أولاد المشايخ والالتزام الديني
أ. خالد سيف الدين
هذا الموضوع سبق أن نشرته في أحد المواقع منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، إلا أنني وفي ظل الضجة الإعلامية التي أثيرت مؤخرا حول (جوزيف حسن يوسف)، دعتني إلى أن أعيد نشر هذه المقالة، علها يكون فيها الفائدة والعبرة. وأن نعززها بما لديكم من شواهد وأدلة ومناقشة هادفة.
مذ كنت طالبا في السنوات الأولى في الجامعة، أي منذ سنوات بعيدة نسبيا، استرعت انتباهي ظاهرة، ألا وهي: (عدم الالتزام الديني عند أولاد المشايخ)، في بداية الأمر لم أحدّت أحدا بهذه الملاحظة، وبقيت حبيسة النفس لئلا يفهم أحد كلامي على غير الوجهة التي أريد، بأني متحامل على أولاد المشايخ، أو أريد أن أشوّه صورتهم، واعتقدت في حينه أنها مجرد حالات فردية هنا وهناك، ويجب ألا أتسرع في إطلاق الأحكام، لكن مع مرور الوقت ثبت لي صحة ما اعتقدت به سابقا، وحينها تجرأت وأخذت أناقش زملائي وأصدقائي حول هذا الموضوع، ولقيت منهم استجابة، بل أخذ كل واحد منهم يسوق لي الكثير من الأمثلة عن أبناء المشايخ في المناطق التي يقيمون بها، أو أبناء المشايخ الذين يعرفونهم عن قرب.
وشاءت الأقدار أن أتنقل في أكثر من بلد عربي، وأجد عندهم نفس الظاهرة التي لاحظتها في فلسطين عن أولاد المشايخ في فلسطين، من حيث عدم الالتزام الديني بالشكل المأمول، وقد احتل هذا الموضوع حيزا كبيرا من تفكيري لدرجة أنني أردت أن أفرد له دراسة ميدانية للتعرف عن قرب وبشكل مباشر عن أسباب هذه الظاهرة، إلا أن الظروف المحيطة لم تساعد.
وقبل الخوض في التفاصيل لابد من توضيح ما المقصود بالمشايخ: هو كل شخص ملتزم ومن رواد المساجد سواء كان (خطيب، إمام مسجد، واعظ، متخصص في العلوم الشرعية، أو رجل له مكانته في الحركة الإسلامية).
وهناك الكثير من الملاحظات و السلوكيات التي يمكن أن تسجل على أبناء المشايخ والتي دعتني للقول بعدم الالتزام الديني عندهم، خذ على سبيل المثال:
• عدم الالتزام والحفاظ على الصلوات الخمس جماعة في المسجد، مع العلم أن بعضهم بيته لصيقا للمسجد.
• المظهر الخارجي والهندام الذي يجاري الموضة الغربية، ولا يعكس مرتديه بأنه من الشباب المسلم الملتزم الذي تربى تربية إسلامية في بيت إسلامي ملتزم، والمتحلي بأخلاق وقيم الإسلام، فتجده يلبس (البنطال الساحل، أو المرقع، أو ذو الرجل الواسعة، البلوزة الضيقة)، يتحير الواحد منهم كيف يتصرف في شكله، ناهيك عن قصات الشعر واللحية والشارب الغريبة (المقززة).
• سماع الأغاني الماجنة، ومتابعة الأفلام الخليعة.
• يتعاطى السجائر (مدخن) ظنا منه ـ خطئاـ أنه بمجرد تعاطي السجائر أصبح صاحب شخصية مستقلة، وصار في مصاف الرجال.
• يلبس في رقبته ـ أعزكم الله ـ جرير كلب (سلسلة).
• معاكسة الفتيات سواء بالجوالات أو عبر الانترنت أو في السيارات أو في الطرقات أو على بوابات المدارس أو في باحات الجامعات.
• ممارسة الكثير من السلوكيات غير الإسلامية، بل وصل الحد ببعضهم أن مارس الفاحشة، وبعضهم تعاطى المخدرات، وبعضهم شرب المسكرات، وبعضهم جمعها جميعا.
