إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الجهاد النووي: قمة الإرهاب د. أكرم حجازي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجهاد النووي: قمة الإرهاب د. أكرم حجازي



    الجهاد النووي: قمة الإرهاب
    (nuclear jihad: the ultimate terror)
    د. أكرم حجازي
    28/5/2008




    في وقت كان المتابعون والمحللون وأنصار الجهاد يترقبون الشبكات الجهادية انتظارا لنشر كلمة الناطق الإعلامي لدولة العراق الإسلامية حول الموقف العسكري في نينوى باعتباره أول تعقيب رسمي من قبل الدولة على حملة الحكومة العراقية على المدينة فإذا بالجميع يفاجأ صبيحة يوم الأحد الموافق 25/5/2008 بشريط مرئي بعنوان: الدعاء الدعاء- الله أكبر خربت أمريكا - بضربة جهادية نووية القاصمة وضعه عضو على شبكة الإخلاص التي ما فتئت أن ثبتته في صفحة الافتتاح وزينته بمانشيت خبري عريض وتلميحة بـ خبر مهم يسبق العنوان!

    وخلال ساعات تدفق الأنصار وربما غيرهم على صفحة الشريط لتبلغ الزيارات في يوم واحد قرابة السبعة آلاف زيارة ما لبثت أن ارتفعت إلى أكثر من ثمانية آلاف متبوعة بمئات التعليقات التي يتساءل أصحابها عن مصدر الشريط والعضو المعني بتنزيله، لكن ما الذي احتواه الشريط حتى يثير كل هذه الضجة ويحدث الاحتقان بالرغم من أن وسائل الإعلام تجاهلته بصورة شبه مطلقة؟

    سبق الروابط التي وضعت لتحميل الشريط بشريات متبوعة بآيات قرانية من نوع:

    · [ وأخيراً أمتي الغالية آن الآوان ...
    · بشّروا كل أمٍ ثكلى قتل أبنها بيد الأمريكان أو الصهاينة وعملائهم...
    · وبشّروا كل أبٍ له أبن أو ابنة في المعتقلات الأمريكية والصهيونية أو في سجون أذنابهم الطواغيت ...
    · بشّروهم أنه قد حانت ساعة شفاء صدورهم ...
    · وأخيراً أمتي الغالية آن الآوان ...
    · بشّروا كل أمٍ ثكلى قتل أبنها بيد الأمريكان أو الصهاينة وعملائهم ....
    · وبشّروا كل أبٍ له أبن أو إبنة في المعتقلات الأمريكية والصهيونية أو في سجون أذنابهم الطواغيت ...
    · بشّروهم أنه قد حانت ساعة شفاء صدورهم ].

    أما الشريط فقد وقع في 39 دقيقة و22 ثانية، وفيما يلي أبرز الملاحظات الفنية والموضوعية عليه:

