إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جميع مقالات وكلمات وتصريحات الشهيد القائد الدكتور فتحي الشقاقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    كلمة في مخيم اليرموك عن مذبحة الحرم الإبراهيمي


    كلمة في مخيم اليرموك عن مذبحة الحرم الإبراهيمي

    التاريخ: 1414-9-17 هـ الموافق: 1994-02-28م الساعة: 00:00:00

    بسم الله الرحمن الرحيم

    يا جماهير شعبنا الفلسطيني


    يا ابناء الشعب الذي يذبح كل يوم ولا يموت، من دير ياسين إلى قبية إلى كفر قاسم، إلى نحالين وعيون قارة ومجازر الأقصى حتى مذبحة فجر الجمعة في الحرم الإبراهيمي الشريف… حتى مساء أمس وصباح اليوم ودمنا ينزف .نحن الشعب الذي لا يعرف له تاريخ خارج الدم وخارج مسيرة الدم وخارج المذابح ومع ذلك لا ننكسر ولا نستسلم ولا نساوم. تبقى رايات جهادنا مشرعة ونبقى أكثر الظواهر حيوية في هذه المنطقة.

    إن الدم المقدس الذي يسيل في اليوم المقدس وفي المكان المقدس من أجساد العشرات والمئات من أبناء الخليل الباسلة وعلى امتداد الوطن المحتل لن يكون سوى شريان الحياة لشجرة المقاومة وشجرة الانتفاضة وشجرة الحرية ، وسيبقى هذا الدم يسفح كل يوم حتى ينتصر على السيف ، سيف بني إسرائيل وحلفائهم واتباعهم وأدواتهم.

    أيها الإخوة

    إن الجريمة البشعة التي ارتكبها الجيش الصهيوني فجر الجمعة في خليل الرحمن ليست سوى امتداد طبيعي للمجازر التي ارتكبها الصهاينة بحق شعبنا على امتداد نصف قرن، وهي تحمل مدلولاً سياسياً واضحاً منسجماً مع المشروع الصهيوني وحكوماته الرسمية والقاضي بنفي والغاء وتهجير وإبادة الشعب الفلسطيني، وتكريس الاستيطان على كل أرضه، كما تأتي هذه الجريمة استكمالاتً لمؤامرة التصفية التي تجسدت في اتفاق غزة ـ أريحا وما تلاه من اتفاقات تسعى لتجريد شعبنا من سلاحه ليبقى أعزل أمام جيش العدو ومستوطنيه. هذا العدو يعتبر امتشاق السيف جزءاً من شخصيته ، فيما المنهزمون يمنونا بالحرية بإلقاء السيف حتى يقولوا لنا ما قاله السفير الصهيوني في واشنطن لرئيس وفد عرفات، صائب عريقات الذي التقاه في مواجهة ومقابلة تليفزيونية في مساء يوم المذبحة عندما كان الدم لم يجف ، قال : « إن كنتم تبحثون عن مكان أكثر أمناً فحزموا أمتعتكم وارحلوا».

    هكذا.. نعم هكذا يجب أن نفهم هذه الجريمة البشعة كنتيجة من نتائج اتفاق أوسلو المشؤوم، وعلى شعبنا وقواه الطليعية كافة أن تعلن يوم الجمعة النصف من رمضان يوماً لموت وقبر اتفاق أوسلو. فلم يعد هناك عذر لأي فلسطيني مهما كان انتماؤه واهياً لشعبنا، أن يستمر في هذه المهزلة. فلتتوقف .. لتتوقف وليتوقف هذا التفاوض المهين مع العدو. وليرتفع صوت الحق وصوت السلاح.

    نقول هذا ونحن ندرك أن عرفات الذي أوغل في التيه حتى منتهاه، يخطو على جثث شهداء المذبحة ليصل إلى واشنطن ، ليصافح القتلة، ويتبادل معهم الابتسامات.

    إن شغله الشاغل اليوم كيف سيطوق آثار هذه الجريمة ـ والتي هو شريك أساسي فيها ـ كيف سيطوقها ويحتويها وكم سيتقاضى ثمن هذه الدماء من الشيطان الأكبر وحلفائه وأدواته.

    أيها الإخوة… إن كان ردنا على الخونة والمستسلمين مزيدا من الاتهام لهم فهم لم يعودوا يخشون الاتهام. وإن كنا نعتقد أن دماء الشهداء ستعريهم فهم منذ اتفاق أوسلو فقدوا آخر ورقة توت كانوا يسترون بها عريهم، ولا يتحركون الآن إلا عراة.. فهل من سبيل آخر لوقف هذه المهزلة؟! إن مهمات صعبة تنتظرنا وعلينا أن نتملك الإرادة والقوة الكافية لقيادة شعبنا نحو أهدافه وطموحاته بدلاً من هذه القيادة البائسة التي جلبت لنا العار وجرت علينا كل هذه الويلات، وتغرق اليوم في الوحل الذي تحاول أن تجر شعبنا الباسل إليه. إن على القوى المناضلة والمجاهدة أن تعي درس المذبحة جيداً وأن تعي درس المؤامرة.. إن على تحالف القوى الفلسطينية تحديداً وكافة الشرفاء المخلصين من أبناء شعبنا أن يؤكدوا على وحدة الصف المقاوم والتحامه بالجماهير وتعبيره عنها أصدق تعبير. إن وحدتنا الوطنية الصادقة، الجادة ، الحية والفاعلة هي الملاذ والحل ونقطة الانطلاق لإدامة الصراع مع العدو بكافة أشكاله. إن قدرنا ومسؤليتنا أن نحافظ على انتفاضة الشعب التي زرعها ورواها بدمه فيما كان عرفات يبيعها في سوق النخاسة بأبخس الأثمان ويحولها من مشروع استراتيجي عظيم للنهوض والتحرير إلى مجرد مشروع هزيل للاستهلاك والمساومة.

    هذا هو قدرنا ومسؤوليتنا.. الوحدة، حماية الانتفاضة وتصعيدها، استمرار القتال وذلك ضمن إطار جاد وبرنامج جاد ومنظم يُضيق الخناق على فريق أوسلو.. فريق المذبحة ، ويطرده من ساحة شعبنا الفلسطيني الصابر المظلوم.

    في نفس الوقت ليسمعها إخوتنا العرب والمسلمون: إن دمنا دمهم، ومصيرنا مصيرهم، وليست فلسطين سوى مركز لانطلاق المشروع الصهيوني نحو كل العواصم وكل المنطقة. المعركة واحدة. ولم يكن القرار الفلسطيني المستقل سوى خدعة كبرى لابتزاز الشعب والأمة وطلائعه الصادقة لأجل تمرير الخيانات الكبرى. لنؤكد على وحدة المعركة والمصير من جديد ، ونقول للبعض لا تضعوا الحب في طاحونة الأعداء وأنتم تشهدون، إن ستة مليارات دولار ضاعت هنا أوهناك كانت كافية لدفع الانتفاضة إلى أهدافها النهائية في التحرير والاستقلال ،وكانت كافية لجعل الجنوب اللبناني الباسل مئة فيتنام، وكانت كافية لتعزيز الموقف العربي أمام الضغوط.

    في نفس الوقت ليسمعها العالم أجمع! إن هذه الأرض لنا، ولن يكون توقيع هزيل مسوغاً أو فرماناً لتغيير حقائق التاريخ الثابتة، أو لتغيير قانون الإله. وليسمع العالم والغرب خاصة أنهم منذ أن زرعوا الكيان الصهيوني في فلسطين والحروب مستمرة ، وأن السلام يستحيل أن يقوم على أوهام القوة والغطرسة. السلام يقوم على الحق والعدل ،وليس من الحق ولا من العدل استمرار هذا العدوان وهذا الاحتلال.

    يا أهلنا ويا كل جماهير شعبنا… يا أبناء المذبحة والملحمة.. لن يذهب دم أهلنا هدراً . لن يغلق عليه باب النسيان . فليستمر ثأرنا.. ثأر الله. وليستمر نضالنا وجهادنا حتى الانتقام وحتى تحرير كامل وطننا المقدس.


    المجد والخلود للشهداء الأبرار.

    الموت للغزاة الصهاينة

    عاشت فلسطين .. عاشت فلسطين

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    * المصدر : ألقيت في المسيرة الجماهيرية الحاشدة باسم تحالف القوى الفلسطينية في مخيم اليرموك يوم 28/2/1994

    تعليق


    • #32
      ?لمة في ذكرى يوم القدس حفل المستشارية في الميريديان 10/3/1994


      ك?لمة في ذكرى يوم القدس حفل المستشارية في الميريديان 10/3/1994

      التاريخ: 1414-9-27 هـ الموافق: 1994-03-10م الساعة: 00:00:00

      بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه


      بعد شهر من الجوع والصيام والقيام والتطهر ، وحيث يكون المسلم في ذروة العبادة عليه أن يتذكر القدس ، أن يحدد اتجاه بوصلته إليها، في التوقيت المقدس ونحن نتحرر من طغيان المادة ووطأة الجسد وضغط الأمر الواقع، علينا أن نتوجه للمكان المقدس ، وهذا هو مغزى النداء.


      النداء الخميني المتجدد.


      في هذا العالم ، في هذا الزمان تختصر فلسطين الكون … جغرافيا ومعنى ، وتختصر القدس فلسطين ، وعندما يكون يوماً حقيقياً للقدس فإن يوم القدس يختصر الحاضر تاريخيا وجغرافيا ومعنى ، إذ يعني أن يدوم الصراع حتى حل مشكلة الموازين المختلفة، وأن يدوم الصراع حتى يكبر الخير ويشتد عوده ، حتى يكتمل ويتم في مواجهة تمام الباطل . إذ يعني ألا تكون أورشليم.. بل بيت المقدس الذي تهدى إليه الأرواح ولاتهدى روحه لغيره كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، بيت المقدس الذي قال فيه أمير المؤمنين الإمام علي كرم الله وجهه : «نعم المسكن بيت المقدس القائم فيه كالمجاهد في سبيل الله وليأتين على الناس زمن يقول أحدهم: ليتني تبنة في لبنة من لبنان بيت المقدس » ،لا تكون أورشليم بل بيت المقدس … مسرى محمد عبر المكان المحدود و معراجه عبر الزمان المطلق بالقدرة واللطف ، قبلة محمد الأولى عبر المعنى المتسربل بالمستقبل ، المسكون بالصراع والحروب والدماء والمذابح… عبر المعنى الموعود والمتجسد بإساءة وجه بني إسرائيل ودخول المسجد الأقصى وتتبير المشروع الصهيوني القائم على الإفساد وغلبة الشر وطغيان المادة.

      كم هو ثقيل هذا الواقع الذي يتفرد الشيطان الأكبر فوق قمته، ولكن يوم القدس ـ إن شئنا ـ يصنع الحلم، والحلم اصدق دائما إن حفظناه وأرضعناه من فكرنا وإرادتنا وإصرارنا وجهدنا. كم هو ثقيل هذا الواقع ، ولكن صاحب يوم القدس كان يعطينا النموذج والمثل في إمكانية انتصار الروح على المادة، وهل جسد هذا أحد في زماننا مثلما جسده الخميني العظيم (ر) الذي هزم لغو العالم بصمته وغنى الدنيا بزهده وهزم كذب الساسة والسياسات بصدقيته النادرة، اليس هذا مغزى قيامه ونهوضه وانتصاره في عصر الاتصالات المعقدة، والكارتلات البشعة والطواغيت التي تدوس كل قيمة ولا تعرف الرحمة.

      إن الأرض ضيقة.. ضيقة ولكن الرؤية اوسع ، والأرض التي باركها الله في كتابه وقدسها مرةً ومرةً ومرة، لا يهبها لمن قال لهم بعد جحودهم: كونوا قردةً خاسئين ، الذين كتب عليهم الذلة والمسكنة.

      ايها الناس إن كنتم تؤمنون بالله، إن كنتم ترون في قرآنه حقاً مطلقا منزلا ، فلماذا تشكون أن فلسطين لكم؟ إن بيت المقدس لكم ، ليس بحكم التاريخ فقط ، إنما أيضا بحكم الواقع الذي لا يراه الواقعيون وينبئ به القرآن المقدس من لدن حكيم خبير هو علام الغيوب . إن الشك في كون فلسطين لكم.. انتقاص من الإيمان، ضرب من ضروب إلى أس الذي هو صنو للكفر ، فكيف إن تجاوز الأمر مجرد الشك إلى هذا الجحود والتفريط والتنازل، كيف إن تحول يقيننا بفلسطيننا وقدسنا إلى اتفاق سري أسود في أوسلو ، يصفي الصراع ويكرس الاحتلال ويهب لمن ضربت عليهم المذلة والمسكنة الشرعية والقوة والسيادة على الأرض المباركة المقدسة، إن هذا تجديف ضد الله وضد القرآن والإسلام ، ضد الأمة وتاريخها وحقها ، وضد الشعب الفلسطيني المجاهد المظلوم ،في يوم القدس.. لن أبحث طويلا في تحميل مسؤولية مذبحة الحرم الإبراهيمي الشريف لا للشيطان الأكبر ولا للشيطان الأصغر فهذا تحصيل حاصل، ولكني أحمل المسؤولية إلى حكام العرب والمسلمين الذين لم تكون فلسطين بالنسبة لهم سوى مطية لخداع شعوبهم، يتحمل المسؤولية عرفات وفريقه الخائب المهزوم الذي بقى أكثر من ربع قرن على رقاب شعبنا باسم الثورة والتحرير واليوم يسلموننا للمستوطنين الصهاينة كي يذبحونا كالشياه، تتحمل المسؤولية الأحزاب والقوى والحركات الصامتة كالشيطان الأخرس فيما كتبها وكراريسها ملأى بالإنشاء الثوري، والمصيبة أنها ترى نفسها أكبر من الوطن ، أكبر من الشعب، أكبر من القضية في يوم القدس.. ليسكننا الثأر والانتقام لشهداء السجدة في فجر الجمعة الرمضاني في الحرم الإبراهيمي الشريف، ليس مسلماً، ليس عربياً، ليس فلسطينيا من لا يفكر بالانتقام ، أو يقفز على هذا الدم ليصافح القتلة.


      في يوم القدس لنوقد نار الشوق والثورة والمقاومة في كل مكان إذ لن تتحرر فلسطين حتى تغدو الأرض كلها فلسطين ، ساحة حرب ضد الطاغوت الدولي في كل أبعاده.


      المصدر : القيت في حفل المستشارية الإيرانية بمناسبة يوم القدس العالمي ـ دمشق ـ يوم 10/3/1994

      تعليق


      • #33
        ?لمة في استشهاد المفكر السيد محمد باقر الصدر

        ?لمة في استشهاد المفكر السيد محمد باقر الصدر

        التاريخ: 1414-10-28 هـ الموافق: 1994-04-09م الساعة: 00:00:00


        أقام حزب الدعوة الإسلامية حفلا تأبينيا حاشدا الموافق السبت 9 نيسان 1994 احتفاء بالذكرى الرابعة عشرة لاستشهاد المفكر الإسلامي الكبير المرجع السيد محمد باقر الصدر ، وأخته الفاضلة الكاتبة الإسلامية بنت الهدى (رضوان الله عليهما).

        وقد شارك في الحفل الذي اقيم على قاعة مكتبة الاسد عدد من سفراء الدول العربية والإسلامية ، وعدد كبير من علماء الدين الاعلام، وشخصيات من سوريا ، وفلسطين ،ولبنان وحشد من الجماهير العراقية التي غصت بها القاعة رجالا ونساء.

        وألقى الأستاذ الدكتور فتحي الشقاقي أمين عام حركة الجهاد الإسلامي كلمة قال فيها:

        «في مثل هذه الأيام وقبل أربعة عشر عاما، كنا طلابا في الجامعات المصرية حين جاء خبر استشهاد العلامة السيد محمد باقر الصدر ، نزل الخبر علينا حينها كالصاعقة، فعلى مدى السبعينات ومنذ أن عثرنا على مؤلفيه العظيمين فلسفتنا واقتصادنا ثم غيرها من المؤلفات كان آية الله الصدر بالنسبة إلينا معلما كبيرا ومصدر إلها عظيم، وقد تدهشون عندما تعلمون أنه لا تخلو مكتبة من فلسطين وتحديدا في الضفة الغربية وقطاع غزة ـ لا تخلو من مؤلفات السيد الشهيد الصدر. في الحقيقة لم اشهد انتشارا لكتبه وأفكاره في أي بلد عربي كما شهدت في فلسطين المحتلة، حيث كان يتحلق الشباب المسلم حول دراساته حتى في داخل سجون الاحتلال ،ولطالما شاركت في تلك الحلقات ورأيت كيف يقترب الشباب المسلم من دراسات السيد الصدر بنهم شديد فقد أعاد لنا جميعا الثقة بأنفسنا وبعقيدتنا وديننا وهو يصرع الفلسفات المادية، الماركسية والوضعية بحجج قوية دامغة تستند الى العلم والمنطق والى نظرية واعية في المعرفة الإسلامية».

        قبل آية الله محمد باقر الصدر.. كانت تطغى النزعة السطحية المستعجلة على كتابات الاسلاميين المعاصريين في مناقشة خصومهم وفي مناقشة الأفكار المعادية للإسلام ، في فلسفتنا وفي اقتصادنا كان المنهج الإسلامي يرتقي إلى ذروة المنهج العلمي متحدياً المنهج الغربي المادي.

