إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في غزة .. الطفل فارس .. مشروع مجرم مع مرتبة الشرف !!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في غزة .. الطفل فارس .. مشروع مجرم مع مرتبة الشرف !!







    كلما أمعنت النظر في الحياة الأسرية الفلسطينية اليوم , نقلتني الذاكرة إلى روايات وقصص جدي عن العادات والتقاليد الأصلية الجميلة ,في الزمن البسيط الجميل , والتى لم تعد تربطنا بها سوى خيوط رفيعة , وبدأت للأسف تطفو على السطح , بعض التشوهات الاجتماعية , في الآونة الأخيرة , والمتمثلة في زيادة العنف , واندثار قيم التسامح , والنخوة , والتجرد من كل ما هو إنساني , وطغيان القيم المادية , وهو ما تجسده قضيتنا اليوم , حيث تجرد عم من كل معاني الإنسانية , ومارس كل طقوس العنف والقهر ضد ابن أخيه الطفل اليتيم , الذي لا يتجاوز الثالثة عشر عاما , ليهيم الأخير على وجهه في الأرض باحثا عن مأوى , ومكان فيه بعض السكينة , والأمان , وكثير من الحنان الذي فقده منذ ولادته .

    .... مركز شرطة خان يونس .....



    بينما كنت جالس في مكتب مسئول العلاقات العامة في مركز شرطة خان يونس, أتابع معه قضية كنا قد نشرناها , دخل علينا شابين ومعهم طفل يبدو عليه التعب والإرهاق والبؤس والتشرد , اعتقدت للوهلة الأولى أن هذا الطفل قد قام بعمل مشين , وبعد أن التقط الشابان أنفاسهما , تحدث أحدهما قائلا : نحن نعمل في كافيتيريا على شاطئ البحر , وفاجئنا بدخول هذا الطفل علينا الساعة الثانية بعد منتصف الليل , وكان يبدو عليه الإرهاق والتعب , وطلب منا إيواءه وإطعامه , وفعلا قمنا بذلك , وانتظرنا حتى انتهاء دوامنا , وأحضرناه لنخلي مسؤوليتنا , ونتمنى منكم , سماع قصته التي أبكت قلوبنا ."

    ... قتل أبوه ... وتزوجت أمه ....



    وبالصدفة انشغل مسئول العلاقات العامة في أمر طارئ , وانتهزت الفرصة وطلبت من الطفل أن يروي لي قصته من البداية , قال وبصوت يئن من غدر الزمان ممزوجا بكل أنواع القهر , والظلم واليتم : اسمي فارس عزام , عمري ثلاثة عشر عاما , من سكان محافظة خان يونس , أقيم عند جدتي , فسألته عن سبب مكوثه عند جدته , فقال : والدي كان يعمل في السلطة , وأثناء تنظيف زميله لسلاحه خرجت رصاصة واستقرت في صدر أبي ( حسب رواية والدته ) , حيث كنت صغيرا لا أتجاوز العامين عندما توفي والدي , أما عن والدتي , فبعد وفاة والدي , ونظرا لصغر سنها , أجبرها عمها على الزواج من رجل آخر , وفعلا تزوجت في دير البلح , وزوجها رفض مكوثي عنده , فتركوني عند جدتي , التي تولت كل شؤوني .



    ...... معاملة قاسية ... وتفرقة عنصرية ....



    ومنذ ذلك الوقت , وأنا أعيش مع جدتي في الطابق الأول , وعمي حسام في الطابق الثاني , وهو معاق حركيا , وعمي حسام يضربني بصفة دائمة , ويعنفني بألفاظ مخزية , خاصة أمام أولاده , وكثيرا ما يمنعني من اللعب معهم , ويعاملني كأني ابن الخدام , لا ابن أخيه , كذلك يحاول التقليل من شأني , ويفرق في المعاملة بيني وبين أولاده , ويضع حدودا لتلك العلاقة , وأضاف بكلمات تقشعر لها الأبدان , ما بعرف ليش عمي بيعاملني هيك معاملة , رغم أنني أحاول فعل كل ما يرضيه .

