كتب مريد البرغوثي :
ظل طاقم موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لسنوات يذكرني بأن علي تحديث بياناتي الشخصية لأضمنها الدولة التي أنتمي إليها. وللحقيقة كنت أتجاوز ذلك عمدا مدفوعا بفكرة خيالية ترى الكاتب منتميا لكل الأمكنة، ولكل الناس.
لكن، وسأماً من الإلحاح العنيد، قررت الانصياع وضغطت على زر "حدّث" لأكتب "فلسطين".
لم يكن الأمر بالسهولة التي تصورتها. فليس مسموحا لي أن أكتب ما أريد، وإنما علي اختيار واحدة من مجموعة من الدول كانت مصنفة بحسب الترتيب الأبجدي.
بحثاً عن فلسطين في القائمة وجدت ما يلي: فلسطين في تكساس بالولايات المتحدة، فلسطين في آركنسو بالولايات المتحدة، فلسطين في إلينويز بالولايات المتحدة، فلسطين في ألاباما بالولايات المتحدة، شرق فلسطين في أوهايو بالولايات المتحدة، فلسطين الجديدة في إنديانا بالولايات المتحدة، وحتى فلسطين إكوادور. أين فلسطين الأصلية.. تلك القديمة التي ولدت فيها قبل سبعة وستين عاما؟
لا أثر. بحثت في القائمة مرات ومرات. بالطبع، كنت أجد إسرائيل. أنا أكبُر إسرائيل بأربعة أعوام. لم تكن هناك إسرائيل عام 1944.
حدث الشيء ذاته لدى محاولتي ملأ استمارة تأشيرة دخول لزيارة الولايات المتحدة. هناك أيضا لا وجود لفلسطين في قائمة الدول على الاستمارة.
في الصحف، في الجدل السياسي، وحتى في المفاوضات المشينة لعملية السلام (والتي زودتنا بالعملية وليس بالسلام) تجد إشارات إلى "المناطق"، "المناطق المحتلة"، "يهودا والسامرة"، "الأرض المقدسة" و"الضفة الغربية"، مهلا، الضفة الغربية لأي مكان؟ الضفة الغربية لنهر الأردن. لكن الضفة الغربية لنهر الأردن هي الضفة الشرقية لفلسطين، فلماذا لا نسميها كذلك؟
خليط جوازات
حتى تتم خسارة فلسطين كأرض، كان لا بد من خسارتها ككلمة. وإذا كان غربي البلاد يسمى الآن "إسرائيل" وشرقيها يسمى "الضفة الغربية"، فأين هي فلسطين؟
في كل مرة أسمع مصطلح "الضفة الغربية" أفكر في التلوث اللغوي الذي أدى إلى اغتيال كلمة "فلسطين".
الشاعر الصيني "بي داو" تعلم ذلك ـ بعد معاناة ـ حين زار القنصلية الإسرائيلية في مدينة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة للحصول على تأشيرة دخول. قال للشاب الواقف أمام المبنى إنه يريد ان يزور فلسطين، فجوبه بالرد" ليس هناك دولة بهذا الإسم على الخريطة، سيدي".
وقبل عدة أعوام نشرت المجلة الدولية "القلم" (pen) قصيدة كاملة لي، وهذا بلا شك مدعاة لفخري. لكن بدلا من أن تنشر في الفهرس اسمي "مريد البرغوثي ـ فلسطين"، كتبت "مريد البرغوثي ـ السلطة الفلسطينية".
طلبت منهم توضيحا فردوا بأنه لا دولة هناك تدعى فلسطين"، ليكون ردي "هل السلطة الفلسطينية دولة؟"
في منتصف الثمانينات زرت شقيقي الأكبر في فرنسا قرب الحدود السويسرية. كان الوقت صيفا، وكنت برفقة عدد من أفراد أسرتي. قررنا معا زيارة مدينة جنيف مستخدمين سيارتين.
خطا جندي الحدود خارج كشكه الصغير وطلب جوازات سفرنا. بانت على ملامحه الدهشة، ففي يديه كانت هناك جوازات سفر من جميع أنحاء العالم، من الأردن وسورية والولايات المتحدة والجزائر وبريطانيا وحتى من بيليز. ومع ذلك فالأسماء في هذه الجوازات تظهر أن أصحابها من أسرة واحدة "البرغوثي".
طلب منا أن نفسر له هذا الخليط من وثائق السفر، وما أن بدأ شقيقي في الكلام حتى أخذ الجندي في الضحك، ثم قاطعه قائلا "كفى، لا أريد أن أفهم"، متمنيا لنا إقامة سعيدة في جنيف.
واصلنا رحلتنا نحمل ذكرى لحظة مفاجأة الفرنسي بوضعنا. تمتم أحدنا "تعلمون؟ نحن بلا شك..فضيحة".
