[font=Arial Black]
أ. خالد سيف الدين
منذ اللحظات الأولى على نشأة الحركتين (الجهاد الإسلامي وحماس)، والعلاقة بينهما في حالة مد وجزر، تارة تصل إلى حد الوفاق والوئام، بل يشعر المراقب لهما أنهما وصلتا إلى درجة الاندماج والانصهار والوحدة. وتارة أخرى تصل العلاقة بينهما إلى حد العراك والشجار، وهذه الحالة ظلت تكبر وتزداد مع كبر عمر الحركتين.
هذه الخلافات بين الحركتين ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل لها جذورها التاريخية، التي لم تستطع أي من الحركتين أن تجاوز تلك المرحلة. فكما هو معروف أن حركة "حماس" تمثل جناح الأخوان المسلمين في فلسطين، وكما هو معروف ـ أيضا ـ أن حركة الجهاد الإسلامي ـ مثل أغلب الحركات الإسلامية ـ خرجت من رحم جماعة الأخوان المسلمين (الأم). وكانت نقطة الخلاف بين الحركتين تكمن في أن (المجمع الإسلامي) سابقا، و(حركة حماس) حاليا، أرادت أن تسير على نفس منهج وخطى جماعة الأخوان المسلمين (الأم)، أي باتباع المنهج الإصلاحي التربوي، الذي يهتم بالتربية الدينية والروحية أولا. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لم تكن مدرجة على سلم أولويات جماعة الإخوان المسلمين ـ باستثناء إرسال الإمام البنا المتطوعين لقتال الصهاينة في فلسطين ـ، بل كان يتم التعامل مع القضية الفلسطينية كأي قضية من قضايا الوطن الإسلامي.
لكن حركة الجهاد الإسلامي اختلفت مع هذه الرؤية، وقالت بمركزية القضية الفلسطينية للحركة الإسلامية المعاصرة، ودعت لإحياء فريضة الجهاد الغائبة، وفيما يتعلق بمسألة التربية، كانت ولا زالت تؤمن الحركة بأن التربية والإعداد "الديني والعسكري" يسيران في خطين متوازيين"، لأننا إن اهتممنا بالجانب الروحي فقط يكون على حساب فريضة (الجهاد)، وبالتالي ضياع القضية الفلسطينية وتركها صيدا ثمينا للعدو الصهيوني يتصرف فيها كيفما شاء، وهذا ما أدركه الإمام الشهيد/ حسن البنا من قبل، فأرسل بالمتطوعين لقتال الصهاينة في فلسطين، لكن من خلف الإمام من المرشدين لم يسيروا على نفس الخطى، ربما هذا راجع إلى الظروف التاريخية والأزمات والأوضاع الصعبة التي مرت بها الجماعة، سواء على يد زبانية وطغاة النظام المصري الرسمي.
ثورة المساجد 1987:
مع انطلاقة حركة حماس وانخراطها في فعاليات "ثورة المساجد"، وتبنيها أسلوب "الجهاد المسلح"، استبشر الكثير خيرا، ورأوا بأن الفوارق بين الحركتين في طريقها إلى التلاشي، والاتجاه سيكون نحو الوحدة بين الحركتين في إطار حركة إسلامية واحد، فكلاهما حركات إسلامية تنطلق من الكتاب والسنة، وعقيدتهما عقيدة أهل السنة والجماعة التي تناقلت إلينا عن طريق السلف الصالح (الصحابة والتابعين) رضوان الله عليهم جميعا، وكلاهما تبنى الجهاد المسلح، وكلاهما يسعى إلى تحرير فلسطين من دنس ورجس يهود، ويحارب عملية التجزئة والتغريب التي تتعرض له الأمة الإسلامية، ويسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
وبالفعل كانت خطوات بهذا الاتجاه (أي نحو الوحدة)، وكانت المبادرة الأولى من قبل حركة الجهاد الإسلامي، وفي هذا المقام أسوق مثالا واحدا. ما عرضه الدكتور الشقاقي ـ رحمه الله ـ على خالد مشعل ـ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ـ بهذا الصدد. اقرأ بتمعن ماذا كان رد مشعل على هذا الموضوع؟:
نحن لا نتعامل مع حركة الجهاد الإسلامي كمجموع، ولكن سنتعامل معها كحالات فردية، من يتفق معنا قبلناه، ومن لا يتفق معنا رفضناه وبقي خارج الدائرة. ومن ناحية أخرى لا يتغير الاسم ويبقى(حركة المقاومة الإسلامية حماس). بالله عليكم: أي أسلوب للحوار هذا؟!.
