حركة الجهاد الإسلامي
هل هي مشروع فكري أم عسكري؟
أ. خالد سيف الدين
مقدمة:
سؤال كثيرا ما طرحته على أخوتي في لقاءاتي وحواراتي معهم: هل حركة الجهاد الإسلامي مشروع فكري أم مشروع عسكري؟، في هذه الحالة تسمع إجابات متفاوتة ومختلفة. هذا التفاوت والاختلاف ـ وفق ما تبين لي ـ جاء بناء على فترة الدخول والالتحاق بالحركة، إن كان من الجيل الأول، أجاب بأن الحركة (مشروع فكري)، أما إن التحق بالحركة في فترة انتفاضة الأقصى أجاب بأن الحركة (مشروع عسكري)، كل منهما أجاب وفق ما تنشئ وتربى عليه، وهناك شريحة ثالثة مزجت بين المشروعين (الفكري والعسكري). لكن بالمجمل؛ الأغلب رأى أن حركة الجهاد الإسلامي هي مشروع فكري بالمقام الأول.
ثم أطرح السؤال الثاني: ما الذي يغلب على الحركة الآن، المشروع الفكري أم العسكري؟، يجيب الجميع بلسان واحد (العسكري تغلب على الفكري).
ثم أختم بالسؤال الثالث: إذا كانت الحركة هي مشروع فكري بالمقام الأول، والآن يغلب عليها المشروع العسكري، هل هذا يعكس صورة صحيحة وسليمة لحالة الحركة؟، تأتي الإجابة بالإجماع (لا)، أي هناك خلل وفجوة بين الفكر والممارسة!!
في هذه المقالة سأجيب على سؤال: هل حركة الجهاد الإسلامي مشروع فكري أم مشروع عسكري؟
قاعدة مهمة:
حركة الجهاد الإسلامي هي مشروع فكري بالمقام الأول قبل أن تكون مشروع عسكري.. والآن من المفترض أن يسير الفكر والعسكر في خطين متوازيين، بحيث لا يقدم أحدهما على الآخر، لأنه في حال قُدّم واحد على الآخر يعني وجود خلل في الفكر والممارسة.
فلو قُدِّم الفكر على العسكر، تكون الحركة وقعت في الخطأ الذي انتقدت فيه الحركات الإسلامية التقليدية سابقا، بأنها عطلت فريضة الجهاد، ولو اهتمت الحركة بالمشروع العسكري على حساب المشروع الفكري، تكون الحركة أجهضت ـ بيدها ـ المشروع الفكري والنهضوي الذي تحمله وتميزت به عن بقية الحركات الإسلامية الأخرى، وبالتالي عملت على عسكرة الحركة.
تشخيص الحالة:
بالنظر إلى واقع الحركة الآن يتضح لنا أن حركة الجهاد الإسلامي غلَّبت المشروع العسكري على حساب المشروع الفكري، وهذا يعكس أن هناك خللا في مسيرة الحركة يجب أن يصوّب ويصحح، والصواب: أن يسير الفكر والعسكر في خطين متوازيين، أي يجب أن تهتم الحركة بالفكر والتربية والإعداد، في ذات الوقت الذي تعد فيه المجاهد حامل الفكر والعقيدة والرسالة. لأنه حينما يخرج المجاهد إلى ساحات الوغى ويقاتل العدو الصهيوني، يكون قتاله وجهاده عن عقيدة راسخة أشد من رسوخ الجبال تمنحه مزيدا من الصلابة والقوة والعناد في القتال، وإن كان المجاهد غير متسلح بسلاح العقيدة الصحيحة والفكر السليم لا ينفعه سلاحه وعتاده ـ وإن كان من أفضل أنواع العتاد الحربي ـ، لأن العقل والقلب خاويان من العقيدة الإسلامية الصلبة والصحيحة، لا يعرف مَن يقاتل وعلى أي أساس يقاتل، هذا إن لم يترك ساحات المعركة فارا بنفسه خوفا من القتل، في هذه الحالة يكون ارتكب كبيرة من الكبائر من حيث لا يدري (التولي يوم الزحف).
