بقلم : أحمد ابراهيم الحاج
كل الحقيقة - إن ما جرى أخيراً هو تعطيل وليس تأجيل للحوار الفلسطيني ، والتعطيل أكثر ضرراً من التأجيل لأنه ينطوي على نوايا مبيتة لا تبشر بالخير ، وكان هدف هذا التعطيل جني مكاسب شخصية فئوية على حساب المصالح الوطنية العليا ، لم يعد خافياً على أي متبصر ومراقب للأحداث من هو الطرف الذي يعطل ويماطل ويغيّر ويبدل بالأسباب والعلل ويتذرع بأسباب واهية تصغر أمام وحدة الشعب والوطن لمن هو وطني حقاً. وفي نظرة وقراءة شخصية ومحايدة بين أطراف الخلاف الفلسطيني ومنحازة للوطن والمواطن ، ومجردة من كل هوىً فئوي حزبي وحركي ، فإن ما يجري هو عملية متاجرة بمعاناة الشعب ، وبقضايا الوطن والمواطن واستهتار بالقيم والأخلاق ، وممارسة للنفاق والدجل السياسي بأقنعة باتت تكشف ما تحتها من نوايا مبطنة لا تبشر بخير.
كانت حماس تنادي دائماً بالحوار غير المشروط ، وتحقق لها ما أرادت ، ليس من موقف ضعفٍ أو موقف رجوعٍ للخلف من الطرف الآخر ، ولكنه في تقدير كل غيور على الوطن يعتبر خطوة للأمام نحو إخوة المصير من أجل مصلحة الوطن العليا ، وسعة صدرٍ وكظمٍ للغيظ وكرمٌ ومروءة وعلو قدم في النضال الوطني ومن منطلق ايمان قديم موروث وراسخ وجديد ومتجدد وهو أن الحوار هو الطريق الأوحد لحل الخلافات الذاتية الوطنية وأن الإحتكام للسلاح من المحرمات، ومن أجل أهلٍ يعيشون في ضنكٍ وحصارٍ وظلمة دامسة ولا ينتظرون نتتائج ايجابية أو إنجازات وطنية ستتحقق بعد صبرهم ومعاناتهم إلاّ أنهم أضحواْ مرتهنين لطرف لاهث وراء السلطة والمناصب ومُسيَّر ببوصلة توجهه نحو مصالح إقليمية وتحت شعار المقاومة، في توقيت سيء قبل الإستقلال وإنجاز التحرير في عملية سباق رخيصة ومملة وقاتلة ، الرابح فيها خاسر بكل المقاييس. ولو تدبرنا أسباب ذلك بنظرة متروية وتحليلية من خلال ترابط الأحداث والمواقف يمكن تلخيص البرهان واستخلاص العبرعلى ذلك في النقاط التالية:
عند اقتراب الإنتخابات الأمريكية ، ولمّا أدرك الديمقراطيون أنهم لا شك قادمون للإدارة الأمريكية بعد أن فقد جورج بوش ومن خلفه الجمهوريون شعبيتهم لسوء الإدارة في فترتي بوش والفشل الذريع للمشاريع العسكرية الأمريكية وما تبعها من عجز اقتصادي ، بدأ الديمقراطيون يرتبون أوراقهم في كل القضايا ، وتوجه وفد رفيع المستوى من الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي الى الشقيقة سوريا وذلك للتباحث في ملف الشرق الأوسط والملف الإيراني من خلال العلاقة السورية الإيرانية الوثيقة. وبعدها تحرك جيمي كارتر الديمقراطي وعراب كامب ديفيد الى المنطقة في عملية استقراءٍ لمواقف حماس ولمشروعها في قضية فلسطين. وكذلك زار سوريا واجتمع بالسيد خالد مشعل وحصل منه على الخطوط العريضة للمشروع الحمساوي الذي انطلق من وثيقة جنيف التي توصل اليها الدكتور أحمد يوسف مع الأوروبيين والقائمة على هدنة طويلة المدى مع اسرائيل وإبقاء الوضع على ما هو عليه ، أي دولة فلسطينية ثقلها في غزة وأجزاء من الضفة الغربية لا تشمل القدس ، وذلك لتثبيت سلطة حماس في غزة لتكون نموذجاً وبالون اختبار للإخوان المسلمين في السلطة لعل أمريكا تورثهم الحكم في بعض الدول العربية مثل مصر والجزائر وسوريا، وذلك بحد ذاته ومن منظور فئوي يعتبر إنجازاً لحزب الإخوان المسلمين في العالم العربي يقودهم للسلطة في البلاد التي تتململ فيها الأوضاع السياسية . وهذا من وجهة نظرٍ حزبية يعتبر أولوية على الإستقلال الوطني الفلسطيني الذي هو جزءٌ من الوطن العربي الكبير هدف المشروع ، فإن تحقق حلم الإخوان المسلمين بوصولهم الى السلطة في العالم العربي بعد أن يثبت نموذج حماس القدرة على ضبط الوضع لصالح القوى الكبرى والقدرة على رعاية مصالحها بمزيد من القمع للشعوب يفوق قمع الأنظمة الحالية ، كما كان الحال عند استيلائهم على غزة بممارسات الإعدام لمناضلين فشلت اسرائيل أكثر من مرة في الوصول اليهم وبوسائل مبتكرة وبالإعتقال وتكميم الأفواه ولجم الصحافة وإلغاء المهرجانات والمؤتمرات مما أثلج صدر اسرائيل وحلفائها وهنا لا نوجه اتهاماً أو طعناً في كوادر حماس، ولكنهم يظنون بأن وصولهم للحكم في العالم العربي سيجعل تحرير فلسطين التاريخية من البحر الى النهر قريباً وفي مرمى العصا. وهذا هو الوهم الكبير في ظل عالم عربي ما زال يعيش إرث سايكس بيكو مقسماً مختلفاً متناحراً ومتعدد الأيدولجيات وكل جزءٍ منطوٍ على نفسه وما زال يتعرض للإحتلالات والإجتياحات العسكرية والثقافية ويسير على نهج القطر أولاً كجزر متناثرة وهذا ما لم ولن تسمح به القوى المتحكمة في مصائر العالم. ولن يصح فيه الحال في هذا لوضع المتردي للعالم العربي الذي لا يملك زمام أمره.