    ودائما ما يقوي أولاده الصغار علي , ليسبوني , ويسرقوا إغراضي , التي تحضرها أمي لي , وانصدمت عندما سألته عن جدته , التي هي من المفترض أن تكون مصدر الحنان والأمان لهذا الطفل اليتيم , فقال : جدتي تعاملني تقريبا بنفس الطريقة , فهي تعنفني دائما , وتفرق في المعاملة بيني وبين أولاد عمي ودائما تسب وتشتم والدتي , وتصب جام غضبها علي , خاصة عندما أطلب منها الاتصال بوالدتي , ودائما تردد عبارتها الشهيرة "أمك تركتك لتتزوج ,....,....,.......؟؟؟



    .... دكتور خصوصي ....



    من المبكي المضحك , ما قاله فارس عندما ذكر أن جدته تأخذه إلى دكتور خصوصي , حتى تنسيه أمه .

    فقد ذكر لنا , أن جدته تأخذه كل فترة على دكتور , يضع أسلاكا كهربائية في رأسه , ويعطيه حبوب تجعله ينام نوما عميقا , وضحكت من شدة الغيظ عندما قال لي فارس أنه سمع جدته تقول للدكتور : عايزاك تعطيه حبوب تنسيه أمه , لأنه جنني !! , وهذا ما دفعني لأستفسر أكثر عن معاملة جدته في النواحي الحياتية الأخرى , فقال : أنها تضع لي الأكل , ولكنها تمنعني من تناول وجبات أخرى غير الرئيسية , وهو ما يدفعني لسرقة الخبز والجبن من ورائها , وإذا عرفت بذلك , فإنها تعنفني وتسبني كالعادة , وأما الحمام فتحممني مرة في الأسبوع , وإذا شعرت أنني أريد الاستحمام في غير اليوم المحدد لي , فأقوم بذلك عندما تخرج من البيت , وقال بصوت يئن من القهر والظلم : أن معاملة جدتي لا تختلف كثيرا عن معاملة عمي حسام ..؟.



    .....زيارة موسمية ....



    أما عن والدته المغلوبة على أمرها , فهي تحت رحمة رجل لا يعرف الرحمة , ويقول فارس أن والدته تزوره من فترة لأخرى , ومعظم الأحيان تكون دون علم زوجها , الذي يمنعها في أغلب الأحيان من زيارة أبنها , وقال : أمي حنونة جدا , وعندما تزورني تقوم بإحضار الطعام , واللعب والملابس لي .

    وقال فارس : دائما أقول لأمي أن تخرجني من هذا السجن الظالم , وتأخذني لأعيش معها , ومع أولادها , لكنها تبكي وتقول : زوجي , وأعمامك لن يرضوا بذلك , وأضاف فارس أنه في إحدى المرات قبل عام تقريبا , اصطحبته والدته إلى البيت ليقضي أسبوعا معها , إلا أن زوجها قام بتعنيفها وضربها , واضطرت أن ترجعني بنفس اليوم إلى بيت جدتي .



    .... هائما على وجهه .....



    سألت الطفل عن السبب المباشر الذي جعله يخرج من البيت , فقال : أحضرت لي والدتي دراجة هوائية , قبل أسبوع , وقام أولاد عمي بتكسيرها وتخريبها , بعد يومين فقط , لم أفرح عليها بعد , فقمت على اثر ذلك بضرب أولاد عمي , من شدة غيظي , فقام عمي بضربي , وطردي من البيت , ومنذ الساعة الثانية بعد الظهر , وأنا امشي في الشوارع , لا أعرف أين أذهب , فهمت على وجهي , من شارع لشارع , وعندما اتعب أستريح لبعض الوقت على الأرض , حتى قادتني رجلاي ودون أن اشعر إلى شاطئ البحر , ورأيت أناس سهرانين فذهبت عندهم , وطلبت منهم المبيت عندهم , وقاموا بإكرامي , وإطعامي , وقضيت عندهم ساعات قليلة , مليئة بالأمان والاطمئنان , لم أعشها أبدا في حياتي .



