الأسد والنقر على الضرس الإسرائيلي الأسود!
د. عادل محمد عايش الأسطل
كلما مر الزمن، وطال انسداد الأفق التفاوضي بشأن العملية السياسية مع الفلسطينيين، ونسيان الالتزامات المقطوعة من قِبل إسرائيل، التي بُذلت أثناء المعارك التفاوضية على مدى عقدين فائتين، اتضحت الصورة أـكثر، وهي أن المعركة الضارية التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" مع نفسه بشأن الملف السوري، قد أطاحت بتلك العملية وكل ما يتعلق بها، فهي لا تشغله الآن وإن كانت المنبهات الإقليمية والدولية لا زالت تواصل الرنين بنغمات عالية ومختلفة ولم يستيقظ بعد. حتى أن الملف الإيراني الذي شكّل كابوساً غير تقليدي للسيد "نتانياهو" طيلة العقد الماضي على الأقل، وجعله في كل مناسبة في صلب أجندته وأولويات أعماله وأقواله، لم يحفل لديه بذات قيمة في هذه اللحظات، بسبب أنها تضاءلت أزمته الآن، وباتت بحالة أقرب إلى القزمية بالنسبة إلى الأزمة السورية باعتبارها أحداثها تدور على أعتاب البيت الإسرائيلي، إن لم تكن دلفت إلى داخله بالفعل. باعتبار أنه لا يتمكن من سماع دوي أجهزة الطرد المركزي في مناطق إبران، ولكن بوسعه مشاهدة قطع صواريخ (ss-300) الروسية المتطورة، تتحرك داخل سوريا نتيجة رغبة سورية وعناد روسي متوافقين.
لقد كان "نتانياهو" طيلة سنوات ماضية حليفاً صامتاً للرئيس السوري "بشار الأسد". وفي الوقت الذي اهتز فيه نظام حكمه بصورة غير متوقعة، من خلال اشتراك جهات قتالية غير سورية، حفظ ظهر الأسد في دمشق. وامتنع عن حركات عسكرية رادعة بادئ الأمر، وعن تأييدٍ ظاهرٍ للمعارضة السورية، واكتفى بكلام عامٍ وفضفاض وبتوجيه الانتقادات للعمليات العسكرية المتبادلة بينهما، ليتطور تدريجياً إلى الحديث وبتخوف عن تسرب السلاح الكيميائي والصواريخ إلى جماعات مناهضة، أو أن يلجأ "الأسد" إليها لتغيير قواعد اللعبة ضد إسرائيل، ومن هنا بدأت المشكلة لدى "نتانياهو" وزادت في ضوء عدم الرغبة الأمريكية والأوروبية في التدخل مباشرةً لإنهاء الأزمة، خاصةً في ضوء عدم ضمان نجاح سيناريوهاتها لصالح أحد أطراف المعارضة التي تهابها واشنطن بشدة، ومن ناحيةٍ أخرى تعمّد الجانب الروسي عرقلة المساعي الغربية في هذا الشأن.
كان اهتمام "نتانياهو" بالمسألة السورية أكثر، وأخذها على عاتقه، نظراً لأن تبادل الابتسامات في القدس المحتلة، بينه وبين الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" خلال زيارته لإسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، لم تُخفِ اختلافاً في وجهة النظر الخاصة بكلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل، لا سيما في ظل ارتباك الرؤيا لدى "نتانياهو" فيما إذا كان بقاء "الأسد" أفضل أم سوريا الجديدة؟ ففي المؤتمر الصحفي المشترك هاجم "أوباما" بكلمات قاسية "الأسد" وأكّد على ضرورة إنهاء نظامه وعليه أن يرحل، لكن "نتانياهو" الذي طالما أيّد فكرة نهاية (نظام الأسد) منذ اللحظة الأولى للأحداث، إلاّ أنه اكتفى بذكر عمليات القتل الجارية واشنئزازه منها، دون أن يقول كلمة واحدة عن تغيير سياسي في دمشق.