ومن غير المعقول أن يكون هناك مشروع فكري ـ نهضوي دون أن يوجد جيل النهضة، أو "جيل الطليعة" الذي تحدث عنه شهيد الإسلام "سيد قطب" في كتابه "معالم في الطريق"، إذ يقول: "ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من معالم في الطريق معالم تعرف منها طبيعة دورها، وحقيقة وظيفتها، وصلب غايتها، ونقطة البدء في الرحلة الطويلة.. كما تعرف منها طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة الأطناب في الأرض جميعها.. أين تلتقي مع الناس وأين تفترق؟ وما خصائصها وما هي خصائص الجاهلية من حولها؟ كيف تخاطب أهل هذه الجاهلية بلغة الإسلام وفيم تخاطبها؟ ثم تعرف من أين تلتقي في هذا كله وكيف تلتقي؟... لهذه الطليعة المرجوة كتبت معالم في الطريق".
الشواهد والأدلة:
لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء حيث "مرحلة مصر" (الممتدة منذ منتصف السبعينات حتى مطلع الثمانينيات من القرن العشرين)، نجد هناك تبلور فكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي، وهناك وجدت النواة المؤسسة للحركة، وتعتبر مرحلة مصر من أخصب فترات التلاقح الفكري والحوارات السياسية والدينية والفكرية في مسيرة الحركة.
في تلك المرحلة كانت الساحة المصرية تعج بالتيارات الفكرية والأيديولوجية: (الماركسية الجديدة، الشيوعية، الناصرية، البعثية، القومية، الإسلاميون التقليديون، الليبراليون). وكل واحد من هذه التيارات يعتبر نفسه هو الأصوب وما دونه على خطأ، ومن أجل أن يثبت صوابية رأيه يقدم الأدلة والشروحات التي تدعم رأيه وتدحض إدعاءات وأفكار الآخر.
في خضم هذا التنافس الفكري جاءت نواة حركة الجهاد الإسلامي بفكرة جديدة لم تكن مطروحة على مائدة البحث والنقاش والجدل الفكري، "مركزية القصية الفلسطينية للحركة الإسلامية المعاصرة"، وضرورة إعادة البعد القرآني والإسلامي للقضية الفلسطينية، وضرورة إحياء فريضة الجهاد لقتال الصهاينة في فلسطين.
حينما تأتي بفكرة جديدة لابد أن تكون متسلحا بالأدلة والشواهد والحجج والبراهين؛ كي تقنع الآخرين وتحاججهم بصوابية الرأي الذي تؤمن به وتدافع عنه. وهذا ما فعله الجيل الأول في مرحلة مصر.
عكفوا على القراءة والإطلاع والبحث وكتابة المقالات والدراسات التي تثبت صحة رأيهم. حتى أن بيت الدكتور الشقاقي ـ رحمه الله تعالى ـ كان بمثابة مزار يؤمه الطلاب (الفلسطينيون والعرب)، وهناك كانت تدار حلقات النقاش والحوار السياسي والفكري لساعات طويلة متواصلة، التي تمخض عنها ميلاد حركة الجهاد الإسلامي.
بعد العودة إلى فلسطين أول شيء بدأت به الحركة "التعبئة السياسية والجماهيرية والإعلامية"، وهي استكمال لمرحلة مصر، حيث التنظير الفكري وإيصال فكرة ورسالة الحركة إلى الجماهير الفلسطينية. بمعنى أنه ليس بمجرد وصول الحركة إلى فلسطين تشكلت الخلايا العسكرية وتم العمل العسكري، علما أن أول خلية عسكرية تشكلت "سرا" في فلسطين في أواخر العام 1981، أي في نهاية العام الثاني من وصول الحركة إلى فلسطين.
الواقع الآن:
بنظرة موضوعية ودقيقة إلى واقع الحركة الآن، فهو يكاد أن يكون في حالة انفصام وقطيعة مع المرحلة الأولى، فيما يتعلق بجانب التوعية والتثقيف الفكري والحركي، والمناظرات السياسية والفكرية، ففي السابق كان للحركة مواقف واجتهادات فكرية حول قضايا مثل: (الصهيونية هل هي حركة دينية أم سياسية؟، العلمانية، الاستشراق، التغريب، الأصولية... إلخ)، أما الآن فلم نعد نجد مثل هذه الاجتهادات والإبداعات الفكرية.
الآن بعض مَن تبقى من الجيل المؤسس انهمك في السياسة؛ والسياسة فقط وهجر مجال الإبداع الفكري والتنظير، والجيل الجديد جل اهتمامه يريد أن يكون (سرايا). بل أنه قبل الانخراط في صفوف الحركة أو يتعرف على فكر وأيديولوجية الحركة، يشترط أن يدخل في صفوف "سرايا القدس"، وإن لم تجب دعوته ربما يرفض الانخراط في الحركة. والمصيبة تكمن عند من يلبي لهؤلاء طلبهم دون تربيتهم وتثقيفهم حركيا.
