التعصب الحزبي آفة العمل الإسلامي
أ. خالد سيف الدين
ما المقصود بالتعصب؟:
قبل الخوض في تفاصيل الموضوع لابد من الوقوف على مفهوم التعصب وتعريفه.
فالتعصب هو: "اتجاه سلبي ضد أعضاء الجماعة الخارجية، بسبب عضويتهم وانتماؤهم لهذه الجماعة".
تعريف آخر: "هو حكم خاطئ غير عادل تجاه جماعة معينة، أو حكم مسبق واتجاه سلبي ضد أفراد ينتمون لجماعة خارجية". من خلال ما سبق نتوصل إلى أن التعصب يخلق شخصية غير سوية (مَرَضية)، ويعيق عملية النمو النفسي والاجتماعي بشكل سليم للشخص المتعصب.
أهم النتائج المترتبة على ظاهرة التعصب:
1. النزعة الشديدة لتصنيف الناس بشكل مفرط.
2. زيادة المسافة الاجتماعية، حيث يؤدي إلى التباعد بين الناس والتشاحن والتباغض والصراع.
3. ينظر المتعصب إلى جماعته على اعتبار أنها الأرقى والأفضل والأحسن والأكمل، أما الجماعات الأخرى فهي أقل شأنا ومكانة وقدرا، وهم أعداء ـ إن لم تصل إلى حد العمالة والتخوين ـ.
4. قيام المتعصب بسلوك لا أخلاقي ضد الجماعات الأخرى.
5. المبالغة في إسقاط الصفات الرديئة والمشينة على الجماعة الأخرى.
والتعصب للحزب؛ أو لزعيم الحزب يعد من أخطر الآفات التي تعاني منها الحركات عموما والحركات الإسلامية خصوصا.
فالتعصب الحزبي هو سلوك مَرَضي خطير ناتج عن انحراف وخطأ في التنشئة الاجتماعية والسياسية التي يخضع لها الأفراد في مؤسسات التنظيم المختلفة، والممارسات السلوكية التي يأتيها مع المحيط الاجتماعي، والأفكار والمعقدات التي يعتنقها الفرد ويؤمن بها.
نحن لا ندعو الأفراد إلى الابتعاد عن الانتماءات السياسية، والانضمام والالتحاق بالجماعات الإسلامية أو غيرها. لكن الأصل في إتباع جماعة ما، ما هو وسيلة لإقامة شرع الله في الأرض، والانتصار لسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، والمساهمة في إعادة قيام وبناء دولة الخلافة الإسلامية. لا أن يكون الأفراد أسرى وعبيد للحركات التي ينتمون لها، ولقيادات هذه الحركات ـ الذين هم في الأصل عباد أمثالهم ـ، وفي هذه الحالة قد يقع الفرد في شِبَاك "الشرك الخفي" من حيث لا يدري، فحينما يؤله الفرد حركته، أو زعيم الحركة، والإيمان بكل ما يقوله والقبول به دون مناقشة على اعتبار أنه مسلمات لا تقبل النقاش، وإن كانت تتعارض مع سنن الفطرة، وقواعد وأحكام الشرع. في هذه الحالة يكون الحزب مُقَدَّم على تشريعات الله تعالى من حيث أنها مصدر التشريعات والأمر والنهي.
والتعصب الحزبي يؤدي إلى تمزق نسيج المجتمع الإسلامي، وفتور ـ إن لم يكن انقطاع ـ في العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وغياب الكثير من القيم والأخلاقيات الاجتماعية الحسنة، مثل: (التكافل، المحبة، الإيثار، التعاون... إلخ)، وتحل محلها قيم (الحقد، الكراهية، البغضاء، الشحناء... إلخ)، وليس أدل على صحة ما نقول ما يمر فيه المجتمع الفلسطيني الآن، بسبب التعصب الحزبي الأعمى المشين الذي تربى عليه كل من أبناء حركتي (فتح وحماس)، وما ترتب على هذا التعصب الحزبي من تفتيت لبنية المجتمع الفلسطيني، وتهديد لأواصر الترابط داخل الأسرة الفلسطينية الواحدة، ناهيك عن مشاعر الحقد الدفين والكره الأعمى لكل من هم ليسوا من جماعته.
ومما يجدر ذكره في هذا المقام، أن التعصب الحزبي على النقيض تماما من الإسلام والإيمان.
فالمسلم أولا وقبل كل شيء ينتمي إلى أمة الإسلام، يقول الله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}.