يسهل على الجميع تفهم الحالة المتناقضة التي تلف "نتانياهو" والتي تدفعه في هذه الأثناء لتغيير موقفه في كل لحظة، حتى بدا في هذه اللحظات مضطراً للهرب، ليس إلى الجنبين الأيمن أو الأيسر أو إلى الخلف تبعاً لوقائع الماضي وأحداث الحاضر، وحتى الساعات الأولى من يونيو/حزيران 2013، بل إلى الأمام (الدامي)، بفعل رؤيته الضعيفة وغير الصائبة للأمور بجملتها، سواء السياسية أو العسكرية والاقتصادية أيضاً. يساعده في كسله هذا وعدم انشغاله بالمطلق، هو حركة لسانه اللولبية التي لا يفتر من خلالها بشأن توزيع المخدّر الأمريكي على مجموع الطبقات الإسرائيلية بأنه المنقذ الرئيسي لإسرائيل، سواء كان بالنسبة لقنبلة إيران النووية، أو المشكلة الفلسطينية وما يتعلق بها، أو بالنسبة لتجديد وتحسين علاقاتها المتسخة مع العديد من دول العالم. ومن ناحية ثانية، يؤكّد على وجود حقيقة هي في الأساس تفصل عن الواقع المضطرب، والبعيد كل البعد عن الهدوء والاستقرار، وهي – بزعمه- أن هناك في الأفق شرق أوسط جديد وآمن.
ما جعل "نتانياهو" يهرول ناحية طبول الحرب والاستعداد لدقّها، هو ليس بشأن ورود أنباء عن قرب استخدام الأسلحة الكيميائية، ليس من قبل الأسد الذي أكد على عدم لجوئه إليها حتى ضد إسرائيل، بل من قِبل مجموعات تعتبرها إسرائيل معادية، كما أن ليس بالضبط للصواريخ الروسية(ss-300)، ذات الأهمية الكبرى، بالرغم من أن إسرائيل وكما يُظهر التاريخ بأنها تدفع ثمناً باهظاً لمنظومات الأسلحة التي تجلبها للحفاظ على أمنها، وهي الآن بصدد دفع فاتورة إضافية تتمثل في إعادة عملية التفوق العسكري، في أعقاب الخلل في التوازن العسكري في المنطقة بسبب فاعلية الصواريخ الروسية، التي ستشكل تهديداً حقيقياً، ليس من السهل تلافيه كما كان في الماضي. بل الذي كان له الأثر المضاعف في هذا الاتجاه. وجعل "نتانياهو" يأمر بتوزيع الكمامات والاستعداد للحرب، هو نيّة "الأسد" تحويل البوصلة ناحية إسرائيل من خلال السماح لجهات مقاتلة فلسطينية وعربية بفتح جبهة الجولان – وهي الضرس المؤلمة بالنسبة لإسرائيل- أمام شن عمليات ضدها، بمعنى إشعال الحرب بصورة أعم وأشمل، وتجددت تلك النيّة مرةً أخرى خلال إعلان "الأسد" عبر (قناة المنار) التابعة لتنظيم حزب الله اللبناني- المشارك في العمليات القتالية الدائرة إلى جانب قوات النظام- عن أن هناك ضغوطاً شعبية واضحة لفتح جبهة الجولان للمقاومة. وأشار إلى أن هناك رغبة جامحة، وحماساً زائداً لدى المقاتلين العرب لأجل محاربة إسرائيل. وأكّد على ضرورة إيجاد استراتيجية ضدها من دون مزيد من التفاصيل. علاوةً على وعيده بالرد بقوة في حال قامت إسرائيل ووجهت ضربة أخرى ضد بلاده.
جملة الارتباكات والتناقضات والمواقف المتطورة للأطراف الإقليمية والدولية، هي بمثابة معطيات تشير إلى أن هناك حرباً تلوح في الأفق، في حال بقيت الأوضاع في تصاعد مستمر، قد تكون كليّة أو جزئية، وإن من السهل التكهّن بها وضمان تغيير الواقع، ليس السوري وحسب، بل واقع المنطقة بشكلٍ عام، ومن ثمّ الانتقال من بيئة معلومة إلى بيئة أخرى مجهولة، لكن من الصعب التنبؤ بنتائجها سواء على المستوى السوري الذي يُحتمل أن يسوء أو يتحسن، أو المستوى الإسرائيلي الذي هو إلى السوء أقرب، بل ويمكن أن يتعدّى ذلك، وتكون إسرائيل بقيادة "نتانياهو" كالشاة الهوجاء التي كشفت بنفسها عن السكين.
