إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دراسة أمنية " المجاهد امام التحقيق والتعذيب "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دراسة أمنية " المجاهد امام التحقيق والتعذيب "

    المجاهد أمام التحقيق والتعذيب

    [bdr][/bdr]

    مدخل عام

    تتسم الحرب التي يخوضها المجاهدون الإسلاميون في فلسطين ضد العدو اليهودي الصهيوني بسمة الحرب الضروس التي لا ترحم. فهي نابعة أصلا من الصراع العقدي الذي شرع من أجل تصفية الإسلام والقضاء على دولته، كما هي نابعة من اغتصاب الأرض المباركة، والعمل على تهويدها. مما يهدف إلى القضاء على الوجود الإسلامي البشري والمؤسسي فيها، وعلى مختلف مظاهر هويتها الحضارية ـ الثقافية ـ الإسلامية. وهذا ما يؤكده تاريخ الغزوة الغربية ـ الصهيونية التي تعرضت لها فلسطين منذ تحطيم دولة الخلافة العثمانية (اجتياح دار الإسلام بالجيوش البريطانية والفرنسية) ، وقد نجم عن ذلك تمزيق ديار الإسلام شر ممزق وفق خطة سايكس بيكو ومؤتمر باريس. وقدا جاء ضمن هذا السياق اعلان وعد بلفور واحتلال القوات البريطانية أرض فلسطين ، واندفاع الهجرة اليهودية. وبدأ تأسيس القوة العسكرية الصهيونية الضاربة. وقد وصل هذا المسار ذروته باقامة دولة « اسرائيل » عام 1367 هـ، الموافق عام 1948 م، ثم إكمال التوسع في حزيران عام 1387هـ ، الموافق 1967م. لقد عج هذا التاريخ بالحروب الدموية والمذابح والمجازر ، فالعدو اليهودي مضى بمشروعه ، دون تردد أو إحجام. وقد راح يضرب ، بلا رحمة ضربا في العظم. فهو شديد التصميم في قهر شوكة المسلمين، وهو شديد الحزم فيما يشن من حرب ، فلا يتردد في القتال والقتل ، أو في تعذيب ، أو تنكيل. ولا يبالي إنزال سيفه برقاب مقاتلين مقاومين، أم برقاب آمنين مسالمين ، أم برقاب الاطفال والنساء والشيوخ فرادى وجماعات.أنها الحرب الضروس يشنها لتحطم معنويات الأمة، وتنشر الخور واليأس في صفوفها، توقع الرهبة في قلوبها. وما تمزيق اجساد الشهداء المجاهدين الثلاثة في ليماسول ابو حسن «محمد بحيص» وحمدي «باسم سلطان» ومروان الكيالي الا رسالة يوجهها الموساد الإسرائيلي الى المجاهدين بأن هذا مصير كل من يعمل للجهاد في فلسطين ، مما يؤكد على حزم العدو في محاربة النهوض الاسلامي، وما يشن من حرب الضروس ضد الامة.
    ومن هنا لا مجال لحمل الأوهام حول موقف العدو من الإسلام أو الامة أو الارض الإسلامية في فلسطين ، ولا مجال لتصوره محاورا بمنطق واعتدال ، أو مستعدا لاقتسام الأرض والقبول بانصاف الحلول، ولا مكان لتصور الحرب معه الا ضروسا لا ترحم فاذا لم نرتفع بوعينا الى مستوى إدراك حقيقة هذا العدو إدراكا صحيحا وعميقا ، واذا لم نرتفع بعزيمتنا وتصميمنا الى المستويات التي فرضها في مواجهته لنا ، واذا لم نخض حربنا حربا ضروسا لا ترحم فسنجد أنفسنا أمامه مهزومين ،فترددنا لا يصون عقيدة ولا يحقن دماء ، ولا ينفذ مقدسات وأرضا ،ولا ينجي نساء واطفالا ، ولا يحمي أموالا وعرضا ولا يمنع سجنا وتعذيبا، ولا يجنب إبعادا وتهجيرا. إنها حرب الابادة شنت على عقيدة الاسلام، وعلى حضارة الامة الإسلامية ، وأرضها ومقدساتها وانسانها. ولن تنقذ العقيدة والحضارة والامة والارض والمقدسات والإنسان الا اذا قوبلت تلك الحرب برجال ونساء يخوضونها باسم الله، وبالتوكل على الله ،وفي سبيل الله ، فلا يحملون في قلوبهم من عدوهم رهبة ورعبا، ولا يترددون اذا ضربوا ولا تخور عزائهم اذا هزموا ، ولا يركعون لجلادهم اذا اسروا ، ولا يكشفون له اسراهم اذا عذبوا. ولا يظلمون اذا انتصروا.
    إن المواجهة مع عدونا فوق أرضنا المباركة لن تستقيم ما لم يرتفع المجاهدون الى مستوى ذلك التحدي ايمانا وصبرا ومرابطة وقتالا ، ومثابرة وعزما، وهمة وحصافة ، وذكاء ومكرا ، ويقظة ودهاء. فهذا العدو يقاتلنا عن عقيدة تريد أن تنفي عقيدتنا ،ويقاتلنا عن مطامع في السيطرة تهدف الى الاستيلاء على الأرض كما تهدف الى إذلال الامة واخضاعها وفرض الاستسلام المشين عليها. وهذا العدو يشن في سبيل ذلك حربا قاسية تضرب في العظم، وفي القلب ، والروح ، ولا تتردد. ولهذا فان من غير الممكن مواجهته الا بايمان متعاظم يحمي العقيدة ويذود عنها ، وبصبر جميل لا يناله قنوط من رحمة الله ، وبمرابطة في سبيل الله في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس حتى تقوم الساعة وبمثابرة على مواجهة العدو لا تنقطع مهما طال الزمن ، وبعزم على الجهاد مهما اشتدت المصاعب ، وعظمت التضحيات ، وبهمة تعكف على العمل المتواصل اليومي لا تكل وان كثرت المثبطات والمنغصات ، وبحصافة في معالجة المشكلات الداخلية تجنب الاخطاء والنزاعات، وتفرقة الصفوف ، وبذكاء ينزل الضربات بالعدو من حيث لا يحتسب ، وبقتال لا يعرف من هذا الحق هوادة ولا أحجاما، وبمكر يلقف ما يمكرون ،ودهاء يبطل ما يدّبرون .انه الارتفاع الى مستوى الحرب التي يشنها علينا عدونا في كل المجالات والمستويات. فالعدو حين أنزل بالامة عدة هزائم واستطاع أن يحقق من مشروعه قدرا ليس باليسير لم يفعل ذلك بسبب تفوقه العسكري والمادي فحسب ،وانما ايضا بسبب تصميمه على قتالنا تصميما فاق تصميمنا على قتاله، وقس على ذلك كثيرا من مجالات الصراع. لهذا آن الاوان أن ندرك طبيعة الحرب التي بيننا وبين عدونا، وآن الاوان أن نرتفع بوعينا وعملنا الى المستويات التي تتطلبها مختلف مجالات هذه الحرب.
    ستتناول هذه المقالة مستوى من مستويات تلك الحرب ألا وهو مواجهة المجاهد لهذا العدو وإذا يؤسر ويتعرض للتحقيق والتعذيب ويصمم العدو على انتزاع الاعتراف منه وجعله يقدم كل ما في جعبته من معلومات عن إخوانه المجاهدين وعملهم الجهادي في سبيل الله.
    المعركة مستمرة بعد الأسر

    لعل من المشروع أن يسأل بادئ ذي بدء ، كيف يجوز أن توضع حالة المواجهة بين المجاهد والعدو الصهيوني في سياق الحرب الضروس بعد أن يكون المجاهد قد وقع في الأسر جريحا، أو إثر اعتقال مفاجئ ، او بعد نفاذ ذخيرته، وهي حالة لا تنطبق عليها سمة المواجهة القتالية. فالمجاهد هنا بلا سلاح ، راسفا بالاغلال، ومحاطا بأسوار السجن وقضبانه، ولا قدرة له على قتال عدوه ولا قتله؟ حقا أن المواجهة القتالية بالمعنى الحرفي للقتال لا تنطبق على حالة الأسر والوقوع تحت التحقيق. ولكنها بالمعنى الأعم ، ومن حيث الجوهر ، لا تكون قد انتهت بين العدو والمجاهد الأسير، بل تكون دخلت مرحلة جديدة أشد ضراوة وخطورة من مرحلتها حين كان المجاهد يحمل سلاحه، ويقاتل من بين صفوف اخوانه. أما أول دليل على ذلك فهو موقف العدو نفسه الذي يجعل من مسألة انتزاع الاعترافات من المجاهد هدفا اساسيا أهم من حياة المجاهد ، فيعذبه في سبيل الحصول عليها تعذيبا شديدا ويبذل من أجل الوصول اليها اقصى الجهود حتى لو اقتضى ذلك أن يرهق في متابعة التحقيق معه ليل نهار، أو يتعب وهو يضربه ويضيق ذرعا وهو يحاوره. فالعدو قادر على أن يقتل أسيره في لحظة واحدة فيريح ويستريح. ولكنه لا يفعل ذلك لأن ما في صدر الأسير من معلومات أهم بكثير من حياته التي لا تساوي في عين العدو ثمن رصاصة. وهو لهذا يواصل بعد الأسر الحرب الطاحنة التي قاتل فيها في معركة المواجهة المكشوفة. وقد يرتفع في حربه تلك الى مستوى أشد وأعنف من الحالة السابقة. لأن كسب هذه المعركة تعني بالنسبة اليه كسب عدد من معارك المواجهة المحتملة بضربة واحدة، وبلا خسارة في المعنويات والماديات والأنفس. لأن بقاء ما في صدر المجاهد الأسير في طي الكتمان يعني بقاء عدد من المجاهدين في الخارج لا يعلم بهم العدو ، ومن ثم سوف يتعرضون له في معارك مواجهة قادمة قد تكون خطيرة جدا وقد تكلفه الكثير الكثير في معنوياته ورجاله وأمواله وممتلكاته. ولهذا يريد أن ينتزع الاعتراف من المجاهد حتى يضع يده على اولئك المجاهدين وما قد يكون هنالك من سلاح. وبهذا يحبط ، سلفا ، ما يعد من عمليات جهادية سيقومون بها ، بل قد يحبط عمليات مجاهدين آخرين لا يعرفهم الأسير حين يجئ بما يعرف من مجاهدين. لأن هؤلاء قد يعرفون أكثر مما يعرف. ومن هنا عندما يسوقهم الى الاعتقال ويتعرضون بدورهم الى التحقيق والتعذيب لانتزاع ما في صدورهم من معلومات حول الجهاد والمجاهدين في داخل الأرض المحتلة وخارجها يعرض بعضهم للضعف والانهيار فيسوقون غيرهم الى الاعتقال وبهذا يكون ذلك المجاهد قاد الى أكثر مما يعرف.
    من هنا كانت هذه المواجهة أخطر وأشد أهمية من المواجهة في المعركة، هي كذلك لا بالنسبة الى العدو فحسب ، وانما ايضا، بالنسبة الى العمل الجهادي في سبيل الله. الأمر الذي يتطلب من المجاهد اذ يقع في الأسر أن يعي ، بأعمق ما يكون الوعي ، خطورة المعركة التي تدور بينه وبين عدوة الصهيوني في هذه الحالة.

