يمرّ قرار الرئيس الأميركي ببدء الهجوم على سوريا بمخاض صعب، يشبه حالة عودة الوعي والانتباه المفاجئ لما يمكن أن يترتب على هجوم كهذا والقلق مما قد يحمله اليوم التالي
محمد إبراهيم
برلين - القيادة العسكرية في واشنطن وضعت مجموعة من الخيارات والأهداف المحتملة أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلا أنّ واقع الحال يقول إنّ الخيارين الوحيدين المتاحين أمامه هما ضربة محدودة لبعض الأهداف بغض النظر عن عددها، أو الدخول في حرب شاملة، وهو الأمر الذي لا يريده الرئيس الأميركي في أي حال من الأحوال.
وقد أعلنت الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية مراراً أن الهدف من العملية ليس إطاحة الرئيس بشار الأسد، وإنما معاقبته على استخدامه السلاح الكيميائي.
ويتخوف الرئيس الأميركي من أن يؤدي الخيار الأول إلى الانجرار إلى الخيار الثاني في حال قررت سوريا الرد على الهجمات ودحرجة كرة النار لتشعل المنطقة، وفقاً لتعبير الخارجية الروسية والإيرانية على حد سواء. خاصة بعد أن باءت المحاولات الأميركية لجس النبض الإيراني بالفشل، وعدم تمكّن جيفري فيلتمان من الحصول على جواب شاف من الجانب الإيراني حول الخطوط الحمراء، التي تضعها طهران ودمشق على العملية، والسقف الذي يمكن أن تبلغه دون أن تجد دمشق وطهران أن الرد بات الزامياً.
وتأخذ الإدارة الأميركية وشركاؤها الأوروبيون مجموعة من الاحتمالات على محمل الجد، فقرار فتح المعركة قد يكون ملك من يتخذه، ولكن ما سيلي ذلك قد يخرج عن السيطرة، وعن هذه الاحتمالات قال الخبير في المعهد الألماني للدراسات الاستراتيجية، يوزيف هولتمان، لـ«الأخبار» إنّ الغرب يتساءل ماذا لو شعر الرئيس السوري بشار الأسد بأنه يخوض آخر فصول معركة البقاء، فهو استمر في الحكم حتى الآن معتمداً على قوة الجيش وتماسكه، وما يحققه حالياً من تقدم في وجه المعارضة المسلحة، فإذا تعرض هذا الجيش لضربات قاصمة تضعفه، فسيفقد الأسد السيطرة وسينهار حكمه بالتأكيد، ولذا فقد يتخذ قراراً شمشونياً بقصف أهداف داخل إسرائيل، بهدف إشعال المنطقة وقلب الطاولة واستمالة الشارع العربي، خاصة إذا استتبع ذلك رداً إسرائيلياً مباشراً يحول الأمر وكأنه تحالف غربي إسرائيلي لمهاجمة دمشق. وهذا يذكّر بما فعله صدام حسين عام 1991، وامتنعت حينه إسرائيل عن الرد. إذ إنّ الخسائر آنذاك كانت لا تذكر، ولكن ما الذي سيحدث إذا وقعت خسائر كبيرة في إسرائيل وخرجت الأمور عن السيطرة. والذي ينظر إلى الوضع في سوريا يرى أنّه لم يعد لدى الأسد ما يخشى عليه، فالبلاد مدمرة أصلاً، وتدمير بعض الأبنية الإضافية ليس بالكارثة.
وربطاً بملف أمن إسرائيل، تشعر أوروبا وخاصة ألمانيا بالقلق مما سيفعله حزب الله في هذه الحالة، وهو الذي أثبت أن لديه مخزوناً كبيراً من القوة النارية، كشف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله مراراً عن أنّ هذه القوة الصاروخية تطال كافة الأراضي الإسرائيلية.