بعد ذلك سعت حماس الى التهدئة مع اسرائيل عند بدء المفاوضات السورية الإسرائيلية بوساطة تركية ربما بإشارة من قيادتها في دمشق وبثمن لا يستحق التهدئة في أعلى مستوياته ، بقى الحصار على شعبنا الصامد في غزة وذلك لإثبات قدرتها على ضبط الوضع الأمني وتفوقها على غيرها من القوى الفلسطينية في فرض الأمن لصالح اسرائيل ، وأحقيتها في المفاوضات مع اسرائيل لفوزها بالإنتخابات التشريعية. وكان الإلتزام الحمساوي صارماً في فرض التهدئة مما اضطرها الى النزاع مع أقرب حلفاء الظروف حركة الجهاد الإسلامي وقمع مناضليها ومناضلي الفصائل الفلسطينية الأخرى واعتقال المقاومين وزجهم بالسجون لأنهم أصبحوا في نظرها عملاء وخونة للوطن ، وخارجين عن الإجماع الوطني الذي اختزلته حماس في إجماع بعض أعضاء القيادة الحمساوية بجناحيها في الداخل والخارج واعتبرت ما دون ذلك من الشعب الفلسطيني بالداخل والشتات هباءً منثورا. ولطالما اتهمت غيرها من الفصائل بالخيانة عندما كانت تدعو الفصائل الأخرى للتهدئة بشروط أفضل من شروطها وتحقق بعض المكاسب الوطنية ، وكانت تخرب كل تهدئة بحجة المقاومة المسيسة الممنهجة والمغرضة. ودعمت السلطة الفلسطينية هذه التهدئة وأيدتها على الرغم من استثنائها الضفة الغربية.
أسرائيل بدورها تلعب بخبث ودهاء معهود على التناقضات الفلسطينية ، فمن جانبها كانت تقوم بالإحتواء المزدوج لقطبي الصراع الفلسطيني الذاتي ، تجري المفاوضات العقيمة والعاقرة مع فتح ، وتناوش حماس بين الفينة والأخرى وتخترق التهدئة باجتياحات ممنهجة وترد عليها حماس بصواريخ تسقط في الصحراء ولا تلحق أضراراً بالمحتل لتبدي عدائها لحماس لتوهم قطاعاً كبيراً من عامة الناس من الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي والذين لا يميلون للتحليل ومراقبة الأحداث وقرائتها بإمعان لتبين لهم أن حماس تنتهج اسلوب المقاومة وتصنفها في محور الممانعة والإرهاب ، فمع مفاوضات تحمل حملاً موهوماً كاذباً لا تلد الاّ ريحاً كإطلاق سراح بضعة أسرى انتهت مدة حكمهم واعتقال ضعفهم ، ومناوشات ومهاوشات مع حماس تبقي الشعب الفلسطيني في حالة دوران حول النفس لا يعرف الحقيقة ولا يستطيع أن يميز الخبيث من الطيب ، فيبقى منقسماً على نفسه لا يستطيع حزم أمره وتوحيد كلمته وتستمر اسرائيل في توسيع وبناء المستوطنات وابتلاع الأراضي وتغيير الواقع على الأرض ليصبح حقيقة لا يمكن تجاوزها بالحلول المطروحة تماماً كما تجاوزنا قرار التقسيم 1947وركضنا وراء قرار 242 الذي يفقدنا حوالي 78% من أرض فلسطين.
من خلال الرسائل التي بعثتها حماس للإدارة الأمريكية عبر قطر وعبر جيمي كارتر التوراتي المتعصب والذي يؤمن بضرورة ترسيخ الكيان اليهودي على غالبية الأرض الفلسطينية وخاصة الضفة الغربية (يهودا والسامرة) (أرض الميعاد) تمهيداً لنزول المسيح ، وبعد فوز باراك اوباما بالترشيح عن الحزب الديمقراطي ووثوقه بالوصول الى البيت الأبيض ، بدأ مستشاروه من الحزب باجراء اتصالات سرية مع حماس وذلك لاستطلاع ودراسة المشروع الحمساوي للحل على قاعدة وثيقة جنيف التي يعرفها الجميع. ولكن ما يدعونا للتساؤل والتعجب هنا ، لماذا كل هذا اللف والدوران؟؟!!