وقد حذرنا الإسلام من التعصب الحزبي والقبلي والعشائري، فقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان}.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "دعوها [العصبية] فإنها منتنة".
إن التعصب الحزبي ضد وحدة الأمة وتماسكها، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم حثنا في كثير من الأحاديث للحفاظ على وحدة وسلامة المجتمع الإسلامي، فقال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى". وقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا". وقوله: "لا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا".
الجماعات التقليدية المحافظة:
هناك بعض الجماعات التقليدية المحافظة، تتعامل مع الظاهر دون الجوهر والمضمون، وتتمسك بحرفية وجمود النص، مع غياب عنصر الإبداع والاجتهاد في تفسير النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بشكل يتماشى وروح العصر. خذ على سبيل المثال: أن تفسيرات عبد الله بن عباس أو عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، أو تفسير ابن كثير، والقرطبي وغيرهما من المفسرين "الأجلاء" الأوائل لبعض آيات القرآن الكريم لا يتماشى مع واقع الأمة المعاصر، فهي في مجملها تسرد أحداث تاريخية، واجتهدوا باجتهادات تتماشى مع عصرهم، لا تتماشى مع عصرنا الآن؛ بسبب النقلة النوعية في مجال العلم والتكنولوجيا والاتصال والعلوم الإنسانية والتطبيقية عموما. فما الذي يمنع المفسرون الجدد وأهل العلم في عصرنا من الاجتهاد والإبداع في تفسير نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف بشكل يتماشى وواقع الأمة المعاصر؟!
وحتى لا يفهم كلامنا على غير والجهة التي نريد، أن الاجتهاد يكون في الفروع لا في الأصول والثابت من الدين، أي لا اجتهاد ـ على سبيل المثال ـ في أحكام المواريث وشرب الخمور والمسكرات والصلوات والزكوات. فهذه فيها نصوص واضحة لا اجتهاد فيها.
وأفضل التفاسير المعاصرة التي يمكن الرجوع إليها، والاستفادة منها في حياتنا اليومية: (في ظلال القرآن لشهيد الإسلام/ سيد قطب، وتفسير الشيخ/ محمد راتب النابلسي) الذي تبثه العديد من الإذاعات المحلية.
هذه التفسيرات لم تعتمد على سرد الأحداث التاريخية فقط، أو تذكر نصوص جامدة، بل تعتمد على ربط القرآن بالواقع، تربط النص القرآني بآخر التطور العلمي والطبي، وما توصلت له العلوم الإنسانية والاجتماعية، كما أنها تبين وتوضح الإعجاز العلمي في القرآن.
الجماعات التكفيرية:
بدأنا نلمس في السنوات الأخيرة على الساحة الإسلامية عموما، بما فيها الساحة الفلسطينية، خروج جيل جديد من الشباب "المتأسلم"، الذي يلم بقشور الدين وفهم سطحي لنصوص الكتاب والسنة، أصبح جل همه تكفير المسلمين وإخراجهم من الملة دون وازع أو ضابط أو رادع ديني، وذلك بإتباع أسلوب متطرف ـ متشدد، وفهم مغلوط لنصوص القرآن والحديث.
والغريب في الأمر أن الذين يطلقون فتاوى التكفير هم من غير المؤهلين للفتوى ومن غير المتخصصين في علوم الشرع. وفي ذلك مخالفة لقول الله تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وقوله: "ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذئ". ومن أخطر الأمور التجرؤ على الفتوى، وتوزيع الحل والحرام هنا وهناك بالمجان، أين هؤلاء من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار".
أين هؤلاء من الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ حينما جاءه رجل من بلاد بعيدة، وسأله في عدة مسائل، فكان جواب الإمام على أكثرها (لا أعرف)! فقال الرجل: جئتك من بلاد بعيدة لتقول لي لا أعرف؟! فرد عليه الإمام: اذهب وقل للناس سألت مالك فأجابني (لا أعرف)!!. وأين هؤلاء من قول ابن عباس رضي الله عنه: "من قال لا أدري فقد أفتى".
خلاصة القول: التعصب الحزبي والجماعات التكفيرية وجهان لعملة واحدة، وهما من آفات الحركة الإسلامية المعاصرة، حيث أنه فقدت الكثير من معايير العمل الإسلامي الحركي. لذلك لابد من وقفة جادة لإعادة تقييم مسيرة عمل الحركة الإسلامية. تتمسك بما هو صالح وإيجابي، وتبتعد وتصحح كل ما هو خاطئ وسلبي.
تعليق