والملاحظ لردود مشعل، يرى أنه يريد تفكيك بنى حركة الجهاد الإسلامي، ويعمل على إصهارها وذوبانها في إطار حركته حماس، وبالتالي سيعمل على إلغاء ذكر شيء اسمه "جهاد إسلامي"، وهو بالطبع ما رفضه الدكتور الشقاقي، بل يرفضه أي عاقل. بهذا الرد يكون قد أجهض أي محاولة لاحقة للحوار ومحاولة الوحدة.
انتفاضة الأقصى 2000:
مع انطلاقة انتفاضة الأقصى 28/9/2000م، والدور الكبير والبارز للحركتين (الجهاد الإسلامي وحماس) في فعاليات الانتفاضة وقيادة الجماهير ـ وهذا لا يعني أننا نلغي دور بقية الفصائل المقاتلة ـ، حدث الكثير من مواقف التقارب بل واتفاق وجهات النظر بين الحركتين حول العديد من القضايا. وهو ما جدد الأمل ثانية بإعادة فتح ملف التوحيد بين الحركتين، وبالمناسبة (التوحيد) هو مطلب جماهيري ومطلب الشارع الفلسطيني، قبل أن يكون مطلب حركي، ولا أبالغ إن قلت هو أيضا مطلب الجماهير العربية والإسلامية، لأنني شخصيا تعرضت لأكثر من مرة لهذا السؤال من قِبَل أخوة عرب حول هذا الموضوع، ولأنه كثيرا ما تسمع تساؤلات بريئة تخرج من أفواه العامة من الناس: ما المانع لحدوث الوحدة بين الجهاد الإسلامي وحماس؟ في هذه الحالة تذهب فصاحة وبلاغة من يوجه إليه السؤال، ولا يجد إجابة شافية كافية تقنع من يسألك. وبالفعل حدثت لقاءات واجتماعات بين قيادة الحركتين في الداخل والخارج للسعي نحو تحقيق الوحدة، لكن ما خلصت إليه تلك الاجتماعات، يجب أن تسود ثقافة الحوار والوحدة بين القاعدة!!
يتبع الحديث في الحلقة (2)..........[/font]
العلاقة بين حركتي (الجهاد الإسلامي وحماس)
تحت المجهر (ح1)
تحت المجهر (ح1)
أ. خالد سيف الدين
منذ اللحظات الأولى على نشأة الحركتين (الجهاد الإسلامي وحماس)، والعلاقة بينهما في حالة مد وجزر، تارة تصل إلى حد الوفاق والوئام، بل يشعر المراقب لهما أنهما وصلتا إلى درجة الاندماج والانصهار والوحدة. وتارة أخرى تصل العلاقة بينهما إلى حد العراك والشجار، وهذه الحالة ظلت تكبر وتزداد مع كبر عمر الحركتين.
هذه الخلافات بين الحركتين ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل لها جذورها التاريخية، التي لم تستطع أي من الحركتين أن تجاوز تلك المرحلة. فكما هو معروف أن حركة "حماس" تمثل جناح الأخوان المسلمين في فلسطين، وكما هو معروف ـ أيضا ـ أن حركة الجهاد الإسلامي ـ مثل أغلب الحركات الإسلامية ـ خرجت من رحم جماعة الأخوان المسلمين (الأم). وكانت نقطة الخلاف بين الحركتين تكمن في أن (المجمع الإسلامي) سابقا، و(حركة حماس) حاليا، أرادت أن تسير على نفس منهج وخطى جماعة الأخوان المسلمين (الأم)، أي باتباع المنهج الإصلاحي التربوي، الذي يهتم بالتربية الدينية والروحية أولا. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لم تكن مدرجة على سلم أولويات جماعة الإخوان المسلمين ـ باستثناء إرسال الإمام البنا المتطوعين لقتال الصهاينة في فلسطين ـ، بل كان يتم التعامل مع القضية الفلسطينية كأي قضية من قضايا الوطن الإسلامي.
