من "قسم" إلى "سرايا القدس"الجناح العسكري للجهاد الإسلامي: الضربات المزدوجة للاحتلال
لن تكون العملية التي نفذها البطلان من الجهاد الإسلامي يوسف محمد علي سويطات (22عاما) وتيسير شحادة جبالي (23عاما) في الخضيرة وقتلا أربعة صهاينة وجرحا واحدا وثلاثين آخرين الأخيرة. فالاسبوع الماضي سبقهما المجاهد يوسف عايش (33 عاما) في القدس موقعا عددا من الجرحى. التقنية المستخدمة هي ذاتها: مهاجمة الهدف بالأسلحة الرشاشة في العمق الأمني للعدو، والمنفذون بطبيعة الحال استشهاديون. وكون سويطات وجبالي من جنين يكرس هذه المدينة معقلا ومخزنا حيويا لحركة الجهاد كما يؤكد العدو دائما. وتسديد ضربات مزدوجة للعدو وإصابته ماديا ومعنويا أول من ابتكرها هو الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي الذي عمل اولا تحت اسم "قسم" وكان ناشطا في قطاع غزة ، ثم مع بداية انتفاضة الأقصى كانت سرايا القدس عنواناً جديداً لحركة الجهاد بعد أن خرج العشرات من أبنائها من سجون السلطة الفلسطينية بعد أن أمضى بعضهم عدة سنوات بتهمة المشاركة في تنفيذ العديد من العمليات.
بداية العمل
عند الحديث عن "سرايا القدس" لا بد من العودة إلى العام 1992 عندما قرر الشهيد محمود الخواجا تشكيل جهاز عسكري منظم بدل المجموعات العسكرية المتفرقة، وتقرر أن يحمل الجهاز اسم القوى الإسلامية المجاهدة "قسم" كإطار يضم كل الراغبين في ممارسة العمل العسكري من أعضاء الجهاد وغيرهم. وصدر أول بيان عسكري لـ"قسم" يعلن مسؤوليته عن تنفيذ أول عملية استشهادية في فلسطين المحتلة ونفذها الشهيد أنور عزير في الثالث عشر من كانون الأول/ديسمبر من العام 1993 على طريق المنطار، حيث فجر نفسه في قافلة للقوات الصهيونية ليدشن مرحلة جديدة أصبحت تعرف في ما بعد بظاهرة الاستشهاديين.
وتوالت عمليات "قسم" ونفذت سلسلة عمليات استشهادية ولكن على نمط مختلف، فتقدم الشهيد علاء الكحلوت ومعين البرعي وخالد شحادة وعلى العماوي كل واحد على حدة يحملون أسلحتهم الرشاشة وبدأوا اطلاق النار في تجمع للمستوطنين داخل الكيان الارهابي موقعين العديد من القتلى وعشرات الجرحى.
كما نفذت الحركة عدة عمليات إطلاق نار جريئة أبرزها قيام ثمانية من المجاهدين بمهاجمة مجموعة راجلة من جنود الاحتلال قرب مستوطنة "موراغ" وقتلوا ثلاثة جنود وأصيب ثلاثة من المجاهدين بجراح إلا انهم تمكنوا من الانسحاب.
عوائق عديدة
يتحدث المقربون من الشهيد الخواجا عن الأزمة الحقيقية التي كان يسببها اعتقال المجاهدين من قبل السلطة الفلسطينية والتي طالته شخصياً دون أن يتم التعرف الى شخصيته؟ ويروى أحد العاملين في الجهاز العسكري أن الاستشهاديين لم يكونوا يتعرفون الى شخصية قائدهم حفاظا على سرية العمل وحتى لا يؤدي فشل اي عملية الى معرفة الاشخاص المخططين والموجهين والمعدين، بل كان يودعهم من خلف قناع قبل انطلاقهم للشهادة، كما حدث مع الشهيد هشام حمد الذي نفذ عملية استشهادية بعد اغتيال احد قادة الجهاد الاسلامي هاني عابد حيث ودع هشام قائده واستقل دراجة هوائية وتقدم نحو الموقع العسكري المقام قرب مستوطنة نتساريم ما أدى إلى مقتل أربعة صهاينة واصابة ستة، واعلن عن العملية خلال حفل تأبين أقيم للشهيد عابد بعد اقل من أسبوع على استشهاده في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1994.
عمليات مزدوجة
حققت حركة الجهاد الإسلامي اكبر انتصار للمقاومة حين تمكنت من اختراق كل الحواجز الأمنية في مدينة بيت ليد داخل فلسطين المحتلة عام 1948 وتقدم مجاهدان من "قسم" نحو محطة للحافلات مخصصة لنقل الجنود الصهاينة وفجر أنور سكر نفسه ما أدى إلى مقتل أربعة صهاينة وانتظر الشهيد صلاح شاكر ثلاث دقائق حتى تجمع الجنود لنقل الجرحى وفجر نفسه ما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى الى 23 جنديا واصابة سبعين آخرين وذلك في العام 1995، ووقف في أعقابها رئيس وزراء العدو الأسبق اسحاق رابين ليعلن عجز كيانه أمام العمليات الاستشهادية.