بعد رفض عرفات لكامب ديفيد ، ثبت لأمريكا وحليفتها اسرائيل أن مشروع فتح لحل الصراع غير قابل للتطبيق على أرض الواقع وخاصة بمدينة القدس وعودة اللاجئين ، لذلك وبعد كامب ديفيد مباشرة بدأت اسرائيل بتدمير فتح وقواها وإنجازاتها ، بداية بالمقرات الأمنية والمنجزات الوطنية من مشاريع تنموية قدمتها الدول المانحة ، ثم حصار عرفات وعزله سياسياً ثم تصفيته جسدياً ومغازلة الرئيس أبو مازن ظناً منهم أنه سيحقق لهم مبتغاهم في حل الصراع ، ولما تبين لهم صلابة موقف أبو مازن فيما يختص بالثوابت الوطنية الفلسطينية ، تخلوا عنه ولكنهم لم يستطيعوا تصفيته لما عرف عنه من اعتدال واضح لا لبس فيه وجنوحه للسلم بواقعية وثبات على المواقف الفلسطينية وعدم تفريطه في الحقوق الفلسطينية وربما إن اضطرهم الأمر سيلحقونه بعرفات فمعروف عن أمريكا سهولة ويسر بيعهم الحليف إن كانت الصفقة تصب في صالحهم.
يبدو أن اسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية رأت في مشروع حماس للحل قابلية للتطبيق وأكثر تقارباً للمشروع الإسرائيلي ، دولة فلسطينية ثقلها في غزة بإدارة حمساوية وكانتونات معزولة مقطعة الأوصال في الضفة الغربية وهدنة طويلة المدى تستطيع اسرائيل خلالها بلع 80% من الضفة الغربية وهضمها في صورة كيانات هزيلة بإدارة مشيخات فلسطينية أو عربية وتحت جناحها الأمني.
تلاشي الدور العربي في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم قدرته على تطبيق المبادرة العربية للسلام ، وميله لمهادنة اسرائيل ومن ورائها الإدارة الأمريكية كل ذلك خلخل تماسك العقد والإجماع العربي حول حركة فتح كقائد لحركة التحرر الوطني الفلسطيني بدلالة التخلي العربي عن عرفات وهو يعاني الحصار والعزل والإستفراد الإسرائيلي به دون حراك أو حتى استنكار عربي لفك الحصار والعزلة عنه ، وانقطع عنها الدعم السياسي والمادي الاّ من الإتحاد الآوروبي الذي يدعم مشروع فتح للحل بخجل وللحيلولة دون انهيار السلطة الفلسطينية التي تحمل الأعباء الإقتصادية فقط نيابة عن المحتل ولأن فتح هي الباني والمؤسس والممول جزئياً للسلطة من مواردها الخاصة ، وشهدنا تحولاً في المواقف والتحالفات والعلاقات العربية العربية ، مما أدى الى السكوت العربي على الإنقسام الفلسطيني وعدم الجدية في رأب الصدع الفلسطيني الاّ من مصر والسعودية واليمن، وأدى ذلك الى عدم مصارحة الوسطاء العرب للشعوب العربية بالحقيقة وعدم التصريح علانية عن الطرف المعطل للحوار وتحميله المسئولية في الإنقسام. وعدم البوح صراحة عن الطرف المنتهك للشرعية الفلسطينية بإنقلاب دموي صريح وواضح لا يتقبله أي نظام عربي ولا يحصل الاّ في الدول المتخلفة. وضعف المد السياسي المصري والسعودي لفتح بصفتيهما الشقيقتين الكبيرتين الفاعلتين وذلك لإستقواء الكيانات العربية الهزيلة باسرائيل وأمريكا وبالمحاور الإقليمية على الدول العربية الفاعلة والمركزية وتصيدها بالماء العكر في حركة من الشذوذ السياسي المقيت للحفاظ على كياناتها المتهاوية والتطفل على الكيانات الكبرى بإبتزازها وثنيها عن مقاصدها ونواياها الصادقة.
الإنفراج في العلاقات بين حماس والأردن والانفراج في العلاقات بين الأردن وقطر ربما يعطينا المؤشر عللى البوصلة السياسية للإدارة الأمريكية الجديدة وتوجهاتها في التعامل مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي وانحرافها تجاه المشروع الحمساوي لحل الصراع الذي ربما ينحاز ولا يمانع الخيار الأردني للضفة الغربية واحتفاظ حماس بسيطرتها الكاملة على القطاع لمد الجسور والتآلف مع حركة الإخوان المسلمين في الأردن ضمن خطوط المشروع الحزبي الكبير لزعزعة النظام الأردني لصالح الإخوان المسلمين. وإن استقرار النظام السياسي الأردني ضرورة حتمية لإستقرار فلسطين والمنطقة ، كما وأن العلاقة الأردنية الفلسطينية علاقة تاريخية وحميمية وحتمية ومصيرية ولا انفكاك منها ولكنها يجب أن تبنى على قواعد من التوازن الجغرافي والديمغرافي والمدني بعد نيل الإستقلال الوطني الفلسطيني على الأرض الفلسطينية المحتلة وإنصاف الهوية الفلسطينية التي عانت طوال ستين عاماً مضت من الشطب والتشرد والحرمان، فحماس تنتظر صفقة بين ايران وأمريكا من جهة وسوريا وأمريكا من جهة أخرى تدخل ضمنها ويكون الرابح الأكبر فيها ايران ثم سوريا ثم حماس بالتتابع وكل حسب ثقله ووزنه وتبعيته للآخر وطول أو قصر نظره وتصب الخسائر على حساب المشروع الوطني الفلسطيني في عالم عربي مبني على وحدة واستقلال الكيانات السياسية وانفصالها عن شقيقاتها في محيطها العربي (حارة كل مين إيدو إلو). ذلك المشروع الذي ذهب ضحيته قوافل متتابعة من الشهداء من خيرة أبناء هذا الشعب المناضل المكافح الذي كلما اقترب من التحقيق أجهض جنينه قبل الولادة بالفعل الداخلي الفلسطيني المتحالف مع الفعل الخارجي الإقليمي والدولي كما حصل في عام 1936م وعام 1982م ....الخ.
