أثبتت أحداث الأيام الماضية ان الفلسطينيين فقدوا تعاطف العالم بأسره، وظهروا بمـظهر ينطوي علي الكثير من الهمجية وقصر النظر والطفولة السياسية المحضة.
بات من الصعب علي الكثير من الفلسطينيين، ونحن منهم، الظهور علي شاشات التلفزة، العربية او العالمية، والحديث عن الجرائم الاسرائيلية بالحماس والموضوعية التي كانوا يتحدثون بها قبل هذه الأحداث الوحشية والمؤسفة.
فلم يخطر في بالنا ان نري فلسطينيين يقذفون بآخر من الدور العشرين حيا الي حتفه، ولم نتصور في أي يوم من الايام ان نشاهد اناسا ينقضون علي مسؤول من الطرف الآخر بالسكاكين ويقتلونه حيا ثم يسحلون جثته في الشوارع.
اخلاق الإسلام وتعاليمه السمحاء لا تبيح اقتحام بيوت الطرف الآخر ونهبها ثم احراقها، والدوس بالأحذية علي صور الرئيس الراحل ياسر عرفات، واغلاق جميع الاذاعات، واقتحام نقابة الصحافيين، وتصفية الخصوم جسديا، وتجريد بعضهم من ملابسهم وامرهم بالخروج عرايا الا من ملابسهم الداخلية، تماما مثلما فعل الاسرائيليون بحراس سجن اريحا في الضفة الغربية بعد اقتحامه.
نعم هناك فئة فاسدة مرتبطة بالمشروعين الامريكي والاسرائيلي هيمنت علي بعض الاجهزة الامنية في قطاع غزة، وارتكبت جرائم قتل، ومارست الفساد المالي والاخلاقي في ابشع صوره، ولكن هذا لا يعني ارتكاب جرائم وتجاوزات تفوق ما فعله هؤلاء وفي وضح النهار.
في زمن هذه الطغمة الفاسدة ظلت اذاعات فصائل المقاومة تمارس عملها دون اي انقطاع، وكذلك محطات التلفزة او معظمها، وتطوف المظاهرات في الشوارع بكل حرية وتحت حماية رجال الامن في بعض الاحيان، ولكن الآن في زمن الشرعية الديمقراطية كان اول قرار جري اتخاذه بعد الاستيلاء علي قطاع غزة هو اغلاق الاذاعات واقتحام نقابة الصحافيين، ومطاردة الاعلاميين، وممارسة ابشع انواع الارهاب عبر شبكة الانترنت ضد كل من يختلف حتي في الهوامش مع الحكام الجدد، فالشيء الوحيد المسموح به هو مباركة كل هذه التجاوزات، ومدح اصحابها لانهم خلصوا قطاع غزة من الزمرة الفاسدة.
من حقنا، نحن الذين وقفنا مع المقاومة، وتصدينا لحكومة الفساد وبلطجيتها، ورموز المشروعين الامريكي والاسرائيلي والتفريط بالحقوق والثوابت الفلسطينية، ان نقول رأينا في كل الممارسات الشاذة والمؤلمة التي شاهدناها عبر شاشات التلفزة في الايام القليلة الماضية، فالصورة لا تكذب.
كنا نتمني ان يتحلي رجال حماس بسلوكيات حزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله، فلم يقدم هذا الحزب المنتصر في اعنف المواجهات مع الاسرائيليين الصيف الماضي، علي قتل معارض، او نهب داره، او اقتحام مؤسسة رسمية، او انزال علم لبنان عن صواريه، او الدوس بالحذاء علي صورة هذا الخصم او ذاك، وهذا عائد الي تربية عقائدية اسلامية رفيعة تمنينا مثلها في قطاع غزة.
حصلت تجاوزات مؤسفة في الضفة الغربية من الطرف الآخر، هذا مؤكد، وجري احراق مؤسسات تابعة لحركة حماس واعتقال بعض المتعاطفين معها بطريقة مؤسفة، ولكننا شاهدنا في الوقت نفسه نائب رئيس المجلس التشريعي وهو من حماس يقف امام عدسات التلفزة ويقرأ بيانا متلفزا يعترض فيه علي حكومة الطواريء ويراها غير شرعية، وهو ما لم يحدث له مثيل في غزة حتي الآن للأسف.
