قواعد المسلكية الثورية
تعتمد الحركات الثورية بخطوطها الجماهيرية و السياسية و التنظيمية و العسكرية على قناعتين راسختين لدى اعضائها. الأولى هي الإيمان بحتمية النصر .و الثانية هي الاستعداد للتضحية.
إنّ تحول النظريات الثورية بمنطلقاتها و أهدافها و أسلوبها إلى قناعات يمارسها الأعضاء عن تفهم و وعي هو الذي يرسم الخط الأول الذي ينطلق
مقدمة
تعتمد الحركات الثورية بخطوطها الجماهيرية و السياسية و التنظيمية و العسكرية على قناعتين راسختين لدى اعضائها. الأولى هي الإيمان بحتمية النصر .و الثانية هي الاستعداد للتضحية.
إنّ تحول النظريات الثورية بمنطلقاتها و أهدافها و أسلوبها إلى قناعات يمارسها الأعضاء عن تفهم و وعي هو الذي يرسم الخط الأول الذي ينطلق منه مقياس النقد . فالخطأ المسلكي هو ممارسة العضو المتناقضة مع قناعاته التي تحددها النظرية . و بما أن معرفة النظرية ليست حكرا على العضو فإن الخطأ المسلكي يتطلب من العضو نقدا لذاته لتصرفه عكس قناعاته ، أو يتطلب من الأعضاء الآخرين نقده لتصرفه عكس قناعاتهم ( التي هي قناعاته ) ، عكس النظرية الثورية التي يؤمنون بها. و تبرز في الحركات الثورية نماذج من المسلكيات التخريبية و الانتهازية و التطهيرية الى جانب المسلكية الثورية. فالمسلكية التخريبية هي تلك التي تؤدي نتائجها الى تقويض الحركة الثورية و تحطيمها سياسيا و تنظيميا و عسكريا سواء أكانت موجهة للجماهير أو داخل الحركة الثورية .
و في هذه المسلكية تكون محصلة الممارسات للعضو المخرب رغم محاولات تغليفها تصب في اتجاه تدمير الحركة الثورية .
و المسلكية التخريبية إما أن تكون مقصودة وإما ان تكون غير مقصودة . و يختلف اسلوب معالجة الحالتين رغم امكانية تطابق نتائجهما . وتكون المسلكية التخريبية مقصودة عندما يكون العضو في الحركة الثورية مدسوسا من جهة معادية للحركة سواء بدوافع و قناعات معنوية أو ماديّة . أو عندما تتولد لدى العضو طموحات ذاتية غير مشروعة فيعمل على خلق مركز قوى أو تجمع كخطوة أولى نحو الإنشقاق .
أما المسلكيّة التخريبية غير المقصودة ، فهي التي قد يمارسها الأعضاء في المستويات المختلفة و ذلك عن جهل أو تطرف أو استسلام لنزعة التصرفات الطائشة .
إن موقف الحركة الثورية من المسلكية التخريبية يجب يكون حازما و حاسما مهما كانت ردود الفعل الآنية . لأن التغاضي عن الأخطاء الكبيرة و حمايتها لا يتم الاّ من ذوي نفس النزعة و الاتجاه و لهذا فإن على الحركة الثورية أن تضرب بيد من حديد على كلّ الندسين في صفوفها و أن تصفيهم دون رحمة .
أما المسلكية الانتهازية فإنها تعبر عن نفسها في الحركات الثورية بمظاهر عدّة . و لكنّها تنطلق أساسا من انفصام في القناعتين الأساسيتين ( الإيمان بحتمية النصر و الاستعداد للتضحية ) لدى العضو .
إنّ الانتهازي يرتبط بالحركة الثورية عن إيمان بحتمية النصر المرحلي خاصة و بما سيعود عليه من فائدة و منفعة شخصية نتيجة تحقيق النصر . ولكنّه في الجانب الآخر غير مستعد لأن يدفع أيّ ثمن فعلي أو تضحية حقيقية ، حيث أنّها تتعارض مع تكوينه النفسي المغرق في الذاتية و الأنانية . إن الدوافع للمسلكية الانتهازيّة إما أن تكون دوافع ماديّة ، أو تطلعات لمواقع المسؤوليّة دون تقديم تضحيات تذكر ، وهي ما يعتبر في الحركات الثورية طموحات غير مشروعة .
إن اخطر ما تعانيه الحركة الثورية هو وصول النوعية الانتهازية من الأعضاء إلى مواقع المسؤولية صاحبة القرار ، حيث تظهر ميولها النفسية للاكتفاء بالنصر الشكلي على حساب الهدف المبدئي ، و هو ما يعرف بالانتهازية اليمينية التي تساوم على الهدف الآجل في سبيل المنفعة الذاتية العاجلة كما تظنها . و تظهر في الحركات الثورية نزعات انتهازية يسارية تزايد على الهدف العاجل في سبيل المنفعة الذاتية الآجلة . و هذه النزعة الانتهازية تجد مكانها الحقيقي في صفوف الحركة الثورية على كافة المستويات .
و يتميز الأعضاء التطهيري ونفي الحركات الثورية بأن مدى استعدادهم للتضحية يكون بقدر ما يرونه من إمكانية النصر . وهم يتحولون إلى ثوار حقيقيين عندما يصلون بقناعة راسخة إلى الإيمان بحتمية النصر . و الأعضاء التطهيريون يعجزون عن استخدام النهج العلمي لتحليل الأحداث . فهم يرون الأمور من جانب واحد و يتأثرون بسرعة شديدة و تنقل مواقفهم من الحياد إلي الإيجاب و لكنها لا تصل إلى الانتهازية و السلبية . و المسلكية التطهيرية تنبع من النزعات الرومانسية لدى بعض الأعضاء و الني تعبر عن نفسها بالابتهاج الشديد لأقل انتصار أو إنجاز و التشاؤم لأقل عقبة أو صعوبة ، و الوقوف عند الأخطاء و الممارسات الانتهازية و عدم القدرة على تجاوزها بالعمل المستمر و بالنضال ضدها . و لذلك فإن التطهيريين لا يستطيعون التعايش مطلقا مع الانتهازيين . و لأن الانتهازيين ينطلقون نحو مصالح ذاتية فإنهم اقدر على التشبث بممارساتهم و طرد التطهيريين من صفوف الحركة الثورية.
إن المسلكيات التخريبية و الانتهازية لا تلجمها و تخرجها من حيز التأثير الفعلي عن مسيرة الحركة الثورية إلا المسلكية الثورية . كما وان المسلكية التطهيرية تتحول بفضل الممارسات الثورية و المهمات النضالية إلى مسلكية ثورية تطرد الانتهازيين بدل أن تظل تطهيرية يطردها الانتهازيون .
إن دور النقد و النقد الذاتي الفاعل يعتمد على ممارستهما من قبل الأعضاء الثوريين الذين لا يجدون غضاضة أو انتقاصا من ثورتهم إذا هم اعترفوا بأخطائهم بشجاعة .وهم ينتقدون مسلكيات غيرهم بنفس الشجاعة و الصراحة .
آن المقياس الإيجابي للمسلكية الثورية هي أن يضع دليلا للممارسات الصحيحة فيصبح الخروج عن هذا المقياس وقوعا في المسلكيات الخاطئة التي يتوجب نقدها .ان للمسلكية الثورية مظاهر لا تعد و لا تحصى .ان كل فعل ثوري إيجابي يشكل مظهرا صادقا للمسلكية الثورية.
يعتمد مقياس النقد في الحركات الثورية على و ضوح و معرفة المسلكيات الثورية في المجالات الجماهيرية و السياسية و التنظيمية و العسكرية كما إن متطلبات المسلكيات الخاصة بالقيادات و الكوادر المسؤولة ،تجعل منها اكثر حرصا على التمسك التام بقواعد المسلكية الثورية التي يتحكم فيها دائما الترسيخ العميق المطلق لقناعتين أساسيتين و هما – الايمان بحتمية النصر مهما حلكت الظروف و تكدست الصعاب –و الاستعداد الدائم و المطلق للتضحية مهما غلت
و تتحكم منطلقات النقد بقواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة ..فخط الجماهير هو الذي يحكم قواعد المسلكية الثورية في المجال الجماهيري و هكذا بالنسبة للخطوط السياسية و التنظيمية و العسكرية . و قواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة تشكل المقياس الذي على أساسه تحاكم ممارسات الأعضاء و تقيم و تنتقد.
في المجال الجماهيري
لم تكن الوصايا العشر كقواعد للسلوك الانساني موجهة الى فئة أو طبقة محددة.. بل لكل الشعب.. وكان الخروج عن هذه الوصايا عصيانا وتمردا على أوامر الخالق.. ويمكن القول ان نقاط الاهتمام الثمانية(1) لماوتسي تونغ، وقواعد السلوك ال21 (2) لهوشي منه، تحمل ذات طابع الوصايا، وان كانت موجهة في الاصل الى المناضلين حتى تحكم هذه القواعد تصرفاتهم مع الجماهير وعلاقتهم بها.
ان طموح ماو في ان تصبح هذه القواعد دليل عمل للعلاقات الاجتماعية قد تكرس من خلال الثورتين الاجتماعية، والثقافية اللتين بلغتا شأوهما بعد ان تحررت الصين. ان قواعد السلوك الثوري في مرحلة التحرر الوطني وليست قواعد لسلوك الجماهير.. وانما لسلوك الطليعة تجاه الجماهير..
وتشكل نظرة الحركة الثورية للجماهير مدى جديتها في قضية التحرير، حيث ان تجاهل الجماهير وعدم اعطائها الدور والاهمية التي تشكلها في المسيرة الثورية، يجعل من الحركة الثورية تجمعا نوعيا لا يمكنه قيادة الجماهير لعدم ايمانه بقدرة الجماهير. وتكون تصرفاته معزولة وغير مقبولة من الشعب. ولكي نعطي مثالا للنظرة الجدية للجماهير نورد نصا من مقدمة النظام الداخلي لحركتنا.
“ان الثورة الشعبية المسلحة التي نخوضها تنطلق من موقف مبدئي، وهو ان قضيتنا هي قضية الجماهير وليست قضية فئة مميزة منفصلة عن هذه الجماهير. وان الشعب قادر على ممارسة النضال بكفاءة عالية وحس صادق وعزيمة قوية، وهو القائد الحقيقي للثورة والحامي المخلص للتنظيم الثوري. ولقد جاء هذا النظام محققا لاشد الالتحام بين الحركة والجماهير، عن طريق البناء الهرمي للاجهزة الثورية بحيث تكون هذه الجماهير هي القاعدة العريضة له.
ومن هذه النظرة الى دور الجماهير في الثورة يبرز دور القاعدة المنظمة في الحركة باعتبارها على تماس مباشر مع الجماهير، تعيش بينها وتحس مشاعرها وتستلم تطلعاتها، وهي لذلك مصدر السلطات في الحركة والوصية الوحيدة الامينة عليها، وهي القوة الحقيقية التي يعود اليها وحدها حق اتخاذ المقررات الحاسمة، وعليها تقع مسؤولية انتخاب القيادات في جميع المستويات، ويتم ذلك عن طريق الانتخاب المباشر على درجات بسبب مقتضيات العمل السري، وبسبب التشتت الجغرافي الذي تعانيه جماهيرنا الفلسطينية.
وقواعد المسلكية الثورية في المجال الجماهيري يمكن تلخيصها بضرورة التوجه الصادق الدائم للجماهير وتعميق العلاقة بينها وبين الحركة الثورية وترسيخ الايمان، بأن هدف الحركة الثورية هو مصلحة الجماهير، وانه بالجماهير وحدها تستطيع المسلكية الثورية في المجال الجماهيري، ان تحقق النصر.
1-احترام الجماهير:
ان المسلكية اليومية للطلائع الثورية تجاه الجماهير هي التي تحدد مدى التفاف الجماهير حول الطليعة أو انعزالهم عنها.. ان الجماهير لا يمكن ان تلتف حول من يسيء اليها ويتكبر عليها ويعاملها بغطرسة وعنجهية، تماماً كما تعاملها القوى المعادية لها. ان الطلائع الثورية لا يمكن لها ان تحقق أية مكتسبات على طريق الثورة، الا اذا استطاعت ان تكسب الجماهير الى جانبها.. ولن يتم هذا لسواد عيون الطليعة وعبقريتها.. وانما بالاحترام المتبادل بين الجماهير وهذه الطليعة.
مهمة هذه هي تعميق احترامها للجماهير يتعمق احترام الجماهير لها.. واخطر ما يمكن ان يقصم عرى التلاحم بين الطليعة وجماهيرها هو شعور الجماهير، بأن هذه الفئة لا تختلف عن الفئة التي ثارت ضدها، والتي تتحكم في الجماهير.. وتغرر بها وتستغفلها وتخدعها لتظل جاثمة على صدرها. وحيث ان المبادرة العملية لتعميق الاحترام المتبادل تقع في يد الطليعة، لان الجماهير تظل محكومة لردود فعل ممارسة الطليعة تجاهها، فان الطليعة هي التي تتحمل أولا وآخرا نتيجة علاقتها بالجماهير.
ان تذبذب العلاقة بين الطليعة والجماهير بالاحترام الواضح حينا والاحتقار والازدراء حينا آخر، يعبر عن انفصام في عقلية ما يسمى بالطليعة. فمن الذين يقفزون الى مراتب المسؤولية نوعيات تتحدث عن الجماهير وعظمتها وفعاليتها حينا.. وعن جهلها.. وغبائها حينا آخر.. وهي تمارس عزلتها الكاملة عن الجماهير، عندما تحقق انتصارا عسكرياً أو سياسياً، وترجع اسباب هذا الانتصار الى قدرتها الذاتية. ان الجماهير لا يمكن ان تحترم الذين يحتقرونها مهما كانت الانتصارات التي تحققت على أيديهم.. ولكن الحقيقة التاريخية تؤكد، ان الذين يحتقرون الجماهير لا يمكن ان يحققوا أي انتصار حقيقي.. ان الانتصارات الخادعة هي التي تكشف نوعية الافراد في الحركة الطليعية.. وتفرز المناضلين الحقيقيين من الانتهازيين والمتسلقين.. وذلك من خلال الموقف الذي يتخذه الفرد من الجماهير.. ومن اتجاه حركة الاحترام المتبادل معها.
ان قاعدة احترام الجماهير تحتم على الثوري ان يعبر عن احترامه للجماهير بالممارسات اليومية. فهو مطالب باحترام تقاليد الجماهير وعاداتها والاستماع الى آرائها والاخذ بها.
والثوري لا يفرض آرائه على الجماهير اذا ما تعارضت مع المفاهيم السائدة قبل ان يمهد لها بنضال طويل وشاق.. والجماهير الحساسة تجاه معتقداتها وتراثها بحاجة الى مناضلين يدركون هذه الحساسية ودرجتها ويقيمون مع الجماهير علاقة من الاحترام العميق، الذي يسهل لهم مهماتهم الثورية مهما صعبت.
2- الاعتماد على الجماهير :
يعرف كل مناضل حقيقي انه يثور من اجل الجماهير، وانه لا يستطيع ان يحقق للجماهير طموحها دون ان يجعلها تتحمل المسؤولية الاساسية في النضال. ان العضو في الحركة الثورية يرى نفسه باستمرار مرتبطا بالجماهير مشدودا لها، غير قادر على التحرك وانجاز المهمات بدونها، مما يجعله يرى دائما ان الجماهير هي التي تصنع الثورة، وان الطليعة التي تفجرها تقوم عمليا بتحريك الجماهير وايقاظها وارشادها طريق الثورة.. اما التصعيد الثوري.. والمهمات العظيمة للثورة، فانها من صناعة الجماهير.. وان نجاح الطليعة يقاس في كل مرحلة من مراحل الثورة بمدى استقطابها وتلاحمها وتفاعلها مع الجماهير، ومدى التفاف الجماهير حولها وتبنيها للقضية الشعبية، التي تبرزها الطليعة.. ان الحركات الثورية في العالم، والتي تناضل من اجل التحرر الوطني خاصة، ملزمة باستخدام حرب الشعب طريقا وحيدا لطرد العدو وتحرير الوطن.. وحرب الشعب هذه لا يمكن لها ان تتجسد الا بالشعب. فهي ليست اسلوبا تقنيا خاصا. وانما هي تحرك لكل فئات الشعب، واذا لم تعتمد الطلائع الثورية على الجماهير، فكيف ستكون قادرة على الارتقاء بنضالها الى مستوى حرب الشعب ؟.. ولهذا فان الاعتماد على الجماهير كقاعدة اساسية من قواعد السلوك الثوري، تحتم على العضو في الحركة الثورية ان يعطي كل جهده لاعداد هذه الجماهير ورفع مستواها النضالي، حتى يصبح اعتماده عليها اعتمادا على قوة قادرة على انجاز المهام المطلوبة بقدرة وفعالية.
فمن الجماهير ينمو جيش الشعب، ومنها تنبع قوات الميليشيا الشعبية، ومن الجماهير تتحرك فصائل الدعاية المسلحة ومجموعات الانقاذ والامداد. والاسعاف والحماية ومن الجماهير تنطلق مجموعات الاعلام والهداية وكوادر التثقيف والتوعية الحركية.. ان الفرق بين الحركة التي تعتمد اساسا على الجماهير وخط الجماهير وتبني تنظيما جماهيريا، وبين الحركة التي تعتمد على بناء التنظيم الانتقائي تنظيم النخبة، هو ان الأولى تصنع ثورة شعبية حقيقية.. والثانية تهدف في احسن حالاتها لتصنع انقلابا. ومراحل التحرر الوطني لا تنجز مهماتها بالانقلاب، وانما بالثورة الشعبية المسلحة التي تعتمد اساسا على الجماهير.
3- تعبئة الجماهير :
لكي يكون الاعتماد على الجماهير حقيقيا وليس شكليا، فان اعضاء الحركة الثورية مطالبون بالعمل في صفوف الجماهير لرفع قدراتها وكفاءاتها السياسية والعسكرية، حتى تستطيع ان تسترشد في نضالها اليومي بالخط السياسي والخط التنظيمي والخط العسكري للحركة.. ان التنظيم الثوري لا يستطيع ان يستقطب كل افراد الشعب، ولذلك فانه يعمد الى انشاء التنظيمات الجماهيرية، التي تربط بين افرادها طبيعة المهنة أو السن أو النو ع، مما يجعل لها نضالات مطلبية مشتركة. والمنظمات الجماهيرية تشكل مدخلا للتعبئة السياسية والعسكرية لقطاعات واسعة من الشعب. فالعمال والطلاب والمعلمون.. والشبيبة والفلاحون.. الخ.. لا ينتظمون معا في مرحلة التحرر الوطني من اجل مطالب نقابية محضة، وانما من اجل مبادرات الجماهير الفعالة في كافة المجالات النضالية… ان طبيعة المهمات التي يمكن للمنظمات الجماهيرية القيام بها هي من حيث النوع والكم، مهمات لا تستطيع الثورة ان تحققها بدونها. فالمنظمات الجماهيرية والمؤسسات الشعبية تشكل الركيزة والرابطة للحركات الثورية، الى جانب الركائز التنظيمية والعسكرية والادارية.
واعضاء الحركة الثورية في المنظمات الجماهيرية يتحملون العبء الاكبر في الثورة، حيث انهم يرفدون التنظيم والقوات والميليشيا والمكاتب الحركية بالطاقات والقدرات الخلاقة. وهم الذين يلتحمون بصورة اكثر فعالية مع كافة الجماهير، حيث انهم يعايشون الجماهير يوميا، وهم المطالبون بحل مشاكلهم وتحقيق مطالبهم، الى جانب انهم القيادة المحركة للجماهير، والتي تتحمل جزءاً كبيرا من مهمة التعبئة السياسية والتنظيمية والعسكرية للجماهير.. ان تعبئة الجماهير كقاعدة من قواعد السلوك الثوري، تفرض على اعضاء الحركة الثورية ان يعيشوا مع الجماهير ويعايشوها في كافة افراحها واتراحها، وان يبنوا بينهم وبين الجماهير جسرا من الثقة المطلقة، حتى يصبح افراد الشعب آذانا صاغية لهم، وبذلك تسهل مهمة التعبئة الجماهيرية ويصبح مردودها اكثر ايجابية وفاعلية.
4- الثقة بالجماهير:
ان الجماهير لا تعطي حياتها وكل ما تملكه للطليعة الثورية، الا عندما تتعمق ثقة هذه الطليعة في نفوس الجماهير، ولكن الجماهير، بحاستها المرهفة لا تعطي ثقتها هكذا لكل من اطلق شعارا أو رصاصة. فالجماهير تدرك ان طريق الخلاص لا يأتي الا عن طريقها… الا اذا قامت هي بتحرير نفسها بنفسها بمساعدة الطلائع، التي هي من بين صفوف الجماهير والتي تتميز بانها الاكثر وعيا والاكثر ايمانا بحتمية النصر والاكثر استعدادا للتضحية… ان هذه الصفات في الطليعة هي اساس لكي تكتسب ثقة الجماهير. والطلائع بهذه الصفات، تعمق دائما ثقتها بالجماهير وبقدراتها على العطاء وبامكاناتها اللامتناهية، حيث ان الطلائع، التي تدرك انها بحرب الشعب، تصنع النصر، تثق بقدرة الشعب على التحرك، وعلى صناعة النصر. ويصبح مفهوم السلاح في حربها ضد العدو هو الانسان… العنصر البشري القادر على التصدي لكل التفوقات التكنولوجية والمادية والتعبوية لاعدائه. ان فقدان الثقة بالجماهير وبقدراتها وبامكانياتها، تجعل الافراد في مواقع المسؤولية يشعرون بالعزلة وبالضعف وبعدم القدرة على الاستمرار وانجاز مهمات مرحلة التحرر الوطني. وهذا الشعور يدفع القادة الى الاستسلام لشروط العدو، والاكتفاء باقل منجزات.. والتحول الى اداة قمع للجماهير للمحافظة على مواقعهم.
ان اعداء الحركة الثورية يحاولون بشتى الاساليب نزع ثقة الجماهير من قيادتها، لكي تأخذ هذه القيادات موقفا مشابها من الجماهير، فتنعزل الطلائع عن الشعب. والاعداء باساليبهم المختلفة وشائعاتهم المغرضة وادعاءاتهم الكاذبة، انما يدركون، ان الثقة المتبادلة بين الشعب وطلائعه، هي ضمانة التحام لصفوف واستمرار الثورة.. ولذلك، فان مهمة تعميق الثقة المتبادلة بين الطلائع والجماهير، يجب ان تأخذ اهتماما خاصا من الطلائع، حيث ان عليهم ان يمنحوا الجماهير ثقتهم المطلقة بقدراتها وبامكاناتها، ليس بالالفاظ وانما بالممارسات، التي تتجسد بالعمل الحقيقي على تنظيم وتسليح هذه الجماهير وتكليفها بالمهمات النضالية المختلفة، حتى تتعمق في صفوف الجماهير ثقتها بنفسها وبقياداتها.
5- حب الجماهير:
ان قانون المحبة الذي يربط بين اعضاء الحركة الواحدة يظل جزئي التأثير، حتى تتحول هذه المحبة في قلوب الاعضاء لبعضهم بعضا الى محبة شاملة للجماهير… فاعضاء الحركة الثورية، الذين يضحون بارواحهم في سبيل مصلحة الجماهير واهدافها وطموحاتها، لا يجوز لهم التواني عن تعميق روح المحبة بينهم وبين الجماهير، حتى يضمنوا محبة الجماهير لهم… وعطفها عليهم ودعمها لهم في معترك النضال الوعر. فمحبة الجماهير قاعدة من قواعد السلوك الثوري، وليست لفظا في قصيدة أو جملة في خطاب.. انها تعبر عن ذاتها بالممارسة، التي تشعر الجماهير بها، ان اعضاء الحركة الطليعية يضعون بالممارسة جماهير شعبهم في قلوبهم… فالعضو في الحركة الثورية حين تتعارض راحته مع راحة الجماهير يتنازل عن راحته في سبيل راحة الجماهير، وعندما يلعب مع الاطفال يجعلهم يشعرون بالعطف والحنان الابوي، الذي قد لا يجدونه عند آبائهم وامهاتهم.. والنساء والمسنين عندما يعاملهم عضو الحركة الثورية، يشعرون انهم مع اخ أو ابن يحرص على راحتهم ويغمرهم بالحب والاحترام والعطاء.. انه بالممارسة فقط تنمو المحبة في قلوب الثوار للجماهير، وفي قلوب الجماهير للثوار، ويتميز بذلك الثوار عن اعداء الجماهير، الذين يقتلون الاطفال ويغتصبون النساء ويسيئون للمسنين ويذلون الشعب باسره. ان عضو الحركة، الذي يمارس فعلا على اساس قاعدة المحبة للجماهير تنقي ذاته من كل الامراض، التي تتعارض مع هذه القاعدة فالمحبة للجماهير تقتل الانانية. والغرور والتعالي… والتباهي والذاتية والفردية والعجرفة. وتزرع الى جانب محبة الجماهير الحقد على اعدائها الذين يسيئون لها، فيصبح المناضل جياشا بالحب للوطن والاهل والهدف.. متوقدا بالحقد على كل من تسول له نفسه الاساءة للوطن والاهل أو يقف عقبة في سبيل تحقيق الهدف…
ان حب الجماهير يتناسب طرديا مع كره العدو.. والاستعداد الدائم للنضال.. فكلما تعمقت محبة الجماهير كلما اصبحت دوافع التضحية اقوى.. والايمان بحتمية النصر أكبر والطريق الى النصر أوضح، وبالمحبة تتقوى الحركة الثورية وتلتحم ذاتها بالجماهير لتصنع الثورة.. والنصر.
6- التعلم من الجماهير وتعليمها:
ان الفرد بخبراته الذاتية ومدى اطلاعه النظري مهما عظما، فانه يظل الى جانب الخبرات المكدسة للملايين من جماهير الشعب في حاجة الى التعلم. ولا يستطيع الفرد ان يتمثل حكمة الشعب ومنابع قدراته وابداعه، الا بالتعايش الدائم والدائب، وبالصلة التي لا تنفصم مع الجماهير. فالتجارب الجماهيرية المكدسة والمبعثرة، والتي يستوعب منها افراد الشعب بدرجات متفاوتة عندما تصبح في متناول عضو الحركة الثورية، الذي يمتلك المنهج العلمي السليم في المعرفة، فانه يستطيع ان يستوعب ما تبعثر من هذه التجارب والافكار ومعطياتها، ويعيد ترتيبها وصياغتها، بحيث تصبح اكثر تماسكا ووضوحا عندما يقوم بتعليمها للجماهير.. ان التعلم من الجماهير وخبراتها، ونتائج ممارستها العفوية، تعطي المادة الخام للثائر ليصوغ منها الافكار ودليل العمل اليومي لممارسة الجماهير، مما يجعل نتائج هذه الممارسة اكثر فعالية وايجابية. ولكي يصل العضو الثوري الى درجة القدرة على تعليم الجماهير من نتائج افكارها وعقليتها وآرائها، وكيفية التعامل معها وتفهيمها بشكل عام. ان هذا التفهم للجماهير لا يتم من خلال الاطلاع النظري على التقارير والاستمارات والاحصائيات، وانما من خلال التماس المباشر، حيث يستطيع الثائر ان يتحسس بذاته الصدق من الزيف. والحق من الضلال.. والتجربة الحقيقة من التجربة الزائفة. ولكي يقوم الثائر بالانتقاء الفكري الذي يتناسب مع طموحات الجماهير من جهة، ومع خطوط الحركة الثورية من جهة اخرى، فان عليه ان يقوم بالنقاشات والحوارات الدائمة مع جموع من الجماهير، والاستماع الى مختلف الاراء حول القضايا المعنية، حتى تصبح القناعات متوافقة، وبذلك يكون العضو قد قام بعمليتي التعلم والتعليم في آن واحد.
ان مرحلة التحرر الوطني، التي تعتمد حرب الشعب كأسلوب اساسي لتحقيق النصر، تعتمد على قدرات الشعب الابداعية في مجال حربه ضد عدوه.. ان بعض القوانين العامة لحرب الشعب، هي التي يمكن ان لا تكون معروفة لدى الجماهير.. اما القوانين الخاصة لحرب الشعب، فان الطليعة تستنتجها وتتعلمها دائما من خلال الممارسات اليومية النضالية للجماهير، ومن ابداعها المستمر لخلق الوسائل المختلفة لقتال العدو، ضمن حدود منهجية حرب الشعب وهذا الابداع الذي يكرسه انطلاق مبادرات الجماهير في حربها ضد عدوها، يجعل قوانين الحرب الخاصة في حالة من التطور الدائم، والتي تستطيع الطلائع الثورية تعلمها أولاً، ثم تعليمها للجماهير ثانياً، ومن ثم رفع الكفاءة النضالية لكل فئات الشعب. ان على عضو الحركة الثورية ان يكون دائما متحفزا للتعلم من الجماهير بقدر ما يكون مستعدا لتعليمها.. وهذه قاعدة للمسلكية الثورية تجعل العضو دائم الاستنفار للعطاء الثوري.
7- الالتحام بالجماهير:
ان فعالية الطلائع الثورية تعتمد على مدى قدرتها على التلاحم مع الجماهير كحركة وكأفراد. لانه مهما كانت النظرية الثورية سليمة، فان حالة الانفصام بين حامليها ومنفذيها (الجماهير) تحولها الى حبر على ورق.. ولهذا فان أولى مهمات الطلائع الثورية بعد استنباطها الأولي للنظرية، هي تنمية التنظيم الثوري من اجل مزيد من الاحتكاك والتماس مع الجماهير الشعبية. وكلما ازدادت الانجازات الثورية، كلما توجب ان يزداد التلاحم بين الطليعة والجماهير.. ان بعض الافراد في الحركات الثورية ينظرون الى ذاتهم نظرة استعلاء على الجماهير، ولا يربطون مصيرهم ولا يرون ان مصير الجماهير مربوط بمصيرهم.
هذه العقلية الانفصالية لا يمكن لها ان تقود الجماهير الى النصر. ولهذا فانه يجب ان تكرس المسلكية الثورية، التي تدفع باستمرار الى مزيد من التلاحم بين الطلائع الثورية والجماهير.. والتي تؤكد دائماً، مزيداً من التلاحم في مراحل الانتصارات ومراحل الانتكاسات، حتى تصبح الجماهير هي الثورة.. وهي التي تتحمل اعباء المسيرة بايجابياتها وسلبياتها، مما يجعل الطلائع قادرة على تقييم تجاربها والاستفادة من الاخطاء، وليس الهرب منها والقاء تبعتها على الجماهير.
ان الجماهير لا تلتحم بالحركة الثورية الا عن وعي، بان ما تهدف الحركة لتحقيقه، هو ما تهدف الجماهير اليه.. ان تطابق الطموح الحركي والجماهيري، هو الرباط الصلب، الذي يجعل الجماهير والطليعة ينظران الى الامور نظرة واحدة، ما دامت كل منها تشعر في قرارة نفسها ان الاهداف والتطلعات لكليهما واحدة. وان هذه النظرة هي التي تعطي دفعا من القوة في نفوس الطليعة.. وفي نفوس الجماهير تحولها الى قدرة خارقة لا تقهر وتفجر فيها منابع الابداع الجماهيري المتدفق.. وان أي مسلكية تتنافى مع تأكيد التحام الحركة الثورية بالجماهير هي مسلكية منافية لقواعد السلوك الثوري، ويجب على الاعضاء نقدها ومحاربتها.
8- وحدة الجماهير:
اذا كانت المسلكيات الثورية في المجال الجماهيري قد كرست مفاهيم احترام الجماهير والثقة بها والاعتماد عليها، فان العلاقة بين الفئات المختلفة من الجماهير والتناقضات بين صفوف الشعب تحتاج من الطليعة الثورية ان تكرس مسلكية ثورية تهدف دائما الى جمع الصفوف ووحدة الجماهير الشعبية، حتى يقف الشعب كله صفا متراصا في وجه اعدائه. ويعتمد مفهوم وحدة الجماهير على طبيعة المرحلة الثورية، التي تخوضها الحركة. فعندما يكون التناقض العدائي مع عدو مغتصب، فان حركة التحرر الوطني ملزمة بتجميع كافة صفوف الشعب لانجاز مرحلة التحرر الوطني. وعلى الحركة ان تعالج بصورة صحيحة كافة التناقضات الثانوية بين صفوف الشعب، بعد ان تعزل كل اعدائه من فئات أو افراد ارتبطوا مع العدو.
