إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جوانب الازمة الثقافية فى فلسطين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جوانب الازمة الثقافية فى فلسطين

    [size=7] جوانب الأزمة الثقافية في فلسطين (رؤية تشخيصية)ابو خليل السرايا*

    __________________________________________________ ___________________

    قد يبدو فتح هذا الملف مستغرباً في ظرف الاحتقان السياسي الحاصل في الأراضي الفلسطينية بسبب تصادم برنامجي المقاومة والتسوية، وفي ظرف الحصار الاقتصادي الدولي الذي يمارس على الشعب الفلسطيني، وفي ظرف العدوان الإسرائيلي اليومي على الأرض والإنسان في فلسطين، لكننا نعتقد أن الظروف المعقدة التي تمر بها الحالة الفلسطينية ظروف ملازمة لهذه الحالة بسبب بقاء الاحتلال الذي يعتبر حجر الزاوية في توصيف أية أزمة تمر بها الحالة الفلسطينية بنسب متفاوتة، ومن الظلم للثقافة في فلسطين أن نظل نخفي حالة واقعنا الثقافي الذي تمارس عليه ضغوط ثقيلة لا يملك أدوات مواجهتها، وكان لابد لنا في البداية أن نقوم بتوصيف الحالة الثقافية الفلسطينية حتى نتمكن مجتمعين من تشخيصها ومن ثم اقتراح الحلول الممكنة لتخفيف آلامها ورفدها بأسباب المناعة والصمود والبقاء والعطاء والإبداع، وندرك في الوقت نفسه أن أزمة الثقافة في فلسطين جزء من أزمة الثقافة العربية عموماً لكنها تختص بأنها ثقافة قابلة للتجدد والحياة بحكم بقاء الدافع الملتهب ( الاحتلال).


    __________________________________________________ ___________________

    تداعيات الإحتلال
    يكرس الاحتلال جهده على تدمير الإنسان الفلسطيني بكل مقوماته، ولم يتردد في تدمير مقر الإذاعة والتلفزيون عدة مرات، ودهم عدد كبير من المحطات التلفزيونية والإذاعية والمراكز الثقافية العامة والخاصة وهدم بعضها، وتوقفت معارض الكتب المركزية السنوية، وتوقفت المهرجانات الثقافية ومسابقات الإبداع، كما هدمت قوات الاحتلال الكثير من المرافق الأثرية وقصفت كثيرا منها أيضاً، وعبثت بتراث هذا البلد وتاريخه وعملت على تحريفه وتزويره، بما يقطع صلة الإنسان الفلسطيني العربي والسلم بأرضه.

    كما أن الفقر والإفقار اللذان تسبب بها الاحتلال تسببت في أزمات لا نهاية لها، إضافة إلى سياسات الإغلاق والمصادرة والحصار والحجز ومنع التواصل الجغرافي، والتفكيك السكاني.... كما يتسبب العزل الكامل بين الضفة والقطاع والـ 48 ومواطن اللجوء في حالة شاذة لا تسمح باللقاء الثقافي أو التبادل أو خلق فرص متساوية في هذا المجال.
    وباختصار فإن جرائم الاحتلال بحق الثقافة وكل ما يتصل بفلسطين أكبر من أن تحصى.


    __________________________________________________ __________________


    تداعيات الشتات واللجوء
    في إطار بحثنا هذا ستواجهنا معضلات معقدة أبرزها المعضلة الجغرافية حيث يصعب على أي باحث أن يقوم بتوصيف حالة ما دون أن يكون ملماً بكافة مفرداتها، ولا يتأتّى هذا إلا من خلال حصر موضوع البحث في نطاق مكاني محدد، وهو الأمر الذي يعتبر في عداد الصعب المقارِب للمستحيل نظرا لحاجته إلى فريق عمل كبير وميزانية كبيرة إضافة إلى حصر دقيق للتجمعات الفلسطينية الكبيرة والصغيرة في أماكن اللجوء والشتات التي امتدت على رقعة العالم كله.

    وفي كل موطن للتجمعات الفلسطينية الكبيرة تتعدد المرجعيات التي تتحكم بمسارات الثقافة وتوجهاتها، ويخضع كل تجمع لظروف خاصة تجعله مختلفا عن التجمعات الفلسطينية الأخرى.

