إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطبقة السياسية الفلسطينية تجر القضية الوطنية إلي الهاوية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطبقة السياسية الفلسطينية تجر القضية الوطنية إلي الهاوية

    لم يحدث أن شهدت القضية الوطنية الفلسطينية عقلاً سياسياً بمثل رداءة العقل السياسي الفلسطيني الحالي. والمدهش أن رداءة هذا العقل تزداد فداحة بتراكم التجارب، وكأن الطبقة الفلسطينية الحاكمة قد أغلق عليها، فلم تعد تبصر أو تسمع أو تستشعر ما يجري حولها. المجموعة التي تتعهد مقدرات واحدة من أكبر قضايا التحرر الوطني وأكثرها تعقيداً في التاريخ الحديث، لا يعرف لها استراتيجية عمل، ولا ثوابت؛ ولا تكاد تنتهج سياسة صحيحة واحدة، سواء تعلقت هذه السياسة بصغائر الأمور أو عظائمها.
    ليس ثمة مجموعة قيادية في تاريخ حركات التحرر الوطني أصيبت بمرض التصريحات الإعلامية كما هي المجموعة الفلسطينية القيادية، وليست ثمة بيانات كذبتها الأحداث كما تكذب تطورات الصراع علي فلسطين القيادات الفلسطينية. وبالرغم من التدهور الهائل في الشأن الوطني، داخلياً وخارجياً، فإن التفاؤل لا يغادر كلمات وملامح أعضاء هذه المجموعة، وكأن التفاؤل بات المبرر الوحيد لاستمرار هؤلاء في مواقعهم. إن لم تفق المجموعة القيادية الفلسطينية من سكرتها، فإن كارثة كبري ستحيق بالقضية الوطنية، يعود جانب رئيسي منها إلي بؤس الطريقة التي تقود بها هذه المجموعة الشأن الوطني.
    ذهبت القيادة الفلسطينية إلي أنابوليس بعد أن تخلت عن كل الشروط التي وضعتها أصلاً للذهاب، واحداً بعد الآخر. ولكنها ذهبت وهي تنشر انطباع الإنجاز والتقدم علي طريق الحل الدائم، الذي قاوم كل محاولات وجهود ومساعي التفاوض منذ منتصف التسعينات. وبالرغم من النتائج المتواضعة التي انتهي إليها لقاء أنابوليس، فقد عادت القيادة الفلسطينية وهي تؤكد لشعبها توقعات الإنجاز والتقدم. ولكن حتي قبل أن يجف مداد بيانات أنابوليس وتختفي صوره الاحتفالية من نشرات الأخبار، كانت الحكومة الإسرائيلية تعلن عن القرار تلو الآخر بتوسيع عدد من المستوطنات في الضفة الغربية. إن لم تستطع عملية السلام التوصل إلي إيقاف الاستيطان المستشري في الضفة الغربية، فإي أفق يمكن التطلع إليه للتقدم في هذه العملية؟ ولم تتوقف المواقف الإسرائيلية هنا؛ فعلي الرغم من التصريحات البلاغية المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، قبل وأثناء وبعد أنابوليس، حول الظروف الحالية المواتية للتوصل إلي سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي في أكثر من مناسبة عن تصميمه علي المحافظة علي الحواجز الأمنية في الضفة الغربية علي ما هي عليه. وهذه الحواجز (لمن لا يعرف) لا تقطع أوصال الضفة وتحول حياة الفلسطينيين إلي جحيم وحسب، بل ان بقاءها إلي جانب المستوطنات لا يوحي علي أي نحو من الأنحاء بالتوجه نحو قيام كيان فلسطيني مستقل، سواء سمي هذا الكيان دولة أو أي شيء آخر. في ظل هذا الوضع، فإن المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي أطلقها لقاء أنابوليس لن تكون مفاوضات حول قضايا الحل النهائي الكبري، بل مفاوضات حول ما قبل أوسلو، حول أمن الفلسطينيين وشؤون معاشهم الأولية وحول ما تبقي من الضفة الغربية بعد حركة استيطان شرسة كانت مظلتها الرئيسية هي بالتحديد اتفاقية أوسلو والمسار التفاوضي الذي ولدته.