ليس هذا إنصافاً لفتح على حساب حماس ولكنه إنصافٌ للتاريخ وللواقع والمصداقية على محاولة صياغة التاريخ واختزاله بمنظار فئوي شخصي قصير المدى ، وعلى حساب الرومانسية السياسية والشعارات البراقة الخادعة التي سقطت في الخمسينيات من القرن الماضي ، وليس هذا تبرئة لفتح من مسئولياتها في إدارة الأزمات والسماح لإختراقها كحركة للكلٍّ الفلسطيني الوطني من قبل ما يسمى اليوم بشخوص فتح وأزلامها المتسلقين على أغصانها في هذا الزمان الرديء ، والذين حاولوا اختطافها وارتهانها للمصالح الشخصية وتمزيق بنائها التنظيمي والنيل من تماسكها وقوتها وشعبيتها وامتدادها الفلسطيني والإقليمي كحركة تحرر شعبية والنيل من ثباتها على المباديء والذي أدى بنا الى هذا الحال من التشرذم الذي نعاني منه، فصعدت على ضعفها وعلى ضرب السكاكين في جسدها من اسرائيل وحلفائها وعلى سلم التخلي العربي عن دعم المشروع الوطني الفلسطيني فئات وشخوص منبوذة ، ونالت من شعبيتها. وليس هذا إلغاءً لحماس بصفتها مكون رئيسي من مكونات الشعب الفلسطيني وحركة وطنية قدمت الشهداء بقدر ما هو إشارة مرورية حمراء ينبغي التوقف عندها ومراجعة النفس والعودة الى حضن الشعب ودخول خيمته منظمة التحرير الفلسطينية بإشارة شرعية خضراء وبتوافق وطني وليس بالفرض والإذعان والإختطاف والسطو المسلح والإملاء. فإن كانت حماس نادمة على إطلاق بعض أسراها من فتح (السبعة عشر) فلتعد إعتقالهم وتذهب للحوار من منطلق القاعدة الشرعية 'درء المفاسد أولى من جلب المنافع' فالإنقسام شر مفسدة وإطلاق سراح المعتقلين من الجانبين منفعة ، الحوار مطلب وطني وإطلاق سراح المعتقلين مطلب فئتين اختصمتا ولا يجب أن تلجاا لهذا الأسلوب مهما كانت المبررات لأن المعتقلين من الجانبين من أبناء الشعب الفلسطيني ، والمطلب الفئوي ينتفي اوتوماتكياً أمام المطلب الوطني إن كان عائقاً له وسيتحقق اوتوماتيكيا بتحقيق المطلب الوطني بنجاح الحوار وذلك بمفهوم من تهمه المصلحة الوطنية العامة ويضحي من أجلها بمصالحه الخاصة. واشتراط حضور ابو مازن ليقابل خالد مشعل ترسيخ لوجود رأسين وسلطتين، فابو مازن رئيس الشعب الفلسطيني كله بالإنتخاب ، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي هي مكون من مكونات الشعب الفلسطيني الذي شارك بالإنتخابات. فإذن أعذار حماس ومبرراتها واهية كالعهن المنفوش ، فلا ثقل لها ولا وزن ولا اعتبار وليست بخافية على العقلاء والبسطاء.
نأمل أن يعي الشعب الفلسطيني حقيقة المؤامرة التي يتعرض لها مشروعه الوطني ، وخيمته السياسية التي تتمثل في منظمة التحرير الفسلطينية الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب والتي تتعرض لمحاولة الإختطاف ، والتي يجب التمسك بها واستنهاضها وإعادتها لاعباً رئيسياً ورقماً صعباً لا يمكن تجاوزه من الطامعين ، وذلك إثباتاً لشرعية وجودنا وشرعية حقوقنا وهويتنا التي لم نحصل عليها بعد. وبإذن الله فلن تمر تلك المؤامرة على هذا الشعب الذي عايش ويعايش السياسة والوعي السياسي في كل لحظات حياته ، كما يتناول الخبز والزيت والزيتون والزعتر يومياً باعثاً فيه الصمود والوعي والصلابة واللين والحكمة والصبر والايمان ومنشطاً لذاكرته القوية.