وأشار هولتمان إلى أنّ القلق الأكبر هو من الموقف الإيراني الذي صعّد اللهجة في الأيام الأخيرة، فماذا لو شعرت إيران بأنها ستكون الهدف الثاني بعد دمشق، وشعرت أيضاً بأنّ الضربة ستطيح حليفها الوحيد في المنطقة، أو اشتعلت الجبهة بين حزب الله وإسرائيل، فهل ستلجأ إيران لنجدة حلفائها وتخوض معركة استباقية عوضاً عن الانتظار. فإذا حدث ذلك فهذا يعني أن منطقة الخليج برمتها ومصادر النفط فيها ومضيق هرمز ستصبح في أتون العاصفة. واعترف هولتمان بأنّ هذا السيناريو قد يكون احتمالاً ضعيفاً، ولكنه أحد الاحتمالات الموضوعة على الطاولة، وليس هناك من يضمن عدم حصوله.
وأضاف أنّ هناك معضلة أخرى تواجه الغرب، وهي أنّه في حربه ضد دمشق سيكون في جبهة واحدة مع تنظيم القاعدة أو ما يسمى بجبهة النصرة، والتي يعتبرها منظمة إرهابية، ولكن على أرض الواقع فإن فصائل تنظيم القاعدة بتسمياتها المتعددة، هي التنظيمات الأكثر تسليحاً وتنظيماً في المعارضة السورية، وهي التي تسيطر فعلياً على الأرض، ولذا فإن أي تراجع للنظام وإضعاف للجيش السوري ستستفيد منه هذه الفصائل مما سيزيد الوضع الداخلي في سوريا تعقيداً، وسيؤدي إلى حالة أكبر من الفوضى والقتل والتدمير. وذكر هولتمان أنّ لواشنطن تجربة سابقة مع هذه المجموعات الجهادية، فقد ساعدتهم في حربهم ضد الجيش السوفياتي في أفغانستان ثم انقلبوا ضدها بعد ذلك، وهي تتخوف من تكرار التجربة الآن.
وتتفق أقوال هولتمان مع تحذيرات وزير الداخلية الألماني هانس بيتر فريدريش من عودة مقاتلين إسلاميين من سوريا إلى ألمانيا، والذي أعلن أن أكثر من 120 مقاتلاً إسلامياً من ألمانيا وأكثر من ألف من باقي الدول الأوروبية قد يعودون إلى أوروبا مع ما يعنيه ذلك من تهديد ضخم للأمن في دول الاتحاد. أما رئيس نقابة الشرطة الألمانية، راينر فندت، فقد أعلن أن الفلسفة التي تحرك الجماعات الإسلامية غير قابلة للفهم حسب رأيه، فهذه الجماعات قد ترى في الهجوم الغربي على سوريا اعتداء على بلاد إسلامية مما قد يدفعهم للقيام بردود إرهابية، متخوفاً من أن تطال الأراضي الألمانية، لأن هؤلاء لا يميزون بين دولة أوروبية وأخرى بل يضعونها جميعها تحت مسمى الغرب، حسب قوله.
من جهة أخرى، تواجه كلّ من واشنطن ولندن صعوبات داخلية تحول دون التسرع في اتخاذ قرار، فمن جهة ترفض غالبية المواطنين في البلدين الدخول في حرب جديدة، ومن جهة أخرى هناك معارضة سياسية داخلية لقرار من هذا النوع. ففي واشنطن كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن حين كان مرشحاً للرئاسة أنّه لن يتخذ قراراً بالحرب إذا لم تكن بلاده مهددة فعلاً، ولكنه خالف هذه القاعدة حين شارك في الهجوم على ليبيا عام 2011، وربما بحثاً عن مبرر قانوني وحشداً لدعم الكونغرس، تحدث الناطق باسم الرئيس جاي كارني عن أن عدم الرد على استخدام السلاح الكيميائي يشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وسيكون على مساعدي الرئيس شرح هذه النظرية أمام أعضاء الكونغرس، للحصول على غطاء قانوني على الصعيد الداخلي.