خانيونس/فلسطين
1/6/2013
د. عادل محمد عايش الأسطل
كلما مر الزمن، وطال انسداد الأفق التفاوضي بشأن العملية السياسية مع الفلسطينيين، ونسيان الالتزامات المقطوعة من قِبل إسرائيل، التي بُذلت أثناء المعارك التفاوضية على مدى عقدين فائتين، اتضحت الصورة أـكثر، وهي أن المعركة الضارية التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" مع نفسه بشأن الملف السوري، قد أطاحت بتلك العملية وكل ما يتعلق بها، فهي لا تشغله الآن وإن كانت المنبهات الإقليمية والدولية لا زالت تواصل الرنين بنغمات عالية ومختلفة ولم يستيقظ بعد. حتى أن الملف الإيراني الذي شكّل كابوساً غير تقليدي للسيد "نتانياهو" طيلة العقد الماضي على الأقل، وجعله في كل مناسبة في صلب أجندته وأولويات أعماله وأقواله، لم يحفل لديه بذات قيمة في هذه اللحظات، بسبب أنها تضاءلت أزمته الآن، وباتت بحالة أقرب إلى القزمية بالنسبة إلى الأزمة السورية باعتبارها أحداثها تدور على أعتاب البيت الإسرائيلي، إن لم تكن دلفت إلى داخله بالفعل. باعتبار أنه لا يتمكن من سماع دوي أجهزة الطرد المركزي في مناطق إبران، ولكن بوسعه مشاهدة قطع صواريخ (ss-300) الروسية المتطورة، تتحرك داخل سوريا نتيجة رغبة سورية وعناد روسي متوافقين.
لقد كان "نتانياهو" طيلة سنوات ماضية حليفاً صامتاً للرئيس السوري "بشار الأسد". وفي الوقت الذي اهتز فيه نظام حكمه بصورة غير متوقعة، من خلال اشتراك جهات قتالية غير سورية، حفظ ظهر الأسد في دمشق. وامتنع عن حركات عسكرية رادعة بادئ الأمر، وعن تأييدٍ ظاهرٍ للمعارضة السورية، واكتفى بكلام عامٍ وفضفاض وبتوجيه الانتقادات للعمليات العسكرية المتبادلة بينهما، ليتطور تدريجياً إلى الحديث وبتخوف عن تسرب السلاح الكيميائي والصواريخ إلى جماعات مناهضة، أو أن يلجأ "الأسد" إليها لتغيير قواعد اللعبة ضد إسرائيل، ومن هنا بدأت المشكلة لدى "نتانياهو" وزادت في ضوء عدم الرغبة الأمريكية والأوروبية في التدخل مباشرةً لإنهاء الأزمة، خاصةً في ضوء عدم ضمان نجاح سيناريوهاتها لصالح أحد أطراف المعارضة التي تهابها واشنطن بشدة، ومن ناحيةٍ أخرى تعمّد الجانب الروسي عرقلة المساعي الغربية في هذا الشأن.
كان اهتمام "نتانياهو" بالمسألة السورية أكثر، وأخذها على عاتقه، نظراً لأن تبادل الابتسامات في القدس المحتلة، بينه وبين الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" خلال زيارته لإسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، لم تُخفِ اختلافاً في وجهة النظر الخاصة بكلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل، لا سيما في ظل ارتباك الرؤيا لدى "نتانياهو" فيما إذا كان بقاء "الأسد" أفضل أم سوريا الجديدة؟ ففي المؤتمر الصحفي المشترك هاجم "أوباما" بكلمات قاسية "الأسد" وأكّد على ضرورة إنهاء نظامه وعليه أن يرحل، لكن "نتانياهو" الذي طالما أيّد فكرة نهاية (نظام الأسد) منذ اللحظة الأولى للأحداث، إلاّ أنه اكتفى بذكر عمليات القتل الجارية واشنئزازه منها، دون أن يقول كلمة واحدة عن تغيير سياسي في دمشق.