كل الحقيقة - إن ما جرى أخيراً هو تعطيل وليس تأجيل للحوار الفلسطيني ، والتعطيل أكثر ضرراً من التأجيل لأنه ينطوي على نوايا مبيتة لا تبشر بالخير ، وكان هدف هذا التعطيل جني مكاسب شخصية فئوية على حساب المصالح الوطنية العليا ، لم يعد خافياً على أي متبصر ومراقب للأحداث من هو الطرف الذي يعطل ويماطل ويغيّر ويبدل بالأسباب والعلل ويتذرع بأسباب واهية تصغر أمام وحدة الشعب والوطن لمن هو وطني حقاً. وفي نظرة وقراءة شخصية ومحايدة بين أطراف الخلاف الفلسطيني ومنحازة للوطن والمواطن ، ومجردة من كل هوىً فئوي حزبي وحركي ، فإن ما يجري هو عملية متاجرة بمعاناة الشعب ، وبقضايا الوطن والمواطن واستهتار بالقيم والأخلاق ، وممارسة للنفاق والدجل السياسي بأقنعة باتت تكشف ما تحتها من نوايا مبطنة لا تبشر بخير.
كانت حماس تنادي دائماً بالحوار غير المشروط ، وتحقق لها ما أرادت ، ليس من موقف ضعفٍ أو موقف رجوعٍ للخلف من الطرف الآخر ، ولكنه في تقدير كل غيور على الوطن يعتبر خطوة للأمام نحو إخوة المصير من أجل مصلحة الوطن العليا ، وسعة صدرٍ وكظمٍ للغيظ وكرمٌ ومروءة وعلو قدم في النضال الوطني ومن منطلق ايمان قديم موروث وراسخ وجديد ومتجدد وهو أن الحوار هو الطريق الأوحد لحل الخلافات الذاتية الوطنية وأن الإحتكام للسلاح من المحرمات، ومن أجل أهلٍ يعيشون في ضنكٍ وحصارٍ وظلمة دامسة ولا ينتظرون نتتائج ايجابية أو إنجازات وطنية ستتحقق بعد صبرهم ومعاناتهم إلاّ أنهم أضحواْ مرتهنين لطرف لاهث وراء السلطة والمناصب ومُسيَّر ببوصلة توجهه نحو مصالح إقليمية وتحت شعار المقاومة، في توقيت سيء قبل الإستقلال وإنجاز التحرير في عملية سباق رخيصة ومملة وقاتلة ، الرابح فيها خاسر بكل المقاييس. ولو تدبرنا أسباب ذلك بنظرة متروية وتحليلية من خلال ترابط الأحداث والمواقف يمكن تلخيص البرهان واستخلاص العبرعلى ذلك في النقاط التالية:
عند اقتراب الإنتخابات الأمريكية ، ولمّا أدرك الديمقراطيون أنهم لا شك قادمون للإدارة الأمريكية بعد أن فقد جورج بوش ومن خلفه الجمهوريون شعبيتهم لسوء الإدارة في فترتي بوش والفشل الذريع للمشاريع العسكرية الأمريكية وما تبعها من عجز اقتصادي ، بدأ الديمقراطيون يرتبون أوراقهم في كل القضايا ، وتوجه وفد رفيع المستوى من الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي الى الشقيقة سوريا وذلك للتباحث في ملف الشرق الأوسط والملف الإيراني من خلال العلاقة السورية الإيرانية الوثيقة. وبعدها تحرك جيمي كارتر الديمقراطي وعراب كامب ديفيد الى المنطقة في عملية استقراءٍ لمواقف حماس ولمشروعها في قضية فلسطين. وكذلك زار سوريا واجتمع بالسيد خالد مشعل وحصل منه على الخطوط العريضة للمشروع الحمساوي الذي انطلق من وثيقة جنيف التي توصل اليها الدكتور أحمد يوسف مع الأوروبيين والقائمة على هدنة طويلة المدى مع اسرائيل وإبقاء الوضع على ما هو عليه ، أي دولة فلسطينية ثقلها في غزة وأجزاء من الضفة الغربية لا تشمل القدس ، وذلك لتثبيت سلطة حماس في غزة لتكون نموذجاً وبالون اختبار للإخوان المسلمين في السلطة لعل أمريكا تورثهم الحكم في بعض الدول العربية مثل مصر والجزائر وسوريا، وذلك بحد ذاته ومن منظور فئوي يعتبر إنجازاً لحزب الإخوان المسلمين في العالم العربي يقودهم للسلطة في البلاد التي تتململ فيها الأوضاع السياسية . وهذا من وجهة نظرٍ حزبية يعتبر أولوية على الإستقلال الوطني الفلسطيني الذي هو جزءٌ من الوطن العربي الكبير هدف المشروع ، فإن تحقق حلم الإخوان المسلمين بوصولهم الى السلطة في العالم العربي بعد أن يثبت نموذج حماس القدرة على ضبط الوضع لصالح القوى الكبرى والقدرة على رعاية مصالحها بمزيد من القمع للشعوب يفوق قمع الأنظمة الحالية ، كما كان الحال عند استيلائهم على غزة بممارسات الإعدام لمناضلين فشلت اسرائيل أكثر من مرة في الوصول اليهم وبوسائل مبتكرة وبالإعتقال وتكميم الأفواه ولجم الصحافة وإلغاء المهرجانات والمؤتمرات مما أثلج صدر اسرائيل وحلفائها وهنا لا نوجه اتهاماً أو طعناً في كوادر حماس، ولكنهم يظنون بأن وصولهم للحكم في العالم العربي سيجعل تحرير فلسطين التاريخية من البحر الى النهر قريباً وفي مرمى العصا. وهذا هو الوهم الكبير في ظل عالم عربي ما زال يعيش إرث سايكس بيكو مقسماً مختلفاً متناحراً ومتعدد الأيدولجيات وكل جزءٍ منطوٍ على نفسه وما زال يتعرض للإحتلالات والإجتياحات العسكرية والثقافية ويسير على نهج القطر أولاً كجزر متناثرة وهذا ما لم ولن تسمح به القوى المتحكمة في مصائر العالم. ولن يصح فيه الحال في هذا لوضع المتردي للعالم العربي الذي لا يملك زمام أمره.
