إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي



    يا أول الشهداء من وحي الفكرة, يا آخر الأنبياء في زمن الردة, جئناك اليوم نعزيك نلبس السواد ونعلن الحداد
    ونقف على الشواطئ الباكيات لتخبرنا عن حكاية رجل مات شهيداَ وغريباَ ووحيداَ.

    يا أبا إبراهيم لقد زينت صورتك المعلقة في غرفتي ومسحت عنها غبار الأيام
    ونظرت إليك والقشعريرة بدأت تتسلل إلي خلايا الجسد المسكون بك وقلت "هل كتب علينا القدر أن نراك ولا ترانا"!.

    يا أبا إبراهيم 16 عاماَ والجرح لا يندمل, والوطن مشرد يبحث عن وجهك الحالم به
    وفلسطين تفتقد بملء عيونها فلذة كبدها, وشعلة الجهاد لا يوقظها إلا دمك ودم أبنائك في غزة وجنين.

    يا أبا إبراهيم دعنا نبلل قبرك بالدموع, ونضيىء من دمنا الشموع, واجعل لنا يوم ذكراك مساحة للعزاء وشوقاَ للقاء
    فغداَ نزورك ونكتب لك الأشعار التي تحبها ونختمها بـ لن ننسى ولن نغفر!.

    يا أبا إبراهيم سلام عليك من رفاق دربك وأصحاب فكرتك الذين تخرجوا من مدرسة يوسف
    وسلام عليك من الذين يقرأون إرثك داخل الزنازين وسلام عليك من الذين أبعدوا عن معشوقتهم فلسطين.

    يا أبا إبراهيم يا شهيد الغربة وفقيد الوطن
    يا غريبا في جهادك واستشهادك
    يا جرحا يتفتح في كل تشرين
    يا صاحب الفكرة التي لا تموت

    التعديل الأخير تم بواسطة أ. أبو مالك; الساعة 25-10-2011, 11:20 PM.

    تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

  • #2
    رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

    أيها القائد والمعلم والطبيب
    أيها الرائد والمفكر والأديب
    أيها المجاهد والمؤسس والغريب
    أيها الشاهد والشهيد

    تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

    تعليق


    • #3
      رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

      نحن الوالهون بك العابرون إليك
      تؤرقنا ذكراك التي تحاصر الوجدان فتحرقه شوقاّ وعشقاَ
      اليوم نبكيك بأم أعيننا ونجتبيك للرثاء

      تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

      تعليق


      • #4
        رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

        لقد اعتقد العدو الصهيوني انه برصاصاته الغادرة التي اطلقتها يد عملاءه الى رأسك الشريف بامكانهم ان يغتالوا العقل المدبر للانتفاضة والمقاومة ،وفكرها الجهادي في فلسطين ، وستنتهي بذلك حركة الجهاد الاسلامي التي اسستها و سقيت شجرتها بجهدك وعرقك ومن ثم دمك ، لكن خاب ظن المعتدين ، ونسوا ان كلماتك عن دم الشهداء لم تكن الفاظا تلوكها بل هو تعبيرا عن جوهرك النابض بالحياة والتضحية والجهاد عندما قلت " بأن دم الشهداء هو شريان الحياة لشجرة المقاومة والجهاد وشجرة الحرية … وان هذا الدم المسفوح سينتصر على سيف بني اسرائيل وحلفائهم واتباعهم"هو بمثابة القانون الالهي الذي حكم مسيرة المؤمنيين المجاهدين ، ومسيرة المستضعفين.

        تعليق


        • #5
          رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

          " قلة قليلة هم الذين كانوا يعرفون أن عز الدين الفارس كان الاسم الحركي للدكتور فتحي الشقاقي، لكن الأمة بأسرها يوم السادس و العشرين من تشرين الأول غداة ازدهار بالطلقة علمت أن فتحي الشقاقي هو الاسم الحركي لفلسطين"

          قَصْدي المُؤَمَّلُ في جَهْري و إِسْرَاري...
          ومَطْلَبي مِن إلـهي الواحدِ الباري.شَهادةً في سبيلهِ خالِصَةً ، تَمْحُو ذُنُوبي وتُنْجِيني منَ النّارِ.إنَّ المعاصيَ رِجْسٌ لا يُطَهِّرُها إلّا الصَّوارِمُ في أَيْمانِ كُفّاري..وأَرْجُو بِذلكَ ثَوابَ الله ، وما عِنْدَهُ منَ النَّعيمِ المُقِيمِ في جنّاتِ عَدْنٍ في الفِرْدَوسِ الأعلى..فجنّتهم همُ الدُّنيا.وجنّتُنا نحنُ في الآخِرة..ولَنا منَ النّعيمِ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ،ولا خَطَــرَ على قَلْــبِ بَشَــرْ.

