إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من العيادة السياسية...... زغللة قلب .......

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من العيادة السياسية...... زغللة قلب .......

    لأول مرة منذ فتحت عيادتي السياسية أتردد في معالجة مريض رغم أنه لا يوجد في عنقي قسماً لأبي قراط أو غيره ، لكن المسألة هنا مسألة أخلاقية ولا أظن أن في هذه الدنيا إنسان لديه ذرة ضمير يتأخر عن إسعاف مريض بحاجة للعلاج، حتى لو كان مرضه من النوع السياسي ..

    وبعيداً عن الضمير وهوى النفس وقسم أبو قراط وكل المثل والأخلاقيات التي تحث على مد يد العون للمرضى، فهناك عقيدتنا التي تُلزمنا بذلك، بل وهناك تهديد صريح لمن يكتم علمه بأنه سيحظى والعياذ بالله بلجام من نار يوم القيامة! ..

    مريضنا اليوم طبيب من الذين التزموا بالإضراب وامتنع عن الدوام في مستشفيات غزة المحاصرة خشية أن يقطع المحاصرون في المقاطعة راتبه .. وربما كانت الأمور ستكون على ما يرام لولا أنه تعرض في غزة لضغط مضاد ليعاود ممارسة مهنته، مما تسبب في زيادة الأعراض الجانبية من وراء تلك الضغوط فنتج عنها مرضاً سياسياً رغم أنه لا ينتمي إلى حزب أو فصيل معين .. هكذا يظن !

    يقول زبوننا الفاضل بكل ثقة :
    - صدقني يا دكتور ليس لدي انتماء سياسي لأي جهة .. أنا مجرد إنسان بسيط أنفق والده عليه مبالغ طائلة كي يحصل على شهادة الطب ، ثم تعينت في إحدى المستشفيات بعد طول انتظار، أعالج فيها المرضى بكل أمانة وإخلاص واضعا مخافة الله أمام عيني، بصرف النظر عن الانتماءات السياسية للمرضى والمصابين، إلى أن جاءت الأوامر من قبل الذين يدفعون الراتب بالامتناع عن العمل بحجة الإضراب، فالتزمنا بالأوامر ونحن نعرف جيدا أن السبب الحقيقي من وراء الدعوى للإضراب هو استغلالنا في الصراع الدائر بين فتح وحماس .. لكن حكومة حماس لم تقدر ظروفنا ومارست علينا ضغوط مضادة لكي نعود إلى مزاولة المهنة رغم معرفتها بأن عودتنا للعمل ستتسبب في قطع رزقنا ورزق عيالنا .. وهكذا إن جلست في البيت جاءني اتصال من رقم مجهول يهددني بالفصل إن لم أعد لعملي في المستشفى ، وإن ذهبت إلى المستشفى يأتيني اتصال اخر من رقم مجهول يهددني بقطع الراتب إن لم ألتزم بالإضراب وأغادر المستشفى على الفور ! .. وكما ترى .. إن ذهبت للعمل، أصبحت حمساوياً انقلب على الشرعية استحق قطع راتبي ، وإن جلست في بيتي، أصبحت فتحاوياً من أتباع دايتون ومشاركاً في الحصار وقاتل للمرضى .. مع العلم وكما ذكرت لك سابقاً ليس لي انتماء لأي جهة ، ولو كان الأمر بيدي لهاجرت من هذه البلاد وتخليت عن جنسيتي الفلسطينية ليرتاح كلا الطرفين ..