بعد ذلك سعت حماس الى التهدئة مع اسرائيل عند بدء المفاوضات السورية الإسرائيلية بوساطة تركية ربما بإشارة من قيادتها في دمشق وبثمن لا يستحق التهدئة في أعلى مستوياته ، بقى الحصار على شعبنا الصامد في غزة وذلك لإثبات قدرتها على ضبط الوضع الأمني وتفوقها على غيرها من القوى الفلسطينية في فرض الأمن لصالح اسرائيل ، وأحقيتها في المفاوضات مع اسرائيل لفوزها بالإنتخابات التشريعية. وكان الإلتزام الحمساوي صارماً في فرض التهدئة مما اضطرها الى النزاع مع أقرب حلفاء الظروف حركة الجهاد الإسلامي وقمع مناضليها ومناضلي الفصائل الفلسطينية الأخرى واعتقال المقاومين وزجهم بالسجون لأنهم أصبحوا في نظرها عملاء وخونة للوطن ، وخارجين عن الإجماع الوطني الذي اختزلته حماس في إجماع بعض أعضاء القيادة الحمساوية بجناحيها في الداخل والخارج واعتبرت ما دون ذلك من الشعب الفلسطيني بالداخل والشتات هباءً منثورا. ولطالما اتهمت غيرها من الفصائل بالخيانة عندما كانت تدعو الفصائل الأخرى للتهدئة بشروط أفضل من شروطها وتحقق بعض المكاسب الوطنية ، وكانت تخرب كل تهدئة بحجة المقاومة المسيسة الممنهجة والمغرضة. ودعمت السلطة الفلسطينية هذه التهدئة وأيدتها على الرغم من استثنائها الضفة الغربية.
أسرائيل بدورها تلعب بخبث ودهاء معهود على التناقضات الفلسطينية ، فمن جانبها كانت تقوم بالإحتواء المزدوج لقطبي الصراع الفلسطيني الذاتي ، تجري المفاوضات العقيمة والعاقرة مع فتح ، وتناوش حماس بين الفينة والأخرى وتخترق التهدئة باجتياحات ممنهجة وترد عليها حماس بصواريخ تسقط في الصحراء ولا تلحق أضراراً بالمحتل لتبدي عدائها لحماس لتوهم قطاعاً كبيراً من عامة الناس من الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي والذين لا يميلون للتحليل ومراقبة الأحداث وقرائتها بإمعان لتبين لهم أن حماس تنتهج اسلوب المقاومة وتصنفها في محور الممانعة والإرهاب ، فمع مفاوضات تحمل حملاً موهوماً كاذباً لا تلد الاّ ريحاً كإطلاق سراح بضعة أسرى انتهت مدة حكمهم واعتقال ضعفهم ، ومناوشات ومهاوشات مع حماس تبقي الشعب الفلسطيني في حالة دوران حول النفس لا يعرف الحقيقة ولا يستطيع أن يميز الخبيث من الطيب ، فيبقى منقسماً على نفسه لا يستطيع حزم أمره وتوحيد كلمته وتستمر اسرائيل في توسيع وبناء المستوطنات وابتلاع الأراضي وتغيير الواقع على الأرض ليصبح حقيقة لا يمكن تجاوزها بالحلول المطروحة تماماً كما تجاوزنا قرار التقسيم 1947وركضنا وراء قرار 242 الذي يفقدنا حوالي 78% من أرض فلسطين.
من خلال الرسائل التي بعثتها حماس للإدارة الأمريكية عبر قطر وعبر جيمي كارتر التوراتي المتعصب والذي يؤمن بضرورة ترسيخ الكيان اليهودي على غالبية الأرض الفلسطينية وخاصة الضفة الغربية (يهودا والسامرة) (أرض الميعاد) تمهيداً لنزول المسيح ، وبعد فوز باراك اوباما بالترشيح عن الحزب الديمقراطي ووثوقه بالوصول الى البيت الأبيض ، بدأ مستشاروه من الحزب باجراء اتصالات سرية مع حماس وذلك لاستطلاع ودراسة المشروع الحمساوي للحل على قاعدة وثيقة جنيف التي يعرفها الجميع. ولكن ما يدعونا للتساؤل والتعجب هنا ، لماذا كل هذا اللف والدوران؟؟!!