    السياسات التي يتفتق عنها ذهن حكومة الرئيس عباس في رام الله لا تبدو وكأنها تضع معطيات الواقع الذي يحيط بها وبالشأن الفلسطيني الوطني في الاعتبار. فمن ناحية، ثمة شواهد متكررة علي تعاون فلسطيني ـ إسرائيلي من أجل تحويل حياة أهالي قطاع غزة وحكومة حماس المقالة إلي جحيم. في الضفة الغربية، تتعهد حكومة سلام فياض مشروعاً أمنياً واسع النطاق لتحطيم بؤر المقاومة الفلسطينية الفصائلية، وتقويض المقدرات الذاتية للمجتمع الفلسطيني. أموال المساعدات الدولية، التي انهالت فجأة علي حكومة رام الله، تستخدم حثيثاً لتفكيك خلايا شهداء الأقصي، نزع سلاح عناصر هذه الخلايا، وتحويلهم إلي موظفين (لا يقومون بعمل ما) في جسم السلطة. وبعد أن كانت العلاقات بين الرئيس عباس ورئيس وزرائه هنية قد شهدت سلسلة من المنازعات والتوترات حول تبعية أجهزة السلطة الأمنية وقرارها، سلم قرار الأجهزة بدون جدل كبير لرئيس الوزراء المؤقت (والمشكوك في شرعية حكومته) سلام فياض. وما كان لدلالات ومعاني صلاحيات فياض المتسعة أن تنتظر طويلاً؛ فقد أطلق فياض حملة أمنية واسعة النطاق في الضفة الغربية لتحطيم مجموعات المقاومة التابعة لحركتي حماس والجهاد، معتقلاً العشرات (وربما المئات) من عناصر التنظيمين، في الوقت الذي تقوم فيه القوات الإسرائيلية (بتنسيق أو بدون تنسيق مع الأجهزة التابعة لفياض) بمطاردة، واغتيال، واعتقال العناصر التي تجد أجهزة السلطة صعوبة في التعامل معها. وفي موازاة الحملة الأمنية، بل وحتي قبلها، عمل فياض بحماسة سياسية وقانونية غير مسبوقة علي إغلاق أكبر عدد ممكن من المؤسسات الخيرية، الاجتماعية والتعليمية، الأهلية في الضفة الغربية، بهدف تحويل المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية بأكمله إلي أسير لأجهزة السلطة ودوائرها وعالة عليها، والتوصل بالتالي إلي شل قدرات الجماعات الفلسطينية الأهلية علي الصمود في مواجهة الحصار والعدوان.
    كانت نابلس واحدة من أولي المناطق التي حاول فيها فياض تطبيق نموذجه الأمني ـ السياسي، أي تحييدها أمنياً وتطويعها سياسياً. ولكن الجانب الإسرائيلي، الذي تقدم له حكومة فياض في الضفة الغربية من الخدمات ما لم تقدمه أية حكومة فلسطينية أخري منذ قيام سلطة الحكم الذاتي، كافأ حكومة السلطة بعملية اجتياح واسعة لنابلس استمرت ثلاثة أيام متتالية، أوقعت عدداً من القتلي والجرحي في صفوف الفلسطينيين، وأدت إلي اعتقال العشرات. ولأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية تعود الآن إلي مهماتها الأساسية التي أراد نظام أوسلو منها القيام بها، أي حماية الأمن الإسرائيلي، فقد تجاهلت هذه الأجهزة واجباتها في حماية شعبها من الاعتداء، في الوقت الذي كانت تشن حملة اعتقالات واسعة لعناصر حماس والجهاد في مناطق أخري من الضفة الغربية.
    التدهور المتفاقم في الوضع الفلسطيني في الضفة الغربية يرافقه استمرار حصار قطاع غزة وتجويعه، وتعرضه لحملة إسرائيلية بشعة من الاجتياحات المحدودة المتتالية وعمليات الاغتيال. ولكن قضية القضايا في الوضع الفلسطيني هي بالطبع حالة الانقسام السياسي بين الضفة والقطاع، القائمة منذ الحسم العسكري الذي قامت به حماس في القطاع منذ أكثر من ستة شهور. الموقف الذي التزمه الرئيس عباس منذ سيطرت حماس علي القطاع كان رفض الحوار أوالعمل علي إعادة وحدة الداخل الفلسطيني، بدون اعتذار حماس وتراجعها عن الإجراءات التي اتخذتها في القطاع منذ نجحت في وضع نهاية لسيطرة الأجهزة الأمنية. والأرجح أن عباس ومجموعة مستشاريه قدرت أن حماس قد وقعت في الفخ الذي حفرته، وأن النهاية لن تأتي إلا لصالح الفئة الحاكمة منذ سنوات وتصورها للأمور. ما عزز من هذه القناعات كان التوجه الذي أوحت به تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، من نوع ضرورة العمل علي تقوية الرئيس عباس وإدارته. بل إن لقاء أنابوليس وإطلاق المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية من جديد اعتبرا في رام الله مكافآت أولية علي سياسة عزل حماس ومقاطعتها. في أجواء التصعيد والحرب التي سيطرت علي المشرق خلال الشهور القليلة الماضية، سعت مجموعة رام الله إلي أن تؤمن لنفسها مقعداً في التحالف الأمريكي متعدد الأطراف ضد دمشق وطهران وحلفائهما. ولكن الأمور لم تسر علي النحو الذي تصورته الفئة الفلسطينية الحاكمة.