    ولكن المعروف في الشأن الثقافي خاصة أن التوصيف فيه يجمع تشابهات كبيرة بين هذه المفردات الجغرافية المتبعثرة، وسنحشد هاهنا جوانب الأزمة الثقافية الفلسطينية – غير غافلين في ابتداء الأمر عما حققه المبدع الفلسطيني في مجالات الثقافة كافة من إنجازات رغم جوانب المعاناة الكبيرة التي تلمّ به - .

    __________________________________________________ ___________________

    تداعيات الأزمة السياسية والفكرية
    تتلازم المنظومة الفكرية في الوضع الفلسطيني مع التنظيم السياسي، وفي ظل تعدد المدارس السياسية نشأت استقطابات حادة بين هذه المدارس تعتمد على فكرة قديمة تدور على انتزاع عناصر النخبة بكل وسيلة لضمها إلى التنظيم مما تسبب حالات تزوير فاضحة لشخصية المثقف والمبدع حيث جرى تضخيم من يستحق ومن لا يستحق كما جرى إهمال متعمد بل إسقاط وتحجيم لمن يمتلك الأهلية والموهبة المبدعة لعدم اتفاقه مع التنظيم الأوفر مالاً ونفوذاً، ولم تستطع التيارات الصغيرة تقديم نماذجها نظراً لضخامة المنافسة من التنظيمات النافذة.

    وفي الإطار التأصيلي حصلت انتكاسة كبيرة في المفاهيم الوطنية للمثقف الفلسطيني الذي كان يعبر عن وحدة الموقف الوطني في إطاره الجامع من حيث النظر إلى منظومة القيم الوطنية التي يتمثّلها كل مثقف فلسطيني والتي تعتمد على مفهوم وحدة الأرض الفلسطينية بشطريها المحتلين عام 1948 و 1967 وترسيخ مفهوم حق العودة للأرض حيث ولد ونشأ الأهل والآباء، واعتبار الكفاح المسلح الوسيلة الحقيقية للتحرير بحيث صارت الوسيلة هدفاً بذاتها، واعتبار القدس بشطريها عاصمة فلسطين الأبدية، وإن اختلف الناس بعد ذلك في منظومة الضوابط التي يتعامل معها المثقف الفلسطيني في اختيار المادة التي يعبر فيها عن وحدته.

    حصلت الانتكاسة بعد صعود تيار التسوية السياسية عقب اتفاق أوسلو عام 1993 والذي اعتمد على مبادئ تفاوضية استقرت على مفهوم القبول بشرعية إقامة الدولة الإسرائيلية على أرض 48 وعلى نبذ الكفاح المسلح واعتبار التفاوض هو الوسيلة الوحيدة لحسم الصراع، مع غموض متغير في مسألة القدس وحق العودة واللاجئين ومسائل كثيرة.

    ولقد حظي هذا التيار بدعم دولي وعربي أسفر عن ميلاد مؤسسات ثقافية تتبنى قيم هذا السلام الجديد بينما وقع المثقف الفلسطيني في حالة عنيفة بين إيمانه الفكري والعاطفي وبين التزامه السياسي وما يترتب على ذلك من وضع مادي ومعيشي واجتماعي فحصل عند الكثيرين تطرف من ناحية الابتعاد عن الهموم الوطنية إلا من خلال عناوين عامة، والإغراق في الغنائية والذاتية، بينما خسر الفريق المتمسك بمبادئه الأولى منابر فلسطينية وعربية كثيرة كان يعطي فيها دون تحفظات، وفُرضت على المثقف الفلسطيني عزلة جديدة تضاف إلى سياسة العزل التي يقوم بها الاحتلال، وسَرَت تهمة خطيرة جعلت المثقف الفلسطيني جسرا من جسور التطبيع الثقافي الإسرائيلي في مرحلة من المراحل، وبناء على ذلك فقدت الثقافة الفلسطينية حسها المقاوم وروحها الإنسانية الجماعية وامتدادها العربي والإسلامي، و الحديث في هذا الجانب يستلزم دراسة مطولة لها موضع آخر.

    ولكن الأكيد أن تيار التسوية هذا لم يستطع إبراز أي مثقف فلسطيني ينطق بلغته، ولكن فعله وتأثيره ناتج عن المؤسسات التي يبنيها ويمكن أن تؤثر في الجيل القادم.
    ويمكن القول إن مرحلة ما بعد أوسلو شهدت مستوى كارثياً في الوضع الثقافي الفلسطيني من حيث المضامين رغم أنها أفرزت مؤسسات ثقافية عديدة لعل أهمها وزارة الثقافة التي بدأت تمارس عمل دائرة الثقافة في م ت ف والتي أصابها التعطيل المتعمد وغدت بلا أي ميزانية أو إدارة فاعلة.