          تعليق


          • #6
            رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

            سيرة ومسيرة المعلم الشهيد

            ولد الشهيد المعلم فتحي الشقاقي في مخيم رفح للاجئين عام 1951، عاش حياة الشظف واليتم وتجشم عناء الحياة بكافة أبعادها، حيث فقد أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أكبر إخوته، درس في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية وتخرج من دائرة الرياضيات، وعمل لاحقاً في سلك التدريس بالقدس في المدرسة النظامية، ثم التحق بجامعة الزقازيق في مصر ليدرس فيها الطب، وعاد إلى الأراضي المحتلة ليعمل طبيباً في مشفى المطلع بالقدس، وبعد ذلك عمل طبيباً في قطاع غزة.

            كان الشهيد المعلم فتحي الشقاقي قبل العام 1967 ذا ميول ناصرية، ولكن هزيمة العام 1967، أثرت تأثيراً بارزاً على توجهات الشهيد المعلم، حيث قام بالانخراط في سنة 1968 بالحركة الإسلامية، إلا أنه اختلف مع الإخوان المسلمين، وبرز هذا الخلاف بعد سافر الشهيد لدراسة الطب في مصر عام 1974م، فأسس الشهيد المعلم ومجموعة من أصدقائه حركة الجهاد الإسلامي أواخر السبعينيات.

            اعتقل الشهيد المعلم في مصر لمدة أربعة أشهر في عام 1979، بسجن القلعة على خلفية نشاطه السياسي والإسلامي لمدة أربعة أشهر، غادر الشهيد المعلم مصر إلى فلسطين في 1/11/1981 سراً بعد أن كان مطلوباً لقوى الأمن المصرية.

            تولى الشهيد المعلم قيادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وسجن في غزة عام 1983 لمدة 11 شهراً، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986، وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 4 سنوات و5 سنوات مع وقف التنفيذ لارتباطه بأنشطة عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني ونقل أسلحة إلى القطاع، وقبل انقضاء فترة سجنه قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بإبعاد الشهيد المعلم من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين بتاريخ 1 أغسطس (آب) 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية.

            تنقل بعدها الشهيد المعلم فتحي الشقاقي بين العواصم العربية والإسلامية لمواصلة جهاده ضد الاحتلال الصهيوني، إلى أن اغتالته أجهزة الموساد الصهيوني في مالطا يوم الخميس26/10/1995، وهو في طريق عودته من ليبيا إلى دمشق بعد جهود قام بها لدى العقيد القذافي بخصوص الأوضاع المأساوية للشعب الفلسطيني على الحدود المصرية.

            ويعد الشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي أحد أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية لما يتمتع به من ثقافة موسوعية، واستيعاب عقلاني لمشكلات الحركات الإسلامية وقضاياها في العالم العربي والإسلامي.
            كما يعتبر الشهيد المعلم مجدد الحركة الإسلامية الفلسطينية وباعثها في اتجاه الاهتمام بالعمل الوطني الفلسطيني، وإعادة تواصلها مع القضية الفلسطينية عبر الجهاد المسلح، فدخلت بذلك طرفاً رئيسياً ضمن قوى الإجماع الوطني الفلسطيني بعد طول غياب.

            تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

            تعليق


            • #7
              رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

              محطات رئيسية في حياة المعلم

              المحطة الأولى: النشأة

              ولد الشقاقي بعد نكبة عام 1948 بثلاثة أعوام، ولد في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين بقطاع غزة، لأسرة فقيرة، بسيطة كما كل الأسر الفلسطينية المشردة، وكان الوالد " إبراهيم الشقاقي " عاملاً وهو إمام القرية وقتها حيث كان متديناً ، أنهى دراسته الثانوية في مدارس القطاع التي شهدت البدايات الأولى لنشاطه السياسي الذي أزداد وضوحاً وتبلوراً بعد هزيمة 1967.
              في الفترة السابقة على العام (1967)، وفقاً لما يرويه الشهيد في أحد الأحاديث الصحفية: "كانت لدي بعض المشاورات في الحياة السياسية ولدي تجربة سياسية داخل المدرسة، أذكر أن موضوعات الإنشاء التي كتبتها في المدرسة الإعدادية والثانوية، كانت محل اهتمام المدرسين بسبب ما تطرحه من قضايا سياسية وما رآه المدرسون من بلاغة فيها، وشاركت في خطابات الصباح المدرسية، خصوصاً في الفترة التي اتخذت منحى وطنيا، وكانت لدي مشاركة رئيسة في صحف الحائط في تلك المرحلة".