ان وحدة الجماهير.. هي وحدة الذين يرون مصلحتهم في تحرير الوطن من العدوان والاغتصاب.. واذا كانت هذه المصلحة متفاوتة بين طبقة واخرى فان أي تناقض بين صفوف الشعب يظل ثانوياً، اذا ما قيس بالتناقض مع اعدائه، ولهذا فان عملية وحدة الجماهير وتعميق مفهوم الجبهة الوطنية المتحدة، هو الذي يعزز قدرة الحركة الثورية على انجاز مهامها النضالية.
ان القول بان جزءا من الجماهير هو صاحب الثورة وان الاخرين ليست لهم مصلحة فيها قد يكون صحيحا في مراحل ثورية اخرى. كمرحلة الثورة الاجتماعية.. ولكن دروس التاريخ تؤكد ان الثورة لا يمكن انجازها، الا اذا التحمت كل الجماهير الثورية فيها للتصدي للعدو المغتصب.
ان مسلكية اعضاء الحركة الثورية تجاه الجماهير، يجب ان تنطلق من مبدأ الوحدة الوطنية.. ويجب ان تكون كل ممارسات الاعضاء تاكيدا لهذه الوحدة وتجسيداً لها، حيث ان الجماهير بحاجة الى طليعة تجمعها وتقودها تتعلم منها، وتعلمها.. ان الجماهير ترفض دائما ان يكون لها طليعتان أو ثلاثة… ان الحركات الثورية اذا تعددت في مرحلة التحرر الوطني، فان أولى مهام الحركة الاكثر ثورية والاكثر ارتباطا مع الجماهير.. والاكثر ممارسة حقيقية، هي ان تسعى الى خلق صيغة لتوحيد القوى الطليعية حتى لا تتبعثر ولاءات الجماهير وتتمزق انتماءاتها.. ان الجماهير تعرف بحسها، الغث من السمين، وتعرف الفرق بين الاقوال المتشدقة والالفاظ الطفولية المزايدة، وبين الممارسات الحقيقية، التي تنبع من قضية الجماهير وتسعى لتحقيق اهدافها.. فوحدة الجماهير مطلب اساسي، والمسلكية الثورية هي التي تؤكد هذه الوحدة ضرورة دائمة، حتى يتحقق النصر.
في المجال السياسي
يتطلب العمل في المجالات السياسية قدرات خاصة، يجب ان يتمتع بها اعضاء الحركة الثورية، وحيث ان امتلاك هذه القدرات تتفاوت بين عضو وآخر، فان طبيعة المهمات الثورية، سواء السياسية أو التنظيمية أو العسكرية، يجب ان تتناسب مع قدرات الافراد والذين يكلفون بالمهمات المختلفة، ولكنه يتوجب ان يمتلك كافة اعضاء الحركة الثورية حدا ادنى من الفهم الواعي للنظرية الثورية، حتى لا يقعون في النزعات العسكرية أو التنظيمية المحضة، والتي تفصل بين الخط السياسي والخطوط الثورية الاخرى. ولهذا، فان العضو في الحركة الثورية مطالب بالتزام قواعد المسلكية الثورية في المجال السياسي، حتى يستطيع ان يعبر داخل الحركة وخارجها عن فكرها.. وعن استراتيجيتها وعن اهدافها ومبادئها. وحتى يستطيع ان يعبىء الآخرين ويستقطبهم لعضوية الحركة عن وعي وتفهم.
ان معرفة الخط السياسي السليم للحركة الثورية، والذي يوضح المنطلقات في المرحلة النضالية للثورة الى جانب الاهداف الاستراتيجية والاهداف التكتيكية المرحلية واسلوب ووسائل تحقيق كل منها، هو الذي يعري كل الممارسات المنحرفة يمينا أو يسارا عن الخط السياسي الصحيح.
ان الانحراف اليميني والانحراف اليساري الطفولي، هو خروج عن الالتزام الثوري بنظرية الحركة. ولهذا فان اعضاء الحركة الثورية مطالبون من خلال تمسكهم بقواعد المسلكية الثورية، ان يكشفوا الانحرافات، أياً كان شكلها ومصدرها، ويعملوا على تصحيح الافكار الخاطئة، حتى يظل الخط الثوري الصحيح هو دليل العمل لمجمل اعضاء الحركة.
ان الانحراف اليميني، الذي يقع في خطأ التفريط بالاهداف الاستراتيجية، والخط الصحيح في سبيل تحقيق مكاسب آنية، ينبع في الاصل من فقدان الثقة بالجماهير وبقدرتها على استمرار النضال.
ان الانحرافات اليمينية تكرس داخل الحركة الثورية مجموعة من الامراض، كي تضمن سهولة تحقيقها لاغراضها الذاتية. فهي تعمل على تسيب التنظيم وتكرس فيه ظواهر مرضية،
كالشللية والاستزلام والوظائفية والبيروقراطية الى جانب تكريسها الامراض ذاتها داخل القوات المسلحة، مما يجعلها اداة قمع للجماهير.
ان الانحراف اليميني يحطم خط الجماهير والخط التنظيمي والخط العسكري، وهو عاجلا أو اجلا يحطم الثورة ويقودها الى الاستسلام للعدو، اما الانحراف اليساري الطفولي، الذي يتميز باصوات مجلجلة فاقدة للمنهجية العلمية فيوقعها اسيرة اهوائها وطموحاتها الذاتية ويقذفها في مباريات الجمل الطنانة والمزايدات المفضوحة، ويجعلها تغوص، في تحليلات ابعد ما تكون عن الموضوعية تتركز في جانب واحد من القضية يفرط بكل مكتسباتها الانية في سبيل ما تظنه الفئات الطفولية اليسارية مكاسب استراتيجية. وتكون تحليلات الفئات المنحرفة للقوى المتصارعة مبالغ فيها بالسلب أو الأيجاب، ولا تقوم على أية اسس سليمة من المنطق والمعرفة.
ان الحركة الثورية تحمي نفسها من الانحرافات اليمينية واليسارية الطفولية، بتأكيد الممارسة على اساس مفهوم قواعد المسلكية الثورية في كافة المجالات، وخصوصا في المجال السياسي..
ويتطلب هذا المجال التمسك بالقواعد التالية :
الوعي والمعرفة :
ان الانسان الذي يضع على عاتقه التصدي لتغيير الواقع، الذي يراه كما تراه الجماهير فاسدا.. مطالب بان يتعرف على هذا الواقع بالتفصيل، حتى يستطيع ان يفهم أين يقف.. ومن معه ومن ضده… ان أولى متطلبات النظرية السياسية هو معرفتها… والذين يريدون العمل في هذا المجال عليهم ان يعرفوا جيدا كل مكونات وركائز النظرية، الثورية حتى يصبح دليل العمل لممارستهم واضحاً، وحتى يستطيعوا اغناء هذا الدليل بنتائج الممارسة.
ان المعرفة فضيلة… والجهل رذيلة، وفي العمل السياسي يكون الجهل مصيبة تجر على الحركة الثورية الدمار والخيبة…
والمعرفة الواعية بالنظرية الثورية التي ترقى الى درجة القناعة، هي القاعدة التي تتطلبها المسلكية الثورية، اما المعرفة السطحية.. وترديد العبارات الثورية عن ظهر غيب، دونما تفهم حقيقي واع لكيف وعلى أي اسس انبثقت النظرية.. وكيف.. ستتحقق الاهداف.
… ان هذه المعرفة السطحية ليست سوى مظهر من مظاهر الجهل المخادع. والذي تكشفه الممارسات الثورية أولا بأول.
ان الالتزام الواعي بالنظرية الثورية لا يتأتى الا بمعرفتها الحقيقية والموضوعية، ولكننا لا نفترض ان هذه المعرفة وهذا الوعي يتم دفعة واحدة. لان النظرية بتعقيداتها تفرض ذاتها على اعضاء الحركات الثورية خلال مرحلة طويلة من الممارسة، وعند ذلك يصبح تبني النظرية مبنيا على اسس علمية مسندة بالبراهين والاثباتات التي تؤكد صحتها، ويصبح تبنيها عن قناعة وقدرة على الاقناع وليس بموقف معاند مشاكس. لان الموقف الأول هو الذي يغني النظرية بالتزام الاخرين بالاقتناع بها. والموقف الاخر ينفر الاخرين منها.
كما وان المعرفة الواعية بالنظرية، هي التي تجعل العضو قادرا على النقد للممارسات الخاطئة، التي تتعارض مع مفهوم الخط السياسي.. والمعرفة الواعية تقدم نقدا واعياً وبناء. اما المعرفة السطحية فانها اعجز من ان تقوم بعملية النقد البناء، وانها قد تضطرب في تشكيل مفهومها عن الممارسات، فتقع في الانحرافات، أو تخطىء في تصنيف الظواهر سلبياً وأيجابياً، مما يكرس في الحركة الثورية مفاهيم احادية الجانب، أو ضيقة الافق، فتحرم النظرية من التطور وتقع اسيرة التحجر الفكري.
2- المنهجية :
ان الممارسة السياسية بمنهجية تختلف عن المنهجية التي استنبطت على اساسها النظرية الثورية، تقود حتما الى التخبط والاخطاء والوقوع في السلبيات القاتلة، فالمنهج هو الذي يحكم طبيعة التفكير لكافة ابناء الحركة الثورية الواحدة، وبهذا يكون افراد هذه الحركة قادرين على مواجهة نفس المشاكل السياسية، بنفس المواقف مهما تباعدت المسافات بينهم، لانهم يمتلكون منهجا واحدا للتحليل.
وان تعميق مفهوم الخطوط السياسية للحركة الواحدة عند افرادها، يجعلهم يواجهون القضايا الجماهيرية السياسية والتنظيمية والعسكرية بعقلية واحدة. ان غياب المنهج العلمي للتحليل ولاتخاذ المواقف اللازمة، يلقي باعضاء الحركة الثورية في احضان المناهج الفكرية المختلفة والمتعارضة مع المنهج العلمي.. الذي يتميز عن غيره باعتماد الانسان وقدراته اداة اساسية لتحقيق الاهداف، ضمن الشروط التي تفرضها النواميس والقوانين الطبيعية، ان غياب المنهج الصحيح من حياة الحركة الثورية اليومية يوقعها في احضان المنهج الشكلي أو الليبرالي . فتصبح نظرة ابناء الحركة الواحدة للقضية مختلفة باختلاف الزاوية التي ينظر كل عضو منها الى القضية، فتتعارض بذلك اساليب التصدي للقضايا الجماهيرية والسياسية والتنظيمية والعسكرية.. ان غياب المنهج الواحد للحركة الواحدة، يعني عمليا غياب النظرية الثورية.. وبالتالي غياب الحركة الثورية نفسها، لانه ليس المهم ان تمتلك نظرية ثورية صحيحة، وانما الاهم ان تمارس على اساسها، وبما ان الحركة الثورية تكون لها نظرية ثورية واحدة، فان الممارسة يجب ان تنبع من وحدة النظرية وبالتالي وحدة المنهج.
ان تعدد المناهج في الحركة الواحدة يحولها الى كم عفوي متراكم من الايجابيات، التي تلغيها السلبيات. ويصبح واقعها كالحوار الذي يدور بين افراد لا يفقه أي منهم الا اللغة التي يتحدث بها.. وكلهم يتحدثون بلغات مختلفة.. ان واقع حوار الطرشان داخل الحركة الثورية ينميه ويؤكده غياب المنهج الثوري داخل التنظيم الواحد، وان الممارسة الصحيحة.. والنظرية الصحيحة تدفعان الحركة الثورية نحو تحقيق اهدافها، فقط عندما يمتلك اعضاؤها منهجا واحدا للتفكير.
3- الالتزام :
ان الدعائم التي تقوم عليها الحركة الثورية تتكون من القضية، التي تتحمل الحركة مسؤوليتها لصالح الجماهير أولا، والنظرية الثورية المتكاملة التي تشكل دليل عمل الممارسة لتحقيق الاهداف ثانيا، ثم اعضاء التنظيم الثوري الذين يتحملون مسؤولية النضال من اجل انجاح القضية ثالثا… ان الترابط بين هذه الدعائم الثلاث يعتمد اساسا على التفهم الواعي للقضية وللنظرية لدى الاعضاء والتزامهم الكامل والدائم بهما.. ان القضية مهما كانت عادلة دون ان تجد من يلتزم بها ويناضل من اجل تحقيقها، تظل قضية ضائعة.. والنظرية مهما كانت صحيحة ومهما آمن بها وتفمها الافراد، فانها دون التزامهم بتنفيذها، تظل نظرية هائمة.. ولهذا فان الالتزام بالقضية وبنظريتها يضعانهما امام الممارسة في ارض الواقع.
ان المفهوم الثوري للالتزام يعني :
أـ الايمان المطلق بالقضية وباهداف الحركة الثورية والاستعداد الكامل للنضال حتى الموت في سبيلها.
ان الحركة الثورية التي تسعى لتغيير الواقع، بحاجة الى ثوار يضحون بكل شيء في سبيل تحقيق اهداف الثورة، نتيجة أيمانهم المطلق بها… وبعدالتها… وبما تحققه من مصالح للشعب.. ان الأيمان بالقضية من جهة، والاستعداد للموت في سبيلها، يشكلان اساس مفهوم الالتزام الثوري الاصيل.
ب ـ الحرص الدائم على الانسجام الكامل مع النظرية الثورية للحركة والتقيد بخطها السياسي تكتيكيا واستراتيجيا. ان خروج الممارسة عن الخط السياسي للحركة، يعني عمليا خروجاً عن الحركة وانحرافاً عن مواقفها.. ويجب ان يفرق الاعضاء بين الانحراف عن الخط الثوري وبين تطويره واغنائه بالممارسة العملية… ان الانحرافات تنتج عن الممارسات التي تتعارض أو تتناقض مع الاسس والمبادئ التي تقوم عليها الحركة، اما عملية التطوير، فانها تعتمد على تنظير الممارسات اليومية وتحويلها الى دروس تغني النظرية ولكنها لا تنقضها.
ج ـ التقيد التام بقرارات الحركة الثورية والدفاع عن مواقفها… ان الحركة الثورية تعتمد على اعضائها كمدخل اساسي لارتباطها بالجماهير.. وان قرارات الحركة تكون دائما في مصلحة الجماهير، ولذا فان الاعضاء مطالبون بتنفيذ قرارات الحركة… والتقيد بها دون افساح المجال للاجتهادات الشخصية والقرارات والمواقف الذاتية، ان عضو الحركة الملتزم من حقه ان يناقش قرارات الحركة ويوافق أو لا يوافق عليها ضمن الاطر التنظيمية. ولكن عندما تصدر القرارات بالاغلبية، فان على الجميع الموافقون والمعارضون التقيد بها والالتزام بتنفيذها وعدم مهاجمتها أو اظهار التعارض معها خارج الاطر، لان هذا ينمي المواقف الفردية والانشقاقية، التي تضر بالحركة الثورية وتضعف فيها مواقف الالتزام الثوري، كما ان الالتزام يتطلب من كافة المستويات التنظيمية الدفاع عن مواقف الحركة الثورية وتوضيحها وشرح ابعاد المصلحة التي تحملها للجماهير.
4- الشمولية :
يتطلب العمل السياسي من المناضل ان يتميز بسعة الافق والنظرة الشمولية العامة للواقع، حتى يستطيع عند تركيزه على الخصوصيات ان يحدد طبيعة علاقتها وتفاعلها بكافة مكونات القوى، التي تؤثر فيها أو تتأثر بها، مهما كان هذا التأثر والتأثير ضعيفا.. ان النظرة الشمولية للقضايا السياسية ترفع المناضل الثوري الى مستوى من المعرفة بطبيعة الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العالمية وأثرها على القضية السياسية، التي يناضل من اجلها. ان النظرة الضيقة، التي تجعل المناضل يرى ان قضيته الوطنية هي القضية الاساسية، التي يجب ان يتوجه العالم كل العالم معه لحلها، قد تجعله يسقط في النظرة الاضيق التي تجعله يرى القضية الوطنية من خلال نظرته لذاته… فتنقلب على مواقفه السياسية صبغة الانا… ويتميز بنرجسية تجعله يرى مصلحة الثورة من خلال مصلحته وقضية الثورة من خلال قضيته. وتصبح نظرته الى الواقع مرتبطة بما ينجزه شخصيا.. فالانجازات في كافة المجالات ان لم يكن على رأسها، تصبح قابلة للنقد. وللبحث عن الخطأ فيها وما ينجزه هو شخصيا يشكل انجاز الثورة.. وفقدان النظرة الشمولية والوقوع في النظرة الضيقة تجعل المناضل يرى الثورة والتاريخ ظلا له يتحركان اذا تحرك، وينامان اذا نام.. وينتهيان اذا انتهى.. ان تعميق مفهوم النظرة الشمولية ضرورة اساسية للمناضل الثوري، حيث ان قضايا السياسة، التي تتعارض فيها برامج الثورة مع برامج اعدائها، تشترط على المناضل ان يكون على اطلاع كامل، ليس ببرامج الثورة وحلفائها فحسب، وانما ببرامج اعداء الثورة وحلفائهم.. وبطريقة ممارساتهم وتكتيكاتهم السياسية، وكيف ومتى يمكنهم استخدام الاسلوب نفسه ضد الثورة؟ وكيف ومتى يجب التصدي له.
5- الجذرية :
الثورة حتى النصر… هذا هو اساس المسلكية الثورية في المجال السياسي، ان عضو الحركة الثورية يجب ان يفهم بانه مطالب بالقيام بالثورة حتى النهاية.. حتى تحقيق كل الاهداف. وان أية اهداف مرحلية لا يجوز ان تكون على حساب الاهداف الاستراتيجية للثورة…
ان الجذرية تربط بالثورة، مناضلين يتميزون بصفات هي ضمانة لاستمرار الثورة.. ضمانة سيرها في الخط الصحيح مهما صعبت الظروف ومهما تراكمت الانتصارات.. فالمناضل الجذري يرى مصلحة الجماهير وقوتها ويستمر في النضال معها، حتى تخضع لها كل القوى، التي كانت تحاربها.. ان فقدان الجذرية في النضال السياسي تدفع الى الانحرافات، التي قد تسلم بسهولة تصل الى درجة الاتفاقات مع العدو الاساسي.
ان تعبئة الجماهير… ومناضلي الحركة الثورية في اتجاه الثورة الجذرية الثورة حتى النصر، يجب ان لا يتعارض مع تعبئة الجماهير والمناضلين للتحفز لتحقيق الانتصارات المرحلية.. ان المهمة التي يمكن ان يكلف بها أي عضو في الحركة الثورية، تكون لها اهداف محدودة.. ولكنه يتفانى في سبيل تحقيقها، فقط اذا كانت الاهداف التي تحققها العملية أو المهمة هي في خدمة الهدف الاكبر وتشكل جزءا منه… فالانتصار الكبير هو مجموع الانتصارات الصغيرة.. والثورة حتى النصر هي مجموع المهمات الناجحة التي يتراكم عطاؤها، فتحول قوة العدو الى ضعف، وتجعل الثورة في وضع يفرض شروطها على العدو وتجعله يستسلم لها.
هذا هو مفهوم الثورة الجذرية.. وهو الى جانب التفاني في القيام بالمهمات الصغيرة على طريق الانجاز الاكبر، فانه يتطلب عدم التصدي للمهمات الكبيرة قبل الاستعداد لها. فالثورة تستمر اذا استمر تواجد كوادرها واعضاءها… اما اذا وقعت الثورة في مأزق المقامرة.. فخسرت كوادرها.. واعضاءها، فانها قد تصاب بنكسات تمزق نظريتها.. ولذلك فان خطورة الانحرافات اليسارية التي تغفل دراسة الواقع جيدا.. ولا تتعمق في حسابات القوى الذاتية والموضوعية للثورة ولاعدائها، قد تجر الثورة الى كوارث نهايتها.. فالمهمات المطلوبة مرحليا يجب ان تكون واضحة للجماهير، يناضلون من اجلها نضالا يومياً، شريطة ان يكون هذا النضال واضحا للجماهير أيضاً، بانه خطوات على طريق اهدافها الاساسية، طريق الثورة حتى النصر.
6- الجدية :
ان فعالية الحركة الثورية وسرعتها في انجاز مهماتها على طريق الثورة، تتطلب من كافة أعضائها التوجه للعمل بروح جادة تعطي الامور حق قدرها وتضعها في نصابها دون اهمال أو لامبالاة، بأن المسلكية الثورية الجادة تدفع المناضل الى وضع كل امكانياته في خدمة الثورة وخدمة الجماهير، وتجعله يتوجه بنضاله للقضأيا الصغيرة بنفس الروح التي يتوجه بها للقضأيا الاساسية، مع اعطاء كل قضية حجمها الطبيعي من الجهد والوقت والامكانيات الضرورية. ان المناضل الجاد يرى ان عليه واجبات تجاه نفسه يجب ان ينجزها.. فهو دائم التعلم.. والتثقيف لذاته، ودائم الرفع من مستوى وعيه.. الى جانب الجدية التي يتوجه بها تجاه تنظيمه وتجاه الجماهير… وهو يعالج القضأيا السياسية بروح المتمكن من حلها والواثق من قدرته على تحقيق اهدافه، والمناضل الجاد يسعى دائما.. وعبر نضالاته المستمرة، الى تعميق روح الانتماء والارتباط المصيري بالثورة… فهو يرى انه موجود لان الثورة موجودة.. وان بقاءه ومصلحته مرهونان باستمرار الثورة وبانتصارها وبقدرتها على تحقيق مصالح الجماهير. والجدية تفرض على المناضل ان يكون جادا في اقواله، فلا يخلط المزح والهزل بالجد… ولا يأخذ مواقف اللامبالاة من اقوال غيره والتي تكون في غير موضعها… كما ان على المناضل ان يكون جادا في افعاله وممارساته وفي طبيعة العلاقات التي تربطه باعضاء الحركة الثورية أو بانصارها أو بالجماهير… وهو مطالب ان يحارب وبدون هوادة، كل مظاهر الاستهتار التي قد تبرز بممارسة غيره، من الاعضاء.
ان تعميق المسلكية الجادة لدى المناضلين، هو تعميق للثورة في صفوف الجماهير.. وللثقة المتبادلة بين اعضاء الثورة انفسهم. وفقدان هذه المسلكية هو تغييب للروح الثورية من العمل النضالي، مما يوقع العمل الثوري في افخاخ المزاجية الفردية، التي تقوم بالمهمات حسب اهوائها وتعالج القضايا وتطرحها حسب الحالة النفسية الشخصية التي تمر بها.. فهي متحمسة حينا ولا مبالية احيانا.. مما يفقد المناضل الثوري صفة الثائر القدوة للجماهير..
7- الوضوح :
ان ما يميز النظرية الثورية الصحيحة، هو وضوحها وقدرة استيعاب الجماهير لها دونما لبس أو غموض.. وان بساطة النظرية الثورية تتطلب من المناضلين ان يجعلوها مدخلا لعلاقاتهم بالجماهير.. ولذلك، فان أعضاء الحركة الثورية يوضحون الواقع السياسي للجماهير ببساطة تتفق وقدرة الجماهير على التقبل. ان الوقوع في امراض الاستعراضية الكلامية واستخدام الكلمات والعبارت الثورية البعيدة عن واقع الجماهير وغير المفهومة لها سياسياً، تعبر عن أوضاع ليست موجودة لدى الجماهير أو غير مالوفة لها أو خارجة عن نطاق قاموسها اللغوي يعقد مفهوم الثورة لدى الجماهير، ان مخاطبة الجماهير باللغة التي تفهمها، هو اساس لتعميق مفهوم الحركة السياسي لدى الجماهير..
وان التركيز على واقع الجماهير والانطلاق منه بالامثلة الحية المالوفة، يعمق مفهوم الثورة لدى الجماهير..
ولهذا، فان اعضاء الحركة الثورية مطالبون دائما بالتعبير عن منطلقات الثورة واساليبها واهدافها بصورة واضحة وغير منفرة. كما وان عليهم الابتعاد عن الخوض في التعقيدات النظرية لغة وفكراً، حتى يضمنوا الروابط التي تشدهم للجماهير. ان نضال الحركة الثورية السياسي وارتباطه بالواقع القومي أو الاممي، يجعل من الضروري أيضاً، ان يسود الوضوح طبيعة علاقة الثورة باصدقائها.. ان تعميق الثقة بين المعسكر الواحد.. ينبع من المعرفة الواضحة للدوافع التي تتحكم بالمواقف السياسية لاطراف المعسكر.. ولهذا، فان على المناضل ان يجعل علاقة الثورة ومصلحة حلفائها، والذي يعتمد على نوعية الحلفاء.. وشروط التحالف معهم والمدى الزمني والمكاني الذي يحكم طبيعة التحالف.
8- الصراحة :
عندما تكون اهداف الثورة واضحة، وقضيتها عادلة.. فان على المناضل في الحركة الثورية ان يناضل في المجال السياسي ويطرح آراء الحركة بصراحة.. ودون سرية مواربة أو لف ودوران.
ان افكار الحركة الثورية ليست سرية المحتوى، فهي ملك للجماهير، ويجب ان يطلعوا عليها، ويجب ان تعرف الجماهير حقيقة الواقع السياسي كاملة… وان القول بأن الحقيقة كل الحقيقة للجماهير، يجب ان لا يدفع الاعضاء الى طرح قضأيا تتعلق بأمن الثورة، فالصراحة في المواقف السياسية هي ضد الثرثرة في القضأيا الامنية.. ولهذا يجب التفريق بين الحالتين..
ان تنمية علاقة الثورة مع القوى التي تناضل الى جانبها، يجب ان تتسم الى جانب الوضوح بالصراحة، وان يوضع اصدقاء الثورة في صورة الواقع الذي تناضل فيه، حتى تستطيع الثورة ان تحصل بعلاقتها مع حلفائها على كل احتياجاتها الممكنة. والصراحة التي يجب ان يعامل بها اعضاء الحركة الثورية الجماهير، مرتبطة بصدق الطرح… لانه اذا كان عدم اطلاع الجماهير على حقيقة الموقف السياسي بصراحة، يعتبر مسلكا غير ثوري… فان اطلاع الجماهير على موقف سياسي غير حقيقي.. يهدف الى تضليل الجماهير وانتهاز عدم معرفتها للحقيقة هو انحراف عن خط الثورة… ولهذا، فان على المناضلين الثوريين ان يعمقوا روح الصراحة في علاقاتهم السياسية مع الجماهير ومع كافة القوى التي تدعم الثورة وتناضل الى جانبها.
9- التطور :
ان ضرورة النظرية الثورية للحركة الثورية مرتبطة اساسا مع ضرورة الحركة للنظرية الثورية.. والحركة هنا تعني ديناميكية العلاقة بين النظرية والممارسة، بحيث لا تصبح مقولات النظرية نواميس مقدسة، وانما تظل فرضيات تثبت الممارسة تأكيدها وتطويرها واغناءها.. ومفهوم النظرية في العلوم الاجتماعية يختلف عنه في العلوم الطبيعية، حيث ان اكتشاف القوانين والنواميس التي تضبط حركة الاشياء وان لم تكشف بكاملها بعد، فالعلم قد قطع اشواطا بعيدة في سيطرته على معرفة الواقع الطبيعي.. ولكن العلوم الاجتماعية.. بالرغم من خضوعها لمجمل القوانين الطبيعية، الا ان واقعها يتطور باستمرار مطرد ليؤكد، ان امام الانسانية مجالات شاسعة لم تكتشف بعد، وان تطور النظريات الاجتماعية يخلق ظروفا جديدة تدفع الى تطور جديد. ولهذا، فان عضو الحركة الثورية مطالب بان يكون منفتحا على العالم.. قادرا على تفهم التطور الاجتماعي والاقتصادي، وان انجازات الحركة الثورية بنضالها على طريق الهدف الاساسي يخلق معطيات جديدة تفرض النظرية الثورية تحليلها واغناء النظرية بها، حتى لا تصبح المسيرة الثورية قفزة الى الامام وقفزات الى الخلف، ان ضرورة تطوير النظرية تنبع من ضرورة الممارسة، التي بتغييرها للواقع مهما كان التغير ضئيلاً، فانها تعطي آفاقا جديدة للنضال وتدخل في حساب العمل معطيات جديدة لا ينكر تأثيرها على ممارسة المستقبل، الا كل ذي فكر جامد متحجر. ان المسلكية الثورية المتطورة تجعل من واجب العضو ان يحارب وبشدة كل النزعات الى التحجر والجمود الفكري، لان اصحاب هذه النزعة يقفون حائلا دون انجاز الثورة لمهماتها، ويعيشون على امجاد الانجازات الأولى، أو الافكار التي انطلقت على اساسها الثورة.. وهذه النزعة لا تدفع الثورة الى الامام، وانما تكون سببا في النكوص بها وتحجرها وفشلها.
ان الجمود العقائدي في الثورة يحرمها من الميكانيكية والفعالية، التي يجب ان يتصف بها العمل الثوري، ويوقعها في احضان الركود والانعزال عن الواقع، الذي يفترض به ان يشكل دائما نقطة انطلاق جديدة على طريق النضال.. ان التطور لا يمكن ان يتم الا باستمرار الصراع بين القوى المتعارضة.. وقوى الثورة تتصدر دائما بمنجزاتها وبتعلمها فن انتصاراتها وانتكاساتها على حد سواء.
1.- الموضوعية :
اذا كانت الحركة الثورية تملك حرية وضع برنامجها لتحقيق اهدافها. واذا كان بامكانها اختيار الشكل الذي يريده للنضال وتطوير قواها الذاتية، فانها لا تملك وضع البرنامج المعادي للثورة، ولا تتحكم فيه مباشرة.. وان الحركة الثورية تواجه دائما ظروفا موضوعية خارجة على ارادتها. ان من مهمة الثائر ان يكون موضوعيا في نظرته الى الواقع، فلا يرى القوى الذاتية للحركة فحسب، وتكون حساباته على اساس انه يملك القوة لتغيير العالم.. وفي نفس الوقت، فانه لا يجوز ان يرى قوة اعداء الثورة فقط، وبذلك يستسلم للاعداء. ان الثائر الموضوعي، هو الذي يحسب القوى على حقيقتها ويعمل جاهدا لاختيار الاساليب الاكثر ملاءمة، حتى تصبح محصلة صراع القوى الى صالح الثورة. ان الظروف الموضوعية ومعرفتها والنضال على اساس اعتبارها في المجال السياسي والعسكري، تفرض على الثائر ان يكتشف الاساليب والطرق، التي بواسطتها يستطيعون ان يتغلبوا على هذه الظروف وان يخلق ظروفاً موضوعية جديدة تشكل مناخا اكثر ملاءمة لمسيرة الثورة. ان معرفة الثائر بالمبادئ الاساسية لمفهوم النضال، تجعله لا يستسلم لاصعب الظروف التي تفرضها عليه الأوضاع الموضوعية. وانه باعتماده دائما على تطوير وتقوية موقفه الذاتي وسلامة الجبهة الداخلية للحركة، يستطيع ان يتصدى لاعتى المؤامرات واصعب الظروف، وكلما حققت الثورة انتصارا في الواقع الذاتي أو الموضوعي فانها تحقق خطوة جديدة على طريق النصر النهائي.
ان النظرة الاحادية الجانب توقع المناضلين في اخطاء ونتائج قاتلة، حيث انها لا تفقدهم جزءا اساسيا من قواهم فحسب، وانما تعرضهم الى تلقي ضربات من جهات لم يحسبوا حسابها. ولذلك، فان اسس النضال تتطلب ان تدرس القضايا السياسية من كافة جوانبها، وان تعرف كافة ابعادها، حتى لا تصبح النظرة الذاتية هي التي تقود الحركة الثورية بديلا عن النظرة الموضوعية الشاملة.. والتي هي الضمان الاساسي لاستخدام المنهجية السليمة في التفكير، والتحليل واتخاذ المواقف.
