إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

غزوة مومباي: نقلة استراتيجية نوعية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • غزوة مومباي: نقلة استراتيجية نوعية

    غزوة مومباي: نقلة استراتيجية نوعية

    لم يشهد العالم منذ غزوة نيويورك وواشنطن عام 2001، هجمة كوماندوس منسقة ومتقنة كمثل غزوة مومباي التي روّعت كل الدول دون استثناء. فمن يضمن أن لا تقع عملية مماثلة في وسط لندن أو حي مانهاتن بنيويورك؟ وهل ستكشف التحقيقات مثلاً نوع الثغرات الأمنية التي اخترقها المجاهدون في مومباي فتقوم العواصم المهدّدة بعمل مشابه إلى سد مواضع الخلل؟
    رأيي، أنه بإمكان أي مجموعة مناسبة من حيث معرفة المكان المستهدف والانتماء إليه عرقياً ولغوياً، وتحمل العقيدة السلفية الجهادية، إضافة إلى الخطة المناسبة والتدريب الجيد، أن تكرر العملية نفسها في أماكن أخرى، بعد الأخذ بعين الاعتبار أيضاً التغيرات والاحترازات الجديدة التي اعتمدتها أجهزة الأمن. لكن يمكن القول كذلك، إن غزوة مومباي هي الأولى من نوعها على هذا المستوى الرفيع جداً، ما يعني بالانطباع الأول أن تنظيم القاعدة على افتراض أنه تولى قيادة العملية من الألف إلى الياء، لم يحتفظ فقط بقدراته العملياتية في أنحاء العالم، بل إنه طوّر كثيراً من تلك الكفاءات منذ سبع سنوات وحتى اليوم، أي إنه باختصار أكبر حجماً وأوسع انتشاراً وأخطر أثراً.
    أما إن كانت ثمة احتمالات أخرى، ونركز على اثنين منها، فالمصيبة للغرب وحلفائه أعظم، فإذا كان التنظيم بحسب الاحتمال الأول قد أدار العملية عن طريق الجماعات الجهادية الحليفة له، فمعنى ذلك أن ساحات شاسعة قد انفسحت لعمليات خطيرة للغاية لم تكن محسوبة من قبل. ثم إن كان التنظيم قد اخترق جهاز الاستخبارات الباكستانية كما يقولون، حسب الاحتمال الثاني، فعندها أي ثقة ستوليها إدارة باراك أوباما للحكومة الباكستانية الموالية لها وللهند في مكافحة الإرهاب، ما دام جهاز الاستخبارات الداخلية يعمل لمصلحة القاعدة؟
    في واقع الأمر، إن المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين هم أفضل من فهم الرسائل الاستراتيجية التي بعثها غزاة مومباي بالبريد السريع الذي لا يخطئ هدفه، فيما استمر بعض ربيبي الاستشراق والاستعمار مثل الدكتور رضوان السيد في التباكي على الشباب المغرّر بهم حسب زعمه، مبدياً خشيته على سمعة الإسلام والمسلمين من عمليات كهذه[1].
    أما مؤسس نشرة ستراتفور الاستراتيجية جورج فريدمان، فيستلخص الأمور التالية:
    - إن العملية كانت مخططاً لها بشكل جيد، ونفذت بشكل جيد، وخصوصاً في مراحلها الأخيرة، حيث شهدت قدراً عالياً من الانضباط والالتزام حتى النهاية حين تحصّن الباقون في فندق تاج محل لأيام عدة.
    - الأهم من السؤال عن هوية المنفذين، هو التوصل إلى الأهداف الاستراتيجية التي عمد المهاجمون لتحقيقها من خلال هذه العملية المنسقة، إذ إنه من الخطأ النظر إلى الإرهاب على أنه غاية بحد ذاتها، أي القتل وحسب.
    - فهجوم مومباي خُطّط له بطريقة معينة بحيث لا يمكن للحكومة الهندية الضعيفة سياسياً وعلى أعتاب الانتخابات إلا أن ترد عليه ضد باكستان، ولو بطريقة مضرة للتحالف الدولي ضد الإرهاب. (والهدف مطابق لمغزى غزوة نيويورك وواشنطن عام 2001). فثمة هجمات وقعت قبل ذلك وكانت أقل شأناً ولم ترد عليها الهند بشكل واسع، مع أن الآثار كانت تدل على تورط جماعات أو جهات باكستانية. ومارست الهند ضبط النفس لاقتناعها بأن الحكومة الباكستانية لم تعد تسيطر على الجماعات العاملة على أراضيها، لكن إذا لم ترد الحكومة الهندية الآن فسوف تسقط.