    ويتحدث الأستاذ المتوكل طه بوضوح بالغ في تصوير هذا المشهد عقب هذه الاتفاقيات فيقول إن الهجوم الأمريكي الإسرائيلي عبر هذه الاتفاقيات عمل على : (استهدافُ مفاعيلِ الوعيِ ومكوناتِ الشخصيةِ وتأصيلِ المدارك، وذلك من خلال وضع ظاهرة المقاومة وحصارِها بالاتفاقات السياسية وإحداث تغييرٍ عميقٍ في الوعي الفلسطيني تمثّل في تحويل الآخرِ النقيض إلى آخرَ يمكنُ التعايشُ معه، وتمثّل، أيضاً، في إنزالِ السقوفِ العاليةِ إلى مجرّدِ المطالبة بتطبيق "خارطة الطريق" )...

    وعمل على المطالبة اللحوحة : ( بوقف ما يسمّى "التحريض" على إسرائيل، وذلك من خلالِ نصوصِ الاتفاقاتِ السياسيةِ إياها. إن وقف ما يسمى "التحريض" على إسرائيل يعني تغييراً عميقاً في الوعي والمصطلح واللغة، وعملياً، فإن هذا يعني تغييراً في المنهاج المدرسيِّ ولغةِ الإعلامِ ولغة السياسة، فلا يمكن ذكرُ الجهاد والقدس والاحتلال، شعراً أو مثلاً أو قصة أو قرآناً، بمعنى تفريغ المنهاج من محتواه الوطنيِّ والدينيِّ والجهاديِّ)

    وبات واضحاً أن الواقع السياسي الفلسطيني يمتص كل شيء، والثقافة واحدة من ضحايا هذا الواقع، فأصبحت السياسة هي التي تمول الثقافة وتضع اشتراطاتها قبل أي تمويل، وتحولت الثقافة والمثقفون إلى اكسسوارات تجميلية، حتى انعدم دورهم تماماً ولم يكن لهم أي فعل حتى على مستوى الحوار السياسي بين القوى السياسية الفلسطينية في أوقات الأزمة السياسية.


    __________________________________________________ _________________

    تداعيات الأزمة الإقتصادية
    ليس غريباً على المتابع للوضع السياسي وتداعياته الاقتصادية أن يجد أسباب انهيار نصف المؤسسات الثقافية الفلسطينية الثلاثمائة في مناطق السلطة الفلسطينية بسبب ضعف التمويل أو انعدامه، بينما يعاني معظم النصف الآخر من وضعٍ متردٍ في المناشط والفعاليات والمشروعات لهذا السبب، ولذلك نجد بعض هذه المؤسسات يعتمد على برامج المنظمات الأجنبية غير الحكومية من خلال العمل على تنفيذ برامجها ذات الأجندات الخاصة.

    وفي التقرير الربعي الثاني الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية عام 2006 نقف على حقيقة خطيرة وهي أن ميزانية الثقافة الرسمية لا تتجاوز 2 في الألف من ميزانية السلطة، بينما لم تتعد حصة الثقافة في ميزانية 2003 (0,39) تنفق معظمها على مرتبات الموظفين والمصروفات الجارية، كما تنعدم أي مخصصات للبنى التحتية الثقافية أو مشاريع أنشطة وطنية.

    كما تعاني معظم الفصائل الفلسطينية من حالة جفاف مالي أدى إلى تحويل جميع مخصصات الثقافة لديها إلى تمويل بند الرواتب وبنود أساسية أخرى لديها.
    ونتيجة لهذه الظروف القاسية قدم اتحاد الكتاب الفلسطيني ( في مناطق السلطة) استقالته لغياب الموازنة وعدم قدرته على دفع أجرة المقر، وسبق ذلك توقف مجلة الكرمل الشهيرة والتي يرأس تحريرها الشاعر محمود درويش عن الصدور، كما توقفت مجلة أقواس الصادر عن بيت الشعر الفلسطيني في رام الله، كما تعاني مجلة الشعراء من وضع اقتصادي متدهور دفعها لطلب المساندة من منظمات عربية ثقافية عدة أملا بالحصول على بعض المساعدة، بينما توقفت مجلة "دفاتر ثقافية" الصادرة عن وزارة الثقافة بسبب انعدام التمويل.