    الاصل هو الصبر على التعذيب

    لعل نظرة سريعة الى تجربة الكفاح المسلح الذي خاضته فصائل الثورة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني في خلال العشرين سنة الماضية تكشف عن كوارث كثيرة نزلت بذلك الكفاح نتيجة الاعترافات التي انتزعها العدو الصهيوني من كثير من الاسرى في أثناء التحقيق، فمئات الخلايا وآلاف المناضلين وكميات ضخمة من الاسلحة والمعدات الى جانب عدد من طرق التسلل ، أو تمرير السلاح سلم للعدو من خلال تلك الاعترافات. وتكفي نظرة سريعة الى كل ذلك حتى يدرك المرء كم خسر الكفاح المسلح وكم كسب العدو من جراء الانهيار أمام المحقق. ولن يكون الأمر مختلفا بالنسبة الى العمل الجهادي الإسلامي اذا لم يوطن المجاهدون، بأغلبيتهم، أنفسهم على الامتناع عن الادلاء بالاعترافات في ظل التحقيق والتعذيب، ويكون امتناعا مهما كلف الامر، ومهما اشتد وطيس المواجهة أي مهما بلغ التعذيب شدة وقوة ـ حتى لو بلغ حد القتل ، أو التشويه ، أو تعطيل بعض أجزاء البدن، أو الشلل، ومهما بلغ مكر المحقق في براعته حتى لو امتلك المعلومات واستطاع أن يحرج الأسير بمعلوماته أشد الاحراج. فالصمود في هذه المعركة أهم من الصمود في معركة قتالية من حيث آثار ذلك على نتائج الحرب بين المجاهدين والعدو. ولهذا للمجاهد حين يصمد في هذه المعركة أجر المقاتل أو يزيد، فالمجاهد في حالة المعركة القتالية يكون بين اخوانه ، فيستمد منهم الشجاعة ، ويكون السلاح بيده يستطيع أن يفتك بالعدو، وسيكون أمامه القتل الذي قد يأتي سريعا ودون أن يحسه أو يفكر فيه. ولكنه في حالة المواجه امامه من فرار يكر بعده ، ولا فئة ينحاز اليها لكر جديد. وهي من هذه الزاوية معركة غير متكافئة اطلاقا. ولا يجعلها متكافئة الا اتكال المجاهد على الله، والاستعانة به ، والايمان بان الله تبارك وتعالى معه قادر على نصره في تحمل العذاب وهو يواجه عدوه منفردا. ثم الانطلاق من هذه المقومات الى امتلاك الوعي العميق بخطورة الاعتراف، وما يجر من ويلات على المجاهدين ، كما بأهمية عدم الاعتراف وما سيجر من نصر الله وكوارث على العدو، ومن ثم تحويل هذا الوعي الى قناعة ايمانية لا تقبل تراجعا أو ارتدادا حتى القتل ، عندئذ لا يقع التكافؤ فحسب وانما ايضا يقع تفوق المؤمن المجاهد على عدوه حتى وهو في أسره وتحت سياطه وبين براثنه. ومن هنا بشّر الرسول عليه الصلاة والسلام آل ياسر وهم تحت التعذيب بالجنة. ولم يكون صمود آل ياسر على الايمان الا رفعا لكلمة الله وشأن الإسلام.فكيف يكن الأمر حين يحمل الاستشهاد تحت التعذيب ما يزيد على ذلك ، فلا يعترف على سلاح أو مجاهدين أي حين يكون فيه إنقاذ للعاملين في سبيل الله وحماية العمل الجهادي. فالأجر سيكون عند الله في هذه الحالة، عظيما ، واذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم عذر ياسر حين اضطر بعد أن اشتد عليه التعذيب فرضخ لمعذبيه، وقلبه عامر بالايمان، الا أن الأصل في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام كان «صبرا آل ياسر موعدكم الجنة». ولهذا من الخطأ أن يترك هذا الأصل الذي استشهدت عليه والدة ياسر، أول شهيدة في الاسلام، وهي تسمع كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم «صبرا آل ياسر موعدكم الجنة» ولا يؤخذ الا بالرخصة التي أعطاها رسول الله صلى عليه وسلم لياسر حين اضطر على النطق بكلمة الكفر حتى يرفع عنه التعذيب. أي أن الموقف الأصل هو الصمود حتى الاستشهاد أي الصبر حتى يكون الموعد الجنة. ويؤكد هذا الأصل ما رواه البخاري عن خباب بن الارث انه قال : «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة ، فقلت يا رسول الله : الا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر الوجه ، فقال: لقد كان قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه. وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخاف الا الله».
    ان سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه تعج بما تعرضوا له من الايذاء والتعذيب فمنهم من عمى ومنهم من قتل تحت التعذيب وما بدلوا تبديلا ، ويقول الله تعالى: « الم أحسب الناس أن يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين» (العنكبوت : 1،2) وقوله عز من قائل «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين» (آل عمران : 143).
    ان التأمل بكل آيات الله التي تحث على الجهاد والصبر تؤكد ان الأصل هو الصمود ومواجهة كل الشدائد مهما كان الايذاء أو التعذيب أو شدة القتال، فالصبر لا يحمل معناه كاملا الا بوجود شدة وأذى ، وجهاد الاعداء هو جهاد في كل حالات موازين القوى سواء أكان المجاهدون قلة يتخطفهم الناس ولا يملكون سلاحا وكان العدو متفوقا في السلاح وكان طاغياً عاتياً مجرما، أو كان الأمر في توازن رجراج من حيث القوى المادية. أو كان المجاهدون متفوقين. أما اذى الاعداء فلا يقتصر على الايذاء المعنوي والارهاب النفسي وانما يمتد الى الاهانة وجرح الكرامة ثم الى التعذيب الجسدي. واذا كان الصبر على كل ألوان الايذاء هو الأصل من أجل حفظ العقيدة ونصرة الدين ، فان الأمر يصبح أشد خطورة حين يتضمن التراجع أمام التعذيب اعترافا على مجاهدين أو على سلاح أعد للجهاد في سبيل الله. لأن التراجع هنا لا يقع وزره على المعني بالذات فحسب ، ولا يقتصر على التنكر للايمان باللسان فحسب ، وانما يتسبب ايضا بايذاء مجاهدين آخرين وربما بقتلهم وبانزال الخسارة بعدة الجهاد وعتاده. لذلك فان الصمود في هذه الحالة يصبح أشد إلزاما من الصمود حين يقتصر الأمر على كلمة يقولها المؤمن كما كان الحال مع آل ياسر ، فعمار حين لم يطق العذاب في نهاية الأمر لم يفعل ذلك من اللحظة الأولى وانما بعد أن حاول، وحاول وحاول ، وعندما تراجع لم يعن المشركين على المسلمين بتقديم اعترافات ، أو تسليم سلاح ، وانما اقتصر الأمر على قول قاله وهو مؤمن، ولولا أن رخص له الرسول صلى الله عليه وسلم لعد نفسه من الهالكين. فكيف حين الأمر تسليم غيره للعذاب وحرمان المجاهدين من سلاح هام بأمس الحاجة اليه.