        «بفقدان السيد الشهيد الصدر كان ركن حضاري من أركان النهوض الإسلامي ينهار فقد رحل في سن مبكرة بعد أن أحاط بالعلوم الإسلامية كما لم يحط بها أحد في عصره أو من مثل عمره، وأحاط بالعلوم الوضعية والفلسفات البشرية كما لم يحط بها عالم مسلم في التاريخ الحديث».

        « في الذكرى الرابعة عشرة لرحيل العلامة المجاهد لا زال العراق يدفع ثمن السياسات الغربية كتلك التي أودت بحياة واحد من أعظم علماء الأمة كما يدفع ثمن المؤامرات الدولية التي تفرض الحصار والجوع على الشعب العراقي المظلوم والذي آن أن يتحرر من الخوف كما أن يتحرر من الحصار والجوع، آن أن يساهم في بناء مستقبله وفي تقرير مصيره كشعب حر وسيد وجزء من أمة عربية وأمة إسلامية أكبر ، والذين توهموا أن هذا ممكن بالاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية ، يدركون اليوم كما أخطئوا في تقديراتهم ، فأميركا تريد إذلال الشعوب وتركيعها قبل اذلال الانظمة والحاقها بها . إن انتصار الإسلام والشعوب في أي مكان من العالم وليس في العراق وحده ، لا يمكن أن يمر عبر الدائرة الأميركية ».

        وطلب رضائه واستجداء مساعدته ، إن من يفعل ذلك كمن يهرب من الذلف إلى المزراب وكمن يسلم نفسه رهينة للشيطان متلمساً حسن نواياه والذين يحاربون الظلم في العراق ويسعون لخلاص الشعب العراقي المظلوم وإنقاذه من محنته لا يمكنهم أن يستظلوا بنار الشيطان الأكبر.

        إن أميركا تتفرد اليوم على قمة الدنيا بالإرهاب والقهر وبطغيان المادة وتخويف الناس وقد جعلت من اجتياح النظام العراقي للكويت وسوء تقديراته وأخطائه فرصة تاريخية لتدمير العراق ومحاصرته وعزله وخلط الأوراق في كافة المنطقة والإسراع في تصفية القضية الفلسطينية، حتى اعتبر الذهاب إلى مدريد نتيجة مباشرة لحرب الخليج الثانية وتعلل أصحاب اتفاق أوسلو المعروف باتفاق غزة ـ أريحا من ضمن ما تعللوا بنتائج هذه الحرب وبالتفرد الأميركي الذي تلاها أو تكريسه خلالها وبعدها.

        وهكذا ليس بإمكاننا أن نفصل بين الدور الأميركي في فلسطين والدور الأميركي في أي مكان آخر من المنطقة.

        واضاف: لتعلم أميركا وكل الغرب أن أوهام القوة والغطرسة لا تصنع حقائق التاريخ وأن محاولاتهم لتصفية القضية الفلسطينية لصالح المحتل لن تجر بسلام لأحد بل تزرع سببا جديداً للحرب لتستمر الحروب وليستمر الجهاد حتى يستقيم ميزان العدل في هذا الوطن الصغير والمقدس الذي لا يتسع لأكثر من شعب واحد.

        واختتم الدكتور فتحي الشقاقي كلمته بالقول: «في الذكرى الرابعة عشرة لاستشهاد المفكر الإسلامي العظيم آية الله محمد باقر الصدر أتشرف بالمشاركة احتفالا به علني أرد بعضا مما له في أعناقنا نحن جيل الثورة الإسلامية في فلسطين . لقد كان للسيد العلامة أعظم الأثر في حياتي وفي مسيرتي ومسيرة إخواني على درب الجهاد».

        المصدر : القيت الكلمة في الاحتفال التأبيني الذي اقامه حزب الدعوة الإسلامية يوم 9/4/1994 احتفاء بالذكرى الرابعة عشر لاستشهاد المفكر الإسلامي السيد محمد باقر السيد وأخته الكاتبة الإسلامية بنت الهدى

        تعليق


        • #34
          كلمة في حفل تأبين الشهيد علي العيماوي


          كلمة في حفل تأبين الشهيد علي العيماوي

          التاريخ: 1414-11-2 هـ الموافق: 1994-04-13م الساعة: 00:00:00

          بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه


          «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين»

          الوالدة الصابرة والدة الشهيد البطل علي العيماوي

          الوالد الصابر والد الشهيد

          إلى جميع إخوته وأخواته وإخوانه وأهله وأصدقائه

          إلى جماهير شعبنا الفلسطيني العظيم.

          ليس في وسعي سوى أن أهنئكم باستشهاد المجاهد البطل علي العيماوي

          في اللحظة الصعبة فيما يرتد بعض الناس عن فلسطين ، كان علي يخترق الخطوط الوهمية ويصل إلى اليقين وهو يضرب في العمق الفلسطيني والإسرائيلي معا ليقول للعالم:

          هذا مدى جهادنا المستمر الذي لا يوقفه عدل عادل ولا جور جائر ، كيف والجور والقهر يغطيان وجه الأرض.

          هذا مدى جهادنا أكبر من كل الخطوط الخضراء والحمراء ، لا يرى فاصلا بين غزة وأسدود أو بين جنين والعفولة ، وهو مستمر حتى خلاص كامل الوطن.

          هذا مدى انتقامنا من كل المذابح التي لا ننساها،وتحفر في وجداننا الغضب المقدس.

          علي لم يعرف النوم منذ مذبحة خليل الرحمن واستراح في الأربعين بعد أن أكد للدنيا أن دم المؤمنين في خليل الرحمن لن يتوارى في النسيان بل سيسطع شمسا حارقة في نهارنا ونهار كل الأمة، وقمرا مضيئا في الليل الداجي.

          علي ، كان وهو يطلق الرصاص على مفرق أسدود يصرخ في الغافلين : هذا مدى جهادنا.

          ضد أن تكون فلسطين إسرائيل.

          وضد أن تكون القدس اورشليم

          وضد مدريد و واشنطن

          وضد «أوسلو» وفريقها الخائب

          هذا مدى جهادنا حتى تسقط الأوهام وحتى يجيء الزمان البديل / الزمان الجميل.

          وحدنا سوف نبقى للبلاد التي سوف تبقى لنا ووحدهم للرحيل.

          يا علي نحن في عرسك لا نكتب أشعارا ولكن دمك يعيد ترتيب الأشياء ويصنع التوازن ويزرع الأمل.

          اسبوع يمر اليوم على عرسك

          أسبوع يمر اليوم على عرس رفيقك في الضفة الأخرى رائد زكارنة.

          بوركتما، في عرسكما تصطف الأمة لتقبل الأيدي التي جاهدت.. التي انتقمت .. التي رفضت..

          يا علي … يا ابن المخيم الفقير الذي يضربه الموج كل يوم ولا ينكسر.

          بوركت

          بورك الصدر الذي قد أرضعك

          بورك المخيم الذي قد أطلقك

          بورك الخط والنهج الذي قد عبأك

          وسط قبح الواقع، لا تموت ولكن تنضح اليوم بالحياة

          المجد لك

          ما أجملك .. ما أجملك

          إلى والدتك .. إلى والدك وكل أهلك وشعبك هنيئا لكم ودمتم

          أخوكم الدكتور فتحي الشقاقي

          الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

          13/4/1994

          المصدر : اذيعت صوتيا في مخيم الشاطئ بغزة يوم 13/4/1994

          تعليق


          • #35
            كلماته في المؤتمر القومي العربي الخامس



            كلماته في المؤتمر القومي العربي الخامس

            التاريخ: 1414-11-30 هـ الموافق: 1994-05-11م الساعة: 00:00:00

            تحدث الدكتور الشقاقي في اليوم الأول من المؤتمر ، أثناء مناقشة محور القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، فقال:


            إن اتفاق أوسلو يأتي خارج أي سياق تاريخي أو طبيعي. وإننا لم نستلم غزة أو أريحا في سياق نضالنا وجهادنا، وإنما في السياق المعاكس. لقد كان الكيان الصهيوني مثل رجل يعاني مشاكل حادة ومستعصية، وفجأة يظهر من يقول له أنا مستعد أن أخلصك من كل هذه المشاكل بدون أن تدفع شيئا أو تخسر شيئا، بالعكس فستقبض ثمنا مرتفعا ومرتفعا جدا. لقد كانت غزة حسب الأوصاف «الإسرائيلية» هي الجحيم أو الثقب في الرأس أو الشر المستطير كما وصفها رابين (18/4/1994) أو الوباء كما وصفها شيمون بيريز بعد توقيع الاتفاق في القاهرة يوم الأربعاء الماضي. لقد كانت غزة ـ أيها الإخوة ـ دائما خارج برنامج حزب العمل الصهيوني، وبن غوروين وليس رابين أو بيريز هو صاحب نظرية إغراق غزة في البحر، ومنذ الخمسينات كان يقول لو استطعت لقصصت هذا الشريط ـ قطاع غزة ـ والقيته في البحر. إذن هم الآن يتخلصون من العبء الكبير في غزة وفي نفس الوقت يتم الاعتراف بشرعية الاحتلال والاستيطان ويشكل الفريق الفلسطيني مع العدو الصهيوني شراكة اقتصادية وأمنية ليس من موقع الندية، وإنما من منظور علاقة الضعيف بالقوي والتابع بالسيد والأقلية بالأكثرية والوكيل بالمهيمن وصاحب المشروع. إن هذا الاتفاق لن يصنع سلاما لا «للإسرائيليين» ولا للفلسطينيين. وكيف يصنع سلاما لضحية لم تأخذ شيئا ويستمر ذبحها ونزيفها كل يوم؟! كيف يصنع سلاما للكيان الصهيوني الذي لم يتخل عن طبيعته العدوانية الشرسة في كل لحظة؟! . يقولون إن توازن القوى لا يعطي الفلسطينيين أكثر من ذلك ، وهذا غير صحيح. ربما كان المقصود أن توازن القوى لا يعطي عرفات شخصيا أكثر من ذلك. إن هذه القضية تملك من الرموز المختزنة والقداسة ما يكفي لتفجير الدنيا، ولكن لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية ينزل السقف الفلسطيني عن أي سقف عربي. المشكلة أن بعضهم يفكر أنه يجسد القضية الفلسطينية بمعنى أنه يحل محل القضية وتصبح ذاته هي القضية. أما توازن القوى فليس قدرا. لقد بقي مانديلا في السجن 27 عاما مصرا على مواقفه ومبادئه وأخيرا خرج ليقود جنوب أفريقيا. لو فكر بمسألة توازن القوى منذ البداية لما واصل طريقه. لقد شاهدنا في العام الماضي على شاشات التلفزيون الجنود الروس يضربون الشيوعيين الذين اجتمعوا في الساحة الحمراء بموسكو للاحتفال بذكرى انتصار الثورة البلشفية، وقبل هذا المشهد بعام أو عامين كان يجري في الساحة الحمراء أضخم استعراض عسكري في التاريخ من قبل الجنود السوفيت. وهكذا فإن توازن القوى ليس قدرنا، بل يمكن أن يتغير بالصمود والثبات والمقاومة ـ وهذا هو برنامجنا ـوليس بالاستسلام. هذه الأمة تملك من مفردات القوة الكثير: البشر؛ التاريخ؛ الجغرافيا الممتدة ؛ الثروات؛ الأيديولوجيا الحية الباعثة… هذه المفردات لا تموت ، ويمكن أن تنهض في ظل ناظم يجمعها لإحداث التغيير الأهم في توازن القوى.

            وتعليقا على ما ذكره الأستاذ هاني الحسن في مداخلته الهامة والتي طلب فيها البحث عن السبل المناسبة لدعم المفاوض العربي، قال الدكتور الشقاقي:

            إذا كانت الدولة تدفع ثمن ضعفها وهشاشتها، وإذا كانت على الدولة في الواقع العربي استحقاقات ستدفعها ، فما الذي يدفع المثقفين والقادة القوميين إلى تقديم المساومات مع عدو الأمة التاريخي؟! إن كان هذا موقفكم كقادة قوميين فاسمحوا لي أن أقول لكم أنكم تتركون الراية للإسلاميين. إن من بين الحضور العديد من الناصريين، ونحن نعرف من الناصرية خلال ربع القرن الأخير شعار «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» . أتمنى أن تتضافر جميع الجهود من إسلامية وقومية على نفس الطريق وهو الحفاظ على كيان الأمة ومقدساتها وثوابتها.

            وفي اليوم التالي أعد الدكتور الشقاقي مداخلة حول محور العرب ودول الجوار الجغرافية ، أشار فيها إلى نظرية بن غوريون حول المحيط أو دول الجوار Peri pheries قاصدا إقامة علاقات مع الدول غير العربية المجاورة للدول العربية وخاصة إيران وتركيا وأثيوبيا.

            وقال الدكتور الشقاقي إن ايران حليف للقضايا العربية منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل 15 عاما، وسيكون خطأ كبيرا أن يسعى العرب ليصنعوا منها عدوا ، وهي التي تلتقي معنا في همومنا الاستراتيجية من معاداة الهيمنة الغربية وأمن المنطقة والبترول، والأهم أنها تلتقي معنا في فلسطين.

            وحول تركيا التي سرقت منذ أتاتورك من الوطن الإسلامي ، اعتبر أن تقدم حزب الرفاه الذي يقوده نجم الدين أربكان بمثابة الأمل في إقامة علاقات متوازنة وأفضل مع العالم العربي. وبالنسبة للجوار الأفريقي تكلم الدكتور الشقاقي عن دور السودان والمؤامرة ضد السودان لفصل جنوبه عن شماله ، وبالتالي فصل الوطن العربي والإسلامي عن أفريقيا التي لم تحسم خيارها الحضاري بعد. ودعا إلى تأييد حكومة السودان ضد مؤامرة الانفصال التي تدعمها بريطانيا وأمريكا والكيان الصهيوني.

            وفي اليوم الثالث من المؤتمر تحدث الدكتور الشقاقي في محور المؤتمر القومي الإسلامي الذي يجري الإعداد له قائلا: إن هكذا مؤتمرا يمكن أن يؤسس لمرجعية للأمة، وإن علينا أن نحوله إلى مؤتمر حقيقي يتوصل إلى مشروع مشترك وليس مجرد مهرجان احتفالي. وتكلم عن العلاقة بين العروبة والإسلام وكيف أنها شهدت تأزما عندما رشحت الأفكار المادية إلى العروبة والعروبيين ، وعندما شنت القوى القومية حملتها ضد الاسلاميين (ووصفتهم بالرجعيين وبقايا الاستعمار ، ولا بد من التخلص منهم)، وعندما رد إسلاميون باعتبار العروبة بدعة وكفرا..، وقال الدكتور الشقاقي لقد نضجنا اليوم بما فيه الكفاية لندرك أن العروبة هي اسمنا ولوننا وجلدنا وأرضنا، وأن الإسلام هو روحنا وهويتنا. لقد سرقت الأرض من تحت أقدامنا فيما نحن مشغولين بالهيات الصراع بين العروبة والاسلام. واكد الدكتور الشقاقي على أن عنف الدولة هو السبب الرئيسي في الصراع الدائر اليوم، وعندما تتوقف الدولة عن الإرهاب والعنف ضد مواطنيها بشكل عام وضد الاسلاميين بشكل خاص، وعندما تشاع أجواء الحرية الحقيقية ويجري احترام إرادة الأمة ، حينها لن يكون هناك عنف من أحد ، إسلامي أو غيره.


            المصدر : ألقيت هذه الكلمات والمداخلات في المؤتمر القومي العربي الخامس المنعقد في بيروت خلال الفترة 9-11/5/1994

            تعليق


            • #36
              كلمة في احتفال الذكرى الخامسة لرحيل الإمام الخميني قدس سره

              كلمة في احتفال الذكرى الخامسة لرحيل الإمام الخميني

              التاريخ: 1414-12-26 هـ الموافق: 1994-06-05م الساعة: 00:00:00



              بسم الله الرحمن الرحيم

              الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

              اقتلونا، إن شعبنا سيعي أكثر وأكثر


              تحت هذا الشعار الخميني تستمرُ المواجهةُ وتستمر المعركة وتمضي مسيرة الدم الذي لا يُغلب.

              في لحظة من عمر الثورة الاسلامية، قتل المنافقون والعملاء أكثر من سبعين قائدا من قيادات الثورة بضربة واحدة، ومع ذلك استمرت الثورة بعنفوان أقوى واشد.

              إن أولئك الشهداء ، إن شهداء المقاومة الإسلامية بالأمس ، إن كل شهداء الأمة ينزرعون في الأرض ليهبوا لنا الحياة، ويمدونا بالعزيمة والقوة. إن المسلم لا يرى في الشهادة نهاية، بل خيارا «قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحُسنيين…» فالله يجعلها خياراً صنواً لخيار النصر ، إنها خيار حي وفاعل وبناء ، فالشهداء لا يموتون، بل ينزرعون في الارض ، يورقون ويثمرون وتخضر بهم حياتنا، يحلقون في السماء ويجيشون في الصدور دماً جديداً ووعياً وعزيمة.

              اقتلونا، إن شعبنا سيعي أكثر وأكثر.

              السادة العلماء الإخوة المجاهدون.