*(1) نقاط الاهتمام الثماني: 1ـ تحدث بأدب 2ـ ادفع ثمنا لما تشتريه 3ـ اعد كل ما تستعيره 4ـ ادفع تعويضا عما تتلفه 5ـ لا تضرب الناس وتشتمهم 6ـ لا تتلف المحاصيل 7ـ لا ترفع الكلفة بلا مبرر مع النساء 8ـ لا تسء معاملة الاسرى.
*2ـ قواعد السلوك ال 21:
1ـ ان لا تاخذ ابرة ولا خيطا من الشعب.
2ـ عندما يكون لك تجارة مع الشعب فيجب ان تكون عادلا وان تدفع نقدا.
3ـ عندما تريد اقتراض شيء عليك ان تطلبه أولا وان ترجعه بعد ان تنتهي من استعماله، واذا حدث له تلف فعليك ان تدفع تعويضا عنه.
4 ـ عندما تنزل في بيت من بيوت الشعب فلا تزعجهم وعليك ان تبقي البيت نظيفا ومرتبا.
5 ـ لتطبيق السياسة الوطنية الخاصة بالاقليات بصورة صحيحة، يجب ان تحترم حرية العقيدة عند الجماهير وان تحترم عاداتهم وتقاليدهم.
6ـ احترم كبار السن واحب الاطفال وكن متحدا مع الشباب ومستقيما مع النساء.
7ـ لا تهدد الشعب ولا تشتمهم ولا تضربهم.
8 ـ عليك ان تحمي ارواح وممتلكات الناس وممتلكات التعاونيات وممتلكات الدولة.
9ـ ان تتحد مع الشباب وتحترم وتدعم جميع الادارات والهيئات العسكرية والمدنية والحزبية.
1.ـ ان تكون مثالا في تنفيذ سياسة وقوانين الدولة.
11ـ ان تكون نشيطا في عمل الدعاوي وفي عمل التعبئة وفي مساعدة الجماهير بتطبيق الخط السياسي للحزب والدولة وسياستها.
ان تحافظ على السرية وان تعبىء الناس للمحافظة على اسرار الدولة.
قواعد المسلكية الثورية في المجال التنظيمي
ان اكتساب الحركة الثورية لصفة الطليعة وممارساتها على هذا الاساس، يتطلب منها ان تكون واعية للواقع السياسي وقوانين التطور الاجتماعي أولاً، وان تكون منظمة مترابطة صلبة البناء والتكوين يشد اعضاؤها بعضهم بعضا بوثائق من المبادئ والمفاهيم الثورية ثانيا. ان اهمية التنظيم في الحركات الثورية ليست بحاجة الى توضيح. ولكننا يجب ان نركز على المفهوم الحقيقي لمعنى التنظيم الثوري… ان مواجهة القوى المعادية للجماهير، والتي تستغلها.. وتغتصب حقوقها، تتطلب من طليعة الجماهير ان تكون رأس الحربة الحديدي المتماسك، القادر على توجيه الضربات المؤلمة لاعداء الثورة. ان متانة الروابط التنظيمية بين اعضاء الحركة تضمن صلابة التنظيم من جهة وصلابة ارتباطه مع الجماهير من جهة اخرى.. فبناء التنظيم يعتمد على اسس وقواعد يتطلب التمسك بها ويصبح تجاهلها وعدم الالتزام بها انحرافا عن الخط التنظيمي الثوري وتدميرا للحركة الثورية بكاملها.. ان اهمية الحركة الثورية لا تتوقف على عدد اعضائها، وانما على درجة التنظيم والترابط بينهم أولا.. وعلى قدراتهم الذاتية وطليعتهم ووعيهم ثانيا. وعلى تمثيلهم لخط الجماهير وقيادتهم لها ثالثا. ان البناء التنظيمي على الاسس والقواعد التنظيمية والتمسك بها، يضاعف قوة التجميع العفوي عشرات المرات، حيث انه يعطي للمجموعة ارادة موحدة تحولها الطليعة ارادة للمجتمع الثوري بكامله. ولهذا، فان الطاقة الاساسية الفاعلة والموجهة لكافة القوى الثورية تتمثل بالتنظيم الثوري الذي تزداد طليعته بازدياد صلابته ومتانة بنيانه الداخلي.
ان امكانية التلاحم الحقيقي بين الحركة الثورية والجماهير، لا تتحقق الا بخلق التلاحم الذاتي للحركة الثورية، وعلى أسس سليمة وذلك بالتمسك الدائم بالنظام الداخلي، الذي يحدد قواعد المسلكية الثورية للاعضاء وطبيعة العلاقات في اشكال التنظيم المختلفة نتيجة الظروف والمهمات المتغيرة. ان التمسك بقواعد المسلكية الثورية في المجال التنظيمي، يضمن للحركة الثورية حياة داخلية صحية ونموا تنظيميا سليما وتنفيذا صحيحا لكافة المهمات.. وحيث ان الانظمة الداخلية للحركات الثورية تعطي اهتماما خاصا للقواعد الاساسية للتنظيم، فان مجمل حياة الحركة الثورية يرتبط بأساسيات النظام الداخلي وبكافة الفرعيات والتفصيلات، التي تتضمنها اللوائح التنظيمية الملحقة بالنظام الداخلي.. ان اعضاء الحركة الثورية بالتزامهم بقواعد المسلكية الثورية، فانهم يحافظون على كافة الخطوط الثورية للحركة في المجالات المختلفة، ويطورون بمبادراتهم وفعالياتهم قواعد التنظيم، وذلك بتصديهم الدائم لكل انواع الامراض المستفحلة في المجتمع، والتي يحاول اعداء الثورة تسريبها الى صفوف التنظيم الثوري. ولهذا، فان التمسك الدائم بقواعد المسلكية الثورية، التي تحكم طبيعة العلاقة بين اعضاء التنظيم الثوري، يشكل الاسمنت الذي يشد لبنات الهرم التنظيمي بعضها الى بعض. وتلعب هذه القواعد دور القوانين العامة في المجتمع، وان كانت تفوقها اهمية، لان الاعضاء يرتبطون بالتنظيم باختيارهم، وهم بذلك يوافقون على ان يخضعوا للقوانين والقواعد التنظيمية بمحض ارادتهم.
ان اعداء الجماهير يعملون جاهدين لفصم العلاقة التي تربط الجماهير بطليعتها الثورية، ويستخدمون شتى الوسائل والاساليب لعزل الثورة عن الشعب. ويدرك اعداء الثورة اهمية تحقيقهم لهذا الهدف. ولكنهم يدركون أيضا انه ليس من السهل ان يتم عزل الحركة الثورية عن الجماهير، ما دامت الحركة الثورية بخطوطها الواضحة تجسد طموح الجماهير وغاياتها. ولهذا، فان القوى المعادية تركز على ضرب التنظيم الثوري في الصميم، وذلك بان تحاول احداث شروخ وامراض تتفشى داخل التنظيم، فتجعل ممارسات اعضائه اليومية منفرة للجماهير ومتناقضة مع مصالحها واهدافها ومنحرفة عن قواعد المسلكية الثورية في المجال الجماهيري والتنظيمي على حد سواء.
ان خطورة غياب الالتزام بقواعد المسلكية الثورية، يشل قدرة الحركة جماهيرياً وسياسياً، ويجعلها اعجز من ان تؤدي مهماتها القتالية .. ومع غياب هذا الالتزام، تتأصل في الحركة الثورية امراضا تكفي لانهائها أو لالهائها في الصراعات الداخلية، مما يجعلها تصبح ابعد ما تكون عن السير نحو الهدف الذي انطلقت من اجله. ولهذا، فان الالتزام بالنظام الداخلي واللوائح التنظيمية وما تتضمنه من قواعد للتنظيم، يشكل الضمانة الحقيقية لاستمرار الثورة حتى النصر. وقواعد المسلكية الثورية في المجال التنظيمي كثيرة، ولكنها تشكل بمجملها السد، الذي يحمي الحركة من تسرب امراض المجتمع. ومعظم هذه القواعد يشكل الضمانات السلمية للعلاقات التنظيمية، وبعضها يشكل الصفات الاساسية، التي يجب ان تتوفر في العضو الحركي، ليكون قادرا على تحقيق القواعد الاساسية. وتوضيح هذه القواعد وشرحها ليس الهدف منه معرفتها، وانما العمل على تطبيقها. ان معرفة هذه القواعد يساعد الحركة الثورية على تصحيح الممارسات المتناقضة لها، وذلك عن طريق النقد والنقد الذاتي، الذي يجب ان ينصب وبلا هوادة ليحارب كل انحراف أو اهمال لقواعد المسلكية الثورية. وفيما يلي عرض لاهم قواعد المسلكية الثورية في المجال التنظيمي:
الانتماء :
ان دور التنظيم الثوري هو خلق روابط جديدة توثق العلاقات بين الافراد وتجعلهم يشعرون بان انتماءهم للحركة الثورية يشكل المبرر الاساسي لوجودهم.
ان تعزيز هذا الانتماء يقوي ويمتن الروابط بين الاعضاء والحركة الثورية روحيا.. ومادياً، كما انه يمتن الروابط بين الاعضاء بعضهم بعضا، مما يرفع بالعلاقات التنظيمية لان تحل محل العلاقات الاجتماعية أو علاقات القرابة الاخرى. ان الانتماء والروابط المتوارثة لا تتناسب في قوة ارتباط المرء بها مع الانتماء والروابط المختارة، حيث في الحركة الثورية يلتقي الافراد على طريق الثورة، يجمعهم منطلق واحد.. وهدف واحد، ويمارسون اسلوبا محددا للكفاح يخلط بين امانيهم ودماءهم وعرقهم وجهدهم.. ان هذه الروابط المتينة، التي يؤكدها الانتماء الثوري للحركة، تجعل العضو يشعر بانه جزء من كل. وانه شريك في الثورة.. شريك في الهدف الجماعي، الذي لا يتحقق الا بالنضال المشترك لكافة الاعضاء.
ان شعور الانسان بالضياع.. وباللاانتماء يجعله هامشيا لا يدرك طبيعة الدور الانساني، الذي يتوجب عليه القيام به.. وفي الحركات الثورية لا يجوز مطلقا ان يصل أي عضو من اعضائها الى درجة فقدان الشعور بالانتماء للحركة… للتنظيم.. للجماهير.. للثورة.. فهذا الشعور، هو الذي يخلق عند المناضل روحا معطاءة تجعله يعرف، ان الفرد في مصلحة الجميع.. في مصلحة القضية.
واذا كان الانتماء للحركة الثورية يتم باختيار الافراد، فانه أيضا يتم بشروط الحركة الثورية. فالحركة الطليعية لا يجوز ان يكون اعضاؤها وكوادرها غير طليعيين.. غير انقياء.. فلكي يحمل العضو شرف الانتماء للحركة الثورية، يجب ان يتمتع بالمواصفات التي تفرضها هذه الحركة، وكلما ازداد اهتمام الحركة الثورية بنقاء صفوفها وبجدارة اعضائها وكفاءتهم وفعاليتهم ووعيهم، كلما ازدادت اهمية الحركة الثورية وقدرتها على تحمل مسؤوليتها كطليعة للجماهير. اما اذا اصبحت الحركة متسيبة التنظيم منفلشة البناء، فان الانتماء لها يصبح امراً سهلاً، والخروج منها يصبح اسهل، فتميع فيها الروابط التنظيمية، وتموت فيها الدوافع الثورية لانجاز المهمات. ولهذا، فان أولى قواعد التنظيم في الحركة الثورية، هو تعزيز ورفع اهمية الانتماء والانتساب للحركة، وذلك بالاختيار السليم دائما لانصار الحركة، والتأكد من مطابقتهم للشروط قبل ان يصبحوا اعضاء. وذلك برفع روح المسؤولية لديهم وجعلهم يشعرون باهمية الوصول الى درجة العضوية في الحركة الثورية.
ان شرف الانتماء للحركة الثورية، يتطلب من العضو ممارسة كل واجباته، حتى يصبح من حقه ان يطالب بحقوقه كعضو. وبما ان واجباته العضوية الثورية ليست سهلة وتتطلب جهدا وتضحية، فانه ليس كل افراد المجتمع قادرين على تحمل مسؤولية الانتماء للحركة الثورية. فالافراد يتعاونون في قدراتهم الذاتية على تحمل المصاعب واستعدادهم للتضحية في سبيل تحقيق اهداف الجماهير. ولهذا، فان الحركة الثورية تنمي عند اعضائها الشعور القوي بالاستعداد لتحمل كل الصعوبات، بما فيها الموت في سبيل الحصول على شرف الانتماء للحركة الثورية، طليعة الجماهير .. طليعة الثورة.
2-الانضباط :
ان اهمية الخط التنظيمي للحركة الثورية تنبع من قدرة التنظيم على تحويله الى ارادة جماعية لكل اعضاء الحركة، وذلك عن طريق الانضباط الصارم للنظام الداخلي واللوائح التنظيمية روحا ونصا. ان هذا الانضباط، هو الذي يفرق بيين الاعضاء الملتزمين بالحركة وغير الملتزمين بها، كما ان درجة الانضباط تحدد درجة الالتزام الثوري لدى العضو، والذي على اساسه، تستطيع الحركة ان تفرز الاعضاء الاكثر التزاما ليتحملوا مسؤوليات الكوادر والقيادات.. كما ان الانضباط يفرض على كافة الاعضاء ان يتقيدوا بالقرارات التنظيمية، التي تصدرها اللجان القيادية، وان يعملوا بكل جهد واخلاص في سبيل وضع هذه القرارات موضع النفيذ. ان عدم الانضباط للقرارات القيادية يشل قدرة الحركة على تنفيذ مهماتها، ويجعل مفهوم المسؤولية فيها متسيباً، فتفقد اهميتها التاريخية.. ان القرارات والأوامر القيادية يجب ان تنفذ بدقة وحماسة، حتى وان كانت تتعارض مع القناعة الذاتية للعضو. ان ديمقراطية اتخاذ القرارات تفرض مركزية خضوع الاغلبية أو اللجان القيادية، كما وان وحدة الحركة الداخلية، تتطلب ان تتم مناقشة كافة الامور التنظيمية والحركية داخل الاطر التنظيمية. ان الخروج عن هذه القاعدة، هو خروج عن الانضباط الثوري ووقوع في أشراك المسلكيات الخاطئة التي تضر بأمن الثورة.
ان الانضباط يفرض على اعضاء الحركة الثورية ان لا يتخذوا مواقف فردية وقرارات مزاجية. حيث ان مواقف الحركة وقراراتها لهاصفة المركزية، والتي هي من حق القيادة. ان عضو الحركة مطالب بأن يأخذ موقف الحركة وان ينفذ قراراتها. وحيث ان القضايا اليومية التي تصادف العضو هي، اما قضايا تنظيمية أو قضايا سياسية أو قضايا عسكرية.. فان النظام الداخلي للحركة وقراراتها السياسية واللوائح الداخلية المختلفة ترد على كافة التساؤلات التي تطرحها الممارسة على ساحة النضال. ظهور بعض القضايا التنظيمية أو السياسية والتي لا يوجد لها نص واضح في النظام الداخلي واللوائح والقرارات السياسية، تتطلب من عضو الحركة ان يرفع هذه القضية الى القيادة ليتلقى رأيها فيها، وليس من حقه ان يجتهد أو يفتي عن غير علم. وان كان من حقه الاجتهاد ورفعه للاطر التنظيمية الاعلى، على اساس وضع الرأي امام القيادة للاستنارة به. ويحتم الانضباط على الاعضاء ان يحترموا الاطر التنظيمية فلا يتخطونها، سواء بالاتصال بالاطر الادنى أو الاعلى متخطين المسؤولين عن هذه الاطر. ان اهمية التسلسل التنظيمي في الاتصالات، هي التي تعطي للعضو اهميته، كموصل جيد بين القيادة أو القاعدة والجماهير. وان تخطي العضو يجعله يشعر بالهامشية وتنمي فيه نفس المرض، مما يحول الحركة من حالة انضباط صارم الى حالة تسيب يشلها ويضعفها.
3-المركزية الديمقراطية :
ان المبدأ الرئيسي في البنيان التنظيمي لأية حركة ثورية هو المركزية الديمقراطية.. وترجع اهمية هذا المبدأ الى انه يشكل القاعدة الاساسية للمسلكية الثورية، اذ عليه تعتمد كافة المسلكيات الاخرى. وتجمع هذه القاعدة بين مفهومين متعارضين، ينفي احدهما الاخر، ولكن هذا التعارض الجدلي بين المركزية والديمقراطية، هو الذي يجمع بصورة عضوية متلاحمة بين التطور الواسع للديمقراطية وبين الانضباط الصارم. ان طغيان أي من المفهومين على حساب الاخر، يؤدي بحياة الحركة الثورية، ويجرها الى الدمار..
فالديمقراطية وحدها، اذا ما سيطرت على طبيعة العلاقات والروابط داخل الحركة الثورية، فانها تنمي حالة من التسيب والفوضى والبلبلة، فتحل فيها الثرثرة محل العمل، ويصبح المزاج الشخصي هو الحكم على الخطأ والصواب. واذا كانت الحركات السياسية تعتبر الديمقراطية غير الممركزة مرضا خطيراً، فان هذا المرض يكون اكثر خطرا أو اشد فتكا في الحركات الثورية المسلحة. حيث ان الفوضى والسلاح، اذا ما اجتمعا دونما التزام وانضباط صارم، فانهما يجران الحركات الى التهلكة الحتمية.
ومن جهة اخرى، فان خنق الديمقراطية داخل الحركة الثورية، أو اعطائها اهمية ثانوية، وسيطرة المركزية المطلقة على اجواء الحركة الثورية، تجعل الحركة فاقدة لشروط نموها وعاجزة عن القيام بمهامها. ان تحول الحركة الثورية الى كم يحركه رجل فرد مهما أوتي من عبقرية، يحولها الى دمية في يد الفرد، فتسودها العلاقات الذاتية والفردية، وتصبح احادية الجانب في نظرتها للامور، ويتحول الاعضاء فيها الى تجمع من العبيد ينفذون ما يؤمرون به، كالآلات الصماء. ان الحركة الثورية تفقد مبرر وجودها اذا هي تحولت الى فرد، تطيعه مجموعة من الافراد طاعة عمياء وينفذون ما يؤمرون به دون مناقشة أو تفهم. وبذلك تنعزل هذه الحركة عن الجماهير وتتقوقع على ذاتها، ثم لن تلبث حتى تتلاشى.
ان التوازن بين درجة الديمقراطية ودرجة المركزية في الحركة الثورية امر ضروري، على ان تكون القيادة الجماعية هي التي تقرر درجات التكامل بين المتناقضين.. ان ضرورة التركيب النسبي للديمقراطية والمركزية في كل مرحلة من مراحل الثورة أو شكل من اشكال التنظيم أو المهمات، يحدده المظهر الرئيسي للتناقض على اساس كل طرف وحسبما تفرضه طبيعة المرحلة.
ان تراجع الديمقراطية لافساح المجال امام مزيد من المركزية والقرارات القيادية الحاسمة يبرز في أوقات النضال وفي المراحل الحاسمة، للثورة. بينما يتطلب اتخاذ القرارات السياسية المصيرية اعلى درجة من الاجماع والاتفاق، مما يعطي الديمقراطية مدا على حساب التقلص المركزي، ويحل الحوار الديمقراطي الهادىء بين كافة المراتب التنظيمية، حتى يتم الاستعانة بكل الاراء والافكار لمواجهة الصعوبات أو حل المشكلات السياسية القائمة.
ويفهم من المركزية الديمقراطية في الحركات الثورية المسلحة، انها ديمقراطية الرأي دكتاتورية التنفيذ.. وهذا يعني ان من حق العضو في الحركة الثورية ان يقول رأيه بصراحة ودونما وجل، وهذا يعني ان من حقه ان يشارك في النقاش والجدال ما دام الموضوع مطروحا للنقاش، ولكن العضو يصبح ملزما بالتنفيذ عندما يؤخذ القرار بالاغلبية، وهذا يعني ضرورة خضوع الاقلية للاكثرية.
كما ان عضو الحركة من حقه ان ينتخب قياداته على كافة المستويات.. وان انتخاب القيادة العليا يتم في المؤتمرات، التي هي اعلى سلطة في الحركات الثورية، ولها تخضع كل القيادات الحركية. كما ان كل اللجان الحركية تخضع لقرارات اللجان في المراتب الاعلى. ان القيادات المنتخبة، والتي تعطي الصلاحيات الكاملة من المؤتمر العام، ملزمة بتقديم تقاريرها الدورية للمؤتمر وللهيئات المركزية، حتى يتم محاسبتها ومتابعتها باستمرار.
ان مهمة القيادات المنتخبة، هي تأكيد وحدة الحركة الثورية من خلال التمسك الدائم بان للحركة قيادة واحدة.. ونظام داخلي واحد، وبرنامج سياسي واحد، على الجميع التقيد بهما.. ان تجاوز النظام والخروج عن البرنامج وعن الانضباط للقيادة، يجعل الحركة الثورية تخضع لحالة من الليبرالية الهدامة. ولهذا فان التمسك بالمركزية وبالديمقراطية معا داخل البناء التنظيمي للحركة الثورية، هو التمسك الحقيقي ببقاء الحركة الثورية، وبتأكيد قدرتها على تحقيق اهدافها.
4-النقد والنقد الذاتي :
يختلف مفهوم النقد والنقد الذاتي في الحركات الثورية، عن مفهومه لدى الفئات غير الملتزمة بخط الثورة. والاختلاف ناجم ليس فقط عن التغاير في مناهج التحليل، وانما عن التناقض في المنطلقات والاهداف والاشكال والضوابط للنقد والنقد الذاتي في المجالين. ان مفهوم حرية النقد في المجتمعات الرأسمالية، حيث تتحكم في السلطة فئات مستغلة، يهدف الى امتصاص نقمة المستغلين واضفاء جو الديمقراطية على المجتمع. وخطورة التمازج بين النقد الليبرالي والنقد الثوري في الحركات الثورية، تكمن في الانحراف الى النزعات التبريرية، التي يتحول فيها النقد الى هجوم على الآخرين، والنقد الذاتي الى الغير، او الى الاقدار والظروف. ويهمنا ان نركز على المفهوم الثوري للنقد والنقد الذاتي وعلى اهدافه واشكاله وضوابطه، في الحركات الثوري.
ان تكامل موضوعية النقد والنقد الذاتي تجعلها وحدة متكاملة في المنطلقات والاهداف، وان كان تفسيرها يلزمنا بالفصل ما بين نقد الاخرين وبين النقد الذاتي. ويمكن تعريف النقد بانه: التدخل في لحظة ما وبشكل مناسب، بين الافعال او الاقوال ونتائجها، او بعد وقوع النتائج، وذلك بغية تأكيد النتائج الايجابية ودحض النتائج السلبية وتحديد حركة الافعال او الاقوال وتوافقها مع المنطلقات وكشف التناقضات، التي كانت فيها، والتي لا تزال، والتي نشأت فيها من جديد.
وتتميز عملية النقد الذاتي عن عملية نقد الاخرين، بامكانية التدخل، ليس فقط بين الافعال أو الاقوال ونتائجهما، وانما التدخل أيضا بين الافكار وتنفيذها. ومنع الافكار من التحول الى افعال أو اقوال، قد يأتي التدخل ما بينها وبين نتائجها متأخراً.
وواضح من مفهوم النقد الثوري، انه لا يستهدف فقط تقييم السلبيات، وانما يستلزم تقييم الأيجابيات أيضاً، الى جانب ضرورة تقديمه المقترحات البناءة لدحض السلبيات وتأكيد الايجابيات وتصعيدها.
يشكل النقد والنقد الذاتي في الحركات الثورية الضمان الحقيقي للحرية، وذلك عندما تمارس عملية النقد ضمن الشروط والضوابط الثورية. ان مهمة النقد والنقد الذاتي ليست تقويم الاخطاء ومنعها من الاستثراء فحسب، وانما هي امضى سلاح في يد الحركة الثورية، يقويها ويرفع قدراتها وفعاليتها القتالية، ويعمق جذورها التنظيمية، ويطور خطها السياسي، ليجعلها ترى الامور بمنظار سليم، فتصنع الاحداث ولا تلهث وراءها. ولما كانت منطلقات النقد هي الخطوط الاساسية للحركة الثورية جماهيريا وسياسياً وتنظيميا عسكرياً، فان اهداف النقد، هي التأكيد على صحة وسلامة هذه الخطوط وحمايتها من كل محاولة مقصودة أو غير مقصودة، تستهدف تشويهها أو الانحراف عنها والاستفادة من كل محاولة تستهدف اغناءها وتطويرها.
ان تحقيق عملية النقد الثوري لاهدافها يتوقف على درجة التزامها بالشروط والضوابط الثورية، التي يجب ان يتم النقد فيها. ان غياب هذه الضوابط والشروط، يحول عملية النقد الى سلاح مضاد للعمل الثوري. فعندما يصبح النقد هداما لا يلتزم بالروابط النضالية، التي تشد الافراد الى بعضهم، فانه يعمل على تقويض المؤسسات الثورية بدل ترميمها وشد ازرها وصيانتها. وعندما يصبح النقد الذاتي مباهاة وانتزاعاً للتصفيق والتهليل عندما يمارسه المسؤولون، الذين يعلنون في زهو وكبرياء عن استعدادهم لتحمل المسؤولية الكاملة عن الاخطاء، التي وقعوا فيها، والتي يلمحون دائما بانها كانت رغم ارادتهم وما كان يمكن تلافيها. ان ضرورة النقد والنقد الذاتي في الحركات الثورية، تكمن في ضرورة ضمان عدم اتخاذ موقف منحرف من الاخطاء ونتائجها. والانحراف يكون انانياً ذاتياً، حيث يصر الافراد، والمسؤولون منهم خاصة، على المكابرة وعدم الاعتراف بالخطأ والتثبت بانه صواب، وذلك من منطلق تأكيد عصمتهم الذاتية من الخطأ. هذا الانحراف المسلكي يصبح فيه كبرياء الفرد وحساسيته الذاتية اهم من مصلحته الحقيقية، التي هي مصلحة الحركة الثورية بشكل عام.
اما الانحراف الاخر، منطلق من الجبن والخوف من تحمل مسؤولية الخطأ والعمل على الصاقه بالاخرين والبحث عن اسباب ومبررات، تجعل المسؤول خارج دائرة الفعل المؤدي الى الخطأ. ان انحراف التبريرية قد يؤدي الى جريمة الصاق المسؤولية بكبش فداء، هو في الواقع اضعف حلقات الفعل المؤدي الى الخطأ.
ومن هنا، فان الحركات الثورية تعطي اهمية لشروط النقد وضوابطه، توازي اهمية النقد ذاته، لانه كسلاح ذو حدين، اما ان يكون بوجود الضوابط سيفا في يد الحركة الثورية، واما ان يصبح سيفاً مسلطا في وجهها بغياب ضوابط النقد والنقد الذاتي.
5-الفعالية :
لا تقاس الممارسة دائما بالجهد الذي يبذله العضو، وانما بالمردود الأيجابي لهذا الجهد. ولهذا، فان المسلكية الثورية للعضو تجعل نتيجة ممارساته مطابقة، ان لم تزد عن الجهد الذي يبذله. ان تضييع الكثيرين من الاعضاء لجهودهم وأوقاتهم في ممارسات ليس لها أي مردود فعلي يعود بالخير على الحركة الثورية، انما هو اهدار لطاقات الحركة وجهودها. ولهذا، فان الفعالية كقاعدة للمسلكية، الثورية تتطلب من العضو ان يحسب جيدا ضرورات التنفيذ ونتائجه، ليس لنفسه فقط، وانما للاعضاء الاخرين، حتى يستطيع ان يدفع بالحركة الثورية الى الامام. ان الوقت هو من اهم الاسلحة التي تضيع في الحركات الثورية دونما استخدام حقيقي فاعل، حيث ان الكثيرين من الاعضاء والانصار بحاجة الى مزيد من الندوات التثقيفية والمحاضرات، التي تعمق لديهم المفاهيم السياسية والتنظيمية والعسكرية. ومع ذلك، فاننا نرى الكثيرين من الكوادر المؤهلة لتعليم هؤلاء الاعضاء، لا يهتمون باعطاء ساعات محددة في الاسبوع من وقتهم لهؤلاء، بينما نراهم يستنزفون الساعات الطوال يوميا في نقاشات ومجادلات لا تغني، ناهيك عن تفشي الامراض البيروقراطية التي تلهي المسؤولين في قضايا فارغة تستنزف أوقاتهم وجهدهم ولا تعود بأي مردود فعلي على الحركة الثورية..
ان الفعالية تتطلب من العضو ان يعطي اهتماما خاصا لذاته كفرد.. وان يخص خليته ومرتبته التنظيمية اهتمامه الثاني، كما ان عليه ان يؤدي مهماته باهتمام جاد، يستمد من مردود اهتماماته الدائمة، نجاحاً للمهمات وتأكيداً لتنفيذها بصورة فاعلة. فالفعالية تحول مردود الجهد الى اضعافه من النتائج الأيجابية… وبذلك تحول الحركة الثورية الى قدرة يزيد تأثيرها الفعلي في ساحة النضال عن حجمها الطبيعي، مما يجعلها محط انظار الجماهير وقبلة توجهاتهم، فتحتل مركزها الطليعي عن جدارة. ان حجم الحركات الثورية يقاس دائما بفعاليتها الى جانب ارتباط الجماهير بها، اما حالات الترهل، التي تحول الاعضاء الى كم متراكم غير فاعل، فانه اذا اعطى للحركة الثورية في مرحلة المد الثوري اصواتا تلعلع وتجمد، فان ساعات الضنك والخطر تحجم الحركة الثورية وتعيدها الى واقعها الحقيقي، مما يجعل قياداتها أول من يصاب بخيبة الامل والارتماء في احضان اليأس . ان الحركات الطليعية تعطي للفعالية كقاعدة للمسلكية الثورية اهمية خاصة، وعلى اساسها توزن الحركة الثورية نفسها، وعلى اساسها تتصدى للمهمات في الوقت المناسب، والمكان المناسب وتعمل على تنفيذها بالشكل المناسب وهي متأكدة ان النتيجة ستكون كما رسم لها وخطط. ما دامت الفعالية الثورية للمنفذين محددة ومؤكدة.
6-المبادرة :
ما من حركة ثورية تستطيع ان تحدد في انظمتها ولوائحها وبرامجها كل صغيرة وكبيرة. ان ما تحدده الحركات الثورية هو الخط العام جماهيريا.. وسياسياً وتنظيميا وعسكرياً.. كما ان الانظمة واللوائح تعطي اهمية خاصة لبعض القضايا الاساسية، ويبقى امام الممارسة مجالات واسعة للتطوير والابداع.
