الله الرحمن الرحيم
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين
حركة الجهاد الإسلامي فـي فلسطين
نشأة الحركة:
لقد كانت نشأة حركة الجهاد الإسلامي ثمرة حوار فكري وتدافع سياسي شهدته الحركة الإسلامية الفلسطينية أواخر السبعينات وقادته مجموعه من الشباب الفلسطيني فـي أثناء وجودهم للدارسه الجامعية فـي مصر وكان على رأسهم مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي (رحمه الله).
نتيـجة للحالة التي كانت تعيشها الحركة الإسلامية فـي ذلك الوقت من إهمال للقضية الفلسطينية كقضية مركزيه للعالم الإسلامي والحالة التي عاشتها الحركة الوطنية من إهمال الجانب الإسلامي لقضية فلسطين وعزلها عنه ، تقدمت حركة الجهاد الإسلامي ، كفكره وكمشروع فـي ذهن مؤسسها الدكتور فتحي الشقاقي ، حلا لهذا الأشكال.
فـي اوائل الثمانينات وبعد عودة الدكتور فتحي الشقاقي وعدد من اخوانه الى فلسطيـن تم بناء القاعدة التنظيمية لحركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين وبدأ التنظيم لخوض غمار التبعئة الشعبية والسياسية فـي الشارع الفلسطيني بجانب الجهاد المسلح ضد العدو الصهيونى ، كحل وحيد لتحرير فلسطيـن.
المبادئ العامة للحركة:
تلتزم حركةالجهاد الاسلامي فـي فلسطيـن بالاسلام عقيدةوشريعة ونظام حياة ، وكأداة لتحليل وفهم طبيعة الصراع الذي تخوضه الامة الاسلامية ضد اعدائها ، وكمرجع اساسي فـي صياغةبرنامج العمل الاسلامي للتعبئة والمواجهة.
فلسطيـن ـ من النهر الى البحر ـ ارض اسلامية عربية يحرم شرعا التفريط فـي اي شبر منها ، والكيان الصهيوني وجود باطل ، يحرم شرعا الاعتراف به على اي جزء منها.
يمثل الكيان الصهيوني رأس الحربة للمشروع الاستعماري الغربي المعاصر فـي معركته الحضارية الشاملة ضد الامة الاسلامية، واستمرار وجود هذا الكيان على ارض فلسطيـن وفي القلب من الوطن الاسلامي ، يعنى استمرار وهيمنة واقع التجزئة والتبعية والتخلف الذي فرضته قوى التحدي الغربي الحديث على الامة الاسلامية.
لفلسطين من الخصوصية المؤيدة بالبراهين القرآنية والتاريخية والواقعية ما يجعلها القضية المركزية للامة الاسلامية التي باجماعها على تحرير فلسطيـن ، ومواجهتها للكيان الصهيوني ، تؤكد وحدتها وانطلاقها نحو النهضة.
الجماهير الاسلامية والعربية هي العمق الحقيقي لشعبنا فـي جهاده ضد الكيان الصهيوني ، ومعركة تحرير فلسطيـن وتطهير كامل ترابها ومقدساتها هي معركة الامة الاسلامية باسرها ، ويجب ان تسهم فيها بكامل امكاناتها وطاقاتها المادية والمعنوية ، والشعب الفلسطيني والمجاهدون على طريق فلسطيـن هم طليعة الامة فـي معركة التحرير ، وعليهم يقع العبىء الاكبر فـي الابقاء على الصراع مستمرا حتى تنهض الامة كلها للقيام بدورها التاريخي فـي خوض المعركة الشاملة والفاصلة على ارض فلسطين.
وحدة القوى الاسلامية والوطنية على الساحة الفلسطينية ، واللقاء فـي ساحة المعركة ، شرط اساسي لاستمرار وصلابة مشروع الامة الجهادي ضد العدو الصهيوني.
كافة مشاريع التسويه التي تقر الاعتراف بالوجود الصهيوني فـي فلسطين او التنازل عن اي حق من حقوق الامة فيها ، باطلة ومرفوضة.
أهداف الحركة:
تسعى حركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين الى تحقيق الاهداف التالية:
تحرير كامل فلسطين ، وتصفية الكيان الصهيوني ، واقامة حكم الاسلام على ارض فلسطين ، والذي يكفل تحقيق العدل والحرية والمساواة والشورى.
تعبئة الجماهير الفلسطينية واعدادها اعدادا جهاديا، عسكريا وسياسيا ، بكل الوسائل التربوية والتثقيفية والتنظيمية الممكنة ، لتأهيلها للقيام بواجبها الجهادي تجاه فلسطين.
استنهاض وحشد جماهير الامة الاسلامية فـي كل مكان ، وحثها على القيام بدورها التاريخي لخوض المعركة الفاصلة مع الكيان الصهيوني.
العمل على توحيد الجهود الاسلامية الملتزمة باتجاه فلسطيـن، وتوطيد العلاقة مع الحركات الاسلامية والتحررية الصديقة فـي كافة انحاء العالم.
الدعوة الى الاسلام بعقيدته وشريعته وآدابه ، وابلاغ تعاليمه نقية شاملة لقطاعات الشعب المختلفة ، واحياء رسالته الحضارية للامة والانسانية.
وسائل الحركة لتحقيق اهدافها:
تعتمد حركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين لتحقيق اهدافها الوسائل التالية:
ممارسة الجهاد المسلح ضد اهداف ومصالح العدو الصهيوني.
اعداد وتنظيم الجماهير ، واستقطابها لصفوف الحركة ، وتأهيلها تأهيلا شاملا وفق منهج مستمد من القرآن والسنة ، وتراث الامة الصالح.
مد اسباب الاتصال والتعاون مع الحركات والمنظمات الاسلامية والشعبية ، والقوى التحررية فـي العالم لدعم الجهاد ضد الكيان الصهيوني، ومناهضة النفوذ الصهيوني العالمي.
السعى للقاء قوى شعبنا الاسلامية والوطنية العاملة على ارض المعركة ضد الكيان الصهيوني ، على ارضية عدم الاعتراف بهذا الكيان ، وبناء التشكيلات والمنظمات والمؤسسات الشعبية اللازمة لنهوض العمل الاسلامي والثوري.
اتـخاذ كافة الوسائل التعليمية والتنظيمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية والسياسية والعسكرية ، مما يبيحه الشرع ، وتنضجه التجربة من اجل تحقيق اهداف الحركة.
استخدام كل طرائق التأثيـر والتبليغ المتاحة والمناسبة من وسائل الاتصال المعروفة والمستجدة.
انتهاج مؤسسات الحركة وتنظيماتها من اساليب الدراسة والتخطيط والبرمجة والتقويم والمراقبة بما يكفل استقرار الحركة وتقدمها .
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
الأصول - الأيديولوجيا - التحولات
المقدمة /
تمهيد …
مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، استطاعت القوى الاستعمارية الأوروبية احتلال معظم اجزاء العالم الإسلامي، وفرضت بالتالي تحدياً اجنبياً على المنطقة العربية والإسلامية على كافة الاصعدة. مما أدى الى بروز قوى الحركة الإسلامية الحديثة في استجابة واضحة على التحدي، مستندة هذه القوى في معظم الحالات على برنامج من نقطتين: دحر الاحتلال الاجنبي، وإعادة الارتباط بالاجتماع الإسلامي.
بعد انهيار الدولة العثمانية، وتراجع فكرة الجامعة الإسلامية، وفرض التجزئة وبروز النخب المتغبربة، وولادة الدولة القومية بنموذجها الأوروبي، تبدلت المهام القديمة للحركات الإسلامية فأصبحت اكثر تحديدا. تبدى ذلك في أهدافها وبرامجها التي طرحتها، ومنها مقاومة طغيان دول التجزئة - دول ما بعد الاستقلال -، ومناهضة النمط الحداثي الغربي الذي أخذت به تلك الدول، وعملت على تكريسه، بعيداً عن المثال التاريخي الإسلامي الذي تنادي به حركات الاحياء الإسلامي المعاصرة.
مثلت اطروحات ومشاريع التيار الإسلامي القائمة على الفرض القاطع لنموذج مشروع الحداثة الغربي الذي ساد منذ نهاية القرن التاسع عشر والذي حملته انظمة وحركات وأحزاب، الفعل الاكثر تعبيراً عن عمق الأزمة في المجتمعات الغربية وأصبح هذا التيار محور استقطاب وجذب العديد من عناصر الاحتجاج في المجتمعات العربية الراهنة. انه يعكس باختصار أزمة الشرعية العميقة التي أصابت النموذج الفكري للتقدم والتحديث، ولا تقتصر هذه الازمة على أزمة السياسة او السلطة وحدها. بل تحتاج الاجتماع العربي الإسلامي في كافة مبانيه ومستوياته، الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
كما أن صدمة الالتقاء بالغرب وحداثته وما أفرزته من قطع تاريخي من نموذج الحكم الإسلامي، وتشكل دول ما بعد الاستقلال التي قامت باقصاء الدين عن السلطة، وأعادت ضبطه وما أسسته في المجتمع، أدخلتا الذات العربية في أزمة هوية تمظهرت كحالة من "الاغتراب" داخل المجتمعات نفسها، فكان اللجوء الى الدين ونشوء حركات الاحياء الإسلامي مظهراً مركزياً من مظاهر مقاومة هذا "الاغتراب" على المستوى الانطلوجي والنفسي والسياسي والاجتماعي.
ونحن اذ نتناول في بحثنا هذا إحدى حركات هذا التيار الإسلامي ودراسة اجتماعها السياسي وتمظهراته - وهي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين - فاننا نقارب بدراستنا حركة ذات خصوصية معينة تختلف بقدر ما تتقاطع مع باقي الحركات والاتجاهات الإسلامية الاخرى كما سيتبين لاحقاً.
موضوع البحث ومجاله:
ان مجال البحث وموضوعه، هو احدى حركات الاحياء الإسلامي، بما تحمله من خصائص الحركات الاجتماعية التغييرية التي تسعى الى الانتاج الذاتي لمجتمعاتها على مثال جديد وقوى وسلطات جديدة، إلا أن هذا الموضوع محل الدرس يتباين عن واقع حركات أخرى لان مجال حركة الجهاد الاجتماعي والسياسي يقع ضمن واقع مخصوص لايواجه نموذجاً لأحد أنظمة التجزئة، بل كياناً محتلاً لأرض، وبذلك يتداخل البعد الديني مع البعدين الوطني والسياسي ضمن واقع اجتماعي غير مستقر يخوض في مرحلة تحرر، لتنتج لدينا إشكالية البحث الاساسية في دراسة تلك الابعاد وتداخلها، مع ما شكلته "الجهاد" من خطاب وبرامج وممارسات، ورصدها في لحظتها التأسيسية وأصولها التاريخية، وأيديولوجيتها المعلنة وتتبع ذلك ضمن كافة التحولات التي واكبت الوضع الفلسطيني والإقليمي.
وإذا نظرنا الى موضوع الدارسة من خلال عنوان البحث الذي اخترناه مجالاً للبحث، الا وهو «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: الأصول - الايديولوجيا - التحولات» نجد أنفسنا أمام احدى حركات الاحتجاج بل المقاومة الإسلامية التي تشكل الحركة الإسلامية المعاصرة بمعناها الأرحب الاطار الأيديولوجي المتضمن لها، وعليه فالحديث يدور هنا ضمن نطاق اول ذو بعدين: عام تشكل الحركة الإسلامية المعاصرة بكافة تلاوينها مادة دراسته. وخاص تشكل حركة الجهاد مادة دراسته ضمن العام المتقدم. ويدور الحديث في النطاق الأول للموضوع عن نشأة حركة الجهاد، ومبررات هذه النشأة في ضوء أصولها الفكرية والسياسية والاجتماعية. وتتبع ذلك بدراسة اصول الافراد قيادة وقواعد، من حيث فئاتهم الاجتماعية أو أنتماءاتهم التنظيمية والسياسية السابقة. ودراسة الخطاب الايديولوجي "للجهاد" فكرياً وسياسياً واجتماعياً عبر منهج سوسيولوجي تارخي يرصده منذ نشأته وتطور حراكه. وبيان عوامل ولادة هذا الحركة إن كانت تعود لعوامل بنيوية داخلية خاصة بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة. أو إجابة عن لحظة مأزومة في المسار العملي للحركة الإسلامية وتعاملها مع القضية الفلسطينية، أو أدائها المتعثر داخل مجتمعاتها. أو إن كانت شأن وطني خاص فرضته تطورات القضية الفلسطينية بعد غياب للتيار الديني الفلسطيني عن الفعل الوطني.