مثل هؤلاء الأفراد هم الذين يعملون على عسكرة الحركة، وتغليب الطابع العسكري على حساب الجانب الفكري. وبتقادم الزمن يؤدي هذا التصرف إلى غياب المشروع الفكري رويدا.. رويدا، وإن ضاع المشروع وغيّب؛ معناه ضياع وغياب الحركة وفقدان جوهرها ومضمونها، وأصبح مثلها كمثل الحركات الإسلامية الغثاء التي تملأ الساحات العربية والإسلامية.
بل أن هناك بعض الأخوة (العناصر) في الذراع العسكري، يعتبر أن العمل العسكري هو جل عمل الحركة، ويقلل من أهمية الفعاليات والأنشطة الأخرى على الصعيد: (السياسي والإعلامي والدعوي والاجتماعي)، وإن دعي لواحدة من هذه الفعاليات لم يلب الدعوة بدعوى أنها ليست من اختصاصه!! وكأن الحركة قسّمت إلى دكاكين وفروع!!.
خلاصة:
لابد أن نعيد للمشروع الفكري الحياة من جديد في نفوس ووجدان وسلوك الأخوة سواء الجيل الجديد أو الجيل الأول، وكلاهما لا يعفى من المسؤولية.
المسؤولية على عاتق الجيل الأول: أن يقوم بكتابة الدراسات والمقالات، وعقد حلقات التدريس والتثقيف حول المشروع.
مسؤولية الجيل الجديد: البحث عن الكتابات المتعلقة بالمشروع ويحاول قراءتها والإطلاع عليها ودراستها بتأني وفهم شديدين، ويحاول أن يتقرب لمن هم يحملون المشروع ويناقشهم ويتدارسه معهم.
أخي الكريم: إن لم تسع بنفسك لدراسة المشروع وفهمه، فلن يأت إليك أحد ويغرسه في رأسك غرسا عنوة وقهرا، يجب أن تكون المبادرة منك لدراسة المشروع، وأن يكون الدافع نابعا من داخلك، ويحركك نحوه الدين والضمير والمسؤولية الوطنية.
هل هي مشروع فكري أم عسكري؟
أ. خالد سيف الدين
مقدمة:
سؤال كثيرا ما طرحته على أخوتي في لقاءاتي وحواراتي معهم: هل حركة الجهاد الإسلامي مشروع فكري أم مشروع عسكري؟، في هذه الحالة تسمع إجابات متفاوتة ومختلفة. هذا التفاوت والاختلاف ـ وفق ما تبين لي ـ جاء بناء على فترة الدخول والالتحاق بالحركة، إن كان من الجيل الأول، أجاب بأن الحركة (مشروع فكري)، أما إن التحق بالحركة في فترة انتفاضة الأقصى أجاب بأن الحركة (مشروع عسكري)، كل منهما أجاب وفق ما تنشئ وتربى عليه، وهناك شريحة ثالثة مزجت بين المشروعين (الفكري والعسكري). لكن بالمجمل؛ الأغلب رأى أن حركة الجهاد الإسلامي هي مشروع فكري بالمقام الأول.
ثم أطرح السؤال الثاني: ما الذي يغلب على الحركة الآن، المشروع الفكري أم العسكري؟، يجيب الجميع بلسان واحد (العسكري تغلب على الفكري).
ثم أختم بالسؤال الثالث: إذا كانت الحركة هي مشروع فكري بالمقام الأول، والآن يغلب عليها المشروع العسكري، هل هذا يعكس صورة صحيحة وسليمة لحالة الحركة؟، تأتي الإجابة بالإجماع (لا)، أي هناك خلل وفجوة بين الفكر والممارسة!!
في هذه المقالة سأجيب على سؤال: هل حركة الجهاد الإسلامي مشروع فكري أم مشروع عسكري؟
قاعدة مهمة:
حركة الجهاد الإسلامي هي مشروع فكري بالمقام الأول قبل أن تكون مشروع عسكري.. والآن من المفترض أن يسير الفكر والعسكر في خطين متوازيين، بحيث لا يقدم أحدهما على الآخر، لأنه في حال قُدّم واحد على الآخر يعني وجود خلل في الفكر والممارسة.
