تويت
كابوس سيّء في إسرائيل!
د. عادل محمد عايش الأسطل
يفضّل أكثر القادة في إسرائيل وعلى رأسهم رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" الاستعانة بأنواع مختلفة من العقاقير المهدّئة في هذه الفترة، باعتبارها من المرّات القليلة والنادرة التي يصابون فيها بالانتكاس والخذلان، من جراء الموقفين الأمريكي والأوروبي حيال الأزمة الكيماوية السورية. حيث لم يستطع أحدهم بلوغ الهدف المنشود الذي طالما دأبوا على تحريكه والتصعيد -عالي الدرجة- في كل الاتجاهات وعلى كل المستويات السياسية والأمنية، وهو مقاتلة الأسد داخل بيته وترويعه إلى الأبد، أمام الحياة الإسرائيلية واليهودية المنتظرة، سيما وأن لديها جملة مكدّسة من المبررات والحجج بعضها فوق بعض، وعلى رأسها استعمال السلاح الكيميائي في تحدٍّ شديدِ الوضوح للتحذيرات الأمريكية والأوروبية والدولية والإسرائيلية على نحوٍ خاص، بأن مثل هذا الاستعمال خط أحمر، ويترتب عليه نتائج وخيمة.
لقد اعتبر هؤلاء بداية الأمر، أن استقرار رأي الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" على تأجيل عقاب النظام السوري على استعمال السلاح الكيميائي ضد مئات المدنيين، ثم تولّيه بظهره عن نيّة ذلك العقاب المحتمل، أيّاً كانت الدواعي والتبريرات، وتحت أيّة اتفاقات، هو أحد درجات الجبن المتقدّمة التي اعتلته من رأسه إلى أسفل قدميه، والتي من شأنها –في نظرهم- أن تولّد انعكاسات قوية على جملة الولايات المتحدة سياسياً وأمنياً ومعنوياً وسواءً الآن أو فيما بعد. إذ أنها لن يكون في وسعها في هذه الحالة، استرداد عافيتها التي اعتادتها طيلة العقود الفائتة، في وقتٍ قريب، إذا لم يكن من غير الممكن وإلى الأبد.
كما أنحت باللائمة المشددة على الدول الأوروبية بصورةٍ عامة، واعتبرتها تزهو في كامل نفاقها ومهانتها لها. وخاصةً تلك التي كانت طوال الوقت تتعلق بالخطاف الأمريكي وتقتات من الخيرات الأمريكية بشكلً مباشرٍ أو بمساعدتها للوصول إلى تلك الخيرات، مثل بريطانيا وألمانيا وغيرهما، فهي الآن لا تحاول التملّص من السيطرة والإذعان الأمريكيين وحسب، بل تسعى جاهدةً في كبح جماح نفسها بشأن دعم سياساتها حول العالم أو سياسة إسرائيل في المناطق، والوقوف بظهرها طوال الوقت ضد مصالحها تجاه العرب والمسلمين بوجهٍ عام، حيث أصبحت تلك الدول محل اتهام مشترك أمريكي- إسرائيلي، بسبب أنها ليس لأول مرة، لم تكف عن انتقاد سلوك الولايات المتحدة وإسرائيل باتجاه العملية السلمية والممارسات الإسرائيلية في المناطق، في مقابل دعم أجزاءً من القضايا العربية وخاصة في شأن القضية الفلسطينية، لاسيما الدعم السياسي داخل أروقة الأمم المتحدة، أو الدور المناهض للممارسات الإسرائيلية المركّبة والعنيفة على الأرض.
رأى الجميع كيف أشاح الأوروبيون بوجوههم عن الولايات المتحدة وبشكلٍ لم يكن متوقعاً للكثيرين من أن يحدث وبهذه السرعة والشدّة والوضوح، ابتعاداً عن مهمّة الدخول في معركة غير محسوبة الجدوى ولا مأمونة العواقب، بعد أن قيّد البرلمان البريطاني يدي رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" إلى وراء ظهره، ومعارضة "أنغيلا ميركيل" علانيةً للإقدام على المشاركة في تنفيذ السيناريو الأمريكي، وانتظرت دول أوروبية أخرى أن تلطخ أمريكا يديها في الحرب لوحدها. باعتبارها باتت لها سياساتها المستقلة أكثر من ذي قبل، ولم تعد تطيق معظم مخرجات السياسات الأمريكية إن لم يكن بالكل، حيث كانت انعكاساتها تضر بصميم مصالح تلك الدول وعلى المدي الطويل، بالرغم من أنها لا تُخفي مدى امتعاضها لاستعمال السلاح الكيميائي. ولا تقلل من فداحة الحدث.