              المحطة الثانية: هزيمة عام 1967

              شكلت هذه الهزيمة نقطة تحول كبرى في حياة الشهيد فتحي الشقاقي الذي لم يتجاوز بعد الستة عشر ربيعاً، حيث مثلت وفقاً لقوله: "مفصلاً لشاب يطمح في التحرير والعودة إلى الوطن، كان مفاجئاً لنا أن ينكسر زعيم كعبد الناصر، ذلك الانكسار الكبير، فأصبنا بعدم التوازن، وأذكر أننا أدمَنا لاحقاً كتابات محمد حسنين هيكل، إذ أنها أعادت لنا بعض التوازن من خلال سماعنا لها في إذاعة «صوت العرب» أعاد لنا هيكل التوازن بتفسيراته ومبرراته لأسباب الهزيمة، فبدأ تحولي إلى طريق مختلف وهو المنحى الإسلامي، من نحن؟ لماذا نُهزم؟ ولماذا الآن؟ لماذا انتصرنا سابقاً وخسرنا الآن؟".
              لم يستطع الفكر الناصري وقتها أن يقدم إجابات كافية عن تلك الأسئلة، وبالتالي بدأت الطمأنينة تأتي من الفكر الإسلامي ويؤكد الشقاقي أن كتاب الشيخ محمد الغزالي (كيف نفهم الإسلام ؟) كان هو السبب الأول في بداية تعرفه على رحابة المشروع الإسلامي، ويؤكد الشقاقي أيضاً أن كتاب (معالم في الطريق) كان له الأثر الأكبر في تحوله إلى المشروع والمنحى الإسلامي، إلا أن التحليل المنصف تؤكد أن ثمة مجموعة من المؤثرات دفعته نحو الإسلام بقوة منها (البعد الديني في العائلة وفي الشخصية، وانكسار الأفكار التي كنت متمسكاً بها ومحاولة البحث عن حل والبحث عن إجابة)، فبدأ مرحلة الدراسة المكثفة داخل الفكر الإسلامي، وشكل العام 1968 بداية مرحلة الانتقال من التصورات الوطنية العلمانية إلى تصورات إسلامية جديدة ومختلفة.
              أما كيف بدأ تبلور تلك الأفكار في تنظيم؟ فيقول الشقاقي: "كانت لقاءاتنا شبه يومية في المجموعة الناصرية القديمة لمناقشة الشأن الوطني العام، وعندما بدأت أتعرف إلى الكتب الإسلامية في النصف الأول من عام 1968، شهد بيني جدلاً مهماً مع أفراد المجموعة حول كيفية الخروج من الفكر الوطني إلى الإسلام، واستمر طويلاً ولم يحسم في ليلة وضحاها".
              ويضيف: "كنا نناقش الأفكار بتفصيل وبقوة ووضوح، وكلما قرأنا أكثر عن الإسلام، يزداد نقدنا للأسلوب في مجموعتنا، إلى أن وصلت إلى قناعة تقتضي تغيير المسلك، وأعلنت أمام الأخوة قناعتي التامة بالفكر الإسلامي، فمن أراد أنه يتبعني فإننا سنبدأ من اليوم برنامجاً جديداً في الدراسة والحياة"

              تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

              تعليق


              • #8
                رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

                المحطة الثالثة: المسيرة التعليمية

                يمكن التأريخ لها بنفس العام 1968، حيث التحق الشقاقي بجامعة بيرزيت للدراسة إثر منحة ألمانيا الغربية، وتعرف فيها على عالم جديد، وكانت الأفكار اليسارية على أشدها داخل الجامعة إلى حد يتخوف فيه المسلمون من إظهار إسلامهم، ثم توجه إلى القدس ليعمل في سلك التدريس كمدرس لمادة الرياضيات.
                وجدير بالذكر أن الشقاقي أثناء عمله بالتدريس درس الثانوية من جديد، وحصل على الشهادة الثانوية بتفوق مما أهله للحصول على منحة للدراسة بكلية الطب بجامعة الزقازيق في مصر.