ان التشبث بالنصوص.. وقراءة الحرفيات، تحول الاعضاء الى آلات ميكانيكية لا تتفهم روح القوانين والانظمة وتغرق نفسها في جدالات حول معاني الالفاظ، اكثر مما تعطي من الجهد للانجازات الحقيقية.. ان الاعضاء الذين يدفعون بالحركة الثورية الى مزيد من الانجازات.. ومزيد من الابداع، هم الذين يتميزون بالحس المتوقد والعقل المتفتح.. الذين يفهمون الخط العام ويتقيدون بالتوجه الصحيح، تاركين لانفسهم حرية اختيار الوسائل الملائمة، وهم بذلك يفرزون مفهوم المبادرات الفردية، التي تغني النظرية الثورية بنتائجها. ان المبادرة كقاعدة للمسلكية الثورية، لا تتعارض بصورة أو بأخرى مع القواعد الاخرى، التي تشترط التمسك بالانظمة والقوانين. حيث ان مفهوم الانضباط والالتزام ليس مفهوما ضيقا مغلقا قاتلا للمبادرات، وانما هو مفهوم يدفع بالعضو الى تفهم هذه الانظمة نصا وروحا والعمل على تطويرها، وليس تجميدها والقيام بأي مبادرة تضيف الى انجازات الحركة الثورية مزيدا من الانتصارات، والى نظريتها مزيدا من التطور. ان التقوقع في ظل الحروف والالفاظ والتمسك باهداب الانظمة كمقدسات، لا يجوز مساسها أو الحياد عنها قيد انملة، يدفع بالاعضاء الى الاغراق في جمود عقائدي وتقوقع تنظيمي وكبت للمبادرات وقتل للمواهب واهدار للفعاليات الثورية بكاملها. ولهذا، فان الحركة الثورية تنمي عند افرادها وكوادرها روح المبادرة.. روح التطلع للخلق والابداع، روح التوجه للعمل المجدي دونما تعليمات أو أوامر.. ان العضو المبادر في الحركة الثورية، هو الذي يشعر في كل لحظة وفي أي مكان يتواجد فيه، بانه يمثل الحركة الثورية. وان أي عمل يقوم به هو عمل للحركة الثورية. ولهذا، فهو يتحسس حاجة من هم حوله من الجماهير، ويتصرف على هذا الاساس، فيكون مردود ممارساته اغناء للخط الجماهيري ومزيدا من الربط بين الحركة الثورية والجماهير.. والعضو المبادر لا ينظر لكل مهمة امرا.. فهو رجل دعاية أينما وجد.. وهو ناشر لافكار الحركة الثورية في كل مجال يراه مناسبا.. وهو عندما يجد نفسه مواجهة امام العدو، يجد نفسه مستخدما لعقله وامكاناته، قافزا الى ممارسة العنف الثوري ضد اعداء الثورة والجماهير.. ان الخط العام للثورة، هو الذي يتمسك به العضو المبادر لا يحيد عنه.. وما دون ذلك فهوالذي يتصرف ويبادر دونما انتظار ان تضيع الفرص الثورية..
7-السرية :
تبدأ الحركات الثورية سراً، ثم تمر في مراحل نضالها بدرجات من السرية متفاوتة، ولكنها لا تصل الى اهدافها الحقيقية، وهو السلطة، وتحقيق طموح الجماهير الا بعد وصولها الى درجة من العلانية والشعبية والالتفاف الجماهيري.. ان مراحل نمو الحركة الثورية تفرض عليها درجات من السرية مختلفة، فمرحلة الدراسة والاستقصاء تتطلب من الطلائع درجة عالية من السرية، حتى يستطيعوا ان يتعرفوا على الواقع بصورة حقيقية دونما لفت لنظر القوى المستفيدة من وجود الواقع، الذي تسعى الطلائع لتغييره.. وفي المرحلة التي تبدأ فيها الطلائع الاحتكاك بالافراد لاكتساب اعضاء جدد.. ولنشر الافكار السياسية والاهداف الجماهيرية للحركة الثورية، فان الحرص في الممارسة وانتقاء اكثر الافراد ثقة لمصارحتهم هو ضمان السرية.. ولهذا، فان هذه المرحلة تشكل خطورة على الحركة الثورية، حيث ان فيها تبدأ القوى المعادية للفكر الطليعي من تحسس وجوده، فترص العيون والعملاء لاقتلاعه من جذوره قبل ان يستفحل .. ولهذا، فان الحركة الثورية مطالبة بان تختار دعاة فكرها من اقدر الافراد على الكتمان والتحمل واشدهم صلابة وايمانا باهداف الحركة الثورية.. ان طبيعة مرحلة نشر الفكر الثوري ومرحلة بناء التنظيم السري، تتطلب درجة عالية، ليس من السرية فحسب، وانما من الوعي الثوري الحقيقي، الذي يجعل الافراد يموتون في سبيل استمرار الحركة الثورية.
ولهذا، فان طابع الانتقاء الشخصي الدقيق، هو الذي يغلب على ضمان السرية في هذه المرحلة. ومنع نمو التنظيم.. ووقوع افراد منه في أيدي سلطة الواقع الفاسد، وتعرضهم لانواع التعذيب والاعتقالات وسقوط بعضهم وصمود البعض الاخر، تنشأ اشكال اخرى من السرية، تتطلب من بعض الافراد، الذين يكشف امرهم لدى السلطة، ان يعيشوا باسماء مستعارة، وان يختاروا ظروفا يختفون فيها. وهكذا تتفاوت درجة السرية بالنسبة للافراد في هذه المرحلة، فالبعض يعيشون في الظلام مختفين مطاردين من السلطة، والبعض الاخر يمارس حياته الطبيعية كواجهة شرعية لنضالها اليومي. ومع انطلاقة الكفاح المسلح تتشكل انواع السرية فتضم، ليس فقط الافراد، وانما الاسلحة التي يستخدمها. واماكن تخزينها والمهمات التي ستستخدم فيها وهكذا..
وفي كل مراحل النضال تتطلب الحركة الثورية، الى جانب السرية، استعدادا للعمل الدائم مهما كلف الامر.. ان السرية والعمل يمكن ان يتعايشا معاً، ولكن العمل كلما تصاعد وكلما ازداد، اصبحت السرية معرضة. والحركة الثورية لا تستطيع ان تتقوقع في سريتها دونما عمل.. فالسرية لا يمكن ان تكون هدفا.. ان الهدف هو العمل.. وهي وسيلة للمحافظة على الحركة الثورية، حتى تنجز اعمالا اعظم وافعالا تدفعها الى تحقيق النصر.
ان الحركة الثورية مع تصاعد نضالها المسلح ومع التفاف الجماهير حولها، تصبح قيادتها رموزا للجماهير ويصبح الشعب فاتحا لهم صدره وقلبه، وتتلاشى بعض قيود السرية شيئا فشيئا، ويصبح عملاء السلطة هم الذين يتخوفون، لانهم اصبحوا هدفا للجماهير.
ورغم ارتفاع درجات العلنية في النضال اليومي للحركات الثورية، فان المهمات والافراد والتنظيم وعلاقاته واجتماعاته واتصالاته، يجب ان يظل سرا على الاعداء. لان الحركة الثورية ما دامت لم تحقق اهدافها، فانها معرضة باستمرار لضربات القوى المعادية. ولهذا، فان عليها ان تحيط نفسها بدرع صلب من المكتومية. ان اخطر ما تحملت مرحلة النضال العلني هو تسلق الافراد، الذين يغرقون في مرض الثرثرة. فيقدمون للعدو من المعلومات عن الحركة الثورية ما يعجز كل عملائه عن تقديمها له.
ان مرض الثرثرة هو من اخطر الامراض، التي يحملها التنظيم الثوري من المجتمع، ويعني مرض الثرثرة.. الحديث غير المسؤول المتعلق بالتنظيم.. أو المهمات لغير ذوي العلاقة والتخصص وخارج الاطر التنظيمية، بغض النظر عن مصدر المعلومات التي تطرحها الثرثرة.. ويرتبط مرض الثرثرة ارتباطاً اساسياً بمرض التباهي والاستعراضية وبمرض الفضول وحب الاستطلاع، وهو بذلك يصل في خطورته بطريقة غير مباشرة الى حد العمالة. فالعدو الذي يعمل جاهدا على معرفة نوايا الحركة الثورية واهدافها وخططها من اجل احباطها، يعتمد على عملائه بتزويده بالمعلومات، وليس من السهل على العدو ان يغرس عملاءه في التنظيم خصوصا في المراتب التنظيمية المسؤولة، ولهذا فهو يعتمد على وجود مرض الثرثرة داخل التنظيم.. ذلك المرض الذي يحطم قاعدة اساسية من قواعد الامن، وهي ان المعرفة يجب ان تكون على قدر الحاجة.
فمن جهة يتوجب على كل عضو ان يحجب المعلومات، عن كل من ليست هذه المعلومات من اختصاصهم، مهما كانت مراتبهم التنظيمية، ومن جهة اخرى يجب على العضو ان لا يحاول الاطلاع على أية معلومات ليست من اختصاصه. والثرثرة والوشوشة والكولسة، حيث يتحدث الافراد الى بعضهم بدافع الثقة في موضوعات هامة تتعلق بمهماتهم.. وفجاة ينقطع الحديث ويقترب الثرثار من صاحبه هامسا.. (خذلك هالخبر.. بس أوعى.. خليه بيني وبينك..) وبعد دقائق يكون الثرثار في كولسة اخرى مع شخص اخر ليعطيه الخبر، مع التأكيد على عدم افشائه، وهكذا يفعل الذين سمعوا الخبر، فينتقل كالنار في الهشيم.. وقد يتحول الى اشاعة عندما ينتقل من الارصفة الى الاذان في معادلة هندسية، فيصبح ليس في خارج الاطر التنظيمية فحسب، وانما خارج التنظيم في المقهى والشارع ولدى الاعداء. والخبر الذي يعجز العدو عن الوصول اليه دفعة واحدة، يصله من خلال الثرثرة بالتقسيط، حيث تتقاطع المعلومات.. فتنتفي أو تتأكد.
وهنا يجدر بنا ان نفرق بين ما يجب ان نتحدث به بطلاقة وانفتاح ودون تحفظ، سواء في الاطر التنظيمية أو خارجها، وبين ما يجب ان نحافظ عليه من اسرار.. فالنشرة الداخلية ليست سرا داخل التنظيم، ولكن توزيعها خارج الاطر هو نوع من الثرثرة.. وكذلك التعميم التنظيمي. اما ما يتعلق بالمهمات داخل التنظيم، أو أية مهمات نضالية يوكل للاعضاء تنفيذها، فهي سر يجب ان لا يطلع عليه اقرب الناس لهم حتى زملاءهم في الخلية والمجموعة.
وبنفس الحدة التي يمنع فيها تسرب المعلومات لغير ذوي الاختصاص، على الاعضاء ان يمنعوا انفسهم من الاطلاع على ما ليس من اختصاصهم، بدافع حب الاستطلاع والفضول.. فالذين يطلعون على معلومات ليست من اختصاصهم يجهلون اهميتها ولا يشعرون بالالتزام بالمحافظة عليها وقد يندفعون في تضخيمها بالثرثرة بدافع الامتعاض والاستياء لاخفائهم عنهم وهم يرددون: (ليش اخي هو احنا مش ثقة)، وكما تقدم تصل هذه المعلومات الى العدو.. وبذلك قد نمده بمعرفة عن مخططات الحركة، الذي يعجز أي عميل له على الوصول اليها، ان ضرورة السرية تقتضي القضاء على كل الامراض التي تحاربها وتتناقض معها.
التخطيط :
تتميز الممارسات الثورية، بانها تحدد الهدف الذي تسعى اليه، وتختار لذلك الوسيلة الامثل منطلقة من الامكانات المتوفرة.. ان النظرية الثورية هي عملية تخطيط متكامل للحركة الثورية، ولهذا فان انعكاسات منهج النظرية الثورية على الممارسات اليومية، هو الذي يجعل تراكم الانتصارات بعد الانتصار الكبير، انتصار الحركة الثورية. ان الحركات الثورية ترفض الوقوع في اشراك التجريبية، وان كانت تشجع المبادرات ضمن الخط العام للنظرية الثورية.. ولهذا، فان التخطيط السليم هو من قواعد المسلكية الثورية في معظم المجالات. وان كان اثره يبدو اكثر وضوحا في العمل التنظيمي والعمل العسكري. ويتطلب التخطيط السليم لتنفيذ المهمات، دراسة ومعرفة واقعية للامكانات اللازمة.. ان اغراق بعض الاعضاء في التخيل بالقيام بالمهمات المعجزة.. مهمات الطفرة، التي تحول الحركة من الواقع الى النصر، وان هذا التخيل هو خروج عن التخطيط السليم كقاعدة ضرورية للمسلكية الثورية. ان دراسة الامكانات المتوفرة دراسة علمية سليمة، هي التي تحدد طبيعة المهمات، التي يفترض على الحركة الثورية ان تنجزها على طريق هدفها الاساسي الكبير.. هدف النصر النهائي ان الخطأ في تقييم الامكانات أو تبسيط أو تصعيب الاهداف، يقود الى الوقوع في الفشل، الذي اذا تراكم، فانه يدفع بالحركة الثورية خطوات الى الوراء. ان الحركة الثورية، التي لا تقوم بالمهمات، التي تتوفر لديها امكانياتها تقع في خطأ لا يقل عن خطأ الوقوع في التصدي لمهمات لا تتوفر امكانياتها.. ومهمة التخطيط، هو تحديد هذه الامكانيات وتحديد متطلبات المهمات بدون مبالغة أيجابية أو سلبية.
ان تعميم المنهجية العلمية الصحيحة للتصدي للمهمات تحمي الحركة الثورية من الوقوع في مطبات الارتجال والتناقض، سواء في القرارات أو في الممارسات، ويضمن التخطيط للمهمات تراكما في التجارب الثورية، التي تجعل ممارستها ضمن الظروف المشابهة، تعطي مردودا ايجابيا بعد الاستفادة من النتائج السابقة ومعطياتها.. ان وضع الخطة العامة، التي هي من مهام المؤتمر العام للحركة، تتطلب من العضو أو المجموعة أو الجانبين ان يتصدوا للمهمات الخاصة، بوضع خطة لها بنفس الروحية والعقلية والمنهجية، التي يتصدى المؤتمر العام لوضع الخطة العامة، وبهذا يصبح فكر الحركة الثورية سائدا واسلوبها يشدها بالممارسة نحو تحقيق اهدافها الكاملة.
التنفيذ والتطبيق :
ان اهمية الخطة في الحركات الثورية، هو وضعها موضع التنفيذ، والقرارات لا تعني شيئا بدون تنفيذها، وتصبح كالنظريات بدون ممارسة.
ان التنفيذ والتطبيق للمهمات اليومية التي يتطلب انجازها، يشكلان الممارسة الثورية، بشكل عام بالنسبة للنظرية الثورية التي تتمثل يوميا بالتخطيط للمهمات. ان واجب العضو في الحركات الثورية، ان يعطي اهتماما كبيرا لممارساته اليومية، بحيث تكون في مجملها تنفيذاً أو تطبيقاً للمهمات التي يتفق مع اخوانه على ضرورة انجازها. ان التوجه للقيام بمهام سهلة على حساب الخطة المرسومة، لانه لا يجوز مطلقا ان نتوجه لانجاز عمل معين وانجاحه على حساب عمل اخر اكثر ضرورة والحاحا.. ولهذا، فان التنفيذ والتطبيق كقاعدة للمسلكية الثورية، تحتم على العضو التقيد بأساسيات الخطة المرسومة. ان القرارات التي تتخذها اللجان الحركية، دون ان تعطي اهتماما بالغا لوضعها موضع التنفيذ، تعطي انطباعا عن مدى الجدية، التي تعطيها هذه اللجان للحركة الثورية بشكل عام. فالحركات المتسيبة المريضة تأخذ مئات القرارات القابلة للتنفيذ وغير القابلة وتحضر مبررات ومسوغات عدم التنفيذ في اللحظات التي تصوت فيها على القرار.. اما الحركات الثورية الجادة الصلبة المتماسكة، فانها تعطي لتنفيذ القرارات اهمية تفوق اهمية اتخاذ القرارات نفسها. وهي بهذا تهتم في متابعة التنفيذ وتتعلم بالممارسة، كيف تأخذ القرارات المناسبة الممكنة التنفيذ والتطبيق، وكيف تتجنب اتخاذ القرارات في الأوقات أو الظروف الملائمة.. ان التنفيذ والتطبيق للقرارات، هو الذي يكسب اعضاء الحركة الثورية القدرة على انجاز المهمات بفاعلية وقدرة متواصلة، تتزأيد تجربتها يوميا ويتضاعف حماسها الثوري مع كل انجاز يضيف التنفيذ للحركة الثورية نصا وروحاً تدفعها الى الامام على طريق الانتصار الكبير.
10-المتابعة والمراقبة :
تتطلب الانجازات الثورية اهتماما بالغا من المراتب التنظيمية المسؤولة، والتي تضع الخطط وتحولها للاعضاء لتنفيذها.. ان وضع الخطط مهمة. على القيادة ان تضمن انها تسير بصورة فاعلة وايجابية، كما ان تنفيذ هذه الخطط لا يتم فقط بالاعتماد على الروح الثورية للاعضاء، وانما بالزامهم بالقيام بالمهمات. ان مهمة اللجان المسؤولة متابعة قراراتها ومراقبة التنفيذ، حتى تضمن الانجاز الذي وضعت الخطة من اجله. ان وقوع الحركات الثورية في شرك التواكل، بحيث يعتمد كل عضو على العضو الاخر لانجاز مهمة أو القيام بمتابعتها، يجعل المهمات تتراكم بدل الانجازات ويحول الحركة الثورية ان تنمي لدى اعضائها روح المتابعة والمراقبة وروح اعطائهما الاهتمام اللازم، حتى يصبح كل عضو يعمل وهو يشعر ان الاعضاء الاخرين، الذين يقومون بواجباتهم، ينظرون اليه بعين فاحصة ناقدة ينذرونه ان هو قصر أو اخطأ.
ان هذا الشعور لدى العضو ينمي فيه روح الابداع في المهمة الموكلة اليه، الى جانب انه يدفعه من جهة اخرى الى مراقبة الاخرين وكيفية انجازهم لمهماتهم. ان روح المراقبة المتبادلة والمتابعة من المراتب العليا للمراتب الدنيا، تشكل لدى الحركة الثورية نوعا من الروابط، التي تضمن درجات الانجاز القصوى، وتعطي للمهمات نوعاً من القدسية، التي تشد الاعضاء الى التلاحم الذاتي داخل الحركة عن طريق التفاعل والتلاحم في النتائج من انجازاتهم وانجازات غيرهم من الاعضاء.
ان عيون الحركة الثورية عندما تنظر الى المرآة لتشاهد نفسها، فانها تسعى دائما الى الوصول الى المنظر الاحسن والانجاز الافضل. وبهذا تكون نظرة المراقبة والمتابعة داخل الحركة الثورية.. نظرة تهدف دائما الى رفع المستوى الى الابداع.. الى مساعدة الاعضاء، وليس الى تأنيبهم أو الشماتة بهم لانهم قصروا.. أو.. الخ.
ان نظرة المراقبة في الحركات الثورية، نظرة الاخذ بيد العضو ودفعه الى ارقى مستويات الانجاز الذاتي، الذي بتلاحمه مع انجازات الاخرين، يعطي للحركة الثورية مردودا ايجابياً يعيد لها طريقها الى النصر.
11-تقييم التجارب :
ان اهمية النظرية الثورية، المستنبطة على اساس المنهج العلمي، هو انها ترفض الجمود والتحجر، وتخضع دائما الى التطور، حسب معطيات وانجازات الممارسة العملية.. ولهذا، فان الحركة الثورية تتطلب من اعضائها ان يطبقوا النظرية الثورية، ويضعوها على المحك اليومي للممارسة.. ولكن المهمات اليومية ودرجات الانجاز المختلفة التي تصادفها، سواء اكانت النتائج عائدة لخطأ في التخطيط أو تقصير في التنفيذ أو لعدم مطابقة الامكانات للمهمات، فان كل تجربة يومية يجب ان تقيم تقييماً صحيحاً، حتى ترسم خيوطا جديدة، تساعد على الممارسات المقبلة. ان الحركات الثورية تشجع اعضائها دائما على تنظير تجاربهم النضالية اليومية، وهم بذلك يغنون النظرية بالامثلة الواقعية المحسوبة. وتعطي التجارب الناجحة دفعا قويا للاعضاء، لتحقيق نجاحات اكبر، وفي نفس الوقت، فان التجارب الفاشلة تعطي للاعضاء حصانة من الوقوع في نفس الاخطاء وتدفعهم الى الاستفادة من اخطائهم واخطاء غيرهم، فتصبح خطوات المستقبل بالنسبة لهم اكثر تفهما لمواصلتها وتصبح نظراتهم ابعد وأوضح رؤية.
ان الحركات الثورية عندما تضع تجاربها اليومية للتقييم، فانها تعطي وتعمم دروسا كبيرة لكل اعضائها، تجعلهم يندفعون للتعلم من ايجابياتهم وسلبياتهم، وتجعلهم يقبلون على تنفيذ المهمات في المستقبل وهم يحملون في خلفياتهم الذهنية دليل عمل، يساعدهم على التصدي للمهمات بجدارة وثقة كبيرتين. ان الاعضاء الذين لم يتمرسوا على النضال، لا يستطيعون الانجاز بدون الوقوع في الاخطاء. ولكن الحركة الثورية يمكنها ان تقلل الاخطاء شدة وحدة، وذلك بوضع الاعضاء قبل ممارستهم في صورة التجارب المتراكمة للحركة الثورية الايجابية منها والسلبية، حتى يتمرس العضو نظريا بعقلية التصدي للمهمات وكيفية الخروج من المآزق. ان المعرفة النظرية تعطي للعضو دليلا للعمل، تزداد فعاليته يوميا عندما يحوله العضو من دليل عمل نظري الى دليل عمل تطبيقي، يعرف من ممارساته كيف ومتى وأين يجب ان يتحرك وينجز. وينتقل العضو من مرحلة النظرية الى مرحلة الممارسة بالتمرس الاكبر للتصدي للمهمات، فيرتقي الى درجة الابداع في العمل وصنع المبادرات، التي تعطي الحركة الثورية مزيدا من الانتصارات.
12-الاستمرارية وطول النفس :
ان أول ما يتعلمه الاعضاء قبل انتسابهم للحركات الثورية، هو ان طبيعة المهمات والاهداف، التي يسعى لتحقيقها، تتطلب جهدا عظيما وزمنا طويلا.. ان مفهوم الحرب الطويلة الامد هو احد المفاهيم الاساسية، التي تعتمد عليها النظرية الثورية، حيث انه الاسلوب الذي اثبت فعاليته لتحقيق اهداف الجماهير، التي تعاني من الاستعمار أو الاستغلال. ان الادراك الواعي من قبل اعضاء الحركة الثورية لصعوبة الهدف والمدى الزمني لتحقيقه، تجعلهم يتحملون المشاق والصعوبات المتراكمة عن طيب خاطر وبنفس وثابة ومستعدة دائما لتجاوز الصعوبات والقفز على الخطوات الى المستقبل، وامامها شعار واحد لا تحيد عنه الاستمرار.. استمرار الثورة.. استمرار الثورة.. استمرار الحركة الثورية وقيادتها للجماهير. ان الاعضاء الذين يعمدون داخل الحركة الثورية في نار الصعوبات والتضحيات الجسيمة، يتوجهون بثقة مطلقة نحو اهدافهم العظيمة، لا يقف في سبيلهم عائق ولا يوهن عزيمتهم مأزق أو عقبة، ويقتضي طول النفس من الاعضاء ان يتصدوا لكافة الاخطاء المسلكية المعيقة للمسيرة والعمل على تغييرها وتحويلها الى مسلكيات ثورية.
ان الهرب من الاخطاء والمسلكيات الانتهازية بسبب الشعور بعدم القدرة على الاستمرار في الاجواء الموبوءة، هو خروج عن المسلكية الثورية الحقيقية، التي تقتضي من العضو ان يتحلى بطول النفس وبالاستعداد الدائم لدفع الحركة الثورية الى الامام، في نفس الوقت الذي يركل فيها بقدمه كل من يحاول جر الحركة الى الخلف. ان الاستمرارية تتطلب من العضو ان يقدم دائما انجازات تؤكد ايمانه بحتمية النصر. وان العضو الذي يتمتع بدرجة عالية من طول النفس، هو الذي لا يتوقف ابدا عند اخطاء الآخرين، ويعتبر ان بينه وبين الممارسة سد قد وضع لتعويقه عن العمل. ان العضو الثوري يشعر دائما بدوره التاريخي في الحركة، ممثلاً لجيل مهمته الاساسية هي انجاح مرحلته التاريخية، ونقل الحركة الثورية الى الامام، حتى يتسلمها الجيل الآخر وهي اقرب الى تحقيق الهدف، ان لم تكن قد حققته فعلا. ان دور العضو هو النظر دائما الى الهدف الاستراتيجي … البعيد المدى والعمل على انجاز كل ما يستطيعه من مهمات تدفع بنفس الاتجاه، فالاستمرار وحده هو الكفيل بالوصول الى الهدف.. ان البطء خير من التوقف.. والتوقف خير من التراجع.. ولكن المحصلة الاساسية، هي التي يؤكد الثوار الحقيقيون في الحركات الثورية، انها يجب ان تظل مشرعة كالسهم الثاقب نحو الهدف، لا يفصلها عنه الا الزمن، وهو بالنسبة لاعضاء الحركات الثورية مهما بعد .. فإنه بالاستمرار قريب…
13-المشاركة :
يؤكد خط الجماهير على ان مهمة الحركة الثورية هي قيادة الجماهير وتوجيهها، لتقوم بالمهمات اللازمة لانجاز طموحاتها الثورية. ان هذا الدور للحركة الثورية يتطلب من كافة اعضائها العمل معا بروح من التعاون والمشاركة في العمل، حتى يصبح التصدي للمهمات العظيمة مهمة الجميع، لكي تعود فائدته على الجميع. ان القدرة القيادية للحركة الثورية تتوقف على امكانياتها الذاتية وترابط اعضائها وشعورهم بالمسؤولية المشتركة وقدرتهم على العمل الجماعي. ان غياب روح العمل الجماعية وروح التعاون داخل الحركة الثورية، يحرمها القدرة على قيادة الجماهير بصورة فاعلة وموحدة. ان العمل الموحد المشترك، هو الذي يضمن النتائج الايجابية نوعا وكما لكافة المهمات. وهو الذي يؤمن للمستقبل مزيدا من التفاعلات الجماعية في العمل، والتي تعطي انجازات هائلة على طريق الانجاز العظيم..
ان عضو الحركة الثورية مطالب ان يميز سلوكه اليومي بالشعور الدائم بالانتماء للمجموعة، وبالاستعداد للعمل المشترك معها. هذا الشعور النابع، من ان جميع اعضاء الحركة هم مشاركون في اهدافها، وهم الذين يشاركون في التضحية لتحقيقق هذه الاهداف، وان على العضو ان يعبر عن هذا الشعور بالممارسة اليومية. وذلك من خلال بذل كل الجهد لجعل العمل المشترك والعمل الجماعي بديلا للعمل الفردي. ان الحركات الثورية، التي تجسد طموحات الجماهير، مطالبة ان تحدد ومنذ البداية، ان النصر الذي تسعى لتحقيقه هو في حقيقته انتصار للحق على الباطل.. انتصار لخط الجماهير على خط اعداء الجماهير. ولكن على الحركة الثورية ان تؤكد للجميع، ان النصر ليس هبة يعطى من العدو، وانما هو ثمن للتضحية والنضال.. وان الذين يستحقون التمتع بالنصر هم الذين ناضلوا وضحوا في سبيل تحقيقه، اما الذين كانوا يتفرجون ويعيشون لذاتهم فليس من حقهم الادعاء بحقيقة التمتع بالنصر. ان شعار(الارض للسواعد الثورية التي تحررها) هي دعوة ثورية صريحة لكل افراد الشعب، ليشاركوا في النضال ويقوموا بواجباتهم الثورية، حتى يستطيعوا التمتع بالانتصار. ان الشعور الذاتي لكل عضو بانه شريك لغيره من الاعضاء.. شريك للجماهير في الثورة، تجعله لا يحرص فقط على القيام بمهماته الفردية والواجبات الموكلة به شخصيا. وانما تجعله يحرص بنفس الدرجة على ان يقوم شركاؤه بمهماتهم وواجباتهم، حتى يصبح العمل الثوري المشترك هو الجسر الذي يعبر بالجماهير الى صنع النصر.
14-التكامل :
تتطلب المهمات الثورية لانجازها عددا من الكوادر والمنفذين يفوق دائماً، وفي كل مراحل نمو الحركة الثورية، عدد اعضائها. ورغم ذلك، فان روح التنافس العدائي تظل موجودة عند بعض الاعضاء والكوادر.. ويرجع ذلك الى شعور مريض بان الآخرين هم بديل للذات وان طموحاتهم هي نقيض بطموحاته. ان التكامل كقاعدة للمسلكية الثورية يفرض على العضو ان يفكر وان يتصرف دائما على اساس، انه جزء من الكل وانه ليس بديلا لاحد، كما وانه ليس هنالك بديل له كعضو في الحركة الثورية، حيث ان مجال الانتساب الى الحركة والانتماء لها مفتوحا للاعضاء، الذين يتمتعون بشروط العضوية، وهو يتنامى دائما ولا يفقد عضو موقعه بسبب وجود عضو آخر، ولكن القدرة والكفاءة المناسبة للعمل، هي التي احيانا تفرض التبديل. ان الشعور بالتكامل داخل الحركة الثورية، تجعل الفرد يتصرف على اساس انه مع الآخرين. يقومون بالمهمة المتكاملة.. وانه لا يمكنه ان يسمح لنفسه بالادعاء، بانه قادر على القيام بكل انواع المهمات.. ان غياب الشعور بالتكامل تجعل العضو يشعر ويتصرف على اساس انه هو فقط القادر على الانجاز، وان الاخرين يمكن ان يعاونوه ولكنهم غير قادرين على الابداع والانجاز الذاتي كما يستطيع هو، ان الشعور بالتكامل مع الحركة يعطي مسلكية ثورية حقيقية، ولكن الشعور بالتكامل مع الذات يعطي مسلكية مريضة تجعل صاحبها يتصرف وكأنه كل شيء.. الحامي والرامي.. المنتج والمبدع.. وتغلب فرديته وانانيته ليصبح مقتنعا بأن أي عمل لا يكون على راسه لا يمكن ان ينجح. وان أي محاولة لمشاركته في العمل، هي مؤامرة استعمارية تستهدف تقويض بنيان الحركة الثورية.. ان على الاعضاء جميعا ان يعمقوا مفهوم التكامل مع الحركة الثورية.. وان يشعر كل منهم انه جزء من كل. وان الجميع بعملهم المشترك يدفعون بالحركة الثورية الى انجاز مهامها، وان أي اختلال في فهم التكامل يؤدي الى تفشي امراض الفردية والانانية والغرور، أو الانعزالية والانطوائية والتقوقع. ومهمة الاطر التنطيمية هي خلق روح العمل الجماعي، الذي يجعل الخلية كوحدة حركية متكاملة تمثل صورة مصغرة عن واقع الحركة الثورية. وبهذا يصبح العضو المنضبط فاهما لدوره، منفذاً لمهماته، دافعا بانجازاته لتتراكم مع انجاز اخوانه المناضلين، ليتكون منها الانجاز الجماعي المتكامل.
التخصص والملاءمة :
يقابل تنوع المهمات في الحركات الثورية تنوع في امكانيات واستعدادات الاعضاء. وتصبح مهمة القيادات والكوادر هي اختيار العضو المناسب للمهمة المناسبة، ودفع الاعضاء الى التخصص في نوعيات محددة من المهام تتفق وميولهم ورغباتهم وهواياتهم، تجعلهم لا يقومون بالمهمات خير قيام فحسب، وانما يبدعون فيها ويطورون اعمالهم بالمبادرات الخلاقة. ان تكليف بعض الاعضاء بالقيام بمهمات لا تتفق وميولهم واستعداداتهم، تجعلهم يخفقون في الوصول الى النتائج المتوخاة، مما قد يجعلهم يفقدون الثقة بانفسهم ويتحولون الى مناضلين فاشلين.. لقد دلت التجارب، على ان كثيراً من الاعضاء، الذين فشلوا في مهمات محددة، ابدعوا في مهمات اخرى، وان القليلين فقط من الكوادر والقيادات هم الذين يتمتعون بقدرات على العمل المجدي في المجالات المختلفة.