ومهما يكن من أمر، فإن هامش الحركة أمام الرئيس الأميركي بدأ يضيق وفقاً لتحليلات خبراء ألمان، إذ إن كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة يقتضي أن يكون موجوداً في البلاد لحظة اتخاذ قرار بالحرب أو بشن ضربة عسكرية، ولذا فهو قد يكون مضطراً لاتخاذ القرار قبل الثالث من سبتمبر/ أيلول المقبل، موعد زيارته المقررة إلى السويد والتي ستليها مشاركته في قمة العشرين في بطرسبورغ الروسية في الخامس والسادس من الشهر المقبل، أو سيؤجل ذلك إلى ما بعد قمة العشرين. أو أن يصدر القرار قبل سفره ويحاول في قمة العشرين لملمة الأوضاع والاتفاق مع الجانب الروسي على عقد مؤتمر «جنيف 2» بشروط جديدة.
أما في لندن فتبدو مهمة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أكثر تعقيداً بعد إعلان رئيس حزب العمال المعارض، إد ميليباند، أن حزبه سيصوّت ضد المشروع الذي قدمته الحكومة لمجلس العموم، وذلك على الرغم من أن كاميرون اضطر لإجراء تعديلات على مشروع القرار تشترط انتظار صدور نتائج لجنة التحقيق الدولية، والتصويت مجدداً بعد صدور نتائج التحقيق. ولكن المعارضة لم تكتف بذلك وتطالبه بالكشف عن الأدلة التي يمتلكها حول مسؤولية النظام لسوري عن الهجوم الكيميائي، وتذكر بما حدث عام 2003 حين زجّ بالجيش البريطاني في حرب ضد العراق بناء على أدلة مفبركة ثبت زيفها في ما بعد.
وفي ألمانيا تنفّست المستشارة انجيلا ميركل الصعداء بعد تراجع حدة التلويح بالحرب، فهي أكدت مراراً أنّ الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً. فالمستشارة كانت ترفض المشاركة في توجيه ضربة لسوريا دون تفويض أممي تعلم مسبقاً أنه لن يحصل، وذلك خوفاً من أن ينعكس سلباً على التصويت لحزبها في الانتخابات التشريعية نهاية الشهر المقبل. فهي لم تنس أن المستشار الألماني السابق غرهارد شرودر، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فاز في الانتخابات عام 2002 بسبب رفضه المشاركة في الحرب على العراق. ولكنها، في نفس الوقت، لم تنس بعد حالة العزلة التي مرت بها ألمانيا داخل أوروبا بسبب موقفها الرافض للهجوم على ليبيا عام 2011 ، ولذا فإن عدم توجيه ضربة لسوريا يجعلها في حل من الاختيار بين قرارين أحلاهما مر.
«أين تقع دمشق؟» سؤال طرحه موقع Us Vs Th3m الإلكتروني منذ أيام مواكبة للتصعيد البريطاني الرسمي بشأن التدخل العسكري في سوريا. ومن بين حوالى ألف شخص ممن أجابوا عن السؤال، تفاوتت الإجابات بين من وضع دمشق في العراق، وآخرون في إيران وفي تركيا، والبعض الآخر قال إنها تقع في الصحراء الكبرى، ومنهم من اقترح أنها إحدى دول البلقان. شخصان من المجيبين قالا إن دمشق تقع في سيبيريا، وأحدهم قال إنها في تكساس. لكن اللافت في نتائج الإجابات ما كشفه أحد المسؤولين عن الموقع، روب مانويل، لصحيفة «ذي إندبندنت» أمس. مانويل شرح أن 19 شخصاً من المجيبين عن سؤال «أين تقع دمشق؟» كانوا من داخل البرلمان البريطاني. وأضاف «18 منهم كانت إجاباتهم قريبة من الواقع، لكن شخصاً من المجيبين من داخل البرلمان حدّد موقع دمشق في غرب منغوليا». «آمل أن لا يكون هذا الشخص في موقع عسكري حساس»، علّق مانويل.