محطة جديدة
ويعتبر قادة الجهاد أن عملية بيت ليد شكلت منحى جديدا في الحرب ضدهم حيث اتخذ الاحتلال قراراً بتصفية كل من شارك في هذه العملية، سواء بالتخطيط أو التنفيذ. وبدأت القوات الصهيونية حملة واسعة للبحث عن المسؤولين عن العملية دون أن تتمكن من التوصل لأي دليل. إلا أن الضربة التالية التي وجهتها الحركة للصهاينة بتاريخ 4/9/1995 وقتل فيها تسعة صهاينة جنود أيضا وجرح عشرة آخرون ونفذها الاستشهادي خالد الخطيب الذي فجر نفسه في حافلة لنقل الجنود أثارت عاصفة من الغضب دفعت بالكيان الإرهابي للطلب من السلطة الفلسطينية بشكل رسمي مساعدتها. وبالفعل بدأت الاخيرة حملة واسعة من الاعتقالات طالت العشرات من أعضاء الجهاد الإسلامي بينهم عدد من مقاتلي الجهاز العسكري. وتحت ضغط التعذيب العنيف اعترف أحد المعتقلين للمحققين عن هوية القائد محمود الخواجا ليتم اغتياله بعد اقل من شهر في الثاني والعشرين من حزيران/يونيو من العام نفسه في عملية خاصة حيث أطلق عليه الرصاص وسط مدينة غزة لتفقد حركة الجهاد اخطر قادتها العسكريين ولتبدأ حملة منظمة لقتل كل من شارك في عملية بيت ليد.
اغتيال الشقاقي
11:11 وفي السادس والعشرين من تشرين الاول/أكتوبر من العام 1995 اغتال الموساد الاسرائيلي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي في جزيرة مالطا حيث كان عائدا من وساطة لدى الرئيس الليبي معمر القذافي الذي كان قد أمر بطرد الفلسطينيين من ليبيا.
مسلسل الاغتيالات استمر واغتالت السلطة الفلسطينية أيضا اثنين من المشاركين في العملية وهما الشهيد عمار الأعرج والشهيد ايمن الرزاينة عندما أطلقت عليهما النار قبل موعد الإفطار في شهر رمضان المبارك وليتم كشف الخبير الأول في إعداد المتفجرات في الحركة المهندس محمد الزطمة الذي اعتقل لعدة سنوات في سجون السلطة قبل أن يفرج عنه مع بداية انتفاضة الأقصى وليضم اسمه إلى قائمة الاغتيالات التي نشرتها الصحف العبرية. وطالت عملية الاعتقال أيضا اثنين من المشاركين وهما نضال البرعي والمجاهد عبد الحليم البلبيسي اللذين اعتقلا في عمليات خاصة.
انتفاضة الاقصى
مع بداية الانتفاضة كان الجهاز العسكري للجهاد الإسلامي قد تعرض لضربات مؤلمة أدت إلى انهياره بفعل عمليات الاغتيال والاعتقالات من قبل الأجهزة الامنية الصهيونية والفلسطينية، إلا أن المد الجماهيري للانتفاضة الحالية وخروج عدد من المجاهدين من سجون السلطة وسعي الحركة لاعادة بناء قوتها العسكرية عجل من إنشاء جهاز عسكري جديد ولكن تحت مسمى "سرايا القدس"، فتوجت انطلاقتها بالعملية الاستشهادية التي نفذها المجاهد نبيل العرعير من حي الشجاعية والذي جاء إلى الموقع العسكري مستقلا دراجة هوائية.
وأعلنت سرايا القدس في بيان لها أنها قتلت أربعة صهاينة واصابت ثمانية حسب شهود عيان لتكون بداية سلسلة من العمليات إلاستشهادية التي تواصلت على أيدي المجاهدين من الجهاد الإسلامي.
"سرايا القدس" نقلت المعركة الى العمق الامني للكيان الارهابي وفجرت سيارة مفخخة داخل مدينة القدس المحتلة لتقتل ابنة اكبر المتطرفين الصهاينة وجنديا آخر كان يرافقها، وتمكن المجاهدون من العودة لقواعدهم.
ونفذت السرايا مجموعة من العمليات الاستشهادية أبرزها التي نفذها المجاهد نضال أبو شادوف في عمق "تل أبيب" وعملية حيفا التي نفذها الاستشهادي محمد نصر الحارس الشخصي للشهيد أياد الحردان الذي اغتيل على يد المخابرات الصهيونية خلال الانتفاضة.
وتميزت عمليات السرايا بوصولها إلى عمق لم يصل إليه المقاومون من قبل وتركز انطلاقها من الضفة الغربية وبالتحديد من مدينة جنين التي يعتبرها العدو معقل حركة الجهاد لخروج جميع الاستشهاديين من الجهاد منها باستثناء عبد الفتاح راشد الذي خرج من طولكرم المجاورة. وقد قام الاحتلال بحملة اغتيالات واسعة في صفوف سرايا القدس طالت من قطاع غزة الشهيد محمد عبد العال في حين استهدفت مجموعة كبيرة في الضفة كان أبرزهم الشهيد محمد بشارات الذي اغتيل مع اثنين من رفاقه في طولكرم، كما طالت في جنين أربعة من كوادر السرايا بينهم اسعد دقة المسؤول عنها في شمال الضفة ووائل عساف، وتنسب إليهما تنفيذ عملية في غور الأردن أدت إلى مقتل ثلاثة صهاينة.
حرب الاحتلال ضد "سرايا القدس" لم تنته، وهي اذ تصر على الاستمرار في جهادها بالتنسيق مع الفصائل كافة، فإن اعضاءها وكوادرها يتعرضون للملاحقة والاعتقال من قبل السلطة الفلسطينية حيث يقبع في سجونها عدد من ابطالها حتى اليوم، لكن حرص المجاهدين على عدم فتح جبهات أخرى غير جبهة العدو أبعد احتمالات الصدام.
تعليق