إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إحسان الظن بالله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إحسان الظن بالله

    إحسان الظن بالله

    قال الله تبارك وتعالى: }يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يقولون هل لنا من الأمر من شىء؟! قل إن الأمر كله لله{ (آل عمران؛ 3:154).

    وقوله: }الظانين بالله ظن السوء، عليهم دائرة السوء{ (الفتح: 6).

    قال ابن القيم في الآية الأولى: [فسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل. وفسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته. ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدرة، وإنكار أن يتم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يظهر على الدين كله. وهذا هو ظن السوء، الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح. وإنما كان هذا ظن السوء لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه، وما يتعلق بحكمته، وحمده، ووعده الصادق.

    فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق ادالة مستقرة يضمحل معها الحق. أو انكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره. أو أنكر قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم. ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده. وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية المنافية للتوحيد لأنها سوء ظن بالله، ونفي لكماله، وتكذيب لخبره، وشك في وعده. فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله وليستغفره من ظنه بربه ظن السوء. ولو فتشت لرأيت عنده تعنتًا على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك: هل أنت سالم؟

    فإن تنج منها، تنج من ذي عظيمة وإلا، فإني لا إخالك ناجيا

    انتهى كلام ابن القيم رحمه الله، بتصرف وتهذيب.

    وإحسان الظن بالله، وتمام الثقة به، وصدق التوكل عليه يترتب عليها، ضرورةً، دوام الرجاء فيه، وعدم القنوط من رحمته، أو اليأس من روحه:

    قال تعالى حاكياً عن يعقوب موصياً بنيه: }...، ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون{. وحكى خطاب خليله، إمام الحنفاء، إبراهيم، للملائكة: }ومن يقنط من رحمة ربه إلا الظالون{. فما أحسن الظن بالله من قنط من رحمته، أو يأس من روحه وفرجه!

    أخرج البخاري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»، هذا حديث غاية في الصحة، وأخرج مثله مسلم، وأحمد، وابن ماجه، والترمذي، وقال: (هذا حديث حسن صحيح ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا يعني بالمغفرة والرحمة، وهكذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث قالوا: إنما معناه يقول إذا تقرب إلي العبد بطاعتي وما أمرت أسرعت إليه بمغفرتي ورحمتي، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية }فاذكروني أذكركم{ قال اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي).

    وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني»، حديث صحيح، غاية في الصحة، وأخرجه أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح.

    وأخرج مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله، عز وجل، أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني؛ والله! لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول»، هذا حديث صحيح، وأخرجه أحمد كذلك.

    وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال: «أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيرا فله، وإن ظن شرا فله»، هذا حديث حسن.

    وأخرج أحمد عن حيان أبو النضر قال دخلت مع واثلة بن الأسقع على أبي الأسود الجرشي في مرضه الذي مات فيه، فسلم عليه وجلس، قال: فأخذ أبو الأسود يمين واثلة فمسح بها على عينيه ووجهه لبيعته بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له واثلة: واحدة أسألك عنها؟! قال: وما هي؟! قال: كيف ظنك بربك؟! قال: فقال أبو الأسود، وأشار برأسه، أي حسن، قال واثلة: أبشر! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله، عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء!»، هذا حديث صحيح أخرجه أحمد مطولاً، ومختصراً، كما أخرجه الدارمي، والحاكم مختصراً، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال: على شرط مسلم.

    وأخرج الترمذي بإسناد حسن عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «قال الله: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي؛ يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي؛ يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة»، قال أبو عيسى: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، وصححه الألباني، وهو كذلك بشواهده.

    وأخرج أحمد، بإسناد محتمل، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله تبارك وتعالى، يقول: يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيت فاستغفرونى أغفر لكم، ومن علم منكم أنى ذو قدرة على المغفرة فاستغفرنى بقدرتي غفرت له ولا أبالي! وكلكم ضال إلا من هديت فسلوني الهدى أهدكم! وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم! ولو أن حيكم وميتكم وأولاكم وأخراكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أتقى عبد من عبادي لم يزيدوا في ملكي جناح بعوضة، ولو أن حيكم وميتكم وأولاكم وأخراكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا فسأل كل سائل منهم ما بلغت أمنيته وأعطيت كل سائل ما سأل لم ينقصني إلا كما لو مر أحدكم على شفة البحر فغمس أبره ثم انتزعها: ذلك لأني جواد ما جد وأجد، أفعل ما أشاء، عطائي كلامي، وعذابي كلامي، إذا أردت شيئا فإنما أقول له كن فيكون».