    وأما الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وفروعها (خارج فلسطين ) فهي تعاني من حالة اقتصادية خانقة تسببت في توقف المناشط والفعاليات ورعاية المثقفين، وتعتمد في تسيير بعض شؤونها الإدارية على ما تقدمه بعض الفصائل كمساعدات مقطوعة لها.

    بينما عانى المثقف الفلسطيني معاناة إضافية حيث كان يجمع لنفسه وأهله لقمة عيشه، ويترك ما تبقى – إن تبقى – لينشر شيئاً في كتيب أو إصدار ضعيف الإخراج هزيل الورق، وصار بعضهم يبيعون إنتاجهم لهذا الثري أو ذاك من طلاب الشهرة الكاذبة.

    والمثقفون المبدعون الذين هم عصب الحياة الثقافية لا يكادون يستفيدون أيضاً من المردود المادي لأي إنتاج ثقافي يقدمونه، لضعف القدرة الاستثمارية في هذا المجال، أو ضياع حقوقهم المادية، ولا تتمتع أعمالهم بأي امتيازات ضريبية أو تشجيعية.
    وأما القطاع الخاص الفلسطيني فدوره هامشي جداً في دعم الثقافة ومنابرها، رغم أنه كان لبعض المؤسسات المالية الخاصة مساهمات مهمة في دعم الحياة الثقافية حيث أنشأت منظمات ثقافية أهلية وأجرت عليها ميزانيات مقبولة لأغراض تجمع بين الدعاية والالتزام الوطني.

    أي أننا نشهد حالة انهيار مؤسسية للعمل الثقافي الفلسطيني بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة التي أصابت المؤسسات الفلسطينية والمثقفين معاً.

    وفي المقابل فإن تقنية الاتصالات أتاحت للعديد من الأدباء الفلسطينيين الشباب أن يبنوا منابر لهم عبر الشبكة العنكبوتية كما قاموا ببناء منابر للمواهب الكبيرة من أسلافهم ولاسيما من ذوي القربى منهم، وهناك مئات المواقع الفلسطينية الشخصية التي تفتقر للكثير من الدعم لكنها تشبه الخروج من الرماد لإصرارها وتحديها.

    __________________________________________________ __________________

    تداعيات الأزمة النقابية
    إن خصوصية الواقع الفلسطيني تفرض غلبة الرؤى السياسية على كافة المجالات، والمجال الثقافي واحد من هذه المجالات التي تخضع لسيطرة القوى السياسية، والتي تعتبر حضورها في هذه النقابات تأكيدا لحضورها الشعبي والنخبوي، مما أدى إلى غلبة الرؤى السياسية على الأدوار الثقافية، وخضوع الدور الثقافي للحاجة السياسية، وأدى ذلك أيضاً إلى ترهل نقابي فلم تتغير الهيئات الإدارية لهذه النقابات لعقود طويلة، وساد منطق التوافق السياسي على نسب محددة في توزيع مقاعد هذه النقابات، وكل ذلك جعل المثقف المستقل بعيداً عن أي ترتيب نقابي، ولا تمضي قرارات النقابات إلا إذا حظيت بالرضا السياسي.
    وفوق ذلك كله أصبحت الفرص الثقافية ضعيفة النشوء والارتقاء في هذا الوسط السياسي دائم الخلاف.

    ومنذ إنشاء السلطة الفلسطينية عقب اتفاق أوسلو في العام 1994 والإعلان عن وزارات ومديريات ووظائف توزع بالمجان، كان يمثل الكتاب الفلسطينيين أمانتان للكتاب في الخارج، الأولى يقودها أحمد عبد الرحمن مستشار رئيس السلطة وكان مقرها تونس ( وتمثل خط التسوية)، والثانية مقرها في دمشق ( وتمثل خط المقاومة)، واتحاد للكتاب في الضفة الغربية وقطاع غزة تأسس تحت الاحتلال.