ظل طاقم موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لسنوات يذكرني بأن علي تحديث بياناتي الشخصية لأضمنها الدولة التي أنتمي إليها. وللحقيقة كنت أتجاوز ذلك عمدا مدفوعا بفكرة خيالية ترى الكاتب منتميا لكل الأمكنة، ولكل الناس.
لكن، وسأماً من الإلحاح العنيد، قررت الانصياع وضغطت على زر "حدّث" لأكتب "فلسطين".
لم يكن الأمر بالسهولة التي تصورتها. فليس مسموحا لي أن أكتب ما أريد، وإنما علي اختيار واحدة من مجموعة من الدول كانت مصنفة بحسب الترتيب الأبجدي.
بحثاً عن فلسطين في القائمة وجدت ما يلي: فلسطين في تكساس بالولايات المتحدة، فلسطين في آركنسو بالولايات المتحدة، فلسطين في إلينويز بالولايات المتحدة، فلسطين في ألاباما بالولايات المتحدة، شرق فلسطين في أوهايو بالولايات المتحدة، فلسطين الجديدة في إنديانا بالولايات المتحدة، وحتى فلسطين إكوادور. أين فلسطين الأصلية.. تلك القديمة التي ولدت فيها قبل سبعة وستين عاما؟
لا أثر. بحثت في القائمة مرات ومرات. بالطبع، كنت أجد إسرائيل. أنا أكبُر إسرائيل بأربعة أعوام. لم تكن هناك إسرائيل عام 1944.
حدث الشيء ذاته لدى محاولتي ملأ استمارة تأشيرة دخول لزيارة الولايات المتحدة. هناك أيضا لا وجود لفلسطين في قائمة الدول على الاستمارة.
في الصحف، في الجدل السياسي، وحتى في المفاوضات المشينة لعملية السلام (والتي زودتنا بالعملية وليس بالسلام) تجد إشارات إلى "المناطق"، "المناطق المحتلة"، "يهودا والسامرة"، "الأرض المقدسة" و"الضفة الغربية"، مهلا، الضفة الغربية لأي مكان؟ الضفة الغربية لنهر الأردن. لكن الضفة الغربية لنهر الأردن هي الضفة الشرقية لفلسطين، فلماذا لا نسميها كذلك؟
خليط جوازات
حتى تتم خسارة فلسطين كأرض، كان لا بد من خسارتها ككلمة. وإذا كان غربي البلاد يسمى الآن "إسرائيل" وشرقيها يسمى "الضفة الغربية"، فأين هي فلسطين؟
في كل مرة أسمع مصطلح "الضفة الغربية" أفكر في التلوث اللغوي الذي أدى إلى اغتيال كلمة "فلسطين".
الشاعر الصيني "بي داو" تعلم ذلك ـ بعد معاناة ـ حين زار القنصلية الإسرائيلية في مدينة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة للحصول على تأشيرة دخول. قال للشاب الواقف أمام المبنى إنه يريد ان يزور فلسطين، فجوبه بالرد" ليس هناك دولة بهذا الإسم على الخريطة، سيدي".
وقبل عدة أعوام نشرت المجلة الدولية "القلم" (pen) قصيدة كاملة لي، وهذا بلا شك مدعاة لفخري. لكن بدلا من أن تنشر في الفهرس اسمي "مريد البرغوثي ـ فلسطين"، كتبت "مريد البرغوثي ـ السلطة الفلسطينية".
طلبت منهم توضيحا فردوا بأنه لا دولة هناك تدعى فلسطين"، ليكون ردي "هل السلطة الفلسطينية دولة؟"
في منتصف الثمانينات زرت شقيقي الأكبر في فرنسا قرب الحدود السويسرية. كان الوقت صيفا، وكنت برفقة عدد من أفراد أسرتي. قررنا معا زيارة مدينة جنيف مستخدمين سيارتين.
خطا جندي الحدود خارج كشكه الصغير وطلب جوازات سفرنا. بانت على ملامحه الدهشة، ففي يديه كانت هناك جوازات سفر من جميع أنحاء العالم، من الأردن وسورية والولايات المتحدة والجزائر وبريطانيا وحتى من بيليز. ومع ذلك فالأسماء في هذه الجوازات تظهر أن أصحابها من أسرة واحدة "البرغوثي".
طلب منا أن نفسر له هذا الخليط من وثائق السفر، وما أن بدأ شقيقي في الكلام حتى أخذ الجندي في الضحك، ثم قاطعه قائلا "كفى، لا أريد أن أفهم"، متمنيا لنا إقامة سعيدة في جنيف.
واصلنا رحلتنا نحمل ذكرى لحظة مفاجأة الفرنسي بوضعنا. تمتم أحدنا "تعلمون؟ نحن بلا شك..فضيحة".