    أهمية عدم الادلاء باعترافات

    يمكن للمرء أن يقطع بالقول على ضوء ظروف الجهاد في فلسطين ، وعلى ضوء تجربة الكفاح المسلح الذي خاضته فصائل الثورة الفلسطينية ، ان من الضروري أن تتوفر في المجاهد قناعة راسخة ووعي عميق عظيم على عدم الاعتراف للعدو عن المجاهدين والسلاح ، كما أن من الضروري أن يصبح الصمود تحت التعذيب أصلا وشائعا ، واذا ما حققت هاتان الضرورتان فسيكون من شأنهما أن يدفعا بالجهاد خطوات الى أمام ، ويجعلا من الممكن أن يثبت الجهاد الإسلامي جدارته في مقارعة العدو الصهيوني. وبهذا يصبح في المستطاع أت تعلو راية الجهاد في فلسطين وهي الراية التي طالما تاقت الملايين المسلمة الى رؤيتها خفاقة ورفرافة. أما النكوص عن هذا الموقف تحت التعذيب فرارا بجلدك من الألم والايذاء أو فرار بحياتك من القتل فمن شأنه أن يلحق بالجهاد والمجاهدين أشد الأضرار. لأنه يقدم للعدو معلومات عن المجاهدين وعدتهم توقعهم بين فكيه لقما سائغة ، موفرا عليه خسائر فادحة كانت ستلحق به لو بقي اولئك المجاهدون وعدتهم طلقاء يحضرون لعملياتهم الجهادية.
    على المجاهد أن يدرك أن العدو يستفيد مما يحصل عليه من معلومات من أجل ضرب الجهاد والمجاهدين. فمهما كانت المعلومات ضئيلة فيستخدمها في هذا السبيل لأن معرفة طريق العبور أو طرق الاتصال، أو كيفية تخزين السلاح، أو نقله أو الحصول عليه، كما أن أية معلومات تعطى عن العاملين في الجهاد خارج فلسطين سيعرض المجاهدين لملاحقة بعض الأنظمة العربية والدولية، وقد يعرضهم للاغتيال ،كما حدث للاخوة الشهداء القادة الثلاثة في ليماسول. ولهذا يجب أن يكون شعارنا ابقاء عدونا في الظلام حول كل تلك المعلومات، وكلما نجحنا في ذلك كلما تفوقنا عليه وأنزلنا به الضربات من حيث لا يحتسب . وان ادراك هذه المسائل إدراكاً عميقا من جانب المجاهد الاسير يفترض أن يدفعه الى اقتناع تماما بان حماية العمل الجهادي والمجاهدين في الداخل والخارج وابقاء العدو في الظلام يستاهل ان يقدم في سبيلها كل تضحية بما في ذلك تحمل أشد ألوان العذاب او المواجهة القتل.
    اما من جهة أخرى فان تقديم المعلومات للعدو يلحق أضرارا أخرى بالمجاهدين وقضية الجهاد، غير تلك التي مر ذكرها. لأن الاعتراف بضعف ثقة الشعب بهم حين يراهم يعترفون على بعضهم بعضا وقد يمتنع الناس عن مساعدتهم وايوائهم بسبب تحسبهم من الاعتراف عليهم كما سيضعف الاعتراف ثقة الذين يمكن أن يصبحوا من المجاهدين مما يمنعهم من الانخراط في صفوف الجهاد حين يروا لا أمان عليهم من الاعتراف. ولهذا ينبغي للمجاهد أن يلم بكل هذه الحيثيات حتى يوطِّن نفسه على الصمود وعدم الاعتراف. فلا يخشى من القتل تحت التعذيب مدركا انه بذلك سيترك وراءه في الحالتين ، إن نجا أو استشهد، قدوة لغيرة تشجع على الصمود تحت العذاب، وعلى الصبر والثبات ، وتحث الشعب على دعم المجاهدين وتأييدهم ، وتدفع بشبيبة جديدة الى الانخراط في صفوف المجاهدين، كما تترك ذكرا عاطرا يضمخ راية الجهاد باسمى المواقف البطولية التي تليق بجند التي تليق بجند محمد صلى الله عليه وسلم. أن «عودة جند محمد» لن تكون ما لم يكن شعارهم قوله صلى الله عليه وسلم «لقد كان قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظمة من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه». وما لم يفهموا أن كل الآيات القرآنية الكريمة التي تدعو للصبر تنطبق على الصابرين تحت التعذيب.
    انها معركة صبر وصمود ويكفي أن نذكر في هذا الصدد آيات الله تعالى : «ان الله مع الصابرين» (الانفال ، 46)، و«يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم» (فصلت 35)، «ولا يلقاها الا الصابرون» (القصص، 80)، و«الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون» (البقرة، 177)، «… واصبر على ما اصابك ان ذلك عن عزم الامور» (لقمان ، 17)، «فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم اثما او كفورا» (الانسان، 24).
    فالصبر تحت التعذيب دون الادلاء باعترافات تسلم اخوة او سلاحا هو صبر حين البأس وهو امتحان في الصدق والتقوى، وهو من عزم الامور ، وهو صبر لحكم ربك وعدم اطاعة آثم أو كفور. انه الصبر الذي يقود الى الثواب والجنة.

    الفرار من معركة التعذيب

    ويمكن أن يذكر هنا بمعنى الفرار من المعركة القتالية ومدى الشبه بينه وبين الفرار بالجلد من التعذيب. ولعل الفرار هنا أشد وإضرارا احيانا من الفرار في معركة المواجهة القتالية. لأن الفرار هنا لا يحمل شبه التحيز لفئة ، أو لكر جديد ، ما دام قد أوقع بالنفس والمجاهدين وبسلاحهم. وهو يشبه الفرار الذي قد يضعضع صفوف المقاتلين في القتال. لأنه يضعضع الصفوف حين يوقع بغيره من المجاهدين وسلاحهم للعدو. وان المجاهد في فلسطين قد لا يجانب الصواب حين يطبق الآيات الكريمة التي تحرم الفرار من المعركة على حالة الجهاد في فلسطين بما في ذلك حالة مواجهة الأسير للمحقق. وان هذا الفهم يجد مسوغاته في إدراك طبيعة الصراع بيننا وبين هذا العدو. هذا الصراع الذي يحمل طابعا عقديا يمس العقيدة ، وطابعا له علاقة بصراع الامة الإسلامية في مواجهة الغزوة الغربية الاستعمارية فضلا عن بعده المتعلق بالاغتصاب الصهيوني للمسجد الاقصى والأرض المباركة ، أرض الاسراء والمعراج، ومن ثم بعده المتعلق بما تلقاه الأمة من نكال وتهجير على يد هذا العدو الذي علا واستعلى وعاث فسادا في الأرض. ومن هنا يكون الثبات واجبا في حالة القتال كمال في حالة المعركة تحت التعذيب. فحربنا معه تحمل طابع التمسك بالعقيدة ونصرة الدين وتحمل أبعادا لها علاقة باعلاء راية الجهاد وتمكينها وانتصارها، كما يحمل أبعادا لها علاقة بتحرير الأرض المباركة بنصرة معركة الامة على مستوى الصراع العالمي الذي يدور بين الاسلام واعدائه.
    يقول تعالى: «يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله لعلكم تفلحون» (الانفال ، 45)، «يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين» (آل عمران ، 149)، .. «ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسؤولا ، قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل، واذاً لا تمتعون الا قليلا» (الاحزاب 15،16)…
    ويقول جل من قائل « ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ، ولقد عفا الله عنهم ، ان الله غفور رحيم..» (آل عمران ، 155)، «انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين » (آل عمران ، 175).
    لعل الحكمة الالهية من وراء هذا الحكم الصارم على من يفر بجلده حين يلتقي الجمعان تحمل ، فيما تحمل من اسباب ، سببا هاما ينبع من خطورة الفرار في تلك الحالة لما يتضمنه من زعزعة لصفوف المجاهدين ، ولما يتضمنه من مكاسب للعدو عسكرية ومعنوية ومن مخاسر للمسلمين عسكرية ومعنوية. وهذا ما ينطبق تماما على حالة المجاهد في التحقيق ولهذا يجدر بالمجاهد أن يعتبر وصوله الى الزنزانات ورسوفه بالقيد ووقوعه تحت التعذيب أن هو الا استمرار المعركة القتال والمواجهة بأشكال وأساليب أخرى. فالمعركة لا تنتهي بأسره ولا تنتهي بسجنه ولا تنتهي في أقبية التعذيب. ان الحرب مع عدونا مستمرة في ساحة القتال وفي المنافي وفي السجون والزنزانات وفي أقبية التعذيب وهي في كل الحالات تحمل روح الإسلام في مواجهة اعدائه. فيكون من الضروري أن يثبت المجاهد ويذكر الله كثيرا حين يلقى عدوه تحت التعذيب ويأبى ان ينقلب خاسرا ان هو أطاع الذين كفروا. فلا يولي الأدبار أو يفر من الموت أو القتل وقد عاهد الله وكان عهد الله مسؤولا. فعلى المجاهد الا يخاف من الشيطان الذي يعذبه وانما يخاف الله ان كان مؤمنا وبهذا يسطر المجاهد آيات من البطولة الإسلامية في هذا العصر ويكون جديرا باللقب المشرف «جندي من جند محمد».

