بقلم: الدكتور أنور أبو طه
اتّسمت حركة الجهاد الإسلامي وتأسَّست على غير مثال من الحركات الحديثة أو المعاصرة، وذلك لخصوصية المجال الوطني الذي عملت فيه ولأجله، فهى ليست حركة اصلاحية لنظام حكم قُطْري تَبَعِي ظالم. وليست حركة دعوية في مجتمع اسلامي مستقر. وليست حركة جهادية لمستعمر عَابر طامِع، بل تُكابد واقع مخصوص يتمثّل باحتلال لأرض مقدسة مباركة من قبل عدو احلالي استيطاني يستهدف الأرض والإنسان والتاريخ والجغرافيا والذاكرة والهوية. متحالفا مع.. ومدعوما من... نظام دولي ظالم متسلّط لديه فائض من القوة قادر بموجبها على تدمير بلدان بأكملها.
وقد خَطَّت حركة الجهاد الإسلامي بموجب طبيعة الصراع المخصوص والمختلف في فلسطين وعياً حضارياً وسياسياً وممارسةً ميدانية وبرامجية تجاوزت فيهما (وعياً وممارسة) كل الحركات الفلسطينية.
آمنت بالإسلام دين وحضارة شعبها وأمتها، ووعته وعياً مأصولاً شاملا فارق الوعي التقليدي الكهنوتي، وعيا ثورياً يحرر ارادة الإنسان في مواجهة الاستبداد وقوى الطغيان، ويخلق انساناً فاعلاً ايجابياً منحازاً للعدل، سمحاً رحيماً محسنا.
فهمت طبيعة الكيان وجوهره الديني الحضاري الإحلالي الاستعماري وعلاقاته الدولية، فلم ترفع شعار الدولة الوطنية، ورفضت كل مشاريع السلطة تحت الاحتلال، بل واعتبرت أن مسعى تقديم الدولة على التحرير الوطني هو سبب كل الكوارث التي أصابت المشروع الوطني. وأدت الى التفريط بالحقوق والثوابت، وتسببت بتجزئة الشعب الفلسطيني في وحدته وجغرافيته وقواه المجتمعية والسياسية.
فهمت طبيعة الكيان المؤسَّس -دينياً وثقافياً وعسكرياً- على العنصريّة وادعاء التفوق الديني والعرقي، وعلى القوة العارية، فلم تر حركة الجهاد الإسلامي سبيلاً لمواجهته سوى المقاومة بكل صورها ومواجهته بروح قتالية ذات طبيعة استشهادية، تجسيدا للوصف القرآني: "عبادا لنا أولي بأس شديد".
أدركت أن تجزئة الشعب والأمة من الاهداف المركزية للمشروع الغربي وربيبته اسرائيل، فنادت بالوحدة الوطنية، والمتَّحد العربي الإسلامي، والمتَّحد القومي الإسلامي، وتَجنَبت الدخول في أية صراعات داخلية وأدانتها، بل وعملت على جبر أي كسْر وتوحيد أي فرقة قدر وسْعِها.
لم تمارس السياسة إلا باعتبارها عملاً في خدمة العمل الجهادي المقاوم، فلم تُخْضِع المقاومة للاستثمار السياسي السلطوي او النفوذ الحزبي.
قدمت نفسها بمثابة حركة تحرر وطني بمرجعية إسلامية، لا حركة معارضة لسلطة وظيفية (أمنياً وسياسياً) ولا حركة استئثار بمراكز القوى والنفوذ، أيا كانت الدعاوى والمبررات. ولم تلهها اروقة السياسة، ولم يطفئ رصاصها جاه.
هي "حركة استشهادية" شاهدة لله بالحق وعلى كل انحراف وزيف، شهيدة على اعتاب حرية فلسطين المباركة. وقد عَلِم العدو قبل الآخرين بسالة وصلابة مجاهديها وبأس مقاتليها.
واجهت حركة الجهاد الإسلامي طوال مسيرتها جملة من المحن والتحديات والصعاب والحصار، وخرجت منها جميعها بفضل الله وعزم أهلها، أكثر ايماناً، وأجذر وعياً، وأشد صلابة، وأسلم عافية، وأقوى ساعداً، وأعلى وأطهر ذكرا.
ليست حركة معصومة من الخطأ، أو لا ينال بعض منتسبيها وهن أو ضعف، أو وصلت للكمال المنشود، ولكن يكفيها فخراً وعزاً أنها ما تركت درب الجهاد، درب ذات الشوكة، وبقيت ثابتة على نهجها دون مساومة، ولم تتنازل عن أهدافها، وثوابت شعبها، ومقدسات دينها ووطنها.
رحم الله شهدائها، وسدد رمي مجاهديها، وثبّت عَزْم أسراها، وأنَار بصيرة قادتها، وبارك في كل كوادرها واتباعها، وجزى خير الجزاء كل مؤيد ومناصر وداعي لها بالخير ولشعبها بالنصر.