النطاق الثاني، وهو السمة التي اتسمت بها هذه الحركة ونعتت بها نفسها وهي صفة «الجهاد»، وبيان ما تحمله من معاني ودلالات في المستويين العام؛ أي ما يطلق عليه في الساحة الفلسطينية بالكفاح المسلح، وتسمية الدراسات الاجتماعية ب "العنف التحرري" أو "العنف الثوري" وفق المدرسة الماركسية. وهناك مستوى خاص وهو دلالة «الجهاد» كفعل وممارسة في ضوء التفسير الأيديولوجي الذي تضفيه حركة الجهاد عليه، وآلية حراك الجهاد كفعل مقاوم مناهض لسلطة الاحتلال الاسرائيلي.
ويتضح ضمن السياق السابق أن بحث حركة الجهاد الفلسطيني لجهة فعالياتها الاجتماعية والسياسية يندرج ضمن علم الاجتماع السياسي، فالبحث يتناول إحدى الحركات الاجتماعية التي تقتسم الاجتماع الفلسطيني مع حركات وجماعات أخرى، تشكل في مجموعها - في غياب سلطة الدولة العليا -، المرجعية السلطوية للجماعة الوطنية الفلسطينية التي تخوض في مجملها صراع تحرري ضد الاحتلال. وحركة الجهاد التي تخوض علمية التحرير والتغيير تخوض في الوقت نفسه تدافع وصراع مع القوى السياسية الفلسطينية الاخرى على مسألة الشرعية والتمثيل، مستندة في ذلك على مشروعية دينية، وسياسية، إضافة الى سندها الاجتماعي داخل الاجتماع الفلسطيني. والبحث بذلك يطال قوة اجتماعية تقتسم سلطة ما، وتقيم علاقات تحالف وصراع مع قوى مختلفة.
وإضافة لما تقدم فإن بحث حركة الجهاد يتناول دراسة خصائص إحدى الحركات الثورية إان لجهة قادتها وقواعدها وفئاتهم الاجتماعية والتعليمية. أو أيديولوجيتها ضمن مستوى التكوين والوظيفة والشرعية. أو التنظيم وطبيعته وهيكليته، والعلاقات التفاعلية الداخلية. أو الوسائل المتبعة من ثورية وإصلاحية: أو الاهداف البعيدة منها والقريبة. كما تعرض الدراسة إلى جماعات التدافع والضغط الداخلية، ومساراتها ومآلاتها وقضاياها، وما تستند إليه من قوى، وما أفرزته من صراعات سياسية وأيديولوجية ومصلحية. كما لم تغفل دراسة الحقل السياسي والاجتماعي محلياً وإقليمياً ودولياً والتي تشتغل فيه "الجهاد" ونشأت من خلاله: وبيان مدى تأثير هذين الحقلين - إضافة لتأثير الايديولوجيا - على مسارات التشكل ومآلاته.
كما أن البحث يعيد يدرس الى علاقة المجال الديني بالمجال السياسي وحدود كل منهما، ومدى مساهمة المجال الوطني في خلق الشراكة بين المجالين. ومدى الدينامية التفاعلية بين السياسة والدين، وطرق أساليب استثمار نص ومجال كل منهما للآخر في سياق مشروعية وتحقيق أهدافه.
وإذا كان الفعل والأداء السياسي لحركة الجهاد في الساحة الفلسطينية يتحدد من خلال مقاومة الاحتلال، بخلاف ما يتحدد به أداء حركات الاحتجاج الديني الأخرى في ظل أنظمة التجزئة المستقلة والمستقرة، فإن من المهم دراسة إثر هذا الاختلاف في حدود المجال السياسي في المعطى الديني وأثر الدين في علاقات الجماعات الإسلامية السياسية بالجماعة الوطنية وقواها «اللاإسلامية»، أو العلاقة والموقف من هذه الأنظمة بين حركة الجهاد والحركات الإسلامية الاخرى، من هذه الأنظمة.
ولا ننهي الحديث في مجال البحث قبل أن نشير الى ما يحتويه منهجياً وموضوعياً من دراسة موضوعة الاجتماع المعرفي وأثر المعرفة في تسيير الحركات الاجتماعية من ناحية. وأثر الاجتماع وأحداثه المختلفة في ثبات أو تغيير وتبدل القناعات المعرفية لهذه الحركات ومثالها في الدراسة حركة الجهاد.
فرضيات البحث الأساسية :
وفي ضوء موضوع البحث المتقدم ومجاله، سيتم التحقق من عدة فروض رئيسية هي:
- إن لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين دور رئيسي في اعادة التيار الديني الفلسطيني الى الفعل داخل الصراع العربي والاسرائيلي.
- إن راديكالية الممارسة وجذريتها ترتبط بمباني الخطاب الأيديولوجي نفسه.
- إن رؤيتها للقضية الفلسطينية متجاوزة في جوانب عدة منها موقف باقي الحركات الإسلامية، بمزجها بين البعدين الوطني والإسلامي في معادلة جديدة.
- إن الاصول الاجتماعية لقيادات وعناصر "الجهاد"، ساهمت في صياغة الراديكالية في الممارسة والثورية في
الخطاب.
- إن حركة الجهاد ومع مساهمتها في إبراز مفهوم الجماعة الوطنية داخل الحركة الإسلامية، الا ان إزمة تمثيلها للجماعة بقيت ماثلة بالرغم مما يتوفر لها من علاقات سياسية جيدة بأطراف الاجتماع الوطني.
- إن للمسألة الوطنية دور كبير في بيان حدود الشراكة بين المجال الديني والمجال السياسي.
- إذا كانت راديكالية الممارسة وجذريتها ترتبط بمباني الخطاب الايديولوجي، فان ما اكتسبته لاحقاً من براغماتية في بعض مواقفها السياسية يرتبط بالواقع الموضوعي وتحولاته السياسية والاجتماعية.
- إن واقع حركات المقاومة الإسلامية سواء التنظيمي الداخلي، او علاقاتهم البينية، يعكس إزمة التعددية والديمقراطية داخل الحركة الإسلامية، لجهة عدم قبولها بالمختلف وبنعدد الشرعية السياسية، كما يعكس هذا الواقع نمطاً من توحد القيادة كما هو شأن الساحة الفلسطينية على صعيد الحركات الوطنية.
* وللبحث في الفرضيات المتقدمة وبعد دراسة مستفيضة للبحوث والدراسات والمقالات التي الفت وكتبت - وهي نادرة - حول الحركة الإسلامية الفلسطينية، وحركة الجهاد على وجه الخصوص وجدنا جملة أمور شكل هم تجاوزها احد دوافع البحث ومبرراته ومنها:-
- انها افتقدت الى منهجية واضحة، فبعض الدراسات اعتمدت التوثيق والجمع اكثر من ضبط مادة البحث منهجياً.
- ان الدراسات التوثيقية عانت من ندرة المراجع والمصادر الخاصة بموضوع البحث الأمر الذي اوقعها في أخطاء في الاستنتاج والتحليل والتفسير.
- السرية والغموض الذي أحاطت بها الحركة الإسلامية وحركة الجهاد فكرها وانشطتها فترة من الزمن، اثر على نتائج الدراسات والبحوث.
- غلبة الطابع الصحفي التقريري على بعض تلك المقالات والدراسات، مما أفقدها الأهمية العلمية.
- أن بعضها كتب بنزعة أيديولوجية غير محايدة، وذلك من قبل بعض الحركات والكتاب ذوي الميول الأيديولوجية المخالفة، مما شك في مصداقية نتائجها وتحليلاتها.
- إن مصادر بعض الدراسات هي مصادر اسرائيلية، تم اعتمادها دون التدقيق فيها ومقارنتها بمصادر أخرى، وذلك لفقر المعلومات عن تلك الحركات وخاصة في المراحل الاولى للكتابات.
منهجية البحث :
قبل أن نشرع في بيان منهجية البحث في دراسة الموضوع المتقدم، والذي يقع ضمن مجال علم الاجتماع السياسي، نشير الى جملة مسائل منها:
* إذا كانت العلوم الانسانية ليس لديها منهج محدد ونهائي في دراسة الظواهر الاجتماعية، فان علم الاجتماع السياسي ايضا لا يمتلك مناهج وتقنيات خاصة به دون باقي العلوم، فهو يستعمل مناهج العلوم الاجتماعية وتقنياتها تبعا للموضوع قيد الدراسة، أي بمقدار ما تفي المناهج بمقومات الموضوع المبحوث، كقابليته لأن يعرف ويدرس ويفسر، او تفي أيضا بمقومات أدوات البحث وتقنياته وقابليتها لأن توصل الى نتائج ملموسة في الإجابة على إشكالية البحث وحل فرضياته، وأن توفر المنهجية قدراً من الايجابية والانفتاحية والموضوعية والنظرة الشمولية لدى البحث.
* انطلاقا من التكامل المنهجي في دراسة الظواهر السوسيوسياسية، فان على الباحث ان يسعس لاستخدام عدة مناهج تحقق التكامل المنهجي، لتتوفر النظرة الشمولية التي لا تختزل الظاهرة ومجال البحث في أحد أبعاده، وتأخذ بعين الاعتبار كافة العوامل المكونة للظاهرة عند مقاربتها، للحفاظ على الطابع المترابط والكلي للموضوع مثار البحث.
* إن الظاهرة السوسيولوجية هي ظاهرة معقدة، وهي في بعدها السياسي اكثر تعقيداً، ولذلك فلا يكفي اعتماد منهج واحد في مقاربتها او تعليلها وبيان اسبابها وآليات حراكها. بل لابد من التوسل بكافة المناهج التي تفي بدارسة موضوع البحث بكل ما فيه من تعقيد وتداخل لعوامله، والقوى التي تشكله، وتفاعل هذه العوامل والقوى، وهذا يقتضي تعددية المناهج وبالتالي تعددية الشروحات.
* إن الدراسات السياسية لاتنأى عن الخلافات المنهجية الدائرة بين علماء الاجتماع، فكيف بنا إذا درسنا الظاهرة السياسية كظاهرة سوسيولوجية؟ فان أثر هذا التعدد والخلاف المنهجي في هذه الحالة ستبرز بشكل أكثر عمقاً. الأمر الذي يفرض تعدد المناهج لتتسع لدراسة الظاهرة السوسيولوجية وتفسيرها.
* أمام موضوع البحث، وهو حركة الجهاد الإسلامي في أصولها وأيديولوجيتها وتحولاتها، ورصد كل ذلك في نشأتها وعلاقاتها ومواقفها وأفعاله، فاننا سنجد أننا امام إحدى الحركات التي تأخذ اكثر مع بعد، فهي بالنظر الى خطابها الثقافي حركة دينية تتوسل الدين في أهدافها وغاياتها وبرامجها التعبوية، وهي بالنظر الى مبررات نشأتها وصراعها التحرري ضد الاحتلال حركة وطنية، وهي لجهة تعاطيها السياسة في المواقف والعلاقات حركة سياسية، إضافة لكل ذلك فهي حركة اجتماعية تعيش ضمن وسط اجتماعي له سماته ومكوناته وجذوره والذي ساهم في تشكيلها ورسم ملامحها المجتمعية فلسطينياً. وهذه من الأبعاد والمقومات لا يضبطها منهج واحد او تقنية ووسيلة بحث واحدة، بل لابد من مقاربة كافة الأبعاد المتقدمة للظاهرة بعدة مناهج تساعد في تفسيرها والاحاطة بها بشكل علمي موضوعي قدر الامكان، للوصول الى غاية البحث وهدفه في الاجابة على فرضياته.
اننا إذا بحثنا في المنهجية المستخدمة فاننا نعني بذلك المنهجية المرتبطة بمحاولة تفسير، أي جملة المناهج بما تهدف وقبل كل شيء الى تقديم مخطط تفسيري يمكن ان يكون متسعاً بدرجات متباينة. وأن يأخذ موقعه على مستوى مختلف، وكما يقول موريس دوفرجية: ان علم الاجتماع باعتباره علما يقوم على ملاحظة الظاهرات التي يسعى الى وصفها وتفسيرها لكي يتمكن من توقعها والتأثير عليها.