    هل الصمود تحت التعذيب ممكن؟

    يتمثل جوهر عملية التحقيق والتعذيب في وضع ضغط نفسي وجسدي ونصب شراك ومصائد بقصد تحطيم ارادة المجاهد وخداعه لاجباره على الاستسلام لعدوه وتسليم ما لديه من معلومات. ويتمثل جوهر الصمود في احتمال كل ألوان الضغوط النفسية والجسدية وعدم الوقوع في الخداع والشراك والمصائد، والتصميم على عدم الاعتراف حتى آخر نفس. ومن ثم فهو صراع ارادات. وارادتك لا تقهر الا برضاك أي بقرار من عقلك وقلبك. ففي القتال تقتل عموما بالرغم منك لا بقرار منك لأن رصاصة أو شظية تأتيك من حيث لا تحتسب. اما في التحقيق فانت قادر على عدم الاعتراف حتى موت الجسد وهو أقصى مدى يمكن أن يصله التعذيب. واذا كانت هذه هي طبيعة هذا الطراز من المعركة أي يتحقق فيها النصر أو الهزيمة من خلال الارادة لا من خلال التفوق العسكري والمادي ، فانك حين تمتك ارادتك المعبأة ايمانا بالله واستعدادا لملاقاة وجه ربك شهيدا والمعززة وعيا بأساليب العدو الارهابية والخداعية والاغرائية والماكرة فانك قادر على الانتصار وإن تفوق عليك بما يمتلك من جند وسلاح وقدرة مادية، ففقدانك للحياة هنا دون الادلاء باعترافات يعني انتصارك وهزيمة عدوك الذي يرى انتصاره وهزيمته في هذه الحالة بنزع الاعترافات منك أو عدم نزعها.
    قد يقول قائل لنسلم بكل ما ورد أعلاه من حيث وجود الصمود تحت التعذيب والصبر على الآلام والاستعداد للقتل على يد الجلاد ولنسلم بان الاعتراف على مجاهدين آخرين ليسوقهم العدو بدورهم الى اقبية التعذيب ويستولي على اسلحتهم وربما فاجأهم في مأمنهم وقتلهم أمر كالفرار ، نكوصا وهروبا، يوم يلتقي الجمعان لا ينبغي للمجاهد أن يقدم عليه ، ويحق بأن يتحمل في سبيل ذلك ألوان العذاب لأن في الاعتراف إضرارا بالجهاد والمجاهدين وإلحاق الخسائر العسكرية بالمسلمين. كما انه عون للعدو يحقق له مكاسب عسكرية. كما أن في الاعتراف اساءة معنوية للجهاد والمجاهدين حيث تنفر حياله عيون الاعداء شماتة وفرحا وانتصارا وتغض عيون المسلمين ألما وحسرة وانكسارا ـ فالسؤال الآن لو سلمنا بكل ذلك ، فهل من الممكن أن يصمد المرء في التعذيب ولا يعترف؟ الجواب حاضر بالايجاب من خلال أمثلة صمود عظيمة سطرها عدد من المجاهدين الاسلاميين ضد العدو الصهيوني كما أن هنالك أمثلة من الصمود سطرها عدد من المناضلين في صفوف الثورة الفلسطينية ، وان لم تكن هذه الأمثلة مثيرة الا انها قائمة وهي شاهدة على القدرة الفائقة على احتمال التعذيب وامتلاك الارادة الحديدية التي لا تفل تحت النكال. ان وجود أمثلة ولو قليلة جدا، على الصمود يسمح لنا أن نطالب بتعميم تلك الحالة وتعبئة القوى المجاهدة بالقناعة والثابتة بامكان الصمود والثبات ، وذلك من أجل أن يصبح الصمود في الحالة الإسلامية هو الأصل والعام ويصبح الانهيار والاعتراف هما الشذوذ والندرة. والا ما معنى أن نؤمن بان الله معنا وهو ناصر من ينصره، وما معنى أن نشري الآخرة ونعجل الخطى اليها بلحوم اخواننا وبسمعة جهادنا وقوته، ، وما معنى أن تقول «جند محمد سوف يعود» ولا نثبت فيوجه العدو بارادة لا تلين امام ارهابه ولا تخضع لعذابه. وما معنى أن نقول ان الإسلام خير من أفكار العلمانية اذا لم يسلحنا الإسلام بشجاعة تفوق شجاعة العلمانيين، ويمنحنا صبرا يفوق صبر الصابرين، وزهدا في الحياة في سبيل مرضاة الله كما هو شأن المحسنين المتقين. وكيف يمكن أن نزعزع أركان العلو اليهودي في إسرائيل اذا لم يبصق المسلم المجاهد أسنانه ودمه ، وهو مكبل وتحت السياط، في وجه عدوه؟ وكيف يمكن أن نخلع قلوب الاعداء رعبا من الإسلام والمسلمين في هذه العصر ، اذا لم يجدوا فينا طلابا للشهادة في المعارك كما في موقعة التعذيب؟ وكيف يمكن أن نعيد ثقة الجماهير بحمل راية لا اله الا الله ان لم ننتصر على عدونا في الصمود والصبر في الأسر كما ننتصر عليه بالاقدام الاستشهادي في المعارك والمواجهة. فالمجاهد الذي يتحلى بعقيدة الإسلام وتعاليمه ويدرك متطلبات هذا العصر ، هذا المسلم لا تقهره سياط المحقق الإسرائيلي ولا آلات تعذيبه وأساليبه في تحطيم الارادة. ولا يضعفه الحرمان من النوم ولا الشبح، ولا الجلد ، ولا الكي بالنار ، او بالكهرباء ، ولا الاهانة، أو التهديد بالاعتداء على العرض ، انه اذا تحلى بروح الشهادة في سبيل الله فلن يسأل تحت التعذيب عن أمر من أمور الدنيا غير أن يذهب الى القبر بسره وهذا ما يسمح له أن يصمد ويثبت ولا يولّي فرارا. ويتيح له ، بايمانه، أن يقهر عدوه ويغضبه ويفل ارادته.
    ان الانتصار على العدو تحت التعذيب ممكن تمام الامكان اذا دخل المجاهد المعركة وقد وطّن نفسه على طلب الشهادة لا طلب النجاة بجلده. واذا دخلها وهو مصمم على الانتصار حيا أو قتيلا. اما اذا دخلها مترددا في عزيمته واهنا في ارادته، خائفا من عدوه، طالبا للنجاة بأي سبيل، فلن يستطيع أن يحتمل ترويعا وعذابا ، أو يحبط مكرا وخداعا ، ولن يستطيع أن يحتفظ بسره ولا ببعض سره ابدا. وسينتهي مستسلما أمام جلاده ، يدلي له بأخطر المعلومات التي تهدم بضربة واحدة ما بناه المجاهدون في سبيل الله سنين وشهورا، وما كان واعدا ، بخير كثير في انزال الضربات بالعدو، ورفع راية الجهاد عالية خفاقة فوق ربوع فلسطين.
    ومن هنا لا بد من أن يتسلح المجاهد بوعي اسلامي عميق ينبهه الى خطورة الادلاء بمعلومات للعدو الكافر كما الى خطورة الاضرار التي تلحق ، نتيجة ذلك ، بالجهاد والمجاهدين في سبيل الله. فاذا كان الأصل في الموقف الشرعي من هذا الأمر هو كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم «صبرا آل ياسر موعدكم الجنة» و «كان من قبلكم من يمشطون بمشاط الحديد»، في حالة التعذيب من أجل التخلي عن الدين ، فان الموقف الشرعي يصبح أشد تطلبا للصبر والصمود تحت التعذيب حين يتعلق الأمر بسوق مجاهدين آخرين الى أقبية التعذيب والسجن أو الموت، والاضرار بالجهاد معنويا وماديا. أي حين لا يقتصر وقوع الضرر على المتراجع نفسه وانما يتسع ليشمل مجاهدين آخرين وقضية الجهاد عموما. ولهذا لابد من أن يدخل المجاهد معركة التحقيق وهو موطن النفس على تحمل كل ألوان العذاب مهما طال الزمن واشتد البأس ، ولو بلغت القلوب الخناجر ، ولو وصل الأمر الى فقدان بعض أعضاء الحبس أو القتل . واذا ما توفر هذا الشرط النابع من نية الجهاد في سبيل الله ، والمعزز بالاتكال على الله ، وبالشعور الدائم بان الله تعالى وتبارك معه ، والشوق الى الاستشهاد لاعلاء كلمة الله عز وجل ، فسوف يصبح بالامكان اجتياز هذا الامتحان الصعب ، بل هذا الابتلاء ، وهذه الفتنة بما يرضي الله ، ويعزز الجهاد ، ويرفع من مكانة المسلمين ويعلي قدرهم ،ويكيد الاعداء ويغيظهم ويرعبهم ويجعل ما يريدون في خسران.
    وليتدبر المجاهد بقوله تبارك وتعالى : «اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون» (المائدة،3 ). «وليربط على قلوبكم وثبت به الاقدام»(الانفال ، 11) و «اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا..»(الانفال ، 12)، «… يقولون هل لنا من الامر من شيء قل ان الامر كله لله..» (آل عمران ، 154).
    فاذا كان قرارا الصمود تحت التعذيب حتى الاستشهاد يتخذ اتكالا على الله تعالى ، وجهادا في سبيله، وهذا هو الشرط الاول الحاسم في انتصار المجاهد على جلاديه الصهاينة في الامتناع عن الادلاء باعترافات توصلهم الى القبض على مجاهدين آخرين او الى مخابئ السلاح ، ولو قطعة سلاح واحدة، فان هذا الشرط بحاجة الى ان يعزز بمعرفة ما تتضمنه عملية التحقيق والتعذيب من وسائل مكر وايهام وايقاع حتى يكون مكر المؤمنين أقوى من مكر الاعداء الكافرين المجرمين وتكون بصيرتهم في فهم سمات هذه المعركة معززة لا يمانهم وتصميمهم على الصمود.

