الحوار أم الانتظار؟؟
يبدو من واقع الحال ـ والله أعلم ـ أن الأطراف في الساحة الفلسطينية ليست مستعجلة بخصوص الحوار للخروج من المأزق الراهن، وأنهم يفضلون عليه الانتظار. وقبل يومين سمعنا نفيا قاطعا من حركتي فتح وحماس حول أنباء تسربت عن بعض بدايات اتصالات ذات طبيعة فردية وفي حدودها الدنيا، وأصر المتحدثون أنه لا يوجد حوار على الإطلاق، ولا يوجد اتصالات رسمية أو شبه رسمية، ولا يوجد حتى نوع من المبادرات العربية حول هذا الموضوع.
إذا كان ذلك صحيحا: فمعناه أن الفرقاء في الساحة الفلسطينية يركنون إلى الانتظار. انتظار ماذا، لا أحد يعرف وانتظار من؟؟ لا أحد يعرف، وهل قضية المأزق السياسي والوجودي الخطير الذي نعاني منه تحت عنوان انقسام الوطن الصغير المتاح لنا، هل قضية هذا المأزق خرجت من أيدينا وأصبحت بالمطلق في أيدي غيرنا؟؟ هذه أسئلة تستحق أن تطرح، وأن يثار بشأنها نوعا من النقاش، ذلك أن الانتظار السلبي قد يجعلنا نصل إلى مواقع، وإلى تطورات، وإلى تداعيات لم نكن نرغب فيها..
بدون أدنى شك: أن الشرعية الفلسطينية ممثلة بالأخ الرئيس وحكومة الدكتور سلام فياض، تتقدم الآن بشكل جيد، وخاصة على صعيد بعض المعضلات الرئيسية مثل رواتب الموظفين التي تم استئنافها، وعودة العالقين على معبر رفح، ودفعة الأسرى المحررين التي تم إنجازها مؤخرا، هذا بالإضافة إلى توسيع الحراك السياسي والدبلوماسي، وعودة الشريك الفلسطيني إلى الحضور مجددا من خلال هذا الدعم الواسع الذي لقيه الرئيس أبو مازن عربيا وإقليميا ودوليا.
وكل هذا يعطي انطباعا قويا بأن عربة الشرعية الفلسطينية تتقدم بثقة إلى الأمام وإلى المستقبل، وبالتالي فهي في موقع الشرعية الأقوى، وأنه ـ ما دامت الحالة هكذا ـ فإن الحوار يجب أن يحصن بشروط موضوعية، ومبادرات مقنعة، أولها التراجع عن الانقلاب العسكري واعتبار كل تداعياته ونتائجه كأن لم تكن.
في المقابل: فإن الانقلاب في غزة، الذي لا يملك أوراقا شرعية، ولا أفقا مفتوحا، ولا علاقات ذات شأن مع المستويين الإقليمي والدولي. هذا الانقلاب يتشبث بالورقة الوحيدة التي يملكها وهي السيطرة الفعلية على قطاع غزة، وتأكيد هذه السيطرة ـ كما ذكرت تقارير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مؤخرا ـ واستخدام هذه السيطرة باتجاهين.
الاتجاه الأول المقايضة على الأمر الواقع، ومن هنا تعتقد حركة حماس أن أية مبادرات يمكن أن تقدمها للحوار سوف تضعف هذه المقايضة، وتجعل <السبحة تفرط< كما يقول المثل الشعبي، ولذلك نراها تمعن في فرض السيطرة في قطاع غزة، ومعروف أن مثل هذه السيطرة لها أثمان باهظة، واستحقاقات صعبة، وسوف تؤدي إلى تراكمات سلبية جدا لأنها تتم بدون أي غطاء من الشرعية.
الاتجاه الثاني أن حركة حماس تحاول من خلال معطيات الانقلاب العسكري، والسيطرة الفعلية على قطاع غزة، أن تحل مشاكلها المعقدة مع المجتمع الإقليمي والدولي بطريقتها الخاصة، بعيدا عن الشرعية الوطنية، مثل إطلاق سراح <ألن جونستون< من أيدي خاطفيه، وعمليات وقف إطلاق الصواريخ من أي طرف كان حتى لو وصل الأمر إلى حد الاشتباكات المسلحة كما جرت مع حركة الجهاد الإسلامي.