بعد رفض عرفات لكامب ديفيد ، ثبت لأمريكا وحليفتها اسرائيل أن مشروع فتح لحل الصراع غير قابل للتطبيق على أرض الواقع وخاصة بمدينة القدس وعودة اللاجئين ، لذلك وبعد كامب ديفيد مباشرة بدأت اسرائيل بتدمير فتح وقواها وإنجازاتها ، بداية بالمقرات الأمنية والمنجزات الوطنية من مشاريع تنموية قدمتها الدول المانحة ، ثم حصار عرفات وعزله سياسياً ثم تصفيته جسدياً ومغازلة الرئيس أبو مازن ظناً منهم أنه سيحقق لهم مبتغاهم في حل الصراع ، ولما تبين لهم صلابة موقف أبو مازن فيما يختص بالثوابت الوطنية الفلسطينية ، تخلوا عنه ولكنهم لم يستطيعوا تصفيته لما عرف عنه من اعتدال واضح لا لبس فيه وجنوحه للسلم بواقعية وثبات على المواقف الفلسطينية وعدم تفريطه في الحقوق الفلسطينية وربما إن اضطرهم الأمر سيلحقونه بعرفات فمعروف عن أمريكا سهولة ويسر بيعهم الحليف إن كانت الصفقة تصب في صالحهم.
يبدو أن اسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية رأت في مشروع حماس للحل قابلية للتطبيق وأكثر تقارباً للمشروع الإسرائيلي ، دولة فلسطينية ثقلها في غزة بإدارة حمساوية وكانتونات معزولة مقطعة الأوصال في الضفة الغربية وهدنة طويلة المدى تستطيع اسرائيل خلالها بلع 80% من الضفة الغربية وهضمها في صورة كيانات هزيلة بإدارة مشيخات فلسطينية أو عربية وتحت جناحها الأمني.
تلاشي الدور العربي في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم قدرته على تطبيق المبادرة العربية للسلام ، وميله لمهادنة اسرائيل ومن ورائها الإدارة الأمريكية كل ذلك خلخل تماسك العقد والإجماع العربي حول حركة فتح كقائد لحركة التحرر الوطني الفلسطيني بدلالة التخلي العربي عن عرفات وهو يعاني الحصار والعزل والإستفراد الإسرائيلي به دون حراك أو حتى استنكار عربي لفك الحصار والعزلة عنه ، وانقطع عنها الدعم السياسي والمادي الاّ من الإتحاد الآوروبي الذي يدعم مشروع فتح للحل بخجل وللحيلولة دون انهيار السلطة الفلسطينية التي تحمل الأعباء الإقتصادية فقط نيابة عن المحتل ولأن فتح هي الباني والمؤسس والممول جزئياً للسلطة من مواردها الخاصة ، وشهدنا تحولاً في المواقف والتحالفات والعلاقات العربية العربية ، مما أدى الى السكوت العربي على الإنقسام الفلسطيني وعدم الجدية في رأب الصدع الفلسطيني الاّ من مصر والسعودية واليمن، وأدى ذلك الى عدم مصارحة الوسطاء العرب للشعوب العربية بالحقيقة وعدم التصريح علانية عن الطرف المعطل للحوار وتحميله المسئولية في الإنقسام. وعدم البوح صراحة عن الطرف المنتهك للشرعية الفلسطينية بإنقلاب دموي صريح وواضح لا يتقبله أي نظام عربي ولا يحصل الاّ في الدول المتخلفة. وضعف المد السياسي المصري والسعودي لفتح بصفتيهما الشقيقتين الكبيرتين الفاعلتين وذلك لإستقواء الكيانات العربية الهزيلة باسرائيل وأمريكا وبالمحاور الإقليمية على الدول العربية الفاعلة والمركزية وتصيدها بالماء العكر في حركة من الشذوذ السياسي المقيت للحفاظ على كياناتها المتهاوية والتطفل على الكيانات الكبرى بإبتزازها وثنيها عن مقاصدها ونواياها الصادقة.
الإنفراج في العلاقات بين حماس والأردن والانفراج في العلاقات بين الأردن وقطر ربما يعطينا المؤشر عللى البوصلة السياسية للإدارة الأمريكية الجديدة وتوجهاتها في التعامل مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي وانحرافها تجاه المشروع الحمساوي لحل الصراع الذي ربما ينحاز ولا يمانع الخيار الأردني للضفة الغربية واحتفاظ حماس بسيطرتها الكاملة على القطاع لمد الجسور والتآلف مع حركة الإخوان المسلمين في الأردن ضمن خطوط المشروع الحزبي الكبير لزعزعة النظام الأردني لصالح الإخوان المسلمين. وإن استقرار النظام السياسي الأردني ضرورة حتمية لإستقرار فلسطين والمنطقة ، كما وأن العلاقة الأردنية الفلسطينية علاقة تاريخية وحميمية وحتمية ومصيرية ولا انفكاك منها ولكنها يجب أن تبنى على قواعد من التوازن الجغرافي والديمغرافي والمدني بعد نيل الإستقلال الوطني الفلسطيني على الأرض الفلسطينية المحتلة وإنصاف الهوية الفلسطينية التي عانت طوال ستين عاماً مضت من الشطب والتشرد والحرمان، فحماس تنتظر صفقة بين ايران وأمريكا من جهة وسوريا وأمريكا من جهة أخرى تدخل ضمنها ويكون الرابح الأكبر فيها ايران ثم سوريا ثم حماس بالتتابع وكل حسب ثقله ووزنه وتبعيته للآخر وطول أو قصر نظره وتصب الخسائر على حساب المشروع الوطني الفلسطيني في عالم عربي مبني على وحدة واستقلال الكيانات السياسية وانفصالها عن شقيقاتها في محيطها العربي (حارة كل مين إيدو إلو). ذلك المشروع الذي ذهب ضحيته قوافل متتابعة من الشهداء من خيرة أبناء هذا الشعب المناضل المكافح الذي كلما اقترب من التحقيق أجهض جنينه قبل الولادة بالفعل الداخلي الفلسطيني المتحالف مع الفعل الخارجي الإقليمي والدولي كما حصل في عام 1936م وعام 1982م ....الخ.