فلو قُدِّم الفكر على العسكر، تكون الحركة وقعت في الخطأ الذي انتقدت فيه الحركات الإسلامية التقليدية سابقا، بأنها عطلت فريضة الجهاد، ولو اهتمت الحركة بالمشروع العسكري على حساب المشروع الفكري، تكون الحركة أجهضت ـ بيدها ـ المشروع الفكري والنهضوي الذي تحمله وتميزت به عن بقية الحركات الإسلامية الأخرى، وبالتالي عملت على عسكرة الحركة.
تشخيص الحالة:
بالنظر إلى واقع الحركة الآن يتضح لنا أن حركة الجهاد الإسلامي غلَّبت المشروع العسكري على حساب المشروع الفكري، وهذا يعكس أن هناك خللا في مسيرة الحركة يجب أن يصوّب ويصحح، والصواب: أن يسير الفكر والعسكر في خطين متوازيين، أي يجب أن تهتم الحركة بالفكر والتربية والإعداد، في ذات الوقت الذي تعد فيه المجاهد حامل الفكر والعقيدة والرسالة. لأنه حينما يخرج المجاهد إلى ساحات الوغى ويقاتل العدو الصهيوني، يكون قتاله وجهاده عن عقيدة راسخة أشد من رسوخ الجبال تمنحه مزيدا من الصلابة والقوة والعناد في القتال، وإن كان المجاهد غير متسلح بسلاح العقيدة الصحيحة والفكر السليم لا ينفعه سلاحه وعتاده ـ وإن كان من أفضل أنواع العتاد الحربي ـ، لأن العقل والقلب خاويان من العقيدة الإسلامية الصلبة والصحيحة، لا يعرف مَن يقاتل وعلى أي أساس يقاتل، هذا إن لم يترك ساحات المعركة فارا بنفسه خوفا من القتل، في هذه الحالة يكون ارتكب كبيرة من الكبائر من حيث لا يدري (التولي يوم الزحف).
ومن غير المعقول أن يكون هناك مشروع فكري ـ نهضوي دون أن يوجد جيل النهضة، أو "جيل الطليعة" الذي تحدث عنه شهيد الإسلام "سيد قطب" في كتابه "معالم في الطريق"، إذ يقول: "ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من معالم في الطريق معالم تعرف منها طبيعة دورها، وحقيقة وظيفتها، وصلب غايتها، ونقطة البدء في الرحلة الطويلة.. كما تعرف منها طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة الأطناب في الأرض جميعها.. أين تلتقي مع الناس وأين تفترق؟ وما خصائصها وما هي خصائص الجاهلية من حولها؟ كيف تخاطب أهل هذه الجاهلية بلغة الإسلام وفيم تخاطبها؟ ثم تعرف من أين تلتقي في هذا كله وكيف تلتقي؟... لهذه الطليعة المرجوة كتبت معالم في الطريق".
الشواهد والأدلة:
لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء حيث "مرحلة مصر" (الممتدة منذ منتصف السبعينات حتى مطلع الثمانينيات من القرن العشرين)، نجد هناك تبلور فكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي، وهناك وجدت النواة المؤسسة للحركة، وتعتبر مرحلة مصر من أخصب فترات التلاقح الفكري والحوارات السياسية والدينية والفكرية في مسيرة الحركة.
في تلك المرحلة كانت الساحة المصرية تعج بالتيارات الفكرية والأيديولوجية: (الماركسية الجديدة، الشيوعية، الناصرية، البعثية، القومية، الإسلاميون التقليديون، الليبراليون). وكل واحد من هذه التيارات يعتبر نفسه هو الأصوب وما دونه على خطأ، ومن أجل أن يثبت صوابية رأيه يقدم الأدلة والشروحات التي تدعم رأيه وتدحض إدعاءات وأفكار الآخر.
في خضم هذا التنافس الفكري جاءت نواة حركة الجهاد الإسلامي بفكرة جديدة لم تكن مطروحة على مائدة البحث والنقاش والجدل الفكري، "مركزية القصية الفلسطينية للحركة الإسلامية المعاصرة"، وضرورة إعادة البعد القرآني والإسلامي للقضية الفلسطينية، وضرورة إحياء فريضة الجهاد لقتال الصهاينة في فلسطين.
حينما تأتي بفكرة جديدة لابد أن تكون متسلحا بالأدلة والشواهد والحجج والبراهين؛ كي تقنع الآخرين وتحاججهم بصوابية الرأي الذي تؤمن به وتدافع عنه. وهذا ما فعله الجيل الأول في مرحلة مصر.