وليست المنهجية التفسيرية هنا في الواقع الا جوابا على سؤال «الكيف» القابل للاستعمال وفق تقنيات محددة تبعاً لهدف محدد، أي مرتبطا بمحتوى الميدان الذي تجب دراسته والمشكلات التي تطرح عليه، وسنعمد وفقد ذلك الى كافة المناهج والتقنيات شأن كل علم يسعى لبلوغ التفسير، ولكن بلوغ التفسير لايمكن ان نصل اليه دونما توصيف لأبعاد الظاهرة المدروسة؛ أي دونما الاجابة على سؤال «لماذا»؟ لأن الكيف لا يتحصل الا بالإجابة على لماذا، وهو هنا توصيف ينطبق على الواقع قدر المستطاع، مع محاولة ان يكون الوصف لواقعات ذات دلالة مرتبطة بإشكالية البحث وفرضياته بغية الإجابة عليها.
فدراستنا لحركة الجهاد لابد وان تمر بتسجيل الوقائع وجمعها، وبيان ووصف ابعاد الظاهرة وملامحها منذ النشأة الى الوقت الراهن، سواء في خطابها او ممارساتها. ولا يمكن فهم ديناميات حركة الجهاد الإسلامي او بلوغ التفسير الا بتلك الإحاطة الأولية بمجالات حركة الجهاد الدينية والسياسية والاجتماعية والوطنية وتداخلاتها، سواء في الشأن التنظيمي الخاص، او المجتمعي العام.
ولانريد بالتفسير هنا الادراك بالمعنى الذي يعيشه الباحث الاجتماعي، أو ما قد يقابله من الحدس الذي يتزامن مع لحظة الفرضية، فالإدراك لا يكون بديلاً للتفسير، لأن التفسير بحث علمي مترجم الى مصطلحات موضوعية، يأتي ليثبت او ينفي الإدراك الأولي الملازم للفرضية.
ولا نزعم أننا بالتفسير سنجيب اجابات قاطعة على كل إشكالية تطرأ، أو فرضية تطرح، لأن التفسير قد يرشدنا في بعض جوانبه إلى كشف عما هو خفي من الظاهرة، أو قد يساعدنا على طرح أسئلة تساهم في بلورة مشكلة أدق، بل قد يدفعنا إلي إبراز فرضيات جديدة، ورغم ذلك فان المنهجية التفسيرية غرضها الأساس الإجابة على الإشكالية والفرضيات والسماح بتفسيرها وأحيانا التنبؤ بها.
وأما المناهج التي سنتوسل بها لبلوغ التفسير فهي:
- منهج دراسة الحالة كوحدة كاملة: ويتم ذلك بالاحاطة الدقيقة الشاملة بالظاهرة المدروسة عبر الملاحظة، والتوصيف، وجمع المعلومات، خصوصا ما يتعلق بأسبابها ونتائجها وعلاقتها بالظواهر والمشكلات الاخرى، الأمر الذي يوفر دراسة مستفيضة بفهم أعمق للقضية مثار البحث، ولكن مع الاحتفاظ بالطابع المترابط والكلي للموضوع، وكما قلنا دراسة الحالة كوحدة كاملة، وهي بذلك لا تفسر بعناصرها فحسب، لأن الكل او المجتمع كما يقول دوركهايم يضيف خصائص جديدة للعناصر التي يركبها. وحركة الجهاد تدرس كوحدة كاملة من وقائع ومتغيرات متعددة ضمن وحدة أكبر ومجال حراك أرحب.
كما ان دراسة حركة الجهاد كوحدة كاملة، وبلوغ التفسير لا يتم بجمع خصائص عناصر ووقائع التكوين، لأن المطلوب في التفسير هو إيجاد العوامل والوقائع مترابطة اكثر من جمع الوسط الحسابي لمجموع العناصر كالدين والسياسة والاجتماع، أو إيجاد عامل او واقعة مولدة كأن نركز على الدين او السياسة او الاجتماع منفردا. إن اجتماع العوامل او المجالات او الوقائع المختلفة قد تشكل مجالاً موحدا، وهو هنا حركة الجهاد الإسلامي، ويتجاوز هذا المجال الموحد في آليات حركاه وديناميته وتفاعله آليات وديناميات العناصر المكونة له أساساً، وهذا ما أردناه من قولنا دراسة الحالة كوحدة كاملة.
- المنهج التاريخي: إذا كان علم الاجتماع يقدم للتاريخ أطرا مفهومية (أنماطاً، بنى، ظروفاً)، فإن التاريخ يقدم لعلم الاجتماع بدوره المواد المادية الضرورية جداً، لأنها آتية من الواقع. ونحن هنا لا نسعى للارتباط بالتاريخ بل بزمن التاريخ، أي استخدام المنهج التاريخي دون ان يحصرنا الجانب الوقائعي منه، رغم ما للتاريخ الوقائعي من أهمية، لكننا نتجاوزه الى التاريخ المقارن، والى ما اطلق عليه زمن التاريخ التعاقبي. ونلمس أهمية المنهج التاريخي لناحية الزمن التعاقبي في الدراسات الاجتماعية من قول جورج غورفيتش: يمكننا بصعوبة ان نتصور تفسير ليس تعاقبياً، أي أنه دفعة واحدة تكويني. فدراسة الظاهرة الاجتماعية السياسية لا تتم الا عبر الزمن الاجتماعي في التاريخ الذي يكشف عن المتغيرات والتحولات والابتكارات.
فالمنهج التاريخي في موضوع بحثنا يقدم لنا المواد الأولية للبحث، كما يضعنا في صورة جملة المتحولات والمتغيرات داخل حركة الجهاد، والتي لم تتشكل دفعة واحدة تكوينياً بمصطلح غورفيتش، لكنها تدرجت ضمن تعاقب زمني من اتجاه، فتيار، فتنظيم حركي، فمؤسسات وكان كل تدرج من هذا التحولات نتيجة جملة تحولات سابقة، ورغم ان التاريخ يتطابق للوهلة الأولى مع الواقع الاجتماعي الا أن المعرفة التاريخية لا تشكل الا تفسيرا جزئيا لهذا الواقع بين تفسيرات كثيرة اخرى في ميدان علم الاجتماع السياسي، ولذلك فلابد من أن يتكامل كل من المنهج التاريخي والاجتماعي.
- المنهج المقارن: إن غياب امكانية التجريب يجعل من المقارنة الوسيلة الوحيدة التي تتيح لعالم الاجتماع تحليل المعطى المادي، واستخلاص العناصر الثابتة والمجردة، والخاصة العامة فيه، عندما سيتصدى للتفسير الاجتماعي.
واستخدام المنهج المقارن في موضوع البحث يفسر بلحاظ ان حركة الجهاد الإسلامي نشأت في وجود حركات وأحزاب ثورية أخرى تنازعها نفس وظائف ومبررات قيامها، ولايمكن تفسير المعطى التكويني الأول للحركة، أو فهم جملة السياسات والمواقف لاحقاً الا عبر المقارنة بتلك الحركات خاصة الإسلامية منها، وكذلك الوطنية.
واستخدام المنهج المقارن يشكل جزءاً من الملاحظة، كما انه يوحي بفرضيات وأحياناً بالتحقق من الفرضيات، ولكننا لانزعم ان هذا المفهوم سيلازم مراحل البحث في كل قضية، بل نعمد اليه بما يساهم في تفسير القضية مثار البحث، وبالقدر الذي يساهم في الإجابة على الفرضية.
- المنهج الوظيفي: يقول موريس دوفرجية: تقوم كل منظمة بوظيفة أو أكثر تشكل سبب وجودها، علماً بأن الوظائف الحقيقية لا علاقة لها دوماً بالوظائف المعلنة، وكل وظيفة تحتاح لمنظمة أو أكثر لتأمينها.
وحركة الجهاد الإسلامي كحركة اجتماعية سياسية فهي حركة وظائفية لا يمكن مقاربتها ودرسها الا بتعيين جملة الوظائف المعلنة وغير المعلنة وذلك بدراسة غاياتها وأهدافها ومبررات ولادتها، اذ يعتبر غالباً «ان الوظائف هي أهداف المنظمات» كما يقول دوفرجية، والذي يضيف «ان مفهومي الوظيفة والتنظيم لاينفصلان في الواقع»، هذا ان لم يكونا وجهين لحقيقة واحدة بالضبط، بما ان المنظمة نفسها يمكن ان تمارس عدة وظائف والوظيفة الواحدة يمكن ان تقوم بها عدة منظمات.
وفكرة الوظيفة تقتضي الدراسة والتحقق من عمل حركة الجهاد ضمن المجتمع الفلسطيني الذي تنتمي اليه ومدى تمثلها لدورها في المجتمع وقضاياه الاجتماعية الداخلية من ناحية، والصراعية ضد الاحتلال من ناحية اخرى، ان الوظيفة هي أحد زوايا النظر والتحليل والتفسير لدور حركة الجهاد وفاعليتها، ورغم ذلك فانها لا تمثل منهجاً منفرداً في المقاربة بل تشترك مع المناهج الأخرى في التحليل الاجتماعي ذاته، وهو شأن كافة المناهج المستخدمة، وذلك في سياق العمل بالتكامل المنهجي الذي يحيط بالبحث بغية ضبط ومقاربة كافة أبعاده قدر الامكان.
تحقيقاً لدراسة شاملة من حيق المضمون، ووافية من حيث المنهجية، بذلت الجهد في دراسة موضوع البحث بشكل شامل ودقيق يتجاوز قدر الامكان ما وجدته من قصور في الدراسات السابقة التي تناولت الحركة الإسلامية الفلسطينية عموماً، وحركة الجهاد الإسلامي على وجه الخصوص، آملاً ان تكون طريقة تصنيف وفهرسة البحث قد ساعدت على تحقيق ذلك وعلى كشف اشكالية البحث وسبر واختبار فرضياته.
حركة الجهاد والنظام العربي: إشكالية الموقف والعلاقة:
يشكل الموقف الخاص من النظام العربي الرسمي في أيديولوجيا «الجهاد الإسلامي» أحدَ مبررات نشأة الحركة التي فارقت كلاً من التجربة الوطنية والإسلامية التقليدية، والحركة تؤكد أن «إخراج الأمة من الحلقة المفرغة التي أوقعتها فيها أنظمة الردة العلمانية»[58] هو في صلب التحديات التي فرضت على الحركة زمن ميلادها. لأن رؤية كُلّ من الطرح الوطني والإسلامي التقليدي لم يبصر العلاقة الجدلية القائمة بين الأنظمة (الدولة القومية) وبين إسرائيل، وموقع هذه العلاقة على خارطة المشروع الاستعماري فكانت رؤية الطرحين «رؤية ميكانيكية بسيطة».
فالحركة الإسلامية التقليدية (الأخوان المسلمين) التي ركزت على مفهوم الخلافة وإقامة النظام السياسي الإسلامي أولاً، لم تدرك في نظر "الجهاد" «معنى الظاهرة الإسرائيلية و أبعادها الشاملة وعلاقتها الجدلية بغياب الخلافة»، وبعد انطلاقة حماس فإنها «لم تركز في أدبياتها على ارتباط الحكام العرب المصلحي بالغرب عند الحديث عن علاقاتهم بالقضية الفلسطينية ومواقفهم منها» واعتبروا إسرائيل عبر ألاعيبها وهيمنتها السياسية في المنطقة هي من صرف حكام العرب بعيداً عن أرض الإسراء والمعراج نحو اشتغالهم بالحرب العراقية الإيرانية.
خلاف موقف حماس هذا ذهب أفراد «الجهاد» إلى أحقية بل وجوب توجيه النقد العنيف للأنظمة العربية، فذهبوا إلى التأكيد على أن أنظمة التجزئة وإسرائيل وجهان لعملة واحدة.ý
أما الطرح الوطني الفلسطيني لفصائل «م.ت.ف» التي رفعت شعار «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، فإن حركة الجهاد الإسلامية، ترى أيضاً هذا الموقف الذي تبنته كافة الحركات الوطنية الفلسطينية لم يحل دون الضربات التي تلقتها الحركة الوطنية من قبل هذه الأنظمة، بل وتعتبر هذه الضربات هي الأشد والأكثر تأثيراً على مسيرتها «وخرجت الحركة الوطنية أكثر قوة في معركتها مع إسرائيل وكانت تخسر في كل معاركها مع الأنظمة»[65]، أي في الساحة التي أغفلتها.
حركة الجهاد وفي سياق نقدها التجاوزي للطرفين حاولت الإفادة من النصين الإسلامي الراديكالي والوطني الفلسطيني لبناء موقفاً مختلفاً من أنظمة التجزئة، ولم تكتف بالشائع لدى القطاع الأوسع من حركات الاحياء الإسلامي في التركيز على الموقف الشرعي الديني وإثارة مسائل الحاكمية وتطبيق الشريعة وإقامة الحدود أثناء نقدها لأنظمة التجزئة.