    وفي «المعجم الكبير»: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني حدثنا قيس بن الربيع عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك؛ ولو أتيتني بقراب الأرض خطايا لقيتك على الأرض مغفرة ما لم تشرك بي، ولو بلغت خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك». هذا إسناد ضعيف، لا تقوم به الحجة، ولا يثبت به الحديث عن ابن عباس، رضي الله عنهما، ولكن المتن صحيح ثابت عن أبي ذر وأنس، رضي الله عنهما.

    وعن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قيل: (يا رسول الله! ومن يأبى؟!)، قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»، حديث صحيح أخرجه البخاري.

    وأخرج الحاكم في «المستدرك»، بإسناد صحيح وافقه عليه الذهبي، عنه رضي الله عنه مرفوعاً: «لتدخلن الجنة إلا من أبى، وشرد على الله كشراد البعير».

    كما أخرج أحمد عن أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه، أنه مر على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول: «ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله»، وهو حديث صحيح، أخرجه كذلك الحاكم.

    ولكن إحسان الظن بالله يقتضي، ضرورة، كذلك تعظيم أمر الله، واحترام حدوده، والخوف من مسائلته وعقوبته، وعدم الأمن من مكره، قال، جل وعز: }أفأمنوا مكر الله؟! فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون{، (الأعراف؛ 7:99)، لأن من لم يكن حاله كذلك فهو يعتقد، لا محالة، في أمر ربه اللعب والعبث، وفي وعده ووعيده الخداع والكذب، وهذا من أقبح الظن بالله وأسوئه! فكما أن القنوط من رحمة الله ضلال كبير، فكذلك الأمن من مكر الله خسران عظيم، وكلاهما وجهان لعملة واحدة: عدم تقدير الله حق قدره، وإساءة الظن به، والاستخفاف بأمره ونهيه، ونسبة العبث واللعب إليه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

    فالرجاء مع الاصرار على المعصية، وترك الطاعة، غرور من الشيطان ليوقع الإنسان في المهالك، ويبعده عن طريق الفوز والنجاة، وليس هو من إحسان الظن بالله في قريب ولا بعيد، بل هو في الحقيقة إساءة ظن بالله، واستخفاف به وبأمره ونهيه، وعدم تعظيم له، وعدم تقديره كما هو أهله.

    وعن عقبة بن عامر الجهني، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج»، ثم تلى، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: }فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون{! هذا حديث صحيح أخرجه الطبراني في «الكنير»، والبيهقي في «الشعب»، وكذلك أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم.

    وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سئل عن الكبائر فقال: «الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله». أخرجه الطبراني، والبزار، وابن أبي حاتم، ورجاله ثقات إلا شبيب بن بشر، وهو صدوق يخطيء، فالحديث حسن لذاته، صحيح بشهادة القرآن، وبشواهده السابقة، والتالية.

    عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: (أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله)، وهو أثر صحيح، أخرجه الطبراني في «الكبير»، وعبد الرزاق، وابن جرير بأسانيد صحاح. وهذا وإن كان موقوفاً على عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، ولكنه ليس مما يقال بالاجتهاد، ولم يكن ابن مسعود، رضي الله عنه، من أهل الجرأة على دين الله، وإحسان الظن به يرجح القول بأنه استفاده من رسول الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله!

    لذلك لا بد أن يكون العبد دوماً بين الخوف والرجاء، على أن يكون في حالة المعصية إلى الخوف أقرب، من غير قنوط أو يأس، وفي مواطن الشدة: عند لقاء العدو، وفي سكرات الموت إلى الرجاء أقرب، من غير أمن لمكر الله، ولا استخفاف بحرمات الله، هذا هو الصواب، والله أعلم وأحكم، لا رب غيره، ولا إله سواه.

    كتاب التوحيد (أصل الإسلام وحقيقة التوحيد)

    باب انواع من الأدب مع الله

    أ.د: محمد بن عبد الله المسعري

يعمل...
X