    ومع تعالي الأصوات الداعية إلى الوحدة النقابية لاسيما بعد انهيار مشروع أوسلو عملياً وفكرياً تداعى الفرقاء منذ عام 2002 لإعادة اللحمة للاتحاد ولا تزال الجهود مبذولة على انقطاع طويل بين اللقاء والآخر بين هذه الجهات دون التوصل إلى توافقات على حلول مرضية للأطراف المختلفة.

    وتعاني هذه الاتحادات من غياب التمويل والانشقاق السياسي والتفكك مما جعلها في وضع مربك جداً يصل إلى حد الإحباط.
    ونتيجة لهذا الانهيار النقابي تشكلت جماعات ثقافية لا تكاد تتلاقى تحت مسميات ( الروابط والجمعيات والتجمعات) في الداخل والخارج تحمل توجهات مختلفة.

    __________________________________________________ ___________________


    تداعيات التدخلات الأجنبية
    لا تتمتع السلطة الفلسطينية بأي استقلال اقتصادي بموجب الاتفاقيات الاقتصادية الظالمة التي تم التوقيع عليها، وتخضع أي مشروعات إلى مراقبة دولية مالية وسياسية لضمان عدم انحرافها عن سياسة الدول المانحة والممولة، مما جعل أي مشروع ثقافي يخدم التوجهات العامة أو الخاصة لهذه الجهات سواء أكانت حكومية أو غير حكومية.

    وتستطيع هذه الجهات أن تراقب عمل كل وزارة أو مؤسسة أو هيئة بموجب الاتفاقيات مباشرة، بل تستطيع أن تقوم أيضاً بالتمويل المباشر دون وسطاء حكوميين مما جعل نفوذهم خطيرا في المؤسسات الفلسطينية عامة ومنها المؤسسات الثقافية، هذا رغم أن قانون الصحافة والمطبوعات الفلسطيني ينص بصراحة في مادته التاسعة على أن تعتمد المطبوعة الدورية في مواردها على مصادر مشروعة معلنة ومحددة، ويحظر عليها تلقي أي دعم مادي أو توجيهات من أية دولة أجنبية.

    لقد كثرت هذه المنظماتٍ غيرِ الحكوميةٍ كثرة غير عادية حيث زاد عددها عن ألفِ منظمةٍ تعملُ في حقوقِ الإنسانِ والمرأةِ والطفلِ والديمقراطيةِ والتنمية، لكنّ معظمها في الحقيقةِ تؤدّي ثلاثة أدوار لا غير كما يقول رئيس اتحاد كتاب فلسطين في مناطق السلطة :

    ( أول الأدوار : أنها تحصلُ على أربعينَ بالمائة من المبالغِ المخصصةِ للشعبِ الفلسطيني. ثانيها : أنَّ هذهِ المنظمات تنفقُ تلكَ المبالغَ على نشاطاتٍ مشتركةً مع منظماتٍ إسرائيلية تعملُ في المجال ذاته، ما يخلق جسوراً للتطبيع.
    ثالثها : تقوم هذه المنظماتُ بجمعِ المعلوماتِ، وتزوّدُ الغربَ بها).
    ولكن الدعم المخصص للثقافة الوطنية التي يحتاجها الجمهور الفلسطيني من هذه الجهات هو في أقل درجاته أيضاً ويصل إلى العدم لولا الدعم المحدود لبعض مشروعات التراث الشعبي – لأغراض غير وطنية بالطبع -، وتستفيد منه مؤسسات أهلية تتقدم بمشروعات محددة إلى هذه الجهات التي توافق عليها وفق محددات عامة لا تخالف توجهات هذه الجهات السياسية.

    فالبنك الدولي مثلاً يشترط في تمويل طباعة الكتبِ الخاصةِ بمحتوى المنهاج الفلسطيني ضرورة ابتعاده عن ما يسمّى "التحريض ضد إسرائيل "، وهذا ينطبقُ على الفلسطينيين ولا ينطبقُ على الإسرائيليين.