    الحرب النفسية:
    يبدأ التحقيق عادة بشن حرب نفسيه على المجاهد بقصد افقاده كل ثقة بالله تعالى وبنفسه واخوانه وبالجهاد ، وجعله يتصور أن عدوه يملك كل قدرة، ويعرف كل شيء عنه واخوانه. فالمعركة تبدأ من هنا قبل أن تبدأ بالضرب والتعذيب والتنكيل. فالمطلوب أن يخاف المجاهد من جلاديه أكثر مما يخاف الله تعالى وتبارك، فيدب خوفهم في قلبه ليقوده الى حيث يشاؤون. أي ليقوده خوفه منهم الى أن يضع بين ايديهم كل ما بصدره من معلومات تلحق أشد الاضرار وباخوانه وبالجهاد وبقضية الإسلام. ويصل العدو الى هذه النتيجة من خلال ايهام المجاهد بأن بمقدوره أن يفعل به كل شيء، وان لاحول له ولا قوة، ولا منقذ له ولا معين. فهو أعزل من السلاح وعدوه يقعقع به من حوله ، وهو معزول وحيد مصفد والعدو وكثرة كاثرة ويده مطلقة. ولهذا لا بد من ان يتذكر المجاهد أن العقيدة السليمة تقضي أول ما تقضي أن يخاف المؤمن من الله الواحد الأحد ولا يخاف بعد ذلك شيئا والا وقع في شرك ولو بلا قصد وبصورة غير مباشرة. يقول تعالى : «اتخشونهم فالله احق ان تخشوه» (التوبة، 13) و«الذين قال لهم إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل» (آل عمران، 173).
    ولا بد من أن يتذكر المجاهد ان قوة الاعداء قوة حقيرة تافهة امام قوة رب العالمين الذي عليه نتوكل وبه نستعين، يقول تعالى: «قل من رب السموات والارض قل الله ، قل فاتخذتم من دونه اولياء لا يملكون لا نفسهم نفعا ولا ضرا» (الرعد ، 16). فهذا العدو اذا ملك فلا يملك أكثر من أن يؤذي هذا الجلد الفاني. اما الموت والحياة فبيد الله تعالى وغاية المؤمن أن يفني هذا الجسد في سبيل الله جهدا وجهادا، نصبا وتعبا، كدا وشقاء ، ألما وعذابا ، قتلا وقتالا ، يقول الله تعالى قاهر الجبارين : « قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك امرت وانا أول المسلمين» (الانعام، 162-163) ، فاذا آمن المؤمن بكل ما يوحي به الإسلام من مقتضيات الايمان والعلوم على الكفر والشرك، والدنيا فلن يخضع لتهديد ووعيد، ولا عذاب جسد وقرح، وهو لا يخشى العدو وما يفعل ،ولا يخشى الا الله الذي هو أحق ان نخشاه وهو حسبنا ونعم الوكيل. اما الحرب النفسية التي تعتمد المكر والدهاء فلا ينبغي لها أن تجدي شيئا كذلك، فاذا ما ألقى السحرة عصيهم فيلقي موسى عصى الايمان لتلقف ما يأفكون. ويقول جل من قائل: «واوحينا الى موسى ان الق عصاك فاذا هي تلقف ما يأفكون» (الاعراف، 117) ، فالمجاهد الذي يجعل الله معه حقا وحقيقة، وهو يواجه جلاديه لن يستطيعوا ان يقولوا له أو يوهموه انه وحيد معزول لأنه في الأسر مصفد في الاغلال ، ولن يستطيعوا أن يقولوا له «يد الله مغلولة…» ولن يستطيعوا أن يجعلوه يشفق على جسده في سبيل الله أو على أي من أهله وذويه ، اذا كان ثمن الاشفاق اعترافا يريدون. وبهذا تصبح حرب الإسلام في هذا العصر ضد الكفر حربا لا هوادة فيها كما ارادها رب العالمين وكما ارساها على الأرض رسوله الأمين خاتم انبيائه ورسله عليهم سلام الله اجمعين.
    وبهذا ومنذ البداية ينبغي للمجاهد أن يدخل معترك المواجهة في التحقيق دخول المؤمن الذي لا يفقد ثقته بالله ونصره وكرامته ولا يفقد ثقته بقدرته على الصمود وهو يستعين بالله مجيب الدعوات ويجب ان يدخلها وهو شديد الحقد على عدوه حريصا أشد الحرص على عدم الخضوع له وافادته. فلا يسلم للعدو ولحوم المجاهدين واسلحتهم، ولا يلحق الاضرار بقضية الجهاد، أو بكلمات أخرى لا يسمح بكل ما يظهر به العدو من مظاهر القوة والسطوة والقدرة ان يفت من عضده أو يوهن عزيمته ، أو يجعله لعدوه يستكين.

    ثانيا : الأولوية للجهاد:
    ثمة منهجية إسلامية يحتاج اليها المجاهد الذي يلقي الصعاب، ويتعرض للمخاطر والشدائد والمحن أكثر من غيره، كما يحتاج اليها اكثر ممن سواه لما قد يتعرض له من إغراء للتخلي عن قضية الجهاد والقبول بعيش آمن، او آمن ورغيد ، او ربما عرضت عليه السلطة والمكانة في صفوف الطواغيت ، هذه المنهجية هي استخدام معيار ، هو في الحقيقة قد يقوم بمنزلة القاعدة الفقهية ، يعتمد على اعطاء الاولوية في كل المواقف والقرارات لما فيه خير أعم وفائدة أكبر للدين ، ولقضية الجهاد، فعلى سبيل المثال ، أن كان الخيار بين ان تنقذ جلدك من التعذيب فتعترف على اخوانك وتسلم لعدوك ما تعرف من مخزون السلاح المعد للجهاد من جهة وبين التضحية بجلدك ومصالحك الخاصة سواء أكانت تجارة في السوق أو وظيفة او مهنة أم كانت زوجا وأطفالا وأبا وأما من أجل الحفاظ على أمن العمل الجهادي رجالا ونساء وسلاحا ومعلومات، ومن أجل رفع معنويات الامة وزيادة ثقتها بالمجاهدين وقضية الجهاد. وفي سبيل اغاظة العدو وتحطيم معنوياته وانزال أكبر الخسائر به ، فيكون الخيار هو الخيار الثاني، خيار التضحية من أجل ما ذكر من أهداف. وينطبق هذا المعيار ايضا على المجاهدين الذين يضعون العمل والجهد في سبيل قضية الجهاد في سبيل الله فوق كل مصلحة خاصة وذلك كما تعرضوا لظروف تفرض عليهم خيارا بين الامرين. حقا ان الإسلام يقول بالتوازن بين هذه المصالح والجهاد في سبيل الله وبعضها قد يعتبر جهادا. وهو توازن لا بد من مراعاته في الحالات العادية. اما عندما يتعلق هذا الامر بالعلماء والقادة والمسؤولين والكوادر العاملة وتنشأ ظروف تفرض احداث اختلال في هذا التوازن، ولو مؤقتا في مصلحة أحد الطرفين فالى ايهما يكون الانحياز؟ أي هل تغلب مصالح الرزق والمسؤوليات عن الأهل والزوج والصغار على قضية الجهاد في سبيل الله في ظروف معركتنا ضد اعداء الإسلام من يهود صهاينة مجرمين كفرة.هنا لا بد من اختيار الجهاد في سبيل الله معبرا عنه في الجهاد في سبيل الأرض المباركة ومن أجل قضية الإسلام وعزة الامة ونصرة المستضعفين. وهو اختيار لا يحمل عقوقا لوالدين ولا تخليا عن واجب أسري، ولا تنكرا لما يفرضه الإسلام من سعي لرزق من تعول. بل لا بد من ان يعذر المجاهد في ذلك الاختيار لأن القيام بتلك الواجبات لن يكون ممكنا كما يريد الله الا اذا كانت كلمة الله هي العليا. اما اذا كان سيف اعداء الإسلام مسلطا على الرقاب ،وكانت كلمتهم هي التي تتحكم في الاعلام والمدرسة والدولة والسوق والمحاكم وكان لهم العلو في الأرض وكان للمسلين العجز والذلة والهوان، فلن يكون ممكنا رعاية الولد والأهل وتنشئة البنين والبنات ، أو رواج سوق وتجارة ، ونهوض اقتصاد وعلوم ، كما يريد الإسلام. فلا بد من ان يحظى الجهاد لقهر عدونا على كل أولوية لأن في ذلك طريق ايجاد الظروف الملائمة للامة وللاجيال القادمة لترعي كل تلك الواجبات على أتم وجه. أن هذا المعيار الشرعي يجب أن يرسخ في المجاهدين ليحكم منهجيتهم في معالجة مثل تلك الخيارات. ومن هنا لا يخطئ المجاهد تحت التعذيب حين يختار قضية الجهاد وأمن العمل الجهادي واستعادة العزة للامة، على إنقاذ جلده بالرضوخ لما يريد العدو الصهيوني.
    واخيرا في هذا المجال تذكروا قول الله تبارك وتعالى: «قل ان كان آباؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين» (التوبة، 24).