ان المسلكية الثورية تفترض على العضو ان يتصدى للمهمات، التي يعرف مسبقا انه قادر على انجازها، كما ان مهمة المسؤول هي ان يكلف بالمهمة من يعرف مسبقا انه قادر على انجازها. ان الحركات الثورية مطالبة ان تصنف اعضاءها بناء على قدراتهم وميولهم واستعداداتهم، الى جانب تاريخ انجازاتهم النضالية. ان السجل الذاتي للعضو، هو الذي يوضح متى وكيف وأين استطاع ان ينجز مهامه بجدارة، ومتى وأين وكيف اخفق. ان هذه المعرفة لاعضاء الحركة تجعل من البناء التنظيمي خلايا مهمات متخصصة مضمونة النجاح. ان تعميق مفهوم التخصص لدى الافراد، بحيث ان لا تقلل روح البحث والتعرف على التخصصات الاخرى وتوسيع المفاهيم الثقافية والتكنولوجية للعضو. ان الكادر الواعي في الحركة الثورية هو الذي يستطيع ان يقوم بواجبه الاداري على اكمل وجه، الى جانب خبراته التنظيمية والعسكرية ونجاحه في العمل الجماهيري . ان تشجيع الاعضاء على التخصص، يجب ان يقابله في الحركة الثورية تشجيع للكوادر على توسيع الافق والمعرفة، حتى يستطيعوا توجيه الاعضاء كل في مجال اختصاصه، عن معرفة بالحد الادنى، الذي تتطلبه المهمة الموكلة للعضو، وكلما تصدى للمهمة من يلازمها، كلما ازدادت الانجازات في الحركة الثورية وكلما اقتربت من تحقيقها للنصر.
16-التعمق :
ان درجة الاهتمام والجدية، التي يوليها العضو للمهمة الموكلة اليه، هي التي تحدد قدرته على انجازها بكفاءة. ان معالجة المهمات والقضايا بشكل سطحي، لمجرد الازاحة عن الظهر وعن طريق لمسها دونما تفهم لجوهرها، يجعل اخطاء الحركة الثورية تتراكم وامراضها تتكدس، فيستفحل الخطر. ان المسلكية الثورية تقتضي من العضو، ان يعالج القضية بتعمق وفهم شديدين، وان يركز عليها كل مجهوده للتعرف على كافة جوانبها، حتى يستطيع انجازها كاملا. ان نظرة الاستصغار لبعض القضايا البسيطة ووصفها بالتافهة، التي لا تستحق، يجعل من هذه القضايا تتراكم وتشكل خطرا على الحركة. ولهذا، فان عضو الحركة الثورية مطالب بالتصدي للقضايا الصغيرة وحلها بنفس الجدية، التي يتوجه فيها لحل القضايا الكبيرة. ان النظرة السطحية للعمل، تجعل اسلوب العمل الشكلي يسيطر على مؤسسات الحركة الثورية، فتستفحل فيها روح البيروقراطية، التي تحاسب الامور بروتين قاتل ابعد ما يكون عن الثورة وعن الثورية. ولكي تتجنب الحركة الثورية الوقوع في مرض البيروقراطية القاتل، عليها ان تنمي لدى اعضائها روح التعمق في النظرة الى الامور، ودراسة القضايا بموضوعية، والتصدي للمهمات باهتمام وجدية، حتى تضمن النتائج الثورية من جهة، وتضمن تاكيد المسلكية الثورية لدى الاعضاء من جهة اخرى. ان المسؤولين مطالبون دائماً، بان يكونوا أول المتعمقين في معرفة الامور، لانهم بذلك يكرسون منهجا يرفض العمل من وراء الظهر والتبجح بالعلم والمعرفة عن غير علم ولا معرفة.
ان التعمق، كقاعدة للمسلكية الثورية، يحتم على الاعضاء ان يرفعوا من قدراتهم الذاتية وكفاءاتهم النضالية، حتى يصبحوا اهلا للبحث والاستقصاء وسبر اغوار المهام النضالية والتعرف على كافة ابعادها. ان الفرق بين العضو الثوري الاصيل والعضو المزيف هو بالضبط كالفرق بين النظرة المتعمقة الفاحصة وبين النظرة السطحية، تماما كالفرق بين اللب والقشرة.
17-الصدق والامانة :
يعتمد البناء التنظيمي للحركة الثورية على الاعضاء كأفراد، والذين يشكلون لبنات الهرم التنظيمي. ان صفات الافراد تعكس على الهرم بعضا منها، وكلما ازدادت الصفات الثورية في الاعضاء، كلما ازدادت بشكل عام في الهرم. كما وان وجود أي من الصفات المرضية قد يجد له مجالا للتفشي في الهرم، اذا لم يحارب بشدة وبدون هوادة. ويتطلب البناء التنظيمي من الاعضاء، كصفات أولية اساسية، ان يتمتعوا بالصدق والامانة. وهاتان الصفتان كقاعدة للمسلكية الثورية، تحتم على العضو ان يمارس داخل اطر الحركة الثورية وخارجها بصورة تعمق الصواب وتحارب الخطأ، تقول الحق وترفض الباطل. تتحمل المسؤوليات فتؤديها بأمانة واخلاص. وتقف دائما موقف الصدق، حتى لو كان الموقف يدينها. هذه الصفات الثورية في العضو، هي التي تضمن سلامة العلاقة بين الاعضاء بعضهم بعضا من جهة وبين الاعضاء والجماهير من جهة، اخرى. ان التبجح والمزاح والادعاء، هي صفات متفشية في المجتمعات، وقد يحولها بعض خفيفي الظل الى صفات مستحبة، فتصبح مباريات الكذب والفشر تعبر عن عقد النقص المتفشية في المجتمع. ولكن الحركات الثورية، التي تسعى لتغيير الواقع الفاسد، وتسعى لتطهير المجتمع من كل الامراض، ترفض ان ينقل اعضاؤها مرض الكذب الى داخل صفوف الحركة الثورية. كما وانها تصر على ضرورة ان يضع العضو المريض نفسه للاطر التنظيمية لتساعده في عملية التنقية الذاتية، حتى يكتسب قاعدة اساسية من قواعد المسلكية الثورية. ان كل ما تملكه الحركة الثورية من اسرار واخبار وامكانيات، يكون تحت تصرف الاعضاء، وهم وحدهم الذين يحافظون على ممتلكات الحركة الثورية، مدفوعين بروح الامانة الثورية. ان طبيعة العمل السري في الحركة الثورية، يتيح للاعضاء التملك المادي دون وثائق، وتكون امانتهم هي الضمانة الوحيدة على حفظ اموال الحركة وممتلكاتها.
المساواة :
يتساوى كافة اعضاء الثورة امام النظام. امام القانون الثوري. وهم وان اختلفت مراتبهم التنظيمية ومسؤولياتهم، فانهم يحاسبون على اساس واحد ايجابيا وسلبيا. ولهذا، فان على العضو ان يعمق الشعور بالتساوي مع الآخرين من الاعضاء، وان لا يسمح لنفسه بالتعالي على من هم دونه مرتبة أو مسؤولية أو الشعور بالنقص ممن هم اعلى منه مرتبة ومسؤولية. ان المساواة تجعل العضو واثقا من قدرته على الانجاز والقيام بالمهمات بفعالية، وهو واثق انه سيثاب على انجازاته.
ان الحقوق التي يتمتع بها عضو الحركة الثورية، تعطي له المجال الرحب لانجاز مهامه، كما وانها تعمق الشعور بالمسؤولية لدى العضو. ان ما يدفع العضو لمزيد من الانجازات الثورية، هو، شعوره ان انجازات الحركة الثورية هي مجموع انجازات كل اعضائه، وانهم جميعا متساوون في الحقوق وفي الواجبات، دون أي استثناء لمرتبة أو صفة. ان فقدان بعض الاعضاء لشعور المساواة داخل الحركة الثورية، يجعلهم يتصرفون كالاغراب داخل الاطر، وتربي لديهم روح النقمة على الحركة وعلى كوادرها وقياداتها. ان مهمة التنظيم الثوري، ان يعمق لدى كل اعضائه بالمساواة، عن طريق الفهم الواعي للنظام الداخلي واللوائح التنظيمية وقوانين العقوبات. ان شعور العضو بان من حقه، ان ينتخب وان يعطي رأيه وان ينتقد رأي الاخرين بصراحة ودون تحفظ. كما ان من حقه ان يساهم ويشارك في الاجتماعات الحركية والمؤتمرات، وان يقدم التقارير والاقتراحات. كل هذه الحقوق المشتركة تفرض على العضو ان يجعل من المساواة قاعدة لمسلكيته داخل الحركة الثورية وخارجها، وان تجعله يمارس في حياته العامة وكأنه المسؤول عن الحركة امام الجماهير، وهذه هي نفس المسؤولية، التي يجب ان يتمتع بها كل اعضاء التنظيم، حتى تصبح الجماهير هي القاعدة الثورية الملتصقة بالحركة والمتلاحمة معها، فكراً وممارسة.
19-النقد الثوري :
ان تميز الحركة الثورية عن الواقع بالنظرية وبالممارسة، تتطلب من عضو الحركة الثورية ان يتميز عن غيره من الافراد، وذلك بان يتمتع بصفات لا يحملها الانسان العادي.
والصفة الاساسية، التي تميز الاعضاء عن غير الاعضاء، هي النقاء الثوري.
ان كثيراً من الصفات، التي تشكل قواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة، يمكن وجودها خارج الحركة الثورية، ولكن النقاء الثوري هو صفة ملازمة للاعضاء الاصليين، الذين يتسامون على كل شوائب الحياة، ويجعلون من الحركة الثورية كل حياتهم، ويعطونها كل اهتمامهم، فتنمو فيهم روحية الاخلاق الحميدة السامية ويتشكل لديهم قانون الثورة، الذي يفيض بالمحبة والتعاون والاخلاص والشرف والبساطة ونكران الذات والتواضع والتضحية والأيمان بقدرة الجماهير وقدرة الحركة الثورية. هذا الشعور لدى الاعضاء، هو الذي يجعلهم يمثلون طليعة الجماهير، ويجعلهم يشكلون الروابط، التي تجمع الجماهير مع بعضها البعض متجهة بقيادة الحركة الثورية الى دروب الحرية والنصر.
ان الشعور بالارتياح الذي، تحسه الجماهير لدى احتكاكها بالاعضاء الثوريين، يرجع الى احساسهم بالنقاء الثوري الذي يتمتع به هؤلاء الاعضاء. وان تحكم هذه الصفة في مسلكية العضو، تجعله اكثر التصاقا بالجماهير وتلاحما معها وتفهما لها، فيصبح كذائب عشقا بالعطاء من اجل الجماهير ومن اجل التنظيم.
ان درجة النقاء الثوري تتفاوت في اعضاء الحركة الثورية بدرجات عالية. فهي اكثر قواعد المسلكية الثورية حساسية من وجود امراض الواقع الفاسد. ولهذا، فان النقاء الثوري والامراض لا يمكن اجتماعهما في عضو واحد. ولهذا، فان هذه القاعدة ليست متواجدة عند كل اعضاء الحركة الثورية. انها تتواجد فقط عند اكثر الاعضاء تخلصا من امراض المجتمع واكثر امتلاكا لقواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة.
2.-العلاقات الاخوية :
تأتي الحركات الثورية لتحدد علاقات جديدة، تربط مجموعة من افراد المجتمع بعضهم ببعض، بروابط جديدة تفوق في قوتها الروابط الاجتماعية السائدة. ان اعضاء الحركة الثورية، الذين تجمعهم فكرة واحدة ويتوجهون نحو هدف محدد ويختارون اسلوبا موحداً، يجدون انهم يتمازجون روحا وتظللهم في احلك الظروف اجنحة قانون المحبة، فينتزع من بينهم، كل الشوائب وتعمق روح الاخوة فيما بينهم وتجعلهم يسمون على جراحاتهم الذاتية في سبيل الهدف المشترك، وتصبح صورة القوى المعادية الرامية لافنائهم والبطش بهم جميعاً، هي التي تجذب ابصارهم وتشدها نحو التناقض الرئيسي. ان الحركة الثورية تفرض على كل اعضائها ان يحلوا ما ينشأ بينهم من مشاكل وخلافات، بالحوار الهادئ اللطيف والنقد والنقد الذاتي. ان العلاقات الاخوية داخل اطر الحركة الثورية، تنعكس بصورة دائمة على العلاقات، التي تنشأ بين الحركة الثورية والمجتمع، وكلما سادت هذه العلاقات روح الاخوة والرفاقية، كلما اجتمع حولها مزيد من الجماهير. ان طبييعة العلاقات، التي تنص عليها اللوائح والانظمة الحركية، والتي يتوجب على الاعضاء التمسك بها واحترامها، ليست هي فقط التي توطد علاقات الترابط والتلاحم داخل الحركة الثورية.
ان روابط الممارسة اليومية، التي يعمدها الجهد والعرق والدم، هي التي تجعل الاعضاء ينظرون الى بعضهم بعضا كقوة متلاحمة تشد أزر بعضها، ولا يستطيع أي منهم الاستغناء عن الاخر. ان تعميق هذا الشعور بالتكامل الحركي والمشاركة الثورية، يمتن الروابط والعلاقات بين الاعضاء، ويجعل الحركة كالبنيان المرصوص، ولا تستطيع كل القوى ان تلحق به أي اذى. ان نقطة الضعف في الحركات الثورية، هو قدرة اعدائها على تصديعها من الداخل.. وتشتيتها وتشرذمها تمهيدا لشقها.. ان سيادة قانون المحبة داخل الحركة الثورية هو الذي يضمن تماسكها وتلاحمها ورأب أي صدع فيها باسرع مما يتوقع الاعداء، حيث ان الشعور بالمحبة والاخوية داخل الحركة الثورية، يجعل كل الاعضاء يفهمون ان خلافهم.. وتشتتهم لا يفيد الا اعداءهم.. وان امراضهم لا يستطيع ان يعالجها الا هم، بالصبر.. والحزم.. والمحبة.
ان العلاقات الحركية الاخوية، هي البديل الامتن عن كل انواع العلاقات الاخرى. وهي التي تحارب كل انواع العلاقات المرضية الشاذة داخل صفوف الحركة الثورية. ان دور العلاقات الاخوية في تعميق مفهوم الشعور بالمحبة بين الافراد واعتزاز بعضهم ببعض، يلتحم مع الشعور بحرصهم وحمايتهم لبعضهم البعض من كل منزلق أو خطر أو خطأ. ان المناضلين الاقوياء، الذين يتميزون بالثقة العميقة بانفسهم وبحركتهم هم الذين يعمقون مفهوم الروح الاخوية. وينطلقون من مبدأ الوحدة الدائمة للحركة. ويشعرون ويتصرفون على اساس، ان الحركة لجميع المناضلين من ابنائها. وان الاخوة التي تربط بين الجميع هي أواصر المحبة الحركية.
وان أي تكتل أو تشرذم يقلل من دور الروابط الحركية ويعمق مفاهيم الشللية والاستلزام، أياً كانت الدوافع له. انما هو خروج عن مفهوم الخط الثوري وتحطيم العلاقات الاخوية.
ان المناضلين الاكثر وعيا وايمانا بحتمية النصر، وشجاعة واستعداداً للتضحية، هم الذين يناضلون من اجل تعميق مفهوم العلاقة الاخوية، والروابط الحركية.
اما الاعضاء الضعفاء الانتهازيون المتسلقون، فانهم يلهثون جريا وراء من يستزلمهم، ويجعلون من أوهى الروابط الذاتية والمصلحية بديلا للروابط الحركية والعلاقات الاخوية.
ولنتذكر دائماً، انه بالمناضلين الاقوياء الشرفاء فقط، نستطيع ان نناضل، وبالمناضلين الاقوياء الشرفاء فقط، نستطيع ان نبني التنظيم الثوري الصلب القادر على حماية الحركة وتصعيد نضالها حتى النصر.
قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري
عندما تصل الحركة الثورية الى ضرورة تفجير الثورة الشعبية المسلحة وتطلق رصاصتها الأولى تعبيرا عن بداية مرحلة الكفاح المسلح، فان اعضاء الحركة الثورية يصبحون مطالبين بالالتزام بقواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري، الى جانب التزامهم بقواعد المسلكية في المجالات الجماهيرية والسياسية والتنظيمية. ان مرحلة الكفاح المسلح، والتي تصلها الحركة الثورية بعد مرورها بخطوات الاستقصاء والدراسة والتوجيه والتوعية الفكرية والتنظيم والتدريب، تتصاعد حدتها مرحليا وتنتقل عبر اشكال نضالية مختلفة، ولكنها تتميز جميعها بالعنف الثوري. ان تنوع المهمات العسكرية تجعل لبعض القواعد المسلكية صفة الخصوصية ولبعضها صفة العمومية. فاذا كانت الشجاعة والاقدام صفات اساسية لكل انواع العمل العسكري، فان اللياقة البدنية ضرورة اساسية لقتال المدن أو لحرب العصابات الريفية وان كان في مقدور قائد هذه اللياقة ان يقوم باعمال ثورية مذهلة في مجال الاعمال التخريبية في المدن الى جانب عمليات التفخيخ والتشريك والتخريب بالوسائل البدائية. ان طبيعة العمل الثوري، تفرض على الحركات الثورية انتقاء اساليب ووسائل القتال الملائمة لكل مرحلة ولكل موقع. ولكن الحركة ملزمة في كل اشكال نضالها العسكري، ان تعمق روح القتال، ليس فقط لدى اعضائها، وانما لدى الشعب، حتى تستطيع ان تدفع بالجماهير الشعبية المسلحة الى أخذ المبادرات الهجومية ضد اعداء الثورة والدفاع عن الثورة.
ان انواع العمليات العسكرية تلعب دورا هاما في قضية استقطاب الجماهير حول الثورة. ولكن الحركة الثورية الطليعية تعمل دائما على دفع الجماهير الى المشاركة الحقيقية في العمل، وذلك عن طريق النضال وقتال العدو بكافة الوسائل وبكل الاساليب البسيطة منها والمعقدة، حتى ينغرس في نفسية كل مواطن الشعور باستغلال العدو له، وبانه مطالب، ليس فقط بالحقد على العدو، وانما بتفجير هذا الحقد على شكل ممارسات عملية تضر بالعدو مهما كان هذا الضرر بسيطا. ان انتقال الحركة الثورية الى مرحلة حرب الشعب، لا يتم دفعة واحدة. لا يتم الا بالانتقال من مرحلة الدفاع الاستراتيجي الى مرحلة الهجوم الاستراتيجي.. المرحلة التي يصبح فيها كل فرد ينام ويصحو وهو يفكر كيف يتخلص من الظلم، وكيف يتخلص من الاستغلال، وكيف يتخلص من الاحتلال… والحركة الثورية هي التي تعطي جوابا واضحا بممارسات اعضائها وانصارها، ومن ثم الجماهير… ممارسة الكفاح المسلح بكل اشكاله.
ان المبدأ الاساسي في العمل العسكري، هو المحافظة على الذات وافناء العدو.. وهذا المبدأ، الذي يجمع بين متناقضين عملياً، يشكل ضرورة اساسية لنجاح العمل.. ان التصدي لقتال العدو يعرضنا للخطر.. ويعرض ذاتنا الى الفناء.. ولكننا لا يمكننا ان نقاتل العدو و نلحق بالعدو اضرارا.. الا اذا تعرضنا نحن أيضا الى الخطر، وهنا تتدخل كل قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري، لتجعل قدرتنا على افناء العدو هي الوقاية الحقيقية لذاتنا… لان العدو هو مصدر الخطر الاساسي على ذاتنا.. فكلما اضعفنا هذا المصدر كلما قلصنا الخطر على ذاتنا..
ان اختيار الاساليب والوسائل الملائمة لكل مرحلة ولكل عملية، تضمن للحركة الثورية تراكماً في انتصاراتها، التي كلما زادت، كلما تضاعفت بشكل مطرد، نتيجة مردوداتها المادية والمعنوية على اعضاء الحركة الثورية وعلى الجماهير. ان قتال العدو ليست عملية سهلة بالنسبة للحركة الثورية، ولكنها أيضا ليست عملية سهلة بالنسبة للعدو، وتستطيع الحركة الثورية بتركيزها على اكثر نقاط العدو حساسية، ان تجعله يضطرب ويفقد وعيه، فتتراكم خسارته ويختل توازنه. ان قتال العدو، عندما يصبح مهمة جماهيرية بقيادة الحركة الثورية، يحول الوطن الى جحيم لاعدائه.. ويجعل من الجماهير خنجرا مغروسا في صدر العدو أينما وجد. في الريف.. في المدن. في مواقعه الحصينة وخارجها.. في اكثر نقاط امنه وفي مراكز قوته.. هكذا تعامل الحركة الثورية اعداءها فلا تعطيهم مجالاً لالتقاط الانفاس والاستفادة من الزمن..
ان استمرار الكفاح المسلح ضرورة اساسية لاستمرار الثورة، حيث انه يؤكد استمرار التفات الجماهير حول الثورة، ويؤكد ارتفاع الكفاءة القتالية لاعضاء الحركة الثورية وللجماهير، كما وانه يحرم العدو من ترتيب أوضاعه.. كل هذه الامور، التي تضيع اذا توقفت الثورة عن تصعيد نضالها وعن استمراره، فتعطي للعدو فرصة يستفيد منها ليخطط وينفذ محاولاته المستمرة لضرب الثورة وتصفيتها .. ان على الحركة الثورية ان تناضل رغم كل الظروف لتخلق قواعد ارتكازية تصبح نقاط تجمع وانطلاقاً لمقاتليها.. ان مواصفات هذه القواعد تختلف من بلد الى اخر وذلك لاختلاف طبيعة الارض والبشر والعدو. ان ادوات الصراع واراضيه تتحكم في خصوصيات العمل العسكري، وان كانت جميعها تخضع للقواعد العسكرية العامة. ان الموقع الذي يسيطر عليه المقاتلون عمليا مهما صغرت مساحته أو كبرت، فانه صورة للارض المحررة، وأن طبيعة العلاقات التي تسود بين المقاتلين في الارض المحررة وبين الجماهير فيها، تعطي صورة عن طبيعة العلاقة بين السلطة، التي تسعى الحركة الثورية لانشائها عند تحقيق النصر، وبين جماهير الشعب. ان مسلكية الثوار في مناطق تواجدهم .. سواء الاراضي المحررة أو قواعد الارتكاز في البلدان المجاورة .. أو نقاط الانطلاق .. كلها تعطي الملامح الأولية لطبيعة المسلكية، التي سيعممها الثوار في المجتمع الثوري المنشود. ولهذا، فان التمسك والالتزام بقواعد المسلكية الثورية تعطي للجماهير ضمانة التمسك بالخطوط الثورية السليمة، وبالتالي ضمانة العدالة الاجتماعية والتقدمية في المجتمع الثوري المنتصر.
ومهم جدا ان يعرف كل اعضاء الحركة الثورية، ان انطلاقة الرصاص وتفجير الثورة المسلحة تعني انهم جميعا اصبحوا عسكريين الى جانب أية مهمة اخرى يمكن ان يقوموا بها.. ان النضالات السياسية والعسكرية والجماهيرية والتنظيمية تتشابك مع بعضها لدى كل اعضاء الحركة الثورية.ان هذا التداخل والتشابك، يجب ان لا ينسينا قواعد المسلكية الثورية، التي تفرض علينا ان نختار للقيام بالمهمات اكثر الناس ايمانا بها وبقدرتهم على تنفيذها، سواء اكانت المهمات سياسية أو جماهيرية أو تنظيمية أو عسكرية.
ان قواعد المسكلية الثورية في المجال العسكري، ليست فقط قواعد لمسلكية الافراد، وانما لمسلكية الجماعة أيضاً، حيث ان الطبيعة الاساسية للعمل العسكري هي العمل الجماعي.. وفيما يلي استعراض لقواعد المسلكية الثورية الهامة في المجال العسكري:-
1-العنف :
ان قوى البطش والاستغلال المعادية للشعب تمارس ضده كل اساليب الارهاب حتى تخضعه لارادتها. ولكن الشعب عندما تدفع به الطليعة الثورية الى التحرك .. الى الثورة، فانه لا يجد امامه غير درب العنف الثورية ليجتث به ارهاب المستعمرين والمستغلين. فالعنف الثوري هو شرط اساسي لكل ثائر يرى الظلم ويستعد لازالته . ان محاربة الاستعمار تهدف الى تصفيته والى ازالته وارساء حياة جديدة للمجتمع المتحرر، يتمتع فيها البشر كلهم بالمساواة.. والحرية والعدالة . ولان الاستعمار هو وجود عنيف، فان ازالته لا تتم الا بالعنف ان تصارع القوى بكل ما أوتيت من امكانيات يتم من اجل تغلب واحدة على الاخرى. من اجل تغلب الخير على الشر، فالمستغلون المستعمرون لا يتخلصون من عنف الظلم الا بعنف الثورة و من عنف الاستغلال والعبودية الا بعنف السلاح والتضحية. ان أية بادرة لطف تجاه العدو يبديها ثائر لم يحرز النصر بعد، هي انحراف عن المسلكية الثورية وخروج عن الخط العسكري، الذي يتطلب من الثائر، ان يركز حقده دائما على العدو لكي يتركز عنفه ضده، وحتى يصبح لضرباته اكبر الاثر الموجع المحطم لقوى العدو وعنجهيته وجبروته وظلمه.
ان ممارسة العنف الثورة تقتضي من الحركة الثورية ان يحدد وبدقة من هم اعداؤها.. ومن هم حلفاؤها، حتى لا تقع في خطر ممارسة العنف الثوري داخل صفوف الثورة كوسيلة لحل التناقضات أو التعارضات، التي يجب حلها باللطف .. بالنقد والنقد الذاتي. ان التفريق بين الخطأ والخيانة هو تفريق بين مناضل يخطئ فيجب تصحيحه، وبين عميل يخون الثورة، فيجب تصفيته ومعاملته معاملة العدو.
ان اعضاء الحركة الثورية مطالبون ان يغرسوا روح العنف الثوري لدى الجماهير، وذلك بتوعيتهم واطلاعهم على تفاصيل الجرائم التي يرتكبها العدو، حتى تتعمق في نفوسهم الرغبة المشروعة للانتقام . وعلى الحركة الثورية أيضا ان تبين لاعضائها وللجماهير عن خلفية كل الممارسات الخادعة، التي تصدر عن اعداء الشعب، والذين يختفون خلفها حتى يحدثوا شرخا بين الجماهير وطليعتها الثورية. ان محاولات التقرب من الجماهير عن طريق حسن الخلق والاغراءات المادية والمعنوية، هي احدى اساليب الحرب النفسية، التي يهدف العدو منها الى قتل روح الحقد تجاهه بين الجماهير، وتحويل هذا الحقد ان امكن على الحركة الثورية، بدعوى انها سبب كل ما يلاقيه من مشاكل. ان القوى الاستعمارية والمعادية للجماهير، يهمها فقط ان تسود روح الاستسلام والخضوع على كافة المستويات، حتى يضمن المستعمرون والمستغلون بقاءهم وسيطرتهم.
ان ازالة الاستعمار ومحوه، لا تتم الا بالصراع العنيف بين ارادتين متناقضتين.. ارادة الشعب وارادة اعداء الشعب، وان هذا الصراع هو عملية عنيفة جدا لا تنتهي حقيقة الا بزوال احد الطرفين ..
وان الشعب في نضاله الطويل المرير للتخلص من الاستعمار والاستغلال والقضاء عليهما، يخلص نفسه من كل رواسب التخلف والامراض الاجتماعية، ففي وهج النضال العنيف يولد الانسان الجديد القادر على اكمال مسيرة الحركة الثورية وتوطيد مبادئها وخلق مجتمع العدل والمساواة والحرية على انقاض مجتمع الواقع الفاسد.
2-اللياقة البدنية :
ان تنوع الاسلحة وتطورها، قلل من اهمية اللياقة البدنية كضرورة اساسية للقتال، كما كانت أيام الفرسان وعهد السيوف . واذا كانت الجيوش النظامية تعطي للياقة البدنية اهمية خاصة عند اختيار افراد الجيش، فان الحركات الثورية، التي تخوض حروب التحرير الشعبية، لا تستطيع ان تحرم كل ابناء الشعب من القيام بواجبهم النضالي والقتالي ويكون للياقة البدنية والاهتمام بها والمحافظة عليها والتمسك بها، كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري، دورها في اختيار المهمات المناسبة لكل درجة من درجات اللياقة. ان مقاتلي العصابات في الجبال وافراد الدوريات الهجومية لا يستطيعون ان يتحملوا بينهم أي عضو فاقد للياقة البدنية، لانه يصبح عبئا عليهم وتعويقا لتحركهم، وقد يفشل لهم المهمات المنوطة بهم. ان اللياقة البدنية للمجموعة المقاتلة، تقاس بدرجة اللياقة التي يتمتع بها اضعفهم، حيث انه هو الذي يتحكم بوضع خططهم وسرعة تحركهم ومداها ولقدرته تضطر المجموعة ان تستجيب.
ان قتال الجبال .. وقتال الشوارع في المدن، يتطلب من الافراد خفة ورشاقة، وقدرة على التحرك بسرعة، حتى تتمكن المجموعة من تملك عامل المرونة، الذي يساعد على التنفيذ الاسلم للمهمات، والتصدي الاكثر فاعلية لهجمات العدو. وتتطلب حرب الشعب من اعضاء الحركة الثورية، درجة عالية من الاستعداد للتصدي للهجمات الفردية، التي تستهدفهم كأفراد.. ويتم ذلك بالتمرين المتواصل على رياضات الدفاع عن النفس، والقتال بالأيدي وبالسلاح الابيض.
ان الافراد الذين يتمتعون بلياقة بدنية متفوقة، يكسبونها بالتمرين المتواصل، الذي يحتاج الى ارادة قوية، وهذا التمرين وهذه الارادة المكتسبة، تساعد الافراد على الصمود في حالة وقوعهم اسرى لدى العدو. وتصبح ارادتهم وقدرتهم الحيوية سدا امام محاولات العدو لاخضاعهم لارادته وحملهم على الاعتراف بما يضر حركتهم الثورية.
ان التمسك باللياقة البدنية كقاعدة للمسلكية الثورية، تدفع اعضاء الحركة الثورية الى تجنب الكثير من العادات السيئة، التي تضر بصحتهم وبقدرتهم على القتال، وتحميهم بذلك من الوقوع في الانحراف عن كثير من قواعد المسكلية الثورية في المجالات الجماهيرية والتنظيمية والسياسية، وتجعلهم قادرين على القيام بأصعب المهمات وتنفيذها بجدارة عالية.
3-الصبر والتحمل :
اذا كانت الاستمرارية وطول النفس هي قاعدة للمسلكية الثورية في المجال التنظيمي، فان هذه الاستمرارية تحتاج الى صبر وقدرة على تحمل المشاق التي يتطلبها العمل العسكري، ولهذا، فان الصبر والتحمل يشكلان قاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري. ان مردود العمل العسكري السريع على المدى التكتيكي اليومي الناتج من تأدية المهام العسكرية وتنفيذها، يتطلب تعميق مفهوم الصبر، للوصول الى النتائج الباهرة على المدى الاستراتيجي .. للوصول الى مرحلة النصر. ان الحروب النظامية قد تحدث نصرا سريعاً، ولكن مفهوم حرب الشعب الاساسي هو طول امدها.. وان أي مناضل يحاول ان يقفز عن هذه الاساسيات ويتوقع النصر الحاسم قبل الأوان، يكون قد فقد قاعدة اساسية من قواعد المسلكية الثورية، وهي الصبر والتحمل. ان القوى المضادة للشعب ولثورته تسعى دائما لقتل روح الصبر لدى المناضلين والجماهير، وذلك بتشكيكهم الدائم بجدوى حرب الشعب وحرب العصابات. ان فقدان الثقة بحرب الشعب وبالكفاح المسلح، كطريق حتمي للنضال ضد الاعداء المغتصبين للارض أو المستغلين للشعب، تؤدي الى الوقوع في اشراك الانتهازية اليمينية القصيرة النفس، الفاقدة للصبر والتحمل الثوري، كقاعدة لمسلكيتها الثورية، مما يدفعها الى الاستسلام لشروط العدو والقبول بانصاف الحلول.