    ومعظم هذه الجمعيات ترعى شعارات ثقافية تخلط أولويات الفلسطينيين حيث تجد جمعيات حقوق المواطن والمرأة والإنسان و الديمقراطية والغناء ... اهتماماً كبيرا من هذه الجهات الدولية لما لها تأثير خطير في تغليب مفهوم على آخر، وحاجة على حاجة، فيُطالب هؤلاء مثلاً بتحقيق حقّ المرأة كأولوية على حق تقرير المصير، وكأننا لسنا محتلّين من النهر إلى البحر بكافة فئاتنا، أو يطالبون السلطة الفلسطينية بحفظ حقوق الطفل – وهذا مطلب حق –، بينما لا يجد أطفالنا لقمة عيشهم ولا يستطيعون التعلم بسبب ظروف الاحتلال وغياب آبائهم في الأسر أو نتيجة القتل والاغتيال. وتجدهم يتحدثون بإصرار عن حفظ حرية التعبير والتعددية السياسية ليكون ذلك مدخلاً للنّيل من الثوابت الوطنية، وجعل الخيانة السياسية وجهة نظر.
    واشترطت بعض هذه المنظمات ألا يذكر تاريخ فلسطين في أية مطبوعة تمولها أو تساهم في تمويلها.

    لقد أصبحت هذه المنظمات هي من تسير الثقافة وتؤشر وتدل على المستوى الثقافي، والمنظمات غير الحكومية هي التي يعرفها المفكر الدكتور عادل سمارة في كتابه (منظمات غير حكومية أم قواعد للآخر) فيقول: هي عبارة عن فرد أو حفنة من الأفراد، ليسوا حزبا ولا طبقة ولا نقابة ولا جمعية مجتمعية ولا اتحادا ولا رابطة، يقومون بالاتصال بمنظمة أجنبية غير حكومية تتمول من حكومتها لتقوم هذه المنظمة بتجنيد أموال من بلدها لتمويل المنظمة التي قدمت الطلب.

    وحتى الجامعاتُ الفلسطينيةُ فإنها أشبه بالجامعات الخاصّة لخضوع كثير منها لاشتراطاتِ الممولين، وتجد ربعَ المحاضرينَ في بعض الجامعاتِ هم من الأجانب، الذين يتلقون رواتبهم من الجهات الأجنبية الممولة، كما عملت بعض الجامعات للترويج لثقافة التطبيع ونقض ثوابت الحقوق الفلسطينية من خلال مراكز تقيمها داخل الجامعات بتمويل أجنبي، أو إيفاد طلاب متفوقين بمنح دراسية تتخصص في ملفات تطبيعية، وعزل الشخصيات والفعاليات الوطنية عن المساقات الدراسية.

    وحتى الصحافة الرسمية باتت خاضعة لاشتراطات الجهات الممولة والبنك الدولي، والعنوان دائماً: ( لا تزعجوا إسرائيل).
    ويكفي أن نشير لخطر هذا المال الأجنبي الذي يحرّك ملفات ثانوية على حساب ملفات ذات أولوية أن نكشف أن أكثر من 76% من فعاليات المراكز الثقافي في فلسطين تقوم عليها هذه الأموال المشبوهة.


    __________________________________________________ __________________

    غياب المؤسسة والرؤية
    في ظل تصارع المدارس والأفكار وتأثرها الكبير بالرؤى السياسية غابت الاستراتيجيات الثقافية، وطرائق التعامل مع المحيط العربي والدولي، وكيفية استيعاب المستويات الثقافية الفلسطينية في الجغرافيات المختلفات، وكيفية التعامل مع واقع الاحتلال، والتكيف التصاعدي مع أسلوب التصعيد الاحتلالي، وكيفية التعاطي مع إشكالية المواطنة الإسرائيلية لدى فلسطينيي 48 ودعم الثقافة لديهم بما يعزز هويتهم، وكيفية مواجهة التطبيع الثقافي في ضوء اتفاقيات تفرض عليك التطبيع، وتكرسه المؤسسات الدولية والغربية الممولة .
    ولم تفلح المؤسسات الرسمية في م ت ف أو في السلطة الفلسطينية أو في الفصائل في وضع إستراتيجية موحدة للثقافة في فلسطين، وإنما صدرت رؤى ثقافية عامة أو خاصة لا تشكل بناء تخطيطياً لاستراتيجية واجبة.

    كما باتت الحاجة ماسة إلى إعادة بناء القيم الثقافية للهوية الفلسطينية الوطنية والضوابط العامة لها بعد الهزة العنيفة التي أصابتها عقب أوسلو، وهو الأمر الذي لم تبذل فيه جهود كافية من المؤسسات المعنية.