    ثالثا: التعذيب ونظرية حقوق الإنسان
    اذا صدم عدونا بجدار الايمان الذي شعاره «عجلت اليك ربي لترضى» فستبطل الغاية من التعذيب. ويصبح الاستمرار مجلبة لأضرار عليه فهذا العدو يسعى كل جهده الا يظهر بمظهر الذي يمارس التعذيب، بل هو يحاول أن يظهر بمظهر الذي يراعي «حقوق الانسان» وانه لا يمارس التعذيب الا في أضيق نطاق وفي الحالات الاستثنائية. ولهذا يشكل صمود المجاهدين إحراجا لما يريد العدو أن يظهر به ، فهو من جهة يعذب وغايته انتزاع المعلومات والايقاع بالمجاهدين والسلاح والأضرار بقضية الجهاد، وهو ، من جهة اخرى، لا يريد أن يظهر بمظهر الموغل في لحوم المجاهدين ودمائهم، وانما بمظهر المحافظ على «حقوق الانسان» . وهذه مسألة هامة في المعركة الحضارية بين الإسلام والغرب، وميدانها هنا المعركة على أرض فلسطين ، فسهولة الاعتراف وسرعته يجعل العدو يكسب مرتين ، بينما استعصاء الاعتراف يجعله يقع في تناقض شديد. فان أوغل في التعذيب وراح يصعده مستخدما أوحش أشكاله ونجم عن ذلك ضحايا مشوهين أو مقتولين فسيخسر المعركة في بعدها العملي إذ سيصبح الجهاد حصينا قابلا لأن يتعزز ويزداد قوة بسبب صمود الصامدين وصبر الصابرين وسيخسر المعركة في بعدها الحضاري العالمي حين يكشف عن وجهه الوحشي الذي يحاول أن يلبس قناع المحافظة على «حقوق الانسان». وهذا أمر هام في كسب الحرب ضده ، كما أن هذا الأمر سيكون محرجا لمناصري عدونا من دول غريبة تقيم كل دعواها على ما تسميه «حقوق الإنسان والموقف الحضاري». فيصبح صمتها عما يرتكب العدو من جرائم في أقبية التعذيب فضيحة لتلك الدعاوى التي تستخدم ضد الإسلام، ويصبح اضطرارها لاستنكار تلك الجرائم من أجل المحافظة على ماء الوجه مدعاة لارباك صفوف العدو ومناصرتها له ، وان هذين الأمرين هامان في كسب حرب الإسلام ضد اعدائه. فالحرب التي شنها ويشنها اعداء الامة ضد الإسلام والمسلمين في هذا العصر لم تقتصر على التفوق العلمي والتكنولوجي والاقتصادي بالرغم من أهميته. وانما امتدت ايضا الى المجالات الحضارية الاخرى ومن بين ذلك محاولة الظهور بمظهر الحضارة المتمدنة التي تراعي حرية الفكر والمعتقد وحقوق الانسان، وسقط البعض من ابناء الامة في هذه المصيدة حين ظنوا أن هذه القيم هي قيم الحضارة الغربية. ولم يروا ما فيها من تناقضات وخداع، ولا سيما حين يأتي الأمر عند معاملة المسلمين أو الشعوب المستضعفة. ولهذا فان المجاهد الذي يواجه المحققين الصهاينة الذين يمثلون امتداد السيطرة الغربية على بلادنا، وامتداد الحضارة الغربية، وبعض رسلها ، يجب أن يدرك مسؤوليته في كسب المعركة ضد جلاديه في بعدها الحضاري ايضا. لأن الصمود في مثل هذا الظرف سيعطي نموذجا للانسان المسلم المجاهد المعاصر الذي يحمل مبادئ ومثلا عليا. ويحمل قضية حقه يدافع عنها بأيديه العزلاء وجسده العاري الممزق بالسياط ودمه المهراق على أرض الزنزانات. بينما يحمل عدوه أحط المبادئ والقيم ، ويحمل قضية ظالمة يدافع عنها بما يملك من وسائل الدمار، وبما تحمل يديه من سياط وآلات تعذيب. وبهذا تتواجه العقيدتان والحضارتان: عقيدة الإسلام وحضارته عبر عنها تحت التعذيب في يوم من الايام آل ياسر وبلال تحت قيادة الرسول الأعظم وكان مقابلهما الشرك والوحشية والظلم. وهذا ما يمكن أن يتكرر اليوم اذا ما صمد المجاهدون تحت التعذيب بما يجعل الحق يحصحص والباطل يزهق في هذا العصر عصر معركة الإسلام على أرض فلسطين . ويتذكر المجاهد في معركة التحقيق قول الله تعالى: «ان يثقفوكم يكونوا لكم اعداء ويبسطوا اليكم ايديهم والسنتهم بالسوء ودوا لو تكفرون»(الممتحنة، 2) واذكر قوله جل من قائل : «فلا تطع المكذبين ودوا لو تُدهن فيدهنون» (القلم، 8) و«ام يريدون كيدا، فالذين كفروا هم المكيدون» (الطور، 42) و«قل كلٌ متربص فتربصوا ، فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى» (طه،135) «والذين يُؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا» (الاحزاب، 58).
    ويجب ان يظهر تحت الشمس ظهورا واضحا انهم المشركون والمفترون والمجرمون والظالمون والفاسقون، ويظهر المسلمون بانهم الموحدون والصادقون والعادلون والصابرون والمؤمنون أو بكلمات اخرى يجب الا تستوي العقيدتان والحضارتان «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون» (السجدة، 18).



    رابعا : مواجهة اعترافات الآخرين:
    يعزز العدو حربه النفسية المستندة الى مظاهر القوة والسطوة والعلو والقدرة على التعذيب والتنكيل والقتل ، بايهام المجاهد انه يعرف كل شيء عنه وعن اخوانه، ولا تختفي عليه شاردة ، او واردة ، ليقول المجاهد لنفسه وهو يهدهد ضعفه: «مادام يعرف كل شيء فاذا اعترفت له لا أزيد شيئا وأنقذ نفسي من الهلاك»!
    ان هذا لوهم كبير فالعدو لا يعرف كل شيء والعدو، في أسوأ الحالات ، يعرف بعض الشيء عن المجاهد واخوانه المجاهدين ولكنه لا يعرف كل شيء بل أن هذا البعض يكون في أغلب الحالات يسيرا معروفا ولا يغنيه شيئا. ولكنه ينطلق من هذا البعض ليوهم المجاهد انه كثير كثير. وان الأمر ليزداد حرجا حين يكون في القضية عدد من المجاهدين الذين يعرف المجاهد انهم شركاؤه في العمل أو انهم يعرفون عنه وعن بعض ما عمل. فيحاول العدو الاستقرار بكل منهم، والايحاء له ان الآخرين قد اعترفوا بلك شيء، وانه لم يعد بحاجة حتى الى اعترافه. وقد يأتي ببعضهم امامه ليقولوا بعض ما اعترفوا به ، وربما يكون قليلا وتافها. ولكن المقصود من ذلك هو الايحاء بأنهم اعترفوا بكل شيء وربما مر به من أمامهم ليراهم يشربون الشاي أو المرطبات مما يوحي بأنهم انتهوا وغير ذلك من أساليب مشابهة. فعلى المجاهد في هذه الحالة أن يكون فطنا لا تنطلي عليه مثل هذه الاحابيل وان يكون ذا ثقة بان اخوانه قادرون مثله على الصمود، ومن ثم لا يترك لتلك المحاولات الماكرة الى نفسه سبيلا. ولكن حتى لو تأكد فعلا ان اعترافات من بعضهم قد وقعت ، وواجهه بها المحقق ، فعليه أن يصر على الانكار «عينك عينك» ـ كما يقولون ـ ولو كان المعترف عليه، قبل الأسر ، مسؤولا عنه أو قائدا له. فالمسؤول والقائد يفقد تلك المكانة فورا حين يستكين أمام الجلاد الصهيوني ويبيع له لحوم اخوانه، وأمن العمل الجهادي. فالقائد المسلم لا يكون قائدا الا بايمانه الذي يبيع الجسد الفاني والحياة الدنيا ليشري الآخرة، ولا يكون قدوة الا بصموده وشجاعته وحمايته لاخوانه وأمن العمل الجهادي. ولهذا يجب أن ينقلب الأمر فورا فيصبح الجندي الصامد هو القائد والقدوة.ولا يتأثر بمن خضع للعدو وانقاد له. ان استمرار التمسك بالمعلومات وعدم اباحتها للعدو، بالرغم من بعض الاعترافات ، يكون شعارنا تحت كل الظروف. لأن هذا الاصرار حتى في تلك الظروف يلعب دوره في تحطيم معنويات العدو وفي تعزيز راية الجهاد.
    لذلك ان الموقف السليم ، هو اغلاق الباب تماما على الاعتراف والادلاء بالمعلومات، حتى لو وصل الموقف في بعض الحالات للقول للجلاد اني اعرف الكثير ولكني لن اعترف واتحداك أن تعذب وتعذب حتى يتحقق الشوق بالاستشهاد. فالجلاد الصهيوني يجب أن يصبح واثقا بان المجاهد طلاب للشهادة، يسعى اليها سعيا. لأنه عندئذ يبدأ بفقدان أعصابه ويأخذ بالانهيار أمام عزة المؤمنين. وقد يؤدي ذلك الى وقف التعذيب والتخفيف منه. وكثيرا ما كان الاعتراف ولو المحدود جلبه لتعذيب أشد. وكثيرا ما كان تيقن الجلاد من استحالة اعتراف المجاهد مدعاة لوقف التعذيب. لأن العدو لا يريد من التعذيب التشفي أو الانتقام وانما يريد المعلومات بالدرجة الاولى. ويريد أن يرى المجاهدين أذلاء تحت أقدامه يدلون له بالاعترافات . ولهذا تسقط الغاية الاولى من التعذيب حين تكون النتيجة بلا اعترافات وينقلب السحر عليه حين يسقط الشهداء تحت التعذيب.
    في الواقع لا يكفي ان يكون المجاهد فطنا كيسا يقظا حتى لا يخدع بألاعيب العدو وهو يحاول الايحاء بمعرفة كل شيء خلال التلويح ببعض المعلومات السرية. وانما يجب ان يكون بالاضافة الى ذلك، ثابتا راسخا حين يواجه ببعض الاعترافات من بعض المنهارين أمام العدو فيزيد اصرارا على عدم الكلام ولا حتى على تأييدها ووجه به من اعترافات حتى لو جيء بالمعترف فيها امامه وجها لوجه. لأنه أيدها وقع تحت المزيد من التعذيب حتى يخرج كل ما عند وسيصبح وضعه عندئذ اصعب من وضعه لو أصر على عدم الكلام ورفض تأييد ما ووجه به من اعترافات. فالاصرار في هذه الحالة يبقي العدو في حالة شك ولو 5% كما يضعف من معنوياته لانتزاع الاعتراف من المجاهد حين يجده صامدا حتى أمام مثل هذه المواجهة. وكثيرا ما يؤدي ذلك الى تعذيب أقل مما يحدث في حالات الاعتراف الجزئي لأن الاعتراف الجزئي يجعل العدو مقتنعا ان المجاهد بدأ بالتورط ويكفي ممارسة ضغط اضافي عليه حتى ينهار تماما. ولهذا يجب الحذر كل الحذر من الاعتراف الجزئي لأنه في الغالب يجر الى تورط واعترافات كاملة. كما أن مثل هذا الاصرار يضعف قضية المدعي العام في المحاكمة، والعدو الصهيوني حريص دائما على ارسال المتهم الى المحكمة معترفا حتى يحكم من خلال اعترافاته أما اذا كان المتهم غير معترف ولا يدينه غير اعترافات سواه فالقضية تبقى ضعيفة جدا ولا تصدر فيها احكام بالحد الأقصى غالبا. هذا اذا تجرأ على تقديم المتهم الصامد الى المحاكمة. لأن هنالك حالات كثيرة يعود المعترفون فيها عن اعترافاتهم في المحكمة معلنين انها اخذت منهم تحت التعذيب. وهذا ما يزيد من ضعف القضية ويكون موقف المجاهد الصامد هو الأقوى وربما أفلت من الحكم ايضا. وثمة حالات يكون العدو فيها معتمدا في اعتقال المجاهد على معلومات من عميل سري مندس في الصفوف، أو حول الصفوف، ولا يريد كشفه. ومن ثم يصر على أن يعترف المجاهد فلا ينكشف أمر العميل بينما اصرار المجاهد على النكران وعدم الاعتراف يوقع العدو في ارباك شديد، ولا سيما، اذا كان سيقدمه الى المحاكمة. لأن استخدام العميل السري كشاهد يكشف أمره، ويحرمه من مواصلة دوره الخسيس الاجرامي ضد المجاهدين وقضية الجهاد. وهناك قضايا اضطرت العدو امام الصمود ان يجيء بالعميل ليشهد في المحكمة من وراء ستار، فانكشف أمره من جهة كما كانت قضيته ضعيفة من جهة اخرى. وبالمناسبة ان اضعاف القضية امام المحكمة يجب الا تكون غايتها عدم الادانة أو تخفيف الحكم، وانما من المهم أن تفضح الوضع القضائي للعدو ونظهره حكما ظالما طاغوتيا، لا يراعي شؤون العدالة ، ومحاكمه صورية باغية تتحكم فيها المخابرات وهي نتيجة ضرورية في المعركة الشاملة ولا سيما الحضارية ضد اعداء الإسلام ليسقط تباهيهم وادعائهم «بعدالة قضائهم» وبمراعاتهم «لأصول المحاكمات».