إضافة إلى عدم إهمالها التام لهذه الأبعاد ــ التي كانت أمينة لها في البدايات الأولى للانطلاق ـ قامت حركة الجهاد برصد الموقف من النظام العربي منذ نشأته التاريخية وتطوره اللاحق. وتحديداً منذ حملة نابليون بونابرت على مصر والتي وضعت الغرب في مواجهة العالم الإسلامي في مقابلة مأساوية. تلك المقابلة التي كان من أخطر نتائجها حسب الجهاد ولادة تيار «التغريب»، هذا التيار الذي تأسس عليه لاحقاً النظام العربي، وهو (تيار) أقام الغرب بتوسيع قاعدته عبر السفارات والقنصليات وحركة الترجمة والبعثات الدراسية ليساهم في إسقاط الدولة العثمانية «جدار الإسلام العظيم» متحالفاً مع اليهود ليُنشأ بعد ذلك أنظمة التجزئة من كمال أتاتورك في تركيا ورضا شاه في إيران وابناء الحسين في المشرق العربي ومدرسة حزب الوفد في مصر.
أما الدولة القومية: (The Nation State) الحديثة والمعاصرة، والتي قامت قيادة تيار التغريب على رعايتها وقيادتها فقد نظرت إليها حركة الجهاد على النحو التالي: ــ
* أَنها دولٌ لم تكن في تشكلها نتاجاً لتطور السياق التاريخي الخاص للأمة العربية أو نتيجة عوامل داخلية بل نشأت وتطورت داخل السياق الأوروبي فيما بعد عصر النهضة فهي جزء من التطور الحضاري الغربي، وطارئة على السياق التاريخي للأمة.ý
* وبناء على ما تقدم استحالت هذه الدول القومية «جزءاً من مشروع استعماري غربي عالمي» ولذلك تقف في قلب الكفر وإلى صف الاستكبار الدولي وامتداداً للهجمة الغربية على الأمة الإسلامية.
* هي أنظمة تسعى جاهدة لتصفية وجود الأمة وتشويه هويتها وتذويب شخصيتها وخدمة مصالح «أعداء الأمة».
* هي أنظمة قامت على العنف عبر أجهزتها وأدواتها القمعية وفرضت سلطتها على الجماهير في معظم الوقت بالعنف.
* إن الأمة وفي سياق سعيها لتحقيق نهضتها الشاملة لا بد لها من الإطاحة بالأنظمة ومواجهتها كجزء هام من عملية التحرير الشاملة.
* أنظمة التجزئة وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، فكلاهما إفراز للهجمة الغربية الشاملة على الأمة وكلاهما يكرس وجود الآخر. ولا يمثل نقيضاً له، ولذلك فشلت أنظمة التجزئة الليبرالية منها والثورية في مواجهة إسرائيل. فبات لزاماً مقاتلة الاستعمار و«الحكام الطغاة» معاً.
غير أن الموقف السابق لحركة الجهاد لم يستمر في جذريته التنظيرية على كافة الأصعدة بل اعتراه بعض التغيرات فرضها الواقع السياسي وبعض الضرورات اللوجستية على قيادات الحركة بخاصة بعد انتشار الحركة خارج فلسطين على إثر إبعاد بعض قيادات وكوادر «الجهاد»، إلا أن هذا التغيير لم يتحول حتى هذه اللحظة إلى الاعتراف بشرعية الأنظمة العربية القائمة، ولم يمس أصول النظرة التاريخية والسياسية تجاه هذه الأنظمة، بل بات الموقف اقرب إلى صيغة «التعايش الحذر والقلق» في آنً معاً على صعيد الموقف من النشأة التاريخية والوظيفية السياسية لهذه الأنظمة، فقد حافظت الحركة على موقفها الذي يضعها بالتجزئة والقطرية وضرورة الدعوة إلى تغييرها لنظم إسلامية موحدة.
على مستوى الموقف الشرعي من الأنظمة وبعد أن كان يشار إلى «وجوب جهاد من لم يحكم بما أنزل الله ويعادي الإسلام من أنظمة الردة وإسقاطها»، فقد غابت ومنذ العام 1990 مصطلحات الكفر والردة في معرض الحديث عن هذه الأنظمة وغلبت اللغة السياسية من وصف بالتبعية والتخلف وخدمة الغرب، وبرز الحديث عن التنمية المستقلة والواقع الاقتصادي والاجتماعي لهذه الأنظمة.
أما الحديث عن وجوب تغيير الأنظمة فإن الحركة تركت الأمر منوطاً بالحركات الإسلامية في بلدانها. وتفرغت حركة الجهاد لقضيتها الوطنية والصراع ضد الاحتلال الصهيوني باعتباره الصراع الرئيسي والأساسي وآثرت عدم الدخول في صراعات أخرى ثانوية أو هامشية، وتركت الشأن الداخلي في هذه الدولة أو تلك للحركات الإسلامية المحلية.
وحول العلاقة مع النظام العربي فقد عبرت الحركة أنه لا توجد لديها علاقة رسمية تربطها بأي طرف من أطرافه، أما بخصوص وجود بعض قيادات «الجهاد» في سوريا، فقد عبَّر الشقاقي أن وجودهم في سوريا عابر وغير رسمي، وأن سوريا تؤمن بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة ولا اعتراض لها على هذا الوجود، ودور «الجهاد» في سوريا أو غيرها دور لا يتجاوز كونه دوراً سياسياً وإعلامياً. وأن وجودهم في سوريا لا يحتاج إلى مواثيق طالما أن توجه الحركة الأساسي هو العمل ضد العدو الصهيوني وفي داخل فلسطين.
الـخـاتـمــة:
ما فتئت حركة الجهاد الإسلامي في أدبياتها وعلى لسان قادتها تفسر سبب نشوئها وانطلاقتها في اتجاهين اثنين: ـ
الأول: السعي لتقديم الإجابة الإسلامية على السؤال الوطني الفلسطيني، وضمن هذا الاتجاه يتم تعريفها عادة بحركة إسلامية مقاتلة.
الثاني: تمثلها كقوة تجديدية وتثويرية وتنويرية داخل العمل الفلسطيني والحركة الإسلامية المعاصرة، إن في الفكر أو الممارسة.
وهذا التوجه في تفسير ظاهرة الجهاد الإسلامي الحركية وبعد مرور عقدين من الزمن عليها (1975 ـ 1997) تواجه تحديات وتحولات مختلفة ترهن الحركة ومستقبلها سواء بتجذرها وانتشارها أو تراجعها وانحصارها.
من هذه التحديات والتحولات الانقلاب في واقع القضية الفلسطينية من حيث وجود سلطتين داخل الحدود التاريخية لفلسطين، وهما سلطة الاحتلال الإسرائيلي وسلطة الحكم الإداري الذاتي، وهو أمر يتطلب من الحركة أن توسع دائرة الإجابة على السؤال الفلسطيني إسلامياً تجاه هذه المستجدات الخاصة بسلطة فلسطينية تدير شؤون قسم كبير من الفلسطينيين وتشرف على اجتماعه المدني «المنقوص»، وتخوض في الوقت نفسه مفاوضات مع سلطة الاحتلال.
والإجابة التي تشرط مستقبل الحركة ليست ذات بعد سياسي فقط بل تشمل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية ومتعلقات مجال الاجتماع السياسي الفلسطيني العام، فهي إجابة على شكل العلاقة مع هذه السلطة إن كانت مشاركة أو مقاطعة أو مشاركة ومقاطعة معاً، وهل العلاقة بالسلطة ستحدد تنافساً مدنياً أم صراعاً سياسياً شاملاً أو منقوصاً، صراعاً عسكرياً جزئياً أو كلياً.
وهي إجابة لبرامج الحركة وخططها تجاه الاجتماع الأهلي ومؤسساته، ستظهر مدى قدرة الحركة على القيام بتأسيس بنية تحتية تشكل رديفاً بشرياً ومادياً للحركة، يقوم على حمايتها وتعزيزاندماجها العضوي بالمجتمع.
الإجابة على ما تقدم سيحدد حجم وفاعلية حركة الجهاد داخل مناطق الحكم الذاتي، وهو بدوره سيؤثر سلباً أو إيجاباً على قيام الحركة بالمبرر التأسيسي الأهم في انطلاقة الحركة والخاص بمواصلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ومواصلة الكفاح المسلح وفي ظل الصعوبات اللوجستية بالغة التعقيد التي أصبحت تحيط به، فإنه أضحى عند القيام به ذو تأثير بالغ ليس على الصف الإسرائيلي فحسب بل على الصف الفلسطيني بما يلحقه من إجراءات عقابية تفقد سلطة الحكم الذاتي ما تنشده في مناطق نفوذها من استقرار اجتماعي واقتصادي فضلاً عن الاستقرار السياسي، كما أن محاصرة الحركة وملاحقتها داخل وخارج فلسطين سيكون أشد وليس أدل على ذلك من اغتيال مؤسسها وأمينها العام الدكتور فتحي الشقاقي الذي تذهب معظم الروايات إلى أن ما سرَّع من اغتياله هي العملية الاستشهادية المزدوجة التي نفذها مجاهدين من الحركة في بيت ليد في تجمع للجنود الإسرائيليين إضافة لعمليتي الاغتيال اللتان قام بهما الموساد في مناطق الحكم الذاتي مستهدفاً مسؤولين عسكريين بارزين في الجهاز العسكري للحركة «قسم» هم هاني عابد ومحمود الخواجا.
يبقى ملاك استمرار الحركة في نظر الآخرين قدرتها على القيام «بالجهاد المسلح» عنوان حركتها وجوهر اسمها ورسمها، مع ضبط إيقاع هذا الجهاد المسلح بما لا يدفعها إلى تكرار تجارب المجموعات الجهادية في مصر والجزائر تجاه السلطة الفلسطينية والحفاظ في الوقت ذاته على خطها الراديكالي الرافض لسياسات هذه السلطة ومشاريعها، وهو أمر غاية في التعقيد.
أما على صعيد الاتجاه الثاني فأمام الحركة تحدياً ذو أبعاد ثلاثة:
الأول: تحدي العمل الوطني الفلسطيني المشترك لجهة قدرتها في أن تكون قاسماً مشتركاً يجمع بين القوى الوطنية من ناحية والقوى الإسلامية من ناحية أخرى، وذلك لعدم وجود تاريخ صراعي لها يذكر مع كلا الطرفين، ولثقة الطرف الوطني بجذريتها السياسية، وعزوفها عن الهيمنة والسيطرة. والتحدي الذي سيعزز للحركة دورها وفعاليتها هو برامجي خاص بإيجاد صيغ كفيلة بتجميع قوى المعارضة على القواسم المشتركة أو عملي بتطوير الصيغ القائمة.
الثاني: تحدي العلاقة مع حركة حماس التي لم تعد أقل كفاحية ضد الاحتلال الإسرائيلي من حركة الجهاد، فضلاً عما أثبته طوال السنوات الماضية من استقرار داخلي مؤسساتي وتنظيمي، إضافة إلى تحولها لقوة إقليمية ذات علاقات واسعة وإمكانيات كبيرة. كل ذلك يدفع حركة الجهاد إلى تقييم علاقتها ومواقفها التاريخية التقليدية من حماس، والبحث في صيغ الاندماج أو التحالف أو العمل الجبهوي أو التنسيق ، ... الخ، في ضوء أزمة المشروع الوطني بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، وبناءً على ما توفر من شراكة تكتيكية للحركتين إضافة لوحدة مرجعيتهما العقائدية.
الثالث: المهمة التي تطرحها حركة الجهاد لنفسها كقوة تجديد وتثوير وتنوير داخل الحركة الإسلامية المعاصرة وهو تحدٍ يحتاج من الجهاد ــ فيما يبدو ـ إلى إعادة صياغة أيديولوجيتها الفكرية والسياسية إسلامياً في ضوء التطورات والمستجدات الراهنة لتحديد معالم التجديد والتنوير والتثوير المرجو تحقيقها داخل تجمعات الإسلامية الحركية.
على المستوى الداخلي، فإن التحدي الأهم الذي تواجهه كافة الحركات والأحزاب السياسية العربية والإسلامية أياً كان لونها الأيديولوجي هو تحدي الديمقراطية، والمؤسساتية، وتوسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرارات، و«التدافع» السلمي الداخلي، وضبط حركة المال، لأن كل ذلك شرط الفاعلية والأداء المنتظم والقرار الصائب ومراكمة الفعل والتقدم في تحقيق البرامج والأهداف.