لكن حركة الجهاد الإسلامي اختلفت مع هذه الرؤية، وقالت بمركزية القضية الفلسطينية للحركة الإسلامية المعاصرة، ودعت لإحياء فريضة الجهاد الغائبة، وفيما يتعلق بمسألة التربية، كانت ولا زالت تؤمن الحركة بأن التربية والإعداد "الديني والعسكري" يسيران في خطين متوازيين"، لأننا إن اهتممنا بالجانب الروحي فقط يكون على حساب فريضة (الجهاد)، وبالتالي ضياع القضية الفلسطينية وتركها صيدا ثمينا للعدو الصهيوني يتصرف فيها كيفما شاء، وهذا ما أدركه الإمام الشهيد/ حسن البنا من قبل، فأرسل بالمتطوعين لقتال الصهاينة في فلسطين، لكن من خلف الإمام من المرشدين لم يسيروا على نفس الخطى، ربما هذا راجع إلى الظروف التاريخية والأزمات والأوضاع الصعبة التي مرت بها الجماعة، سواء على يد زبانية وطغاة النظام المصري الرسمي.
ثورة المساجد 1987:
مع انطلاقة حركة حماس وانخراطها في فعاليات "ثورة المساجد"، وتبنيها أسلوب "الجهاد المسلح"، استبشر الكثير خيرا، ورأوا بأن الفوارق بين الحركتين في طريقها إلى التلاشي، والاتجاه سيكون نحو الوحدة بين الحركتين في إطار حركة إسلامية واحد، فكلاهما حركات إسلامية تنطلق من الكتاب والسنة، وعقيدتهما عقيدة أهل السنة والجماعة التي تناقلت إلينا عن طريق السلف الصالح (الصحابة والتابعين) رضوان الله عليهم جميعا، وكلاهما تبنى الجهاد المسلح، وكلاهما يسعى إلى تحرير فلسطين من دنس ورجس يهود، ويحارب عملية التجزئة والتغريب التي تتعرض له الأمة الإسلامية، ويسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
وبالفعل كانت خطوات بهذا الاتجاه (أي نحو الوحدة)، وكانت المبادرة الأولى من قبل حركة الجهاد الإسلامي، وفي هذا المقام أسوق مثالا واحدا. ما عرضه الدكتور الشقاقي ـ رحمه الله ـ على خالد مشعل ـ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ـ بهذا الصدد. اقرأ بتمعن ماذا كان رد مشعل على هذا الموضوع؟:
نحن لا نتعامل مع حركة الجهاد الإسلامي كمجموع، ولكن سنتعامل معها كحالات فردية، من يتفق معنا قبلناه، ومن لا يتفق معنا رفضناه وبقي خارج الدائرة. ومن ناحية أخرى لا يتغير الاسم ويبقى(حركة المقاومة الإسلامية حماس). بالله عليكم: أي أسلوب للحوار هذا؟!.
والملاحظ لردود مشعل، يرى أنه يريد تفكيك بنى حركة الجهاد الإسلامي، ويعمل على إصهارها وذوبانها في إطار حركته حماس، وبالتالي سيعمل على إلغاء ذكر شيء اسمه "جهاد إسلامي"، وهو بالطبع ما رفضه الدكتور الشقاقي، بل يرفضه أي عاقل. بهذا الرد يكون قد أجهض أي محاولة لاحقة للحوار ومحاولة الوحدة.
انتفاضة الأقصى 2000:
مع انطلاقة انتفاضة الأقصى 28/9/2000م، والدور الكبير والبارز للحركتين (الجهاد الإسلامي وحماس) في فعاليات الانتفاضة وقيادة الجماهير ـ وهذا لا يعني أننا نلغي دور بقية الفصائل المقاتلة ـ، حدث الكثير من مواقف التقارب بل واتفاق وجهات النظر بين الحركتين حول العديد من القضايا. وهو ما جدد الأمل ثانية بإعادة فتح ملف التوحيد بين الحركتين، وبالمناسبة (التوحيد) هو مطلب جماهيري ومطلب الشارع الفلسطيني، قبل أن يكون مطلب حركي، ولا أبالغ إن قلت هو أيضا مطلب الجماهير العربية والإسلامية، لأنني شخصيا تعرضت لأكثر من مرة لهذا السؤال من قِبَل أخوة عرب حول هذا الموضوع، ولأنه كثيرا ما تسمع تساؤلات بريئة تخرج من أفواه العامة من الناس: ما المانع لحدوث الوحدة بين الجهاد الإسلامي وحماس؟ في هذه الحالة تذهب فصاحة وبلاغة من يوجه إليه السؤال، ولا يجد إجابة شافية كافية تقنع من يسألك. وبالفعل حدثت لقاءات واجتماعات بين قيادة الحركتين في الداخل والخارج للسعي نحو تحقيق الوحدة، لكن ما خلصت إليه تلك الاجتماعات، يجب أن تسود ثقافة الحوار والوحدة بين القاعدة!!
يتبع الحديث في الحلقة (2)..........[/font]
تعليق