يسهل على الجميع تفهم الحالة المتناقضة التي تلف "نتانياهو" والتي تدفعه في هذه الأثناء لتغيير موقفه في كل لحظة، حتى بدا في هذه اللحظات مضطراً للهرب، ليس إلى الجنبين الأيمن أو الأيسر أو إلى الخلف تبعاً لوقائع الماضي وأحداث الحاضر، وحتى الساعات الأولى من يونيو/حزيران 2013، بل إلى الأمام (الدامي)، بفعل رؤيته الضعيفة وغير الصائبة للأمور بجملتها، سواء السياسية أو العسكرية والاقتصادية أيضاً. يساعده في كسله هذا وعدم انشغاله بالمطلق، هو حركة لسانه اللولبية التي لا يفتر من خلالها بشأن توزيع المخدّر الأمريكي على مجموع الطبقات الإسرائيلية بأنه المنقذ الرئيسي لإسرائيل، سواء كان بالنسبة لقنبلة إيران النووية، أو المشكلة الفلسطينية وما يتعلق بها، أو بالنسبة لتجديد وتحسين علاقاتها المتسخة مع العديد من دول العالم. ومن ناحية ثانية، يؤكّد على وجود حقيقة هي في الأساس تفصل عن الواقع المضطرب، والبعيد كل البعد عن الهدوء والاستقرار، وهي – بزعمه- أن هناك في الأفق شرق أوسط جديد وآمن.
ما جعل "نتانياهو" يهرول ناحية طبول الحرب والاستعداد لدقّها، هو ليس بشأن ورود أنباء عن قرب استخدام الأسلحة الكيميائية، ليس من قبل الأسد الذي أكد على عدم لجوئه إليها حتى ضد إسرائيل، بل من قِبل مجموعات تعتبرها إسرائيل معادية، كما أن ليس بالضبط للصواريخ الروسية(ss-300)، ذات الأهمية الكبرى، بالرغم من أن إسرائيل وكما يُظهر التاريخ بأنها تدفع ثمناً باهظاً لمنظومات الأسلحة التي تجلبها للحفاظ على أمنها، وهي الآن بصدد دفع فاتورة إضافية تتمثل في إعادة عملية التفوق العسكري، في أعقاب الخلل في التوازن العسكري في المنطقة بسبب فاعلية الصواريخ الروسية، التي ستشكل تهديداً حقيقياً، ليس من السهل تلافيه كما كان في الماضي. بل الذي كان له الأثر المضاعف في هذا الاتجاه. وجعل "نتانياهو" يأمر بتوزيع الكمامات والاستعداد للحرب، هو نيّة "الأسد" تحويل البوصلة ناحية إسرائيل من خلال السماح لجهات مقاتلة فلسطينية وعربية بفتح جبهة الجولان – وهي الضرس المؤلمة بالنسبة لإسرائيل- أمام شن عمليات ضدها، بمعنى إشعال الحرب بصورة أعم وأشمل، وتجددت تلك النيّة مرةً أخرى خلال إعلان "الأسد" عبر (قناة المنار) التابعة لتنظيم حزب الله اللبناني- المشارك في العمليات القتالية الدائرة إلى جانب قوات النظام- عن أن هناك ضغوطاً شعبية واضحة لفتح جبهة الجولان للمقاومة. وأشار إلى أن هناك رغبة جامحة، وحماساً زائداً لدى المقاتلين العرب لأجل محاربة إسرائيل. وأكّد على ضرورة إيجاد استراتيجية ضدها من دون مزيد من التفاصيل. علاوةً على وعيده بالرد بقوة في حال قامت إسرائيل ووجهت ضربة أخرى ضد بلاده.
جملة الارتباكات والتناقضات والمواقف المتطورة للأطراف الإقليمية والدولية، هي بمثابة معطيات تشير إلى أن هناك حرباً تلوح في الأفق، في حال بقيت الأوضاع في تصاعد مستمر، قد تكون كليّة أو جزئية، وإن من السهل التكهّن بها وضمان تغيير الواقع، ليس السوري وحسب، بل واقع المنطقة بشكلٍ عام، ومن ثمّ الانتقال من بيئة معلومة إلى بيئة أخرى مجهولة، لكن من الصعب التنبؤ بنتائجها سواء على المستوى السوري الذي يُحتمل أن يسوء أو يتحسن، أو المستوى الإسرائيلي الذي هو إلى السوء أقرب، بل ويمكن أن يتعدّى ذلك، وتكون إسرائيل بقيادة "نتانياهو" كالشاة الهوجاء التي كشفت بنفسها عن السكين.
خانيونس/فلسطين
1/6/2013