والله الموفق
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين
حركة الجهاد الإسلامي فـي فلسطين
نشأة الحركة:
لقد كانت نشأة حركة الجهاد الإسلامي ثمرة حوار فكري وتدافع سياسي شهدته الحركة الإسلامية الفلسطينية أواخر السبعينات وقادته مجموعه من الشباب الفلسطيني فـي أثناء وجودهم للدارسه الجامعية فـي مصر وكان على رأسهم مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي (رحمه الله).
نتيـجة للحالة التي كانت تعيشها الحركة الإسلامية فـي ذلك الوقت من إهمال للقضية الفلسطينية كقضية مركزيه للعالم الإسلامي والحالة التي عاشتها الحركة الوطنية من إهمال الجانب الإسلامي لقضية فلسطين وعزلها عنه ، تقدمت حركة الجهاد الإسلامي ، كفكره وكمشروع فـي ذهن مؤسسها الدكتور فتحي الشقاقي ، حلا لهذا الأشكال.
فـي اوائل الثمانينات وبعد عودة الدكتور فتحي الشقاقي وعدد من اخوانه الى فلسطيـن تم بناء القاعدة التنظيمية لحركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين وبدأ التنظيم لخوض غمار التبعئة الشعبية والسياسية فـي الشارع الفلسطيني بجانب الجهاد المسلح ضد العدو الصهيونى ، كحل وحيد لتحرير فلسطيـن.
المبادئ العامة للحركة:
تلتزم حركةالجهاد الاسلامي فـي فلسطيـن بالاسلام عقيدةوشريعة ونظام حياة ، وكأداة لتحليل وفهم طبيعة الصراع الذي تخوضه الامة الاسلامية ضد اعدائها ، وكمرجع اساسي فـي صياغةبرنامج العمل الاسلامي للتعبئة والمواجهة.
فلسطيـن ـ من النهر الى البحر ـ ارض اسلامية عربية يحرم شرعا التفريط فـي اي شبر منها ، والكيان الصهيوني وجود باطل ، يحرم شرعا الاعتراف به على اي جزء منها.
يمثل الكيان الصهيوني رأس الحربة للمشروع الاستعماري الغربي المعاصر فـي معركته الحضارية الشاملة ضد الامة الاسلامية، واستمرار وجود هذا الكيان على ارض فلسطيـن وفي القلب من الوطن الاسلامي ، يعنى استمرار وهيمنة واقع التجزئة والتبعية والتخلف الذي فرضته قوى التحدي الغربي الحديث على الامة الاسلامية.
لفلسطين من الخصوصية المؤيدة بالبراهين القرآنية والتاريخية والواقعية ما يجعلها القضية المركزية للامة الاسلامية التي باجماعها على تحرير فلسطيـن ، ومواجهتها للكيان الصهيوني ، تؤكد وحدتها وانطلاقها نحو النهضة.
الجماهير الاسلامية والعربية هي العمق الحقيقي لشعبنا فـي جهاده ضد الكيان الصهيوني ، ومعركة تحرير فلسطيـن وتطهير كامل ترابها ومقدساتها هي معركة الامة الاسلامية باسرها ، ويجب ان تسهم فيها بكامل امكاناتها وطاقاتها المادية والمعنوية ، والشعب الفلسطيني والمجاهدون على طريق فلسطيـن هم طليعة الامة فـي معركة التحرير ، وعليهم يقع العبىء الاكبر فـي الابقاء على الصراع مستمرا حتى تنهض الامة كلها للقيام بدورها التاريخي فـي خوض المعركة الشاملة والفاصلة على ارض فلسطين.
وحدة القوى الاسلامية والوطنية على الساحة الفلسطينية ، واللقاء فـي ساحة المعركة ، شرط اساسي لاستمرار وصلابة مشروع الامة الجهادي ضد العدو الصهيوني.
كافة مشاريع التسويه التي تقر الاعتراف بالوجود الصهيوني فـي فلسطين او التنازل عن اي حق من حقوق الامة فيها ، باطلة ومرفوضة.
أهداف الحركة:
تسعى حركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين الى تحقيق الاهداف التالية:
تحرير كامل فلسطين ، وتصفية الكيان الصهيوني ، واقامة حكم الاسلام على ارض فلسطين ، والذي يكفل تحقيق العدل والحرية والمساواة والشورى.
تعبئة الجماهير الفلسطينية واعدادها اعدادا جهاديا، عسكريا وسياسيا ، بكل الوسائل التربوية والتثقيفية والتنظيمية الممكنة ، لتأهيلها للقيام بواجبها الجهادي تجاه فلسطين.
استنهاض وحشد جماهير الامة الاسلامية فـي كل مكان ، وحثها على القيام بدورها التاريخي لخوض المعركة الفاصلة مع الكيان الصهيوني.
العمل على توحيد الجهود الاسلامية الملتزمة باتجاه فلسطيـن، وتوطيد العلاقة مع الحركات الاسلامية والتحررية الصديقة فـي كافة انحاء العالم.
الدعوة الى الاسلام بعقيدته وشريعته وآدابه ، وابلاغ تعاليمه نقية شاملة لقطاعات الشعب المختلفة ، واحياء رسالته الحضارية للامة والانسانية.
وسائل الحركة لتحقيق اهدافها:
تعتمد حركة الجهاد الاسلامي فـي فلسطين لتحقيق اهدافها الوسائل التالية:
ممارسة الجهاد المسلح ضد اهداف ومصالح العدو الصهيوني.
اعداد وتنظيم الجماهير ، واستقطابها لصفوف الحركة ، وتأهيلها تأهيلا شاملا وفق منهج مستمد من القرآن والسنة ، وتراث الامة الصالح.
مد اسباب الاتصال والتعاون مع الحركات والمنظمات الاسلامية والشعبية ، والقوى التحررية فـي العالم لدعم الجهاد ضد الكيان الصهيوني، ومناهضة النفوذ الصهيوني العالمي.
السعى للقاء قوى شعبنا الاسلامية والوطنية العاملة على ارض المعركة ضد الكيان الصهيوني ، على ارضية عدم الاعتراف بهذا الكيان ، وبناء التشكيلات والمنظمات والمؤسسات الشعبية اللازمة لنهوض العمل الاسلامي والثوري.
اتـخاذ كافة الوسائل التعليمية والتنظيمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية والسياسية والعسكرية ، مما يبيحه الشرع ، وتنضجه التجربة من اجل تحقيق اهداف الحركة.
استخدام كل طرائق التأثيـر والتبليغ المتاحة والمناسبة من وسائل الاتصال المعروفة والمستجدة.
انتهاج مؤسسات الحركة وتنظيماتها من اساليب الدراسة والتخطيط والبرمجة والتقويم والمراقبة بما يكفل استقرار الحركة وتقدمها .
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
الأصول - الأيديولوجيا - التحولات
المقدمة /
تمهيد …
مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، استطاعت القوى الاستعمارية الأوروبية احتلال معظم اجزاء العالم الإسلامي، وفرضت بالتالي تحدياً اجنبياً على المنطقة العربية والإسلامية على كافة الاصعدة. مما أدى الى بروز قوى الحركة الإسلامية الحديثة في استجابة واضحة على التحدي، مستندة هذه القوى في معظم الحالات على برنامج من نقطتين: دحر الاحتلال الاجنبي، وإعادة الارتباط بالاجتماع الإسلامي.
بعد انهيار الدولة العثمانية، وتراجع فكرة الجامعة الإسلامية، وفرض التجزئة وبروز النخب المتغبربة، وولادة الدولة القومية بنموذجها الأوروبي، تبدلت المهام القديمة للحركات الإسلامية فأصبحت اكثر تحديدا. تبدى ذلك في أهدافها وبرامجها التي طرحتها، ومنها مقاومة طغيان دول التجزئة - دول ما بعد الاستقلال -، ومناهضة النمط الحداثي الغربي الذي أخذت به تلك الدول، وعملت على تكريسه، بعيداً عن المثال التاريخي الإسلامي الذي تنادي به حركات الاحياء الإسلامي المعاصرة.
مثلت اطروحات ومشاريع التيار الإسلامي القائمة على الفرض القاطع لنموذج مشروع الحداثة الغربي الذي ساد منذ نهاية القرن التاسع عشر والذي حملته انظمة وحركات وأحزاب، الفعل الاكثر تعبيراً عن عمق الأزمة في المجتمعات الغربية وأصبح هذا التيار محور استقطاب وجذب العديد من عناصر الاحتجاج في المجتمعات العربية الراهنة. انه يعكس باختصار أزمة الشرعية العميقة التي أصابت النموذج الفكري للتقدم والتحديث، ولا تقتصر هذه الازمة على أزمة السياسة او السلطة وحدها. بل تحتاج الاجتماع العربي الإسلامي في كافة مبانيه ومستوياته، الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
كما أن صدمة الالتقاء بالغرب وحداثته وما أفرزته من قطع تاريخي من نموذج الحكم الإسلامي، وتشكل دول ما بعد الاستقلال التي قامت باقصاء الدين عن السلطة، وأعادت ضبطه وما أسسته في المجتمع، أدخلتا الذات العربية في أزمة هوية تمظهرت كحالة من "الاغتراب" داخل المجتمعات نفسها، فكان اللجوء الى الدين ونشوء حركات الاحياء الإسلامي مظهراً مركزياً من مظاهر مقاومة هذا "الاغتراب" على المستوى الانطلوجي والنفسي والسياسي والاجتماعي.
ونحن اذ نتناول في بحثنا هذا إحدى حركات هذا التيار الإسلامي ودراسة اجتماعها السياسي وتمظهراته - وهي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين - فاننا نقارب بدراستنا حركة ذات خصوصية معينة تختلف بقدر ما تتقاطع مع باقي الحركات والاتجاهات الإسلامية الاخرى كما سيتبين لاحقاً.
موضوع البحث ومجاله:
ان مجال البحث وموضوعه، هو احدى حركات الاحياء الإسلامي، بما تحمله من خصائص الحركات الاجتماعية التغييرية التي تسعى الى الانتاج الذاتي لمجتمعاتها على مثال جديد وقوى وسلطات جديدة، إلا أن هذا الموضوع محل الدرس يتباين عن واقع حركات أخرى لان مجال حركة الجهاد الاجتماعي والسياسي يقع ضمن واقع مخصوص لايواجه نموذجاً لأحد أنظمة التجزئة، بل كياناً محتلاً لأرض، وبذلك يتداخل البعد الديني مع البعدين الوطني والسياسي ضمن واقع اجتماعي غير مستقر يخوض في مرحلة تحرر، لتنتج لدينا إشكالية البحث الاساسية في دراسة تلك الابعاد وتداخلها، مع ما شكلته "الجهاد" من خطاب وبرامج وممارسات، ورصدها في لحظتها التأسيسية وأصولها التاريخية، وأيديولوجيتها المعلنة وتتبع ذلك ضمن كافة التحولات التي واكبت الوضع الفلسطيني والإقليمي.
وإذا نظرنا الى موضوع الدارسة من خلال عنوان البحث الذي اخترناه مجالاً للبحث، الا وهو «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: الأصول - الايديولوجيا - التحولات» نجد أنفسنا أمام احدى حركات الاحتجاج بل المقاومة الإسلامية التي تشكل الحركة الإسلامية المعاصرة بمعناها الأرحب الاطار الأيديولوجي المتضمن لها، وعليه فالحديث يدور هنا ضمن نطاق اول ذو بعدين: عام تشكل الحركة الإسلامية المعاصرة بكافة تلاوينها مادة دراسته. وخاص تشكل حركة الجهاد مادة دراسته ضمن العام المتقدم. ويدور الحديث في النطاق الأول للموضوع عن نشأة حركة الجهاد، ومبررات هذه النشأة في ضوء أصولها الفكرية والسياسية والاجتماعية. وتتبع ذلك بدراسة اصول الافراد قيادة وقواعد، من حيث فئاتهم الاجتماعية أو أنتماءاتهم التنظيمية والسياسية السابقة. ودراسة الخطاب الايديولوجي "للجهاد" فكرياً وسياسياً واجتماعياً عبر منهج سوسيولوجي تارخي يرصده منذ نشأته وتطور حراكه. وبيان عوامل ولادة هذا الحركة إن كانت تعود لعوامل بنيوية داخلية خاصة بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة. أو إجابة عن لحظة مأزومة في المسار العملي للحركة الإسلامية وتعاملها مع القضية الفلسطينية، أو أدائها المتعثر داخل مجتمعاتها. أو إن كانت شأن وطني خاص فرضته تطورات القضية الفلسطينية بعد غياب للتيار الديني الفلسطيني عن الفعل الوطني.