    خامسا: الحذر من العملاء
    ولا يكفي أن يكون المجاهد فطنا ضد مكر العدو أو يكون ثابتا صامدا حين يواجه باعترافات زملاء له ، وانما يجب أيضا ان يكون فطنا كيسا شديد الكتمان واليقظة تجاه كل من يقابل في الزنزانات، أو غرفا لتوقيف، أو في السجن، فثمة حالات أرسل فيها العدو عميلا له أو أكثر الى غرفة المجاهد، أو أرسل المجاهد الى حيث هم. وقد بدا عليهم سيماء المجاهدين او المناضلين ، وربما بدت عليهم آثار التعذيب أو الضرب، كما قد يكثرون من الصلاة ، أو الادعاء بالجهادية والنضالية والصمود.وذلك لكي يوهموا بالمجاهد انه بين اخوان له يمكنه أن يثق بهم ويخبرهم بقصته . وهنا ينبغي للمجاهد الا يثرثر مع أي من هؤلاء مهما كان مظهره موحيا بالثقة ، بل مع أي كان حتى لو كان يعرفه حق المعرفة. والا يدلي بأية اقوال تزيد عما قاله للمحقق فاذا لم يكن المعني مدسوسا («عصفورا» كما يسمى في سجون فلسطين ) فان الكتمان يفيد ولا يضر ، بل قد يأمن المجاهد ايضا من أن يكون «للحيطان آذان»، وان للحيطان آذان ولا شك في عصر التقنية. ولهذا فالموقف السليم أن ينسى المجاهد كل ما كان يعرفه من معلومات عن نفسه ، وعن غيره، وعن السلاح خارج السجن ، أو ما قبل لحظة اعتقاله. ولا يتحدث مع أحد الا بقضايا فكرية ودينية أو سياسية او اجتماعية عامة أو قصص وحكايات لا تمت الى الجهاد بصلة. ولكن حتى في هذه الحالة يجب الا يتطرق الى ذك اسماء ومعارف(وربما أماكن) له بهم صلة، حتى لو كانوا عاديين لا علاقة لهم بأمور الجهاد. لأن العدو قد يأتي ويحصل منهم على بعض المعلومات التي تفيده.
    وبالمناسبة ثمة لعبة لجأ اليها العدو الصهيوني من خلال دس عميل له ليلتقي بالمجاهد فيخبره بأنه امضى في السجن كذا سنة أو شهر وانه سيفرج عنه غدا أو بعد حين قريب ، وذلك ليوحي الى المجاهد بالثقة من أجل أن يطمح بتحميله رسالة شفهية الى الخارج، كأن يقول له أذهب الى اخي واختي أو قريبي أو الى فلان وأخبره بان ينتبه من كيت وكيت، أو يطمئنه بأنه لم يعترف عليه. وقد وصلت بعض الحالات في تكليف مثل ذلك العميل بنقل سلاح من مكان الى مكان خوفا عليه من اعتراف آخرين أو من أجل الافادة منه. والنتيجة من مثل هذه الغفلة والغباء كانت وبالا على المجاهد واخوانه. ولهذا فان الموقف السليم هو ان يتخذ المجاهد من وجود آخرين معه من أي طراز ولون كانوا وسيلة ليعزز أفكاره وأقواله عند المحقق وعدم معرفته بشيء ولا يزيد على ذلك مطلقا.
    ينبغي للمجاهد أن يدرك أن من السهل للعميل أن يطيل لحيته وصلاته ويتقن استخدام بعض الدعوات والمصطلحات ويلعب لعبة المؤمن المجاهد الصادم البريء التقي الورع. ومن ثم لا يجوز أن يخدع به اطلاقا. ولكن المشكلة هنا هي كيف يتجنب المجاهد أن يظلم اخا له في مثل تلك الظروف فيظنه مدسوسا وعميلا وهو ليس كذلك ؟ ان الحل بسيط فهو غير مطلوب منه أن يتهم أحد بالعمالة قبل قيام البينة. ولكن المطلوب منه أن الا يدلي بمعلومات، لأي كان مهما كان موثوقا ، فمعلوماته يجب أن تبقى في صدره وبعد ذلك لتكن دماثة في الخلق وفي المعاملة ، والمسايرة وقول كلمة الخير حتى لو كان شريك الزنزانة مدسوسا وعميلا متسترا.