              قبل خمسة أعوام، انتقل الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى الملأ الأعلى، ولكن استمرار حضوره في حياة الأمة أعظم من أن تخفيه السنون أو يمحوه الاستكبار، وليس هناك من نموذج أمثل كهذا النموذج اللبناني الإسلامي المقاوم. لقد أعطى الإمام لحياة المسلمين معنى وكانوا قبل نهوضه وثورته يغفون في سراديب النسيان، وأعطاهم الأمل بأن التغيير ليس ممكنا فحسب بل وحتمي أيضاً ، لقد حرر المسلمين المستضعفين من رعب الدول الكبرى ، ذلك السيف الذي استمر مسلطاً على رقابنا عقوداً وعقوداً ويحاول أن يستحضره المهزومون اليوم، فقد أكد الإمام بثورته أن الدول الكبرى يمكن أن تنكسر ويمكن أن تتراجع إذا تحررنا من استلابها والتبعية لها، وإذا تملكنا إرادتنا حرة وبعثناها بالإيمان والعمل فاعلة قوية.

              لقد أعاد الإمام للإسلام جوهره المحمدي النقي، إسلام الجهاد والاستشهاد والنهوض والثورة،الإسلام الذي يعيد الأمة إلى اصالتها وهويتها وروحها المسروقة، الإسلام الذي يحرك الجماهير ويقودها ويخرج الملايين إلى الشوارع ضد الطواغيت والمستكبرين، الإسلام الذي يبرهن بعد أربعة عشر قرنا على انبعاثه كم هو ثابت في الأرض، راسخ في وجدان الأمة، قادر على التجدد والانبعاث من جديد، قادر على إقامة الدولة الإسلامية، الإسلام الذي يجعل مجاهدا فردا يقتل بضربة واحدة اكثر من مائتين من جنود أمريكا العظمى فتهرب أمريكا مذعورة، ويجيب مسؤول أمريكي كبير في حينها عن سبب هذا الهروب أثر ضربة أو ضربتين فيقول: لم نرحل من لبنان بسبب سقوط هذا العدد الكبير من القتلى فقط ولكن بسبب الطريقة التي سقطوا بها. وهكذا لا تجد أكبر قوة نووية ومسلحة في التاريخ البشري طريقة لمقاومة مجاهد فرد أمتلك إرادة القتال.

              لقد أطلق الإمام الخميني الصحوة الإسلامية في المنطقة وفي العالم ، هذه الصحوة التي أنشأت واقعاً جديداً ، ولا زالت تتفاعل عبر التنامي المتزايد لحركات النهوض الإسلامي ، التي لم يعد بالإمكان تجاوزها والتي ستنتصر إن عاجلا أو آجلاً على ركام الأنظمة المستبدة وغير الشرعية والتي لم تعد قادرة على حل مشكلة واحدة من مشاكل المجتمع . إن الصحوة الإسلامية ستعيد تشكيل المنطقة على صورتها الحقيقية وليس على صورة سلعة الغرب.

              خمسةُ أعوام مضت على رحيل الإمام. تبدلت الدنيا وانقسمت الأمة إلى مؤمنين يستعذبون الموت في سبيل مبادئهم وحريتهم وأوطانهم، وإلى مهزومين يركعون أمام الغرب ويتمسحون به كالكلبة بسيدها، شعارهم على جباههم وعلى ظهورهم : غزة ـ أريحا ، من المغرب إلى عمان وقطر وما بينهما ثقافتهم انشودتهم وطموحهم هو غزة ـ أريحا، فهي طقس هزيمة وليس مجرد جغرافيا ، والحكم الذاتي ليس لهذه المنطقة المحدودة الضيقة من فلسطين فقط وإنما لكل المنطقة التي ارتضى حكامها الدخول مطبوعين إلى بيت الطاعة الأمريكي ـ الصهيوني.

              إن غزة ـ أريحا أيها الإخوة هي فضيحة العصر ومصيبة العصر، وخيانة العصر، وتتلخص في أن الحركة الصهيونية قد وجدت شرطياً حارساً لمشروعها، فلسطينياً يحمي أمنها وينقذها من ورطتها النفسية والأخلاقية والأمنية والعسكرية والسياسية في غزة والضفة.

              إنها صفقة تستعصي على الفهم ، فالفلسطينيون الرافضون على مدى القرن لم يقبلوا إلا عندما اصبح عليهم ان يعطوا لا أن يأخذوا. والاسرائيليون عندما انسحبوا من غزة أو أعادوا انتشارهم فيها كما حدث بالفعل لم يسلموها حقا للفلسطينيين وإنما أعادوا تحكمهم الاستراتيجي بها. لقد أكلوا الكعكة ، احتفظوا بها لأنفسهم وباعوها للعالم وحدث كل هذا في نفس الوقت.

              إن ما حدث في غزة لم يحدث في سياق جهادنا ونضالنا بل في سياق المعاكس والمضاد تماماً . وإنني انقل عن لسان مفاوض فلسطيني من أهم المفاوضين في طابا والقاهرة يقول: أثناء التفاوض كانوا يتعاملون معنا باستعلاء شديد ولم يكونوا يقدمون لنا شيئا إلا اذا اقنعناهم أن هذا الشيء لمصلحتهم هم. ومع ذلك يطلقون الأكاذيب والأوهام حول الاستقلال والدولة والقدس ، فيما جنرالات العدو ووزراء العدو يكيلون المديح لدور السلطة الفلسطينية وأجهزة أمنها، للحلفاء الجدد الذين بدأوا باعتقال المجاهدين وإيداعهم في نفس السجون التي كان الاحتلال اليهودي يعتقلهم فيها، الحلفاء الجدد ضد فلسطين والمنطقة والذين ببركة تواجدهم في غزة نيابة عن الاحتلال ، يساهمون في إطلاق يد الاحتلال في لبنان وغير لبنان . وكما دخلت هذه الحفنة الفلسطينية التائهة الخاسرة في بيت الطاعة الامريكي ـ الصهيوني يتحول الاسرائيليون إلى ساحات أخرى لتطويعها وإسقاطها في نفس بيت الطاعة تمهيداً لعالمهم الجديد، ونظامهم الجديد وشرق أوسطهم الجديد حيث يكونون القوة المركزية المهيمنة.

              منذ الانسحاب الإسرائيلي المزعوم في غزة طاردت حركة الجهاد الإسلامي الجنود الصهاينة من جنوب رفح إلى شمال غزة واصطادتهم وقتلتهم، لتؤكد لشعبنا ولأمتنا وللعالم أن الانسحاب المزعوم لم يتم، وأنهم موجودون على الأرض فنحن لم نصطادهم من الجو أو البحر. ولنؤكد أيضاً للعالم أن هذه الاتفاقات السرية التي وقعتها حفنة مسروقة ضائعة لا يمكن أن تصنع سلاماً لليهود على حساب شعبنا، ولذا فسوف تستمر الانتفاضة وسوف يستمر جهادنا أينما استمر الاحتلال وسوف يستمر سلاحنا مشروعاً لا يسقط ولا يُسلم.

              هذا هو الدرس الذي تعلمناه ونعلمه ونردده في ذكرى رحيل الإمام الخميني العظيم، قبضة الروح التي انتصرت على المادة في عصر الاتصالات المعقدة والكارتلات البشعة والطواغيت التي تدوس كل قيمة ولا تعرف الرحمة.

              في ذكراك هذا العام يلون الدم لبنان ، دم المقاومة الإسلامية ، دم حزب الله الذي يطلب الثأر . والثأر في صدور المؤمنين على امتداد الأرض حي. والعدو الصهيوني لن ينجو من العقاب ، عقاب المجاهدين المسلمين في كل مكان ، الذين يوحدهم الدم كما توحدهم العقيدة ، كما يوحدهم المصير.

              في ذكراك يا إمام قد تبدو الأرض ضيقة ضيقة، ولكن الرؤية أوسع ،وبما علمتنا فإن أفقنا الإلهي أرحب وأرحب، ويتحرك أبعد من قيد اللحظة الراهنة التي يريد الاستكبار أن يسجننا بها.

              «قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين، ونحن نتربص بكم أن يصيبكم اللهُ بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنّا معكم متربصون»


              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

              المصدر : القيت في احتفال الذكرى السنوية الخامسة لرحيل الإمام الخميني ـ بيروت 5/6/1994

              تعليق


              • #37
                التسوية والتطبيع مع العدو الصهيوني أثرهما على الوحدة العربية


                التسوية والتطبيع مع العدو الصهيوني أثرهما على الوحدة العربية

                التاريخ: 1415-2-24 هـ الموافق: 1994-08-01م الساعة: 00:00:00


                قرأت باهتمام الورقتين المقدمتين من الأستاذ كريم مروه والدكتور علي عقله عرسان، وأعبر عن إعجابي بالدراستين خاصة دراسة الدكتور عرسان، والتي أعتبرها من أهم الاوراق التي قُدمت للندوة وأرى أنها تصلح ورقة عمل للأمة في هذه المرحلة.

                لا أدري إن كان غريباً أم لا ، اتفاقي كإسلامي مع التوجه العام لنصين ماركسي وقومي أو بالأصح نص لمفكر ماركسي في الأصل ، ونص لمفكر قومي ، الأستاذ مروه رغم استعانته بنصوص ومقررات مؤتمرات للحزب الشيوعي اللبناني ، نصوص سياسية تخص المسألة الفلسطينية، إلا أنه لم يطرح موضوع البحث لا من منظور طبقي ولا حتى من منظور فلسفي مادي ، والدكتور عرسان قدم نصاً تحليلياً واستقراء للمستقبل، لم ترشح إليه الأبعاد التي أسميها علمانية وهي ما نتوقف عندها كإسلاميين، ربما يعود ذلك إلى أن الواقع القاسي والمأساوي الجاثم على صدورنا يضطرنا إلى تقديم رؤى وبرامج عمل مقاومة بعيداً عن التفسيرات والتعليلات النظرية والمجردة، فالمأساة والهزيمة تعطي معياراً لا يخطئ، تطرح التفسيرات المتوهمة وتبقى على التفسير الصحيح وتدفعنا للبحث عن مخرج ، ليس لطرف بالتأكيد ، بل للجميع ، ومن هنا برامج العمل المشتركة وأهمية وضرورة البحث عن القواسم المشتركة.

                إن جوهر الدراستين أننا نقبل على سلام أخطر بكثير من الحرب ، وأن العدو سيحصل بالسلام على ما لم يحصل عليه بالحرب ، إن العدو الذي انتصر في معركة ومعركة ولكنه لم يحقق انتصاره الحاسم كما يطمع ، ويريد تحقيق ذلك على طاولة المفاوضات سواء عبر الملفات الخمسة التي طرحها الأستاذ مروه ، وهي المياه ، العسكري والأمني، الاقتصاد ، اللاجئين ، الثقافة والتاريخ والتربية ، أو عبر توقعات الدكتور عرسان حول نتائج السلام المشؤوم الذي علينا توقيعه ، مع الاعتذار للحركة الصهيونية عن أي لحظة تمسكنا فيها بعقيدتنا وقوميتنا وحقوقنا في مواجهة العدو الصهيوني ولكن الذي فاجأني في ورقة الأستاذ مروه وهو المدرك لمحاولة العدو اختراق الواقع العربي عبر الملفات الخمسة والمطروحة فعلاً على طاولة التفاوض الثنائية والمتعددة. المفاجأة في اعترافه بعد ذلك "إن له موقف يكاد يتطابق ، في الشكل على الأقل ، مع ما هو معلن على لسان المفاوضين العرب ، حول الحقوق والتمسك بها وحول القرارات الدولية واحترامها وسوى ذلك ، وجميع هذه المواقف تؤكد الانسحاب من الأرض وإعطاء الفلسطينيين حقهم في إقامة دولة لهم على كل الضفة والقطاع.." والزاوية الأخرى للمفاجأة كون الأستاذ كريم مروة مشاركا أساسيا في لجنة وندوة الحوار والتي حسب علمي ترفض في البرنامج الكفاحي الذي تبنته أي اعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين.

                أما مسألة مساواة الرفض المطلق للواقع القائم بالاندماج المطلق بهذه الواقع بحجة عدم تقديم الرفض لبدائل عقلانية فهي مسألة غريبة لأنها لم تحدد لنا ماهية البدائل العقلانية وهل هي التفاوض أو المقاومة ، وهل يمكن أن تكون المقاومة بديلا غير عقلاني. هذه المسألة تحتاج إلى مراجعة ، لأنه ليس بالإمكان مساواة المقاوم الرافض للواقع الذي صنعته شروط وظروف الهزيمة وموازين القوى المؤقتة المتناقضة مع حركة التاريخ. لا يمكن مساواة هذا الموقف بمن يرفعون راية الاستسلام ويبدون الاستعداد للاندماج في شروط العدو.

                ملاحظة أخيرة حول ورقة الأستاذ مروه بخصوص "اعتبار الجامعة العربية كصيغة واقعية أفضل ، الآن ولزمن طويل في المستقبل على طريق النضال لقيام صيغ أكثر تقدماً للوحدة…".

                ومع أنني من الذين يدركون أهمية تطوير أي إضاءة أو إشارة إيجابياً في واقعنا الحالي ، إلا أنه ليس بالإمكان أن ننظر إلى كيان هزيل منذ قيامه وحتى الآن كصيغة أفضل. بل الجامعة العربية بدت حينها كمؤسسة إجهاضية لحلم وطموح الوحدة الجادة. اعترف أنه في هذا الواقع المأساوي تبدو الجامعة العربية رمزاً ولو واهيا للقاء العربي المطلوب إلقاؤه. واعترف أن السعي لتطوير دورها اليوم شيء إيجابي، ولكنه لا يرقى ليمثل الصيغة الواقعية الأمثل ، المناضلون والثوريون يجب أن يكونوا على موعد وطموح أكبر وأفعل. نخشى إن بدت هذه الصيغة أمثل في أدبياتنا ودراساتنا أن يجهض ذلك أحلام التغيير الجدية.

                المسألة الأخرى التي أود مناقشتها ما طرحته بعض الدراسات الأخرى والقائلة بأن التفاوض سوف يوقف التدهور، وهذا هو المطلوب حاليا أي وقف التوسع أو كما قال الدكتور حسن نافعة (إن وقف التوسع هو بداية للتحرير الكامل). والحقيقة إننا أمام طرفين ، طرف منتصر وطرف مهزوم لكن حتى الآن الانتصار ليس حاسماً والهزيمة ليست حاسمة والعدو يسعى لترتيب ذلك، أي تحقيق الانتصار الحاسم على طاولة التفاوض ولأنه يعلم إن الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في جنوب لبنان عقبتين هامتين أمام مشروعه ، ومن الصعب أن يحقق إنجازه حتى على طاولة المفاوضات فيما الانتفاضة حية والمقاومة مستمرة ، تراه يعمد إلى محاولة سحق منابع القوة هذه. ولهذا نجد العدو يعزل ويحاصر قطاع غزه والضفة الغربية والقدس لأكثر من خمسة شهور حتى الآن لأجل تجويع الناس وإطفاء جذوة الانتفاضة. وفي لبنان نجده يشن هجومه الكبير المستمر منذ أيام لضرب المقاومة الإسلامية ونزع سلاحها.

                إننا أيها الأخوة أمام طرفين طرف يستطيع أن يخرج من التفاوض إلى الحرب وهو الطرف الإسرائيلي وطرف لا يمكنه الخروج من التفاوض إلا إلى التفاوض كما يقول هو "المفاوضات هي الخيار الوحيد".

                وبالتالي ما يجري في واشنطن ليس تفاوضاً بل إملاء شروط. والشروط أمريكية صهيونية مهما طال الجدل غير المجدي. المفاوضات في الحقيقة تعطي الشرعية للتوسع الذي حدث وللتدهور الحادث ومن هذه النقطة سينطلق العدو لتحقيق اختراقه للمنطقة، أمنياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً . الكيان الصهيوني يدرك جيداً أنه لا يستطيع الاستمرار في المنطقة إلا إذا عادت المنطقة إلى ما قبل وجود الأمة،والأمة أوجدها الجامع الحضاري الإسلامي الذي صهر الأديان والقوميات والمذاهب والطوائف والأعراق في بوتقة وجامع حضاري واحد. العدو الصهيوني يحاول بالقمع والإرهاب وكل الوسائل الممكنة تحويل المنطقة إلى فسيفساء يمكنه الهيمنة والسيطرة عليها. فهو موقن أن استمرار مشروعه مرهون بمزيد من التجزئة والتفتيت وتحطيم مكونات الأمة وأن تعود المنطقة إلى ما قبل ظهور الإسلام.

                وإذا كان العدو قد أنجز شيئاً ما من مشروعه فهو يسعى أن يكمل هذا المشروع على طاولة التفاوض فكيف سنوقف التدهور والتوسع بالمفاوضات. ألم تكونوا أنتم في حركة التحرر العربي من أكدتم في أدبيات عقود طويلة حول طبيعة هذا الصراع مع العدو، وإن هذا الصراع تناحري وأنه صراع وجود. كنا شباناً صغاراً عندما كانت هذه التحليلات تملأ الإعلام العربي، اليوم تخليتم عن هذه الأبجديات بحجة ضغط الأمر الواقع، هذا الواقع مهما كان شرساً أو مأساوياً واقع مزيف بالقوة والإرهاب وبالإمكان تغييره بالنضال في الواقع وبأدوات الواقع.