    - في عام 2002، وبسبب الهجوم على البرلمان في نيودلهي، ردت الهند بمناوشات مدفعية على طول الحدود مع باكستان، حيث وصل الاستنفار النووي بين البلدين إلى أقصاه، واستخدمت أمريكا الضغط الهندي أداة لفرض شروطها على مشرف المتردد آنذاك في إطار التحالف ضد طالبان والقاعدة، ولكي يتعاون بشكل أوثق في السياق نفسه في باكستان وأفغانستان معاً، وهذا ما جرى. لكن الظروف مختلفة الآن، بل إن باكستان هددت بسحب جيشها المرابط على حدودها مع أفغانستان وفي مناطق القبائل إذا صعّدت الهند من تهديداتها، إي إن المعادلة معكوسة الآن، لأن طالبان في مرحلة الهجوم في أفغانستان، وتنظيم القاعدة يزداد نفوذاً قي مناطق القبائل، في حين أن حلف الأطلسي بحاجة ماسة إلى تعاون باكستان.
    - كان الرئيس المنتخب باراك أوباما ينوي توجيه الاهتمام إلى أفغانستان وتشديد الضغط على باكستان، لكن عملية مومباي خلطت الأوراق، فمن جهة لا تستطيع حكومة الهند السكوت على ما جرى، وهي تطالب بتعاون الاستخبارات الباكستانية معها في التحقيقات وإلا فستطالب بتطهير الجهاز من المخترقين له من الموالين لطالبان. لكن وبما أن حكومة باكستان أضعف من حكومة الهند داخلياً، وهي لا تمسك بالمؤسسة الاستخبارية أو بالجيش، فمن المستحيل خضوع الحكومة الباكستانية لمطالب الهند. كما أنه من جهة ثانية، لو كانت الاستخبارات الباكستانية قادرة على مواجهة الجماعات الجهادية على أراضيها لأحبطت هجوم مومباي قبل أن يبدأ.
    - بل إن أكثر ما يقلق الهند، هو أن يتحول هجوم مومباي إلى نمط قتالي يتكرر في أماكن أخرى وأوقات أخرى، وهي تريد أن تضمن الباكستان على الأقل أن لا يتكرر هذا النوع من الهجمات. وعليه، قد تطلب الهند من أمريكا أن تقوم وإياها بهجوم مشترك باكستان لتغيير الأوضاع فيها، لكن أوباما لن يكون مستعداً لتجربة إعادة بناء الدولة في باكستان وهو الذي رفض تجربة بوش في العراق، علماً أن باكستان أكبر مساحة، وسكانه أكثر بكثير، وهو فوق ذلك بلد نووي.
    - أما الاحتمال الآخر، فهو أن تقوم قوات الهند بعمليات محدودة داخل باكستان، أو غارات في العمق على مراكز تدريب وما شابه، لكنها لن ترغب في احتلال باكستان بل في احتلال الجهاز الباكستاني الاستخباري وفتح أوراقه أمامها، وهذا ما سيرفضه الباكستانيون بقوة.
    - وبالخلاصة، ستقع الهند في فخ المطلب المستحيل من باكستان التي لا يمكنها أن تقبل التجاوب معه، وعليه يمكن أن يخرج الوضع عن السيطرة تماماً وتقع الحرب بينهما، فتسحب باكستان جيشها من حدودها الغربية إلى حدودها الشرقية، وهو ما يخلع إحدى ساقي استراتيجية قائد المنطقة الأمريكية الوسطى ديفيد باتريوس، وستسقط خطة اوباما. وستتحرر حركة طالبان من الضغوط الباكستانية في منطقة الحدود فتزداد قدرة الحركة على القتال في أفغانستان، وستنتفي أي فرصة للحوار الذي يقترحه كرازي. أما القوات الأمريكية التي تعاني أصلاً من نقص الموارد فسوف تجد نفسها في وضع حرج.
    - حكومة الهند تلقى نفسها في حرب لم تردها، وحكومة باكستان تنسحب من المواجهة مع طالبان والقاعدة، كما أن الضغوط على الحكومة الباكستانية قد تودي بها فتقوم حكومة ائتلافية من الجيش والإسلاميين، أو تسقط باكستان في الفوضى ما يسمح للجماعات الجهادية بإغلاق مناطق بأكملها ثم تحين الفرصة لها من أجل إعادة تشكيل باكستان. وأخيراً يصبح وضع أمريكا في أفغانستان معقداً للغاية.
    - استراتيجياً، فإن هجوم مومباي كان ضربة دقيقة لاستحداث نتائج سياسية غير مؤكدة لكنها تتلاءم مع أهداف الجماعات الإسلامية، (أو يمكن تفسيره بأنه تطبيق حرفي لنظرية الدومينو الجهادية والتي بدأت في نيويورك وواشنطن وتتكرر ثانية في مومباي)[2].

    [1] http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=320900

    [2] Geopolitical Weekly : Strategic Motivations for the Mumbai Attack‏.


  • #2
    هدا كاتب بحبنا

    تعليق

    يعمل...
    X