انها فعلا حكومة غير شرعية، نقولها بالفم الملآن، ونري انها ستكون كارثة علي الشعب الفلسطيني، وستؤدي الي تعميق الشرخ الحالي، وايجاد حكومتين متصارعتين وربط الفلسطينيين، او جزء منهم، بالمشروع الامريكي في المنطقة، وتكريس حالة الاستقطاب السائدة حاليا في الوسط الفلسطيني.
الادارة الامريكية التي سارعت الي الاعتراف بالحكومة الجديدة، ورفع الحصار المالي المفروض علي الشعب الفلسطيني منذ عشرين شهرا تقريبا، انحازت الي اجراء غير شرعي وغير ديمقراطي، وارادت ان توجد كرزاي او مالكي آخر في فلسطين، تمده بالمال وبكل اسباب القوة.
نفهم ان تقدم الادارة الامريكية، ومعها بعض الانظمة العربية علي هذه الخطوة الكرزاوية لو ان هذا النموذج الامريكي قد نجح في افغانستان او العراق او لبنان، ولكنه لم ينجح، وأدي الي تفجير الحروب الاهلية الطائفية والفصائلية، وتعميق الفوضي وعدم الاستقرار، وخلق دول فاشلة، ودعوة تنظيم القاعدة وكل الجماعات المتشددة لإقامة قواعد وفروع فيها.
كل ما يجري في فلسطين حاليا من مآس يعود بالدرجة الاولي الي رفض الاعتراف الامريكي بنتائج صناديق الاقتراع، وتبني الفيتوهات الاسرائيلية، وفرض حصار اذلالي علي الشعب الفلسطيني عقابا علي اختيار ممثلين له لا تريدهم امريكا واسرائيل وبعض الدول العربية.
فازت حركة حماس في انتخابات حرة نزيهة، وكان يجب ان تحكم، وتجد كل المساعدة والمساندة، ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، رغم ايماننا القاطع بانه لا شرعية لاي حكومة او حكم تحت الاحتلال، ورغم قناعتنا الراسخة بان حركة حماس ارتكبت خطأ تاريخيا بدخولها عملية سياسية تحت الاحتلال، فلا ديمقراطية في ظل حراب المحتلين.
ما زالت هناك فرصة كبيرة للحوار لتطويق الموقف، وتقليص الخسائر، واعلان متحدثين من حركة فتح برفض اي لقاءات مع حركة حماس تحت ذريعة اقدامها علي الانقلاب، هو خطأ كبير يكشف عن ضيق افق، وتخلف سياسي، وسيطرة الاحقاد، وغياب الحكمة.
نعم، حماس اقدمت علي حركة انقلابية واطاحت بشرعية واهية، ولكن الم يكن الجناح الامريكي في حركة فتح يتخذ الخطوات العملية لتنفيذ انقلاب مماثل ضد حركة حماس وحركات المقاومة الاخري؟ وهل رصد الولايات المتحدة اكثر من ثمانين مليون دولار لانشاء حرس رئاسي قوامه عشرة آلاف شخص كخطوة اولي، وتدريبه وتسليحه في دول الجوار هو احد اوجه الاستعداد لهذا الانقلاب؟
حركة فتح يجب ان تكون ممتنة لما جري في قطاع غزة، لانه فضح اكذوبة بعض الاجهزة الامنية وقياداتها، هذه القيادات التي كانت تبشر في الغرب ورام الله بانها قادرة علي انهاء حركة حماس في ساعات معدودة، وحصلت مقابل هذه الوعود علي مئات الملايين من الدولارات، لتكتشف الحركة، ان هذه الاجهزة انهارت في ساعات.
الرد علي الهزيمة في غزة لا يجب ان يتمثل في الانتماء بالكامل الي المعسكر الامريكي، ومساندة قرار اسرائيلي بتجويع أشد قسوة لابناء قطاع غزة، وقطع امدادات الغذاء والماء لاجتياح اسرائيلي آخر، الرد يجب ان يتمثل في دراسة معمقة لما حدث واسبابه، واستخلاص العبر والنتائج، والبدء في عملية تطهير لكل العناصر المسؤولة عن هذه الهزيمة، وعن تشويه وجه هذه الحركة التي تحملت عبء النضال الفلسطيني لاكثر من اربعين عاما وقدمت آلاف الشهداء.
فتح بحاجة الي الاعتماد علي نفسها وتجديد شبابها، وابراز قيادات وطنية جديدة تضع في اعتبارها ان عدو الشعب الفلسطيني ليس حماس وانما الاسرائيليون الذين يحتلون الاض ويرتكبون المجازر، ويمارسون الإذلال للشعب الفلسطيني علي المعابر.