صحيح، لم يشعر قادة إسرائيل إلى حد الألم الزائد عن الحد، بالضربة المزدوجة الأمريكية- الأوروبية، ضد طموحاتها العدوانية ضد سوريا، بعد أن سعوا جهدهم وأسرفوا كثيراً في تحريض الكل الدولي، بدءاً من الدول الرسمية ومروراً بالهيئات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، وانتهاءً بتجنيد المنظمات اليهودية في أنحاء العالم وعلى رأسها (الإيباك) الرابضة على مفاصل الإدارة الأمريكية، باتجاه الضغط على أصحاب القرار، وذهبت مساعيهم هدراً. وهم الآن عاجزين عن فعل شيء وباتوا يعكفون على البحث عن الطريقة المثلى في ابتلاعها والتعامل معها، لكنهم في ذات الوقت انتابهم الشعور الأكثر سوءاً، وعلى نحوٍ أكثر إيلاماً، بأن القادم هو أعظم وأشد خطراً، والذي سيهبط عليها كرزمة واحدة نتيجة العفو الأمريكي عن النظام السوري، وهو التمرّد الإيراني الذي مثّل كابوساً ثقيلاً منذ الماضي وإلى هذه اللحظة، وهم في تساءل الآن، فيما إذا سيتم التسامح الدولي- الأمريكي- مع السلاح النووي الإيراني الذي يستهدف إسرائيل في مصيرها بالدرجة الأولى. سيما وأن إيران لم تُقدم على استعماله، ولم يتضح بعد فيما إذا كانت حاصلةً عليه، بعد رؤيتها تتسامح بدون عذر مع النظام السوري وقد أقدم بالفعل ومن غير اكتراث- كما يُشاع-على قتل المئات من المدنيين السوريين. على أن من يفعل ذلك في حق شعبه لا يضيره أن يفعل أضعافاً في حق الشعوب الأخرى.
لقد اعتقدوا في إسرائيل بأن هجوماً أمريكياً في سوريا سيؤكد أهمية الولايات المتحدة في المنطقة ويوجه رسالة حازمة لإيران ولمحافل متطرفة أخرى في المنطقة كحزب الله ومنظمة حماس وإن كان على نحوٍ أقل. ولكن الذي يثبت لديهم بأن إيران تنفّست الصعداء وهرولت إلى الماء البارد لتضع يديها بسلامٍ إلى مدّةٍ أطول، وقد فهمت أن الولايات المتحدة لن تعمل عسكرياً كي توقف برنامجها النووي، بل وليس بمقدورها أن تُقدم على فعل ذلك حتى الفراغ من صنع القنبلة النووية، وبالتالي سيصعد نجم تنظيم حزب الله إلى عنان السماء بعد أن شارف على الأفول منذ الفترة القليلة الماضية، الذي يسعده لأغراض سياسية وسيادية الدفع بالواقع الأمني في المنطقة الى التدهور.
وما يزيد الأمر سوءاً لدى القادة في إسرائيل هو استنتاجهم - من وجهة نظرهم- أن العالم قد تغيّر والحلول البراغماتية هي السائدة، التي ليس من المستبعد تطبيقها في الشأن الإيراني. وهو الأمر الذي يرفضونه ويؤكّدون من ناحيةٍ أخرى خشيتهم من أن تبقى دولتهم وحيدةً في مواجهة الكابوس الإيراني، دون أحد وحتى دون أن تكون هناك استعدادات أمريكية متوفرة بشأن إيجاد مظلة سياسية لها في المحافل الدولية، إذا ما أقدمت على شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية.
استعمال السلاح الكيميائي–مع الاعتراض والتنديد-، كشف لإسرائيل بالذّات، كم كانت التحذيرات الأمريكية والغربية، خيالية وليست حقيقية وغير جادة، والتلويحات بالحرب كانت مجرد كلمات شفهية وغير قائمة، ولم تتعدّ حكاية الثعلب الذي كان يحتال في كل يوم بأن يصعد إلى الحمامة في رأس النخلة لتلقي أحد فراخها ليأكله، ولما علم بانكشاف حيلته لديها، عاد على أثره خائباً. ومع هذه الحالة، ربما يتعيّن على إسرائيل أن تتماشى مع السياسات الغربية والأمريكية، وإن كانت كما تظن أنها في غير صالحها، أو أن تُبقى على مواصلتها الاستعانة بالمهدئات والمنوّمات إلى أجلٍ غير مسمّى. ولها الخيار.