                المحطة الرابعة: مصر والزقازيق أخصب المراحل

                تبدأ هذه المرحلة بدخول الدكتور الشقاقي إلى مصر عام 1974، وتمتد إلى رحيله عنها عام 1981، وهي من أخصب وأخطر المحطات والمراحل السياسية والفكرية في حياة الشقاقي، فلقد جاء الشقاقي ليدرس الطب بجامعة الزقازيق، فتخرج من الجامعة طبيباً للأطفال، واستمر لمدة عام طبيبَ امتيازٍ بمستشفى كفر صقر بمحافظة الشرقية، وخرج من مصر بتنظيم للجهاد الإسلامي، وبعدة شهور من الاعتقال في سجن القلعة، وبتأثير بالغ على عقول الإسلاميين الشباب في مصر، وبعشرات الدراسات والأبحاث والمقالات والأشعار (بأسماء مستعارة لعل أشهرها: عز الدين الفارس الذي كان يوقع به أبحاثه بمجلة المختار الإسلامي).
                بدأ تأثير الشقاقي في هذه المرحلة واضحاً على الشباب الفلسطيني القادم للدراسة، وقد أثر و تأثر بكثير من رفاقه في هذه المرحلة منهم الدكتور رمضان عبد الله شلّح الأمين الحالي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والشيخ نافذ عزام القيادي الجهادي بقطاع غزة، وكان للحوار الواسع والخلاف أيضاً بين اتجاه (الجهاد الإسلامي) واتجاه (الأخوان المسلمين) سواء بين الفلسطينيين أو المصريين في تلك الفترة، بصماته الواضحة على فكر الشقاقي وفلسفته التي حسمت الأمر في النهاية (تحديداً عام 1978) لصالح فكر الجهاد، والذي أدى إلى إنشاء «نواة تنظيم الجهاد الفلسطيني» عام 1980، من داخل الشباب الفلسطيني الإسلامي بجامعة الزقازيق وجامعات مصر (حوالي 60 كادراً سياسياً منظماً)، وانتقلت هذه النواة إلى قلب فلسطين، لتشكل نقطة البداية لتنظيم الجهاد الإسلامي داخل فلسطين.
                ومما يذكر في (مرحلة مصر) تلك قيام الدكتور فتحي الشقاقي بعمل مجلات حائط بجامعة الزقازيق، رداً على مجلات الحائط للشيوعيين الذين أصدروا مجلتهم بعنوان (الجياد)، فجاءت مجلة الشقاقي بعنوان (الفرسان)، ويذكر أيضاً للشقاقي أنه أصدر في هذه الفترة وتحديداً يوم (16/2/1979 ) كتاب (الخميني: الحل الإسلامي والبديل)، والذي يعد أول كتاب صدر باللغة العربية في العالم أجمع عن انتصار الثورة الإسلامية بإيران، ونفذت طبعته الأولى (عشرة آلاف نسخة) فور صدورها بأيام، وسجن الشقاقي بسببه أربعة أيام، ثم أعيد اعتقاله في 20/7/1979 بسجن القلعة للشك في نشاطه السياسي الإسلامي، واستمر سجنه لمدة أربعة أشهر، وغادر مصر بطريقة درامية يوم 1/11/1981م لأنه كان مطلوباً للاعتقال بعد اغتيال السادات، وفي فلسطين بدأت مرحلة ومحطة جيدة وهامة في حياة الشهيد.

                تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

                تعليق


                • #9
                  رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

                  المحطة الخامسة: العودة إلى فلسطين

                  بدأت فور عودة الشقاقي إلى فلسطين، حيث شرع بنشر خلايا تنظيم الجهاد الإسلامي في أنحاء فلسطين المحتلة، وتحديداً في قطاع غزة والضفة الفلسطينية، وفي تجنيد وتربية كوادر جديدة للحركة، وبدأ في بناء قوتها العقائدية والعسكرية بقوة وصلابة، ولفتت أنشطته انتباه سلطات الاحتلال الصهيوني، وكان وقتها يعمل في مستشفى فيكتوريا بالقدس، فاعتقل عام 1983 لمدة 11 شهراً بتهمة تشكيل تنظيم الجهاد الإسلامي، وفي عام 1986 حكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 4 سنوات، و5 سنوات أخرى مع وقف التنفيذ بتهمة التحريض ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونقل الأسلحة إلى القطاع والانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي، وقبيل انقضاء فترة سجنه، قامت السلطات الإسرائيلية بإبعاده من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين المحتلة بتاريخ 1/8/1988 "مرج الزهور بالجنوب اللبناني".