    لا أعرف لماذا شعرت أن الرئيس المصري حسني مبارك هو الجالس أمامي الآن .. ربما لأنه يستخدم نفس المبررات ليبرر حصاره لغزة .. فالمعونة الأمريكية تشبه إلى حد كبير الراتب الذي يخشى الطبيب من انقطاعه .. والتحجج بمسألة الصراع بين حماس وفتح تمنعه من القيام بالواجب الذي يجب أن يقوم به لأنه مرتبط باتفاقية سلام مع الصهاينة .. لكن ثمة فرق بين هذا الطبيب والرئيس حسني مبارك .. فالأول ذكر أنه يخاف الله، وهذا جيد وهناك أمل في شفاءه، أما الثاني فهو لم يذكر يوماً أنه يخشى الله وهناك احتمال كبير بأنه مختوم على قلبه! .. لذا سألت الطبيب السؤال الذي يعرفه كل من يخشى الله سبحانه وتعالى :
    - قل لي يا سيدي .. بعد أن يُشفى المريض الذي تعالجه، هل تشعر بأنك أنت الذي شفيته أم أنك كنت وسيلة في هذا الشفاء ؟..
    أجاب بكل ثقة وبلا تردد :
    - بالطبع الشافي هو الله سبحانه وتعالى ونحن مجرد أسباب لمن منّ الله عليه بنعمة الشفاء ..
    - إذاً أنت تُقر بأن الشافي هو الله عز وجل وأنت مجرد سبب ضمن أسباب كثيرة
    - إلى أين تريد الوصول ؟!
    - ليس مهما أن أصل أنا، المهم وصولك أنت .. سأسلك سؤلا اخر .. هل صادفت يوماً وأنت تعالج المرضى شاب أصابته رصاصة لأنه حاول إسعاف مقاوم جريح بإخراجه من ميدان المعركة ؟
    - نعم صادفت هذا كثيرا وأحياناً يموت المسعف ويشفى المصاب !
    - ها أنت قلتها .. لماذا يغامر المسعف بحياته لإنقاذ جريح ، و قد لا تكون بين المسعف والجريح سابق معرفة ؟ .. ولماذا يعتقد أن في تصرفه هذا مرضاة لله وليس إلقاء النفس في التهلكة التي نهى الله عنه؟..
    - بدأت أعرف نواياك وقصدك !
    - أجب على السؤال فقد يكون النقص في إجابتك سبب مرضك !
    - حسناً ..إضافة للجانب والواجب الإنساني التي تفرضه مثل هذه الظروف، المسعف يعتقد بأنه يحاول إنقاذ مجاهد ضحى بحياته من أجل الدفاع عن عقيدته ووطنه، وهو بدوره مستعد للمخاطرة بحياته من أجل إنقاذ هذا المجاهد ، وبما أن عمل المجاهد فيه مرضاة لله، فعمل المسعف كذلك لأنه متصل بعمل المجاهد ، ولهذا لا يعتقد بأنه يُلقي بنفسه إلى التهلكة ..
    - هذا جيد .. لنقل أن الجريح والمسعف يعتقدان أيضاً أن الأعمار بيد الله .. فهل تشاركهما نفس الاعتقاد ؟
    - نعم بالطبع .. الآجال والأعمار بيد الله ولا شك في هذا ..
    - طالما أن الأعمار والشفاء بيد الله وإذنه .. لماذا لا تؤمن أيضاً بأن الرزق بيد الله ؟..
    - من قال هذا؟!.. أنا أؤمن بهذا واعتقده .. الرزق بيد الله ولا جدال في ذلك ..
    - ولكنك امتنعت عن عملك الذي باعترافك واجب إنساني وعقائدي خشية على الرزق .. ولو قارنت بين نفسك و المسعف، ستجد أنه خاطر بحياته التي هي اغلى عنده من كنوز الدنيا -بدافع واعتقاد أن الأعمار بيد الله - من أجل إنقاذ إنسان، أما أنت فلست مستعد للمخاطرة براتبك رغم اعتقادك أن الرزق بيد الله، ورغم تأكدك بأن انقطاعك عن العمل قد يتسبب في إزهاق روح إنسان !.. وهذه إن كانت جريمة في الظروف العادية، فهي كبيرة من الكبائر في ظروف الحصار التي نعيشها! ..