ان الحركة الثورية، التي تبدأ كفكرة للتغيير، تحملها طليعة ثورية محدودة العدد والامكانيات، تتحول تدريجيا وبصبر ونفس طويل الى قوة تبدأ صراعها المسلح ضد السلطة الفاسدة. أو الاستعمار الخارجي أو الاستيطاني .. ان ميزان القوى لا تحدثه الحركة الثورية بطريقة انقلابية، وانما بالتراكم الكمي والنوعي للانجازات الثورية على حساب ما تلحقه من خسائر للقوى المعادية للجماهير . وهذا النمو البطيء، هو الذي يضمن سلامة الولادة الحقيقية للثورة.. ولمراحل انتقالها من الضعف الى التوازن… الى القوة.. الى النصر.. ان الانتصارات الكاذبة لا تعطي للثورة وللثوار عمقا جماهيرياً، لانها لن تلبث ان تظهر على حقيقتها، حيث ان الجماهير تدرك بحسها الثوري الاصيل، كيف تحدث الانتصارات وكيف تستثمر .. لان حرب الشعب هي حرب الجماهير .. وان الانتصار، الذي تحققه حرب الشعب، هو الانتصار التي تشارك الجماهير بصناعته.. وباستثماره وبتصعيده الى درجات ارقى على طريق النصر الكبير.
4-شدة الملاحظة :
يتم العمل العسكري بين طرفين، يحاول كل منهما افناء الاخر. ويغوص كل طرف في ابتكار الاساليب البسيطة والمعقدة وتنويع مجالات عمله، حتى يخضع خصمه لارادته. وان مهمة المناضل الثوري، ليس فقط انجاز الايجابيات والانتصارات، وانما تحاشي الوقوع في السلبيات، التي تعطي لعدوه انتصارات وايجابيات. والمسلكية الثورية في المجال العسكري تقتضي من الافراد ان يتمتعوا بحس مرتفع لشدة الملاحظة. ان ابسط المظاهر، التي لا تلفت نظر الانسان العادي، قد يكون وراءها ما وراءها من الدمار والويلات والاشراك للحركة الثورية . وان الاهمال واللامبالاة قد أوقعا المناضلين في اخطاء، افقدتهم قدراتهم على استمرار النضال، وافقدت بعض الثورات والحركات الثورية وجودها.. ان شدة الملاحظة كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري، تتطلب من العضو ان يعطي اهتماما خاصا لكل ظاهرة أو مظهر غريب يلفت انتباهه مهما كان بسيطا وتافها. ويجب ان لا يتوقف الامر عند ملاحظة الظاهر أو المظهر، وانما يجب ان تتابع للتأكد من اهميتها أو تفاهتها. ان النضال اليومي للمقاتل في الحركة الثورية، سواء أكان مقاتلا عصابيا في الجبال أو في المدن، وسواء اكان عمله علنيا أو سرياً، فانه يجب ان يتذكر دائما انه يعمل في وسط حقل من الالغام. وان عليه ان يتحسس موضع قدمه قبل نقله. وعليه ان يعطي اهتماما خاصا للامور البسيطة، وان لا يقع في مطبات الاهمال واللامبالاة، التي تجلب على الحركة الثورية الويلات والدمار. ان ملاحظة آثار اقدام أو بقايا طعام أو عقب سيجارة من نوع معين يساعد المقاتل العصابي على تقدير موقف. وان اختلافا في الاثاث أو ترتيب الحقيبة أو تكرار في المصادفات، تجعل المقاتل العصابي في المدن، يعرف اذا ما كان متابعا أو مراقبا . وان خيطا دقيقا أو مظروفا عاديا قد يحمل في طياته الهلاك اذا ما عومل باستهتار . ولهذا، فان على المناضلين ان يتمرسوا بالملاحظة الدقيقة الشديدة، وان يعملوا في المقابل على عدم ترك أية اثار أو اشارات تلفت انتباه اعدائهم لوجودهم أو لمخططاتهم او اشراكهم.
ان شدة الملاحظة الوقائية، التي تحرم العدو من تمرير اهدافه، يقابلها شدة الملاحظة الايجابية، التي تجعل المناضل ينفذ مهماته بدقة متناهية تحرم العدو من وقاية ذاته، مهما أوتي من شدة الملاحظة . والحرب خدعة، والعمل العسكري مليء بالاشراك والالغام.. والدقة والحرص الدائم، الذي اصبح جزءا من الشخصية المقاتلة يساعد على عبور افراد الحركة الثورية بكاملها كل حقول الالغام بأقل الاضرار.
5-روح البحث والتقصي :
يتطلب انجاز أي عمل بنجاح، معرفة حقيقية بأهداف العمل وظروفه الذاتية والموضوعية، والعمل العسكري يتطلب معرفة بالتفاصيل والجزئيات، حتى يمكن انجازه بفاعلية. ولهذا، فان المسكلية الثورية في المجال العسكري، تقتضي من المقاتلين ان يرصدوا الهدف جيداً، وان يستطلعوه من كافة الجوانب، والوضع البشري والتسليح والتحصين ونقاط الضعف، وكيف ومن أين ومتى يجب ان يهاجم . ان روح البحث والتقصي والاستطلاعية هي من الضمانات، التي تستلزمها الحركات الثورية في مسيرتها لتحقيق النصر.. والمعرفة والاستقصاء، يجب ان لا يقتصر على معرفة العدو.. على المقاتل ان يعرف ذاته وقدراته . ان يعرف حالة المجموعة، التي يقاتل معها وامكانياتها بدقة، حتى يقرر اذا ما كانت الامكانيات المتوفرة، قادرة على التصدي للهدف، مع الاخذ بعين الاعتبار قواعد اخرى ضرورية للمسلكية الثورية، كالتركيز والمفاجأة.. والحركة .. والمرونة.
والى جانب معرفة الهدف المعادي والامكانيات الذاتية. فان طبيعة الارض، التي سيتم عليها الصراع، تلعب دوراً حاسماً. ولذا يتطلب من المناضلين وضعها بعين الاعتبار، ليس من الناحية التكوينية والطوبوغرافية فحسب، وانما من النواحي الديموغرافية والمناخية والاجتماعية والاقتصادية، حتى يكون تنفيذ الهدف موجعا للعدو في الزمان والمكان.
ويجب ان لا يغيب عن ذهن المناضلين في الحركات الثورية، ان روح البحث والتقصي والاستطلاعية، كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري، لا تتناقض أو تنفي القاعدة الاساسية الاخرى، وهي المبادرة والتي تدفع المناضلين الى اتخاذ القرارات وتنفيذها دونما الرجوع الى المراتب العليا، وذلك عندما يكون مردود هذه القرارات هو ضمن الخط الاستراتيجي العام عسكريا وتنظيميا وسياسيا وجماهيرياً.
6-التركيز :
يتطلب انجاز أي هدف محدد، اعطاءه الاهمية الكافية والامكانيات اللازمة لتحقيقه. والتقصير في حشد الامكانيات المادية والبشرية والمعنوية الضرورية لانجاز الهدف، يؤدي الى فشل المهمة، مما يعتبر خروجا عن المسلكية الثورية في المجال العسكري. ولهذا، فان التركيز كمسلكية ثورية، تتطلب من اعضاء الحركة ان يتوجهوا الى الهدف المعني للتعرف عليها بشمولية ومن كافة الجوانب ودرس خصوصياته بدقة وعناية بالغة، ومن ثم حشد كل القوى اللازمة لسحق العدو، وتحقيق المبدأ الاساسي للحرب. ان مفهوم التركيز كمسلكية ثورية يختلف باختلاف شكل القتال، ولكنه يظل مبدأ اساسيا من مبادىء الحرب. ففي الحرب النظامية والمعارك الاستراتيجية بين الجيوش، فان التركيز، يعني التركيز على النقطة الاساسية عند العدو وضربها بشدة بكل قوة، يمكن حشدها، وذلك لارباك العدو وسحقه ماديا ومعنويا ومنعه من التقاط انفاسه وحرمانه من أي شكل من اشكال المرونة لاعادة تجميع قواته. وعندما يكون شكل القتال عصابيا في الجبال، فان مفهوم التركيز، يعني حشد قوة كبيرة لابادة قوة صغيرة معادية، وهذا يعني ان على مقاتلي حرب العصابات في الجبال، لكي يتصدوا لهدف محدد، ان يضعوا نصب اعينهم ضرورة ابادة هذا الهدف، وحتى يتسنى لهم ذلك، فانهم مضطرون لحشد القوة اللازمة لابادته. حتى لا يتمكن الهدف من الدفاع واستقدام النجدات، مما يعكس الآية ويصبح خطر الابادة يهدد الثوار. ان التركيز في القتال العصابي الريفي يتطلب حشدا للقوى المعادية في الهدف التكتيكي تكون بنسبة عشرة الى واحد لصالح الثوار وان كان الوجود الاستراتيجي قد يكون معكوس النسبة. اما في قتال المدن، فان عمليات التخريب تتطلب التركيز على الهدف وتنفيذه باقل الاعداد البشرية. ولكن حالات الخطف والاغتيال، تتطلب تركيزا في العدد البشري اللازم لانجاح المهمة. وفي كل الحالات، يجب ان يتلاءم التركيز والمرونة، حتى لا يصبح احدها على حساب الاخر.
ان حرب الشعب لا تحقق النصر في معركة حاسمة، ولكنها تحققه نتيجة التراكم الايجابي المستمر للانتصارات التكتيكية . ولهذا، فان على المناضلين في الحركات الثورية ان يقوموا دائما بالعمل العسكري ضد العدو، شريطة ان تكون الاهداف التي يتصيدون لانجازها متفقة مع الامكانيات المتوفرة.. ان عدم القيام بالمهام الممكن انجازها بالامكانيات المتوفرة، هو هروب من ساحة النضال، يفقد الحركة الثورية فعاليتها، كما ان التصدي لاهداف تحتاج من الامكانيات اكثر من المتوفر تؤدي الى الهزائم المتتالية، التي ينهي تراكمها الوجود الثوري.
صحيح ان الثورة تتعلم من الانتكاسات، ولكنها لا تتصاعد وتنمو باتجاه النصر العظيم الا بالانتصارات الصغيرة المستمرة
7- حضور البديهة:
يتميز قتال حرب الشعب بسلسلة المفاجآت التكتيكية والشبه يومية، التي تواجه مناضلي الحركة الثورية اثناء خوضهم مرحلة الكفاح المسلح .. فالعدو الذي يجابه الشعب وطلائعه الثورية بكافة الاساليب والوسائل، يبتدع ويجدد هذه الاساليب مزودا بخبرات الامبريالية والقوى المعادية للشعوب والثوار في كل مكان.. ان كل هذا التركيز على الثائر، يتطلب منه دائما ان يكون حاضر البديهة متوقد الذهن، بحيث يتخذ ردة الفعل الأيجابية المناسبة السريعة لأي عمل عدواني يستهدفه كشخص أو يستهدف حركته الثورية. ان المعرفة السابقة بأساليب القوى المضادة للثورات والمواقف، التي يجب ان تؤخذ لاحباطها، تساعد المقاتلين وتنمي لديهم قاعدة اساسية من قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري، وهي حضور البديهة.
ان سرعة الخاطر لدى المقاتل واتخاذه القرار الصحيح السريع، يساعده على مجابهة الخطر وتفاديه. والفطنة تنجي الافراد والمجموعات من شرائك الاعداء ومطباتهم، بعكس الجمود والتبلد والخمول الذهني، الذي لا يضر بالفرد المقاتل لوحده، وانما بالمجموعة التي هو جزء منها، وبالحركة الثورية. ان تعويد الاعضاء في الحركات الثورية على الخروج من المواقف الصعبة سياسيا وتنظيميا وعسكريا دون تلبك وارتباك وفقد للسيطرة على الذات، هو ضرورة اساسية من ضرورات النضال، لان المواقف العسكرية قد تصل الموت والدمار. فالتقاط القنبلة وابعادها أو ردها الى قاذفها، هو من الامثلة العسكرية لحضور البديهة. وان اتخاذ الموقع السليم والشكل المناسب اثناء التعرض للاشتباك أو لغارة جوية أو لقصف مدفعي، يساعد على حماية الاعضاء ويكرس قدراتهم الدفاعية والهجومية على حد سواء.
ان العمل الجماعي العسكري يتطلب من الفرد معرفة حاجات الجماعة والافراد العاملين معه بصورة تلقائية وبفطنة ثاقبة تستلهم من الحركات والنظرات، معاني لا يمكن ان يتفهمها البليد الخامل.
والطلائع في الحركات الثورية هي الافراد الاكثر فطنة.. والاكثر حضورا للذهن والبديهة، لانهم اكثر قدرة على تجنب سلبيات القتال وتكريس ايجابياته.
8-الخشونة :
ان اختيار افراد من المجتمع لطريق الثورة.. الطريق الصعب، متنازلين عن كل ما يمكن التمتع به، من مباهج الحياة العادية، ومتحملين كل ما يعترض طريق النضال من اشواك. يحتم على هؤلاء الافراد الطليعيين ان يعودوا انفسهم على الخشونة، حتى لا تغريهم مظاهر النعومة التي يحاول اعداء الشعب ان يوقعوا المناضلين في حبائلها. ان العمل العسكري يتطلب من الجهد الجسدي ما لا يتطلبه العمل النضالي بالاشكال الاخرى. ولهذا، فان من ضروريات انجاح العمل العسكري، هو تكريس الخشونة كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري، حتى يضع المناضل نصب عينيه، ليس قدرته على تحمل شظف العيش الحالي، وانما الاستعداد للاسوأ. وان امتلاكه لعزة النفس والمروءة، هي اهم مما يمتلكه المتنعمون على الريش تحت سياط الذل النفسي والمعنوي والاقتصادي والاجتماعي.
ان اللياقة البدنية، التي تؤمن للعضو امتلاك القوة والقدرة والخفة، تتطلب امتلاك الخشونة، حيث انها من المظاهر الدائمة التي يواجهها المناضل الثوري في كافة مراحل الثورة المسلحة. ان حرب العصابات في الجبال أو في المدن، تتطلب من اعضاء الحركات الثورية ان يعيشوا في احلك الظروف . وان مهمات النضال تنقلهم الى مواجهة ظروف اصعب، ولكنهم بالسير على طريق الهدف الكبير لا يحسون بقسوة الحياة، وانما بحلاوة الانجاز الثوري.
9-التدريب :
حتى يستطيع المناضل الثوري ان يقوم بمهماته بدرجة من الفعالية . فان عليه ان يكون عارفا لحقيقة المهمات ولكيفية تأديتها. وفي القتال لا يستطيع الانسان ان يقوم بواجبه جيدا دون ان يعرف طبيعة المهمة العسكرية الموكلة اليه. وبأي سلاح يستطيع تنفيذها. ان السلاح، الذي يستخدمه المقاتل، هو أول ما يجب عليه ان يعرف كيف يستخدمه.. وما هي مميزاته وخواصه وفعاليته . ان التدريب على استخدام السلاح، بكافة اشكاله وانواعه، هو ضرورة اساسية لكل مناضل يريد ان يتصدى للمهمات القتالية بجدارة. ويعطي التدريب الجيد على استخدام السلاح ميزتين اساسيتين للمقاتل، أولهما فعاليته في تأدية المهمة. وثانيهما قدرته على حماية نفسه وتحاشي الوقوع في السلبية. ويؤكد بذلك على ان التدريب، هو الذي يحقق للمقاتل امنه ايجابيا ووقائيا. ان الافتقار الى التدريب الجيد، يؤدي الى فشل المهمات من جهة، وتعرض المناضلين للاخطار من جهة اخرى. واشكال النضال، التي ترافق العمل العسكري وتشكل مقدمات اساسية، تحتاج الى تدريب ومعرفة، ولا يستطيع المقاتل الثوري ان يستغني عنها. ان المقاتل مطالب بالتدريب على اساليب الاتصال والاستطلاع وقواعد الامن والمعرفة بأصول الطوبوغرافيا والجغرافيا العسكرية.. وغيرها. ان اهمية كل هذه العلوم العسكرية والتعرف عليها بالتدريب المتواصل لتكون الى جانب المعرفة الكاملة المتطورة للسلاح أولاً والتدريب المتواصل على اللياقة البدنية بكافة اشكالها ثانياً. ان الصعوبات، التي يتعرض لها المقاتل الثوري، تتطلب منه قدرة على مجابهتها والتدريب على مواجهة المصاعب والمشاق في معسكرات التدريب يساعد على مواجهتها حقيقة في ميدان القتال. ان حماية العضو، عندما يتصدى للقتال، حماية لذاته وقدرته، وفعاليته على تأدية المهمة يتوقف على امتلاكه للكفاءة القتالية جسديا ومعنويا .. وفنيا.. ولهذا فان المقاتل، الذي يفتقر الى الحد الادنى من التدريب على السلاح، يخرج عمليا من قاعدة اساسية من قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري .. ليس التدريب عملية تنتهي بالخروج من معسكر التدريب. انه عملية مستمرة، تبدأ في معسكر التدريب وتتصاعد باستمرار بالممارسة العملية اليومية وفي ساحات القتال. فالتعرف على السلاح جيدا يتم باستخدامه. ورفع الكفاءة القتالية والقدرة المعنوية يتم بخوض المعارك الطاحنة .. والحرب لا يتعلمها الناس حقيقة الا بخوضها. ان اخطر ما يمكن ان يصل اليه المقاتل، هو الشعور بالمعرفة الكاملة وبعدم الحاجة للتعلم والتدريب، ان هذا الشعور يجعله يتجاوز الثقة بالنفس الى درجة الاستهتار. والسلاح لا يسمح بتكرار الخطأ. ففي معظم الاحيان يكون الخطأ الأول هو الخطأ الاخير. ولهذا، فان المسلكية الثورية توجب على العضو ان يسعى دائما الى التدريب ورفع الكفاءة القتالية.
10- الصدامية :
ان امتلاك الروح الصدامية الهجومية، هو من المقومات الاساسية لانجاح أية مهمة عسكرية. ان الشجاعة والعنف لا يتحققان جديا في ساحة القتال، الا اذا اكتملتا بايجابية الصدام الهجومي التي تؤمن المبادرة والتفوق للمهمة. ان الترابط الدائم بين الشجاعة والهدوء، هو الذي يحدد ضرورة الوثبة الهجومية في وقتها المناسب. وفي الاجواء المعادية.. كظروف الاحتلال .. أو الأسر.. فان سلوك المناضل الثوري لا يكتمل، الا اذا امتاز بصدامية دائمة، حتى يحقق قاعدة اساسية للنضال، وهي ان الهجوم هو احسن وسائل الدفاع. ان على المناضلين الثوريين ان يمتازوا في قتالهم عن القوى المعادية، وذلك بجعله يأخذ موقف الفاعل من الاحداث .. المخطط لها ولردود فعلها. والعارف سلفا لفعله التالي المضاد لردة فعل العدو . ولا يمكن التوفيق بين الفعل، وبخاصة الا اذا امتلك الفاعل روحا صدامية تجعل من الضربة الأولى ومن ردها على ردة فعل العدو عليها، تراكما ايجابيا لصالح الثورة. ان التردد والهروبية، يجعلان الثورة وقواها في موقع ردة الفعل، وبالتالي في موقع ريشة تتلاعب بها رياح العدو.. والفرق بين الثورة العاصفة.. الثورة التي تصنع الاحداث، وبين الثورة الريشة.. هو كالفرق بين النصر الاكيد والهزيمة الحتمية.
ان أول مردود للصدامية، كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري، هو تعزيزها ورفعها للروح المعنوية للثوار، مما يجند فعليا للمعركة كل امكانيات المقاتلين المادية والمعنوية، ويوقظ فيهم كل مشاعر العطاء وقدرات الفعل والابداع. وتفعل الصدامية والروح الهجومية لدى العدو، عكس ما تفعله في صفوف المقاتلين الثوريين، فتشل قواه الذاتية وتضعف ترابط ادوات القمع البشرية والمادية نتيجة تدهور روحه المعنوية. ويتمثل انعكاس الروح الايجابية في النضال بتقدير الصدامية والروح الهجومية لدى المقاتلين، مما يجعل كل معطيات فعلهم تتراكم ايجابيا لتحقيق النصر.
11-الاستعداد الدائم :
يتطلب اختيار اسلوب القتال، تأمين ما يلزمه من متطلبات مادية وبشرية، وما يتبعها من مهارات فنية للقتال المعين، واستعداد لمواجهة كل مفاجآت القوى المعادية.. وعندما تختار الحركات الثورية حرب الشعب والكفاح المسلح طريقا وحيدا للنضال والقتال ضد العدو، فانها تحدد بالضبط الادوات الاساسية للنضال ومكان وزمان نضالهم . ان حرب الشعب ليست حربا بين جيشين .. وليست حربا محددة في زمان أو مكان، فهي حرب دائمة ما دام الشعب مستعبدا. مستغلا أو مطرودا مشردا.. وما دام الشعب فاعلا في معسكر العدو، فان عليه ان يتوقع ردود فعل العدو، وان يكون دائم الاستعداد لتلافيها وللرد عليها، فليس بين الشعب واعدائه خطوط لوقف اطلاق النار. أو فصل للقوات أو هدنة أو مناطق مجردة من السلاح . ان قتال الشعب ضد اعدائه، هو عملية مستمرة ومتصاعدة في كل زمان ومكان حتى يحقق الشعب اهدافه الكاملة. ان الحالات، التي تصاب فيها القوى الثورية بضربات من اعدائها تفقدهم قواهم البشرية أو المعنوية، لا تتم الا نتيجة اهمال القوى الثورية لقاعدة اساسية من قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري، وهي قاعدة الاستعداد الدائم. ان حالات الاسترخاء واللامبالاة والاستهتار بالعدو، هي مؤشرات تحدد للقوى المعادية هدفها وتحدد لها كيف .. ومتى تستطيع ان تحققه . والاستعداد الدائم في حرب الشعب لا يتوقف على اعضاء الحركة الثورية وحدهم. وانما عليهم كطلائع للجماهير، ان يخلقوا جوا من المسؤولية بين صفوف الجماهير، تدفعها لتحمل اعباء حماية نفسها والدفاع عن وجودها ومنجزاتها ومكتسباتها. ان ابطال مفعول مفاجآت العدو للقوى الثورية، لا يتم بفعالية اعضاء الحركة الثورية وحدهم، وانما بتلاحمهم مع الجماهير، التي تشكل عيونا للثوار وحماية حقيقية لهم. ان الاستعداد الدائم واتخاذ كافة الاجراءات الوقائية والاحتياطية لأي احتمال يمكن للعدو ان ينفذه، هو اعداد لفعل ايجابي في الصراع يحول فعل العدو الهجومي في لحظة الممارسة الى ردة فعل دفاعية تفقده توازنه وتربكه ماديا ومعنويا. وهذا النوع من الفعل الوقائي، لا يحقق اهدافه بالاستعدادات الظاهرية والقوى الاستعراضية، لان كل هذه تدخل في حسابات العدو. ولكن الفعل يتم بالاستعداد الدائم غير المرئي، والذي يتمتع بسرية وفعالية لا تدخلان في حسابات العدو.
الاباء والاعتزاز بالنفس :
الثورة رفض للذل وللمهانة.. رفض للخضوع والاستكانة، وبعث لعزة النفس والكرامة والاباء. والعمل العسكري هو التجسيد الحي العنيف لرفض الذل والخضوع ومحاربة استغلال الانسان للانسان.
ولا يستطيع المقاتل الثوري ان يتصدي لانجاز مهامه العسكرية، التي يضع في اعتباره اثناء تأديتها انه سيضحي بروحه وبحياته في سبيل انجاحها، الا اذا كان هذا المقاتل رافضا حقيقيا للواقع الفاسد. رافضاً للذل وللاستكانة.
ان الحركات الثورية تنمي لدى مقاتليها روح الاعتزاز بالنفس، روح الاباء، وترفض في صفوفها كل اصحاب النفوس المريضة، والذين يقبلون المهانة والخضوع. ان رأسمال الحركة الثورية هي مقاتليها الاباة، ولا يستطيع جيش خانع ان يحقق أي انتصار. لان الخنوع مرتبط بالجبن. وبحب الحياة بأي ثمن. وتقتضي المسلكية الثورية ان تحارب كل محاولات التسلط الفردي واذلال المقاتلين لأي سبب، لان المسؤول الذي يطلب من الاخرين ان يستسلموا له ولارادته بالضغط، سواء كان على حق أو على باطل. ان هذا المسؤول تكون تركيبته النفسية بحيث يخضع للعدو، ونتيجة اقل ضغط يوقعه العدو عليه.. ان الحركة الثورية التي تتصدى للمهام التاريخية، لا تستطيع انجازها الا برجال يعتزون بانفسهم.. وبحركتهم الثورية .. وأي خضوع وتقبل للمهانة والذل من المسؤولين في صفوف الحركة الثورية هو اشارة لاستعدادهم، ليس فقط للخضوع للعدو، ولكن للعمل في صفوفه أيضاً.
وتبنى الحركات الثورية كوادرها .. وقواعدها النضالية على اساس رفض الواقع الفاسد، لما في هذا الواقع من ذل واستغلال للشعب من اعدائه. والطلائع الثورية، التي ترفض من السلطة الرجعية أو العميلة ان تذل شعبها، ترفض هي ان تذله وان تستغله. ولهذا، فهي تبعث بانطلاقتها المسلحة روح العزة والكرامة والاباء.. فالذي يرفض ان يذله الاخرون، هو الذي يرفض ان يلحق بالاخرين المذلة.. والمقاتل الثوري لا يقاتل فقط من اجل حريته وكرامته الشخصية، وانما من اجل حرية وكرامة شعبه وامته.
الاعتماد على الذات :
يتميز عمل المقاتل في حرب الشعب، بأنه ابداع وتطوير دائم للوسائل، التي يمكن استخدامها لانجاز المهمات. واهمية العمل الفردي ضمن الخط الاستراتيجي العام، لا تقل عن اهمية العمل الجماعي ضمن نفس الخط. ففي حرب الشعب، حيث يشعر المناضل الثوري انه مطالب دائما بانجاز أية مهمة تلحق ضررا بالعدو أو بالقيام بأية مهمة لها مردود ايجابي للشعب وللثورة، ان المناضل في هذه الحالة لا يستطيع ان يظل في انتظار التوجيهات والأوامر والامدادات.. انه عمليا ثورة متكاملة.. عليه ان يعتمد على ذاته.. على الامكانيات التي يستطيع حشدها.. وعلى العمل الدائب المستمر لخلق ظروف ارقى للنضال. ان الاعداد العسكري في الثورات الشعبية المسلحة يعمد الى خلق الكادر، الذي يمثل الثورة نظريا وعمليا.. فهو الحامل لفكرها ونظريتها وهو الداعية لها بين الجماهير وهو المنظم لطاقات الشعب وهو المنفذ للمهام القتالية. ان ظروف الاحتلال والاستعمار والقهر، تدفع بالثورة الى تحميل المسؤولية الكاملة لابنائها، فبعد عملية اعدادهم وتدريبهم، عليهم ان يتدبروا امرهم بالطرق التي يرونها مناسبة، كل في منطقته وبيئته وامكانياته . ان اخطر ما يمكن ان تصل اليه الحركة الثورية، هي ان يتعود اعضاؤها على الحصول على كل ما يطالبون به من امكانيات.. وخطط .. ومساعدات..ان تعويد المناضلين على المطالب الجاهزة، يجعل الثورة كمن ينتظر النصر الجاهز.
ان الاعتماد على الذات.. وتنمية المبادرات.. والابداعات الفردية والذاتية للمناضلين، يجب بل ويشترط ان تكون ضمن التوجه الاستراتيجي العام. ان الخروج عن الخط الثوري، في أي مجال من مجالاته، لا يحقق انجازاً حقيقيا للثورة بل يلحق بها اضرارا جسيمة..
ان اعتماد المقاتل على ذاته وقيامه بالمبادرات المشروعة يكون مفيدا عندما ينطلق هذا الاعتماد على الذات من المنطلقات الثورية الاصيلة، فيكون العمل الفردي بذلك نوتة موسيقية داخل سيمفونية الثورة الخالدة.
14-اليقظة الثورية :
يتطلب العمل العسكري يقظة وحذراً اكثر مما يتطلبه أي عمل ثوري آخر. فالمقاتل الذي يستخدم ارقى وسائل العنف للتصدي للعدو، يواجه من قبل هذا العدو بأقسى واحدث الاساليب والوسائل القمعية. كما ان المقاتل، الذي يتعايش مع السلاح دائماً، يعرف انه يحمل روحه على كفه، حيث ان سلاحه يشكل دليل ادانته بالعداء الدموي للعدو. فان وقع في يد العدو نتيجة الاهمال والغفلة، فان الانكار أو المراوغة لن يحققا له الافلات من قبضة العدو.
ان تحقيق الامن العسكري باليقظة الثورية الدائمة، يؤكد المسلكية الثورية في المجال العسكري ويؤمن للعضو امكانية استمراره بالنضال أولا.. وانجازه الايجابي للمهمات ثانياً.. ان تحقيق الامن للمقاتل .. ولمجموعته، التي ترتبط به تنظيميا.. ولمهمته المكلف بها، تتطلب منه ان يؤمن أولا بضرورة الامن واليقظة لانجاز مهامه، ثم ان يعرف كيف يحقق هذا الامن واليقظة.. ثم كيف يتصرف اثناء التخطيط للمهمة .. واثناء تأديتها.. وبعد ذلك.. ان قواعد الامن ضرورة اساسية للمناضل كي يحقق اليقظة الثورية. ان الاهمية، التي يجب ان تعطي للامن اثناء التخطيط للمهمة، تتطلب دراسة كل الابعاد والاحتمالات. ولكن بداية التنفيذ العملي للمهمة تتطلب عدم المبالغة في التعلق بالامن والحذر، لان ذلك قد يكبل الحركة والمرونة، ويلجم المفاجأة والشجاعة، ويفسد الخطة بكاملها.. ان العمل الثوري القتالي هو تعرض للخطر.. وان كان ضروريا حسابه هذا الخطر ودراسة امكانية درئه عن المقاتل.. ولكن لا مناص للمقاتل من المغامرة و الاقدام وروح المخاطرة.
ان ابتداء التنفيذ العملي للمهمة، يتطلب سيطرة مجموع المسلكيات الثورية الايجابية حركة واقداما وشجاعة على ساحة القتال، مما يفتح للعمل الثوري الجريء طريقة لانجاز المهمة الثورية بأقصى درجات الفعالية.
15-المفاجأة :
يعتبر القتال الهجومي الشكل الاساسي في حرب العصابات والحروب الثورية، ولكي يعطي هذا الشكل من القتال مردودا ايجابيا دائماً، فان احدى خواصه الاساسية هي امتلاك المفاجأة لكل مهمة يخطط لتنفيذها أولاً، والحيطة والحذر لتحاشي الوقوع في مفاجآت العدو ثانيا. ان امتلاك المفاجأة في العمل الثوري المسلح، هو امتلاك وتنفيذ لقاعدة اساسية من قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري.. وتهدف المفاجأة الى احداث التفوق على العدو في الزمان والمكان المحددين، وذلك بافقاده لتوازنه. وارباكه وتحطيم روحه المعنوية.. ولا تتحقق المفاجأة بشكل واحد، أو بالاعتماد على عنصر واحد من عناصر القتال.. فالمفاجأة المركبة أو الكاملة قد تجمع اكثر من عنصر واحد مما يؤكد ليس فقط السيطرة التكتيكية وانما السيطرة الاستراتيجية.. أو الاكثر شمولا. وقد تعتمد المفاجأة على عنصر الزمان فقط، وذلك يعني الهجوم في وقت لا يتوقع العدو ان يهاجم فيه، وبذلك تكون استعداداته الدفاعية في اضعف حالاتها.. كما ان المفاجأة قد تعتمد على عنصر المكان .. أو نقطة الهجوم، وهي عادة النقطة التي لا يتوقع العدو ان يهاجم منها والتي تكون فيها استعداداته الامنية ضعيفة.