النطاق الثاني، وهو السمة التي اتسمت بها هذه الحركة ونعتت بها نفسها وهي صفة «الجهاد»، وبيان ما تحمله من معاني ودلالات في المستويين العام؛ أي ما يطلق عليه في الساحة الفلسطينية بالكفاح المسلح، وتسمية الدراسات الاجتماعية ب "العنف التحرري" أو "العنف الثوري" وفق المدرسة الماركسية. وهناك مستوى خاص وهو دلالة «الجهاد» كفعل وممارسة في ضوء التفسير الأيديولوجي الذي تضفيه حركة الجهاد عليه، وآلية حراك الجهاد كفعل مقاوم مناهض لسلطة الاحتلال الاسرائيلي.
ويتضح ضمن السياق السابق أن بحث حركة الجهاد الفلسطيني لجهة فعالياتها الاجتماعية والسياسية يندرج ضمن علم الاجتماع السياسي، فالبحث يتناول إحدى الحركات الاجتماعية التي تقتسم الاجتماع الفلسطيني مع حركات وجماعات أخرى، تشكل في مجموعها - في غياب سلطة الدولة العليا -، المرجعية السلطوية للجماعة الوطنية الفلسطينية التي تخوض في مجملها صراع تحرري ضد الاحتلال. وحركة الجهاد التي تخوض علمية التحرير والتغيير تخوض في الوقت نفسه تدافع وصراع مع القوى السياسية الفلسطينية الاخرى على مسألة الشرعية والتمثيل، مستندة في ذلك على مشروعية دينية، وسياسية، إضافة الى سندها الاجتماعي داخل الاجتماع الفلسطيني. والبحث بذلك يطال قوة اجتماعية تقتسم سلطة ما، وتقيم علاقات تحالف وصراع مع قوى مختلفة.
وإضافة لما تقدم فإن بحث حركة الجهاد يتناول دراسة خصائص إحدى الحركات الثورية إان لجهة قادتها وقواعدها وفئاتهم الاجتماعية والتعليمية. أو أيديولوجيتها ضمن مستوى التكوين والوظيفة والشرعية. أو التنظيم وطبيعته وهيكليته، والعلاقات التفاعلية الداخلية. أو الوسائل المتبعة من ثورية وإصلاحية: أو الاهداف البعيدة منها والقريبة. كما تعرض الدراسة إلى جماعات التدافع والضغط الداخلية، ومساراتها ومآلاتها وقضاياها، وما تستند إليه من قوى، وما أفرزته من صراعات سياسية وأيديولوجية ومصلحية. كما لم تغفل دراسة الحقل السياسي والاجتماعي محلياً وإقليمياً ودولياً والتي تشتغل فيه "الجهاد" ونشأت من خلاله: وبيان مدى تأثير هذين الحقلين - إضافة لتأثير الايديولوجيا - على مسارات التشكل ومآلاته.
كما أن البحث يعيد يدرس الى علاقة المجال الديني بالمجال السياسي وحدود كل منهما، ومدى مساهمة المجال الوطني في خلق الشراكة بين المجالين. ومدى الدينامية التفاعلية بين السياسة والدين، وطرق أساليب استثمار نص ومجال كل منهما للآخر في سياق مشروعية وتحقيق أهدافه.
وإذا كان الفعل والأداء السياسي لحركة الجهاد في الساحة الفلسطينية يتحدد من خلال مقاومة الاحتلال، بخلاف ما يتحدد به أداء حركات الاحتجاج الديني الأخرى في ظل أنظمة التجزئة المستقلة والمستقرة، فإن من المهم دراسة إثر هذا الاختلاف في حدود المجال السياسي في المعطى الديني وأثر الدين في علاقات الجماعات الإسلامية السياسية بالجماعة الوطنية وقواها «اللاإسلامية»، أو العلاقة والموقف من هذه الأنظمة بين حركة الجهاد والحركات الإسلامية الاخرى، من هذه الأنظمة.
ولا ننهي الحديث في مجال البحث قبل أن نشير الى ما يحتويه منهجياً وموضوعياً من دراسة موضوعة الاجتماع المعرفي وأثر المعرفة في تسيير الحركات الاجتماعية من ناحية. وأثر الاجتماع وأحداثه المختلفة في ثبات أو تغيير وتبدل القناعات المعرفية لهذه الحركات ومثالها في الدراسة حركة الجهاد.
فرضيات البحث الأساسية :
وفي ضوء موضوع البحث المتقدم ومجاله، سيتم التحقق من عدة فروض رئيسية هي:
- إن لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين دور رئيسي في اعادة التيار الديني الفلسطيني الى الفعل داخل الصراع العربي والاسرائيلي.
- إن راديكالية الممارسة وجذريتها ترتبط بمباني الخطاب الأيديولوجي نفسه.
- إن رؤيتها للقضية الفلسطينية متجاوزة في جوانب عدة منها موقف باقي الحركات الإسلامية، بمزجها بين البعدين الوطني والإسلامي في معادلة جديدة.
- إن الاصول الاجتماعية لقيادات وعناصر "الجهاد"، ساهمت في صياغة الراديكالية في الممارسة والثورية في
الخطاب.
- إن حركة الجهاد ومع مساهمتها في إبراز مفهوم الجماعة الوطنية داخل الحركة الإسلامية، الا ان إزمة تمثيلها للجماعة بقيت ماثلة بالرغم مما يتوفر لها من علاقات سياسية جيدة بأطراف الاجتماع الوطني.
- إن للمسألة الوطنية دور كبير في بيان حدود الشراكة بين المجال الديني والمجال السياسي.
- إذا كانت راديكالية الممارسة وجذريتها ترتبط بمباني الخطاب الايديولوجي، فان ما اكتسبته لاحقاً من براغماتية في بعض مواقفها السياسية يرتبط بالواقع الموضوعي وتحولاته السياسية والاجتماعية.
- إن واقع حركات المقاومة الإسلامية سواء التنظيمي الداخلي، او علاقاتهم البينية، يعكس إزمة التعددية والديمقراطية داخل الحركة الإسلامية، لجهة عدم قبولها بالمختلف وبنعدد الشرعية السياسية، كما يعكس هذا الواقع نمطاً من توحد القيادة كما هو شأن الساحة الفلسطينية على صعيد الحركات الوطنية.
* وللبحث في الفرضيات المتقدمة وبعد دراسة مستفيضة للبحوث والدراسات والمقالات التي الفت وكتبت - وهي نادرة - حول الحركة الإسلامية الفلسطينية، وحركة الجهاد على وجه الخصوص وجدنا جملة أمور شكل هم تجاوزها احد دوافع البحث ومبرراته ومنها:-
- انها افتقدت الى منهجية واضحة، فبعض الدراسات اعتمدت التوثيق والجمع اكثر من ضبط مادة البحث منهجياً.
- ان الدراسات التوثيقية عانت من ندرة المراجع والمصادر الخاصة بموضوع البحث الأمر الذي اوقعها في أخطاء في الاستنتاج والتحليل والتفسير.
- السرية والغموض الذي أحاطت بها الحركة الإسلامية وحركة الجهاد فكرها وانشطتها فترة من الزمن، اثر على نتائج الدراسات والبحوث.
- غلبة الطابع الصحفي التقريري على بعض تلك المقالات والدراسات، مما أفقدها الأهمية العلمية.
- أن بعضها كتب بنزعة أيديولوجية غير محايدة، وذلك من قبل بعض الحركات والكتاب ذوي الميول الأيديولوجية المخالفة، مما شك في مصداقية نتائجها وتحليلاتها.
- إن مصادر بعض الدراسات هي مصادر اسرائيلية، تم اعتمادها دون التدقيق فيها ومقارنتها بمصادر أخرى، وذلك لفقر المعلومات عن تلك الحركات وخاصة في المراحل الاولى للكتابات.
منهجية البحث :
قبل أن نشرع في بيان منهجية البحث في دراسة الموضوع المتقدم، والذي يقع ضمن مجال علم الاجتماع السياسي، نشير الى جملة مسائل منها:
* إذا كانت العلوم الانسانية ليس لديها منهج محدد ونهائي في دراسة الظواهر الاجتماعية، فان علم الاجتماع السياسي ايضا لا يمتلك مناهج وتقنيات خاصة به دون باقي العلوم، فهو يستعمل مناهج العلوم الاجتماعية وتقنياتها تبعا للموضوع قيد الدراسة، أي بمقدار ما تفي المناهج بمقومات الموضوع المبحوث، كقابليته لأن يعرف ويدرس ويفسر، او تفي أيضا بمقومات أدوات البحث وتقنياته وقابليتها لأن توصل الى نتائج ملموسة في الإجابة على إشكالية البحث وحل فرضياته، وأن توفر المنهجية قدراً من الايجابية والانفتاحية والموضوعية والنظرة الشمولية لدى البحث.
* انطلاقا من التكامل المنهجي في دراسة الظواهر السوسيوسياسية، فان على الباحث ان يسعس لاستخدام عدة مناهج تحقق التكامل المنهجي، لتتوفر النظرة الشمولية التي لا تختزل الظاهرة ومجال البحث في أحد أبعاده، وتأخذ بعين الاعتبار كافة العوامل المكونة للظاهرة عند مقاربتها، للحفاظ على الطابع المترابط والكلي للموضوع مثار البحث.
* إن الظاهرة السوسيولوجية هي ظاهرة معقدة، وهي في بعدها السياسي اكثر تعقيداً، ولذلك فلا يكفي اعتماد منهج واحد في مقاربتها او تعليلها وبيان اسبابها وآليات حراكها. بل لابد من التوسل بكافة المناهج التي تفي بدارسة موضوع البحث بكل ما فيه من تعقيد وتداخل لعوامله، والقوى التي تشكله، وتفاعل هذه العوامل والقوى، وهذا يقتضي تعددية المناهج وبالتالي تعددية الشروحات.
* إن الدراسات السياسية لاتنأى عن الخلافات المنهجية الدائرة بين علماء الاجتماع، فكيف بنا إذا درسنا الظاهرة السياسية كظاهرة سوسيولوجية؟ فان أثر هذا التعدد والخلاف المنهجي في هذه الحالة ستبرز بشكل أكثر عمقاً. الأمر الذي يفرض تعدد المناهج لتتسع لدراسة الظاهرة السوسيولوجية وتفسيرها.
* أمام موضوع البحث، وهو حركة الجهاد الإسلامي في أصولها وأيديولوجيتها وتحولاتها، ورصد كل ذلك في نشأتها وعلاقاتها ومواقفها وأفعاله، فاننا سنجد أننا امام إحدى الحركات التي تأخذ اكثر مع بعد، فهي بالنظر الى خطابها الثقافي حركة دينية تتوسل الدين في أهدافها وغاياتها وبرامجها التعبوية، وهي بالنظر الى مبررات نشأتها وصراعها التحرري ضد الاحتلال حركة وطنية، وهي لجهة تعاطيها السياسة في المواقف والعلاقات حركة سياسية، إضافة لكل ذلك فهي حركة اجتماعية تعيش ضمن وسط اجتماعي له سماته ومكوناته وجذوره والذي ساهم في تشكيلها ورسم ملامحها المجتمعية فلسطينياً. وهذه من الأبعاد والمقومات لا يضبطها منهج واحد او تقنية ووسيلة بحث واحدة، بل لابد من مقاربة كافة الأبعاد المتقدمة للظاهرة بعدة مناهج تساعد في تفسيرها والاحاطة بها بشكل علمي موضوعي قدر الامكان، للوصول الى غاية البحث وهدفه في الاجابة على فرضياته.
اننا إذا بحثنا في المنهجية المستخدمة فاننا نعني بذلك المنهجية المرتبطة بمحاولة تفسير، أي جملة المناهج بما تهدف وقبل كل شيء الى تقديم مخطط تفسيري يمكن ان يكون متسعاً بدرجات متباينة. وأن يأخذ موقعه على مستوى مختلف، وكما يقول موريس دوفرجية: ان علم الاجتماع باعتباره علما يقوم على ملاحظة الظاهرات التي يسعى الى وصفها وتفسيرها لكي يتمكن من توقعها والتأثير عليها.