خانيونس/فلسطين
12/9/2013
د. عادل محمد عايش الأسطل
يفضّل أكثر القادة في إسرائيل وعلى رأسهم رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" الاستعانة بأنواع مختلفة من العقاقير المهدّئة في هذه الفترة، باعتبارها من المرّات القليلة والنادرة التي يصابون فيها بالانتكاس والخذلان، من جراء الموقفين الأمريكي والأوروبي حيال الأزمة الكيماوية السورية. حيث لم يستطع أحدهم بلوغ الهدف المنشود الذي طالما دأبوا على تحريكه والتصعيد -عالي الدرجة- في كل الاتجاهات وعلى كل المستويات السياسية والأمنية، وهو مقاتلة الأسد داخل بيته وترويعه إلى الأبد، أمام الحياة الإسرائيلية واليهودية المنتظرة، سيما وأن لديها جملة مكدّسة من المبررات والحجج بعضها فوق بعض، وعلى رأسها استعمال السلاح الكيميائي في تحدٍّ شديدِ الوضوح للتحذيرات الأمريكية والأوروبية والدولية والإسرائيلية على نحوٍ خاص، بأن مثل هذا الاستعمال خط أحمر، ويترتب عليه نتائج وخيمة.
لقد اعتبر هؤلاء بداية الأمر، أن استقرار رأي الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" على تأجيل عقاب النظام السوري على استعمال السلاح الكيميائي ضد مئات المدنيين، ثم تولّيه بظهره عن نيّة ذلك العقاب المحتمل، أيّاً كانت الدواعي والتبريرات، وتحت أيّة اتفاقات، هو أحد درجات الجبن المتقدّمة التي اعتلته من رأسه إلى أسفل قدميه، والتي من شأنها –في نظرهم- أن تولّد انعكاسات قوية على جملة الولايات المتحدة سياسياً وأمنياً ومعنوياً وسواءً الآن أو فيما بعد. إذ أنها لن يكون في وسعها في هذه الحالة، استرداد عافيتها التي اعتادتها طيلة العقود الفائتة، في وقتٍ قريب، إذا لم يكن من غير الممكن وإلى الأبد.
كما أنحت باللائمة المشددة على الدول الأوروبية بصورةٍ عامة، واعتبرتها تزهو في كامل نفاقها ومهانتها لها. وخاصةً تلك التي كانت طوال الوقت تتعلق بالخطاف الأمريكي وتقتات من الخيرات الأمريكية بشكلً مباشرٍ أو بمساعدتها للوصول إلى تلك الخيرات، مثل بريطانيا وألمانيا وغيرهما، فهي الآن لا تحاول التملّص من السيطرة والإذعان الأمريكيين وحسب، بل تسعى جاهدةً في كبح جماح نفسها بشأن دعم سياساتها حول العالم أو سياسة إسرائيل في المناطق، والوقوف بظهرها طوال الوقت ضد مصالحها تجاه العرب والمسلمين بوجهٍ عام، حيث أصبحت تلك الدول محل اتهام مشترك أمريكي- إسرائيلي، بسبب أنها ليس لأول مرة، لم تكف عن انتقاد سلوك الولايات المتحدة وإسرائيل باتجاه العملية السلمية والممارسات الإسرائيلية في المناطق، في مقابل دعم أجزاءً من القضايا العربية وخاصة في شأن القضية الفلسطينية، لاسيما الدعم السياسي داخل أروقة الأمم المتحدة، أو الدور المناهض للممارسات الإسرائيلية المركّبة والعنيفة على الأرض.
رأى الجميع كيف أشاح الأوروبيون بوجوههم عن الولايات المتحدة وبشكلٍ لم يكن متوقعاً للكثيرين من أن يحدث وبهذه السرعة والشدّة والوضوح، ابتعاداً عن مهمّة الدخول في معركة غير محسوبة الجدوى ولا مأمونة العواقب، بعد أن قيّد البرلمان البريطاني يدي رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" إلى وراء ظهره، ومعارضة "أنغيلا ميركيل" علانيةً للإقدام على المشاركة في تنفيذ السيناريو الأمريكي، وانتظرت دول أوروبية أخرى أن تلطخ أمريكا يديها في الحرب لوحدها. باعتبارها باتت لها سياساتها المستقلة أكثر من ذي قبل، ولم تعد تطيق معظم مخرجات السياسات الأمريكية إن لم يكن بالكل، حيث كانت انعكاساتها تضر بصميم مصالح تلك الدول وعلى المدي الطويل، بالرغم من أنها لا تُخفي مدى امتعاضها لاستعمال السلاح الكيميائي. ولا تقلل من فداحة الحدث.