                  وجدير بالذكر أن إسحق رابين وزير الدفاع في الكيان الصهيوني وقتها، هو الذي أصدر بنفسه هذا القرار، وفي تلك الفترة التي سجن فيها الشهيد (تحديداً في بدايتها بدأت أقوى العمليات المسلحة والنوعية الكبرى لحركة الجهاد الإسلامي، حيث كانت عملية (باب المغاربة) بتاريخ 15/10/1986 والتي قام أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي خلالها بإلقاء ثلاث قنابل يدوية على مجندين من لواء جيفعاتي الإسرائيلي، أثناء احتفال بالقرب من حائط البراق، حيث جرح 70 من المجندين وقتل أب أحد المجندين.
                  وفي نفس الفترة التي سجن فيها الشقاقي، أقدم ستة من أعضاء حركة الجهاد على عملية هروب جريئة، تكللت بالنجاح من سجن غزة المركزي، وقام مقاتلو الحركة بعمليات عسكرية قتل في إحداها الكابتن رون طال قائد الشرطة العسكرية في قطاع غزة، في 2/8/1987، كما وقعت المواجهة المميزة بين أربعة من مجاهدي الحركة وقوات الأمن الإسرائيلية في حي الشجاعية بمدينة غزة في 6/10/1987، وأدت إلى مقتل وإصابة العديد من قوات الأمن الإسرائيلي بالإضافة إلى استشهاد أعضاء الجهاد الأربعة، فضلاً عن عشرات العمليات الناجحة التي استهدفت العسكريين الصهاينة، ومحاولة تفجير سيارة ملغومة في سبتمبر (أيلول) 1987.

                  كل هذه الأحداث، والقائد المعلم في سجون الاحتلال، الأمر الذي أكد أن بنية تنظيم الجهاد والعقائدية والعسكرية كانت قد تأسست وبقوة، قبل دخول الشقاقي للسجن (عام 1986) بل إن المحللين المحايدين يؤكدون أن الأعمال المسلحة لحركة الجهاد قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في ديسمبر 1987، كانت السبب الرئيسي والمباشر في إشعال الانتفاضة فيقول مارتن كريمر: "إن حركة الجهاد الإسلامي دحرجت صخرة الانتفاضة"، ودعم هذا الطرح أيضاً المحلل الصهيوني زئيف شيف حيث قال: "إن حركة الجهاد الإسلامي كانت عود الثقاب الذي أشعل النار في كوم الهشيم"، وفي تلك الأثناء أيضاً تزوج الشهيد من سيدة فلسطينية مقدسية وأنجب منها صبيين وبنتاً (كلهم ولدوا خارج فلسطين، وتحديداً في دمشق بعد ترحيله).

                  تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

                  تعليق


                  • #10
                    رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

                    المحطة السادسة: مرحلة الغربة "مرج الزهور" إلى الاستشهاد

                    وهي المحطة التي تلت ترحيل الشقاقي إلى جنوب لبنان يوم 1/8/1988، وانتهت باستشهاده يوم 26/10/1995 أمام فندق الدبلوماسي بحي سليمة بجزيرة مالطا، في الواحدة ظهر يوم الخميس، عندما كان عائداً إلى مقر إقامته المؤقت بدمشق من رحلته إلى ليبيا وكانت بهدف الحوار مع القيادة الليبية بشأن قضية عودة الفلسطينيين الذين يعيشون في ليبيا إلى فلسطين.

                    تلك المحطة يمكننا أن نطلق عليها (مرحلة الغربة) ففيها تنقل الشهيد بين العديد من العواصم العربية والإسلامية، وفيها نضجت حركته السياسية ورؤيته الحضارية أكثر، وتبلورت فيها القضايا وتحددت الخنادق، واشتد فيها ساعد حركة الجهاد الإسلامي، وتفجرت طاقاتها الفذة في قلب الكيان الصهيوني، وسقط عشرات القتلى من الصهاينة إثر العمليات الاستشهادية النوعية المتميزة لحركة الجهاد، وعبرت الحركة مسالك جديدة للفعل المسلح، وطعنت نظريات الأمن الصهيوني في قلبها، يقال إن عملية بيت ليد الاستشهادية، والتي استشهد خلالها مجاهدان من حركة الجهاد الإسلامي وقتل فيها أكثر من 20 عسكرياً صهيونياً، باتت تدرس في معاهد العدو العسكرية للتدليل على حجم الخطر الأصولي الذي تمثله حركة الجهاد على مستقبل الوجود الصهيوني بأكمله وعلى نظرية الأمن القومي الإسرائيلي.