    صمت الطبيب لبعض الوقت وكأنه يفكر في أمر ما .. ثم قال بضيق :
    - حذروني منك وأكدوا لي بأنك ستشخص حالتي من منظورك الحزبي .. وها أنا ذا أصبحت من أصحاب الكبائر ولم يبق إلا أن تُكفرني! ..

    قال كلامه هذا وهم بمغادرة المكان ولا أظن أنه كان سيدفع الفزيتا كبقية الزبائن ، لكنني استوقفته بقولي :
    - ألا تطلبون من مرضاكم صور أشعة ورسم قلب وفحص بالرنين المغناطيسي وما نحو ذلك لكي يكون التشخيص سليماً 100% فيسهل العلاج ؟..
    - وهل لديك مثل هذه الأجهزة لتشخيص الحالات ؟
    - نعم .. لدي المرآة التي وضعتها أمامك وشخصت أنت من خلالها مرضك، وبدلا من أن تعالج نفسك تريد مني أن أرسم لك صورة المضطهد الذي اعتزل مشاكل الدنيا فلاحقته المشاكل إلى حيث يختبئ!
    - يا سيدي أنت لم تكن منصفاً فيما تسميه تشخيص .. أنا إن عدت على العمل كما تطلب مني فعودتي ستكون للمناكفة السياسية واستجابة لضغط أحد الفريقين وليس من أجل المثل والأخلاقيات التي تحدثت عنها .. فتح تطلب منا الامتناع عن العمل لإحراج حماس .. وحماس تطالبنا بالعمل نكاية فيها وليس من أجل مصلحة الناس .. فتح لديها تقويم شتوي , وحماس لديها تقويم شتوي في وقت مختلف ، فتح تريد منا الذهاب في اتجاه وحماس تريد منا الذهاب في اتجاه معاكس .. لم يبقى إلا أن تطلب فتح أن نصوم شعبان، بينما تطالبنا حماس بصيام شوال!..
    - لو حدث هذا .. ستصوم شعبان أم شوال ؟!
    - سأصوم رمضان بالطبع ولن أرد على أحد .. والله عال، هذا ما كان ينقصنا!!
    - إذا أنت تعرف أن الطبيعي والمنطقي هو صيام رمضان .. فأين المشكلة في هذا .. قم بما هو طبيعي وبما تمليه عليك عقيدتك و ضميرك .. فأنت بالتأكيد لم تأخذ شهادة الطب لتجلس في بيتك ، لأن المنطقي والطبيعي هو أن تعمل ما تعلمته وإلا استدرجوك لتكون منهم ..
    - منهم ؟؟!
    - نعم منهم .. الذين اتخذوا اليهود أولياء لهم من دون الله !.. أما عرفت أن اليهود يحاربوننا بالمرض والجهل ؟..
    - وأصبحت من الذين اتخذوا اليهود أولياءً أيضاً ؟! .. ألديك تهمة أخرى تريد إضافتها ؟
    - لدي غزة الجائعة المحاصرة ، سِرّ في شوارعها ستعرف معنى الآية : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ، فإنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ) .. واعلم أن الله حين حذر المؤمنين بقوله تعالى ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) انقسم الناس حينها إلى ثلاث أقسام .. بعضهم امتثل لله وسمع أطاع .. وبعضهم عصى واستكبر .. وقسم ثالث قال فيهم سبحانه وتعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة ، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) ..

    يبدو أنه لم يعجبه كلامي، فهكذا فهمت حين قال ساخرا ..
    -وفي رأيك وحسب تشخيصك .. لدي مرض في القلب أم عمى قلب ؟!

    أجبته وقد انتهت جلسة العلاج ..
    - بل زغللة قلب ..







    ملاحظة : الموضوع ملطوووووووش


    انا ابن حماس وما هتفت لغيرها ولجيشها المقدام صانع ثورتي
يعمل...
X