وليست المنهجية التفسيرية هنا في الواقع الا جوابا على سؤال «الكيف» القابل للاستعمال وفق تقنيات محددة تبعاً لهدف محدد، أي مرتبطا بمحتوى الميدان الذي تجب دراسته والمشكلات التي تطرح عليه، وسنعمد وفقد ذلك الى كافة المناهج والتقنيات شأن كل علم يسعى لبلوغ التفسير، ولكن بلوغ التفسير لايمكن ان نصل اليه دونما توصيف لأبعاد الظاهرة المدروسة؛ أي دونما الاجابة على سؤال «لماذا»؟ لأن الكيف لا يتحصل الا بالإجابة على لماذا، وهو هنا توصيف ينطبق على الواقع قدر المستطاع، مع محاولة ان يكون الوصف لواقعات ذات دلالة مرتبطة بإشكالية البحث وفرضياته بغية الإجابة عليها.
فدراستنا لحركة الجهاد لابد وان تمر بتسجيل الوقائع وجمعها، وبيان ووصف ابعاد الظاهرة وملامحها منذ النشأة الى الوقت الراهن، سواء في خطابها او ممارساتها. ولا يمكن فهم ديناميات حركة الجهاد الإسلامي او بلوغ التفسير الا بتلك الإحاطة الأولية بمجالات حركة الجهاد الدينية والسياسية والاجتماعية والوطنية وتداخلاتها، سواء في الشأن التنظيمي الخاص، او المجتمعي العام.
ولانريد بالتفسير هنا الادراك بالمعنى الذي يعيشه الباحث الاجتماعي، أو ما قد يقابله من الحدس الذي يتزامن مع لحظة الفرضية، فالإدراك لا يكون بديلاً للتفسير، لأن التفسير بحث علمي مترجم الى مصطلحات موضوعية، يأتي ليثبت او ينفي الإدراك الأولي الملازم للفرضية.
ولا نزعم أننا بالتفسير سنجيب اجابات قاطعة على كل إشكالية تطرأ، أو فرضية تطرح، لأن التفسير قد يرشدنا في بعض جوانبه إلى كشف عما هو خفي من الظاهرة، أو قد يساعدنا على طرح أسئلة تساهم في بلورة مشكلة أدق، بل قد يدفعنا إلي إبراز فرضيات جديدة، ورغم ذلك فان المنهجية التفسيرية غرضها الأساس الإجابة على الإشكالية والفرضيات والسماح بتفسيرها وأحيانا التنبؤ بها.
وأما المناهج التي سنتوسل بها لبلوغ التفسير فهي:
- منهج دراسة الحالة كوحدة كاملة: ويتم ذلك بالاحاطة الدقيقة الشاملة بالظاهرة المدروسة عبر الملاحظة، والتوصيف، وجمع المعلومات، خصوصا ما يتعلق بأسبابها ونتائجها وعلاقتها بالظواهر والمشكلات الاخرى، الأمر الذي يوفر دراسة مستفيضة بفهم أعمق للقضية مثار البحث، ولكن مع الاحتفاظ بالطابع المترابط والكلي للموضوع، وكما قلنا دراسة الحالة كوحدة كاملة، وهي بذلك لا تفسر بعناصرها فحسب، لأن الكل او المجتمع كما يقول دوركهايم يضيف خصائص جديدة للعناصر التي يركبها. وحركة الجهاد تدرس كوحدة كاملة من وقائع ومتغيرات متعددة ضمن وحدة أكبر ومجال حراك أرحب.
كما ان دراسة حركة الجهاد كوحدة كاملة، وبلوغ التفسير لا يتم بجمع خصائص عناصر ووقائع التكوين، لأن المطلوب في التفسير هو إيجاد العوامل والوقائع مترابطة اكثر من جمع الوسط الحسابي لمجموع العناصر كالدين والسياسة والاجتماع، أو إيجاد عامل او واقعة مولدة كأن نركز على الدين او السياسة او الاجتماع منفردا. إن اجتماع العوامل او المجالات او الوقائع المختلفة قد تشكل مجالاً موحدا، وهو هنا حركة الجهاد الإسلامي، ويتجاوز هذا المجال الموحد في آليات حركاه وديناميته وتفاعله آليات وديناميات العناصر المكونة له أساساً، وهذا ما أردناه من قولنا دراسة الحالة كوحدة كاملة.
- المنهج التاريخي: إذا كان علم الاجتماع يقدم للتاريخ أطرا مفهومية (أنماطاً، بنى، ظروفاً)، فإن التاريخ يقدم لعلم الاجتماع بدوره المواد المادية الضرورية جداً، لأنها آتية من الواقع. ونحن هنا لا نسعى للارتباط بالتاريخ بل بزمن التاريخ، أي استخدام المنهج التاريخي دون ان يحصرنا الجانب الوقائعي منه، رغم ما للتاريخ الوقائعي من أهمية، لكننا نتجاوزه الى التاريخ المقارن، والى ما اطلق عليه زمن التاريخ التعاقبي. ونلمس أهمية المنهج التاريخي لناحية الزمن التعاقبي في الدراسات الاجتماعية من قول جورج غورفيتش: يمكننا بصعوبة ان نتصور تفسير ليس تعاقبياً، أي أنه دفعة واحدة تكويني. فدراسة الظاهرة الاجتماعية السياسية لا تتم الا عبر الزمن الاجتماعي في التاريخ الذي يكشف عن المتغيرات والتحولات والابتكارات.
فالمنهج التاريخي في موضوع بحثنا يقدم لنا المواد الأولية للبحث، كما يضعنا في صورة جملة المتحولات والمتغيرات داخل حركة الجهاد، والتي لم تتشكل دفعة واحدة تكوينياً بمصطلح غورفيتش، لكنها تدرجت ضمن تعاقب زمني من اتجاه، فتيار، فتنظيم حركي، فمؤسسات وكان كل تدرج من هذا التحولات نتيجة جملة تحولات سابقة، ورغم ان التاريخ يتطابق للوهلة الأولى مع الواقع الاجتماعي الا أن المعرفة التاريخية لا تشكل الا تفسيرا جزئيا لهذا الواقع بين تفسيرات كثيرة اخرى في ميدان علم الاجتماع السياسي، ولذلك فلابد من أن يتكامل كل من المنهج التاريخي والاجتماعي.
- المنهج المقارن: إن غياب امكانية التجريب يجعل من المقارنة الوسيلة الوحيدة التي تتيح لعالم الاجتماع تحليل المعطى المادي، واستخلاص العناصر الثابتة والمجردة، والخاصة العامة فيه، عندما سيتصدى للتفسير الاجتماعي.
واستخدام المنهج المقارن في موضوع البحث يفسر بلحاظ ان حركة الجهاد الإسلامي نشأت في وجود حركات وأحزاب ثورية أخرى تنازعها نفس وظائف ومبررات قيامها، ولايمكن تفسير المعطى التكويني الأول للحركة، أو فهم جملة السياسات والمواقف لاحقاً الا عبر المقارنة بتلك الحركات خاصة الإسلامية منها، وكذلك الوطنية.
واستخدام المنهج المقارن يشكل جزءاً من الملاحظة، كما انه يوحي بفرضيات وأحياناً بالتحقق من الفرضيات، ولكننا لانزعم ان هذا المفهوم سيلازم مراحل البحث في كل قضية، بل نعمد اليه بما يساهم في تفسير القضية مثار البحث، وبالقدر الذي يساهم في الإجابة على الفرضية.
- المنهج الوظيفي: يقول موريس دوفرجية: تقوم كل منظمة بوظيفة أو أكثر تشكل سبب وجودها، علماً بأن الوظائف الحقيقية لا علاقة لها دوماً بالوظائف المعلنة، وكل وظيفة تحتاح لمنظمة أو أكثر لتأمينها.
وحركة الجهاد الإسلامي كحركة اجتماعية سياسية فهي حركة وظائفية لا يمكن مقاربتها ودرسها الا بتعيين جملة الوظائف المعلنة وغير المعلنة وذلك بدراسة غاياتها وأهدافها ومبررات ولادتها، اذ يعتبر غالباً «ان الوظائف هي أهداف المنظمات» كما يقول دوفرجية، والذي يضيف «ان مفهومي الوظيفة والتنظيم لاينفصلان في الواقع»، هذا ان لم يكونا وجهين لحقيقة واحدة بالضبط، بما ان المنظمة نفسها يمكن ان تمارس عدة وظائف والوظيفة الواحدة يمكن ان تقوم بها عدة منظمات.
وفكرة الوظيفة تقتضي الدراسة والتحقق من عمل حركة الجهاد ضمن المجتمع الفلسطيني الذي تنتمي اليه ومدى تمثلها لدورها في المجتمع وقضاياه الاجتماعية الداخلية من ناحية، والصراعية ضد الاحتلال من ناحية اخرى، ان الوظيفة هي أحد زوايا النظر والتحليل والتفسير لدور حركة الجهاد وفاعليتها، ورغم ذلك فانها لا تمثل منهجاً منفرداً في المقاربة بل تشترك مع المناهج الأخرى في التحليل الاجتماعي ذاته، وهو شأن كافة المناهج المستخدمة، وذلك في سياق العمل بالتكامل المنهجي الذي يحيط بالبحث بغية ضبط ومقاربة كافة أبعاده قدر الامكان.
تحقيقاً لدراسة شاملة من حيق المضمون، ووافية من حيث المنهجية، بذلت الجهد في دراسة موضوع البحث بشكل شامل ودقيق يتجاوز قدر الامكان ما وجدته من قصور في الدراسات السابقة التي تناولت الحركة الإسلامية الفلسطينية عموماً، وحركة الجهاد الإسلامي على وجه الخصوص، آملاً ان تكون طريقة تصنيف وفهرسة البحث قد ساعدت على تحقيق ذلك وعلى كشف اشكالية البحث وسبر واختبار فرضياته.
حركة الجهاد والنظام العربي: إشكالية الموقف والعلاقة:
يشكل الموقف الخاص من النظام العربي الرسمي في أيديولوجيا «الجهاد الإسلامي» أحدَ مبررات نشأة الحركة التي فارقت كلاً من التجربة الوطنية والإسلامية التقليدية، والحركة تؤكد أن «إخراج الأمة من الحلقة المفرغة التي أوقعتها فيها أنظمة الردة العلمانية»[58] هو في صلب التحديات التي فرضت على الحركة زمن ميلادها. لأن رؤية كُلّ من الطرح الوطني والإسلامي التقليدي لم يبصر العلاقة الجدلية القائمة بين الأنظمة (الدولة القومية) وبين إسرائيل، وموقع هذه العلاقة على خارطة المشروع الاستعماري فكانت رؤية الطرحين «رؤية ميكانيكية بسيطة».
فالحركة الإسلامية التقليدية (الأخوان المسلمين) التي ركزت على مفهوم الخلافة وإقامة النظام السياسي الإسلامي أولاً، لم تدرك في نظر "الجهاد" «معنى الظاهرة الإسرائيلية و أبعادها الشاملة وعلاقتها الجدلية بغياب الخلافة»، وبعد انطلاقة حماس فإنها «لم تركز في أدبياتها على ارتباط الحكام العرب المصلحي بالغرب عند الحديث عن علاقاتهم بالقضية الفلسطينية ومواقفهم منها» واعتبروا إسرائيل عبر ألاعيبها وهيمنتها السياسية في المنطقة هي من صرف حكام العرب بعيداً عن أرض الإسراء والمعراج نحو اشتغالهم بالحرب العراقية الإيرانية.
خلاف موقف حماس هذا ذهب أفراد «الجهاد» إلى أحقية بل وجوب توجيه النقد العنيف للأنظمة العربية، فذهبوا إلى التأكيد على أن أنظمة التجزئة وإسرائيل وجهان لعملة واحدة.ý
أما الطرح الوطني الفلسطيني لفصائل «م.ت.ف» التي رفعت شعار «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، فإن حركة الجهاد الإسلامية، ترى أيضاً هذا الموقف الذي تبنته كافة الحركات الوطنية الفلسطينية لم يحل دون الضربات التي تلقتها الحركة الوطنية من قبل هذه الأنظمة، بل وتعتبر هذه الضربات هي الأشد والأكثر تأثيراً على مسيرتها «وخرجت الحركة الوطنية أكثر قوة في معركتها مع إسرائيل وكانت تخسر في كل معاركها مع الأنظمة»[65]، أي في الساحة التي أغفلتها.
حركة الجهاد وفي سياق نقدها التجاوزي للطرفين حاولت الإفادة من النصين الإسلامي الراديكالي والوطني الفلسطيني لبناء موقفاً مختلفاً من أنظمة التجزئة، ولم تكتف بالشائع لدى القطاع الأوسع من حركات الاحياء الإسلامي في التركيز على الموقف الشرعي الديني وإثارة مسائل الحاكمية وتطبيق الشريعة وإقامة الحدود أثناء نقدها لأنظمة التجزئة.