    ...... لا يشعر باليتيم إلا اليتيم .....



    محمود جميل البيوك , شاب في بداية العشرينات , من عمره , يعمل في كافيتيريا

    على شاطئ البحر قال لنا : لقد تعاطفت جدا مع فارس , لأنني تربيت مثله يتيما , وقاسيت وعانيت الأمرين , من أقرب الناس لي , وما سمعته من فارس فاق كل حدود العقل والمنطق , حيث روى لي بالأمس , قصصا عن عمه المجرم , الذي تجرد من كل معاني الإنسانية , وقال : لو شاهدت معي حالة هذا الطفل عندما قدم إلينا بالأمس , لبكيت لحاله , فحالته كانت صعبة جدا , وعندما وضعنا له الطعام ليأكل , اعتقدت أنه لم يأكل منذ شهر .

    وأضاف محمود : يا ريت عندي إمكانيات مادية , لتبنيت هذا الطفل , ولكني لا استطيع أن اصرف على نفسي , كلمات لا تخرج إلا من إنسان ذاق ما ذاقه فارس.



    .... طلب أخير .....



    وعندما أنهيت حديثي مع الطفل , حاولت أن أخفف عنه ببعض الكلمات , وعندما هممت بالمغادرة قال لي فارس : ممكن اطلب منك طلب ؟؟ فقلت له : نعم !!

    قال وبصوت يجعل شعر رأسك يقف من شدة الحزن الممزوج بالألم والقهر : أنا مش عايز ارجع عند عمي , أنا عايز أعيش عند محمود في البحر , واشتغل عنده , بس ما ترجعوني عند جدتي , أمانة عليك .



    من المؤكد أن هذا العم , يدرك تماما أن ما يمارسه من عنف لفظي وجسدي ضد ابن أخيه اليتيم , يؤسس فعليا لواحدة من اثنين :

    الأولى , مشروع مريض نفسي , لاهداف في نفسه, والثاني مشروع مجرم , فكم العنف والقهر والظلم , الذي يمارس على فارس لن ينتج إنسانا سويا .

    هذا الطفل ضحية مجتمع , لا يلومه أحد إذا أصبح مجرما , فالبيئة تؤهل لذلك , بحثت عن قوانين تحدد تلك العلاقة , وتجرم العم , فوجدت أن القوانين حتى لو كانت موضوعة فهي تعد في عالم الظلام , فأقصى إجراء قانوني سيتبع أن تستدعي الشرطة العم وتأخذ عليه تعهدا , أن لا يتعدى بالضرب على ابن أخيه , وأنا أؤكد لكم أنه بمجرد ذهابه هناك سيعود العم لممارسة ما يرتكبه ضد ابن أخيه , وأتساءل : هل هناك متابعة من الشرطة , وضمان عدم اعتداء العم على ابن أخيه , أؤكد لكم أن هذا الإجراء غير متبع , ولا توجد عندنا كما في الدول الأخرى , شرطة التوجيه والعناية الأسرية والتي تضمن عدم تعرض الأطفال للعنف , من قبل ذويهم .

    فمن يا ترى سيهتم لأمر هذا الطفل المسكين , ويرفع عنه الظلم القادم والموحش ...؟؟؟

    هذا الطفل أمانة بعنق كل مسؤول في هذا البلد , دون تحديد أسماء , فهم يعرفوا أنفسهم جيدا , أما نحن فقد حاولنا بقدر المستطاع أن نوصل رسالة هذا الطفل بأمانة وموضوعية .

    إلى هنا انتهت كلماتنا في وكالة قدس نت للانباء... ولكن آهات وأنات فارس لم تنتهي بعد , تجلجل في السماء , وترتد الى الأرض لعلها تصادف من يهتم بها , وينقذه للأبد , ليخرج أنسانا نافعا سويا ...


    رحمك الله ياشهدائنا الابطال
يعمل...
X