ويمكن تحقيق المفاجأة باستخدام سلاح جديد لم يدخل في خطة العدو وتقديره للموقف، مما يخلق الارتباك وانهيار الروح المعنوية. وقد تتحقق المفاجأة بالهجوم بكثافة بشرية وقوى مادية غير متوقعة. كما ان المفاجأة تتحقق في العمليات الهجومية، فان المفاجأة الدفاعية المعتادة، اذا كانت محكمة ويقظة، فانها تشل القوى المهاجمة وتفقدها توازنها. والمفاجأة المضادة، تعني اتخاذ كافة احتياطات الامن لكل احتمالات مفاجآت العدو بالزمان أو المكان أو بالسلاح أو القوى البشرية، وذلك باتخاذ كافة الاحتياطات وعدم الشعور بالطمأنينة والأمان لأية موقع، مهما كان صعبا. حيث ان الحذر يؤتى من مأمنه. ان ابتكار اساليب ووسائل المفاجآة المضادة تفرضها طبيعة كل موقع، فهي تتراوح من استخدام التمويه الميداني والاشراك الخداعية، الى استخدام الحواجز الالكترونية والمنبهات الضوئية والصوتية. ان المفاجأة، كقاعدة للمسلكية، تتطلب من المقاتل، الذي يحاول ان يفاجأ العدو من حيث لا يتوقع وبطريقة لم تخطر على باله. ومطالب بأن يضع نفسه دائما في مكان العدو، ليعرف كيف ومتى وأين يمكن للعدو ان يفاجئه، حتى يأخذ كافة الاحتياطات الامنية اللازمة، والتي ترد على العدو مفاجأته بما يحطمها.. ويحطمه.
16-الحركة والمرونة “الديناميكية”:
عندما يبدأ الاشتباك بين القوتين المتصارعتين، يبدأ كل طرف في تنفيذ خطته، سواء الهجومية أو الدفاعية، محاولا الانتقال بحركاته الى المرحلة التالية، التي تعطيه زمام المبادرة والسيطرة. ان فقدان القدرة على الحركة والمرونة والديناميكية، هو فقدان للمعركة ووقوع في براثن العدو وتحت سيطرته . ان سرعة الحركة، هي التي تؤمن الحاق الضربات بالعدو والافلات من ضرباته، وهي لذلك احدى القواعد الاساسية للحرب. وهي بالتالي مسلكية ثورية يتوجب المحافظة عليها في الحروب الثورية الشعبية، كما في الحروب الثورية الشعبية، كما في الحروب الثورية النظامية، حيث ان امتلاكها يشكل صمام الامان الحقيقي ضد كل مفاجآت العدو. فالمرونة وسرعة الحركة هما السلاح المضاد للمفاجآت.
ومفهوم الحركة في الحروب النظامية، يختلف عن مفهومه في الحروب الشعبية، بمراحلها العصابية أو المتحركة. ففي الحروب النظامية المتطورة، والتي تشترك فيها كل صنوف الاسلحة براً وبحراً وجواً، والتي قد تصل خلال فترة زمنية وجيزة الى مرحلة المعركة الحاسمة. فان الامتلاك الحقيقي لقاعدة الحركة، لا يتم الا اذا امتكلت على المستوى الاستراتيجي، الذي يضمن المستويات التكتيكية الاخرى. اما في حروب العصابات، والتي شعارها اضرب واهرب. فان الحركة لا تمتلك الا تكتيكيا . ومع تطور حرب العصابات والدخول في مرحلة الحرب المتحركة، والتي يتعدد فيها اشكال القتال والمهمات العسكرية، يصبح مبدأ اضرب واهرب مبدأ مركباً، كالحركة والمرونة، ليصبح اضرب وتحرك لتضرب بشكل آخر.. وهكذا.
“ان ممارسة الحرب المتحركة تشتمل على قضايا عديدة. مثل الاستطلاع والحكم على الموقف، وعقد العزم، وتخطيط العمليات العسكرية، والتوجيه والتستر، وتركيز القوات، والتقدم، وشد القوات، والهجوم والمطاردة والمباغتة، والهجوم الموقعي، والدفاع الموقعي، والاشتباك الفجائي، والتراجع والقتال الليلي، والعمليات الخاصة، وتجنب القوى، ومهاجمة الضعيف، ومحاصرة العدو بغرض ضرب امداده، والهجوم الكاذب، والوقاية من الغارات الجوية، التحرك بين وحدات عديدة للعدو وتخطي وحدات من قوات العدو ولمحاربة وحدات اخرى، والقتال المتواصل، والقتال بدون استناد الى مؤخرة، وضرورة الراحة، وتكديس للطاقة”(1).
ويجب ان لا يفهم من الحركة معنى السرعة فقط. ان الحركة الديناميكية التي تؤمن المرونة، والتي تهدف الى الانتقال الى وضع قتالي اصلح من الوضع الحالي في الزمان والمكان، يجب ان توفر فيها صفة السرعة بمفهومها النسبي، أي بمعنى السرعة، التي تفوق سرعة العدو وتؤمن امتلاك المبادرة. وليست السرعة الخاطفة الاستعراضية، التي قد تبعثر الجهد والقوة.. والى جانب السرعة، فان الحركة، يجب ان تتم في الوقت الصحيح. ان تأخر الحركة أو تقدمها لحظة واحدة عن الوقت الذي يجب ان تتم فيه، قد يفقدها كل ميزاتها، مهما توفرت فيها صفة السرعة . كما ان اتجاه الحركة وسرية المكان، الذي تتجه اليه عن العدو، يؤمن امتلاكها للمبادرة، والا فان حركة في الاتجاه الخاطىء قد توقع القوة المتحركة في كمين العدو، فتفقد كل امكانية للسيطرة على الموقف.
17-الذكاء :
ليست الاسلحة هي العامل الحاسم في القتال.. ولكنه الانسان .. وليست قدرات الانسان الجسدية ولياقته البدنية هي اساس قوته في هذا العصر، وانما قدراته العقلية وذكائه وسواء اكانت طبيعة القتال نظامية أو عصابية.. تكتيكية أو استراتيجية .. فان دور العقل واستخدامه بالشكل الصحيح، هو الذي يلعب الدور الرئيسي في توجيه المعارك. وكلما كان استخدام العقل سليماً كلما كانت النتائج ايجابية، والاستخدام السليم للعقل، يتوقف على درجة الذكاء، التي يتمتع بها الفرد.. والذكاء بمعناه المبسط، هو القدرة على فهم العلاقات بين الاشخاص .. والاشياء والاحداث . أي القدرة على الربط بين القوى البشرية.. والقوى المادية، وما يتمخض عن هذه الروابط من نتائج أو احتمالات لنتائج في المستقبل. ولا يتوقف الذكاء على عوامل الوراثة فحسب، وانما يلعب الاعداد والتدريب والتعليم والاطلاع دورا رئيسياً، فالذكاء لا يأتي نتيجة الهام أو قوة خارج اطار معرفة الانسان. ان مخزون المعلومات، التي لدى الفرد في ذاكرته.. وقدرته على تنسيق هذه المعلومات وترتيبها وتصنيفها، بحيث يستطيع استخدامها بسرعة، وفي كل الظروف هو الذي يساعد على تنمية الذكاء. ان كثيرين، ممن يحملون قدرات موروثة من الذكاء، يضعفونها أو يفقدونها نتيجة تشويش في استخدام تنمية الذكاء. ان كثيرين، ممن يحملون قدرات موروثة من المعلومات أو طريقة ترتيبها أو تنسيقها، وتعودهم على الخوض في اكثر من موضوع في وقت واحد، والتصدي لاكثر من قضية مرة واحدة، والانتقال من موضوع لآخر بفوضوية وتبعثر . ان مثل هذا التصرف، يضعف الذكاء لدى الفرد، ويجعله يفقد قدرته على التفكير السليم في الوقت المناسب، ويكون مثل هذا التصرف خروجا عن قاعدة هامة من قواعد المسلكية الثورية.
وتلعب التجربة الذاتية للفرد، دوراً هاماً في توجيه تفكيره بسرعة. وكلما ازدادت تجربة الانسان، كلما ازدادت خبراته وقدراته للتصدي الناجح، للمشاكل، والمعضلات، وتزداد الخبرة الذاتية بالاطلاع السليم على خبرات الآخرين، خصوصا في المجال العسكري. ان كثيراً من المشاكل، التي تواجه المقاتل الفرد… أو المجموعة المقاتلة .. أو الجيوش، يمكن ان تتشابه الى حد ما مع مشاكل واجهها افراد أو مجموعات أو جيوش وكتبوا تجاربهم، وكيف تصدوا لها سواء بالنجاح أو بالفشل.. ان معرفة عدد من الحلول المسبقة لمشاكل حصلت، أو يمكن ان تحصل، وتعويد المقاتل على وضع الاحتمالات وطرق مجابهتها، يجعله قادرا على الحل الصحيح السريع، حتى لو وجه باحتمال خارج عن تقديراته، فانه يكون قد تعود على تحمل الفعل وردته، مما يساعده على اخذ ردة الفعل المناسبة في الوقت المناسب. وهذا ما يمكن ان يسمى في العمل العسكري، لحظة الالهام، أو لمعة الذكاء، التي تجعل القائد المجرب.. يأخذ قراره في لحظة، وكأن القرار جاء نتيجة الالهام، مع ان الحقيقة، ان القرار جاء نتيجة خبرة سابقة وقدرة عقلية على تمثل القضية المطروحة بسرعة.. وحلها بسرعة.
18-الشجاعة :
اذا كان المبدأ الاساسي للحرب، هو المحافظة على الذات وافناء العدو، فان غريزة حب البقاء تشكل دافعاً اساسياً من اجل دفع الانسان للقيام بمهام صعبة. وعندما يتعرض الانسان للخطر، الذي يهدد بقاءه، فانه اما ان لا يشعر مطلقا بالخوف، وهذه الحالة الشاذة تعتبر حالة مرضية. واما ان يستسلم كليا للخوف، وهذه حالة مرضية اخرى توصف بالجبن، واما ان يواجهه هذا الخوف ويقهره ويتصرف وكأنه غير خائف.. وهذه هي الشجاعة. والافراد لا يولدون شجعاناً، وانما يصبحون كذلك عبر توجيه قيم المقومات الاساسية للشجاعة . ان المسلكية الثورية تؤكد على تنمية الشجاعة لدى العضو في الحركة الثورية، وهذا يعني ان يصبح العضو مستعدا للتضحية ولمواجهة الخطر في سبيل تحقيق هدف مجد. فالقتال في الحركات الثورية لا يكون في سبيل الموت، وانما في سبيل النصر. ان الفرق بين الشجاعة والتهور، هو كالفرق بين من يحتقر الموت ومن يحتقر الحياة.. وبما ان الحركات الثورية تنطلق اساسا من اجل احترام الحياة.. ومن اجل خلق الواقع الافضل، والحياة الافضل فانها ترفض المسلكية المستسلمة بذعر للخوف.. المسلكية الجبانة.. وكذلك المسلكية العدمية التي تحتقر الحياة.
وتنمي الشجاعة لدى اعضاء الحركات الثورية بتعميق المفهوم والايمان الأيديولوجي لدى العضو، والذي يجعله يحس بالقضية العامة ويرتبط بها ويضحي في سبيلها بالقضية الخاصة. والى جانب ذلك، فان بعث وتعميق الروح الوطنية أو القومية لدى العضو تجعله يتوجه بحماس وشجاعة لمواجهة عدوه الوطني أو القومي. ان التقيد بالمسلكيات الثورية في المجالات المختلفة، يجعل المناضل اكثر توازنا وقدرة على العطاء الأيجابي، ويجعل انضباطه مبعثا لشجاعته، ويجعل اخلاصه لمبادئه ولقادته ولرفاقه في السلاح دافعا له لتشبث في ارض المعركة ومواجهة الاخطار دون استسلام للذعر. والحركات الثورية تنمي الشجاعة لدى مقاتليها، بتعويدهم على مواجهة الخطر.. ويجعلهم يتعايشون معه. كما ان الحركات الثورية تحارب الجبن والجبناء بشدة، ولا ترحم المتخاذلين، والذين يهربون من ساحة القتال وقد تعاقبهم بالاعدام، مما يكرس ويدعم نمو الشجاعة العسكرية لدى العضو، الذي لا يكتسب شجاعته فقط من الاحساس بالشرف العسكري، التي تجعل المقاتل يشعر بأن الموت اهون من فقدانه. وانما من تأكيد ان بشاعة الرعب من الموت، هي اقل بدرجات كبيرة من بشاعة العار.. والعقوبة.. لمواجهة الخطر بشجاعة، يحتمل ان تؤدي الى الموت.. ولكن الهرب من الخطر .. يؤدي الى العار.. والعقوبة والموت.
والشجاعة كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري كغيرها من القواعد، تتطلب من الاعضاء تطويرا لمفهومها وتدريبا على رفع مستواها وتدعيم مقوماتها حتى تتحول الحركة الثورية الى كتلة من الاعضاء، متراصين مستعدين جميعهم لتقديم التضحيات ومواجهة الاخطار لايمانهم العميق بحتمية النصر.
قواعد المسلكية الثورية للكوادر
تلعب الكوادر القيادية في الحركات الثورية دورا هاما واساسيا في تحقيق الاهداف وانجاز المهمات الثورية، وكلما اعطت الحركات الثورية اهتماما اكبر في خلق وبناء كوادرها المسؤولة، من خلال تفاعل الوعي النظري بالممارسة العملية، كلما ازدادت ايجابية المردود العملي للممارسة، ونجاح الحركة الثورية لا يتوقف على امتلاكها للنظرية الثورية وبرامج العمل الواضحة فحسب، وانما بامتلاكها الكوادر، التي تستطيع ان تقود وتراقب تنفيذ برامج العمل بجدارة.
يتطلب تشعب المهمات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الكوادر القيادية، درجة عالية من المعرفة الواثقة والاطلاع الشامل والنشاط والقدرة المتفوقة على الادارة، شريطة ان تتوفر كل هذه المتطلبات على اساس استخدامها، وبمنهج علمي. ونجاح الكوادر القيادية، لا يتم بمواهب وقدرات ذاتية ولدت فيهم، وانما من خلال اكتساب هذه القدرات وتنمية المواهب بالممارسة العملية داخل البناء التنظيمي للحركة الثورية، ان عملية الارتقاء في المراتب التنظيمية، لا يجوز ان تتم على اساس المزاج الشخصي لبعض القادة.. وانما نتيجة القدرات التي يمتلكها الكادر والانجازات التي حققها، وكلما تصاعدت القدرات .. وتراكمت الانجازات، فانها تبني للكادر في حركته الثورية تاريخاً ذاتياً، وسجلا يمكن على اساسه الحكم في أية مرحلة، ومن خلال أية قيادة على الموقع الذي يستطيع الكادر ان يملأه بجدارة، والمسؤوليات التي يستطيع ان يتحملها.
ان امتلاك الشخصية القيادية ضرورة اساسية للكوادر المسؤولة في الحركات الثورية .. ومفهوم الشخصية القيادية يختلف باختلاف المجتمعات، ومناهجها الحياتية، ولكن هذا المفهوم يكاد يكون متطابقا عند كل الحركات الثورية التي تعتمد المنهج الثوري اساساً لتحليلها وممارساتها.
ويتطلب امتلاك الشخصية القيادية من الكادر، التزاماً كاملاً بقواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة، فالقائد الذي لا يتمتع بالحس الجماهيري الاعمق، لا يستطيع ان يؤكد على الخط الجماهيري لدى المناضلين، والقائد الذي يفتقر الى الوعي السياسي، لا يستطيع ان يقود، والقائد الذي لم يصل الى موقعه عبر نضالات طويلة وتدرج في المسؤولية من خلال ارتباطه الدائم بالاطر التنظيمية، لا يستطيع ان يحترم ويقدس الاطر، ويكون مزاجيا يتحكم بالاعضاء وبمواقعهم النضالية على هواه..
واذا كان الكفاح المسلح، هو الاسلوب الوحيد الذي يحدده برنامج الحركة الثورية لتحقيق اهدافها، فان القائد، الذي يتصدي لأية مهام غير قتالية، دون ان يعطي اهمية للنضال .. ودون ان يكون قد مارسه فعلا بأي شكل من اشكاله المتعددة… ان هذا القائد، مهما كان مفوها سياسيا أو محبوبا جماهيريا أو منظراً تنظيمياً، فانه لن يستطيع اكتساب ثقة اعضاء الحركة ومقاتليها. ولهذا، فان كل القيادات في الحركات الثورية، مطالبة بالتقيد الكامل بقواعد المسكلية الثورية في كل المجالات، حتى يكونوا القدوة الحقيقية للاعضاء.
والى جانب قواعد المسلكية الثورية في المجالات الجماهيرية والسياسية والتنظيمية والعسكرية، فان القيادات ملزمة بامتلاك صفات، تؤكد تفوقها وقدرتها على تحمل مسؤولياتها القيادية .. وتكون هذه الصفات نفسها موجودة عند كل اعضاء الحركة الثورية، ولكن بدرجات متفاوتة، قمتها قيادة الحركة الثورية. ويتفاوت القادة انفسهم بدرجات امتلاكهم للصفات الشخصية القيادية، وان كانوا في نفس المرتبة التنظيمية أو يتحملون نفس المسؤولية. والشخصية القيادية لا يمكن تحديدها بامتلاك كل الصفات الشخصية وقواعد المسلكية الثورية للكوادر، ولكن بامتلاك حد ادنى .. منها بشكل عام، الى جانب امتلاك حد اعلى من بعضها. وهذا الامتلاك لبعض الصفات الشخصية، التي تحدد مسلكية القيادة، هي التي تجعل احد القادة يمتلك صفة القيادية الطليعية بامتلاكه للحس الجماهيري بدرجة متفوقة أو لنشاطه الدائم ومواظبته وعدم ملله، حتى في اقسى الظروف.. أو لامتلاكه لاعصابه عند الملمات، وهدوئه عندما يبدأ الاخرون يتهاوون. ان صفة التمييز .. والتفوق في مجال ما، هي التي تجعل القائد مسيطرا على الموقف..والقدوة والطليعة كصفة اساسية لأي قائد، لا يمكن امتلاكها في الحركات الثورية، الا بامتلاك الحد الاعلى من القناعتين الاساسيتين.. الايمان بحتمية النصر.. والاستعداد للتضحية. هاتان القناعتان لا يجوز مطلقا .. وتحت أي ظرف من الظروف ان يختلا لدى القائد، الا اذا قرر ان يعتزل العمل الثوري. ان القائد الذي يشكك في حتمية النصر، لا يجوز له ان يبقى مطلقا داخل الحركة الثورية. كما ان القائد الذي يتقاعس، والذي تغلب مصالحه الذاتية على المصالح العامة، تجعله لا يستطيع التضحية في سبيل الحركة، لا يجوز له ان يستمر في موقع القيادة.
وينعكس المردود الايجابي لانجازات القائد على موقعه في نفوس الاعضاء، حيث انه يقودهم الى تحقيق الهدف، ولذلك فهم يشعرون معه بفرحة النصر. ويشعرون معه بأهمية العمل الجماعي. ان القائد، الذي يحاول سرقة جهود الاخرين ويجير انتصاراتهم لاغراضه الذاتية، يفقد احترام وثقة المناضلين، مهما اكتسب من الصفات القيادية الاخرى.. والقائد المبادر، المليء بالنشاط والحيوية، اذا افتقد قدرته على تنظيم العمل، وتحديد الأولويات، ومطابقة الامكانيات بالمهمات فانه يغرق ويُغرق معه الاعضاء، الذين يتولى قيادتهم، في دوامات تبعثر الجهد والبدايات والمبادرات، التي تموت قبل ان ترى النور.. انه ليس مهما فقط ان تبدأ بداية صحيحة على طريق التنفيذ .. ولكن المهم الاستمرار بالعمل حتى النهاية.. حتى تحقيق الهدف . ان بداية صحيحة واحدة والاستمرار فيها خير من مئة بداية صحيحة تنتهي قبل الوصول لأية هدف.
ومهمة القائد في الحركة الثورية، ليس فقط ان ينظر الى واقعه الزمني والمكاني.. وانما النظر الى الحركة الثورية في واقعها المتطور وحركتها الدائمة .. وهذا يدفع بالقادة الى تطوير اسلوب القيادة .. بمحاربة كل محاولة للجمود أو التقوقع والانطلاق الى آفاق جديدة في البحث والتطور للارتقاء بالمستوى النظري والعملي باستمرار.
وفيما يلي بعض القواعد المسلكية الثورية للكوادر:-
1-القدوة والطليعة :
تزداد ضرورة الالتزام بالمسلكية الثورية للعضو، كلما ازدادت مسؤولياته وصلاحياته. وعندما يصبح العضو كادراً مسؤولاً أو قائداً عسكرياً فان التزامه بالمسلكيات الثورية في كل المجالات، يجب ان يصل الى درجته القصوى . فالكادر المسؤول الذي يقود الطلائع الثورية، يشكل القدوة والطليعة لاعضاء التنظيم الثوري، الذين هم قدوة وطليعة الجماهير. ولهذا .. فالكادر المسؤول، مطالب بأن يكون ذا حس جماهيري مرهف وعميق، يشعر بصدق مع الجماهير في افراحها واتراحها ويحس باحساساتها حتى يستطيع ان يوجه الاعضاء العاملين في المجال الجماهيري، كيف يلتزمون بقواعد المسلكية الثورية في هذا المجال. والكادر المسؤول، مطالب بأن يكون الاكثر وعيا وتفهما للنظرية الثورية ومفهومها السياسي. فهو بغض النظر عن المجال الذي يعمل فيه عسكرياً أو تنظيمياً أو جماهيرياً.. انما يترجم الخط السياسي ويضعه موضع التنفيذ.. والكادر القائد لا يستطيع ان يعمل في الحركة الثورية في المجالات المختلفة، الا اذا كان متفهما .. ومؤمنا لنظرية العمل التنظيمي .. ان اخطر ما يواجه الحركات الثورية، ان يصل الى مراتب القيادات المسؤولة فيها، افراد لا يؤمنون بالعمل التنظيمي، ولا يحترمون طبيعة العلاقات التنظيمية وقواعد المسلكية الثورية في المجال التنظيمي .. والكادر القائد مطالب، الى جانب كل و ذلك، ان يكون قادرا على العمل العسكري بالشكل الارقى. وهو يطالب بذلك لتأكيد قيادته وطليعته للاعضاء، بما يختص بالقناعتين الاساسيتين للثورة، وهي الايمان بحتمية النصر، والاستعداد للتضحية.. ولا يصبح العضو كادرا مسؤولا في الحركات الثورية، الا بامتلاكه القدارت التي تؤهله لقيادة الآخرين، وهذه القدرات يجب ان لا تكون ملموسة ومرئية لدى القيادة العليا، التي تضع الكادر في الموقع المسؤول فحسب، وانما يجب ان تكون ملموسة بالممارسة والمعرفة لدى الاعضاء، الذين سيتولى الكادر قيادتهم. وهي ان لم تكن معروفة من قبل، فان على الكادر ان تكون ممارساته مؤكدة للاعضاء على حسن اختيار القيادة العليا للكوادر. وفي الحركات الثورية، حيث تمارس المركزية الديمقراطية، التي تعطي للأعضاء حق اختيار قياداتهم والمسؤولين عنهم، تعطي القيادة العليا المنتخبة أيضاً، حق الالزام بالقرارات المركزية، عندما تقتضي مصلحة الحركة الثورية ذلك. والكادر لا يصبح قائدا حقيقيا لمجموعاته، الا اذا استطاع ان يثبت لهم ذلك بالممارسة.. فهو مطالب، الى جانب كل ما ذكرناه عن تفوقه في الالتزام بقواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة، ان يكون قادرا على حل مشاكلهم .. واخراجهم كمجموعات.. أو كافراد من مآزقهم النضالية.. والشخصية.. وهو مطالب، ان يعمق شعورهم بالانتماء للحركة الثورية.. وليس لشخصه .. بل عليه ان يحارب كل بادرة انحراف تبدو نحو تشجيع ظاهرة الاستزلام والتمحور. والكادر القائد يجب ان يكون دائما صاحب قرار حازم وحاسم في اللحظة المناسبة، كما انه يجب ان يكون القدوة الحقيقية فيما يتعلق بالمسلكية الشخصية، التي تجعله يتميز خلقيا عن غيره من الاعضاء العاديين، وان يضرب بسلوكه الشخصي المثل الاعلى في الخلق الحميد.. والتهذيب والالتزام الثوري.
العمل الجماعي :
ان اخطر الامراض، التي يمكن ان تصاب بها الحركات الثورية، هو مرض الفردية عند الكوادر المسؤولة. وتنبع خطورة هذا المرض، في ان القائد يتحول الى متسلط، قد تقوده اهواؤه الذاتية وطموحاته، الى ضرب الحركة الثورية كلها، أو الوقوع في اخطاء نتيجة التشبث بالمواقف الخاطئة والتكبر عن ممارسة النقد الذاتي. ولهذا، تقتضي المسلكية الثورية ان يتمتع الكادر المسؤول بدرجة متفوقة من الروح الجماعية والتوجه الصادق للعمل مع الجماعة، بروح من الديمقراطية المحكومة بمركزية صارمة. فالرأي مقبول لكل عضو ما دامت القضية مطروحة للحوار والنقاش. اما اذا أخذ القرار فان دكتاتورية التنفيذ يبدأ دورها.. وعلى الجميع التقيد بالقرار وبالعمل لتنفيذه. ان تنفيذ القرار، الذي يجمع عليه الاعضاء نتيجة حوار ديمقراطي، اسهل من تنفيذ القرار المفروض عليهم والمتجاهل لرأيهم، حتى وان كانوا كافراد مقتنعين به.. ان روح العمل الجماعي تتقوى بالمشاركة في صناعة القرار.. وفي التخطيط وفي التنفيذ.. وفي صناعة النصر.
ان على الكادر المسؤول ان لا يتجاهل دور الافراد في بناء المستقبل، ولكنه مطالب بان يجعل بين هؤلاء الافراد لغة مشتركة تجعل تحركاتهم .. ومواقفهم متكاملة، ويصبح الجميع مدركين، بأن تحقيق الهدف مرهون بتعاونهم وبعملهم كفريق واحد، وان انفراد أي منهم، مهما كانت امكانياته وقدراته، لن تسمح له بتحقيق الهدف منفردا.. وان الصدف اذا ساعدت بعض المواقف والآراء الفردية على تحقيق نصر ما، فان هذه الصدف لا يجوز فرضها على المستقبل كقاعدة للعمل. ان القوانين العامة، التي تتحكم في المسيرة الثورية للحركات التي تتصدى لتغيير الواقع الفاسد، تؤكد على ضرورة العمل الجماعي على كافة المستويات، خصوصا في المستويات القيادية المسؤولة. حيث ان التفرد في المستويات القيادية يشكل شرخاً طولياً داخل البناء التنظيمي للحركة، مما يهددها بالانقسامات والتشرذمات. ان تصدع البناء التنظيمي ينجم في معظم الحالات عن الاختلاف في التقلبات، التي تتحكم في المواقع القيادية، والتي تشكل لها امتدادات متقاطعة داخل الهرم التنظيمي. ان تعميق مفهوم القيادة الجماعي، لدى كل كادر مسؤول في الحركة الثورية، هو الذي يعمق مفهوم العمل الجماعية لدى اعضاء الحركة الثورية وهو الضمانة الوحيدة لسلامة البناء التنظيمي ولفعالية العمل العسكري ولتأكيد الالتفاف الجماهيري حول الحركة الثورية، مما يؤكد ضمانة تحقيق النصر.
3-التواضع :
ليس التزام الاعضاء في الحركات الثورية باطاعة واحترام قياداتهم، نتيجة لخوف أو طمعا في مصلحة أو مكسب ذاتي. انه نابع من الشعور بالمحبة تجاه هؤلاء القادة والمسؤولين وما يمثلونه من رموز للتضحية، في سبيل الواجب والاخلاص، في سبيل الحركة واهدافها واعضائها. ان الكادر المسؤول، الذي يحاول السيطرة على الاعضاء من خلال ارهابهم وتخويفهم والتلويح بانواع العقوبات المختلفة، للذين لا يطيعونه اطاعة عمياء. ان هذا الكادر سيفقد حتما موقعه .. لان الحركات الثورية لا تضم مرتزقة .. وانتهازيين، وانما تقوم على اكتاف الثوار، الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، والذين يدركون جيداً، ان مسيرة الثورة تقتضي منهم ان يواجهوا الباطل والخطأ بروح نقادة، وان يعملوا على محاربة الانحراف أيا كان مصدره. مدركين جيداً ان اعظم الجهاد، هو كلمة حق عند قائد جائر. وقد يكون القائد مخلصا .. صادقا .. ولكنه ينظر الى رفاقه في النضال ورفاقه في السلاح نظرة استعلاء وكبرياء، بعيدة كل البعد عن مسلكية العلاقات الاخوية وضرورتها لرص البنيان التنظيمي.. ان الكادر، الذي يفقد صفة التواضع، يكون فاقدا لمسلكية ثورية اساسية، لا يجوز ان يفقدها القائد .. ان المحبة، التي تتعمق في نفوس المناضلين لقادتهم، تنبع من موقفين اساسيين للكادر المسؤول. أولهما الموقف من العضو عندما يخطئ .. وقد ثبت ان الاعضاء يحترمون القادة، الذين لا يرحمون المخطىء .. وينفذون به العقاب الذي يستحقه .. ويحرمونه من لمسة التواضع والحنان، حتى يعود الى رشده ويصبح عضوا صالحا . والموقف الثاني، هو موقف القادة من الاعضاء في الحالات العادية أو حالات الانجازات، التي تحتاج الى اثابة .. القائد الذي يفقد صفة التواضع، يفقد محبة الاعضاء الجادين والاقوياء له. ان الثقة والاعتزاز بالنفس، هي من القواعد الثورية الاصيلة، التي لا يجوز غيابها لدى العضو. فالحركة الثورية لا تستطيع ان تجابه اعدائها بمجموعة من الافراد الخنع.. المستسلمين سلفا.. الذين لا يثورون لكرامتهم .. ان القائد، الذي يقاتل بمجموعة تعتز بنفسها.. وبحركتها.. وتحترم وتحب قائدها .. يحقق النصر. اما القائد، الذي يقاتل ويخوض المعارك بمجموعات، لا يكن لها أي احترام .. يحتقرها .. ويعاملها بعنجهية ويعمق فيها روح الخنوع.. هو قائد مريض.. قائد فاشل، لا يمكن ان يحقق انتصارا. ان معاملة القائد المتواضعة للاعضاء، تعكس نفسها على طريقه معاملة الاعضاء لاخوانهم وللجماهير. ان نزعة احتقار الجماهير من بعض الاعضاء في الحركات الثورية، ينجم عن شعورهم باحتقار قادتهم لهم.. والقائد، الذي يريد ان يكسب الجماهير للثورة، عليه أولا ان يكسب اعضاء الحركة الثورية، عن طريق المعاملة الاخوية .. وعلى رأسها التواضع.
البشاشة والتفاؤل :
ليس هنالك حركة ثورية تقاتل من اجل القتال فقط. وليس هنالك ثوري حقيقي يقاتل قتالاً شجاعاً، ولكن يائساً على المدى الاستراتيجي.. ان الثورة تنطلق من اجل الهدف.. والثائر مطالب باستمرار، ان يكون مؤمنا بحتمية النصر. والقائد عليه ان يمثل دائماً امام الاعضاء جسر الوصول الى الهدف، بتفاؤله الدائم، بحتمية النصر. فالقائد هو مبعث الامل لرفاقه، وهو الذي يبعث فيهم روح العزيمة، وينقلهم من واقع اليأس المتردي الى واقع الامل المشرق. ان معنويات الاعضاء، لا تهزها كل اذاعات العدو وحربه النفسية وقصفه وما يحققه من انتصارات على الحركة، قدر ما تهزه حالة يأس وتردي يظهر اثرها على وجه قائدها.. حالة فقدان الامل.. حالة انهيار الجسر. ولهذا .. فان القائد مطالب دائما .. وفي احلك الظروف، ان يستجمع كل قواه.. وكل اعصابه، ليسيطر على الاعضاء بروحه المتفائلة.. وعزيمته الصلبة، واشراقة ابتسامته، التي تمتص كل سحر الحرب النفسية للعدو.