    سادسا : الصمود وقوة الإقناع
    كان الشهيد الاخ أبو حسن (محمد بحيص) قد واجه تجربة التعذيب الشديد طويل الأمد وخرج منه صامدا منتصرا دون أن يدلي بأية معلومات ، قد راح يشدد على ضرورة أن يفكر المجاهد في بعض حالات التحقيق، بتدبير قصة منطقية وواقعية تسؤّغ مسلكا معينا يسأله المحقق حوله. مثلا قصة تفسر لماذا ذهب الى عمان أو الى بيت فلان؟ أو لماذا وجد في المكان كذا في الساعة كذا في اليوم كذا، ومن ثم يتمسك بها أشد الاستمساك حتى بعد أيام وشهور من التعذيب المتواصل حتى ييأس المحقق منه وهو الذي رفض، في البداية ، الاقتناع بتلك الرواية. فاذا كان الاخ ابو حسن يشدد على المعاني الاساسية التي سبق ايرادها فيما يتعلق بالموقف الاساسي الشرعي من جهة رفض الاعتراف وضرورة الصمود تحت التعذيب حتى النهاية الا انه كان يرى في بعض الحالات التي يحقق فيها مع المجاهد ولا سيما بسبب الاشتباه به ، وهو يجتاز حدودا أو حين يلاحظ التردد الى مكان تدور حوله شبهات العدو ، أو حين يكرر خروجه من الأرض المحتلة. فعندما يكون العدو قد أمسك بالمجاهد لشبهة من هذا النوع ، وراح يحقق معه حتى ينطلق من تلك الشبهة لمعرفة كل ما في جعبته من معلومات، فقد تقتضي الضرورة الظهور بمظهر الإنسان العادي الذي لا علاقة له بالعمل السياسي أو الدعاوي. ومن ثم يكون من الضروري اعطاء تسويغ منطقي أو شبه منطقي مقابل تلك التهمة التي تبدأ بسيطة وقد تتحول الى تهمة كبرى حين يصار الى الاعتراف عما اقترف من أعمال جهادية سرية، او الادلاء بمعلومات ، عن أسلحة أو عمن يعرف من مجاهدين . ولهذا من الضروري أن يعطي المجاهد تفسيرا ، على درجة من المنطقية أن امكن ، لمسلكه ، يبعد الشبهة عنه. طبعا لن يقتنع العدو بذلك التفسير ، وسيؤكد للمجاهد انه لا يصدقه وقد يأتي له بجهاز فحص الكذب حتى يثبت له انه يكذب ـ ولكن اذا أصر المجاهد على روايته وصمد أمام الوعيد والتهديد ثم التنكيل والتعذيب فجهاز الكذب هذا لا قيمة له فتأثيره معنوي فقط. ولا مفر للعدو من أن يتبلغ تلك الرواية في نهاية المطاف أو أن تضعه في موضع الشك في اتهاماته، بعد أن يتبين له من حفلات التعذيب ان المتهم لا يمتلك الا ان يكرر روايته الاولى لأن «ليس في جعبته غيرها» وبالمناسبة يجب أن يكون المجاهد متحوطا في بيته حتى لا يعثر العدو ما يؤكد الاشتباه به ، لأن الفشل في العثور على شيء في أثناء تفتيش المتهم وبيته يساعد كثيرا على إضعاف موقف المحقق. أو بكلمات اخرى ان عليه أن يكون قادرا على الاقناع بوجهة نظره أو في الأقل إجبار المحقق على احترامه بعد أن صمد ، وأثبت ان له لسانا لا يعرف النطق بما يريده من اعترافات. وكان الشهيد القائد حمدي (باسم سلطان) يمتاز بهذه القوة الاقناعية وقد كسب جولاته تحت التعذيب أكثر من ثلاث مرات… اما من جهة اخرى فان على المجاهد اذا وجد نفسه عاجزا عن الاقناع وايراد روايات تثبت اقواله وفاجأه العدو بما يدحضها فما عليه الا أن يصر على ما قاله ويجعل قراره صمودا حتى النهاية ولا قرار غيره سواء أكان تحت راية تلك الرواية أو تحت راية الانكار والتحدي. لأن التراجع وتغيير الأقوال يزيد من أمل العدو بانتزاع الاعترافات منه فيزيده تعذيبا ونكالا يفوق التعذيب والنكال. وبالمناسبة من الخطأ أن يحاول المجاهد الظهور بمظهر المستعد للاعتراف حتى يخفف عن جسده وذلك بارسال العدو الى مكان معين يعثر فيه على سلاح مثلا. لأن هذه اللعبة قصير النظر وسرعان ما تتحول الى المزيد من التعذيب المحقق سيعتبر الاعتراف الكاذب بداية الاستعداد للاعتراف.
    ان من غير الممكن للمجاهد ان يكون مقنعا بما دبر من رواية تغطي ما اشتبه به العدو بالنسبة اليه سواء أكانت حجته قوية أو ضعيفة الا بعد صمود تحت التعذيب. فالحجة القوية هنا عامل مساعد من الدرجة الثانية ولكن الأمر الحاسم هو قرار الصمود تحت كل الظروف لأن العدو قادر على إضعاف الرواية بدليل أو بمنطق، ومن ثم لا مفر من لجوئه الى العنف. ولكن ما ان يمارس ذلك ، ويلقي اصرار فسيجد نفسه في نهاية المطاف مرتبكا سواء انتهى مقتنعا بتلك الرواية ام شبه مقتنع، أم غير مقتنع وفقا لكل حالة وحيثياتها. وان وصوله الى ذلك الحد غير ممكن الا بتوفر قرار الصمود حتى النهاية من قبل المجاهد، ومن ثم تأتي أهمية القدرة الاقناعية في تبديد شكوك العدو وهز قناعاته. أن عدم الاعتراف يبقى شكا لدى المحقق مهما امتلك من بينات، بما في ذلك ، شهادات آخرين أو الامساك ببعض الأدلة. طبعا هو يحاول أن يظهر بمظهر الواثق حتى اليقين بما لديه من بينة، ولكن ما لم يحظ على اعتراف من المعني سيظل هنالك خيط من شكل يتعاظم مع استمرار الاصرار والصمود بعد التعذيب الشديد. لأنك حين ترد على شهادة ضدك أتت من مجاهد ادعى انه شريكك أو انه سلمك أو تسلم منك سلاحا أو غير ذلك ، بان المعني ربما يريد الانتقام منك أو انه يريد ان يخفي شخصا آخر ، أو بأنك لا تعرف دوافعه لهذا «التحامل» عليك ، فلا بد من ان تترك شكا لدى المحقق مهما وثق من أقوال المعترف عليك ولا سيما حين يتعزز ذلك من جانبك بصمود حتى النهاية. اما فمن جهة اخرى فعليك الا تفكر الا باتجاه واحد هو كيف تستمر في الامتناع عن الاعتراف ورفض الانهيار مهما كابدت في سبيل ذلك. بل عليك الا تفكر الا برضى الله وعزة الامة وهزيمة العدو ، واذا ما رآك العدو تتمنى الشهادة في سبيل الله اشد مما تتمنى الحياة فاعلم انك منتصر وقد فزت باحدى الحسنين. فاما نصر الصمود في تلك المعركة واما نصر الشهادة. ولكليهما خير عاقبة ليس لك فحسب وانما ايضا لما سيتركانه من عظيم الأثر الايجابي على قضية الجهاد في فلسطين وعلى معنويات اخوانك المجاهدين وثقة الناس بهذا النمط من جند محمد صلى الله عليه وسلم، ولما سيتركانه من عظيم الاثر في دب الرعب في قلوب العدو وهز معنوياته وإلحاق الخسائر به حين يرى المسلم المجاهد بهذا الايمان والقوة والعزيمة وهو أعزل من السلاح وقد مزقت السياط بدنه فلم يعترف ولم تحطم ارادته.
    وبالمناسبة يقال ان رئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق مناحيم بيغن ، المعروف بصلابته في عقيدته وإجرامه، أصيب بكآبة انهت حياته السياسية بعد ان زار قلعة الشقيف في جنوبي لبنان في أثناء حرب الغزو الإسرائيلي عام 1982م، وعلم ان المدافعين عنها ،وكانوا ثلة قليلة العدد من كتيبة الجرمق استشهدوا جمعيا بعد جولات من القتال ولم يؤسر منهم أحد. لقد شكلت هذه الواقعة هزة في نفس بيغن ، وهو الزاحف بجيشه الجرار ، ذلك لما حملته من معنى ومن رمز. فقد رأى فيها علامة لقدرٍ آت فسكنت الكآبة قلبه، وراحت ، مع عوامل اخرى ،تلوكه بعض الوقت حتى أصبح عاجزاً عن العمل فاعتزل.
    ومن هنا فان المجاهدين في فلسطين يحملون أمانة الاكثار من اجتراح البطولات ليكونوا علامات لقدر آت ، باذن الله ، فيتحقق وعد الآخرة فيزمن قريب إنشاء الله. يقول الله تبارك وتعالى: «وقضينا الى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا، فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا إولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ، وإن أسأتم فلها فاذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا» (الاسراء ، 4-7).
    وبعد، فحرب الإسلام ضد الكفر وحرب الأمة ضد دولة يهود في فلسطين لن تحسما بضربة واحدة يحققها جيش جرار ، وإنما ستحتاج الى عملية طويلة من الصراع الصعب والشاق ، فثمة طريق طويل لا بد من أن يجتازه المجاهدون قبل ان تمتلك الامة القوة التي تسمح لها بتحقيق النصر في هذه الحرب. ولن تصل الامة الى تلك القوة إلا عبر طويل جهاد ومعاناة وتضحيات تحت راية «لا إله الا الله» ولا بد من أن يرى الاعداء عباد الله «إولي بأس شديد» يجترحون بطولات في القتال الاستشهادي أو في ساحات التظاهرات أو تحت التعذيب أو أمام المحاكم أو في السجون أو في المطاردة والحصار فيجعلون من أنفسهم قرابين وعلامات من أجل تشجيع الجماهير على شق هذا الطريق. فالهول مدلهم، والعدو مقتحم، وحال الامة تجزئة وتغريب ومذلة ، مع شوق دفين لنهوض ووحدة وعزة. مما يجعل الأرض عطش لمثل اولئك المجاهدين والمجاهدات حتى يرضى الله عنا فينقلب السحر على السحرة، ويأتي نصر الله. وما نصر الله ببعيد، ان بعنا أنفسنا لله، ولم نؤثر الحياة الدنيا على الآخرة ، وجعلناها تجارة لا تبور في العمل الجهادي والاعداد، وفي المعارك وتحت التعذيب ، وفي الخطوات والاهوال والمصائب ، وكذلك في التمكين والنصر.
    ولنذكر قوله تبارك وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم»(محمد :7
    )
    اللهم نسألك صدق النية وأن لا يكون جهادنا إلا لإعلاء كلمتك

  • #2
    مشكورين اخى الكريم

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيك أخي لهيب السرايا


      لآ تقولوآ فِلسطينْ تنزفّ .. بل قولوآ : فِلسطينْ تتبرَع بـِالدمْ لإستعآدة كرآمة العرَب !!!

      تعليق


      • #4
        مشكور اخي وبارك الله فيك وجعل الله ماعملت في ميزان حسناتك واقولها صريحة وما النصر إلا صبر ساعه وحسبي الله ونعم الوكيل

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك أخي لهيب السرايا
          ســرايا القـــدس الوحــدة الخــاصــة

          تعليق


          • #6
            مشكوووور يا اخي ولاكن الخط مو واضح إذا ممكن التوضيح

            تعليق


            • #7
              مشكور وبارك الله قيك اخي الكريم علي هذا الجهد وجعله الله في ميزان حسناتك

              تعليق


              • #8
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
                بارك الله بك , شكراً أخي الكريم
                على هذا الموضوع الطيب



                لا إله إلا الله محمد رسول الله

                تعليق


                • #9
                  بارك الله فيك أخي الكريم
                  سبحان الله وبحمده *** سبحان الله العظيم

                  تعليق


                  • #10
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
                    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
                    موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .



                    لا إله إلا الله محمد رسول الله

                    تعليق


                    • #11
                      مشكور أخي لهيب السرايا على هذا المجهود الرائع



                      و الله يعطيك ألف عافية
                      التعديل الأخير تم بواسطة أبو تراب; الساعة 20-02-2009, 12:16 AM.
                      صمتا فقد نطق الرصاص فحسبنا ....... إن الرصاص إلى الجهاد ينادي ....... يا نائمين على فرش الحرير أما ترون أنا ننام على فراش قتاد ....... نبيت لا ندري أنصبح بعدها ..... ام أن عين الموت بالمرصاد

                      تعليق


                      • #12
                        بارك الله فيك أخي الكريم وجزاك الله كل خير

                        تعليق

                        يعمل...
                        X