    العزل العربي المحكم لحماس وأهالي القطاع لم يتحقق؛ ولا ابتاعت العواصم العربية الرئيسية ادعاء وجود قرار إيراني خلف الحسم العسكري في القطاع؛ تماماً كما ان محاولة حشد القوي الفلسطينية خلف سياسة عباس ـ فياض لم تنجح. وقد صمد قطاع غزة وأهله ضد الحصار والتجويع والتضييق كما لم يصمد شعب، حتي والقذائف تنهال علي الأهالي والبيوت. انتظار المكافأة الامريكية ـ الإسرائيلية علي تكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي، وسياسة عزل حماس في غزة والتطهير الأمني لمجموعات المقاومة في الضفة، طال إلي الحد الذي تحولت فيه المكافأة إلي مزيد من الاستيطان وإلي عدم اكتراث واضح بمصداقية الرئيس عباس ووضعه في مواجهة شعبه. وهذا ما يتوجب علي عباس، وما تبقي من روح ومسؤولية في حركة فتح، رؤيته قبل أن تتحول أزمة القضية الوطنية الفلسطينية إلي انهيار كامل. السياسات الإسرائيلية الحالية لا تنبئ بتوجهات سلمية جادة؛ ليس فقط لأن القيادة الإسرائيلية لا تستطيع أن تقدم للجانب الفلسطيني الحد الأدني الذي يمكن علي أساسه التوصل إلي تسوية تاريخية للصراع علي فلسطين، بل أيضاً، وهذا هو الأهم الآن، أن الإسرائيليين لا يستشعرون حاجة ملحة للتوصل إلي سلام مع الفلسطينيين. بوتيرته الحالية، تستطيع الدولة العبرية التعايش مع مناخ الصراع لعدة سنوات، أو حتي عقود، قادمة. ويوفر استمرار الصراع فرصة طويلة الأجل لمزيد من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، إلي أن يأتي الظرف السياسي المناسب للتوصل إلي تفاهم مع الأردن (وليس مع عباس أو السلطة الوطنية الفلسطينية) حول وضع الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، وليس حول الضفة الغربية كأرض وسكان. ولأن قطاع غزة لم يكن هدفاً إسرائيلياً يوماً، فلن يكون ثمة ما يمنع من التفاوض مع حماس، أو أي جهة فلسطينية أخري، حول بروز كيان فلسطيني ما في القطاع. إن كان هذا التقدير للتصور الإسرائيلي الاستراتيجي صحيحاً، فالصحيح أيضاً أن عباس ومجموعته لا يعنيان الكثير للقيادة الإسرائيلية، اللهم إلا بمقدار ما تقوم به رام الله من جهد لحماية أمن الدولة العبرية.
    ليس في نية الإسرائيليين، ولا في سياساتهم المعلنة، ما يوحي بالرغبة في توفير شروط تفاوض وسلام كافية لإنقاذ عباس والسلطة من الأزمة، وفي تعزيز وضع الرئيس الفلسطيني الوطني ومصداقيته السياسية. العكس هو الصحيح.
    الوضع الفلسطيني الانقسامي الحــالي هـــو الــوضع الأفضـــل للإسرائيليين، وعلي المدي المتوسط والبعيد فإن حماس أكثر أهمية بالنسبة للدولة العبرية كطرف مفاوض من عباس ومعسكره.
    وإن كان هناك من الأدلة ما يكفي علي أن حماس لن تكون يوماً الطرف الذي يحمل مسؤولية تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، فعلي عباس أن يعمل بجدية وإخلاص كافيين من أجل إعادة توحيد سريع للصف الفلسطيني، ومن أجل بناء استراتيجية عمل وطني، تكفل مواجهة الاستراتيجية الإسرائيلية.

    د. بشير موسي نافع
    التعديل الأخير تم بواسطة المحتسبة; الساعة 10-01-2008, 08:36 PM.
    علــّـها تغسل حزن البعد عن قلبي
    لحظة ٌ من فرحنا حين اللقاء
    قطرات ُ حب ٍ يا بلادي من دمي
    سأعود يوما
يعمل...
X