(الأخبار)
محمد إبراهيم
برلين - القيادة العسكرية في واشنطن وضعت مجموعة من الخيارات والأهداف المحتملة أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلا أنّ واقع الحال يقول إنّ الخيارين الوحيدين المتاحين أمامه هما ضربة محدودة لبعض الأهداف بغض النظر عن عددها، أو الدخول في حرب شاملة، وهو الأمر الذي لا يريده الرئيس الأميركي في أي حال من الأحوال.
وقد أعلنت الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية مراراً أن الهدف من العملية ليس إطاحة الرئيس بشار الأسد، وإنما معاقبته على استخدامه السلاح الكيميائي.
ويتخوف الرئيس الأميركي من أن يؤدي الخيار الأول إلى الانجرار إلى الخيار الثاني في حال قررت سوريا الرد على الهجمات ودحرجة كرة النار لتشعل المنطقة، وفقاً لتعبير الخارجية الروسية والإيرانية على حد سواء. خاصة بعد أن باءت المحاولات الأميركية لجس النبض الإيراني بالفشل، وعدم تمكّن جيفري فيلتمان من الحصول على جواب شاف من الجانب الإيراني حول الخطوط الحمراء، التي تضعها طهران ودمشق على العملية، والسقف الذي يمكن أن تبلغه دون أن تجد دمشق وطهران أن الرد بات الزامياً.
وتأخذ الإدارة الأميركية وشركاؤها الأوروبيون مجموعة من الاحتمالات على محمل الجد، فقرار فتح المعركة قد يكون ملك من يتخذه، ولكن ما سيلي ذلك قد يخرج عن السيطرة، وعن هذه الاحتمالات قال الخبير في المعهد الألماني للدراسات الاستراتيجية، يوزيف هولتمان، لـ«الأخبار» إنّ الغرب يتساءل ماذا لو شعر الرئيس السوري بشار الأسد بأنه يخوض آخر فصول معركة البقاء، فهو استمر في الحكم حتى الآن معتمداً على قوة الجيش وتماسكه، وما يحققه حالياً من تقدم في وجه المعارضة المسلحة، فإذا تعرض هذا الجيش لضربات قاصمة تضعفه، فسيفقد الأسد السيطرة وسينهار حكمه بالتأكيد، ولذا فقد يتخذ قراراً شمشونياً بقصف أهداف داخل إسرائيل، بهدف إشعال المنطقة وقلب الطاولة واستمالة الشارع العربي، خاصة إذا استتبع ذلك رداً إسرائيلياً مباشراً يحول الأمر وكأنه تحالف غربي إسرائيلي لمهاجمة دمشق. وهذا يذكّر بما فعله صدام حسين عام 1991، وامتنعت حينه إسرائيل عن الرد. إذ إنّ الخسائر آنذاك كانت لا تذكر، ولكن ما الذي سيحدث إذا وقعت خسائر كبيرة في إسرائيل وخرجت الأمور عن السيطرة. والذي ينظر إلى الوضع في سوريا يرى أنّه لم يعد لدى الأسد ما يخشى عليه، فالبلاد مدمرة أصلاً، وتدمير بعض الأبنية الإضافية ليس بالكارثة.
وربطاً بملف أمن إسرائيل، تشعر أوروبا وخاصة ألمانيا بالقلق مما سيفعله حزب الله في هذه الحالة، وهو الذي أثبت أن لديه مخزوناً كبيراً من القوة النارية، كشف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله مراراً عن أنّ هذه القوة الصاروخية تطال كافة الأراضي الإسرائيلية.