                نحن كقوى إسلامية نؤكد تمسكنا بتلك الأبجديات حول طبيعة الصراع التناحري مع العدو. وسنمضي في الصراع حتى نهاياته الطبيعية التي تتساوق مع حركة التاريخ القائلة بظفرنا وانتصارنا.

                نقطة أخيرة… ما العمل! هذه الأمة لن تموت ومزاجها العنيد لازال حياً ويقضاً تعبر عنه الانتفاضة والمقاومة في لبنان، وحركات النهوض العربي والإسلامي هنا وهناك. هذه الأمة تملك من مفردات القوة المبعثرة حالياً بفعل فاعل، ما لو أعيد نظمه وصياغته لحققت المعجزة. المخرج الحقيقي موجود وهو استثمار منابع القوة في أمتنا ودعم وإسناد الانتفاضة والمقاومة في لبنان وتعميمها قدر الاستطاعة وهذا يحتاج إلى جبهة إسناد حقيقية من القوى الحية.


                المصدر: تعقيب على ورقتي الدكتور كريم مروه والدكتور علي عقله عرسان في ندوة عقدت يوم 1/8/1994م دمشق

                تعليق


                • #38
                  ضد "الشرق الأوسط الجديد"

                  ضد "الشرق الأوسط الجديد"

                  التاريخ: 1415-4-9 هـ الموافق: 1994-09-15م الساعة: 00:00:00



                  أن نقرأ عدونا… هذه هي البداية الصحيحة كما أعتقد. وأن نجلس اليوم لنناقش كتاب "الشرق الأوسط الجديد" لصهيوني كبير مثل شمعون بيريز فذلك نقطة على هذا الطريق الطويل ، حتى لا نكون مثلما ظنوا في السابق، بأننا شعوب لا تقرأ، وأنها تكرر أخطاءها.

                  علينا أن نقرأ بوعي . فلا نظل لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نفهم. ونحن أمام كتاب أو فلسفة أو أفكار قامت على أساسها الحركة الصهيونية والتي لا تستطيع أن تستمر إلا على هذا الأساس. وهناك هاجس صهيوني من مسألة البقاء في منطقة معادية، لذلك فهم يبذلون أقصى الجهد لتغيير تركيبة هذه المنطقة على كافة المستويات، الحضارية والاقتصادية، والثقافية والسياسية والأمنية فالصهاينة، كانوا يعتقدون دائماً ، بأنهم لا يستمرون في هذه المنطقة ، إلا إذا عادت المنطقة من جديد ، إلى مكوناتها الحضارية القديمة قبل ظهور موحّد جامع لها أي للحوض العربي الإسلامي.

                  وبالتالي فإنهم يريدون إعادة تفكيك المنطقة ، وهذا هو جوهر كتاب شمعون بيريز ، فكتاب الشرق الأوسط الجديد، لا يبحث عن قواسم مشتركة من تلك القواسم التي نؤمن بها كعرب ، وهي تلك القواسم ، التي تجعلنا نطمح بأن نرى المنطقة منطقة عربية موحدة ومتماسكة ، هم لا يريدون أي قاسم مشترك من هذه القواسم مهما كان بعيداً أو قريباً في التاريخ ، مهما كان عميقاً أو سطحياً ، حتى لاحظنا أنّ الجامعة العربية التي هي بالنسبة لكثير منا في حكم المتوفاة، قد رفضوا حضورها كمجرد مراقب في اجتماعات مدريد ، لأنهم لا يريدون إعطاء أي انطباع بأنهم يتعاملون مع موقف عربي ، أو مع قضية عربية ، أو مع أمة عربية ، إنما يتعاملون مع قضية أردنية، وقضية فلسطينية ، وسورية ، ولبنانية ، ومصرية ، أو مع قضية أقلية عربية في إسرائيل.

                  إنهم يريدون بناء هذه المنطقة ، على أساس من المصالح الاقتصادية ، حيث يكون العدو الصهيوني، القوة الأساسية المهيمنة فيها ، والقوة المركزية التي تتعامل مع كل طرف على حدة ، والتي تشرف على إعادة تشكيل المنطقة ، والمحاور ، والعلاقات السياسية فيها ، والإمكانات ، والعلاقات الزمنية ، والاقتصادية ، لذلك لابد من إلغاء هويتنا كأمة عربية وإسلامية ، وإلغاء تاريخنا ، ولا بد من إلغاء عقيدتنا ، وإلغاء كل موروثاتنا السابقة ، والبدء من جديد .. وهذا أمر نجده جلياً واضحاً في كتاب بيريز.

                  ولكن من المؤسف ، أن يتحول هذا الحلم الصهيوني إلى واقع ، وأن يغدو ممكناً لبيريز أن يكتب هذا الكتاب ، والذي ما كان له أن يكتبه لولا توقيع اتفاق غزة ـ أريحا ، الذي يعتبر نقطة تحول خطيرة في تاريخ المنطقة ، حيث استطاع الصهاينة من خلاله ، أن يحققوا الاختراق الأهم منذ وعد بلفور ،ومنذ قيام الدولة العبرية، وهم لن يكتفوا بهذا الاختراق الذي حصل على الساحة الفلسطينية، ذلك أنهم استغلوا ياسر عرفات ، كورقة ابتزاز في كل المنطقة، بما في ذلك صديقهم القديم الجديد، النظام الأردني والملك حسين.

                  والمسألة المهمة أيضا في هذا الكتاب ، هي رؤية شمعون بيريز على أن الكونفدرالية هي الحل الأمثل للمسألة الفلسطينية في المرحلة القادمة. وفي تقديري أنه خلال السنوات القادمة وحتى نهاية القرن ، سيظل الوضع الفلسطيني أمام خيارين رئيسين ، خيار الكونفدارلية الهاشمية، وخيار الوطن البديل وسوف يستمر التصارع على هذين الخيارين حتى يحسم الأمر لصالح أحدهما. وقبل توقيع الاتفاق الأردني ـ الإسرائيلي ـ أن الصهاينة يؤيدون فكرة الكونفدرالية مع الأردن ، هذه الفكرة التي تبرز جلية واضحة بعد توقيع الاتفاق مع الأردن ، حيث بدأ الحديث عن "الهاشمية" كوعاء ، بل كرسالة تحملها هذه العائلة إلى كل أمة العرب ـ كما قال الأمير حسن في مؤتمر الشباب العربي ـ . وحتى فكرة "الأردنة" التي جرى الحديث عنها خلال الفترة الماضية، كانت لصالح الفكرة الهاشمية، حيث ينضوي الأردني والفلسطينية، بل ربما أشياء اكثر من الأردني والفلسطيني شرقاً أو جنوباً في ظل هذا التاج.

                  كما قلت أن هناك خياراً آخر هو خيار الوطن البديل، حيث أن "غزة أريحا" لا يقدم حلاً ولا في الحد الأدنى لأي فلسطيني ، فحتى الذين وقعوا وفرطوا يقولون إن هذه مجرد نقطة البداية وإنها ليست الحل المعقول ،وأننا أجبرنا ولكننا سنحصد لاحقاً ما هو أفضل (؟؟) وبرأيي فإن حصاد العام الماضي، يؤكد بأننا سوف نستمر ندور في إطار غزة / أريحا، وستكون غزة وأريحا هي أولا وأخيراً ، لأن الحديث عن بقية الضفة الغربية هو حديث عن جزر متناثرة السيادة فيها هي في النهاية لإسرائيل، مع بعض المصالح للفلسطينيين كأقلية.

                  إن هذا الاتفاق لا يقدم حلاً مرضياً لأي فلسطيني ، ولسوف يستمر التوتر داخل عقل ووجدان المواطن الفلسطيني وفي المنطقة ، حتى يكون هناك مخرج وحل ، والمخرج والحل بالنسبة للصهاينة هو الأردن ، حيث لا تريد إسرائيل أن تكون موجودة بجنودها ودباباتها وأجهزتها الحكومية ، وبالتالي يمكن أن تمنح الضفة الشرقية للفلسطينيين كي يحلوا مشكلتهم.

                  فإذن نحن سنكون خلال سنوات ، في توتر شديد في شرق الأردن ، الذي أصبح مجالاً حيوياً أساسياً لإسرائيل، مجالاً يعيش توتراً مستمراً شديداً تبقى السيطرة فيه لإسرائيل، وذلك يجري مع الأسف ، في الوقت الذي يخوض فيه الأردن صراعاً ، أو عدم انسجام ، مع كافة جيرانه شمالاً وجنوباً وشرقاً.

                  هذه هي الألهية التي ستلقي لنا في الأعوام القادمة: إما أن نصارع من أجل الوطن البديل، أو أن نصارع في إطار المملكة الهاشمية والكونفدرالية بين الأردن والضفة الغربية ، خاصة وأنه اصبح واضحاً للجميع ، بأن الضفة الغربية لن تسلم للفلسطينيين ولا حتى على طريقة غزة ، فالإسرائيليون مصرون على أن تبقى السيادة الكاملة لهم ، ويتركون لنا نحن ، كي نعالج المسائل التعليمية، والصحية ، والضرائب ، وكل الأعباء التي عانوا منها في السابق ولكن لا تكون لنا سيادة. والحديث عن سيادة في ظل وجود 120 ألف مستوطن في الضفة، وأكثر من ذلك في القدس ، وجميع الطرق تحت سيطرة الإسرائيليين ، إضافة للتوسع الاستيطاني القادم ، هو نوع من الهراء.

                  بل أقول ربما يرى الصهاينة في الوطن البديل ، دغدغة لطموح فلسطيني مستقبلي بإمكانية النظر إلى غرب النهر وحتى البحر ، وبالتالي لن يكون هناك أردن ، ولا دولة فلسطينية ضمن هذه المنطقة ، بل ستكون إسرائيل فقط ، واقليات عربية خاضعة.

                  في الختام لا أجد إلا أن أقول سوى أن على القوى الثورية أن توحد صفوفها ، ذلك أن الغزو الاستعماري قد قطع شوطاً كبيراً ، والحركة الصهيونية قطعت شوطاً كبيراً في فرض مشروعها ، إلا أننا لا يجب أن نبني على الطارئ والعابر بل يجب أن نبني على ما هو ثابت وأصيل ، ونحن نعتقد ونؤمن جميعاً ، بأن الأمة العربية تملك مقومات القوة ، فهي تملك هذا التعداد البشري الهائل ، وتملك الجغرافية ، وتملك العبقرية ، والثروات ، وهي تملك التاريخ العظيم، وكل هذه المسائل ليس بالإمكان نسخها وتغييرها ، في حين أن الغزو القادم إلى المنطقة، هو غزو طارئ. وعلى سبيل المثال ، فإن الولايات المتحدة التي تنفرد على قمة هذا الغزو ، وعلى رأسه ، يمكن لو ضربت في مكان في العالم ، أو في مكانين ، فإنه يمكن أن تشل يدها في هذه المنطقة. ومن هنا يجب أن لا نفقد الأمل والثقة لا سيما ونحن نملك الحق ، والقوة الكامنة ، ويجب على القوى الثورية أن تتجمع ، وأن توحد صفوفها ، وأن القاسم بين هذه القوى مهما تعددت ألوانها الأيديولوجية، هو قواسم كبيرة وكثيرة.. وهل هناك قاسم أكبر من أن نشعر جميعاً بأننا ننتمي إلى أمة واحدة، ونواجه عدواً يشكل خطراً على مصيرنا جميعاً.

                  وفي فلسطين على سبيل المثال ، علينا أن نوحد قوانا ، وأن نصعد نضالنا وكفاحنا السياسي والعسكري ، بحيث نحافظ على ديمومة الصراع في جميع الظروف، وأن نحافظ على الانتفاضة التي يراد إخضاعها ، والتي كانت بمثابة المعجزة في تاريخ الشعب الفلسطيني ، والتي ركزوا كل هذه المؤامرة من أجل إطفائها.



                  المصدر: هذه كلمة ألقاها الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي ، في منتصف أيلول (سبتمبر) 1994، تعقيباً على كتاب شمعون بيريز "الشرق الأوسط الجديد" ، ورداً على رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نعيد نشر هذه الكلمة التي واجه بها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين شمعون بيرز وكأنه لا يزال ، حاضراً بيننا برؤيته النافذة.

                  تعليق


                  • #39
                    هذا سلام عابر وقائم على موازين قوى عابرة

                    هذا سلام عابر وقائم على موازين قوى عابرة

                    التاريخ: 1415-5-17 هـ الموافق: 1994-10-22م الساعة: 00:00:00


                    ضمن نشاطات اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين "فرع سوريا"، ألقى الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين محاضرة ، في مقر الاتحاد بدمشق ، حول واقع الساحة الفلسطينية وتحالفاتها ، يوم السبت 22/10/1994، أعقبتها اسئلة ومناقشات.

                    وقد بدأ الدكتور الشقاقي محاضرته بالحديث عن طبيعة اتفاق أوسلو ـ القاهرة وسلطة الحكم الذاتي ، فاعتبرها "النقطة الأكثر ضعفاً في تاريخنا الفلسطيني.." وقال : "على الساحة الفلسطينية هناك سؤال مطروح بإلحاح ، وهو: هل نستمر في مشروع التحرر الوطني الثوري أو نبني السلطة الوطنية فوق الأرض ولو تحت الاحتلال؟ هذا السؤال يمكن أن يفرض على الساحة الفلسطينية أطرافاً عديدة بمقدار الإجابات على هذا السؤال..

                    الذين يقولون باستمرار الثورة لديهم إجابتان: الاستمرار وكأن شيئاً لم يكن، وكأن الاتفاق لم يحدث، أو الاستمرار آخذين بعين الاعتبار المتغيرات الكبرى والتغيرات المفصلية التي حدثت خلال الأعوام القليلة الماضية؟!

                    والذين يتحدثون عن بناء السلطة الوطنية، بينهم من هو حالم ويتوهم أن بالإمكان قيام مشروع وطني، مهما كان، من بين أنقاض الحكم الذاتي ، وهناك الذين ربطوا مصيرهم نهائياً بمصير المشروع الصهيوني واداروا ظهورهم لشعبهم وأمتهم .. وهناك إجابة خامسة وطرف خامس ،وربما ، وهو القول بأن من الممكن القيام بالمهمتين معاً: الاستمرار في الثورة وبناء السلطة الوطنية الفلسطينية معاً! ولكنني أقول للذين يعتقدون بإمكان البناء على اتفاقات أوسلو والبحث في هذا الحطام عن أي مشروع وطني. أن هؤلاء واهمون لأن هذا الاتفاق مسقوف صهيونياً.. بالإرادة الصهيونية وبموازين القوى الصهيونية..".

                    وأضاف الدكتور الشقاقي: "إن سؤالنا الأساسي يتعلق بالقوى المناهضة للاتفاق، والتي تقول باستمرار الثورة ، أين تقف هذه القوى؟ في 16/9/1992م كانت انطلاقة الفصائل الفلسطينية العشرة التي أصبحت فيما بعد تحالفا للقوى الفلسطينية … وكانت استجابة شعبنا لها مثيرة للفخر والاعتزاز، كانت تلك لحظة إشراقه وتطوراً مهماً في تاريخ الحركة السياسية الفلسطينية ، حيث تلتقي قوة قومية وطنية وديمقراطية يسارية ، مع القوى الإسلامية، وهذا تطور على المستوى الفكري والسياسي معاً.. قبل ذلك بشهور لم يكن بإمكاننا أن نجمع عشرة فصائل لنوقع على ورقة واحدة، وأنا أذكر أن زعيماً فلسطينياً قال لي قبل شهور قليلة جداً من تاريخ اجتماع الفصائل العشرة ، أنه ليس بالإمكان أن يوقع على بيان ضد مدريد بين عدة تواقيع ،وأنه يوافق فقط على بيان ثنائي ، ولكنه غير مستعد أن يُفهم من وجود عدة تواقيع، أن هنالك تجمعاً ما يعارض أو يعادي خط التسوية . ولم تمض شهور حتى أنشئ تحالف الفصائل العشرة".

                    وتحدث الدكتور الشقاقي عن الأزمة على الساحة الفلسطينية ، فقال: "لقد مرت عشرات السنين من النضال دون حدوث أي تغيير أو تجديد أو تثوير في التنظيمات الفلسطينية ، لا على مستوى الفكرة ولا على مستوى الأداء، ولا على مستوى البناء، بحيث أصبحت هناك درجة من الجمود والتكلس ، رغم ادعاءات التنظير والشعارات التي رفعها كل تنظيم.

                    إن أخطاء التنظيمات هي في داخلها وفي الضعف الموجود داخل كل تنظيم. المتغيرات التي تحدث خطيرة ونحن نجمد حتى على أفكارنا الأولية، رغم أنها ليست من المقدسات. بينما المقدسات من الأفكار تتعرض للتجديد. بل إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: "إن الله سبحانه وتعالى يبعث للأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد أمور دينها!!" وفي التنظيم لا يحدث تغيير على مستوى الفكرة ولا على مستوى البناء التنظيمي، وهذا يعني سنوات طويلة من الاستبداد والبيروقراطية والفلهوة التي تحكمت في الفصائل وفي عملنا التنظيمي. فعندما نبحث في معوقات تطوير مشروعنا الوطني يجب أن نبدأ بأنفسنا ، وأن نبحث عن إمكانية التجديد والتثوير على مستوى الفكرة وعلى مستوى الأسلوب وعلى مستوى البناء".