    · لدى تشغيل الشريط تظهر: (1) عبارة غير واضحة يرجح أنها: رسالة في استخدام أسلحة الدمار الشامل و أخرى باللغة الإنجليزية: (nuclear jihad: the ultimate terror) و (2) صورة انفجار نووي وسط (3) نشيد يصدح بعبارة: ميعاد الضربة قد حان ... وأوان النصر لقد آن، وهو نشيد ذو محتوى هجومي جرى تدعيمه بسلسلة من التحذيرات والإنذارات سبق وأن أدلى بها قادة القاعدة لاسيما الشيخين أسامة بن لادن ود. أيمن الظواهري ضد الأمريكيين وكل القوى التي شاركت في الحرب على المسلمين في أفغانستان والعراق وغيرهما. بمعنى أن القاعدة استنفذت كل الشروط الشرعية والموضوعية ابتداء من عرض الهدنة وانتهاء بالتحذير والتهديد والإنذار، وبالتالي فقد آن الأوان للتنفيذ بما أن القوى المعادية لم تستجب لدعاوى القاعدة بوجوب الانسحاب من بلاد المسلمين والكف عن إيذائهم.
    · تمتع الشريط بجودة عالية تقنيا، لكن الأهم أنه قُدِّمَ بصيغة وثائقية تضاهي في جودتها قوة الشرائط التي تنتجها مؤسسات إعلامية كبرى، كما أنه تميز بسيناريو مؤثر وبالغ الذكاء، فقد اشتمل على رسالتين مدعمتين بالصوت والصورة إحداهما باللغة العربية والأخرى باللغة الإنجليزية لخبراء أمريكيين.
    · أما مضمون الشريط فهو عبارة عن رسالة محددة تتعلق بمشروعية استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد العدو، لذا نجده يقدم فتوى للشيخ ناصر الفهد تجيز المعاملة بالمثل ومقتطفات من شروحات سبق وأن قدمها أبو مصعب السوري أحد أكبر العقول الإستراتيجية في فكر الجهاد العالمي، ويتطرق الشريط لبعض الأنواع منها كالأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية.
    · يحاول الشريط أن يثبت امتلاك القاعدة لأسلحة فتاكة مستعينا باكتشاف الأمريكيين لأوراق وقعت بأيديهم خلال الحرب على أفغانستان تشير إلى سعي القاعدة لامتلاك أو تصنيع بعض أنواع هذه الأسلحة. ويدعم ما يذهب إليه عبر لقاءات مع خبراء أمريكيين تحدثوا عن هذه الوثائق وعن قدرة اختراق القاعدة للولايات المتحدة عبر تجنيد أشخاص غربيين يمكن أن ينجحوا في التسلل للولايات المتحدة دون أن يلفتوا الانتباه.
    · الأهم في الشريط أنه لم يصدر عن أية جهة إعلامية رسمية ناطقة باسم القاعدة أو القوى الجهادية السلفية كالسحاب أو مركز الفجر أو الفرقان. أما العضو p2l0a0g8u9e الذي وضع الشريط على الشبكة فهو صاحب المشاركة الوحيدة، وقد وضعه وذهب دون أن يلتفت لما أثاره الشريط، وكأنه مكلف، فعلا، بوضعه فقط حتى أن أحد الأعضاء رد على عضو آخر عن هوية الرجل بعبارة طريفة قائلا: لا تتأمل أن يدخل مرةأخرى ... واضح أن مهمته تنزيل الموضوع فقط ... هذه مهمة بمليون مشاركة!
    · في الثواني الأخيرة من الشريط ظهر الرمز التالي 2B-68-aP-7m-(9) باللون الأحمر محمولا وسط خلفية سوداء، ولوحظ وميضين على الرمز قبل النهاية! وما من أحد توقف عنده أو حاول تفكيكه.

    لكن كيف تفاعل الوسط الجهادي مع الحدث؟

    فيما عدا القلة القليلة التي لا تكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة بدا الشريط وكأنه يحمل بشرى بضربة نووية أو جرثومية أو كيميائية للولايات المتحدة، وذهب البعض أبعد من ذلك في توقعاتهم لضربة قد تطال عدة دول، وفي أجواء من الفرحة العارمة تلقى العضو p2l0a0g8u9e كمّا من الأدعية، على أهميتها، إلا أنها لا تقارن بحجم ومحتوى الأدعية التي ملأت صفحات الشبكات الجهادية خاصة الإخلاص التي نزل عليها الشريط، وبلغت الزيارات أكثر من ثمانية آلاف زائر تاركين وراءهم مئات التعليقات.