وتخفيف لهجة الخطاب السياسي الموجه إلى الخارج، بل وتقديم بعض المبادرات المختلفة على هذا الصعيد، مثل إعادة طرح فكرة الهدنة الطويلة، وتعامل حماس في الشؤون الحياتية مع الإسرائيليين، وهكذا.
أنا شخصيا أعتقد أن الانتظار بناء على ما تقدم هو الاختيار الأسهل، ولكنه الاختيار الأخطر، لأن التطورات في الساحة الإقليمية والدولية قد تجعل هذا الانتظار الفلسطيني وراء ظهرها، وقد تتطابق المصالح الإقليمية والدولية بما لا يتطابق مع المصالح الفلسطينية، وحينئذ ستكون فرص الحوار بمثابة الفرص الضائعة، وربما تكون المعطيات والشروط الإقليمية والدولية أقسى كثيرا من الاشتراطات المحلية التي تهرب منها الأطراف الفلسطينية.
والملفت للنظر أن الفصائل الفلسطينية لا تلعب هذه الأيام الدور المطلوب منها في خلق أجواء الحوار، فلقد اكتفت الفصائل بموقف أخلاقي ولكن غير عملي، وهو رفض انقلاب حماس العسكري، والمطالبة بالتراجع عنه، لكنها بالمقابل لا تصنع في الساحة ـ وفي قطاع غزة على وجه الخصوص ـ عوامل ضغط حقيقية لتأكيد أن هذا الانقلاب يجب أن ينقذ نفسه من إمكانية التورط في أفعال ردود أفعال أكثر خطورة.
وأبرز هذه الأخطار أن إسرائيل قد تستمرئ في عمليات إنهاء المقاومة في قطاع غزة، وتحولها إلى اشتباكات مسلحة جديدة، ثم تستفيد منها دون أن تدفع مقابلها أي ثمن على الصعيد السياسي.
وفي كل الحالات، فإن الانتظار هو أسهل الخيارات وليس أفضلها
يبدو من واقع الحال ـ والله أعلم ـ أن الأطراف في الساحة الفلسطينية ليست مستعجلة بخصوص الحوار للخروج من المأزق الراهن، وأنهم يفضلون عليه الانتظار. وقبل يومين سمعنا نفيا قاطعا من حركتي فتح وحماس حول أنباء تسربت عن بعض بدايات اتصالات ذات طبيعة فردية وفي حدودها الدنيا، وأصر المتحدثون أنه لا يوجد حوار على الإطلاق، ولا يوجد اتصالات رسمية أو شبه رسمية، ولا يوجد حتى نوع من المبادرات العربية حول هذا الموضوع.
إذا كان ذلك صحيحا: فمعناه أن الفرقاء في الساحة الفلسطينية يركنون إلى الانتظار. انتظار ماذا، لا أحد يعرف وانتظار من؟؟ لا أحد يعرف، وهل قضية المأزق السياسي والوجودي الخطير الذي نعاني منه تحت عنوان انقسام الوطن الصغير المتاح لنا، هل قضية هذا المأزق خرجت من أيدينا وأصبحت بالمطلق في أيدي غيرنا؟؟ هذه أسئلة تستحق أن تطرح، وأن يثار بشأنها نوعا من النقاش، ذلك أن الانتظار السلبي قد يجعلنا نصل إلى مواقع، وإلى تطورات، وإلى تداعيات لم نكن نرغب فيها..
بدون أدنى شك: أن الشرعية الفلسطينية ممثلة بالأخ الرئيس وحكومة الدكتور سلام فياض، تتقدم الآن بشكل جيد، وخاصة على صعيد بعض المعضلات الرئيسية مثل رواتب الموظفين التي تم استئنافها، وعودة العالقين على معبر رفح، ودفعة الأسرى المحررين التي تم إنجازها مؤخرا، هذا بالإضافة إلى توسيع الحراك السياسي والدبلوماسي، وعودة الشريك الفلسطيني إلى الحضور مجددا من خلال هذا الدعم الواسع الذي لقيه الرئيس أبو مازن عربيا وإقليميا ودوليا.