                    وتابع الدكتور الشقاقي قائلاً: " ما أثر على الفصائل العشرة وعلى القوى المناهضة لخط التصفية هو وجود أزمة ثقة، وهي ليست أزمة أيديولوجية، وليست فكرية ، فنحن عندما التقينا كنا نعرف بعضنا تماماً على هذا المستوى، ولكن المسألة تأخذ طابعاً سياسياً، والأزمة قائمة على أساس أن فصيلاً هنا أو طرفاً هناك يشك في برنامج الفصيل الآخر ويشك في النوايا السياسية للطرف الآخر، سواء أكان للشك أساس موضوعي وكان شكاً في محله ، أو كان شكاً بدون أساس؛ فنحن نتلقى كثيراً من المعلومات والأخبار عن بعضنا من الصحف ومن الإشاعات، ولا نجتمع ـ بما فيه الكفاية ـ ولا نسمع وجهة نظر بعضنا البعض من المسائل المطروحة كالمشاركة في انتخابات الحكم الذاتي وغيرها. وأزمة الثقة هذه دفعت كثيراً من الأطراف لأن تعمل منفردة بدون تعاون أو تنسيق. وفهم هذه الأزمة ضروري جداً لفهم الشلل الذي وصلت إليه المعارضة، كمجموع ، لإنشاء مشروعها الوطني . بالإضافة إلى ذلك ، علينا أن نعي موقعنا كأمة وكحضارة تعيش الهزيمة. وفي مراحل الهزيمة التي تعيشها الشعوب والحضارات يغلب الخاص على العام. ويبدو الإنسان وكأنه يريد الهرب بجلده ، أو المحافظة على رأسه. ومادام كل طرف يفكر بنفسه ويفكر أنه ينطبق على القضية ، فما هو في مصلحته يكون في مصلحة القضية ، فإن هذا التفكير المزيف يفرض نفسه ونبدأ في أزمة حقيقية.

                    وهناك الأسباب الدولية القاهرة ، حيث أن عدونا الأساسي أميركا يتفرد على قمة الدنيا ويتحكم ـ ولو إلى حين ـ بمقدرات العالم، بعد أن حقق الانتصار في الحرب الباردة، وحقق الانتصار في حرب الخليج الثانية… فأميركا تتحكم بقراراتنا وبثرواتنا ، وحالنا مرتهن لإرادتها ، ومعها مجموعة القوى الغربية والاستعمارية المعادية للأمة، التي تعمل بلا كلل لحماية حليفها الصهيوني والكيان الصهيوني، وتعمل بلا كلل لتمرير مشروع السلام الصهيوني لفرضه على المنطقة، وصناعة شرق أوسط جديد يراد من خلاله إذابة الصراع التاريخي وتمييع الصراع ، وتبديل صفة الفرقاء في هذا الصراع، بحيث لا يكون صراعهم على أساس أيديولوجي، ويتحولون إلى شركاء في البيع والشراء تحت مظلة الشركات متعددة الجنسيات وآليات الرأسمالية المعاصرة، أي أنهم يريدون تغيير طبيعة المنطقة لأنه لا يمكن السيطرة عليها إلا إذا أعيد تكوينها وأعيد تفكيكها وتفتيها وأعيد بناؤها من جديد. فالحركة الصهيونية تدرك أن هذه المنطقة يجب أن تعود إلى مكوناتها الحضارية الأولى ، أي قبل ظهور الإسلام ، ليمكن تطبيعها".

                    وأضاف الدكتور فتحي الشقاقي :"المطلوب في ظل شرق أوسط جديد أن لا تقوم العلاقات على أساس أيديولوجي ، وإنما على أساس البيع والشراء. وعندما تكون هذه هي طبيعة العلاقات فنحن نعرف من الذي يسيطر ومن الذي يهيمن، خاصة إذا أدركنا أن 5 ملايين يهودي في فلسطين ناتجهم القومي السنوي أكثر من الناتج القومي لكل الدول العربية المجاورة شاملاً مصر والأردن وسوريا وكذلك العراق. لقد طورت إسرائيل الناتج القومي من سنة 1977 إلى سنة 1992. إلى سبعة أضعاف تقريباً في حين لم يستطع أي طرف عربي أن يطور ناتجه القومي إلى اكثر من الضعف، فهكذا شرق أوسط نفهم بوضوح لمن تكون السيطرة فيه ولمن ستكون القوة المركزية الأساسية.

                    أضيف نقطة أخيرة في أزمة المعارضة التي نعيشها، فنحن نلحظ لأول مرة في تاريخ الثورة الفلسطينية والمعارضة الفلسطينية أنها تمضي بلا أي غطاء دولي ولا إقليمي، في حين ، على سبيل المثال، استطاع الشعب اللبناني أن يسقط اتفاق 17 أيار بسبب وجود غطاء دولي وبسبب التحالف الوطني مع سوريا ومع القوى الوطنية على الساحة اللبنانية، بالتأكيد أنا لا أجعل هذا الاعتبار أساسياً لتراجع المعارضة أو لنكوصها، أو سبباً لعدم وجود مشروع وطني جاد، فطالما أن المعركة مستمرة طالما نحن نعلن ونؤكد بالقول وبالفعل استمرار فعلنا على الأرض فنحن لم نستنفد أغراضنا، صحيح أن الموج عانتٍ، وبالتالي لا يبدو جهدنا ملحوظاً، مثل الذي يجدف ومثل الذي يحاول بقوة وجهد الوصول إلى شاطئ الأمان ، ولكنه يجد نفسه في النهاية تضربه الأمواج رغم ما يبذله من جهد ولكن في تقديري إن هذه الأمواج لن تبقى قوية باستمرار لابد أن تأتي لحظة أن تضعف خاصة إذا نحن استمررنا على ثباتنا واستمررنا على جهدنا ، بل إن سبباً أساسياً من أسباب تراجع هذه الهجمة ستكون قوتنا وثباتنا على موقفنا وإصرارنا على استمرار المعركة وعدم الهزيمة".

                    واختتم الدكتور الشقاقي حديثه قائلاً: "يجب أن نرى مستقبل أمتنا ضمن مفردات القوة الثابتة التي لا يمكن إفناؤها بأي حال من الأحوال، ويجب أن نرى هذا العلو وهذه الهيمنة في سياق إنها استثنائية وطارئة ولا يمكن أن تفرض آراءها على الآمة. هذا السلام لا يمكن أن يمر لأنه يقوم فقط على موازين القوى المفروضة، وهذا السلام الذي صنعوه منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن لم يصنع سلاما لأحد. لم يصنع سلاما لهم ولم يصنع سلاما لنا، لأنه لا يقوم على أي عنصر ثابت وحقيقي. إنهم الآن يحاولون أن يدخلوا الجمل العربي في ثقب الإبرة الإسرائيلية. هذا هو سلامهم، وهو سلام عابر مستحيل.


                    المصدر: محاضرة دعي إليها اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بدمشق يوم 22/10/1994

                    تعليق


                    • #40
                      كلمة في تأبين الشهيد هاني عابد

                      كلمة في تأبين الشهيد هاني عابد

                      التاريخ: 1415-6-7 هـ الموافق: 1994-11-11م الساعة: 00:00:00

                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

                      ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين)
                      أيها الاخوة المجاهدون


                      في عرس جديد من أعراس الشهادة تلتقون. على حب الشهيد وعلى دربه تجتمعون، لتؤكدوا أن الشهيد لا يذهب إلى الموت، بل يذهب الى الاشتباك المستمر، لا ينهي الانفجارُ أو الرصاصةُ دورَهُ في المقاومة. كل ما يحدث أن الروح القلقة الخوافة تتحرر من القلق والخوف، ومن أي شيء وعلى أي شيء، وتبدأ في نقر الارواح الميتة والنائمة والمتقاعسة لتوقظها وتحررها وتطلقها لتصطف في المعركة. الشهداء يُعيدون تشكيل الحياة بزخم اكبر وبابداع أعظم لتبقى الشهادة هي المعادل الموضوعي للحياة، فلا حياة ولا تاريخ لنا بدون الشهداء، لا ماضي ولا مجد ولا عبرة، هم الذين يصنعون لنا المستقبل وليس المرجفون او المعاهدون على الصمت والنكوص.

                      الشهداء ينزرعون في الارض، يورقون ويثمرون وتخضر بهم حياتنا ويبنون لامتهم التاريخ والمجد والمستقبل.

                      والمرجفون يحرصون على حياتهم.. على أي حياة، وينغمسون في نهمهم وذواتهم حتى لو تماهت مع العدو أو لحقت به إلى جحر الضب، حتى لو كانت النتيجة سلاماً مفخخاً.

                      لقد قاتل شعبنا الفلسطيني لاكثر من سبعين عاماً بلا توقف وواجه أخطر التحديات في حياة الأمة العربية والاسلامية على امتداد تاريخها الطويل، تحدي التحالف الغربي الصهيوني الحديث. وعلى مدى هذا التاريخ كانت فلسطين مركز الصراع الكوني والقضية المركزية لكل عربي ولكل مسلم.

                      لم يكن هذا خياراً عاطفيا، بل وجعاً يومياً يعيشه العربي والمسلم المقهور أمام جبروت الاستعمار الغربي والاختراق الصهيوني والدولة الظالمة المستبدة. كانت مركزية فلسطين، وبالتالي مركزية الغزو إنطلاقاً من فلسطين، واقعاً يراه العربي والمسلم في تلوث الهواء وشُح المياه وطوابير الخبز، يراه في الجهل والمرض كما يراه في الكرامة الممتهنة وفي الاذلال اليومي.

                      كانت فلسطين وقضية فلسطين تحمل في داخلها من الحزن والالم والصدقية والعدالة والبوصلة الواعية والقدسية ما يكفي لتفجير بؤس هذا العالم واعادة صياغته من جديد.

                      ولذا عندما انطلقت الثورة الفلسطينية قبل ثلاثين عاماً بدت حينها كوردة تطلعُ على الدنيا من الجرح والوجع لتعَد إبن المخيم وكل الانسان بعالمٍ جديد وغدٍ حر مشرق.

                      ثلاثون عاماً من الثورة والعنفوان وعناوين الصحف لنستيقظ اليوم على سلام مفخخ في شريط ضيق محاصر، سلام اسوأ من أي حرب، سلام ينزعُ عن فلسطين كل عناصر القوة الكامنة والقداسة ويسلمها طائعة إلى أعداء الأمة.

                      سلام يمرُ على اجسادنا ليكرس هيمنة بني اسرائيل على كل المنطقة وليجعل العلاقة بين دول المنطقة وشعوبها علاقة البائع بالمشتري، متجاوزاً صراع الحضارة والايديولوجيا والقومية والسياسة.

                      فإن كان الانتاج القومي لاسرائيل، التي تشكل سدس سكان مصر أضعاف الناتج القومي لمصر. بل ان الانتاج القومي الاسرائيلي اكثر من الانتاج القومي لجميع دول الطوق بما في ذلك العراق، فأي خللٍ جديد مذهل سيدخل على توازن القوى عندما تصبح العلاقة علاقة بائع ومشتري.

                      غزة» اريحا بوابة لفرض الحكم الذاتي على المنطقة، وليس بوابة لتحقيق الاستقلال. فالنص الصهيوني أقوى من أي نص مهزوم ولا يقبل سوى التفسير الصهيوني، والارادة الصهيونية تواجه تفتت الارادات وميزان القوى لا يعمل الا لصالح العدو طالما أنهم يقتلون فينا وبايدينا كل منابع القوة.

                      ورغم ذلك فأوهام القوة والغطرسة لاتصنع سلاماً طالما غاب الحق والعدل. وسيبقى مستقبل فلسطين معلقاً بسيوفنا، سيستمر التطاحن من حولها قدر المنطقة، وسنستمر في حمل شهدائنا في قلوبنا، في عيوننا وعلى اكتافنا ونمضي بهم، ندق بوابات هذا العصر حتى يُفتح لنا هذا التاريخ من جديد، ومن بوابة فلسطين التي لا تضيع ولن تضيع لأنها آية من الكتاب ولا تبديل لآيات الله ولا كلماته. وهي آية مباركة لايمكن أن يهبها لمن غضب عليهم وعاثوا في الارض علواً وفساداً. وهي أيضا أية من الكتاب، من نسيها نسى الكتاب، ومن نسى الكتاب فقد نسى القدرة على الوعي والرؤيا.

                      وهاني عابد امتلك الوعي والرؤيا وهو يعلن بالاشلاء المتناثرة أن عنوان المرحلة هو الشهادة وليس السلطة .. أن عنوان المرحلة هو الدم وليس أمن العدو.


                      ايها المجاهدون


                      في عرس القائد الشهيد هاني عابد أؤكد اننا مع وحدة الشعب كل الشعب، ووطن الشعب كل وطنه، وأؤكد اننا لا ننازع أحداً سلطة او منصباً او كرسيا او مصلحة، ننازعهم حقنا في استمرار جهادنا في بيت المقدس واكناف بيت المقدس، جهادنا الذي لا يوقفه عدل عادل ولاجور جائر.


                      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      المصدر : القيت مسجلة في غزة يوم 11/11/1994

                      تعليق


                      • #41
                        رد: جميع مقالات وكلمات وتصريحات الشهيد القائد الدكتور فتحي الشقاقي

                        كلمة الدكتور فتحي الشقاقي في مهرجان يوم الشهيد في بيروت

                        التاريخ: 1415-6-7 هـ الموافق: 1994-11-11م الساعة: 00:00:00

                        الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

                        السادة العلماء ـ الإخوة المجاهدون

                        في مهرجان الشهادة يلتقي المجاهدون ليؤكدوا أن الشهيد لا يذهب إلى الموت، بل يذهب إلى الاشتباك المستمر، لا ينهي الانفجار أو الرصاصة ودورهُ في المقاومة.


                        كل ما يحدث أن الروح القلقة الخوافة تتحرر من القلق والخوف، من أي شيء وعلى أي شيء ، وتبدأ في نقر الارواح الميتة والنائمة والمتقاعسة لتوقظها وتحررها وتطلقها لتصطف في المعركة. الشهداء يعيدون تشكيل الحياة بزخم أكبر وبإبداع أعظم لتبقى الشهادة هي المعادلة الموضوعي للحياة، فلا حياة ولا تاريخ لنا بدون الشهداء، لا ماضي ولامجد ولا عبرة، هم الذين يصنعون لنا المستقبل وليس المرجفون والمعاهدون على الصمت والنكوص ، وتجارة الاوطان وبيع بيت المقدس.

                        الشهداء ينزرعون في الأرض ،يورقون ويثمرون وتخضر بهم حياتنا ويبنون لامتهم التاريخ والمجد.

                        والمعاهدون المرجفون يحصرون على الحياة، على أي حياة، وينغمسون في نهمهم وذواتهم التي تماهت مع العدو ولحقت به إلى جحر الضب، حتى لو كانت النتائج سلاماً مفخخاً ينذر بحروب جديدة، بل هو أسوأ من كل الحروب.

                        إن بركة دم الشهداء التي أراها أمامي هي التي جعلتني أفهم بعمق حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم).. «والذي نفسي بيده، وددتُ أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أ؛يا ، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل».

                        أو ما جاء في مقالة الإمام علي (عليه السلام) إذ يقول : «من لم يقتل مات ،إن افضل الموت القتل ، والذي نفس علي بيده ، لالف ضربة بالسيف أهون من موتة واحدة في الفراش».

                        هذه هي النعمة الكبرى التي يريدون أن يحرمونا منها وهم يسلمون مفاتيح بلادنا للعدو بلا قتال، ليدخلوها عاصمة عاصمة، معاهدة إثر معاهدة، وصلحا بعد صلح، إنهم يمرون اليوم عبر بوابة غزة ـ أريحا لفرض الحكم الذاتي ليس على الفلسطينيين وحدهم بل على كل حكام المنطقة وليحققوا هيمنتهم الكبرى، اجتماعيا وسياسياً وأمنياً وثقافياً أيضاً، وليحولوا صراع الحضارة والأيديولوجيا والقومية والسياسية الى علاقات بين بائع ومشترٍ فيما يسمونه الشرق الاوسط الجديد.

                        فإذا عرفنا أن الانتاج القومي الإسرائيلي حيث اليهود أقل من سدس سكان مصر هو أضعاف الإنتاج القومي لمصر. بل إن الانتاج القومي للعدو أكبر من الانتاج القومي لجميع دول الطوق العربي بما في ذلك العراق، فأي خلل جديد مذهل سيدخل على توازن القوى عندما تصبح العلاقة علاقة بائع ومشتر.

                        هل هذا ما كان يريده الذين جرجروا الأمة الى مؤتمر الدار البيضاء حيث لا عروبة ولا اسلام بل شرق أوسط وشمال أفريقيا. هكذا وفوراً أصبح اسم الوطن العربي الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بفضل أمير المؤمنين في المغرب والهاشمي المزعوم في الشرق الذي لم يكتف ببيع فلسطين وبيع عهدته من الضفة العربية و بيت المقدس بل قام طائعا بتأجير ارض المسلمين شرقي النهر . هل كان هؤلاء مضطرين لكل هذا ، هل كان حكام الخليج مضطرين لدعوة بني إسرائيل كي يستبيحوا أوطانهم وقصورهم، هل هو توازن القوى أم الرغبة المكبوتة أن يركعوا أمامهم يطلبون حمايتهم ويتمسحون بهم كما الكلبة بسيدها.