كاتب المقال
السيد : عبد الباري عطوان
بات من الصعب علي الكثير من الفلسطينيين، ونحن منهم، الظهور علي شاشات التلفزة، العربية او العالمية، والحديث عن الجرائم الاسرائيلية بالحماس والموضوعية التي كانوا يتحدثون بها قبل هذه الأحداث الوحشية والمؤسفة.
فلم يخطر في بالنا ان نري فلسطينيين يقذفون بآخر من الدور العشرين حيا الي حتفه، ولم نتصور في أي يوم من الايام ان نشاهد اناسا ينقضون علي مسؤول من الطرف الآخر بالسكاكين ويقتلونه حيا ثم يسحلون جثته في الشوارع.
اخلاق الإسلام وتعاليمه السمحاء لا تبيح اقتحام بيوت الطرف الآخر ونهبها ثم احراقها، والدوس بالأحذية علي صور الرئيس الراحل ياسر عرفات، واغلاق جميع الاذاعات، واقتحام نقابة الصحافيين، وتصفية الخصوم جسديا، وتجريد بعضهم من ملابسهم وامرهم بالخروج عرايا الا من ملابسهم الداخلية، تماما مثلما فعل الاسرائيليون بحراس سجن اريحا في الضفة الغربية بعد اقتحامه.
نعم هناك فئة فاسدة مرتبطة بالمشروعين الامريكي والاسرائيلي هيمنت علي بعض الاجهزة الامنية في قطاع غزة، وارتكبت جرائم قتل، ومارست الفساد المالي والاخلاقي في ابشع صوره، ولكن هذا لا يعني ارتكاب جرائم وتجاوزات تفوق ما فعله هؤلاء وفي وضح النهار.
في زمن هذه الطغمة الفاسدة ظلت اذاعات فصائل المقاومة تمارس عملها دون اي انقطاع، وكذلك محطات التلفزة او معظمها، وتطوف المظاهرات في الشوارع بكل حرية وتحت حماية رجال الامن في بعض الاحيان، ولكن الآن في زمن الشرعية الديمقراطية كان اول قرار جري اتخاذه بعد الاستيلاء علي قطاع غزة هو اغلاق الاذاعات واقتحام نقابة الصحافيين، ومطاردة الاعلاميين، وممارسة ابشع انواع الارهاب عبر شبكة الانترنت ضد كل من يختلف حتي في الهوامش مع الحكام الجدد، فالشيء الوحيد المسموح به هو مباركة كل هذه التجاوزات، ومدح اصحابها لانهم خلصوا قطاع غزة من الزمرة الفاسدة.
من حقنا، نحن الذين وقفنا مع المقاومة، وتصدينا لحكومة الفساد وبلطجيتها، ورموز المشروعين الامريكي والاسرائيلي والتفريط بالحقوق والثوابت الفلسطينية، ان نقول رأينا في كل الممارسات الشاذة والمؤلمة التي شاهدناها عبر شاشات التلفزة في الايام القليلة الماضية، فالصورة لا تكذب.
كنا نتمني ان يتحلي رجال حماس بسلوكيات حزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله، فلم يقدم هذا الحزب المنتصر في اعنف المواجهات مع الاسرائيليين الصيف الماضي، علي قتل معارض، او نهب داره، او اقتحام مؤسسة رسمية، او انزال علم لبنان عن صواريه، او الدوس بالحذاء علي صورة هذا الخصم او ذاك، وهذا عائد الي تربية عقائدية اسلامية رفيعة تمنينا مثلها في قطاع غزة.
حصلت تجاوزات مؤسفة في الضفة الغربية من الطرف الآخر، هذا مؤكد، وجري احراق مؤسسات تابعة لحركة حماس واعتقال بعض المتعاطفين معها بطريقة مؤسفة، ولكننا شاهدنا في الوقت نفسه نائب رئيس المجلس التشريعي وهو من حماس يقف امام عدسات التلفزة ويقرأ بيانا متلفزا يعترض فيه علي حكومة الطواريء ويراها غير شرعية، وهو ما لم يحدث له مثيل في غزة حتي الآن للأسف.
انها فعلا حكومة غير شرعية، نقولها بالفم الملآن، ونري انها ستكون كارثة علي الشعب الفلسطيني، وستؤدي الي تعميق الشرخ الحالي، وايجاد حكومتين متصارعتين وربط الفلسطينيين، او جزء منهم، بالمشروع الامريكي في المنطقة، وتكريس حالة الاستقطاب السائدة حاليا في الوسط الفلسطيني.