إضافة إلى عدم إهمالها التام لهذه الأبعاد ــ التي كانت أمينة لها في البدايات الأولى للانطلاق ـ قامت حركة الجهاد برصد الموقف من النظام العربي منذ نشأته التاريخية وتطوره اللاحق. وتحديداً منذ حملة نابليون بونابرت على مصر والتي وضعت الغرب في مواجهة العالم الإسلامي في مقابلة مأساوية. تلك المقابلة التي كان من أخطر نتائجها حسب الجهاد ولادة تيار «التغريب»، هذا التيار الذي تأسس عليه لاحقاً النظام العربي، وهو (تيار) أقام الغرب بتوسيع قاعدته عبر السفارات والقنصليات وحركة الترجمة والبعثات الدراسية ليساهم في إسقاط الدولة العثمانية «جدار الإسلام العظيم» متحالفاً مع اليهود ليُنشأ بعد ذلك أنظمة التجزئة من كمال أتاتورك في تركيا ورضا شاه في إيران وابناء الحسين في المشرق العربي ومدرسة حزب الوفد في مصر.
أما الدولة القومية: (The Nation State) الحديثة والمعاصرة، والتي قامت قيادة تيار التغريب على رعايتها وقيادتها فقد نظرت إليها حركة الجهاد على النحو التالي: ــ
* أَنها دولٌ لم تكن في تشكلها نتاجاً لتطور السياق التاريخي الخاص للأمة العربية أو نتيجة عوامل داخلية بل نشأت وتطورت داخل السياق الأوروبي فيما بعد عصر النهضة فهي جزء من التطور الحضاري الغربي، وطارئة على السياق التاريخي للأمة.ý
* وبناء على ما تقدم استحالت هذه الدول القومية «جزءاً من مشروع استعماري غربي عالمي» ولذلك تقف في قلب الكفر وإلى صف الاستكبار الدولي وامتداداً للهجمة الغربية على الأمة الإسلامية.
* هي أنظمة تسعى جاهدة لتصفية وجود الأمة وتشويه هويتها وتذويب شخصيتها وخدمة مصالح «أعداء الأمة».
* هي أنظمة قامت على العنف عبر أجهزتها وأدواتها القمعية وفرضت سلطتها على الجماهير في معظم الوقت بالعنف.
* إن الأمة وفي سياق سعيها لتحقيق نهضتها الشاملة لا بد لها من الإطاحة بالأنظمة ومواجهتها كجزء هام من عملية التحرير الشاملة.
* أنظمة التجزئة وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، فكلاهما إفراز للهجمة الغربية الشاملة على الأمة وكلاهما يكرس وجود الآخر. ولا يمثل نقيضاً له، ولذلك فشلت أنظمة التجزئة الليبرالية منها والثورية في مواجهة إسرائيل. فبات لزاماً مقاتلة الاستعمار و«الحكام الطغاة» معاً.
غير أن الموقف السابق لحركة الجهاد لم يستمر في جذريته التنظيرية على كافة الأصعدة بل اعتراه بعض التغيرات فرضها الواقع السياسي وبعض الضرورات اللوجستية على قيادات الحركة بخاصة بعد انتشار الحركة خارج فلسطين على إثر إبعاد بعض قيادات وكوادر «الجهاد»، إلا أن هذا التغيير لم يتحول حتى هذه اللحظة إلى الاعتراف بشرعية الأنظمة العربية القائمة، ولم يمس أصول النظرة التاريخية والسياسية تجاه هذه الأنظمة، بل بات الموقف اقرب إلى صيغة «التعايش الحذر والقلق» في آنً معاً على صعيد الموقف من النشأة التاريخية والوظيفية السياسية لهذه الأنظمة، فقد حافظت الحركة على موقفها الذي يضعها بالتجزئة والقطرية وضرورة الدعوة إلى تغييرها لنظم إسلامية موحدة.
على مستوى الموقف الشرعي من الأنظمة وبعد أن كان يشار إلى «وجوب جهاد من لم يحكم بما أنزل الله ويعادي الإسلام من أنظمة الردة وإسقاطها»، فقد غابت ومنذ العام 1990 مصطلحات الكفر والردة في معرض الحديث عن هذه الأنظمة وغلبت اللغة السياسية من وصف بالتبعية والتخلف وخدمة الغرب، وبرز الحديث عن التنمية المستقلة والواقع الاقتصادي والاجتماعي لهذه الأنظمة.
أما الحديث عن وجوب تغيير الأنظمة فإن الحركة تركت الأمر منوطاً بالحركات الإسلامية في بلدانها. وتفرغت حركة الجهاد لقضيتها الوطنية والصراع ضد الاحتلال الصهيوني باعتباره الصراع الرئيسي والأساسي وآثرت عدم الدخول في صراعات أخرى ثانوية أو هامشية، وتركت الشأن الداخلي في هذه الدولة أو تلك للحركات الإسلامية المحلية.
وحول العلاقة مع النظام العربي فقد عبرت الحركة أنه لا توجد لديها علاقة رسمية تربطها بأي طرف من أطرافه، أما بخصوص وجود بعض قيادات «الجهاد» في سوريا، فقد عبَّر الشقاقي أن وجودهم في سوريا عابر وغير رسمي، وأن سوريا تؤمن بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة ولا اعتراض لها على هذا الوجود، ودور «الجهاد» في سوريا أو غيرها دور لا يتجاوز كونه دوراً سياسياً وإعلامياً. وأن وجودهم في سوريا لا يحتاج إلى مواثيق طالما أن توجه الحركة الأساسي هو العمل ضد العدو الصهيوني وفي داخل فلسطين.
الـخـاتـمــة:
ما فتئت حركة الجهاد الإسلامي في أدبياتها وعلى لسان قادتها تفسر سبب نشوئها وانطلاقتها في اتجاهين اثنين: ـ
الأول: السعي لتقديم الإجابة الإسلامية على السؤال الوطني الفلسطيني، وضمن هذا الاتجاه يتم تعريفها عادة بحركة إسلامية مقاتلة.
الثاني: تمثلها كقوة تجديدية وتثويرية وتنويرية داخل العمل الفلسطيني والحركة الإسلامية المعاصرة، إن في الفكر أو الممارسة.
وهذا التوجه في تفسير ظاهرة الجهاد الإسلامي الحركية وبعد مرور عقدين من الزمن عليها (1975 ـ 1997) تواجه تحديات وتحولات مختلفة ترهن الحركة ومستقبلها سواء بتجذرها وانتشارها أو تراجعها وانحصارها.
من هذه التحديات والتحولات الانقلاب في واقع القضية الفلسطينية من حيث وجود سلطتين داخل الحدود التاريخية لفلسطين، وهما سلطة الاحتلال الإسرائيلي وسلطة الحكم الإداري الذاتي، وهو أمر يتطلب من الحركة أن توسع دائرة الإجابة على السؤال الفلسطيني إسلامياً تجاه هذه المستجدات الخاصة بسلطة فلسطينية تدير شؤون قسم كبير من الفلسطينيين وتشرف على اجتماعه المدني «المنقوص»، وتخوض في الوقت نفسه مفاوضات مع سلطة الاحتلال.
والإجابة التي تشرط مستقبل الحركة ليست ذات بعد سياسي فقط بل تشمل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية ومتعلقات مجال الاجتماع السياسي الفلسطيني العام، فهي إجابة على شكل العلاقة مع هذه السلطة إن كانت مشاركة أو مقاطعة أو مشاركة ومقاطعة معاً، وهل العلاقة بالسلطة ستحدد تنافساً مدنياً أم صراعاً سياسياً شاملاً أو منقوصاً، صراعاً عسكرياً جزئياً أو كلياً.
وهي إجابة لبرامج الحركة وخططها تجاه الاجتماع الأهلي ومؤسساته، ستظهر مدى قدرة الحركة على القيام بتأسيس بنية تحتية تشكل رديفاً بشرياً ومادياً للحركة، يقوم على حمايتها وتعزيزاندماجها العضوي بالمجتمع.
الإجابة على ما تقدم سيحدد حجم وفاعلية حركة الجهاد داخل مناطق الحكم الذاتي، وهو بدوره سيؤثر سلباً أو إيجاباً على قيام الحركة بالمبرر التأسيسي الأهم في انطلاقة الحركة والخاص بمواصلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ومواصلة الكفاح المسلح وفي ظل الصعوبات اللوجستية بالغة التعقيد التي أصبحت تحيط به، فإنه أضحى عند القيام به ذو تأثير بالغ ليس على الصف الإسرائيلي فحسب بل على الصف الفلسطيني بما يلحقه من إجراءات عقابية تفقد سلطة الحكم الذاتي ما تنشده في مناطق نفوذها من استقرار اجتماعي واقتصادي فضلاً عن الاستقرار السياسي، كما أن محاصرة الحركة وملاحقتها داخل وخارج فلسطين سيكون أشد وليس أدل على ذلك من اغتيال مؤسسها وأمينها العام الدكتور فتحي الشقاقي الذي تذهب معظم الروايات إلى أن ما سرَّع من اغتياله هي العملية الاستشهادية المزدوجة التي نفذها مجاهدين من الحركة في بيت ليد في تجمع للجنود الإسرائيليين إضافة لعمليتي الاغتيال اللتان قام بهما الموساد في مناطق الحكم الذاتي مستهدفاً مسؤولين عسكريين بارزين في الجهاز العسكري للحركة «قسم» هم هاني عابد ومحمود الخواجا.
يبقى ملاك استمرار الحركة في نظر الآخرين قدرتها على القيام «بالجهاد المسلح» عنوان حركتها وجوهر اسمها ورسمها، مع ضبط إيقاع هذا الجهاد المسلح بما لا يدفعها إلى تكرار تجارب المجموعات الجهادية في مصر والجزائر تجاه السلطة الفلسطينية والحفاظ في الوقت ذاته على خطها الراديكالي الرافض لسياسات هذه السلطة ومشاريعها، وهو أمر غاية في التعقيد.
أما على صعيد الاتجاه الثاني فأمام الحركة تحدياً ذو أبعاد ثلاثة:
الأول: تحدي العمل الوطني الفلسطيني المشترك لجهة قدرتها في أن تكون قاسماً مشتركاً يجمع بين القوى الوطنية من ناحية والقوى الإسلامية من ناحية أخرى، وذلك لعدم وجود تاريخ صراعي لها يذكر مع كلا الطرفين، ولثقة الطرف الوطني بجذريتها السياسية، وعزوفها عن الهيمنة والسيطرة. والتحدي الذي سيعزز للحركة دورها وفعاليتها هو برامجي خاص بإيجاد صيغ كفيلة بتجميع قوى المعارضة على القواسم المشتركة أو عملي بتطوير الصيغ القائمة.
الثاني: تحدي العلاقة مع حركة حماس التي لم تعد أقل كفاحية ضد الاحتلال الإسرائيلي من حركة الجهاد، فضلاً عما أثبته طوال السنوات الماضية من استقرار داخلي مؤسساتي وتنظيمي، إضافة إلى تحولها لقوة إقليمية ذات علاقات واسعة وإمكانيات كبيرة. كل ذلك يدفع حركة الجهاد إلى تقييم علاقتها ومواقفها التاريخية التقليدية من حماس، والبحث في صيغ الاندماج أو التحالف أو العمل الجبهوي أو التنسيق ، ... الخ، في ضوء أزمة المشروع الوطني بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، وبناءً على ما توفر من شراكة تكتيكية للحركتين إضافة لوحدة مرجعيتهما العقائدية.
الثالث: المهمة التي تطرحها حركة الجهاد لنفسها كقوة تجديد وتثوير وتنوير داخل الحركة الإسلامية المعاصرة وهو تحدٍ يحتاج من الجهاد ــ فيما يبدو ـ إلى إعادة صياغة أيديولوجيتها الفكرية والسياسية إسلامياً في ضوء التطورات والمستجدات الراهنة لتحديد معالم التجديد والتنوير والتثوير المرجو تحقيقها داخل تجمعات الإسلامية الحركية.
على المستوى الداخلي، فإن التحدي الأهم الذي تواجهه كافة الحركات والأحزاب السياسية العربية والإسلامية أياً كان لونها الأيديولوجي هو تحدي الديمقراطية، والمؤسساتية، وتوسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرارات، و«التدافع» السلمي الداخلي، وضبط حركة المال، لأن كل ذلك شرط الفاعلية والأداء المنتظم والقرار الصائب ومراكمة الفعل والتقدم في تحقيق البرامج والأهداف.
والله الموفق
تعليق