                        لقد صنعت تداعيات غزة ـ أريحا في عام واحدا ما لم تصنعه تداعيات قرن بأكمله، ومع ذلك يستحدثون عن الاستقلال وعن إنقاذ ما يمكن انقاذه والبناء عليه، متغافلين عن أن هذا الاتفاق مسقوف بعدم الاستقلال ، أي استقلال ، فهو مكبل بالنص الصهيوني والإرادة الصهيونية وميزان القوى الصهيوني . حتى حجة رفع المعاناة تبدو اليوم كوهم كبير، غذ تشتد المعاناة ليس اجتماعيا فقط وإنما أمنيا وسياسيا أيضا، مع أن الناس لا يبيعون أوطانهم ومقدساتهم وهويتهم بذريعة رفع المعاناة.

                        يا حسرة على العباد

                        سبعون عاما من جهاد الشعب الفلسطيني المستمر ، ثلاثون عاما من الثورة المعاصرة والعنفوان وعناوين الصحف لنستيقظ اليوم على سلام مفخخ في شريط ضيق محاصر، سلام ينزع عن فلسطين كل عناصر القوة الكامنة والقداسة، فلسطين التي حملت في داخلها من الحزن والالم والصدقية والعدالة، والبوصلة الواعية والبركة والقداسة ما يكفي لتفجير بؤس هذا العالم وإعادة صياغته من جديد، ولكن المدنسون يحاولون أن يسلموها اليوم لأعداء الأمة في عجلة مريبة.. مريبة. حتى بتنا لا نرى إلا صورهم يجتمعون ليوقعوا على صكوك التسليم وهم يتفاخرون.

                        وحدهم الشهداء قادرون على وقف المهزلة، وإعادة النجوم الى مداراتها وحركة التاريخ الى اتجاهها الصحيح وحده الدم سيهزم السيف ، وحدهم أحمد قصير وعباس الموسوي وعماد عقل و هاني عابد قادرون على حماية الاسوار المتداعية وصناعة الانتصار لامتنا.

                        الم يجيئهم أحمد قصير من حيث لم يحتسبوا

                        ألم يهزمهم عباس الموسوي في استشهاده كما في محياه بل أشد.

                        ألم يضربهم عماد عقل أكثر من عشر مرات.

                        ألم يكن هاني عابد طلقة ووردة وإضاءة كشف باستشهاده قوة المجاهدين وبشاعة العدو وبؤس سلطة غزة التي تخاف حتى الآن أن تشير إلى قاتله، ولكن الجماهير تدوسها في جنازته تدوس رأس السلطة وتضربه وتطرده لتفهم الدنيا أن لإمكان للمتساقطين في صف الشعب وفي جنازة ابن الشعب.

                        في مهرجان الشهداء ، في يوم الشهيد انحني بكل ما وهبني ربي من إيمان ومن قوة ، انحني أمام شهداء المقاومة الإسلامية ، الذين كانوا لنا في فلسطين شعلة وقدوة، اذكرهم شهيدا أثر شهيد واعترف أننا خرجنا من عنفوان دمهم، فقد كانوا حلم طلاب المدارس الذين صاروا اليوم مجاهدين، اذكر فلاسفة العدو قبل عشرة أعوام وهم ينصحون جيش العدو بالانسحاب العاجل من لبنان وجنوب لبنان كي لا تنتقل ظاهرة المقاومة والاستشهاد الى فلسطين ولكن وحدة الدم الإسلامي كان أسرع من نصائحهم.

                        أيها الاخوة

                        من هذا المكان المقدس ، في يوم الشهيد المقدس ، أؤكد للأمة التي لا يجب ان تيأس أن المقاومة الإسلامية في لبنان ، أن حزب الله وحركة المقاومة الإسلامي (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ، هم قوة إسلامية واحدة تنطلق من آيات القرآن وعلى درب أبي عبد الله الحسين تمضي الى تحرير بيت المقدس واكناف بيت المقدس.

                        وإنهم يمدون ايديهم الى كل القوى الوطنية والمخلصة والى كل الشرفاء من أبناء الامة على نفس الدرب ، الى نفس الهدف.

                        من هذا المكان وفي هذا اليوم نؤكد ان اوهام القوة والغطرسة لا تصنع سلاما عندما تغيب كل معاني الحق والعدل. إن التطاحن ن حول فلسطين سيستمر وإن مستقبلها سيبقى معلقاً بسيوفنا وليس باتفاقات عرفات، أو معاهدات المزعوم هاشميا في الاردن، أو دعوات أمير المؤمنين في المغرب رئيس لجنة القدس الذي بشرنا أول من أمس بضياع القدس ويكفينا الصلاة في المسجد الاقصى ، إن فلسطين آية من الكتاب ولذا لن تضيع كما يتوهم المهزومون والمرجفون والمعاهدون على بيعها، إنها آية من الكتاب من نسيها فقد نسيَّ الكتاب ، ومن نسي الكتاب فقد القدرة على الوعي والرؤيا.

                        وحدهم احمد قصير وعباس الموسوي وعماد عقل و هاني عابد يملكون الوعي والرؤيا وهم يعلنون بالأشلاء المتناثرة أن عنوان المرحلة هو الشهادة وليس السلطة ، إن عنوان المرحلة هو الدم وليس أمن العدو.


                        والسلام عليكم ورحمة الله

                        المصدر : القيت في مهرجان يوم الشهيد في بيروت يوم 11/11/1994

                        تعليق


                        • #42
                          كلمة إلى الأسرى الفلسطينيين

                          كلمة إلى الأسرى الفلسطينيين

                          التاريخ: 1415-6-26 هـ الموافق: 1994-12-00م الساعة: 00:00:00

                          بسم الله الرحمن الرحيم
                          أيها الحفل الكريم

                          يا أبناء شعبنا المجاهد


                          ليس هذا المهرجان مناسبة للخطابة ،ولكنه محاولة للوفاء ببعض الدين الذي تركه أبناؤنا وإخوتنا الأسرى في اعناقنا، وهم يذهبون ، نيابة عنا، إلى التضحية وهم يعيشون يوميا ملحمة العذاب والقهر والحرمان، لا بسبب ذنب اقترفوه، ولا لسبب شخصي ،ولكنهم سجنوا بسبب حبهم لنا، بسبب حبهم لشعبهم، بسبب حبهم لفلسطين وبسبب انتمائهم الصادق لعقيدتهم.

                          إن واجبنا جميعا يحتم علينا أن نسعى دائبين إلى الإفراج عنهم ، وأن نعرب عن تضامننا معهم ، وعن حضورهم الدائم في قلوبنا ، بل في حياتنا ، لعلنا نشعرهم أنهم ليسوا وحيدين في معركتهم القاسية غير المتكافئة مع السجان، ومع جدران الزنازين ومع الجوع، بل لنعرب لأهاليهم وأولادهم وزوجاتهم الذين يدفعون من قسوة الحياة بعيدا عن أغلى الناس وأعز الاحبة، ثمنا للبطولة والتضحية والكبرياء ، عن وفائنا وصدق انتمائنا لشعبنا، وليشعروا أنهم ليسوا وحيدين في قسوة ظروف حياتهم وفي معاناتهم.

                          لقد كانت مسألة السجناء على مدار السنين الماضية تجد تعاطفا إلى حد ما على المنابر الدولية، وتكسب تعاطفا في الرأي العام العالمي، وعندما بدت المأساة الجديدة.. النكبة الجديدة في تاريخ شعبنا الفلسطيني ، التي اسمها اتفاقيات اوسلو، وما تمخض عنها ، كان شعبنا يظن أن قضية السجناء ستكون من أبرز النقاط التي سيتفاوض حولها المتفاوضون،وكان شعبنا يأمل أن يتم الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، إذ كيف يزعمون أن هناك سلاما، ولا يخرج السجين من سجنه ، وكيف يزعمون أن هناك سلاما ويشطب مرحلة طويلة من نضال شعبنا ومن طموحاته وآماله،ولا يشطب السجون ولا يشطب ملفات السجناء والمعتقلين،وكيف يسمح الاحتلال بدخول رجال منظمة التحرير الفلسطينية ومقاتليها الفدائيين، ولا يسمح للسجناء الذين اعتقلوا وكان بعضهم على اتصال مع المنظمة ومارس بعضهم نشاطه ضمن سياسة منظمة التحرير وبالتنسيق مع ، أو بأمر ، من قادة منظمة التحرير الذين يتجولون الآن بحرية من غزة إلى نابلس إلى حيفا؟

                          ولكن قضية السجناء العادلة كانت أول كاشف لطبيعة الصفقة التي تمت، وكانت دليلا على ظلم هذا الاتفاق وبعده عن العدالة، وكانت أكبر برهان على أن الاحتلال باق ،كما كان بل بشكل أسوأ وأقسى ، بعد أن استطاعت إسرائيل أن تبيع العالم كذبة السلام.

                          وبعد أن فقد شعبنا جزءا مهما من طاقاته، ومن مساحة نضاله، بعد أن التهى سياسيو المنظمة وكوادرها بتطبيقات أوسلو، وبنقل الصلاحيات وضاعوا في متاهة غزة ـ أريحا، أصبحت قضية السجناء معلقة على عاتق الإهمال والتجاهل.

                          إن من المأساة ، أن ينسى البعض معاناة السجناء في زنازين الاحتلال الإسرائيلي، ويقدموا غطاء للاحتلال، وتبريرا لأعماله الإجرامية بحق شعبنا ، عندما يقومون بالزج بأبنائنا في السجون ، إن الإسرائيليين يقولون : (هاهم الفلسطينيون يسجنون «الارهابيين والمخربين» وهاهي سلطة الحكم الذاتي تفتح نفس السجون التي كنا نستخدمها لنضع فيها أعداء السلام، كما كنا نفعل ، فمن يلومنا؟!).

                          أترون ـ أيها الإخوة، أية جريمة ارتكبتها سلطة الحكم الذاتي بحق شعبنا وبحق أمتنا وبحق تاريخنا، لقد كشفت هذه السلطة الهزيلة ظهورنا أمام سياط الاحتلال، وساعدت على عزلنا عن التأييد العربي والعالمي ، إنها تساعد الاحتلال على الاستفراد بنا، وتساعده على الاستمرار في قمعه وجرائمه بهدوء وصمت بعد أن غطت تصرفات السلطة الهزيلة على جرائم الاحتلال.

                          لقد وقعت جريمة الحرم الابراهيمي الشريف في ظلال اتفاقيات السلام،وكانت سياسة السلطة الذاتية غريبة وغير معقولة إزاء الجريمة، عندما طالبت بنشر مراقبين دوليين ووافقت أن يكون هؤلاء الدوليون مجرد ديكور شكلي لا يستطيعون أن يرفعوا أصواتهم بمجرد الاحتجاج، وذهبت دماء شهداء الحرم الابراهيمي، وسالت في صمت مريب في شقوق اتفاقيات أوسلو ـ القاهرة.

                          ولكن الجريمة الكبرى وقعت يوم الجمعة الاسود، عندما اطلقت شرطة الحكم الذاتي النار على صدور المصلين. في تلك اللحظة السوداء توقف الكلام. ولم يعد هناك مجال للتبرير او التفسير .لقد كان شعبنا خائفا منذ البداية من اتفاقيات أوسلو، لأنه رأي الظروف المريبة التي طبخت فيها،والطريقة المؤامراتية والسرية التي تم حسبها إنجاز تلك المأساة، ثم قرأ شعبنا الاتفاق فإذا هو الغام موقوتة تملك إسرائيل ساعة توقيتها وتتحكم في انفجارها ، لأنها هي صاحبة القرار في كل بنود الاتفاق، وجيشها ما زال موجودا في قطاع غزة وفي أريحا كما في القدس والضفة الغربية، وكذلك مستوطناتها مازالت موجودة بيننا، والمستوطنون المدججون بالسلاح يهددون شعبنا الذي تجرده الاتفاقية من حقه في المقاومة. وعملاء الاحتلال ما زالوا موجودين، وبشكل أقوى من ذي قبل ، لأن الإسرائيليين فرضوا على سلطة الحكم الذاتي حماية العملاء وتوظيفهم في صوف الشرطة.

                          أي عاقل يقبل أن يغطي على عميل للموساد، وهو يعرف أن هذا العميل مكلف بإشعال الفتنة، وبقتل الشعب وبتمرير المخطط الإسرائيلي ، ثم تتحمل سلطة الحكم الذاتي نتائج تصرفات العملاء ، وهي تدرك ذلك جيداً ، بل تعرفه بشكل مسبق ، وتعرف أن المطلوب منها أن تتعاون مع العملاء . ومعنى ذلك أن مجموعة عملاء الموساد هم الذين يفرضون إرادتهم على سلطة الحكم الذاتي ميدانيا، مقابل الحكومة الإسرائيلية التي تفرض إرادتها في الاتفاقيات وفي جلسات المفاوضات.

                          إن الطريقة التي عالجت بها سلطة الحكم الذاتي، أيها الإخوة ، الأحداث المأساوية التي وقعت أمام مسجد فلسطين في غزة ، لا تدل على حرصها على الوحدة ،ولا تدل على وعي هذه السلطة بمأزقها وغربتها في الخروج من المأزق. استمعوا فقط إلى الخطاب الإعلامي الذي تذيعه إذاعة السلطة، وتنشره بيانات ومطبوعات السلطة، واستمعوا إلى التصريحات الرسمية الصادرة عن السلطة ومؤيديها. أليس هذا خطاباً تحريضياً انقسامياً، يرمي الحطب في النار، ويؤج الأحقاد في النفوس، ويحاول تحشيد بعض الشعب ضد باقي الشعب؟! هل هذه حقاً سياسة عاقلة تتبعها سلطة تدعي أنها تمثل الشعب بغض النظر عن انتماءاته السياسية أو الدينية أو المناطقية؟

                          إذا كانت السلطة ضعيفة إلى هذه الدرجة أمام إسرائيل ، وهي كذلك ، فلماذا لا تترك المجاهدين يدافعون عن شعبهم ويستمرون في جهادهم ضد الاحتلال؟ ، مع أن الجميع يعلم أن في ذلك قوة لموقف سلطة الحكم الذاتي نفسها، إذا كانت تريد فعلا أن تواجه الاحتلال وأن تحافظ لنفسها على أوراق قوة وضغط تساوم بها، رغم أن الجميع يعلم أن المجاهدين لا يعنيهم الموقف التفاوضي ولا يفكرون بهذه الطريقة، ولكن سلوك السلطة يثير الارتياب على كافة المستويات، ليس في أوساط شعبنا فقط، وإنما في الاوساط السياسية الدولية، فإن أي محلل سياسي أو صحافي غربي، من أمريكا إلى إيطاليا، بل حتى بين الصحافيين الإسرائيليين ، إن أيا منهم لا يجد تفسيرا معقولا لما يجري من طرف هذه السلطة الغربية العجيبة.

                          أيها الإخوة

                          يا أبناء شعبنا

                          لقد نسيت سلطة الحكم الذاتي أن هناك سجناء فلسطينيين في سجون الاحتلال، ويكاد النسيان يلف اولئك الابطال الذين هم من أشرف وأنبل بني شعبنا، وأحق الناس بالاهتمام والتذكر الدائم والنضال في سبيلهم. ولكن إرادة الشعب المؤمن، وثقتنا جميعا أننا قادرون على تحقيق النصر ، تجعلنا لا نيأس ، وتدفعنا إلى المطالبة باستمرار ، والضغط ، من أجل اطلاق سراحهم، دون قيد أو شرط، ودون توقيع على أوراق تعهد مذلة ومرفوضة ، ودون تميز بينهم في الانتماء الفصائلي أو المعتقد السياسي.

                          فيا أبناءنا وإخوتنا في السجون،

                          قلوبنا معكم ، وأيدينا معكم ، ومساعينا المخلصة الدائبة ، ولن ننساكم ، وسنبقى نبذل كل الجهد من أجل فجر حريتكم.والنصر لنا، والحرية لوطننا السجين، ولشعبنا الأسير ، لأبناء شعبنا الرازحين في سجون الطغيان الإسرائيلي.


                          والسلام عليكم ورحمة الله بركاته


                          المصدر : من أرشيف حركة الجهاد بتاريخ (12/1994) غير محدد تاريخ اليوم

                          تعليق


                          • #43
                            رد: جميع مقالات وكلمات وتصريحات الشهيد القائد الدكتور فتحي الشقاقي




                            أزمة البديل الوطني ، الديمقراطي، الإسلامي الفلسطيني في مواجهة خيار القوى الفلسطينية المستسلمة

                            التاريخ: 1415-7-5 هـ الموافق: 1994-12-08م


                            بعد عام 1967 ظهرت بوادر التخلي العربي الرسمي عن هدف التحرير الكامل لفلسطين. واتضح بعد حرب تشرين أول 1973م. أن هذا هو جل الجهد العسكري العربي في ساحة الصراع في هذه المرحلة التاريخية، تحركت عجلة التفاوض بعد حرب تشرين ووجدت م.ت.ف نفسها أمام خيار كبير: إما أن تسعى ضمن الشروط الدولية لتمثيل الفلسطينيين في التحرك السياسي السلمي أو تترك هذا للدول العربية والأردن خاصة.

                            في تلك الفترة كان الاتحاد السوفيتي ، ذو العلاقة القوية مع م.ت.ف والتأثير عليها ، يدفعها نحو الخيار الديبلوماسي بعيداً عن الهدف الفلسطيني الأساسي في التحرير الكامل. وقد حسم المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر التوجه الاستراتيجي الجديد للمنظمة بإعلان البرنامج المرحلي الذي ترك هامشاً مفتوحاً لتسوية جزئية عندما اشار إلى أن المنظمة ستناضل (بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة ـ المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها ، وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله).

