:
"بينما الحركات الإسلامية تشغل نفسها في أحيان كثيرة بالاستغراق في الحركات السياسية المحدودة المحلية، كما أنها تشغل نفسها بمطالبة الحكومات بتطبيق النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية، بينما المجتمعات ذاتها بمجملها قد بعدت عن فهم مدلول العقيدة.
لابد أن تبدأ الحركة الإسلامية من "القاعدة"، وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه المفهومات الصحيحة تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية...".
رأي سيد قطب في إقامة منظمة التحرير الفلسطينية:
"إن منظمة التحرير الفلسطينية، هي المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية، وإن العرب أنشأوا المنظمة ليس لأجل تحرير فلسطين من اليهود ـ كما يبدو في الظاهر ـ، ولكن لمفاوضة اليهود ومهادنتهم، وإجراء الحل السلمي معهم والتوقيع على وثيقة صلح مع اليهود والتنازل لهم عن معظم الأراضي الفلسطينية".
إن سيد قطب قال هذه الكلمات ولازالت المنظمة في مرحلة الميلاد ولم تتضح معالمها بعد، وهذا يبين بعد الأفق لدى الرجل، ونظرته الثاقبة وقدرته التحليلية ووضع الأمور في نصابها الحقيقي.
رأي سيد قطب في الحكومات وموقفها من الحركات الإسلامية:
"... الطواغيت لا يرضيهم أن يكون للإيمان في الأرض وجود مُمَثل في جماعة مسلمة من الناس لا تدين للطاغوت. إن وجود جماعة مسلمة في الأرض لا تدين إلا لله ولا تعترف بسلطان إلا سلطانه، ولا تحكّم في حياتها شرعا إلا شرعه، ولا تتبع في حياتها نهجا إلا نهجه.
إن وجود جماعة كهذه يهدد سلطة الطواغيت، حتى لو انعزلت هذه الجماعة في نفسها وتركت الطواغيت لحكم الله حين يأتي موعده... إن وجود الحق في ذاته يزعج الباطل، وهذا الوجود ذاته هو الذي يفرض عليه المعركة مع الباطل.. إنها سنة الله لابد أن تجري".
منهج سيد قطب للحركة الإسلامية:
1. وجوب البدء مع الشباب المسلم والناس الآخرين، بالعقيدة وبيان معنى الإيمان والإسلام والعبودية والتحاكم إلى الله تعالى.
2. تربية الشباب المسلم الفاهم لدينه على الأسس السابقة، إلى جانب الأخلاق وتوعيتهم بما يجري في المعسكرات المحلية والخارجية المعادية.
3. عدم البدء بتنظيم الأفراد إلا بعد وصولهم إلى درجة عالية من فهم العقيدة والأخلاق والسلوك والوعي بكل ما يجري ويحدث.
4. نقطة البدء في الحركة الإسلامية ليست في المطالبة بإقامة النظام الإسلامي، وإنما بنقل المجتمعات إلى الإسلام وفق النقاط السابقة، لتطالب بنظام إسلامي.
5. لا يكون الوصول إلى نظام إسلامي عن طريق الانقلاب في الحكم يجيء من أعلى، ولكن عن طريق تغيير تصورات المجتمع وقيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام بحيث يعلم أفراده أن تطبيق الإسلام فريضة لابد منها.
استعلاء سيد قطب على الضغوط التي مورست عليه:
سأله أحد إخوانه: لماذا كنت صريحا كل الصراحة في المحكم التي تملك رقبتك؟
فأجاب: لأن التورية لا تجوز في العقيدة، وليس للقائد أن يأخذ بالرخص.
قال له أحد أصحابه: "إنك لست غنيا ولا فتيا، فأنت رجل تدلف إلى الكهولة، وأنت لا تستند إلى حزب أو هيئة، تنفق عليك إذا انقطع رزقك، أو تنفق على أهلك إذا انقطع عنهم عونك".
فرد عليه سيد قطب: يا أخي إنني أدرك هذه المخاوف كلها، أبصر بهذه المخاطر جميعها.
لما اتهمه زميله أنه بعمله هذا يريد الموت، فقال: أريد أن أحيا، أريد أن أحيا حياة طويلة، فأنا لم أشبع من هذه الحياة، وأنا لم أتم إلا القليل من الواجبات التي أرجو أن أوفق إلى النهوض بها... وأنا في النهاية لا أنسى أنني رجل ذو أعباء وأن الموت والحياة "غيب" من غيب الله، فلا يجوز أن يكون في حساب أحد يريد لأن يؤدي واجبا، أو يغير منكر...".
لما سمع حكم الإعدام، قال: الحمد لله، لقد عملت خمسة عشر عاما لنيل الشهادة.
عندما طلب من سيد قطب الاعتذار مقابل إطلاق سراحه، قال: لن أعتذر عن العمل مع الله.
لما طلب منه كتابة كلمات يسترحم عبد الناصر، قال: إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا يُقِر به حكم طاغية. وقال لهم: لماذا أسترحم؟ إن سجنت حقا فأنا أقبل حكم الحق، وإن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل.
كلمات أعجبتني لسيد قطب:
يقول سيد قطب في كلمات الإهداء في كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام):
"إلى الفتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين، يردون هذا الدين جديدا كما بدأ، يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون ويقتلون مؤمنين في قرارة أنفسهم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
إلى أولئك الفتية الذين لا اشك لحظة أن روح الإسلام القوية ستبعثهم من ماضي الأجيال إلى مقبل الأجيال في يوم قريب.. جِد قريب".
يـــــا شهــــيدا رفــــــع الــلـــــه بـــــــــــــه *** جبهـــــــــة الحق على طول المدى
ســـــــــــوف تبقي في الحنايا علما *** حـــــاديا للركـــــــب رمزا للفدى
ما نسينا أنت قد علمتنـــــا *** بسمة المؤمن في وجه الردى
غالك الحقد بليل حالك *** كنت فيد البدر يهدى للهدى
نسى الفجـــــار نشوتهـــم أن *** نـــــــور الحــــق لا لن يخمــــــــدا
رحم الله شهيد الإسلام والمفكر الإسلامي الكبير ومنظر الفكر الإسلامي الثوري/ سيد قطب
وأسكنه فسيح جناته،،،
وأسكنه فسيح جناته،،،
تعليق