• على صعيد الفتيات قد يكن من المتبرجات، ولم يلتزمن باللباس الشرعي كما قرره الدين.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يجعل هؤلاء الأبناء يأتون بهكذا تصرفات؟، أين يكمن الخلل؟، هل يكمن الخلل في الوالد (الشيخ)؟، أم يكمن الخلل في طريقة التنشئة الاجتماعية المتبعة مع الأبناء؟، أم يكمن الخلل في الابن نفسه؟
قد تكون هذه العوامل مجتمعة سببا في انحراف الأبناء وغياب الالتزام الديني عندهم، فتجد الأب (الشيخ) يشغل جل وقته وهو يتردد ويتنقل من مسجد إلى مسجد يلقي الدروس والمواعظ والخطب، ويدعو الناس إلى التخلق بأخلاق الإسلام، والالتزام بقواعد الدين الإسلامي، وقد يتمعر وجهه غضبا على حرمات الله التي تنتهك كل يوم، وبيته مدمر من الداخل، وتجد عنده من الأولاد مَن يمارس واحدة أو أكثر من السلوكيات سالفة الذكر، فأين هذا الصنف من المشايخ من قول الله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟!}، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟!}. بمعنى آخر، أن أسلوب رقابة ومتابعة الأبناء ضعيفة إن لم تكن مغيبة من قبل الآباء (المشايخ)، ظنا منهم كون أنهم وعاظ وخطباء وملتزمون، سيكون أبنائهم على شاكلتهم. كيف سيكون ذلك ما لم تكن هناك رقابة ومتابعة، وتوجيه وإرشاد؟.
كذلك أساليب التنشئة الاجتماعية المتبعة مع الأبناء سواء الإيجابية منها أو السلبية لها انعكاس على شخصية الأبناء وسلوكياتهم ومعتقداتهم، فحري بهؤلاء المشايخ كون أنهم من المتخصصين في علوم الشرع، ويعتبرون أنفسهم حماة وحراسا لهذا الدين، أن يمارسوا مع أبنائهم نفس الأساليب التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام في تربية أبنائهم، والتي ينصح علماء الاجتماع والتربية والنفس المعاصرون بإتباعها في تربية الأبناء، لأنها أثبتت نجاحها في بناء جيل مسلم عقائدي سليم وخالي من الأمراض والمشكلات الاجتماعية والنفسية، ومن بين هذه الأساليب (حرية التعبير، القدوة الحسنة، التقليد، الاستقلال، التوجيه عن طريق الثواب والعقاب، التسامح).
أيضا هناك اعتقاد خاطئ عند الأبناء بأن تدين آبائهم سيغفر لهم أخطائهم وزلاتهم، وبما أن والديهم ملتزمون ومشايخ لهم قدرهم ومكانتهم في المجتمع فإن ذلك يعفيهم من التدين والالتزام. أين هؤلاء الأبناء من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب عمه العباس وابنته فاطمة عليهم رضوان الله تعالى "إني لن أغني عنكم من الله شيئا"، فكل واحد يحاسب على عمله، لا ينفعه بأن والده شيخ أو عالم، قال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}.
كذلك هذا الأمر له انعكاسات سلبية على الشباب عموما في المجتمع، فحينما تنهى شابا عن إتيان وممارسة سلوك خاطئ، تجده يقول لك مباشرة: فلان ابن الشيخ فلان يأتي بنفس هذا السلوك، حلال عليهم حرام علينا؟!، وكأنه يرى بأن تصرف "ابن الشيخ" جاء بناء على رضا وقبول من والده الشيخ، الأعلم منك في علوم الدين.
لذلك وجب على شريحة المشايخ أن يتنبهوا لهذه المسألة، لأنهم محل تقدير واحترام في المجتمع، ويحاول الناس أن يقلدونهم في كل ما يأتون كون أنهم هم حماة الدين وحملة العلم الشرعي، وهم الأخبر والأعلم بالحلال والحرام. وأختم مذكرا المشايخ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ما معناه ـ: "ثلاثة أول من تسعّر بهم النار"، ذكر منهم (عالم)، فيسأله ربه: فيم تعلمت العلم؟، فيجيب: يا رب من أجل أن ينشر العلم بين الناس، ويتعلموا ويتفقهوا أمور دينهم، فيقول الله تعالى له: كذبت؛ تعلمت العلم ليقول الناس أنه عالم وقد قيل، خذوه يا ملائكتي إلى النار.
أحذرك شيخي الكريم أن تكون من هذا الصنف من العلماء، الذين هم كثر في مجتمعنا اليوم، ما تعلموا العلم من أجل أن يعود بالنفع والفائدة على الناس والمجتمع، إنما تعلموا العلم من باب السمعة والشهرة (النفاق والرياء)، ليشار إليهم بالبنان، بأن فلان عالم. هؤلاء العلماء لا يتجاوز العلم حناجرهم. تجدهم في كل مكان يحثون الناس على الخير والفضيلة، وهم يأتون عكس ما يدعون الناس إليه. يدعون الناس إلى الصدق والإخلاص في القول والعمل، وهم أهلا للدجل والكذب والنفاق والرياء، يدعون الناس للتصدق والإحسان وهم أهلا للشح والبخل، يدعون الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يرون المنكر ولم يغيروه ـ إن لم يأتوه ـ.
تعليق