    وفي استعراض للمادة الثقافية المعروضة في وسائل الإعلام الفلسطينية نلاحظ أثر غياب الرؤية في البرامج غير المدروسة وغير الخاضعة لتخطيط وترتيب للأولويات الثقافية أو التزام بخطة للتنمية الثقافية، وكثير منها أقرب إلى العشوائية والارتجال، ويعرض ما هو متاح سهل دون بحث أو تعب في إعداده فتخرج لنا مادة متواضعة فقيرة المضامين، غير قادرة على تسجيل الحضور فضلاً عن المنافسة.

    وفي الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى منظمة التحرير الفلسطينية ودائرة الثقافة فيها فإننا نجد المنظمة بدوائرها معطلة تماماً، وهناك غياب تام لدائرة الثقافة التي لا يُعرف رئيسها أو يسمع به الناس – إن كان موجوداً- ولا توجد لها ميزانية معروفة أو مؤسسات يمكن للمثقف الفلسطيني أن يقصدها.

    وعلى اتصال بهذا الغياب فإن المراكز الثقافية الفلسطينية التي كانت تتبع السفارات الفلسطينية في الخارج انهار معظمها أو نُهب دون محاسبة نتيجة غياب الرقابة وانتشار الفساد في التعيينات وانعدام الرقابة، ولقد كنا شهودا على بيع بعض مقتنيات هذه المراكز الثقافية أو هبتها لصالح جهات ومؤسسات محلية داخل بلد المركز، كما تعقدت المشكلة أكثر بعدم أهلية أكثر العاملين في الملاحق الثقافية وصارت هذه المراكز والملحقيات ملجأ للكادر الوظيفي المهمّش أو المبعَد أو غير المرغوب فيه.

    كما غابت الاستراتيجية الثقافية الفلسطينية رغم الجهد الكبير الذي بُذل لإنتاج مسودة هذه الاستراتيجية على مدار ثلاث سنوات دون التوصل إلى اتفاق حولها أو تأطير وارتهانها للمنصب الذي يتحرك بها حيث توقف البحث في هذه المسودة نتيجة التغيرات السياسية عقب الانتخابات التشريعية مطلع 2006 ولدى سؤال وزارة الثقافة الفلسطينية عن هذه المسودة فوجئنا بعدم علمهم بها أو عرضها عليهم !!.

    __________________________________________________ _________________

    أزمة الإنتاج
    لا نجد لدى معظم المؤسسات الفلسطينية ميزانيات مخصصة للثقافة، وإن وجدت فهي تستهلك في بنود إدارية ورواتب وتسيير أعمال، بينما لا تحظى الثقافة بإنتاج حقيقي، كما لا يوجد استثمار في مجال الثقافة عبر مراكز إنتاج أو تدريب، أو حقوق انتفاع بمراكز معرفية.

    __________________________________________________ ___________________
    الأزمة الإعلامية
    فشل الإعلام الفلسطيني الرسمي والفصائلي في استيعاب الخط الثقافي في برامجه،وتسبب هذا الفشل في ضعف قدرة هذا الإعلام على تكوين الاتجاهات الإيجابية في المجتمع الفلسطيني، ولم يستطع هذا الإعلام أن يبرز مستويات الثقافة العليا أو اكتشاف القدرات الثقافية المتاحة فضلاً عن تقديمها، وذلك للضعف الكبير في مستوى هؤلاء الإعلاميين وعدم تخصصهم، وضعف برامج التدريب والتأهيل لديهم،إضافة إلى النفوذ السياسي في الوسط الإعلامي، وهكذا كله تسبب في غلبة الاستيراد والتقليد في المواد الثقافية المعروضة في الإعلام، مما جعل العقل الفلسطيني نهبةً للتنميط الكوني والعولمة الإجبارية، دون مراعاة لخصوصية الحالة الثقافية الفلسطينية وحاجاتها.

    كما انعكست الأزمة المالية على إنتاج البرامج الثقافية حيث تعد هذه البرامج في ذيل الاهتمامات نتيجة غلبة الهم السياسي والمعيشي.

    وفي الصحافة الفلسطينية نجد أن الشأن الثقافي ضعيف جدا لديها إذ نجد أن هناك صفحة ثقافية أسبوعية وليست يومية في صحيفتي الأيام والحياة الجديدة ومعظمها يعتمد في تحريرها على المبادرات الشخصية بتمويل ضعيف أو معدوم.
    وأما صحيفة القدس الأكثر انتشاراً فليس فيها صفحة ثقافية، لكنه تنشر مواد معرفية وثقافية بين الفينة والأخرى.