                    وفي مرحلة الغربة تلك فتح الشقاقي قلبه وعقله للقوى العربية والإسلامية المجاهدة، وجعل بوصلته الثابتة التي يقيس بها كل علاقاته وتحالفاته وصداقاته وعداواته (إن وجدت) هي القدس وفلسطين، من هنا تقارب وتقاطع سلوك وفكر الشقاقي مع إيران الثورة، والمقاومة الإسلامية في لبنان وحزب الله، وحركة حماس بعد أن حملت السلاح، وليبيا والسودان، ومع الملتقيات القومية والإسلامية واليسارية التي تستهدف استرجاع فلسطين، من البحر إلى النهر.
                    وكان الشقاقي في كل تحركاته خلال هذه المرحلة مثالاً للمجاهد الرسالي المخلص لقضيته، ولأمته، وكان دائماً يردد أنه لا يخشى الموت، (ونعم الحارس الأجل) و(أنه قد عاش أكثر مما ينبغي) و(أنه يحب الموت كما يحب الصهاينة الحياة).

                    تلك كانت ـ بإيجاز ـ أبرز المحطات، في حياة الشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي، ومن المؤكد أنها لا تفي ولا تحيط بكل تفاصيل حياته الواسعة رغم قصر عددها بالسنين التي تعد.

                    تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

                    تعليق


                    • #11
                      رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

                      جريمة الإغتيال

                      تمكنت أجهزة الاستخبارات الصهيونية من التقاط خبر وصول الدكتور الشقاقي إلى ليبيا، والذي كان على رأس قائمة الاغتيال الصهيونية، فعملت شبكة من الموساد على التقصي والمراقبة، كما كُشف النقاب بعد تنفيذ جريمة الاغتيال عن أن مجموعة أخرى من الموساد كانت في مالطا تترقب وصول القائد الشهيد الشقاقي إلى العاصمة المالطية.

                      وعند الساعة العاشرة صباحاً من يوم الخميس 26 تشرين أول 1995م وصل الدكتور فتحي الشقاقي في سفينة ليبية إلى مالطا باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى دمشق، في ظل الحصار الجوي المفروض على ليبيا، وحال وصوله توجه إلى فندق «دبلومات» في مدينة سليما على مقربة من العاصمة لافاليتا وحجز غرفة في ذلك الفندق عند الساعة 10:20 دقيقة وكان يحمل جواز سفر ليبياً باسم مستعار هو إبراهيم الشاويش.. وعند الساعة 11:00 صباحاً غادر الدكتور الشقاقي الفندق متوجهاً إلى مكتب للطيران حيث قطع تذكرة للسفر إلى دمشق في اليوم التالي وفي غضون ذلك، كانت شبكة من الموساد تتربص بالقائد الشهيد، لتختار الفرصة المناسبة لتنفيذ جريمة الاغتيال.

                      وعند الساعة الواحدة وعشرين دقيقة، وبينما كان الدكتور الشقاقي عائداً وعلى مقربة من فندق «دبلومات» ، اقترب منه أحد عناصر الموساد الصهيوني، وحين أصبح بجانبه شهر مسدسه وأطلق عدة رصاصات من مسافة قريبة جداً فاخترقت طلقتان جانب الأيسر من رأسه ولم يكتف من القاتل بذلك وتابع إطلاق ثلاث رصاصات على مؤخرة رأس القائد المجاهد الدكتور فتحي الشقاقي بعد أن سقط شهيداً مضرجاً بدمه الزكي.

                      وأكد شهود عيان أن القاتل سارع بعد ذلك إلى الفرار على دراجة نارية كانت تنتظره مع عنصرٍ آخر من الموساد، وانطلقت الدراجة بالاثنين لتختفي في مداخل المدينة. وقالت مصادر الشرطة المالطية إن القاتلين قادا الدراجة ، ثم تركاها تحت جسر قرب مرفأ محلي ، حيثُ كان هناك ما يؤكد أنهما غادرا مالطا مباشرة على متن أحد المراكب التي كانت تنتظرهما هناك.

                      تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

                      تعليق


                      • #12
                        رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

                        مشكور لهذه الدرر يا أبا مالك - دام ظله - .. ولهذه الوقفة نسأل الله أن يجعلكم ممن يشهد وقفة عرفة .. :)

                        تعليق


                        • #13
                          رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

                          الشقاقي وفلسطين

                          تعد (فلسطين) لدى الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي هي الجوهر في كل قضايا الأمة، وهي ملخص ماضيها ومستقبلها، وهي وحدة القياس الأولى ـ بل والوحيدة ـ التي بمعاييرها يتم الحكم والاحتكام في العداوة والصداقة في الإيمان والكفر، في الثورة والمهادنة، فالقضية الفلسطينية عند الشقاقي هي (القضية المركزية) أو ينبغي أن تكون كذلك عند كل المخلصين من إسلاميين وقوميين ويساريين داخل الأمة العربية والإسلامية. ووفقاً للشقاقي فإن القضية الفلسطينية آلت إلى وضعها الراهن بسبب دور القيادات اللا إسلامية التي تعاقبت على التصدي الانتهازي لقيادة حركة الجماهير أو التي تسلمت السلطة طوال الفترة التالية لهزيمة الدولة الإسلامية في مطلع هذا القرن.