الادارة الامريكية التي سارعت الي الاعتراف بالحكومة الجديدة، ورفع الحصار المالي المفروض علي الشعب الفلسطيني منذ عشرين شهرا تقريبا، انحازت الي اجراء غير شرعي وغير ديمقراطي، وارادت ان توجد كرزاي او مالكي آخر في فلسطين، تمده بالمال وبكل اسباب القوة.
نفهم ان تقدم الادارة الامريكية، ومعها بعض الانظمة العربية علي هذه الخطوة الكرزاوية لو ان هذا النموذج الامريكي قد نجح في افغانستان او العراق او لبنان، ولكنه لم ينجح، وأدي الي تفجير الحروب الاهلية الطائفية والفصائلية، وتعميق الفوضي وعدم الاستقرار، وخلق دول فاشلة، ودعوة تنظيم القاعدة وكل الجماعات المتشددة لإقامة قواعد وفروع فيها.
كل ما يجري في فلسطين حاليا من مآس يعود بالدرجة الاولي الي رفض الاعتراف الامريكي بنتائج صناديق الاقتراع، وتبني الفيتوهات الاسرائيلية، وفرض حصار اذلالي علي الشعب الفلسطيني عقابا علي اختيار ممثلين له لا تريدهم امريكا واسرائيل وبعض الدول العربية.
فازت حركة حماس في انتخابات حرة نزيهة، وكان يجب ان تحكم، وتجد كل المساعدة والمساندة، ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، رغم ايماننا القاطع بانه لا شرعية لاي حكومة او حكم تحت الاحتلال، ورغم قناعتنا الراسخة بان حركة حماس ارتكبت خطأ تاريخيا بدخولها عملية سياسية تحت الاحتلال، فلا ديمقراطية في ظل حراب المحتلين.
ما زالت هناك فرصة كبيرة للحوار لتطويق الموقف، وتقليص الخسائر، واعلان متحدثين من حركة فتح برفض اي لقاءات مع حركة حماس تحت ذريعة اقدامها علي الانقلاب، هو خطأ كبير يكشف عن ضيق افق، وتخلف سياسي، وسيطرة الاحقاد، وغياب الحكمة.
نعم، حماس اقدمت علي حركة انقلابية واطاحت بشرعية واهية، ولكن الم يكن الجناح الامريكي في حركة فتح يتخذ الخطوات العملية لتنفيذ انقلاب مماثل ضد حركة حماس وحركات المقاومة الاخري؟ وهل رصد الولايات المتحدة اكثر من ثمانين مليون دولار لانشاء حرس رئاسي قوامه عشرة آلاف شخص كخطوة اولي، وتدريبه وتسليحه في دول الجوار هو احد اوجه الاستعداد لهذا الانقلاب؟
حركة فتح يجب ان تكون ممتنة لما جري في قطاع غزة، لانه فضح اكذوبة بعض الاجهزة الامنية وقياداتها، هذه القيادات التي كانت تبشر في الغرب ورام الله بانها قادرة علي انهاء حركة حماس في ساعات معدودة، وحصلت مقابل هذه الوعود علي مئات الملايين من الدولارات، لتكتشف الحركة، ان هذه الاجهزة انهارت في ساعات.
الرد علي الهزيمة في غزة لا يجب ان يتمثل في الانتماء بالكامل الي المعسكر الامريكي، ومساندة قرار اسرائيلي بتجويع أشد قسوة لابناء قطاع غزة، وقطع امدادات الغذاء والماء لاجتياح اسرائيلي آخر، الرد يجب ان يتمثل في دراسة معمقة لما حدث واسبابه، واستخلاص العبر والنتائج، والبدء في عملية تطهير لكل العناصر المسؤولة عن هذه الهزيمة، وعن تشويه وجه هذه الحركة التي تحملت عبء النضال الفلسطيني لاكثر من اربعين عاما وقدمت آلاف الشهداء.
فتح بحاجة الي الاعتماد علي نفسها وتجديد شبابها، وابراز قيادات وطنية جديدة تضع في اعتبارها ان عدو الشعب الفلسطيني ليس حماس وانما الاسرائيليون الذين يحتلون الاض ويرتكبون المجازر، ويمارسون الإذلال للشعب الفلسطيني علي المعابر.
كاتب المقال
السيد : عبد الباري عطوان