عكفوا على القراءة والإطلاع والبحث وكتابة المقالات والدراسات التي تثبت صحة رأيهم. حتى أن بيت الدكتور الشقاقي ـ رحمه الله تعالى ـ كان بمثابة مزار يؤمه الطلاب (الفلسطينيون والعرب)، وهناك كانت تدار حلقات النقاش والحوار السياسي والفكري لساعات طويلة متواصلة، التي تمخض عنها ميلاد حركة الجهاد الإسلامي.
بعد العودة إلى فلسطين أول شيء بدأت به الحركة "التعبئة السياسية والجماهيرية والإعلامية"، وهي استكمال لمرحلة مصر، حيث التنظير الفكري وإيصال فكرة ورسالة الحركة إلى الجماهير الفلسطينية. بمعنى أنه ليس بمجرد وصول الحركة إلى فلسطين تشكلت الخلايا العسكرية وتم العمل العسكري، علما أن أول خلية عسكرية تشكلت "سرا" في فلسطين في أواخر العام 1981، أي في نهاية العام الثاني من وصول الحركة إلى فلسطين.
الواقع الآن:
بنظرة موضوعية ودقيقة إلى واقع الحركة الآن، فهو يكاد أن يكون في حالة انفصام وقطيعة مع المرحلة الأولى، فيما يتعلق بجانب التوعية والتثقيف الفكري والحركي، والمناظرات السياسية والفكرية، ففي السابق كان للحركة مواقف واجتهادات فكرية حول قضايا مثل: (الصهيونية هل هي حركة دينية أم سياسية؟، العلمانية، الاستشراق، التغريب، الأصولية... إلخ)، أما الآن فلم نعد نجد مثل هذه الاجتهادات والإبداعات الفكرية.
الآن بعض مَن تبقى من الجيل المؤسس انهمك في السياسة؛ والسياسة فقط وهجر مجال الإبداع الفكري والتنظير، والجيل الجديد جل اهتمامه يريد أن يكون (سرايا). بل أنه قبل الانخراط في صفوف الحركة أو يتعرف على فكر وأيديولوجية الحركة، يشترط أن يدخل في صفوف "سرايا القدس"، وإن لم تجب دعوته ربما يرفض الانخراط في الحركة. والمصيبة تكمن عند من يلبي لهؤلاء طلبهم دون تربيتهم وتثقيفهم حركيا.
مثل هؤلاء الأفراد هم الذين يعملون على عسكرة الحركة، وتغليب الطابع العسكري على حساب الجانب الفكري. وبتقادم الزمن يؤدي هذا التصرف إلى غياب المشروع الفكري رويدا.. رويدا، وإن ضاع المشروع وغيّب؛ معناه ضياع وغياب الحركة وفقدان جوهرها ومضمونها، وأصبح مثلها كمثل الحركات الإسلامية الغثاء التي تملأ الساحات العربية والإسلامية.
بل أن هناك بعض الأخوة (العناصر) في الذراع العسكري، يعتبر أن العمل العسكري هو جل عمل الحركة، ويقلل من أهمية الفعاليات والأنشطة الأخرى على الصعيد: (السياسي والإعلامي والدعوي والاجتماعي)، وإن دعي لواحدة من هذه الفعاليات لم يلب الدعوة بدعوى أنها ليست من اختصاصه!! وكأن الحركة قسّمت إلى دكاكين وفروع!!.
خلاصة:
لابد أن نعيد للمشروع الفكري الحياة من جديد في نفوس ووجدان وسلوك الأخوة سواء الجيل الجديد أو الجيل الأول، وكلاهما لا يعفى من المسؤولية.
المسؤولية على عاتق الجيل الأول: أن يقوم بكتابة الدراسات والمقالات، وعقد حلقات التدريس والتثقيف حول المشروع.
مسؤولية الجيل الجديد: البحث عن الكتابات المتعلقة بالمشروع ويحاول قراءتها والإطلاع عليها ودراستها بتأني وفهم شديدين، ويحاول أن يتقرب لمن هم يحملون المشروع ويناقشهم ويتدارسه معهم.
أخي الكريم: إن لم تسع بنفسك لدراسة المشروع وفهمه، فلن يأت إليك أحد ويغرسه في رأسك غرسا عنوة وقهرا، يجب أن تكون المبادرة منك لدراسة المشروع، وأن يكون الدافع نابعا من داخلك، ويحركك نحوه الدين والضمير والمسؤولية الوطنية.
تعليق