                          وفي مجمل كتاباته المتميزة يخلص الشقاقي إلى نتيجة هامة حول محورية القضية الفلسطينية وهي أن استقلال القرار السياسي العربي ـ الإسلامي مرتبط شرطياً بمسيرة تحرير فلسطين.. إذ لم تكن مصادفة أن يقدم الغرب وعد بلفور في الوقت الذي كان يدمر بنيان الدولة العثمانية، ويجتاح المنطقة عسكرياً ويخضعها إلى شبكة علاقات قائمة على التبعية والارتهان السياسي. لقد عمد الآخر على «شن حربه الشاملة» ضد الوطن العربي ـ الإسلامي، وتكريسه «القابلية للاستعمار» في نفوسنا، وتدمير منابع القدرة الداخلية، وذلك بتحطيم المكونات العقدية والفكرية والحضارية للمجتمع الإسلامي، وتغيير أنماط المعيشة والإنتاج فيه بما يخدم مصالحه ويحقق التبعية له.

                          إن مسألة تحرير فلسطين كما يخلص الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي في كتاباته هي مسألة مشروع ينظم إمكانات الأمة ويرد على حرب العدو الشاملة بحرب شاملة ثقافية وفكرية واقتصادية وأمنية وعسكرية. ويبقى دور المجاهدين في فلسطين، وهو إحياء فريضة الجهاد ضد العدو ومشاغلته واستنزاف طاقاته وكشف وجهه البشع، وتدمر ما يستطيعون من قدراته وإدامة الصراع حياً حتى تحقيق وحدة الأمة وتحقيق النصر، والتصدي لمؤامرات تصفية القضية التي يوجهها الغرب.

                          إن الحركة الإسلامية مطالبة اليوم بأن تعطي لفلسطين خصوصيتها (المنسية) وأن تؤكد على مركزيتها في النظرية والتطبيق وعليها أن تجعل من (إحداث البعث الإسلامي في كل الأرض) غايتها الدنيا. كما تجعل هدفها البعيد تجاوز أزمة التحدي الغربي الحديث وحل المشكلات التي يواجهها المسلمون حلاً يتفق مع عقيدة الإسلام وشريعته. أما هدفها القريب فيبقى في إعادة النظام السياسي الإسلامي إلى الوجود بإقامة دولة الإسلام. والحركة الإسلامية في تأكيدها على هذه الخصوصية والمركزية ليست محكومة بمزاج إقليمي أو بمجرد مصلحة اجتماعية أو وطنية وإنما هي محكومة بأسباب (قرآنية وتاريخية وواقعية شاملة) أوسع وأبعد من أي حدود جغرافية .. أسباب تفرض على هذه الحركة أن تجعل من فلسطين محوراً لنشاطها السياسي اليومي باعتبارها ذروة التماس بين منهج الإسلام ومنهج الغرب ، وباتجاه تحقيق الغايات والأهداف السالفة.

                          تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

                          تعليق


                          • #14
                            رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

                            هذه الامة على موعد مع الدم دم يلون الارض دم يلون الافق دم يلون التاريخ دم يلون الدم ونهر الدم لا يتوقف

                            تعليق


                            • #15
                              رد: وقفة مع الذكرى / وفاءَ للشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي

                              أبعاد النهوض في فكر الشقاقي

                              كان الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي مهموماً بالشأن العربي والإسلامي، لا يرى فاصلاً مطلقاً بين مجمل قضايا هذا الشأن وقضايا (الداخل الفلسطيني) بل يرى تلازماً وترابطاً مصيرياً بينهما، وكان الشقاقي تواقاً إلى نهضة الأمة العربية والإسلامية واستقلالها الحقيقي من قبضة الاستعمار قديمة وجديدة