صحيح، لم يشعر قادة إسرائيل إلى حد الألم الزائد عن الحد، بالضربة المزدوجة الأمريكية- الأوروبية، ضد طموحاتها العدوانية ضد سوريا، بعد أن سعوا جهدهم وأسرفوا كثيراً في تحريض الكل الدولي، بدءاً من الدول الرسمية ومروراً بالهيئات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، وانتهاءً بتجنيد المنظمات اليهودية في أنحاء العالم وعلى رأسها (الإيباك) الرابضة على مفاصل الإدارة الأمريكية، باتجاه الضغط على أصحاب القرار، وذهبت مساعيهم هدراً. وهم الآن عاجزين عن فعل شيء وباتوا يعكفون على البحث عن الطريقة المثلى في ابتلاعها والتعامل معها، لكنهم في ذات الوقت انتابهم الشعور الأكثر سوءاً، وعلى نحوٍ أكثر إيلاماً، بأن القادم هو أعظم وأشد خطراً، والذي سيهبط عليها كرزمة واحدة نتيجة العفو الأمريكي عن النظام السوري، وهو التمرّد الإيراني الذي مثّل كابوساً ثقيلاً منذ الماضي وإلى هذه اللحظة، وهم في تساءل الآن، فيما إذا سيتم التسامح الدولي- الأمريكي- مع السلاح النووي الإيراني الذي يستهدف إسرائيل في مصيرها بالدرجة الأولى. سيما وأن إيران لم تُقدم على استعماله، ولم يتضح بعد فيما إذا كانت حاصلةً عليه، بعد رؤيتها تتسامح بدون عذر مع النظام السوري وقد أقدم بالفعل ومن غير اكتراث- كما يُشاع-على قتل المئات من المدنيين السوريين. على أن من يفعل ذلك في حق شعبه لا يضيره أن يفعل أضعافاً في حق الشعوب الأخرى.
لقد اعتقدوا في إسرائيل بأن هجوماً أمريكياً في سوريا سيؤكد أهمية الولايات المتحدة في المنطقة ويوجه رسالة حازمة لإيران ولمحافل متطرفة أخرى في المنطقة كحزب الله ومنظمة حماس وإن كان على نحوٍ أقل. ولكن الذي يثبت لديهم بأن إيران تنفّست الصعداء وهرولت إلى الماء البارد لتضع يديها بسلامٍ إلى مدّةٍ أطول، وقد فهمت أن الولايات المتحدة لن تعمل عسكرياً كي توقف برنامجها النووي، بل وليس بمقدورها أن تُقدم على فعل ذلك حتى الفراغ من صنع القنبلة النووية، وبالتالي سيصعد نجم تنظيم حزب الله إلى عنان السماء بعد أن شارف على الأفول منذ الفترة القليلة الماضية، الذي يسعده لأغراض سياسية وسيادية الدفع بالواقع الأمني في المنطقة الى التدهور.
وما يزيد الأمر سوءاً لدى القادة في إسرائيل هو استنتاجهم - من وجهة نظرهم- أن العالم قد تغيّر والحلول البراغماتية هي السائدة، التي ليس من المستبعد تطبيقها في الشأن الإيراني. وهو الأمر الذي يرفضونه ويؤكّدون من ناحيةٍ أخرى خشيتهم من أن تبقى دولتهم وحيدةً في مواجهة الكابوس الإيراني، دون أحد وحتى دون أن تكون هناك استعدادات أمريكية متوفرة بشأن إيجاد مظلة سياسية لها في المحافل الدولية، إذا ما أقدمت على شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية.
استعمال السلاح الكيميائي–مع الاعتراض والتنديد-، كشف لإسرائيل بالذّات، كم كانت التحذيرات الأمريكية والغربية، خيالية وليست حقيقية وغير جادة، والتلويحات بالحرب كانت مجرد كلمات شفهية وغير قائمة، ولم تتعدّ حكاية الثعلب الذي كان يحتال في كل يوم بأن يصعد إلى الحمامة في رأس النخلة لتلقي أحد فراخها ليأكله، ولما علم بانكشاف حيلته لديها، عاد على أثره خائباً. ومع هذه الحالة، ربما يتعيّن على إسرائيل أن تتماشى مع السياسات الغربية والأمريكية، وإن كانت كما تظن أنها في غير صالحها، أو أن تُبقى على مواصلتها الاستعانة بالمهدئات والمنوّمات إلى أجلٍ غير مسمّى. ولها الخيار.
خانيونس/فلسطين
12/9/2013