    مع ذلك فقد ألح الكثير من الأعضاء على معرفة ما يجري دون جدوى فانغمس بالدعاء غير آبه إلا بالمشاركة انتصارا لضربة متوقعة، والحقيقة أن الشريط أنعش المنتديات الجهادية وولّد قناعات لدى شريحة واسعة بأن الضربة حقيقية وأنها باتت في حكم اليقين عندهم. واجتهد بعضهم في تحليل هوية العضو التي وافقت بعض محتويات الشريط، فقد جرى تفكيك المعرِّف (p2l0a0g8u9e) ليصبح تارة plague 2008-9 فتكون الضربة تبعا لذلك مناسبة لسبتمبر ثاني! أو في شهر رمضان القادم، وتارة يرجح أكثرهم كون الضربة القادمة جرثومية، مستفيدين من المعنى اللغوي للمعرف بعد تعديله (plague) والذي يعني الطاعون خاصة وأن الشريط تحدث عن جرثومة الطاعون وقدراتها الفائقة في قتل الخلايا.

    المهم في كل الردود أن أحدا لم يعد يحتمل أي نقاش خارج ما يود تصديقه أو الاقتناع به، فلم يأت أحد من الزوار مثلا على أي ذكر أو إشارة للعبارة رسالة في استخدام أسلحة الدمار الشامل التي كادت أن تختفي بفعل وميض الانفجار النووي الذي ميز الصورة الحاملة لها، مع أنها تشير بوضوح إلى أن الشريط هو رسالة أكثر منه تهديدا بضربة. ولعلنا نجد فيما يلي بعض التفسيرات لهذا الشعور:

    · كثرة التهديدات التي عبر عنها قادة القاعدة للقوى الغربية خاصة الأمريكية وما تبعها من تحليل للشرائط من قبل البعض بأن الضربة قادمة لا محالة، حتى أن الكثير من المحللين اعتبروا خطاب بن لادن المصور، والذي وجهه للشعب الأمريكي بعد غياب طويل، أنه يحمل شيفرات ورموز توجيهية لضربة وشيكة. ولا شك أن هذه التهديدات لم تختبر بعد لكنها لم تسقط أيضا، وهو ما يجعل الأنصار أكثر ميلا وأملا في توقع ضربة ما كيفما كان.
    · تعمد واضع (وا) الشريط صياغته بطريقة غامضة يصعب فك ألغازها بسهولة، فالعبارة المثيرة فيه جرى إخفاؤها بطريقة متعمدة فيما أُبرزت العبارات الأخرى بطريقة صارخة مما يؤشر على أن الشريط صمم بحرفية عالية جدا. فالمحلل في مثل هذه الحالة يقع في حيرة كبيرة فلا هو قادر على التأكيد ولا النفي.
    · كما أن شبكة الإخلاص المعروفة بتلقيها أشرطة القاعدة والجماعات الجهادية هي من تلقت الشريط ونشرته وثبتته، الأمر الذي يعني أنها اطّلعت عليه قبل ذلك وأنها على علم بهوية العضو الذي نزله، بمعنى أن الإخلاص تعرف مصدر الشريط وإلا ما كانت لتحيطه بكل الرعاية التي تلقاها، حتى أن أحد الأعضاء قدم مشاركة تستحق الاقتباس وهو يقول: الذي أعرفه من الأخوة أنها ضربة غير نووية، ولكن آثارها قريبة من التأثير النووي، وحتى أن التوقع في أعداد القتلى ربما 40 ألف قتيل، وأعداد مضاعفة من الجرحى، وستكون الضربة متنوعة في أوروبا وأمريكا وربما استراليا واليابان نظرا لمشاركتهما في الحرب الصليبية على الإسلام.يبدو أن الأوامر قد أُصدرت. مع ذلك فقد بدا غريبا ألاّ توضح الشبكة شيء يذكر عن الشريط الذي قدمته كخبر، فلم تعلق عليه ولم تقدمه أو تضعه في أي سياق، ليس هذا فحسب بل أن الكتابات أو التعليقات من بعض الكتاب النشيطين بدت شبه غائبة.