                              إن الأزمة التي تواجه الأمة الإسلامية كما يقول الشقاقي «أعقد من أية أزمة واجهتها منذ ظهور الإسلام. فلم يعد الأمر يتعلق بتحديد خيارات جديدة للأمة، بل بإعادة بناء كامل لها. ولم يعد الأمر يتعلق بإرادة تحرير وتصنيع في بلادنا فحسب، بل بنضال طويل ومرير يقنع الآخر ـ الغرب ـ سلماً أو حرباً بأن نظامه مشوه ومعاد للإنسان، وأن العلاقة بيننا وبينه بشكلها وبنائها من جديد، وعلى أسس جديدة. كما لا بد أن تناضل الأمة داخلياً ضد كل مراكز القوى السياسية وغيرها، التي ارتبطت بهذه العلاقة المشوهة بيننا وبين الغرب وربطت مصيرها بها. وهو ما يتطلب القدرة والجرأة على التجديد من الداخل بقراءة معطيات الواقع من أجل تفكيك للبنية الاجتماعية ولبنية السلطة، وهو ما يؤدي إلى النجاح في وضع خطة منهجية فكرية لا تقوم على نسخ التجارب الأخرى، بل على ربط الموروث الذهني الفاعل اجتماعياً ـ وهو في حالتنا العقيدة الإسلامية ـ مع العلاقات الميدانية السارية (نظام تعليمي، اقتصادي، اجتماعي، سلطوي) حتى تخرج من مأزق انفصام الشخصية والنفاق بين ما هو رسمي وما هو شعبي»

                              ومن وجهة نظر الشقاقي أنه «من الضروري أن نعي أنه لا يمكن تشبيه نظام التبعية بالحبال التي تربط بلادنا بالخارج، بل الأصح أن تشبه بشبكات متداخلة، وأكثر صحة أن نراها كشبكة من الأوعية الدموية، تمتد في كل أجزاء حياتنا وبلادنا. تتغذى من مائنا وهوائنا وتصلب لصالح الآخر، ولأنها شبكات متسعة متشعبة عميقة الجذور فلا يمكن التخلص منها دفعة واحدة، أو بضربة واحدة، أو في عقد واحد أو اثنين وباعتبارها متصلة بالنظام العالمي كله، عالم سيطرة الغرب الأطلسي على آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، وعلى ما يسمى بالمؤسسات الدولية، فإن إنجاز مشروع تقويضها ـ أي إنجاز مشروع الاستقلال ـ لابد أن يعتبر مشروعاً عالمياً».

                              يقول الشقاقي «نرى كيف أن دولاً عربية وإسلامية قد اختارت النظام الإسلامي وتحررت بالتالي أيديولوجياً وسياسياً إلى درجة كبيرة، ولكن ضعف بنيان دولة التجزئة وشراسة نظام الاقتصاد والتوزيع العالمي، جعلها دولاً مدينة بمليارات الدولارات. وهو الأمر الذي يجعل من استقلالها جزئياً وغير متكامل» إن هذا هو ما يجعلنا نؤكد على تماسك نظام التبعية، الذي نشأت دوائره بشكل متقاطع في مرحلة زمنية واحدة من القرن الماضي. ويستدعي هذا التماسك الوعي بأن عملية الاستقلال لابد أن تواجه دوائر التبعية جميعها، كلاً على حدة، ومعاً في الآن نفسه.إن استقلالاً سياسياً بدون التخلص من التبعية الثقافية، وبدون نمط مستقل للتنمية سرعان ما سينهار تحت وطأة الضغوط.

                              وأي محاولة للاستقلال الاقتصادي ولامتلاك ناصية القرار السياسي في ظل حدود الدولة الوطنية الصغيرة، دولة التجزئة سيكون وفقاً للشقاقي ضرباً من المناورة مع التاريخ. كما أن محاولة إيهام الذات بأن الكيان الصهيوني محدود الخطر بمنطقة جغرافية وعلى شعب معين، هو انحراف في رؤية التاريخ والواقع على السواء. إذ أن استمرار بقاء هذا الكيان سيكون خطراً على الناس وعلى ثقافتهم وعلى استقلال المنطقة وعلى خياراتها في التنمية والنهضة.
                              ومن خلاصة كتابات الشقاقي وحواراته يرى أن المسألة الأساسية التي يجب على قادة الأمة وعلمائها وزعمائها أن يروها هي أن النهضة والاستقلال لا يمكن أن يتحققا بمجرد نشر وعي وثقافة استقلالية، فقد كانت روح الأمة، وطموحها مسكونة ـ وما زالت ـ بالنزوع نحو إنجاز مشروع الاستقلال.

                              إن النهضة هي متغير على أرض الواقع وفي داخله، ولإنجاز مشروعها لابد من أن تضرب الأمة وقادتها وزعماؤها في ملامح هذا الواقع بمثابرة واستعداد عميق للتضحية، وإيمان واسع بأن ظهرها على الجدار. وكما ضرب النحات في الصخر، فإن كل متغير مهما صغر في الواقع يأخذنا قدماً إلى مرحلة التشكيل المبدع في صورته الأخيرة، ولكن وفي مراحل عديدة، سيكون دمنا هو البديل عن عرق النحات.

                              تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

                              تعليق

                              يعمل...
                              X