وأشار هولتمان إلى أنّ القلق الأكبر هو من الموقف الإيراني الذي صعّد اللهجة في الأيام الأخيرة، فماذا لو شعرت إيران بأنها ستكون الهدف الثاني بعد دمشق، وشعرت أيضاً بأنّ الضربة ستطيح حليفها الوحيد في المنطقة، أو اشتعلت الجبهة بين حزب الله وإسرائيل، فهل ستلجأ إيران لنجدة حلفائها وتخوض معركة استباقية عوضاً عن الانتظار. فإذا حدث ذلك فهذا يعني أن منطقة الخليج برمتها ومصادر النفط فيها ومضيق هرمز ستصبح في أتون العاصفة. واعترف هولتمان بأنّ هذا السيناريو قد يكون احتمالاً ضعيفاً، ولكنه أحد الاحتمالات الموضوعة على الطاولة، وليس هناك من يضمن عدم حصوله.
وأضاف أنّ هناك معضلة أخرى تواجه الغرب، وهي أنّه في حربه ضد دمشق سيكون في جبهة واحدة مع تنظيم القاعدة أو ما يسمى بجبهة النصرة، والتي يعتبرها منظمة إرهابية، ولكن على أرض الواقع فإن فصائل تنظيم القاعدة بتسمياتها المتعددة، هي التنظيمات الأكثر تسليحاً وتنظيماً في المعارضة السورية، وهي التي تسيطر فعلياً على الأرض، ولذا فإن أي تراجع للنظام وإضعاف للجيش السوري ستستفيد منه هذه الفصائل مما سيزيد الوضع الداخلي في سوريا تعقيداً، وسيؤدي إلى حالة أكبر من الفوضى والقتل والتدمير. وذكر هولتمان أنّ لواشنطن تجربة سابقة مع هذه المجموعات الجهادية، فقد ساعدتهم في حربهم ضد الجيش السوفياتي في أفغانستان ثم انقلبوا ضدها بعد ذلك، وهي تتخوف من تكرار التجربة الآن.
وتتفق أقوال هولتمان مع تحذيرات وزير الداخلية الألماني هانس بيتر فريدريش من عودة مقاتلين إسلاميين من سوريا إلى ألمانيا، والذي أعلن أن أكثر من 120 مقاتلاً إسلامياً من ألمانيا وأكثر من ألف من باقي الدول الأوروبية قد يعودون إلى أوروبا مع ما يعنيه ذلك من تهديد ضخم للأمن في دول الاتحاد. أما رئيس نقابة الشرطة الألمانية، راينر فندت، فقد أعلن أن الفلسفة التي تحرك الجماعات الإسلامية غير قابلة للفهم حسب رأيه، فهذه الجماعات قد ترى في الهجوم الغربي على سوريا اعتداء على بلاد إسلامية مما قد يدفعهم للقيام بردود إرهابية، متخوفاً من أن تطال الأراضي الألمانية، لأن هؤلاء لا يميزون بين دولة أوروبية وأخرى بل يضعونها جميعها تحت مسمى الغرب، حسب قوله.
من جهة أخرى، تواجه كلّ من واشنطن ولندن صعوبات داخلية تحول دون التسرع في اتخاذ قرار، فمن جهة ترفض غالبية المواطنين في البلدين الدخول في حرب جديدة، ومن جهة أخرى هناك معارضة سياسية داخلية لقرار من هذا النوع. ففي واشنطن كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن حين كان مرشحاً للرئاسة أنّه لن يتخذ قراراً بالحرب إذا لم تكن بلاده مهددة فعلاً، ولكنه خالف هذه القاعدة حين شارك في الهجوم على ليبيا عام 2011، وربما بحثاً عن مبرر قانوني وحشداً لدعم الكونغرس، تحدث الناطق باسم الرئيس جاي كارني عن أن عدم الرد على استخدام السلاح الكيميائي يشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وسيكون على مساعدي الرئيس شرح هذه النظرية أمام أعضاء الكونغرس، للحصول على غطاء قانوني على الصعيد الداخلي.