وكل هذا يعطي انطباعا قويا بأن عربة الشرعية الفلسطينية تتقدم بثقة إلى الأمام وإلى المستقبل، وبالتالي فهي في موقع الشرعية الأقوى، وأنه ـ ما دامت الحالة هكذا ـ فإن الحوار يجب أن يحصن بشروط موضوعية، ومبادرات مقنعة، أولها التراجع عن الانقلاب العسكري واعتبار كل تداعياته ونتائجه كأن لم تكن.
في المقابل: فإن الانقلاب في غزة، الذي لا يملك أوراقا شرعية، ولا أفقا مفتوحا، ولا علاقات ذات شأن مع المستويين الإقليمي والدولي. هذا الانقلاب يتشبث بالورقة الوحيدة التي يملكها وهي السيطرة الفعلية على قطاع غزة، وتأكيد هذه السيطرة ـ كما ذكرت تقارير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مؤخرا ـ واستخدام هذه السيطرة باتجاهين.
الاتجاه الأول المقايضة على الأمر الواقع، ومن هنا تعتقد حركة حماس أن أية مبادرات يمكن أن تقدمها للحوار سوف تضعف هذه المقايضة، وتجعل <السبحة تفرط< كما يقول المثل الشعبي، ولذلك نراها تمعن في فرض السيطرة في قطاع غزة، ومعروف أن مثل هذه السيطرة لها أثمان باهظة، واستحقاقات صعبة، وسوف تؤدي إلى تراكمات سلبية جدا لأنها تتم بدون أي غطاء من الشرعية.
الاتجاه الثاني أن حركة حماس تحاول من خلال معطيات الانقلاب العسكري، والسيطرة الفعلية على قطاع غزة، أن تحل مشاكلها المعقدة مع المجتمع الإقليمي والدولي بطريقتها الخاصة، بعيدا عن الشرعية الوطنية، مثل إطلاق سراح <ألن جونستون< من أيدي خاطفيه، وعمليات وقف إطلاق الصواريخ من أي طرف كان حتى لو وصل الأمر إلى حد الاشتباكات المسلحة كما جرت مع حركة الجهاد الإسلامي.
وتخفيف لهجة الخطاب السياسي الموجه إلى الخارج، بل وتقديم بعض المبادرات المختلفة على هذا الصعيد، مثل إعادة طرح فكرة الهدنة الطويلة، وتعامل حماس في الشؤون الحياتية مع الإسرائيليين، وهكذا.
أنا شخصيا أعتقد أن الانتظار بناء على ما تقدم هو الاختيار الأسهل، ولكنه الاختيار الأخطر، لأن التطورات في الساحة الإقليمية والدولية قد تجعل هذا الانتظار الفلسطيني وراء ظهرها، وقد تتطابق المصالح الإقليمية والدولية بما لا يتطابق مع المصالح الفلسطينية، وحينئذ ستكون فرص الحوار بمثابة الفرص الضائعة، وربما تكون المعطيات والشروط الإقليمية والدولية أقسى كثيرا من الاشتراطات المحلية التي تهرب منها الأطراف الفلسطينية.
والملفت للنظر أن الفصائل الفلسطينية لا تلعب هذه الأيام الدور المطلوب منها في خلق أجواء الحوار، فلقد اكتفت الفصائل بموقف أخلاقي ولكن غير عملي، وهو رفض انقلاب حماس العسكري، والمطالبة بالتراجع عنه، لكنها بالمقابل لا تصنع في الساحة ـ وفي قطاع غزة على وجه الخصوص ـ عوامل ضغط حقيقية لتأكيد أن هذا الانقلاب يجب أن ينقذ نفسه من إمكانية التورط في أفعال ردود أفعال أكثر خطورة.
وأبرز هذه الأخطار أن إسرائيل قد تستمرئ في عمليات إنهاء المقاومة في قطاع غزة، وتحولها إلى اشتباكات مسلحة جديدة، ثم تستفيد منها دون أن تدفع مقابلها أي ثمن على الصعيد السياسي.
وفي كل الحالات، فإن الانتظار هو أسهل الخيارات وليس أفضلها