                            إن الحديث عن سلطة وطنية على جزء من فلسطين كان يعني أخذ الاعتبارات الدولية (الموقف الأمريكي والسوفيتي خاصة) من الدولة اليهودية في الحسبان. وكان هذا مدخلاً لاعتراف الدول العربية في قمة الرباط 1974 إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ومدخلاً للدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة (م.ت.ف) للاشتراك في مداولات الجمعية العامة بشأن قضية فلسطين في جلساتها العامة.

                            لم تكن الرؤيا الامريكية ـ الصهيونية تقبل بما قدمته منظمة التحرير الفلسطينية لاعتبارها طرفاً في التسوية. واستهدف التحرك الأمريكي الصهيوني حلاً منفرداً مع مصر في اتفاقية كامب ديفيد التي لم تشر إلى دور للمنظمة، أو إلى مصير الفلسطينيين خارج الضفة والقطاع، وفشلت في الاتفاق حول مصير القدس أو المستوطنان.

                            ولكن مبدأ الحكم الذاتي ، الذي أقره وقبل به الرئيس المصري أنور السادات في كامب ديفيد، أصبح الأساس لتصور وقبول عدد كبير من الدول العربية، كما جاء في مشروع الأمير فهد (فاس لاحقاً) الذي تضمن مبادئ ثمانية للتسوية نصت على اعتراف ضمني بدولة العدو الصهيوني ، كما نصت على قيام دولة فلسطينية ، ولكنها أشارت إلى فترة انتقالية تخضع لها الضفة والقطاع تحت إشراف الأمم المتحدة قبل الحل النهائي.

                            لم يكن هناك إشارة إلى منظمة التحرير الفلسطينية في مشروع فهد (قبل التعديل في قمة فاس الثانية) وتم الإقرار عربياً لأول مرة أن ما يتم التفاوض عليه لا يتعدى المناطق المحتلة منذ العام 1967، وفي الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر (شباط ـ فبراير 1983) تم الاعتراف الفلسطيني الرسمي بقرارات قمة فاس.

                            ومنذ ذلك التاريخ وحتى قيام الانتفاضة ن كانت أوضاع منظمة التحرير تتردى والمشروع الوطني الفلسطيني يدخل أزمة جديدة وإحباطاً سواء في إطار العلاقات العربية حيث الخلافات مع الأردن في أجواء عقد وإلغاء اتفاق عمان أو في التصادم مع سورية العربية، وفي تغيير الأولويات السعودية ـ الخليجية مع اشتداد الحرب العراقية ـ الإيرانية والضغط على الفلسطينيين لإبراز وتقديم المزيد من المرونة والتنازل ، في حين كان الاتحاد السوفيتي يدخل تحت ظل غورباتشوف الذي سعى لإنهاء الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

                            وهكذا شكلت الانتفاضة التي اندلعت مع نهاية عام 1987م مخرجا حيوياً للمشروع الوطني الفلسطيني أو هكذا بدت الأمور ، ففلسطين تعود إلى قلب الاهتمامات العربية والإسلامية شعبياً ورسمياً، كما إلى قلب الاهتمام الدولي ولكن يبدو أنه لم يكن لدى العقل السياسي الوطني الفلسطيني ، عندما قامت الانتفاضة القدرة الضرورية لإبداع تصور آخر لمسار القضية الفلسطينية سوى التسوية الجزئية. وكان هذا العقل قد قطع شوطاً كبيراً منذ برنامج النقاط العشر عام 1974م نحو القبول بمبدأ العمل على أساس ما توفره شروط الواقع الدولي والإقليمي ، وعكس ما يؤمل في تلك الأيام التاريخية من التعامل مع الانتفاضة كمشروع استراتيجي للنهوض والتحرير. فقد تم التعامل معها كمشروع للاستثمار العاجل والسريع أو كرصيد لتحسين الموقف التفاوضي ضمن إطار معادلة القوة القائمة التي لم تؤمن قيادة (م.ت.ف) إن بالإمكان إحداث تغيير جوهري داخلها، بل عليها أن تحث الخطى نحو التسوية كما جاء في مقررات المجلس الوطني بالجزائر عام 1988م وما تلاه من تصريحات وبيانات لينسحب الفلسطينيون من إجماعهم التاريخي نحو الدعوة للاعتراف المتبادل ، اعترافهم بالدولة اليهودية مقابل موافقتها على قيام كيان وطني فلسطيني .. هذه الموافقة التي بقيت حلماً يتباعد أو يهرب كالرمال من بين أيدي قيادة م.ت.ف التي لم تقبل فقط الذهاب إلى مدريد في ظل شروط تفريطية خطيرة ، بل قفزت عن الوفد المفاوض في مدريد ثم واشنطن، لتوقع سراً ، بعيداً عن أعين الشعب وطلائعه المناضلة وفصائله جميعها، اتفاق أوسلو بإشراف حفنة أشخاص ليس لهم من تاريخ يذكر أو يشرف في مسيرة النضال الفلسطيني المعاصر. اتفاق أسوأ من وعد بلفور يكرس الاحتلال الصهيوني ليس لأربعة أخماس فلسطين ، بل كل فلسطين ، بعد أن يحرر الكيان الصهيوني من جحيم غزة التي لم يخرجوا منها بل أعادوا التحكم الاستراتيجي فيها ، ونفس الشيء بل أسوأ سيقومون به في الضفة الغربية.

                            وهكذا انتهى ضعف وتراخي الإجماع الوطني في السنوات الأخيرة إلى حالة من الانقسام الشعبي الرأسي الحاد عند وبعد توقيع اتفاق أوسلو.

                            لم يعد الأمر يتعلق بانقسام النخب السياسية، لقد وصل الانقسام إلى الشارع بالفعل مهما اختلفت الأحجام والنسب ، وإن كان علينا أن نقر أن الانقسام داخل النخب السياسية كان على قاعدة الوعي بالمشروع والأهداف الصهيونية من وراء اتفاق الإذعان، فإن الانقسام الشعبي كان مغايراً ولم يتم على قاعدة الوعي بهذا المشروع، وهذا ما لاحظناه في الشارع الفلسطيني الذي بدأ يتماسك أخيراً ليس في مواجهة الاحتلال فقط ، وإنما في مواجهة سلطة غاشمة وفاسدة ولا دور لها سوى أن تكون وكيلاً عن الاحتلال.

                            إذا اضفنا إلى ما سبق من مسلسل التنازلات والانهيارات السياسية ما كان يمكن أن يلاحظه أي مراقب لمؤسسات منظمة التحرير من فساد إداري ومالي وأخلاقي يتضح أن ضرورة البحث عن بديل أو في البديل كانت ملحة منذ سنوات طويلة ، وحتى لا نغرق في التعميم دعوني أقول إن موافقة المنظمة على مشروع فاس كانت تدق ناقوس الخطر بقوة وإلحاح.

                            ورغم أن مسألة البديل طرحت مبكراً ، إلا أن الخطوات باتجاه البديل لم تكن جادة بل مبعثرة ومرتبكة وتذهب في اتجاهات شتى ، ربما لأن أطرافاً في المعارضة كانت تخاف أن تتولى زمام قيادة منظمة التحرير ، لما يتطلبه هذا من التصدي لمهام متعددة المستويات، لم تكن تنظيمات المعارضة تشعر أنها قادرة عليها ، بسبب التعقيدات المعيشية والسياسية التي تكتنف الحالة الفلسطينية، إلى جانب أن قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني كانت تكن الاحترام لفكرة منظمة التحرير الفلسطينية الجامعة التي ارتفعت من مستوى المؤسسة والكيان المعنوي إلى مستوى الرمز في صراع قاس ومرير كان يعيشه الفلسطينيون مع عدو شرس ، لذلك كانت بعض القوى المعارضة تخشى الابتعاد عن المنظمة، أو الإعلان عن طرح بدائل لها. ربما أحست أنها قد تخسر من شعبيتها مع ابتعادها عن المنظمة، أو مصارعتها ، وربما لم تكن واثقة من أنه يمكنها الاعتماد على قاعدتها الشعبية في مواجهة قيادة محنكة وقادرة على التحشيد الدوغمائي ،مما دفع تلك القوى إلى التمسك أكثر بالعمل داخل المؤسسات التي توفر لها حماية وتغطية، وفي الطرف الآخر كانت حركة فتح برئاسة عرفات تقيم توازنات مختلفة عبر تعدد مراكز القوى داخلها ، مما أتاح لها نسج علاقاتها في أكثر من اتجاه على الصعيدين الرسمي والشعبي ، الأمر الذي يشكل إعاقة كبيرة لنجاح أي بديل متوخي ، بالإضافة إلى أن تلك القيادة ، وحتى الذهاب إلى مدريد ، نجحت إلى حد ما في التمويه على مشروعها المضاد أي أنها ظلت في نظر البعث ممسكة بشعرة معاوية مع المشروع الوطني ولم تعلن بشكل سافر انتقالها إلى المعسكر الآخر في زمن كانت فيه للوحدة الوطنية وللإجماع الوطني تأثيرات سحرية.

                            بعد مدريد أصبح البديل أمراً ملحاً وضرورياً، لأنه أصبح مسألة حياة أو موت للقضية الفلسطينية ، ولم تعد هناك محاذير أو موانع أدبية أمام قيام البديل ، الذي أصبح مطلباً شعبياً أيضا. فقد حسم الطرف الآخر موقعه وقام بسحب المؤسسات التي يسيطر عليها، لتخدم عملية انتقاله إلى الخندق الآخر ، المتمثل في سلطة الحكم الذاتي التي لا يمكنها أن تتحرر من أسر وظيفتها كوكيل محلي للاحتلال.

                            ولكن قيام البديل ، رغم توفر مبرراته السياسية والأدبية ورغم الإجماع الفصائلي والشعبي على ضرورته مازال يواجه أزمة حادة علينا أن نتضافر بوعي وقوة لتجاوزها.

                            إن نظرة سريعة إلى الساحة السياسية الفلسطينية تخرج بانطباع عن التركيبة الممكنة لعناصر البديل ، ولن تعدو هذه التركيبة أن تكون إعادة صياغة لتحالف القوى الفلسطينية مع توسيعه ليضم قوى وشخصيات غير ممثلة في التحالف.

                            إن القوى السياسية الفلسطينية، رغم اتفاقها على جملة من المسائل الأساسية بالنسبة للقضية الفلسطينية ، إلا أنها تعيش واقع المواقف السياسية المختلفة ، أي تباين البرامج السياسية، ولكن هذا الأمر ممكن التجاوز بشرط عدم وضع التكتيكي في مواجهة الاستراتيجي ، أو بشكل يصادر فيه التكتيك الاستراتيجي ويلغيه، أي أن الذي يقبل حلاً جزئياً أو مرحلياً لا يجوز له أن يعطل على الذي يطرح دفعة واحدة فلسطين الكاملة ، وعلى الطرفين أن يجدا وسيلة لضبط إيقاعهما نحو الهدف. على سبيل المثال عندما تناهت إلى أسماعنا أخبار أوسلو، وقبل توقيع الاتفاق في واشنطن ، تداعينا في الفصائل العشرة إلى لقاءات حامية وعاطفية ومؤثرة من أجل التفعيل والتطوير السياسي والتنظيمي لصيغة العشرة باتجاه جبهة على الأقل تكون أكثر تماسكاً سياسياً وأكثر فعالية تنظيمياً. للأسف استهلكنا أربعة شهور وخمسة أيام في جدل وخلاف حول مرجعية الميثاق الوطني وجدوى إضافة فلسطين التاريخية كمرجعية جغرافية وسياسية لأهدافنا، أربعة اشهر من الجدل وأزمة الثقة نقلتنا من حماسه اجتماع الفاتح من أيلول 1993م إلى برودة كانون ثاني 1994م حيث أُقر التحالف بعد مخاض عسير وعملية قيصيرية وبالحد الأدنى من المشاعر والكلمات والمعاني.

                            أقول بوضوح لم يكن لقوى تريد في لحظة مصيرية أن تتحشد في جبهة واحدة ملحة وأكثر من ضرورية لم يكن لها أو لبعضها أن يجعل من مساحة الوطن وجغرافيته موضع تساؤل مهما تمرحلت البرامج السياسية لهذه القوى.

                            إن قبول أصحاب البرنامج المرحلي بسقف فلسطين الكاملة لا يلغي رؤيتهم السياسية ولا يتعارض مع برنامجهم الاستراتيجي ، في حين كان قبول بعض القوى واقصد القوى الإسلامية ، وأخرى وطنية بطرح فلسطين غير الكاملة كان يعني إلغاءها وفقدانها لمبررات وجودها.

                            كانت أزمة الثقة عائقاً حقيقياً أمام توافق القوى على البديل، وقد انعكست هذه الأزمة في التشكيك بنوايا الأطرف، وأثارت لا مبالاة داخلية بالتحالف ونقصاً في القناعة بدور التحالف وأهميته وأهمية التقاء الأطراف المكونة له ، مما جعل التنظيمات عاجزة عن فهم بعضها جيداً وهي تقرأ عن بعضها وتعرف مواقف بعضها من الصحف ووسائل الإعلام، في ظل لقاءات متباعدة لا يسبقها تقديم أو تحضير كاف مما يجعل هذا اللقاء غير قادر على حل الإشكالات وتصفية الأجواء المعرضة باستمرار إلى التشويش والتعكير، إضافة إلى عدم بذل الجهود الكافية للوصول إلى التفاهم ولوضع آليات لتنفيذ التفاهم في حال الوصول إلية.

                            ولكن هذه التعارضات ليست مانعا جاداً في سبيل الوصول إلى البديل، بل أن قدرتنا على تحديدها يعطينا دفعاً باتجاه تجاوزها والوصول إلى صيغة ممكنة قادرة على إخراج شعبنا من مأزقه.

                            إن على البديل أن يحدد، من البداية، وبشكل واضح ، تناقضه الكامل مع المشروع الآخر، وإذا كنا مضطرين لتحديد الآخر ببرنامج ومشروع أوسلو، فليس مسموحاً لأحد منا أن ينطلق من نفس أرضية ذلك المشروع تحت أي ظرف من الظروف وبأي دعوى من الدعوات مثل إدخال تحسينات والبناء على ما هو موجود أو نصرة ما يسمى بالفريق العربي الفلسطيني على الفريق الصهيوني داخل مشروع أوسلو أو غير ذلك من المبررات أو الذرائع ، لأن هذا يعني أن ينهش المشروع الآخر أطراف البديل الوطني المأمول واحداً تلو الآخر.

                            كما أن البديل يجب أن يقوم على احترام متبادل بين جميع أطرافه والتأكيد على الشرعية والمصداقية الوطنية المتبادلة بين الجميع بلا نفي أو إقصاء، بل رفاق درب وسلاح وموقف.

                            في نفس الوقت فإن هذا البديل لن يكون قادراً على مواجهة التحدي بمجرد الإعلان الجبهوي بدون أي تغيير أو تطوير في مستوى الإدعاء لكل طرف من أطرافه ، ولذا فإن إعادة ترتيب أوضاعنا التنظيمية الداخلية إسلامياً وطنياً وديمقراطياً ، أمرٌ في غاية الأهمية للتخلص من رواسب سنوات طويلة من روتين والبيروقراطية والفهلوة والاستبداد وأحياناً الفساد الذي بات يطال مستويات متعددة.

                            إن هذا بحاجة إلى ثورة ثقافية ومسلكية تعصف بكل ما هو بال ورث وعاجز ومبدد من موروثات السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية، باتجاه التجديد الفكري والتنظيمي على أساس ديمقراطي حقيقي، وباتجاه تكريس مناقب الزهد والتضحية ونكران الذات، بدون التجديد والتثوير والتنوير داخل كل فصيل وداخل كل طرف لن نعطي للبديل مضاءه وتأثيره الانقلابي المطلوب عاجلاً.

                            كما أن البديل "الجبهة" يجب أن يكون محصلة لفعل التنظيمات والقوى المشاركة، وليس مجرد نصاب سياسي عددي أو عنوان أو منبر أو سوق عكاظ لنفث الهموم والشكاوي من واقع الحال. يجب أن نتجاوز مرحلة المنبر السياسي الذي كان عنوانا ومعنى عملنا على مدى أكثر من عامين باتجاه جبهة متماسكة وفاعلة تحكمها علاقات داخلية ديمقراطية ملزمة، على أساس من برنامج سياسي واضح يحظى بالإجماع الشعبي ويتعامل بحكمة وحنكة مع التعارضات السياسية التقليدية بين أطراف متباينة أيديولوجياً وأحياناً سياسياً، والتأكيد على عدم معارضة التكتيكي أو المرحلي مع الاستراتيجي بل أن يخدمه يقود إليه.