    والوضع أفضل في المحطات الإذاعية الفلسطينية حيث تجد بعض البرامج الأسبوعية التي تختص ببعض الخطوط الثقافية، ويقل عنها في الاهتمام المحطات التلفزيونية الخاصة بينما لا تزيد نسبة البرامج الثقافية في تلفزيون فلسطين الرسمي عن 15% في أحسن الحالات.

    __________________________________________________ _________________


    أزمة المركز والأطراف
    تتركز المراكز الثقافية والمؤسسات الداعمة والفعاليات الثقافية في بعض المدن الرئيسية كرام الله وغزة بينما تعيش تعاني مدن كبيرة وقرى كبيرة من حرمان شبه تام من هذه الإمكانات، وهذا الأمر يوجد حتى في مخيمات اللجوء خارج فلسطين حيث تتركز الأنشطة في المخيمات الكبرى على حساب مخيمات أصغر تنتشر في محافظات أخرى في القطر نفسه.

    ولا تمارس السلطات البلدية في هذه المرافق ما يتوجب عليها فعله لرفد النشاط الثقافي وتفعيله لغلبة الحاجة المعيشية، وما يترتب على اجتياحات الاحتلال ومفاسده الدائمة.

    __________________________________________________ ___________________

    أزمة القطاعات
    رغم أن ما يقارب 300 مؤسسة تنتمي للثقافة تم الترخيص لها فإن نصفها لا يعمل ونصفها الآخر يتهددها الإغلاق لضعف التمويل، ولا توجد مسارح مؤهلة إلا مسرح القصبة في رام الله، وعدد من المسارح الصغيرة في الضفة والقطاع تحتاج للكثير من التأهيل، كما لا توجد دور عرض مؤهلة أو فرق وطنية ممولة في مجالات المسرح أو الفنون.

    كما لا توجد أكاديميات ثقافية أو تختص بالإبداع، كما تندر مراكز المخطوطات إذ لا توجد سوى إدارة للوثائق والمخطوطات بلا تمويل ولا كادر سوى مدير يعتمد على مبادرته الشخصية، وتتبع هذه الإدارة وزارة الأوقاف،كما توجد مكتبات تجمع مخطوطات تستفيد من مرافقها التي تتبع لها في تمويل عملها كمكتبة المسجد الأقصى وبعض مكتبات العائلات الكبيرة.

    كما تنعدم برامج التدريب الثقافي وتطوير المواهب، ولا يتم تنفيذ أغلب اتفاقيات التعاون الثقافي أو تجديدها، كما تتباطأ المؤسسات الرسمية في التعاطي الإيجابي مع أي مطلب ثقافي مما يؤدي إلى ضياع فرص كبيرة وكثيرة.

    وأما الجامعات فهي مؤسسات تعليمية بالأساس ولم تتطور باتجاه البناء الثقافي إلا في أضيق الحدود، ولا توجد سوى مراكز قليلة في هذه الجامعات ترعى جوانب ثقافية تخضع أيضاً لاشتراطات التمويل الأجنبي.

    __________________________________________________ __________________

    خاتمة
    قد يتجه رأي القارئ أننا نشخص الجانب السلبي من الواقع الثقافي الفلسطيني وهو ما أردناه حقاً، لأن سلبيات هذا الواقع أكبر من إيجابياته، والذي يصنع ثقافة الشعب الفلسطيني الآن هو السياسة التي تتحرك بها القوى السياسية التي تتعامل مع المحيط من حولها تأثراً وتأثيراً، كما يرسم ثقافتها أيضاً إنتاج شعبي ملحمي يصنعه الشعب في سياق المواجهة المستمرة مع الاحتلال، كما تصنعه أيضاً لغة الدم الصهيونية التي تحدد مسار الفلسطيني نحو المواجهة لنيل الحرية واسترداد الحقوق.

    وأرى أنه بينما نتحرك لتصحيح هذا الواقع فإن الواجب الآن أن يتحرك المثقف الفلسطيني في إطار مبادرات شخصية خلاقة وأن يبدع أسلوبه في اختراق الحصار ومواجهة الواقع المؤلم وبتكامل المبادرات الفردية تتأسس الأفكار الجامعة التي تحتشد بعد ذلك لتأطير المبادرات في مؤسسات ومنظمات ثقافية.
    13:13 13:13 13:13 [/size
    ]
يعمل...
X