وان كان من المغفور له ان تهتز معنويات مقاتل أو عضو في الحركة الثورية، فانه لا يجوز ان يغفر انهيار معنويات قائد لموقع.. أو مسؤول يقع في أيدي العدو. ان هيبة كل القيادات الثورية تتزعزع لدى اعضاء الحركة ولدى الجماهير، عندما ينهار احد هؤلاء القادة امام ارهاب العدو، فيشهر بالحركة الثورية وبخطها وبهدفها وبالاعضاء وباخوانه القادة.. ان تفاؤل القائد، لا يكون فقط مطلوبا في الأيام العادية.. لا يكون مطلوبا فقط وهو بين الاعضاء، فالقائد مطالب بالتفاؤل.. وبالايمان بحتمية النصر، سواء كان يحقق انتصاراً أو يواجه هزيمة.. سواء كان بين اعضاء حركته أو في زنزانة للعدو.. انه مطالب دائما ان يتذكر، ان حركة التاريخ هي ما تمثله حركته الثورية. وان دوره كفرد، ليس الا لبنة في بناء هرمي عظيم . وان عليه، وهو في احلك الظروف، ان يتذكر نفسه وهو خارج هذا الظرف السيء ويتخيل احد رفاقه في الخارج مكانه.. ماذا سيفعل.. انه سيستمر.. سيناضل.. سيقاتل من اجل تحقيق النصر .. هذا هو مفهوم البشاشة والتفاؤل، كمسلكية ثورية للكوادر، مطالبة دائما ان يلتزموا بها.
ان القائد يناضل دائما وهو يتوقع اسوأ الظروف، ولكنه دائم التفاؤل بالنتائج الحسنة وبحتمية النصر.
5-الانسانية :
تتطلب العلاقات التنظيمية في الحركات الثورية روحا اخوية، ولكنها الى جانب ذلك، تتطلب من الكوادر المسؤولة والقادة روحا ابوية تغمر الاعضاء، بالعطف.. والحنان . ان الشعور مع الاعضاء في سرائهم وضرائهم، يعمق روح المحبة المتبادلة. تلك الروح، التي تنعكس مباشرة على طبيعة العلاقة بين الحركة الثورية والجماهير. ان المسلك الانساني للكادر المسؤول، هو الذي يعطي للقيادة مفهومها المتكامل. المفهوم، الذي يجمع بين اللين من غير ضعف، والشدة من غير عنف، وهو الذي ينمي العلاقة بين الاعضاء وقادتهم، مما يجعل حدود التفاعل متجاوزة حدود التكامل. ان التأثير المتصاعد لفعالية الاعضاء وقوة ارتباطهم بالحركة الثورية نتيجة امتلاك الكوادر والقادة روحا انسانية في مسلكيتهم الثورية، ينجم عن تعمق لمفهوم المحبة الثورية ومفهوم الابوة والاخوة. فعندما يتصدى الكادر المسؤول لحل المشاكل الشخصية للاعضاء الحركيين، بنفس الروح التي يحل بها مشكلته الشخصية. فان قوة الشعور بالانتماء تتضاعف، ليس فقط عند العضو صاحب المشكلة المحلولة.. وانما عند سائر الاعضاء، حيث ان المنهجية الصحيحة في المعاملة تعكس نفسها على الجميع، فيطبقونها كل في مجاله وضمن اختصاصه، مما يجعل المسلكية الانسانية، كقاعدة للمسلكية الثورية مسلكية عامة، تجعل من الحركة الثورية تلامساً مع الواقع الجماهيري. معاملة بحنان لينقله الى الواقع الثوري، ومن ثم الى واقع المسيرة الشعبية حتى النصر.
ان انعدام أو تخلخل الروح الانسانية في المعاملة داخل الحركة الثورية، يضعف الروابط التنظيمية ويشل الفعالية الثورية للحركة. وان من اخطر الامراض، التي يمكن ان تصاب بها الحركات الثورية، هو ان يصبح مسؤولوها وقادتها مجردين من النزعة الانسانية تجاه اعضاء التنظيم، فيعاملونهم دون رحمة.. ويهملونهم .. ويتغطرسون عليهم ويتركونهم يغرفون في مشاكلهم، دون الاخذ بيدهم، ثم يحاسبونهم بقـوة لتقصيرهم في اداء مهماتهم وواجباتهم.
ان الحركة الثورية، التي تفقد الروح الانسانية كمسلكية للعلاقات داخل الاطر التنظيمية، تفقد الزيت الذي منه تتعذى شعلة الامل في الحرية، وتنطلق انوار المستقبل الباسم. ولهذا.. فان على كافة الكوادر المسؤولة والقيادات الحركية، ان يحرصوا على التمسك بالروح الانسانية كمسلكية ثورية، لها تأثيرها الفاعل على المسيرة الثورية للحركة.
6-الثقة بالنفس :
ان الشعور الحقيقي للكادر المسؤول أو القائد بقدرته على تحمل مسؤولية القيادة، هي التي تجعله قادرا بالممارسة العملية على القيادة. ان غياب شعور الثقة بالنفس عند القائد لا يمكنه تعويضه بصفات أخرى. فسلطة الكادر المسؤول أو القائد لا تأتي بقرار، وانما تأتي نتيجة تفاعل بين القائد والاعضاء .. نتيجة شعور القائد بقدرته على القيادة. وشعور الاعضاء أيضا بقدرته على قيادتهم . ويأتي الشعور الأول، الذاتي، من خلال امتلاك الثقة بالنفس، ويأتي الشعور الثاني لدى الاعضاء من خلال الممارسة على اساسها، الى جانب ما يمكن ان يملكه الكادر من صفات قيادية أخرى. ان التهويش والصراخ والفهلوة، قد تعطي مردوداً سريعاً، ولكنه لا يلبث ان يضيع وتتحطم قدرة الكادر على القيادة. ان السلطة الحقيقية، التي يطرحها الكادر والقائد على الاعضاء، هي تلك التي تنبع من قدراته الذاتية، وليس من حالتهم النفسية. وهي التي تؤثر على روح المجموعة لتعمق فيها مفهوم الانضباط والطاعة والفعالية. والسلطة الحقيقية لا يفرضها انتخاب الفرد من المجموعة أو تعيينه من قبل مراتب تنظيمة اعلى . ان الانتخاب أو التعيين، يعطي الكادر الشرعية في ان يمارس الدور القيادي. ولكنه لا يستطيع ان يكون قائداً فعلياً، الا اذا امتلك الصفات اللازمة لذلك، وعلى رأس هذه الصفات الثقة بالنفس.
ان تحويل الثقة بالنفس كصفة للقائد الى مسلكية ثورية، هو الذي يؤكد قدرة الكادر على القيادة. وهي التي تجعله ينتزع من الاعضاء الاقرار له بالقيادة فعليا. واذا كانت المركزية الديمقراطية تعطي للاعضاء حق المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في انتخاب قياداتهم، فان الاعضاء قد يخطئون في الاختيار. وقد يصل الى مستوى المسؤولية من هم دون تحملها. ولهذا، فان المؤتمرات المتتالية للحركات الثورية، هي التي تعيد تقييم القيادات والكوادر، فتعطي لمن قادوا بثقة عالية وامتلكوا صفات القيادة واعطوا نتائج على هذا الاساس، حقا في القيادة من جديد. ويجدر بالكادر ان يتمسك وعن قناعة وكفاءة بالثقة بنفسه، كمسلكية تحكم تصرفاته داخل الاطر الثورية وخارجها، حيث ان فقدان الثقة بالنفس داخل الاطر أو خارجها، تهز من قدرة الكادر على القيادة. وتضعف البنية الثورية للحركة مما يستدعي اعادة النظر في توزيع المسؤوليات.
7-العزم والعدل :
ان تكريس سلطة الكادر أو القائد، لا تأتي قط نتيجة قدراته الباهرة على الانتاج في مجال العمل، وانما لقدرته على قيادة الرجال.. وتوجيههم وتطبيق اسس العلاقات الثورية بينهم. ومهما كان القائد مبدعا على مستوى الكفاءة في العمل، فانه يفشل في مهمته، اذا افتقد الحزم والحسم في الامور لوضعها في نصابها الصحيح. ان الحزم، كصفة اساسية في الكادر المسؤول، تشكل قاعدة للمسلكية الثورية، ولكنها ترتبط دائما مع صفة اخرى وقاعدة للمسلكية الثورية لا يمكن فصلها عن الحزم، وهي صفة العدل. فالكادر اذا كان حازما حاسما دون عدل، فان مصائب كثيرة تنزل بالحركة الثورية، حيث ان الاعضاء البسطاء، الذين يتحملون في المسيرة الحركية كل الصعوبات والتضحيات، هم الذين سينزل عليهم سلاح الحسم، ليزيد من مصائبهم، بينما يرتع الانتهازيون والمتسلقون، الذين يفهمون كيف يعاملون القادة الحازمين بدون عدل، القادة الاحاديي الجانب، والذين يأخذون القرارات بالحكم دون السماع الى أوجه القضية الاخرى. ان الحركات الثورية، التي يصبح فيها المسؤولون فوق مستوى النظام والقانون فلا يحاسبون على اخطائهم، وينزل العقاب فقط في اعضاء المراتب الدنيا، تتحول الى تجمعات وزمر غير مترابطة، ويتوجه الاعضاء للبحث عن الحماية الذاتية في ظل قائد أو مسؤول. وتتراكم الاخطاء وتستفحل، فتتحول الى جرائم. ويصبح الجميع ينادون بضرورة الحسم.. ولكن شريطة ان لا يمسهم .. ولا يقترب منهم .. يرى الجميع الاخطاء كلها خروجا عن النظام والقانون، الا اخطاءهم الذاتية، فانها توصف بمحأولات للاصلاح.. بالحزم .. وبالشدة اللازمة.
وهكذا، فان غياب الحسم يدفع بالحركة الى التسيب والفوضى، ووجوده دون العدل يجر الحركة الى التشرذمات والتكتلات، التي تعطل مهمتها الثورية. ولكن وجودهما معاً.. كقاعدة متكاملة للمسلكية الثورية، هو الذي يجعل للانتماء شعور بالمساواة لدى كل اعضاء الحركة، يحاسبون جميعا على نفس الاساس.. دون اعتبار للموقع أو المعرفة أو القرابة أو المحسوبية. وبهذا تصبح الاثابة موزعة بالعدل والعقاب ينزل بكل مخاطئ، فتصبح القيادة حقيقية بسلطتها، التي تعاقب بشدة وتكافىء بكرم. ان القادة، الذين يفتقرون للحزم والعدل كمسلكية ثورية، تنعكس تصرفاتهم على درجات ولاء الاعضاء لهم وللحركة. فالاعضاء يشعرون بحقوقهم المتساوية، فاذا ما جاء قائد وفرق بينهم وفضل بعضهم على بعض دون وجه عدل واضح، فانهم يشعرون بالتحابي، ولن يستطيعوا ان يعطوا للقائد من المحبة والاخلاص والتضحية، التي يتوجب اعطاؤها للقائد. ان حق الاعضاء على قيادتهم، هي ان يعاملوا جميعا على نفس المستوى، سواء عند عقابهم أو عند اثباتهم، حيث ان الضمير الثوري، هو الذي يجعل المسيرة تلتزم بالخط الصحيح.
8-التسامي :
ان سمو الهدف، الذي تسعى الحركة الثورية، يتطلب منها نوعية خاصة من الرجال لقيادة مسيرتها، يتصفون بالارتقاء بذاتهم الى مستوى الهدف، متجاهلين كل مباهج الحياة وتفاهاتها، ملتحمين بطموحات الشعب. وليست مسيرة الحركة الثورية امراً عادياً لان مرحلة التغيير الاجتماعي والسياسي تجرف كل فاسد وتعبد الدرب بالدم، كي تضمن للشعب الوصول الى شاطىء الامان الوطني والقومي والاجتماعي والاقتصادي. وهذه المسيرة، لا يمكن ان تستمر بفعالية اذا ابتليت بقادة يلتفتون الى صغائر الامور ويقفون بالمسيرة حتى تتلاشى هذه الصغائر. فالقادة الحقيقيون، هم الذين يعرفون ان الدرب مليء بالاشواك، وان اشجار الخطر لا تزال امامهم أيضا وان عليهم الاستمرار.. وتجاوز كل التفاهات والصغائر والارتقاء بالحركة الى مستوى الهدف السامي. هذا النوع من القادة، الذين يمتلكون التسامي كقاعدة للمسلكية الثورية، هم الذين يجتثون الاخطاء من جذورها ويلقونها تحت المدحلة لتحولها الى علامات ودروس على طريق الثورة. ان الكوادر المسؤولة، عندما تلتصق بأهداف الحركة الثورية، تتضاءل في اعينها كل المكاسب الذاتية والطموحات الشخصية، وتصبح الممارسات الصحيحة تستهدف الهدف الحركي، وليس الهدف الشخصي.. هدف الانجاز الثوري، وليس هدف الوصول الى المسؤولية أو الارتقاء في المراتب التنظيمية. ان الكادر، الذي يلتصق بالهدف الحقيقي، تصبح ممارساته اليومية هي ممارسة اعلى قادة للحركة، بغض النظر عن الموقع التنظيمي الذي يشغله الكادر، فالقيادة هي ممارسة العمل الايجابي الاكثر التصاقا بالهدف، وليس احتلال الموقع الاعلى في المستوى التنظيمي. ولا يجوز مطلقا ان تقبل الحركات الثورية استمرارية وجود كوادر وقادة مسؤولين يشدونها الى الوراء، ويبعدونها عن الهدف نتيجة افكارهم المتحجرة وعقلياتهم المتقوقعة. ان القادة هم الذين ينطلقون بآفاقهم الى رؤية
المستقبل مستفيدين من كل دروس الماضي، ولكنهم يتجاوزونه الى المستقبل الاكثر اشراقاً.. وسمواً…
الاستقامة :
تلعب نوعية الافراد، الذين يحتلون المواقع القيادية في الحركات الثورية، دورا هاما في نمو الحركة والتحاق الآخرين بها. فليس الخط السياسي الواضح، هو فقط الذي يجذب الافراد للالتحاق بالحركة. ولكن نوعية الاشخاص، الذين يثبتون هذا الخط ويقودون مسيرته، يشكلون مؤشراً حول جدية هذا الخط وضمان عدم انحرافه. فالحركة الثورية، التي تحترم الجماهير وتقاليدها، لا تقبل في صفوفها قادة يضربون بتقاليد الجماهير عرض الحائط، وتشكل ممارساتهم العلنية والسرية الخارجة عن مفهوم الاستقامة والاخلاق اسوأ دعاية للحركة الثورية. كما ان فقدان الصفات الحميدة لدى القيادة، تفقدهم الاحترام عند قواعدهم، مما يجعل الامور في الحركة متسيبة وبعيدة عن الانضباط. والاستقامة كقاعدة عامة هامة للمسلكية الثورية، يكتسبها الكادر والقائد من خلال تمسكه بالقيم الاخلاقية وابتعاده عن السقوط في مهاوي الرذيلة . فالقائد مطالب ان يحترم ذاته وينمي في نفسه الشعور بالمسؤولية والتفوق في كافة المجالات، مما يجعل أي ممارسة خارجة عن الاستقامة تضعضع شعوره بالقدرة على تحمل المسؤولية. والى جانب ذلك، فان الكادر القائد مطالب بتكريس الاستقامة كمسلكية في علاقاته مع الآخرين، داخل الحركة الثورية وخارجها. فالقائد، الذي يعتمد على التهويش والكذب والوعود الزائفة لكي ينتزع التصفيق أو الاحترام من الاخرين، لا يلبث ان يفقد كل شيء عند انكشاف الحقيقة، وهذا امر حتمي، والكادر المخلص لمبادىء الحركة، هو الذي يرفض ان يتحمل مسؤولية تفوق قدراته وامكانياته وتتجاوز تجربته الثورية . وهذا النوع من الرجال هو الذي يضع كل انسان في المكان المناسب له. ان الاستقامة كقاعدة للمسلكية الثورية، تشكل صمام الامان في الحركة، حيث ان مفهوم الاستقامة لا يتجزأ. فالقائد المستقيم.. الاخلاقي، هو الذي يمارس هذه المسلكية في كل المستويات، مما ينظف الحركة الثورية من الاعضاء غير المستقيمين واللااخلاقيين والانتهازيين، ويكرس في صفوفها مفهوم الفضيلة الثورية.
1.-المثابرة والاصرار :
يتميز الكادر المسؤول في الحركة الثورية، عن العضو العادي، بامتلاك روح المثابرة والاصرار ومتابعة الامور حتى تحقيق نتيجتها. ويتم ذلك بدوافع ثورية نابعة من الكادر نفسه، وليس نتيجة مراقبة عليا أو خوفا من محاسبة. ان تقدير الكادر للمسؤولية، التي يتحملها من جهة، وفهمه لطبيعة المعركة التي يخوضها، تحتم عليه ان يثابر ويلاحق كل القضايا دون يأس من عقبة أو خوف من فشل. ان روح الاصرار عند الكادر الثوري تعكس نفسها بصورة حازمة لدى كافة الاعضاء العاملين معه، حيث انه كقدوة لهم يجعلهم يسابقونه في مجال العمل الصواب، وان تخاذل أي منهم فان الاصرار والمثابرة كمسلكية عند الكادر المسؤول، تجعله يكتشف المتخاذل، فيدفعه للعمل في المجال الصحيح. ان المسيرة الثورية مليئة بالعقبات السهلة منها والصعبة، وكثيرون يتركون الحركة الثورية بعد ان يقطعوا في المسيرة شوطا طويلاً، وذلك نتيجة عقبة صعبة تواجههم وتجعلهم يفقدون روح الاصرار والعزيمة، التي تدفعهم للاستمرار . ولكن الحركة الثورية تملك ضمانتها بالاستمرار من أولئك الرجال الذين لا يفل عقيدتهم أي مأزق ولا تثنيهم عن عزيمتهم أي مشكلة أو عقبة. وتتعمق روح المثابرة عند القائد بايمانه، بان النصر الكبير حتمي ما دامت المسيرة سليمة ومستمرة، كما ان روح التحدي والاستعداد لمجابهة الصعاب مهما كبرت واحاطتها الاخطار، تولد لدى القائد روح الاصرار، وتجعله يواجه كل الصعوبات بعزيمة تؤمن بقدرتها على تحقيق النصر. والمثابرة والاصرار، تشكلان قاعدة متكاملة للمسلكية الثورية، يتطلب من كل الكوادر المسؤولة ان يلتزموا بها وان يعمقوا مفهومها لدى كافة الاعضاء، حتى تصبح روح المسلكية هي الروح الثورية السائدة في الحركة الثورية كلها.
الابداع :
ليس بمقدور كل عضو في الحركة الثورية ان يصبح كادرا .. وقائدا.. حيث ان الوصول الى هذا المستوى التنظيمي يتطلب مواصفات لا يمكن توفرها الا في عدد محدد. ويعتبر الابداع من المسلكيات الثورية، التي تميز الكوادر والقادة عن الاعضاء العاديين. فالقائد ليس منفذا فقط وانما هو المبدع للخطة قبل التنفيذ، وهو المطور للخطط ولأساليب تنفيذها، والمتضلع بشمولية لكافة قضأيا الثورة.
ان التطبيق الحرفي والتقليد النسخي لتجارب الآخرين، مهما كانت ناجحة، يجعل من العضو منفذا جيداً، ولكنه لا يصل حقيقة الى درجة القيادة الا بالوصول الى درجات الابداع والتطوير، حيث ان قادة الطرف الاخر.. قادة الاعداء، يحاولون الابداع وابتكار انجح الاساليب في محاربة الثورة وخططها . والابداع لا يعتمد على قوة خفية أو الهام غيبي، وانما يأتي نتيجة تضلع في العلوم السياسية والتنظيمية والعسكرية، وتمثل هذه العلوم بمنهجية علمية سليمة وبتركيز وصفاء، يجعل اختزان المعلومات منظما سهل المتناول للكادر والقائد، فيصبح عند معالجة الامور قادرا على حلها بسرعة يخيل للآخرين انه ملهم وان الحلول جاهزة عنده لاعقد المشاكل، انما هي لمعة العبقرية الخارجة عن اطار البشر. ولا يقف اطلاع القائد وسعة معرفته عند حد، فهو دائم التجول في بحر المعرفة، باحثا عن انفراج المستقبل من مجاهل الحاضر. ان استقراء المستقبل يعطي للقائد القدرة على التحرك نحوه بجرأة وامل اكبر. وكلما ازداد التوافق بين التوقعات والنتائج، ازدادت ثقة القائد بنفسه وثقة اعضاء الحركة الثورية به. والابداع، كقاعدة لمسلكية الكوادر والقادة في كافة مجالات العمل الثوري، تجعلهم يتوفقون دائما في اختيار الرجال الذين يعملون معهم. ولا يسقطون مطلقا في اشراك الانتهازيين والمتسلقين. فهم نتيجة ثقتهم بأنفسهم، يتعاملون مع الرجال الاقوياء ذوي الشخصيات المستقلة ويبعدون عنهم المتملقين والامعات. وما دام التطور البشري في كافة المجالات مستمراً فان الابداع في العمل الثوري هو الذي يزرع في التطوير تسارعا يقرب بين اهداف الثورة ومنطلقاتها.
الايثار :
هل يستطيع العضو الاناني، المحب لذاته، المفضل لمصلحته الشخصية، ان يصبح قائدا؟ ان الصفات القيادية، التي يمكن ان تتوفر في العضو كثيرة، ولكن بعض المسلكيات الخاطئة تلغي كل المسلكيات الثورية، وتفقد العضو موقعه القيادي. ويمكن القول، ان احترام الاعضاء وحبهم للكادر والقائد يشكل درجة اساسية في سلم الارتقاء الى موقع القيادة. وهذا الحب لا يمكن ان يستمر، ان كان من طرف الاعضاء فقط. فلا بد للقائد ان يبادلهم نفس الحب للدرجة التي يشعر الاعضاء فيها بذلك. واذا كانت الروح الانسانية هي من قواعد المسلكية للقادة والكوادر، فان هذه لا تكتمل، الا بالتثبث بالايثار كقاعدة اخرى لمسلكية القادة والكوادر. فالقائد هو اول من يستيقظ وآخر من ينام.. ويأكل دائما مع رفاقه ومن نفس الطعام. والقائد هو الذي يرفض الامتيازات لشخصه ويقبلها للعمل والمهمات . وهو دائما على رأس المتعرضين للخطر، واخر الطامحين للمغانم. وعندما تتعارض حاجته مع اي عضو آخر، فانه يؤثر العضو على نفسه مهما كانت حاجته ماسة. ان الدروس، التي يتعلمها الاعضاء في الحركة الثورية من الكادر او القائد، الذي يتمتع بروح الايثار كمسلكية يومية، تفوق اي دروس، يمكن ان يتعلموها في المعسكرات او المدارس. حيث ان هذه المسلكية تشكل فيهم روحا ثورية حقيقية للتعامل مع الجماهير، وتجعل الحركة الثورية بالنسبة للجماهير كالقائد بالنسبة للاعضاء، تسعى دائما لتحقيق مصالحهم وطموحاتهم، فتعمق بذلك روح المحبة للثورة في نفس الشعب، وتجعل الحركة الثورية لا تقود انقلابا لصالح افرادها، وانما ثورة لصالح الجماهير والشعب.
ان استعداد القائد للموت في سبيل وطنه، يجعل الاعضاء يستميتون في سبيل المحافظة على قائدهم، ويحمونه بأجسادهم ويقابلون ايثاره لهم على نفسه، بايثارهم له على انفسهم، وتصبح الروابط الثورية اقوى من ان تقصمها اية قوة معادية للثورة.
13-الهدوء والثبات :
ما اكثر الملمات والمصاعب، التي تواجه الكوادر والقادة في المسيرة الثورية. ومواجهة الأزمات، التي قد تصل إلى حد المصاعب والنكبات والهزائم، تتطلب من القادة سلوكا ثوريا مميزا عن سلوك الأعضاء، وعن سلوك الجماهير. حيث إن المصاعب، عندما تلم بالحركة، فإنها تتطلب قرارا قياديا بمواجهتها. ولا يمكن أن يتم اتخاذ قرار إيجابي فاعل، إذا كانت أعصاب القائد منهارة أو مضطربة. إن الهدوء والثبات يشكلان مسلكية ثورية ضرورية للقائد، وهما من الأسس التي تقوم عليها الشخصية القيادية. وإذا كان طول التجربة يلعب دورا أساسيا في بناء أعضاء الحركة الثورية، واختيار الأقدر والأصلح منهم، لتحمل المسؤوليات، فان الأزمات العصيبة هي التي تفرز وتظهر الأعضاء والكوادر والقيادات على حقيقتها. فكم من أزمة أعطت الحركة الثورية ميلاد كوادر وقيادات من أعضاء كانوا مغمورين، وكم أسقطت الأزمات قيادات وكوادر متسلقين. فالشدائد هي محك الرجال، وهي التي تصلب عود الحركة الثورية، والقائد الثابت الرزين الهادئ، هو الذي يستحق البقاء في موقعه. وهو الذي يتماسك أعصابه، عندما تنهار أو تتضعضع أعصاب الآخرين، وهو الذي يأخذ قراره الحازم عندما يكون الآخرون في ضياع تام. ويجب أن نفرق بين الهدوء في الملمات العصيبة وبين اللامبالاة.. فالهدوء كمسلكية ثورية. يبحث عن الموقف الإيجابي للخروج من المأزق. اما اللامبالاة.. وبلادة الحس، فانها تأخذ موقفا سلبيا لا يظهر الفزع، ولكنه عمليا يسقط في مهاوي الاستسلام. ان انعدام ردة الفعل لدى القائد للبحث عن الخلاص من المأزق بهدوء .. وبحيوية فاعلة، تدفع ان عضو آخر يأخذ المبادرة، فيقرر، فيقود.. وهكذا تولد القيادات الجديدة، عندما يخيم الصمت.. والفزع .. والاضطراب . يولد من بين الرجال من يقرر فعل شيء، فان كان هذا الذي قرر هو القائد، يكون قد كرس قدرته على القيادة، وان كان عضوا آخر.. يكون عمليا قد اخذ موقع القيادة، التي يستحقها. فالقائد المضطرب العاجز عن اتخاذ القرار وتوجيه الاعضاء يفقد احترامهم.. واستعدادهم للانقياد والانضباط له.
14- التضحية :
لا يمكن تحقيق النصر وقهر كل القوى، التي تعادي الحركة الثورية، دون تضحية بالنفس والنفيس. والكادر القائد لا يكون قدوة للأعضاء، بمجرد امتلاكه للصفات القيادية أو بعضها أو لسعة اطلاعه في مجال ما، من مجالات العمل الثوري. فالمسلكية الأساسية، التي تعطي القائد صفة القدوة، هي استعداده للتضحية.. وهذا الاستعداد يجب أن يفوق كل حد. فالكادر دائم الاستعداد للتضحية. ماديا. ومعنويا وجسديا. والممارسات اليومية للكادر، يجب أن تؤكد هذا الاستعداد للتضحيات اليومية، التي يستطيع الأعضاء أن يقتدوا بها. فالكادر، الذي يقود مجموعاته إلى القتال.. إلى ساحات النار، إن لم يشعرهم بالممارسة العملية انه واحد منهم.. وانه تعرض قبلهم للخطر.. للموت، فانه يفقد قدرته على قيادتهم.. إن المحافظة على سلامة القيادات والكوادر، هي إحدى مهام الحركات الثورية. ولكن هذه المحافظة ليست من اجل القيادات كأفراد، وانما من اجل مسيرة الحركة الثورية، حيث ان التجربة، التي يمتلكها القائد لا يجوز ان تفرط بها الحركة الثورية، من اجل عمل عادي.. كما ان استشهاد القادة على يد الأعداء يعطي في كثير من الأحيان مردودا معنويا سيئا على الجماهير والأعضاء، وقيادات الحركات الثورية يعرفون عظم الأهداف التي يسعون لتحقيقها، ولذلك فهم دائما على استعداد كامل لتقديم اعظم التضحيات مقابل ذلك. وترتبط التضحية كمسلكية ثورية بالإيمان بحتمية النصر، حيث إن القيادات والكوادر الواعية لا تناضل نضالاً شجاعاً، ولكن يائساً، لا تبحث عن البطولات الفردية أو التضحيات العدمية، وانما تنبع تضحياتها من عقيدة راسخة بحتمية انتصار قضية الجماهير والشعب. وفي الحركات الثورية لا يعيش القادة والكوادر حياة عادية.. فهم عمليا محرومون من الحياة الاجتماعية، التي تعيشها الجماهير او الأعضاء العاديون. وهم يضحون براحتهم الشخصية.. وراحة عائلاتهم، في سبيل إنجاز العمل الوطني المنوط بهم. وهم الذين يتشردون دائماً، حيث ان العدو المضاد للثورة يطاردهم .. كأفراد، ويسعى لاغتيالهم ولضرب معنويات الحركة الثورية من خلال ذلك.
ان قدرة قيادات الحركات الثورية، التي تمارس الكفاح المسلح من اجل التحرير، على الجمع بين الحياة الثورية والحياة الاجتماعية، تنعدم في معظم مراحل النضال، حتى تصل إلى مرحلة التصعيد الكامل لحرب التحرير، والوصول بها إلى مرحلة حرب الشعب، حيث تصبح كل الحياة الاجتماعية للشعب، هي الحياة الثورية، التي يولد من خلال نارها الإنسان الجديد.
15-الإيمان بحتمية النصر :
[/يشكل الإيمان بحتمية النصر، كقاعدة للمسلكية الثورية للكوادر والقادة .. لكل قواعد المسلكية الثورية السابق ذكرها في كل المجالات. ولا يمكن انطلاق حركة ثورية باتجاه صحيح، إلا إذا امتلكت هذه القاعدة الأساسية للثورة، والتي منها تنطلق النظرية الثورية. إن الهدف، الذي يشكل العنصر الرئيسي في النظرية الثورية، إذا لم يكن الإيمان بتحقيقه مغروسا في نفوس القادة.. والكوادر.. ومن ثم الأعضاء فالجماهير، فان النظرية نفسها تكون بحاجة إلى تغيير، وإذا شكك أي قائد في أي مرحلة من مراحل الحركة الثورية بقدرتها على تحقيق أهدافها، فاقدا بذلك الإيمان بحتمية النصر، فان هذا القائد يجب إن ينتهي كقائد، بالرغم من أي أسباب نفسية أو عصبية دفعته لهذه المسلكية الخاطئة.
إن تحقيق النصر هو هدف النضال.. وهو الهدف، الذي من اجله تولد الحركة الثورية، ومن اجله يبنى التنظيم والقوات المسلحة، ويتم الاتصال بالجماهير، وتشكل التنظيمات الشعبية، ويتصاعد النضالي السياسي والعسكري ويستشهد الثوار. وفقدان هذا الهدف أو الأمل في الوصول إليه، يعني تحطيم الحركة الثورية وتحطيم كل المؤسسات والإنجازات التي حققتها. ويصبح استمرار النضال من اجل تحقيق هدف، لا يمكن الوصول إليه، هو عملية يائسة، لحركة يائسة لن تلقى غير المغامرين المرضى للانضمام إلى صفوفها. ولن يدفع التشكيك في تحقيق الهدف الأساسي بعض الانتهازيين للقبول بأرباع أو أثلاث أو أنصاف الحلول. وقد تتحول الحركة الثورية إلى حركة إصلاحية، فتنحرف عن مبادئها الثورية الأساسية وتصبح جزءا من الواقع الفاسد، الذي ستولد منه حتما طلائع ثورية جيدة مسلحة بالتجربة السابقة وبالإيمان بحتمية النصر.. فتسير في الدرب، حتى النهاية.. وتحقيق النصر.