    إذن فالشريط يتحدث عن محتوى بالغ الخطورة، ولَئِنْ تلقاه أغلب الأنصار بعاصفة من الفرح و بشريات النصر فهو عند الكثير يثير حالة من الرعب، ويصعب القول أن قادة القاعدة يفكرون بمنطق العامة وبمسؤوليتهم في مثل هذه الأمور الحساسة، ففيما عدا الاستخدام الأمريكي العلني والوحيد للقنابل الذرية ضد المدن اليابانية، فلم تجرؤ أية قوة عالمية على استخدام الأسلحة الفتاكة علنا ضد الأعداء أو التصريح باستخدامها في مواضع معينة أيا كانت الأسباب، بل أن سياسات سباق التسلح النووي في ظل الحرب الباردة لم تخرج عن إطار الردع، ومع ذلك قد أثار السباق عواصف عالمية منددة به، فكيف باستخدامه حتى على نطاق محدود؟ وكيف بالتهديد باستخدامه؟

    لا أحد، غير أصحاب الشأن، يمتلك الكثير من الحقيقة فيما يتعلق بالشريط أو بمقاصده، ولا أحد يستطيع التخمين أو الظن في مسائل خطرة على هذا النحو. ولا أحد يدرك حقيقة الضربة ولا حجمها حتى يبدي رأيه، وحتى لو كانت القاعدة تمتلك حقائب نووية ورغبت في ممارسة الردع لأمكنها تحقيق ذلك عبر شريط يثبت امتلاكها للسلاح النووي، فحينذاك سيكون لكل حادث حديث، لكن بث مثل هذه الأشرطة التي تحتمل أكثر من تأويل، لجهة مصداقيتها فيما إن كانت حقيقة أم اجتهاد، قد تكون من باب الحرب النفسية الشرسة وحتى الاقتصادية بما أن التكلفة الأمنية باهظة في أخبار من هذا النوع حيث يصعب الأخذ بها أو تجاهلها، فهو بحق أسلوب كاف لإثارة الخوف وإشاعة الرعب إلى حين يتبين فيه الخيط الأبيض من الأسود. لكن إن ثبت مع الأيام أنه اجتهاد فردي فالسؤال حينها سيمس مصداقية الإعلام الجهادي ويبعث على الإحباط.

    يبقى القول أن أغلب الذين يتحدثون عن انهيار أمريكا قلما ناقشوا الأمر، بجدية، مرة واحدة، وقلما تساءلوا عن تداعيات الانهيار إن وقع في يوم ما وهو أكيد واقع بحكم السنن، ولعل القليل منهم يدرك مضمون أمريكا نفسه فكيف لهم أن يتهيؤوا للحظة الانهيار، فالولايات المتحدة ليست الاتحاد السوفياتي الذي ورثته روسيا كدولة عظمى أصلا وذات امتداد تاريخي عريق تمكنت بسهولة من امتصاصه نوويا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا، وهذا مختلف كل الاختلاف عن تَكوّن أمريكا التاريخي ومضمونها، وهي ليست إسرائيل التي لا يساوي زوالها مقدار ذرة من زوال أمريكا. لذا فالذين يُمنّون النفس بضربة كيفما اتفق لا يفرقون بين ضرب أمريكا وإيجاعها وبين انهيارها أو زوالها. ولا يطرحون سؤالا واحدا عن مجتمع هجين يضم في ثنايا ولاياته شتى الأعراق والأجناس، فإذا انهارت أمريكا فكيف سيتصرف، مثلا، من يسيطرون على أساطيل الولايات المتحدة في العالم؟ وما الذي يمنعهم من التحول إلى عصابات دموية مسلحة بأعتى قوى التدمير في العالم؟ أو على الأقل من هي القوة المؤهلة عالميا لإدارة ترسانات الدمار التي تجوب العالم؟ وما هو مصيرها؟ ولمن ستؤول؟ وما هو مصير القوى الأمريكية العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية التي تستوطن في شتى بقاع الأرض؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى فهم دقيق وتصور شامل لمختلف السيناريوهات المحتملة قبل الحديث عن الانهيارات
    .
يعمل...
X