ليس هذا إنصافاً لفتح على حساب حماس ولكنه إنصافٌ للتاريخ وللواقع والمصداقية على محاولة صياغة التاريخ واختزاله بمنظار فئوي شخصي قصير المدى ، وعلى حساب الرومانسية السياسية والشعارات البراقة الخادعة التي سقطت في الخمسينيات من القرن الماضي ، وليس هذا تبرئة لفتح من مسئولياتها في إدارة الأزمات والسماح لإختراقها كحركة للكلٍّ الفلسطيني الوطني من قبل ما يسمى اليوم بشخوص فتح وأزلامها المتسلقين على أغصانها في هذا الزمان الرديء ، والذين حاولوا اختطافها وارتهانها للمصالح الشخصية وتمزيق بنائها التنظيمي والنيل من تماسكها وقوتها وشعبيتها وامتدادها الفلسطيني والإقليمي كحركة تحرر شعبية والنيل من ثباتها على المباديء والذي أدى بنا الى هذا الحال من التشرذم الذي نعاني منه، فصعدت على ضعفها وعلى ضرب السكاكين في جسدها من اسرائيل وحلفائها وعلى سلم التخلي العربي عن دعم المشروع الوطني الفلسطيني فئات وشخوص منبوذة ، ونالت من شعبيتها. وليس هذا إلغاءً لحماس بصفتها مكون رئيسي من مكونات الشعب الفلسطيني وحركة وطنية قدمت الشهداء بقدر ما هو إشارة مرورية حمراء ينبغي التوقف عندها ومراجعة النفس والعودة الى حضن الشعب ودخول خيمته منظمة التحرير الفلسطينية بإشارة شرعية خضراء وبتوافق وطني وليس بالفرض والإذعان والإختطاف والسطو المسلح والإملاء. فإن كانت حماس نادمة على إطلاق بعض أسراها من فتح (السبعة عشر) فلتعد إعتقالهم وتذهب للحوار من منطلق القاعدة الشرعية 'درء المفاسد أولى من جلب المنافع' فالإنقسام شر مفسدة وإطلاق سراح المعتقلين من الجانبين منفعة ، الحوار مطلب وطني وإطلاق سراح المعتقلين مطلب فئتين اختصمتا ولا يجب أن تلجاا لهذا الأسلوب مهما كانت المبررات لأن المعتقلين من الجانبين من أبناء الشعب الفلسطيني ، والمطلب الفئوي ينتفي اوتوماتكياً أمام المطلب الوطني إن كان عائقاً له وسيتحقق اوتوماتيكيا بتحقيق المطلب الوطني بنجاح الحوار وذلك بمفهوم من تهمه المصلحة الوطنية العامة ويضحي من أجلها بمصالحه الخاصة. واشتراط حضور ابو مازن ليقابل خالد مشعل ترسيخ لوجود رأسين وسلطتين، فابو مازن رئيس الشعب الفلسطيني كله بالإنتخاب ، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي هي مكون من مكونات الشعب الفلسطيني الذي شارك بالإنتخابات. فإذن أعذار حماس ومبرراتها واهية كالعهن المنفوش ، فلا ثقل لها ولا وزن ولا اعتبار وليست بخافية على العقلاء والبسطاء.
نأمل أن يعي الشعب الفلسطيني حقيقة المؤامرة التي يتعرض لها مشروعه الوطني ، وخيمته السياسية التي تتمثل في منظمة التحرير الفسلطينية الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب والتي تتعرض لمحاولة الإختطاف ، والتي يجب التمسك بها واستنهاضها وإعادتها لاعباً رئيسياً ورقماً صعباً لا يمكن تجاوزه من الطامعين ، وذلك إثباتاً لشرعية وجودنا وشرعية حقوقنا وهويتنا التي لم نحصل عليها بعد. وبإذن الله فلن تمر تلك المؤامرة على هذا الشعب الذي عايش ويعايش السياسة والوعي السياسي في كل لحظات حياته ، كما يتناول الخبز والزيت والزيتون والزعتر يومياً باعثاً فيه الصمود والوعي والصلابة واللين والحكمة والصبر والايمان ومنشطاً لذاكرته القوية.