ومهما يكن من أمر، فإن هامش الحركة أمام الرئيس الأميركي بدأ يضيق وفقاً لتحليلات خبراء ألمان، إذ إن كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة يقتضي أن يكون موجوداً في البلاد لحظة اتخاذ قرار بالحرب أو بشن ضربة عسكرية، ولذا فهو قد يكون مضطراً لاتخاذ القرار قبل الثالث من سبتمبر/ أيلول المقبل، موعد زيارته المقررة إلى السويد والتي ستليها مشاركته في قمة العشرين في بطرسبورغ الروسية في الخامس والسادس من الشهر المقبل، أو سيؤجل ذلك إلى ما بعد قمة العشرين. أو أن يصدر القرار قبل سفره ويحاول في قمة العشرين لملمة الأوضاع والاتفاق مع الجانب الروسي على عقد مؤتمر «جنيف 2» بشروط جديدة.
أما في لندن فتبدو مهمة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أكثر تعقيداً بعد إعلان رئيس حزب العمال المعارض، إد ميليباند، أن حزبه سيصوّت ضد المشروع الذي قدمته الحكومة لمجلس العموم، وذلك على الرغم من أن كاميرون اضطر لإجراء تعديلات على مشروع القرار تشترط انتظار صدور نتائج لجنة التحقيق الدولية، والتصويت مجدداً بعد صدور نتائج التحقيق. ولكن المعارضة لم تكتف بذلك وتطالبه بالكشف عن الأدلة التي يمتلكها حول مسؤولية النظام لسوري عن الهجوم الكيميائي، وتذكر بما حدث عام 2003 حين زجّ بالجيش البريطاني في حرب ضد العراق بناء على أدلة مفبركة ثبت زيفها في ما بعد.
وفي ألمانيا تنفّست المستشارة انجيلا ميركل الصعداء بعد تراجع حدة التلويح بالحرب، فهي أكدت مراراً أنّ الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً. فالمستشارة كانت ترفض المشاركة في توجيه ضربة لسوريا دون تفويض أممي تعلم مسبقاً أنه لن يحصل، وذلك خوفاً من أن ينعكس سلباً على التصويت لحزبها في الانتخابات التشريعية نهاية الشهر المقبل. فهي لم تنس أن المستشار الألماني السابق غرهارد شرودر، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فاز في الانتخابات عام 2002 بسبب رفضه المشاركة في الحرب على العراق. ولكنها، في نفس الوقت، لم تنس بعد حالة العزلة التي مرت بها ألمانيا داخل أوروبا بسبب موقفها الرافض للهجوم على ليبيا عام 2011 ، ولذا فإن عدم توجيه ضربة لسوريا يجعلها في حل من الاختيار بين قرارين أحلاهما مر.
بريطانيا: دمشق تقع غرب منغوليا!
«أين تقع دمشق؟» سؤال طرحه موقع Us Vs Th3m الإلكتروني منذ أيام مواكبة للتصعيد البريطاني الرسمي بشأن التدخل العسكري في سوريا. ومن بين حوالى ألف شخص ممن أجابوا عن السؤال، تفاوتت الإجابات بين من وضع دمشق في العراق، وآخرون في إيران وفي تركيا، والبعض الآخر قال إنها تقع في الصحراء الكبرى، ومنهم من اقترح أنها إحدى دول البلقان. شخصان من المجيبين قالا إن دمشق تقع في سيبيريا، وأحدهم قال إنها في تكساس. لكن اللافت في نتائج الإجابات ما كشفه أحد المسؤولين عن الموقع، روب مانويل، لصحيفة «ذي إندبندنت» أمس. مانويل شرح أن 19 شخصاً من المجيبين عن سؤال «أين تقع دمشق؟» كانوا من داخل البرلمان البريطاني. وأضاف «18 منهم كانت إجاباتهم قريبة من الواقع، لكن شخصاً من المجيبين من داخل البرلمان حدّد موقع دمشق في غرب منغوليا». «آمل أن لا يكون هذا الشخص في موقع عسكري حساس»، علّق مانويل.
(الأخبار)