                            إن غياب هذا البرنامج السياسي المشترك الواضح والملزم يعني غموض الرؤى السياسية والالتزامات السياسية ويدفع إلى قيام أزمة الثقة بين أطراف الجبهة أو البديل ، كتلك الأزمة التي استحكمت بين أطراف عدة داخل التحالف لأكثر من عام، وكان مبعثها الحواجز النفسية وتراكم الخلافات دونما بحث ودراسة ومصارحة ، والتشكيك بالنوايا.. فهذا الطرف يظن أن حليفه المفترض ذاهب إلى التسوية أو إلى علاقة غير مشروعة مع السلطة والعكس صحيح هذا في حين تستعر حرب إشاعات يغذيها الإعلام من ناحية ونزعات حزبية من ناحية أخرى، وهذا ينقلنا إلى مسألة جوهرية أخرى ونحن نتقصى الذاتي فيما يتعلق بالبديل وهي مسألة تصيب الشعوب والأمم عند انحطاط الحضارات وانهيارها حيث تنمو النزعة الفردية الهروبية ويتم تغليب الخاص على العام، والأخطر تبرير ذلك باعتقاد أصحاب هذه النزعات أنهم ينطبقون على القضية وأن مصلحة القضية من مصلحتهم وليس العكس ، مما يدفعهم إلى الحفاظ على الذاتي بأي ثمن والحصول على المكاسب بأي طريقة وأنهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، إن هذا عين ما عاشه ياسر عرفات على مدى ثلاثين عاماً، وإن هذا هو ما قاده إلى حكم ذاتي في غزه غير مدرك أو غير عابئ بالأحرى بما هو مصلحة عليا وبأن القضية أكبر من كل الأفراد والفصائل بل أكبر من كل الشعب ، ففلسطين ملك الشعب والأمة.. ملك أجيال الحاضر والمستقبل، وهي مركز الصراع الكوني وساحة الصراع والتماس بين الأمة العربية والإسلامية وبين أعدائها التاريخيين.

                            إن تغليب الخاص على العام مظهر من مظاهر الانحطاط والهزيمة والتفتت، ولن نصنع بديلاً حقيقياً أو جاداً إلا عندما تعاد للمصلحة العامة قيمتها العليا في رؤيتنا وفي فعلنا.

                            وبعد، لا ننسى أن هناك عوامل موضوعية لا بدّ من أخذها في الحسبان تتمثل أساساً بالعامل الدولي والإقليمي، ففي ظل التفرد الأمريكي والإرهاب الأمريكي تجد المعارضة الفلسطينية نفسها لأول مرة في تاريخها المعاصر مكشوفة بدون غطاء مادي أو سياسي أو معنوي إلا من علاقات هنا وهناك أضعف من أن تكون حاضنة أو سنداً استراتيجياً ، ومع ذلك فالبديل الوطني عليه أن يبذل أقصى الجهد في مد علاقاته وتحالفاته مع كل القوى التي تستشعر مثله الخطر على وجودها واستمرارها لقيام أوسع تحالف ممكن فلسطينياً وإسلامياً وعربياً، دون نسيان أن هناك قوى وأطرافاً عالمية ترفض الهيمنة والتفرد الأمريكي وتعاني منه مثلما نعاني، وفي هذا السياق نؤكد على ضرورة تماسك التيارات الوطنية التقدمية والقومية والإسلامية ليس على ساحة فلسطين وحدها ولكن على ساحة الوطن العربي وكل الأمة بحيث تشكل سنداً لنضالنا وجهادنا في فلسطين ، وهذا يستدعي إقامة الجسور القوية مع الجماهير العربية والإسلامية وأحزابها وهيئاتها وقواها الطليعية.

                            أما فيما يتعلق بمسألة الأحجام التنظيمية والسياسية داخل هذا البديل ، وبروز نظرية العمود الفقري أو التنظيم القائد ، فإن مسألة الأحجام عندما تكون واقعاً يستحيل تجاوزها أو القفز عليها، ولكن مسألة التنظيم القائد أو العمود الفقري، إن وُجد، وكان بروزه ملحاً، فيجب أن ترتبط ببرنامج النضال القائد، على قاعدة "لا طاعة لتنظيم قائد في معصية البرنامج المتفق عليه"، فالأولوية للبرنامج ولا اعتراض بعد ذلك على فكرة التنظيم القائد، إن وجد على أرض الواقع بحجمه المؤثر والتزامه الوطني الجاد، وضمن إطار ديمقراطي.

                            إن ما تقدم لا يعدو كونه مروراً سريعاً على موضوع بحاجة إلى دراسة متأنية وتدقيق وتعمق ، لأنه موضوع يعاني من تراكمات سنوات طويلة حافلة ومن تشابك وتعقيد بحجم تشابك وتعقيد القضية الفلسطينية.


                            المصدر : نص الكلمة التي ألقاها في الندوة التي عقدت في دمشق (قاعة الشهيد غسان كنفاني ـ مخيم اليرموك) في8/12/1994، بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

                            تعليق


                            • #44
                              كلمة في تأبين شهداء حزب الله

                              كلمة في تأبين شهداء حزب الله


                              التاريخ: 1415-6-26 هـ الموافق: 1995-00-00م الساعة: 00:00:00



                              بسم الله الرحمن الرحيم
                              الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

                              السادة العلماء الإخوة المجاهدون


                              نلتقي اليوم لنؤبن كوكبة عظيمة من الشهداء الذين نزفت دماؤهم وقتلوا في سبيل الله دفاعا عن العقيدة والأمة والوطن.

                              الشهادة هي المعادل الموضوعي للحياة،ونحن أمة لا تاريخ لها خارج الدم وخارج مسيرة الشهادة، بل وخارج المذابح والمجازر.

                              ورغم ذلك لا ننكسر ولا نستسلم ولا نساوم وتبقى رايات جهادنا مشروعة.الشهادة هي المعادل الموضوعي للحياة،والشهداء هم عنوان الحياة لأنهم لا يموتون ، بل ينزرعون في الأرض، يورقون ويثمرون وتخضر بهم حياتنا، تصوروا تاريخنا بلا شهداء لا تجدون سوى العدم، إذ لا تاريخ بدونهم، لا أمة بدونهم ولا عزة ولا كرامة، دمهم شريان الحياة لشجرة المقاومة وشجرة الحرية، يجعل لكلماتنا معنى ويدل على حيوية أمة لا تموت ولا تركع، وسيبقى هذا الدم يسفح حتى ينتصر على السيف ، سيف بني إسرائيل وحلفائهم وأتباعهم وأدواتهم.

                              ماذا يعني أن تستشهد هذه الثلة من الشباب المؤمن المقاوم؟ وهي تمثل جدار الأمة الأخير في معركة المصير، ماذا يعني أن تستهدف المقاومة الإسلامية ، أن يستهدف حزب الله؟

                              ماذا يعني أن تسكت العواصم العربية وهي تلوك طعم دمنا بالمذلة وبعضها يلوكه بالشماتة، وكل منها يستمر في غفوته وضياعه واستلابه وتبعيته.

                              ماذا يعني أن يرتكب العدو مذابحه ومجازره في نفس الوقت الذي يجلس فيه على طاولات التفاوض، إلا إن كانت الحقيقة تقول أننا لم نعد شيئا واحدا بل أشياء وفسيفساء متعددة ليس من جامع أو رابط بيننا، بعضنا مكسور مهزوم ذاهب بل غارق في الاستسلام يلقى الرضا والقبول الدولي، وبعضنا رافض ذاهب للدفاع عن حقه ووطنه ، تصب عليه اللعنات ، مطاردات في وطنه مكشوف الظهر بلا سند، إرهابي على الجميع أن يحاصروه.

                              ماذا يعني أن ترفع الولايات المتحدة الأمريكية يدها فور الغارة الصهيونية الوحشية تباركها وتدعمها وقد نفذت بسلاحها المتطور، وفي نفس الوقت تكمم فم الضحية تمنعها من أي صراخ او شكوى ، جاعلة من مجلس الأمن العوبة أمريكية دوره محاربة العرب والمسلمين ومحاصرتهم، ومع ذلك تنفرد أمريكا على قمة الدنيا وحيدة بفضل بطشها وإرهابها وغطرسة القوة لديها وتحت عناوين موهومة ومزعومة حول مبادئ وقيم الحرية. وحقوق الإنسان.

                              إنهم يريدون اعادة تشكيل العالم والمنطقة خاصة على صورتهم ولا يتورعون في سبيل ذلك عن ارتكاب كل اشكال الإرهاب والابتزاز والضغوط ، حتى بتنا غير قادرين على شق طريق بين عاصمة وعاصمة إلا برضاهم وموافقتهم وإلا انصبت علينا الحمم أو حاصرتنا المؤامرات.

                              حتى الاستسلام الجماعي لم يعد من حقنا، إذ علينا أن نستسلم فرادى ، أن نؤكل فراداى واحد إثر آخر. وصيغة مدريد الفاضحة لم تعد كافية، لم تعد تلبي جشعهم وطموحهم وساديتهم وعلى الجميع ان يتنقل إلى صيغة غزة ـ أريحا حيث يتحول ياسر عرفات إلى مجرد شرطي والملك الأردني إلى شرطي وبقية العرب يتراوح دورهم المرسوم من سوق ومرتع إلى سمسار إلى شاهد زور ، أو هكذا يريدون.

                              في غزة ـ أريحا حقق الصهاينة صفقة العمر بشروطهم الذهبية والتاريخية، بشروطهم الحلم ولذا لم يبالوا من سيوقع على الطرف الاخر ما دام سيوقع على برنامجهم هم ومع أنفسهم.

                              إنها الصفقة الأسوء من وعد بلفور بلا شك ، لقد قال لهم ياسر عرفات خذوا ما شئتم ، افعلوا ما شئتم إن قبلتم أن أكون الشريك الآخر ، وبدا كأنه أيضا يقول : أن احكم ولو ذاتيا ولو في غزة أولى عندي من أن يحكم فلسطيني غيري كل فلسطين !! وهكذا دفعت الأمة ثمنا غاليا غاليا عندما سكتت عن أن يكون عرفات هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، وعندما كنا نرفض هذا المنطق وندرك خطأه ومخاطره كانوا يقولون لنا بديماغوجية وإسفاف هذا شبيه بموقف الكيان الصهيوني أيضاً!!

                              اليوم يتضح أن هذا الممثل الشرعي كان ممثلا للإسرائيليين وليس للشعب الفلسطيني ، حررهم من غزة وجحيمها دون أن يتسلمها حقيقة ودون أن يسلمها للشعب الفلسطيني ، لقد أنقذ الكيان الصهيوني من مرض مستعص كاد أن يفتك بهذا الكيان أخلاقيا وسياسيا وامنيا،ولم يقبض عرفات سوى أن يدخل شخصيا إلى غزة ليطفئ جحيمها ويصفي ثورتها وانتفاضتها ويفتح أبواب معتقلاتها للمجاهدين ، إنه يدرك جيداً أن أمن العدو هو الشرط الأساسي كي يستمر هو على المسرح. والأسوأ أنه منذ اتفاق غزة ـ أريحا شهدت المنطقة وفي شهور محدودة من التداعيات والانهيارات ما لم تشهده في ربع قرن وبات حلم العدو بشرق أوسط جديد يهيمن عليه أقرب إلى التحقق والواقع ، وتكشّف الفسيفساء العربي عن إمارات ودويلات وقبائل لا رابط بينها سوى الحبل الذي يشدها بالكيان الصهيوني.

                              حتى المناضلون الشرفاء ،ومنهم من دخل مرحلة انعدام الوزن، بدأوا يستعدون لمقاومة ما سمي بالتطبيع بدلا من مقاومة الاحتلال. وكأن الاحتلال بات أمرا واقعا لا جدوى من محاربته بالسيف أو مواجهته بالرصاص وعلينا مواجهة تأثيراته السلبية بالمقاطعة.

                              إن كل يوم يمر يؤكد أن غزة ـ أريحا هي الاسم الحركي لمشروع تصفية الصراع مع العدو الصهيوني وإنهاء مرحلة كاملة عاشتها المنطقة منذ بدايات هذا القرن، الاسم الحركي للنظام الشرق الاوسطي الجديد حيث يفرض الحكم الذاتي ليس فقط على غزة وأريحا وإنما على كل المنطقة التي لن يجرؤ حكامها على تجاوز كونهم ولاة معينين من قبل الباب العالي في واشنطن أو نائب ووكيل الباب العالي في تل ابيب.

                              غزة ـ أريحا هي كلمة السر التي يحملها بنو إسرائيل ليمروا عبر هذا الليل العربي الدامس إلى كل العواصم في سهولة ويسر. إنه اتفاق على كل المنطقة بمياهها ونفطها وطرق مواصلاتها. إنه مشروع لإعادة إنتاج وتجديد الالتحاق وليس مشروعا للاستقلال، وعلى الاصوات المعارضة والرافضة والثائرة أن تصمت. الشرطي الجديد في غزة وأريحا سيواجه حماس والجهاد الإسلامي وكل القوى الوطنية المناضلة. وهذا سيطلق يد الكيان الصهيوني في لبنان لمواجهة المقاومة الإسلامية ، لمواجهة حزب الله الذي شرفه الله بحمل راية الجهاد في جبل عامل وعلى امتداد هذا الساحل.

                              في هذا السياق تجيء المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني ويجيء اختطاف الحاج مصطفى الديراني ، إنهم يحاولون فرض طقس غزة ـ أريحا على كل المنطقة.

                              ولكننا ونحن نودع شهداءنا نؤكد للعالم أننا سنواجه منطق القوة والغطرسة بمنطق العدالة الذي نحمله وتحمله شعوبنا وقضيتنا. نعم إنه منطق القوة والإرهاب.


                              والسلام عليكم ورحمة الله

                              المصدر : القيت في الحفل التأبيني لشهداء حزب الله ـ عين كوكب / شرق بعلبك

                              تعليق


                              • #45
                                كلمة في ذكرى مرور ثمانية اعوام على شهداء الشجاعية

                                كلمة في ذكرى مرور ثمانية اعوام على شهداء الشجاعية


                                التاريخ: 1415-6-26 هـ الموافق: 1995-00-00م الساعة: 00:00:00



                                ثمانية أعوام تمر اليوم على ذكرى الرجال المؤمنين الذين واجهوا العدو واقفين فكانوا شرارة الانتفاضة التي اندفعت ببركة دمهم المقدس لتستمر كل تلك الاعوام الشامخة عنواناً لشعب حي وعزيز لا يمكن نفيه أو تجاوزه أو اقتلاعه ، عنوانا للقطع الحاسم مع العدو واستحالة التعايش معه ، عنوانا للإسلام الحي المتجدد القادر على انتشال الأمة من وهدة اليأس وعبثها من جديد عنوانا جوهرياً لمشروع النهوض ضد مشاريع الاحتلال والنهب والاستلاب والإذلال والاستعباد والتبعية.

                                اليوم نطوي مع الأمهات الجليلات والابناء الشاخصين إلى صور أبائهم ـ نطوي القلب حزناً وافتخاراً باستشهاد محمد سعيد الجمل وسامي الشيخ خليل وزهدي قريقع وأحمد حلس ومصباح الصوري الذي كان سبقهم بأيام قليلة، هؤلاء الشهداء الذين أعطونا الحياة لنستمر أكثر.

                                ما يدمى القلب في ذكرى شهداء الشجاعية البواسل وكل شهداء فلسطين في صراع المئة عام أن الوطن يبتعد عن مسار دمهم ، وأن الاحتلال الذي قاوموه يتكرس أكثر تنظيماً وبأساً ودلالة بعد أ، تحرر العدو من لعنته ومأزقه (الاحتلال) دون أن يتخلى عنه ، وأن المشروع الوطني الفلسطيني قد انقسم إلى تابع ومقاوم، إلى ظالم ومظلوم ورفاق الام الثوار قد أصبحوا الحزب الحاكم أو حزب الحاكم أو الحزب النائب عن الحاكم ، لا فرق طالما أن الحاكم معروف.

                                ما يدمى القلب أن العدو التاريخي والحضاري والقومي للشهداء والأمة قد أصبح شريكاً وحليفاً ضد دم الشهداء وضد الأمة وأنه يدخل تحت رايات التسوية الزائفة والموهومة إلى نسيج وبنية المنطلقات بثبات.

                                ما يدمي القلب تزييف الوعي بلا حدود، ليس ذلك الذي يمارسه العدو وكنا له بالمرصاد ، بل ذلك الذي تمارسه النخب المهزومة التي تخفي هزائمها وانكساراتها وعوراتها بالثرثرة حول انكسار المشروع الصهيوني وصولاً إلى التناقض الداخلي في المجتمع الإسرائيلي الذي سينفجر بعد أن تم إنجاز السلام الذي لا يحتمله اليهود المغفلون! ، وحينها سيرحلون بلا قتال ببركة أوسلو (خسرت إسرائيل من المقاطعة العربية المباشرة عشرين مليار دولار وخسرت من المقاطعة غير المباشرة عشرين مليار دولار ورفع المقاطعة سيعطيها ضعف ذلك، كما أنها تصدر لليابان سنويا بمليار دولار وتستورد من اليابان بربع هذا المبلغ)، ومع تقدم لعبة التسوية ستصبح إسرائيل طفل العالم المدلل أكثر وأكثر. فأي تناقض سيتفجر داخل أربعة أو خمسة ملايين ، سيكون أقلهم سيداً في المنطقة بكل معنى الكلمة.

                                في السادس من أكتوبر (تشرين أول) يذكر شعبنا شهداء الشجاعية البواسل وهو أكثر وعياً وإصراراً على غسل حالة الإحباط المبرمج باتجاه أُفُقٍ مشرق لا يفتحه سوى دم الشهداء.



                                المصدر : من أرشيف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

                                تعليق

                                يعمل...
                                X